القائمة الرئيسية

الصفحات

قيود تنتظر الغفران بقلم الكاتبه آيه طه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 قيود تنتظر الغفران بقلم الكاتبه آيه طه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



قيود تنتظر الغفران بقلم الكاتبه آيه طه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


الدار كلها مقلوبة.

المأذون قاعد على الحصيرة، ماسك القلم والورق. 

رجالة العيلة متصدرين الصف الأول: عم يوسف الكبير "عبد الجليل"، والشيخ "مبروك"، وحسين قاعد في الركن، عينه تلمع زي عيون الثعابين.


يوسف واقف، طويل وعريض، لابس جلابية كحلي، بس وشه مصفر كأنه راجع من جنازة مش فرح.

هاجر في النص التاني من المجلس، قاعدة بين ستات العيلة، طرحتها على وشها، إيدها بتترعش.


المأذون بصوت مسموع:

 يا أستاذ يوسف أحمد عبد الرحيم، بتقبل جوازك من الست هاجر عبد الجليل، على كتاب الله وسنة رسوله، بالمهر المسمى بينكم؟


يوسف بلع ريقه، صوته مكتوم.

– …


الكل بص له.

عمه عبد الجليل ضرب عصيته في الأرض بقوة:

واه واه ما تنطق يا يوسف! ما تفضحناش قدام الخلق اكديه..... قول ياولد


يوسف رفع راسه، عينيه مغمورة دموع مكبوتة، وقال بصوت مبحوح:

 … ايوا بقبل... 


صوت صفير من حسين، حاول يغطيه بكحة.

المأذون حرك راسه ناحية هاجر.


 وإنتي يا هاجر عبد الجليل… بتقبلي جوازك من يوسف أحمد عبد الرحيم، على كتاب الله وسنة رسوله؟


هاجر حست الدنيا بتلف.

دموعها نزلت، قلبها بيصرخ "لا"، لكن حواليها الستات بيزغدوا فيها:

 قولي قبلت يا بت… قولي قبلت… متركبيناش العار.... والله ابوكي يطوخك عيارين يطلع روحك..... انطقي يابت وخلي الليله تعدي على خير.. 


صوت أمها جه من ورا:

 هاجر! ما تعمليش فضيحة انطقي يابتي.... احنا بنعرف الصوح فين اكتر منك.... اسمعي الكلمه وانطقي.. 


هاجر كتمت شهقتها، وقالت بصوت متقطع:

– ق… قبلت.


الدنيا اتقلبت.

زغاريد ملت السما، الستات يهللوا، الرجالة يضحكوا ويشدوا في إيد يوسف.

يوسف واقف زي الصنم، ما فيهوش روح.

هاجر نزلت وشها أكتر وأكتر، طرحتها غطت نص وشها.


حسين ابتسم وهو بيبص ليوسف:

 ألف مبروك يا ابن عمي… إن شاء الله خير.

وتبقى زواجه العمر كله.... مش زي اللى فاتت اكديه.... 


يوسف بص له نظرة نارية:

 إن شاء الله خير…وملكش صالح ياحسين بزواجتي اللى فاتت ولا تجيب سيرتها علشان مزعلكش برده فعلي عليك سامع ولا لاه.... 


المأذون كتب الورق، وقفل الدفتر.

مبارك لكم عليكم… على بركة الله.بالرفاء والبنين باذن الله.. 


يوسف ما ردش.

مشي ناحية الباب بخطوات تقيلة.

هاجر قامت ببطء، رجليها تتلخبط من الخوف، مشت ورا يوسف.


بره الطريق للدار كان مزين فوانيس وورود، بس يوسف ما شافش حاجة، ولا هاجر شافت.

كانوا ماشيين جنب بعض، ساكتين، بينهم جدار صامت.


يوسف دخل الدار، بص للحوش الفاضي وقال بحدة:

اتفضلي روحي أوضتك وفضي حاجتك وانا هكون بالاوضه التانيه داي..... 


هاجر وقفت، قلبها بينط من مكانه.

احم.... أوضتي؟!


يوسف: أيوا… الأوضة اللي كانت بتنام فيها سلمى… بقت أوضتك دلوك... 


كلمة "سلمى" كسرت قلبه قبل قلبها.

هاجر بصت للأرض، دموعها نزلت.

دخلت الأوضة وسابت نفسها على السرير، غطت وشها بالطرحة، وبكت بصوت مخنوق.


