رواية حين يزهر القلب الفصل الخامس بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية حين يزهر القلب الفصل الخامس بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
الحلقة الخامسة وعد العمر
المساء كان باردًا بهدوء، لكن الشوارع لسه دافية من يوم باريس الطويل. ليلى وكريم ماشيين جنب بعض على رُصيف مطلّ على النهر، والأنوار بتلمع على الميّة كأنها طرقات من نور. الراحة كانت باينة في خطواتهم؛ مش محتاجين كلام كتير عشان يحسّوا إنهم سوا.
بعد لحظات صمت حلوة، كسرها كريم بصوت منخفض وهادئ:
– "أنتِ بتحسي إزاي دلوقتي؟ عنّا… عن اللي بينا؟"
ليلى نظرت للميّة اللي قدامهم، وللحريق الخفيف في عينيه اللي انعكس عليها:
– "بحسّ بخطورة الكلام ده. عارفة إن اللي حصل بينا مش صدفة… بس ساعات بخاف. بنسأل نفسنا: هل ده حب ولا إعجاب؟ هل إحنا بنغلط لو دخلنا في حاجة جديدة بعد كل اللي عدّينا؟"
ابتسم كريم بابتسامة فيها لون من الرقة، ومشى خطوة أقرب كأنه بيحاول يختصر المسافة بين قلبها وخوفها:
– "إحنا مش أول ناس في الدنيا بتسأل السؤال ده. لكن اللي اتعلمناه من سنينا… نقدر نفرّق. نعرف نميّز بين شعور عابر مولّع بسرعة، وبين إحساس عميق بيثبت ويتغذّى بالوقت."
التفتت ليلى ليه بعيون فيها ريبة وفضول مع بعض:
– "طب وإنت؟ إنت شايف اللي بينا إيه؟"
كريم اتكأ على الحاجز اللي على النهر، وبص لعينها بثبات:
– "أنا حاسس بإعجاب كبير قوي، مش بس إعجاب بشكلك أو حضورك. إعجاب بحاجة جواك — قوة حقيقية، طيبة، وشجاعة. ده مش بس شرارة، ده شيء بيقدر يكبر ويتحمل."
ليلى ضحكت بخفة، وضحكتها كانت فيها مرارة طفيفة:
– "طب لو ده غلط؟ لو إحنا كبار أوي وبندخل في حاجة ممكن تجرح ناس حوالينا؟"
كريم ثبت نظره في ملامحها، وفي صوته حنية بتحاول تكسر أي شك:
– "إزاي يبقى غلط؟ إحنا لسه شباب بالنسبة للحاجات اللي بتهم القلب. السن رقم بس… مش قانون يمنع السعادة."
وبنبرة جادة أكتر أضاف:
– "على فكرة، أنا 45 سنة، وفي بلدان تانية لسه فيه ناس في سني ما اتجوزوش حتى. أرجوكِ بلاش التفكير الرجعي اللي بيقول إن الست بعد الأربعين خلاص عجزت. ده مفهوم غلط… اتزرع في مجتمع متخلّف."
ليلى رفعت حاجبها وقالت بهدوء:
– "يمكن عندك حق… بس ده لأنك عايش في أوروبا."
ابتسم كريم وهو بيهز راسه:
– "العقلية مالهاش علاقة بأوروبا ولا بمصر. دي قناعة جوّه الواحد. أرجوكِ… خلينا نعيش المشاعر الحلوة. ربنا شاهد على كل حاجة… وربنا هو اللي رتّب الأمور دي."
مدّ إيده بخفة، ماسك كفها، ملامسه دافية وسط برودة الهوا:
– "لازم تغيّري طريقة تفكيرك دي يا ليلى. مش لأنك اطّلقتي يبقى القصة انتهت. الطلاق فصل صعب، لكنه مش هو الحكم النهائي لحياتك. ليكِ حق تعيشي… ليكِ حق تفتحي صفحة جديدة من غير ذنب، من غير خوف."
وقفت هنيهة، كأن الكلمات دي داخلة جواها بتصقل حاجة قديمة. ليلى همست بصوت واطي، لكن فيه قوة بتطلع من الصدر:
– "ممكن… يمكن أتعلم أشوفها كده."
كريم ابتسم وعيونه فيها وعد:
– "هعلمك تاني… وإحنا مع بعض. مش هتكوني لوحدك."
