رواية حين يزهر القلب الحلقه الرابعه بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية حين يزهر القلب الحلقه الرابعه بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
الحلقة الرابعة موعد مع المدينة
ثواني الصمت بين ليلى وكريم على الرصيف امتدت كأنها هدنة مع الدنيا. باريس حواليهم بتتنفّس ليل: أنوار ذهبية، موسيقى بعيدة، ورائحة خبز طازة طالعة من مخبز في آخر الشارع.
قال كريم بصوت منخفض:
– "تسمحي أوصلك للأوتيل؟"
ترددت لحظة، ثم أومأت بابتسامة خجولة:
– "لو مش هتتعبك."
مشى جنبها بخطوة هادية، محافظًا على مسافة فيها احترام ودفء في نفس الوقت. ما كانش محتاج يقرب علشان يطمنها… حضوره نفسه كان طمأنينة.
مرّوا على واجهات محلات مقفولة وجاليريهات صغيرة لسه نوافذها منورة. ليلى كانت تسمع وقع خطواتهم المتناغمة على الرصيف، وتحس إن الإيقاع ده لوحده موسيقى تكفي الليلة.
سألها بلطف:
– "اليوم كان طويل؟"
– "جِدًّا… بس حلو. حسّيت إني واقفة في مكاني الصح."
– "كنت متأكد."
التفتت له باستغراب رقيق:
– "متأكد إزاي؟"
– "عشان في عينِك نظرة حد يعرف قيمته… حتى لو لسه بيسترجعها."
سكتت ليلى، والابتسامة وسّعت شوي. الهواء البارد حرّك خصلة من شعرها على خدّها. توقّف كريم لحظة، أشار بإيده من غير ما يلمس:
– "مسموح؟"
أومأت. بحركة خفيفة، قرّب الخصلة لورا. لمست أصابعه الهواء قريبًا من جلدها، ومرّت رعشة حلوة، كأن اللحظة نفسها قالت: انتبهوا… في حاجة بتتخلق هنا.
وصلوا لشارع أوسع. أشار كريم لتاكسي جاية من بعيد، وفتح لها الباب قبل ما تقول كلمة. جلست، وهو لف للناحية التانية وقعد جنبها. ظلال باريس انعكست على زجاج النافذة، وبرج إيفل بدأ يطلّ من بين البنايات كأنه بيتفقّد ضيوفه.
قالت ليلى، وعينيها على المدينة:
– "باريس بالليل شبه وعد… ما يتحكيش، يتعاش."
ابتسم كريم:
– "والوعد أحيانًا بيتحقق لما نكون جاهزين نستقبله."
السواق سأل عن الوجهة. ردّت ليلى:
– "Pullman Tour Eiffel."
هزّ كريم راسه موافقًا، وكأنه حافظ الطريق مش بس بالحجر، لكن بالذكريات اللي ممكن تتكتب فيه.
الرحلة كانت قصيرة، لكن مشاعِرها طويلة. حكى هو جملتين عن النهار: اجتماع، مكالمة مع الأولاد، تعب خفيف على الكتف. ما دخلش في تفاصيل، بس طريقته قالت كل اللي محتاج يتقال—راجل مسؤول، ناعم من جوه، وحاضر من غير استعراض.
هي حكت عن العرض، عن اللحظة اللي وقفت فيها قدام المصممين، وعن صوت صغير جواها قال: أنتِ قدّها.
قال ببساطة صادقة:
– "وأنتِ فعلًا قدّها."
التاكسي وقف قدّام مدخل الأوتيل. السلالم الرخامية بتلمع، والنخيل الداخلي بيتراقص على نسمة دافية طالعة من اللوبي. نزل كريم الأول، مدّ إيده يساعدها تنزل. لمست يدها إيده ثواني، ثواني بس… لكنها كانت كافية تخلّي الوقت يبطّأ.
دخلوا اللوبي. ريحة زهور بيضا، صوت بيانو رقيق جاي من بعيد، وسقف عالي يتلألأ. وقفت ليلى عند المصعد، التفتت له:
– "شكرًا… على التوصيلة."
– "الشكر ليكِ… على الصحبة."
سكت لحظة، كأنه يختار مكان الكلمة جوّه بين القلب والعقل، ثم قال بثبات دافئ:
– "لو ما عندِكش مانع… نتعشّى سوا الليلة؟ مكان بسيط على النهر. وعد… هتبقي ليلة خفيفة."
نظرت له ليلى. جواها صوتين: واحد حذر بيحصي المسافات، وواحد تاني طفولي بيلمح للمدينة ويقول عيشي.
قالت بابتسامة هادية، فيها قبول جميل وراحة:
– "موافقة."
ارتسم الارتياح في عينيه:
– "تمام. تغيّري وترتاحي شوية… أقابلك تحت بعد ساعة؟"
– "بعد ساعة."
المصعد فتح. دخلت، وهو فضِل واقف عند الباب لحد ما اتقفل، يلوّح بإيماءة قصيرة. انعكس وجهه على مرايا المصعد لحظة، فحسّت إن القدر ختم على المساء بختم طمأنينة.