يوسف دخل أوضته التانية، رمى نفسه جنب السرير، حط راسه في كفه، وقال بصوت واطي بيتقطع:

 يا سلمى… سامحيني.ما كنتش رايد… والله ما كنت رايد...... هما اللى غصبوا عليا وضغطوا.... 


الليل ساكن في دار يوسف، والهوى ماشي ببرود بين جدران الطين.

يوسف وهو ممدد على حصيره في أوضته، عينه معلقة في السقف.

دماغه مشغولة، والليلة دي بالذات كل ذكرى بترجع تلسع قلبه.


صوت ضحكة سلمى بيرن جوا ودانه…

ضحكة كانت بتملأ الدار بالونس.


🎬 فلاش باك 


الحوش مليان دوشة.

سلمى – مراته وبنت عمه – قاعدة بتعجن العيش في الطابونة، شعرها طالع من تحت الطرحة ووشها منور بابتسامة.

يوسف داخل شايل حمل علف على كتفه.


يوسف: واه يا ولية، هتخلصي عجين النهارده ولا لساتك بتعجني فيه عاد.... 


سلمى تضحك وهي تمسح عرقها:

واه ياراجل إنت جايب حملك والغيط اللى ورا الدار وعاوزني أخلص عجيني في ساعة؟ لاه إنت مش يوسف اللي أعرفه!


يوسف يقعد جنبها، ياخد عجينة في إيده.

واه وبعدهالك عاد.... طب خليني أساعدك اكديه بقيت يوسف اللى تعرفيه صوح.... 


سلمى: واه واه يوسف على سن ورمح هيحط إيده في العجين ؟! دي معجزة لو حوصولت.... ومحدش هيصدقني واصل.... 


يوسف: واه ليه يعني؟ أنا صوح راجل إيديا ناشفة من الأرض والزرع، مش هتعرف تعجن يعني؟


سلمى هي تبص له وتضحك:

 لاه، دي إيدينك للحرث والجدعنة… سيب العجن عليا..... ايوا رايدين ناكل مش يجيلنا مغص ووجع بطن..... 


يوسف ساب العجينة ورجع ضحك معاها.

صوت أولادهم جريوا في الحوش: ابووووووي… يا ابوي... ابوي جه ابوي جه... 


اتنين صغيرين، عيونهم فيها نفس لمعة سلمى.

يوسف شال واحد على كتفه وقال:

يا مرحب يا مرحب بالباشا سليم… ديه بقى قلب أبوه.

والتاني شد هدومه وقال:

 وأنا يا يابا؟

يوسف: وإنت يا وليد… نور الدار.


سلمى بصت عليهم والدمعة في عينها من فرحتها:

 ربنا يخليهم ليك ويخليك ليهم قادر ياكريم... 


بالليل، يوسف قاعد في الحوش، سلمى قاعدة جنبه.


سلمى قالت له:

بقولك يا يوسف… لو جرالي يوم حاجة…را... 


يوسف بيقاطعها: استغفري ربك يا سلمى، ما تقوليش اكديه تاني.... وخلي الليله تعدي على رواق عاد.... 


سلمى: اهدى بس اكديه... بقولك فرض يعني… لو مشيت وسيبتك والعيال؟


يوسف بص لها بحزم:

وبعدهالك عاد ياوليه...مش قولتلك ما تقوليش اكديه تاني. إنتي عمرك ما هتمشي وتسيبيني خلاص بقى عاد ومتنكديش اكديه الله لا يسيئك يا سلمى الحديت الماسخ بيوجعلي قلبي... 


سلمى: بس يا يوسف انا بقول الحق كلنا رايحين يا يوسف… وانا بس رايده اطمن عليك وعلى العيال..... 


يوسف شد إيدها:

بصي يا سلمى علشان نقفل الحديت ديه ومنفتحش فيه تاني واصل..... إنتي عمري يا سلمى. لو بعدتي… أنا اللي أموت..... انتى فى كل حاجه يا سلمى مقدرش ابعد عنك واصل اقفلي على الحديت الماسخ ديه 


سلمى ابتسمت وهي تبص للنجوم.

ربنا يطول في عمري علشانك.


الأيام تتقلب، والضحكة تسكت.

سلمى عيت فجأة، مرض غريب هدها.

يوسف يوديها للدكاترة، يلف بيها من بلد لبلد.

كل ما يرجع، عينه مليانة دموع، وهو ماسك إيدها اللي بتضعف يوم بعد يوم.