ورجعوا يمشوا جنب الميّة، والمدينة حواليهم لسه بتنور. الكلام ما خلّصش الخوف خالص، لكن زرع بذرة جديدة — بذرة بتقول إن الحق في السعادة مش خطيئة، وإن العمر مش مقياس للبدء من تاني.
مرت أسابيع، ثم شهور. رجعت ليلى مصر بعد رحلتها في باريس، لكن المسافة ما قدرتش تفصلها عن كريم. كل يوم كان في تواصل: مكالمات طويلة، رسائل فجأة في نص اليوم، وصوت بيطمنها إنها مش لوحدها. ومع مرور الوقت، الاتنين بقوا متأكدين إن اللي بينهم مش نزوة سفر ولا صدفة مؤقتة… ده حب حقيقي بيكبر معاهم.
وفي إحدى المكالمات، صوته كان أهدأ من المعتاد، لكن فيه جدية واضحة:
– "ليلى… في حاجة لازم أقولها بوضوح. أنا مش عايز أفضل أحبك من بعيد. أنا عايز أعيش معاكي حياتي… في بيت واحد، كزوج وزوجة."
سكتت لحظة، قلبها اتقبض من التردد:
– "كريم… الموضوع مش سهل. الجواز مش لعبة، وبالذات بعد اللي مرّيت بيه."
ابتسم من الطرف التاني، كأنه كان متوقع التردد:
– "عارف. وعشان كده ما طلبتش ده إلا بعد ما اتأكدت إني فعلًا بحبك… وإن بينا كيمياء نادرة، تفاهم بيخليني مطمّن. الطبيعي بعد ده إننا نتجوز. الحب من غير قرار يفضل ناقص."
ليلى تنهدت:
– "بس أنا عندي أولاد… مسؤوليات. مش هقدر أغامر."
رد بسرعة، وبصوت ثابت:
– "وأنا عارف ده من أول يوم. لما حبّيتك ما كنتش جاهل إنك أم. بالعكس… ده اللي خلاني أحترمك أكتر. ولادك يعيشوا معانا عادي، وأنا هكون جنبك وجنبهم. أنا راجل مسؤول، وقدّرت أمومتك من البداية."
سكتت، والدمعة اتجمعت في عينها، مش من ضعف… لكن من إحساس نادر إنها اتقابلت بصدق. قالت بصوت واطي:
– "كريم… أنا مش متعودة أسمع الكلام ده. يمكن عشان كده قلبي بيخاف يصدّق."
هو ردّ بحنان ودفء:
– "سيبيه يصدّق. مش عشان الكلام… لكن عشان الأفعال اللي هتشوفيها. أنا اخترتك مش رغم أمومتك… لكن بيها. اخترتك بكل تفاصيلك."
ليلى أغلقت عينيها للحظة، تسمح للكلمات تدخل جواها زي وعد… وعد إن فيه لسه بداية جديدة ممكن تتحقق.
وبعد لحظة صمت قصيرة، أضاف بصوت جاد واثق:
– "وعد مني يا ليلى… قريب جدًا هاجي مصر وأكلم أهلك رسمي. عايز كل حاجة تكون واضحة ونظيفة، زي مشاعري ليكي."
ليلى أغلقت عينيها للحظة، تسمح للكلمات تدخل جواها زي وعد… وعد إن فيه لسه بداية جديدة ممكن تتحقق.
هبطت طائرة كريم في مطار القاهرة مع غروب الشمس. الأفق كان ملوَّن بدرجات برتقالية ووردية، والمدينة تحت بتستعد لليلها الصاخب. قلبه كان بيدق أسرع من أي رحلة عمل سافرها قبل كده… الرحلة دي مختلفة، دي رحلة وعد.
ليلى كانت واقفة في صالة الوصول. لبسها بسيط لكنه أنيق، عينيها فيها توتر وفرحة مختبئان معًا. أول ما شافته خارج من البوابة، ابتسمت ابتسامة صغيرة، والارتباك غطّى وجهها. هو ابتسم ابتسامة أكبر، مطمئنة:
– "وأخيرًا… مصر جمعتنا."
مشوا سوا ناحية السيارة، والجو مليان صمت دافئ. كريم مدّ إيده يشيل شنطته، وقال بهدوء:
– "أنا هنا علشان أوفي بوعدي… مش بس ليكي، لكن لأهلك كمان."