في غرفتها، وقفت ليلى عند الشرفة. برج إيفل قدّامها، كأنه بيلبس بدلة من نور. همست وهي تحط إيديها على السور:
"ليلة تتعاش… مش تتحكي."
وتحت، في اللوبي، كان كريم بيبص للساعة… مش استعجال، بل شوق ناضج. شوق راجل اتعلم يستنى الحاجة الحلوة وهي جاية في ميعادها.
بعد ساعة، نزلت ليلى من الأوتيل. كانت لابسة فستان أسود أنيق، بسيط لكنه راقٍ، مع حذاء بكعب متوسط ولمسة خفيفة من العطر. شعرها المنسدل على كتفيها بيتموّج مع خطواتها، وعينيها فيها بريق ليل باريس.
كريم كان واقف في اللوبي، لابس بدلة رمادية داكنة وربطة عنق بسيطة. أول ما شافها، اتّسعت ابتسامته بهدوء، مش ابتسامة مبالغ فيها… ابتسامة راجل شاف قدامه حاجة حقيقية تستحق التأمل.
– "مساء الخير."
– "مساء النور."
خرجوا سوا، وساروا باتجاه نهر السين. المدينة كلها كانت متلألئة، والأنوار بتترجّع على سطح الميّة كأنها آلاف الشموع الموزّعة. وصلوا إلى مطعم صغير وأنيق على ضفة النهر، طاولاته متفرّدة، وعلى كل طاولة شمعة داخل كأس زجاجي شفاف. موسيقى الجاز كانت بتتسلل بخفة من فرقة صغيرة في الركن، ناعمة، دافية، مزيج من الساكسفون والبيانو.
جلسوا على طاولة قريبة من الشباك الكبير المطل على النهر. الجرسون قدّم لهم القوائم، لكن ولا واحد فيهم استعجل يختار. كانوا مشغولين باللحظة أكتر من الأطباق.
كريم نظر إليها بتركيز، ثم قال:
– "عارفة… باريس دايمًا جميلة، بس الليلة شكلها مختلف."
ضحكت بخجل:
– "يمكن عشان شايفها بعين جديدة."
– "أو يمكن… عشان قاعد قدامي شخص بيخلّي كل حاجة تبدو أبسط وأجمل."
نظرت له ليلى، قلبها ارتبك، لكن عقلها حاول يهدّيها: هو بيتكلم عادي… بس ليه كلماته محسوبة على قلبي؟
بدأوا يتكلموا في تفاصيل صغيرة. هي حكت له عن أول مرة سافرت بره بلدها، إزاي كانت تايهة ومتوترة، وإزاي دلوقتي بقت أقوى رغم كل حاجة. هو حكى لها عن يوم صعب مرّ عليه في شغله، إزاي اتعرض لضغط ومشاكل، لكنه قرر يواجه عشان يحافظ على الفريق اللي وراه.
الجرسون جاب لهم العشاء: شرائح سلمون مشوي مع صوص ليمون، وسلطة طازجة. كأسين من عصير العنب الأحمر غير الكحولي. أطباق بسيطة، لكن اتقدمت كأنها لوحة.
رفعت ليلى شوكتها وقالت بابتسامة:
– "أنا مش فاهمة… إزاي ليلة واحدة تقدر تخليني أحس إني عايشة فيلم."
ضحك كريم بخفة:
– "يمكن لأن اللحظة الحقيقية أهم من ألف فيلم."
سكتوا لحظة، والأنظار تلاقت فوق ضوء الشموع. مفيش كلام كان محتاج يتقال… العيون وحدها قالت إن في خيط رفيع بيتكوّن بينهم، خيط صادق وهادئ، زي النهر اللي بيجري قدامهم.
بعد العشاء، وقف كريم وقال:
– "تعالي… لسه في مشهد الليلة ما اكتملش."
ليلى رفعت حاجبها بدهشة خفيفة:
– "لسه في إيه؟"
ابتسم بثقة رقيقة:
– "هنشوف باريس من فوق."
ومشوا سوا باتجاه برج إيفل، والمدينة كلها كأنها بتفرش لهم السجاد من نور.
وصلوا إلى برج إيفل، والأنوار بتلمع كأنه عريس في ليلة زفافه. الناس متجمّعين حواليه، كاميرات بتتصوّر، ضحكات متداخلة بلغات مختلفة، لكن ليلى حسّت إن الضوضاء دي كلها مجرد خلفية… وإن اللحظة دي معمولة ليهم هما بس.
وقفوا في طابور قصير، كريم اشترى التذاكر بسرعة وهو يلمح لها بابتسامة مطمئنة:
– "ولا تشيلي هم حاجة… الليلة دي عليّا."
ركبوا المصعد الزجاجي. كل ما المصعد يطلع، المدينة تحتهم كانت بتصغر وتتحوّل لبقع من نور. ليلى شبكت إيديها في بعض، قلبها بيرتعش من رهبة الارتفاع ومن حاجة تانية أعمق. كريم لمح توترها، فمال ناحيتها وقال بهدوء:
– "متخافيش… أنا هنا."