في ليلة برد، يوسف كان قاعد جنبها، وهي بتنهج:

سلمى: يوسف… ما تسيبش العيال يتيهوا…من بعدي.... الله يخليك يا يوسف فكر فيهم زين واعمل اللى فى مصلحتهم... 


يوسف: يا سلمى، بلاش الحديت ديه عاد. إنتي هتخفي باذن الله وهتقومي بالف خير وسلامه وهتاخدي بالك من العيال بنفسك.... 


سلمى: اوعدني… لو أنا مشيت… إنك هتفضل فاكرني، ومش هتجيب واحدة تاخد مكاني فى قلبك.... تاخد مكانى فى الدار مع العيال ايوا بس فى قلبك لاه.... واحكي كتير مع العيال عني متخليهمش ينسوني يا يوسف بالله عليك.... 


يوسف بحزن: ايه اللى انتى بتقوليه ديه؟! والله ما في واحدة غيرك هتاخد مكانك فى قلبي.... انا قلبي ملكك انتى وبس يا سلمى بالله عليكي انتى اجمدي اكديه واقوي وقوملنا بالسلامه... 


سلمى: يا يوسف… أمانة عندك… ريح قلبي عاد.... متخلنيش اروح وانا قلبي مش مطمن عليك وعلى العيال... مش عايز تريحنى فى نومتي ليه عاد.... 


يوسف فضل سايب دموعه تنزل على إيدها، وهو يردد:

 أمانة يا سلمى… أمانة.


الصبح طلع، والدار كلها عزاء.

صوت القرآن يتردد من الميكروفون، النسوان تلطم وتعيط.

يوسف قاعد على الأرض، راسه مدفونة بين ركبته.

سليم ووليد قاعدين ساكتين، مش فاهمين حاجة غير إن أمهم مش هترجع.


واحد من الرجالة ربت على كتف يوسف:

وحد الله اكديه.... اصبر يا يوسف… دي إرادة ربنا وانت مؤمن وموحد بالله ومفيش اعتراض على حكمه وقضاءه اجمد اكديه وقوى قلبك علشان خاطر العيال داى..... وهى ربنا رحمها من العذاب اللى كانت فيه... 


يوسف ما ردش، بس قلبه بيتقطع.


بعد ايام العزا.. الأهل اتجمعوا.

عمه عبد الجليل قال بصوت عالي:

بصو يا جماعة، الراجل ديه عنده ولاد صغار، والدار محتاجة ست. الحل الوحيد… يتجوز.


واحدة من الستات قالت:

معك حق...بس يتجوز مين؟ الغرباوية ولا واحدة من البلد؟ ومين بس هتقبل تتجوزو وهو ارمل ومعاه ولدين؟! 


العم عبد الجليل:

 هاجر… أخت سلمى  أيوا، أختها أولى. العيال متعودين عليها.وهي هتكون احن عليهم من اى واحده تانيه.... 


واحده من الستات:

ايوا وسمعة البنيه كمان بقت على كل لسان فى الكفر… الناس هتقول إيه وهي داخلة طالعة دار يوسف؟ محدش هيرحمها ويقول انها بتراعي ولاد اختها الله يرحمها.... 


يوسف سمع الكلام ده، عينه ولعت:

 لاه… لا وألف لاه. ومين قالكم انى رايد اتجوز اصلا... 


عبد الجليل: ليه يا يوسف؟ مش أحسن العيال يفضلوا في حضن واحدة يعرفوها؟ وتراعيهم زين.... انتى ناسي انهم احفادي زي ما هم ولادك.... 


يوسف:لاه العيال احسن تفضل في حضني أنا. أنا أبوهم وأمهم. ولو على سمعه هاجر حقكم عليا كلكم وعلى راسي وهى متجيش داري واصل وانا هشيل العيال فى عيوني واراعيهم هى كتر خيرها لحد اكديه... 


عبد الجليل: بس الدار عايزة ست… والألسنة ما بترحمش. وانت مهما كان راجل.. بتعرف ايه انت عن شغل البيت ولا تربيه العيال ومين هيراعي ارضك وشغلك عاد وانت فى البيت بتراعي عيالك.... 


يوسف بص لهم بغضب:

 أنا وعدت سلمى… وعدت مراتي إني ما أجيبش مكانها حد والحديدت ديه منتهى بالنسبه ليا ومرايدش اسمعه تاني واصل.... انا مستحيل اتجوز بعد سلمى... 