ليلى ابتلعت ريقها، صوتها كان فيه ارتجاف:
– "ماما مترددة… والولاد لسه مش متقبلين. خايفة الموقف يكون صعب عليك."
ضحك بخفة، وصوته فيه ثقة هادية:
– "أنا ما جيتش أدور على السهل. جيت أدور على الصح. ولو الطريق فيه تحديات… هنتخطاها مع بعض."
وصلوا البيت. الأم كانت قاعدة في الصالة، ملامحها جدية، عينيها بترقب القادم الجديد. كريم دخل بخطوة ثابتة، وقبّل يدها باحترام كبير:
– "تشرفت بمعرفة حضرتك. أنا جيت علشان أطلب إيد بنتك رسمي."
الأم بصّت له لحظة طويلة، ما ردّتش بكلمة. ليلى وقفت بين الاتنين، قلبها بيخبط، وولادها واقفين على جنب، ملامحهم مش راضية. الجو اتملأ بالشدّ.
كريم قرر يكسر الصمت بنفسه، جلس قدام الأم وقال:
– "أنا عارف إن حضرتك خايفة عليها. وأنا لو مكانك هكون حذر. بس أنا جيت هنا علشان أقولك بكل وضوح: نيتي شريفة. جاي أعيش معاها حياة كريمة، وأكون سند ليها ولي ولادها."
الأم شدّت نفس عميق، ولسانها نطق أخيرًا:
– "الكلام حلو يا ابني… لكن الأيام هي اللي بتثبت."
كريم أومأ بهدوء:
– "عندي وقت… ومستعد أثبت كل يوم إني قد الكلمة."
بعد ما خلص الحوار الأول مع الأم، الجو في الصالة كان مشحون. ليلى حاولت تهدّي الأمور، لكن عمر – ابنها الكبير – اتقدّم خطوة قدام كريم، وصوته كان مليان غضب مكتوم:
– "هو إيه اللي جابك هنا؟! إحنا مش محتاجين حد ياخد مكان بابانا."
ليلى ارتبكت، حاولت تهدّي:
– "عمر… اسمعني بس—"
لكنه قاطعها:
– "ماما، أنا مش هقبل حد غريب يعيش معانا ويفرض نفسه علينا!"
مريم، بنتها الصغيرة، كانت ساكتة، لكن دموعها بتلمع في عينيها وهي تبصّ لكريم بخوف.
كريم ما اندفعش ولا اتعصب. بصّ لعمر بثبات هادي وقال:
– "أنا مش جاي آخد مكان أبوك. أبوك هيفضل أبوك مهما حصل، وأنا عمري ما هحاول أغيّر ده."
عمر رد بسرعة:
– "طب ليه عايز تتجوز ماما؟! مش كفاية إننا عيلة صغيرة ونكمّل زي ما إحنا؟"
كريم اتنهد وقال بصوت عميق:
– "لأن مامتك تستاهل تعيش حياة طبيعية. مش بس تبقى أم، لكن تبقى كمان ست ليها قلب وأحلام. وأنا عايز أكون معاها علشان أديها الأمان اللي تستحقه… وأكون كمان في ضهركم إنتوا."
مريم بصوت ضعيف قالت:
– "وإحنا؟ هتسيبنا؟"
ابتسم لها بحنان:
– "إزاي أسيبكم؟ إنتو جزء من ماما، ومن يوم ما حبيتها… بقيتوا إنتو كمان جزء مني. أنا مش جاي ألغيكم، أنا جاي أوسع قلبنا ونبقى عيلة أكبر."
ليلى دموعها نزلت وهي شايفة إزاي كريم بيتكلم بحب واحترام لأولادها. الأم فضلت متابعة بصمت، لكن نظرة عينيها بدأت تلين.
عمر فضِل ساكت للحظة، واضح إنه لسه مش مقتنع، لكن صوته نزل درجة:
– "الكلام سهل يا أستاذ كريم… إحنا هنشوف الأفعال."
كريم هز راسه بابتسامة ثابتة:
– "وده اللي أنا مستنيه يا عمر… الفرصة إني أثبتلكوا بالأفعال."
في بيت كريم، الجو كان تقيل. طليقته "ندى" قاعدة على الكرسي، وأولاده قاعدين حواليها. العيون مليانة تساؤلات وغضب. كريم دخل بخطوة ثابتة، وقف قدامهم كلهم.