الجملة دي البسيطة نزلت جواها زي وعد أمان، كأنها سمعتها من شخص كان لازم يقولها من زمان.
وصلوا للمنصة العليا. المنظر كان ساحر: باريس كلها ممدودة تحتهم زي لوحة مضيئة، نهر السين ملتف زي شريط من حرير، والكباري منورة زي عقود ألماس.
ليلى وقفت تلتقط أنفاسها:
– "يا الله… كأننا شايفين الدنيا من قلب السماء."
كريم وقف جنبها، نظر ليها قبل ما ينظر للمدينة. ابتسم ابتسامة هادية وقال:
– "المنظر حلو… بس مش أجمل من اللحظة."
التفتت له، ضحكت بخجل:
– "أنت دايمًا عندك طريقة تخلي الكلام يوجع حلو."
– "مش كلام… إحساس. عارفة، في عمري ده، ما بقيتش أفتّش عن انبهارات سريعة. الليلة دي… أنا بس شايف إن ربنا بيديني هدية ما كنتش متوقعها."
وقفت ليلى صامتة، عينيها تلمع مع أضواء المدينة. هي عاشت كتير وسط تعب، وسط مسؤوليات، وسط خوف من بُكرة… لكن الليلة قلبها قالها: لسه في وقت للحب.
مدّ كريم إيده بهدوء، ما لمسش إيديها، بس خلّاها قريبة منه، كأنه بيستأذن من غير كلام. ليلى اترددت ثواني، وبعدين بهدوء سلّمت إيديها لإيده. كانت أول لمسة صريحة… لمسة ما فيهاش طيش، ما فيهاش استعجال. لمسة أمان.
سكتوا، بس السكون كان أعمق من أي حوار. نسمة هواء عليلة مرّت، والأنوار كل ساعة فجأة انفجرت حوالين البرج، أضواء لامعة بتبرق كأنها نجوم بترقص على جدران الحديد. الناس صرخوا منبهَرين، لكن ليلى وكريم كانوا عايشين انبهار من نوع تاني… انبهار باللي بيحصل جوا قلوبهم.
همست ليلى بصوت واطي، كأنها بتكلم نفسها:
– "أنا كنت فاكرة إن العمر جري… وإن الحاجات دي خلاص مش ليا."
ردّ كريم من غير ما يسيب إيدها:
– "العمر الحقيقي بيبدأ لما القلب يقرر يزهَر… وأظن لحظتنا دي، هي البداية."
وقفت ليلى تبص له، ملامح وجهه انعكست على أضواء باريس. لأول مرة من سنين طويلة، حست إن في راجل قدامها مش بس عايز يقرب، لكن قادر يحمي، يحتوي، ويعيش معاها رحلة مش ناقصة حاجة.
ولما نزلوا من البرج، باريس ما كانتش مجرد مدينة في نظرهم… كانت شاهدة على وعد غير معلَن: وعد إن الحياة لسه بتدي فرصة، وإن القلوب الكبيرة لسه ممكن تلاقي بعضها.
وسط أضواء برج إيفل اللي بترقص زي نجوم قريبة، وقف كريم قدام ليلى، عيونه ثابتة في عينيها. كان ماسك إيدها، مش بقوة… لكن بالقدر اللي يقول إنه مش ناوي يسيبها.
قال بصوت هادي، لكنه مليان صدق:
– "ليلى… أنا مش عايز اللحظة دي تفضل مجرد ذكرى. مش عايز تبقى صدفة ونفتكرها بعدين ونمشي."
اتسعت عينيها بدهشة، قلبها خبط أسرع. هو كمل، نبرته أعمق:
– "أنا عايز نعيش اللحظات دي… ونخلق زيها تاني. يمكن اتأخرنا، يمكن تعبنا… بس يمكن ده معناه إننا مستعدين أكتر من أي وقت. إيه رأيك… ندي نفسنا فرصة؟"
ليلى حسّت دمعة صغيرة تتحبس في عينها. ابتسمت بخجل، وصوتها ارتعش وهي ترد:
– "أنت عارف… أنا طول عمري مستنية حد يقولي الكلام ده… بس كنت فاكرة خلاص انتهى الوقت."
قرب منها خطوة، وقال بحزم دافئ:
– "الوقت بيبدأ من دلوقتي. تعالي نختار… نعيش."
سكتوا لحظة، لكن عيونهم تكلمت. لمّة إيدهم بقت وعد صامت، ووعدهم اتكتب في قلب باريس:
"الحب الحقيقي ما يعرفش عمر… يعرف لحظة صادقة بس."
يمكن الشباب يديك اندفاع، لكن النضج يديك معنى.
ومعنى الحب الحقيقي… إنك تلاقي حد يديك أمان، وانت مش محتاج تشرح ليه.
وفي اللحظة دي، وسط زحمة باريس، ليلى وكريم فهموا:
"مش مهم إمتى ييجي الحب… المهم إنه لما ييجي، يكون هو الصح."
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇


تعليقات
إرسال تعليق