عبد الجليل: ديه كلام عيال يا يوسف! الحياة ما بتمشيش اكديه.ولا بتوقف على حد واصل.... ولو انت قلبك محروق علشان مرتك ف انا قلبي بيتخلع من مكانه علشان بتى.... بس العيال اهم واصلح وانا عيال سلمى مرايدش ينقصهم حاجه واصل ولا يتيهوا ويتعذبوا من بعدها..... 


هاجر كانت قاعدة في الركن، ساكتة، دموعها بتنزل.


هاجر: بس وأنا كمان رافضة… حرام أتجوز جوز أختي. مستحيل يا ابوي.... اعملها كيف عاد... لو على العيال وسمعتى انا مبرحش داره واصل هو يفوت علينا وهو رايح شغله الصبح يسيب العيال ويرجع ياخدهم اخر النهار واكديه المشكله تتحل... 


امها: يا بتي، الناس هتاكلك بكلامهم. واحنا ميرضاش ربنا اكديه.... لو متجوزتيش يوسف مين هيرضا يتجوزك بعد ما طلع عليكي سمعه والكفر كله معندهوش سيره غيرك.... 


هاجر: خلي الناس تقول اللي تقوله عاد.... انا مستحيل اتزوج جوز اختى.. 


حسين دخل في الكلام وهو متصنع الحكمة:

 بصراحة يا جماعة… أنا شايف إن الحل ديه هو اللي ينقذ سمعة الكل. يوسف محتاج ست لداره وعيالو، وهاجر ما ينفعش تفضل في بيت أبوها من غير عريس.

 يعني… اتنين مشاكلهم تتحل مرة واحدة.


يوسف بص له بعين كلها كره.

مهما حوصول انا مش هتجوزها. وديه اخر كلام عندي.... 


لكن الأصوات عليت، والضغط زاد.


في اللحظة دي يوسف صحى من ذكرياته.

رجع للواقع… للدار اللي سكنها الصمت بعد كتب الكتاب بالغصب.

حط راسه في الحيط وقال بصوت مكتوم:

 يا سلمى… خانوني… غصبوني… بس قلبي لسه ليكي.


الصبح طلع، يوسف قاعد في الحوش، ماسك كباية شاي بس ما شربش منها رشفة. عيونه سايحة بعيد، ووشه متجعد من التفكير.


الدار فاضية… من غير صوت سلمى كانت كأنها خرابة.

الولدين، سليم ووليد، بيلعبوا في الركن، بس لعبهم من غير ضحك.

كل شوية يبصوا ناحية باب الأوضة، يمكن أمهم تطلع.


يوسف بيتنهد:يا عيال..... تعالوا يا عيال اقعدوا جنبي اهنيه... 

وليد جري، قعد على حجره.

سليم قعد جنبه وقال بصوت مخنوق:

 ابوي… إمتى أماه هترجع؟ طلعت بيها نايمه من كام يوم ورجعت من غيرها..... هى فى المستوصف يعني شويه وجايه.... اتوحشتاها قوي يا ابوي..... 


يوسف حس كأن سكين دخل قلبه.

شدهم الاتنين في حضنه وقال:

اسمعوني زين يا عيال.... أمكم عند ربنا يا حبايبي… هناك في مكان أحسن مش هتتوجع تاني ولا هتروح مستشفى ولا حاجه تانيه واصل..... 


وليد بدموع: طب هي مش بتحبنا؟ احنا زعلانه فى حاجه يا ابوي..... طب خليها ترجع واحنا هنسمع كلامها طوالي.... بس رجعها يا ابوي والله اتوحشتها قوي الدار مش حلو من غيرها... 


يوسف يضمهم اكتر:لاه يا ولدي هي بتحبكم… بتحبكم أكتر من نفسها. بس داي حكمه ربنا وقضاء وقدره.... احنا لازم نؤمن بالله..... وندعيلها يا حبايبي... 


وليد مسح دموعه في جلابية أبوه، ونام على كتفه.

يوسف حس بالوجع، وقال في سره:

 ربنا يصبر قلوبكم… زي ما بيحاول يصبر قلبي. يارب هونها وعديها على خير..... 

     ***********************

فلاش باك 

بعد المغرب، يوسف راح بيت عمه عبد الجليل.

دخل لقاهم كلهم قاعدين في المجلس الكبير: عمه، أخوال سلمى، حسين، ورجال كبار من العيلة.