ندى بصّت له بحدة:
– "إنت بجد ناوي تتجوز؟ بعد العمر ده كله؟ وتجيب ست غريبة تعيش مع ولادك؟"
كريم رد بهدوء، لكن صوته فيه حزم:
– "مش غريبة يا ندى. دي إنسانة حقيقية دخلت حياتي وغيرتني. وأنا ما بخونش أولادي، ولا بخون ذكرياتنا. بس كمان… من حقي ألاقي سعادتي."
ابنه الكبير، يوسف، قال بعصبية:
– "بابا، إحنا مش ناقصين. إنت طول عمرك بتقول إننا أهم حاجة… إزاي دلوقتي هتشاركنا مع واحدة تانية؟"
كريم قرب منه، حط إيده على كتفه:
– "إنتو هتفضلوا أهم حاجة. الجواز ده مش هيقلل من حبي ليكم ولا مسؤوليتي عنكم. بالعكس… هيزودني قوة إني أكون أب أفضل. الحب مش بيتقسم يا يوسف… الحب الحقيقي بيتضاعف."
بنتُه، ساره الصغيرة، بصت له بدموع:
– "يعني هي هتبقى مكان ماما؟"
كريم ركع قدامها، وعيونه مليانة صدق:
– "مفيش حد يا حبيبتي ياخد مكان مامتك. مامتك ليها مكانة ما حدش يقدر يغيّرها. لكن في حد ممكن يبقى صديقة، سند، ويضيف لبيتنا حب وأمان… مش ياخد حاجة منكم."
ندى الطليقة قاطعته، صوتها متوتر:
– "الكلام سهل يا كريم، بس أنا اللي شايلة التربية والتعب. إنت فاكر إنهم هيقبلوا بسهولة؟"
كريم رفع راسه وبص لها بثبات:
– "عارف إن الموضوع مش سهل. وعمري ما كنت بدوّر على السهل. بس أنا عارف أنا عايز إيه… وعايز أعيش حياة طبيعية. إنتي اخترتِ طريقك، وأنا باحترمه. وأنا كمان من حقي أختار. والأهم… إني عمري ما هسيب ولادي، مهما حصل."
سكتوا كلهم لحظة، الجو مشحون لكن فيه صدق في كلامه. هو ما كانش بيحاول يتهرّب أو يزوّق الكلام. كان بيحط حقيقة واضحة: إن قلبه لقى فرصة جديدة، من غير ما يبيع مسؤولياته أو يتنازل عن دوره كأب.
يوسف رفع صوته، والغضب مغطي وشه:
– "إنت بتتكلم كأن الموضوع طبيعي يا بابا! إحنا مش هنسكت، ومش هنسلم بسهولة لواحدة غريبة تدخل حياتنا."
ساره الصغيرة شدت في كم أمها وقالت بصوت باكي:
– "بس… هو ليه بيتكلم عنها كده؟ كأنه شايفها ملاك…"
الأم زفرت بقوة، وقالت بحدة:
– "عشان دي الأيام اللي إحنا فيها… كل واحد بيدوّر على نفسه وينسى أولاده."
كريم مسك أعصابه بصعوبة، وقال بهدوء فيه قوة:
– "أنا ما نسيتكوش يوم، وإنتو عارفين. غضبكم مفهوم… لكن لو فضلتوا تبصوا من زاوية واحدة، مش هتشوفوا الحقيقة."
يوسف ضرب الأرض برجله وقال:
– "إحنا مش محتاجين نشوف! كل اللي نعرفه إنك ناوي تغيّر حياتنا."
لكن وهو بيقول الكلمة الأخيرة، عينه خانته للحظة… في فضول صغير ظهر، كأنه بيتساءل: مين الست اللي مخلياه يتكلم بالصدق ده؟
ساره بصت لأخوها وقالت بهمس مسموع:
– "يمكن… عايزين نعرف هي مين الأول."
سكت يوسف، ورجع قاعد مكانه بعصبية، بس ما قالش لا.
ندى الطليقة ضيقت عينيها، كأنها فاهمة إن البذرة الأولى للفضول بدأت تتحرك جوا أولادها.
كريم لمح التغيّر ده، وما ضغطش عليهم. اكتفى بابتسامة صغيرة وقال:
– "هتتعرفوا عليها… وهتشوفوا بعينيكم. مش لازم تصدقوا كلامي دلوقتي، الأيام كفيلة تثبت."
الجو ظل مشحون، لكن تحت الغضب… كان في خيط فضول اتفتح، خيط هيغيّر كل حاجة بعدين.
بعد شد و كلام كثير كريم قرر ان كل اولاد يتقابلو
كريم اختار يقابل أولاده وطليقته في كافيه واسع على ضفة النيل. الإضاءة ناعمة، والجو شكله عادي من برّه، لكن داخله كان عاصفة مشاعر.
دخل يوسف الأول، خطواته تقيلة وصوته سابقه:
– "بابا… بجد الكلام اللي سمعناه؟ إنت ناوي تتجوز؟"
ورا يوسف، أخته سارة دخلت بنظرات متوترة، ماسكة شنطتها بقوة. الطليقة، ندى، كانت ماشية وراهم، وجهها متماسك لكن عيونها فيها غليان.
كريم وقف يستقبلهم بابتسامة ثابتة:
– "آه… الكلام صحيح. أنا هتجوز."
يوسف رفع صوته:
– "إزاي تعمل كده من غير ما تفكر فينا؟!"
كريم ما فقدش هدوءه:
– "فكرت فيكم… ولسه بفكر فيكم. بس كمان ليّا حياة. من حقي أعيشها."
ندى قاطعت بمرارة:
– "حياة؟ وإحنا كنا إيه؟ مجرد محطة؟"
نظر لها كريم بهدوء:
– "إنتِ عارفة إني عمري ما تخلّيت عنكم. أنا واقف معاكم في كل مسؤولياتكم… ولسه هافضل. لكن الزواج ده مش معناه إني هجردكم من مكانكم. إنتِ أم ولادي… وهتفضلي أمهم، وأنا أبوهم، مهما حصل."
سارة قالت بخوف:
– "بس… هي عندها بنت، صح؟ مريم. يعني هنلاقي نفسنا فجأة مع عيلة تانية؟"
ابتسم كريم ابتسامة هادية وقال:
– "مريم بنتها… وأنا عارف ده من أول يوم. ما أخدتش القرار ده من فراغ. بالعكس… ده خلاني أحترم ليلى أكتر. لأنها مش بس ست… هي كمان أم، وعارفة يعني إيه مسؤولية. وأنا مقدّر ده."
يوسف ضحك بسخرية:
– "إحنا مش هنقبلها بسهولة، يا بابا."
كريم رد بحزم، لكن صوته فيه حنان:
– "ما بطلبش القبول دلوقتي. أنا طالب فرصة. فرصة تشوفوا بعينيكم إني مش ببدّل عيلة بعيلة… لكن بوسّع قلبي. وده مش هيقلّل منكم ولا من مكانكم عندي."
ندى بصت له بحدة، لكن نبرتها نزلت درجة:
– "الكلام ده جميل… بس الأيام هي اللي هتكشف."
كريم أومأ بهدوء:
– "وعندي وقت كافي عشان أثبتلكوا بالأفعال."
في اللحظة دي، الجو كان مشحون بالغضب والفضول في نفس الوقت. ملامح يوسف متصلبة، سارة مترددة، وندى مش عايزة تعترف إنها متأثرة بكلامه. لكن رغم التوتر، كان واضح إن البذرة اتزرعت… بذرة إن اللي جاي ممكن يغيّر حاجات كتير.
ندى، اللي كانت ساكتة معظم الوقت، عدّلت جلستها وقالت بصوت واضح:
– "أنا محتاجة أوضح نقطة يا كريم… وجودي في حياتك مش هيتغير. أنا مش بتكلم كزوجة سابقة بس، لكن كأم لأولادك… وكمان كصديقة. إحنا شاركنا عمر طويل مع بعض، وخير أو شر، في بينا رابط مش هيتقطع. وأنا مش مستعدة أشوف العلاقة دي تتهز أو يحصل غيرة بعد الزواج."
الكلام نزل تقيل على الطاولة. ليلى رفعت راسها بهدوء، بصت لندى بثبات. قلبها اتقبض للحظة، لكن عقلها أسرع منها وقال: ده طبيعي… دي أم أولاده، مش ينفع غير كده.
ردّت ليلى بصوت هادي لكن فيه وضوح:
– "أنا متفهمة تمامًا. بالعكس… أنا شايفة إن ده دليل إنكِ أم مسؤولة. وأنا ما عنديش مشكلة خالص إنك تفضلي موجودة في حياته كأم لأولاده… أو حتى كصديقة. اللي يهمني إن العلاقة تبقى محترمة وواضحة، علشان محدش يتأذى."
كريم بصّ لليلى، وعينيه مليانة تقدير. هو عارف إن كلامها ده مش سهل… لكنه كمان كان عارف إنها من النوع اللي بيقدر يفرق بين الغيرة المدمرة والنضج اللي يحافظ على البيت.
ندى أطرقت برأسها للحظة، وبعدين رفعت نظرها لليلى وقالت بنبرة أهدأ:
– "لو فعلاً قصدك كده… يبقى يمكن نقدر نلاقي طريقة نتعايش بيها."
ابتسمت ليلى بخفة:
– "القصة مش منافسة يا ندى… القصة إننا كلنا نكمل بعض، كل واحد في مكانه."
الأولاد كانوا بيتابعوا الحوار بصمت، يوسف بعينيه المتحفزة وسارة بفضولها الواضح. عمر شد إيد أمه تحت الطاولة، كأنه بيقول لها: أنا فخور بيكي.
والجو اللي بدأ متوتر… ابتدى يهدأ شوية، كأن أول خطوة في بناء الجسر بينهم اتاخدت.
بعد اللقاء الطويل، وبعد شد وجذب وأسئلة كتير، حصل اللي ما كانش متوقّع: الكل اتفق. ندى قالت إنها مش ضد زواج كريم، يوسف وسارة وافقوا بعدما شافوا جدية ليلى ودفء تعاملها، وحتى عمر ومريم – أولاد ليلى – بدأوا يتقبّلوا فكرة إن في رجل راجل هيشاركهم حياتهم ويحترم أمهم.
الموافقة جت مش فجأة… لكن زي ما تكون ثمرة صبر طويل.
بعد أيام قليلة، اتعمل كتب الكتاب في جو عائلي بسيط لكنه مليان دفء. زينة خفيفة، ورود بيضا على الطاولات، وأصوات ضحك متقطعة بتكسر أي توتر باقي. كريم وقف جنب ليلى وهو ماسك إيدها، ونظراتهم كانت أهم من أي كلمات، كأنهم بيكتبوا عهد جديد بين قلوبهم.
وبعدها… بدأت الحكاية الجديدة.
سافروا سوا إلى فينيسيا. المدينة اللي بتطفو على الميّة كأنها حلم. القنوات الضيقة، الجندولات السوداء، والكمان اللي بيعزف من بعيد كل ليلة. ليلى كانت قاعدة في الجندول، شعرها بيتطاير مع نسمة البحر، وكريم ماسك إيدها وهو يقول:
– "شايفة؟ كل ده لينا… ومهما كبرنا، هنفضل نعيش كأننا لسه بنبتدي."
ابتسمت ليلى والدموع بتنور في عينيها:
– "عمري ما كنت أصدق إن بعد الأربعين ممكن ألاقي نفسي عايشة قصة زي دي."
رد كريم وهو يقرّب إيده من خدها بحنان:
– "الحب الحقيقي ما يعرفش أرقام… ولا بيشوف سن. الحب هو اللحظة اللي القلب فيها يزهَر… وإحنا زهّرنا دلوقتي."
وفي فينيسيا، وسط الميّة والأنوار، اتكتب الدرس الكبير:
أن السعادة مش مرتبطة بالعمر…
وأن القلب ممكن يلاقي نصيبه حتى بعد ما يفتكر إن العمر عدى.
وأن الحب الناضج، لما ييجي، بيبقى أعمق وأصدق من أي اندفاع شبابي.
الحب مالوش عمر… لكن ليه وقت. ووقته دايمًا بييجي لما نكون مستعدين نستقبله.
"أصدق حب هو الحب الناضج… حب يعرف يفرّق بين الوهم والحقيقة، ويثبت مع الوقت. الحب مالوش عمر، واللي اتنين اتعلموه إن الحياة حلوة ولازم تتعاش، لحظة بلحظة، بإيدين متشابكة وقلبين مطمّنين."
"فالحب مش عمره بالسِنين… الحب عمره بالصدق والحنين."
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇


تعليقات
إرسال تعليق