عمه قال:

تعال يا يوسف اقعد اهنيه، عايزين نكلمك في موضوع اكديه... 


يوسف قعد،عبد الجليل بدأ:

بص يا ولدي، إنت دلوك وحيد… معاك ولاد صغيرين، والدار من غير ست ما تعمرش.... 


يوسف رد بسرعة:

يا عمي أنا قلت كلمتي قبل اكديه. العيال في حضني، والدار عامرة بيهم.... ديه اخر كلام عندي.... 


عمه عبد الجليل: لاه يا يوسف… إنت راجل بتطلع للزرع، والعيال محتاجين رعاية. منين هتعمل ديه كله؟ فكر زين يا ولدي وبلاش تمشي ورا مشاعرك وحرقه قلبك.... كلنا اهنيه محروق قلبنا على سلمى بس لازم نفكر بالعيال وبمصلحتهم كمان..... 


يوسف بعصبيه: و أنا قادر اراعهم واربيهم زين. أجيب لهم مرضعة أو شغالة تساعدني اى حاجه بس اتجوز لاه والف لاه... الدار ديه محدش هيدخله ويقعد فيه غير سلمى... هملوني لحالى عاد بداري وعيالي وبذكرياتى مع مرتي.... 


عبد الجليل: واه واه يا ولدي كفاياك عند عاد.....، الموضوع مش مسألة أكل وشرب بس… ديه سمعة. الناس كلها بتتكلم.... 


يوسف ضرب كفه على ركبته:

واه واه  والناس مالها؟! يخافوا على سمعتهم ويسيبوا سمعة داري؟ انا واحد حتى حزن على مرتي مش سامحين ليا..... وبعدهالكم عاد هملوني لحالي..... 


حسين اتدخل بصوت متصنع الهدوء:

واه واه اهدى اكديه يوسف… إنت خابر زين إني بحبك زي أخويا. واللي هقوله لمصلحتك صوح... 


يوسف:خابر خابر قول يا حسين.... 


حسين: بصراحة اكديه… الكلام عن هاجر بدأ يزيد. كل يوم رايحة جاية على داركم تساعد في العيال، والجيران ما بيرحموش. بيقولوا: "هاجر داخلة خارجة، لا هي مرات ولا غريبة."


يوسف اتنفض:

واه واه هى وصلت لاهنيه.... يسكتوا! اللي يجيب سيرة هاجر بالسوء أقطع لسانه.... قبل كل حاجه هاجر بتكون بنت عمي وبتيجي تساعد عيالي علشان متعلقين فيها...... الناس داي بتفكر بايه ولا بايه.... استغفر الله العظيم.. 


حسين ابتسم ابتسامة خبيثة:

لاه يا ولد عمي اللسان ما يتقطعش، الكلام بيفضل زي النار… لو ما طفينهوش من أوله، يولع في الكل..... ولازم تنطفي النار داي..... 


عبد الجليل قال كلمته الأخيرة:

 يبقى خلاص. مفيش حل غير الجواز..... ومسمعش كلمه تانيه واصل.... سامعين؟! 


يوسف قام واقف، صوته عالي:

واه يا عمي... قلت لاه.....بنيه انا عاد لتغصبوني على الجواز!


صوت حسين ارتفع:

واه يا يوسف، إنت بتعندنا؟ بنقولك سمعه البنيه راحت وهى بتساعد عيالك ودارك مين اللى هيقبل فيها بعد اكديه.... اقل خاجه تقدمها للبنيه انك تتحوزها وتخرس اللسان عنها.... ولا ديه جزاتها انها كانت بتساعدك عاد..... 


يوسف: انتو ليه مش قادرين تفهموني عاد..... ديه مش عناد، دي حياتي. أنا وعدت سلمى.... وانا مستحيل اخلف بوعدي معاها... 


عبد الجليل: وعد؟! ياولدي، دي دنيا. الوعد ما يطعمش عيال ولا يسكت لسان الناس.... اهدى اكديه يا يوسف وحس بالنار اللى فيني.... من جهه بتى اللى ماتت وقلبي اللى مولع نار عليها ومن الجهه التانيه بتى هاجر وسمعتها اللى اطلخت فى الطين.... 


يوسف بص لهم وقال:

وديه اخر كلام عندي.... أنا مش هتجوز.


وخرج من المجلس، سايبهم وراه.

              ****************

هاجر قاعدة في أوضتها، دموعها مبللة مخدتها.

أمها دخلت عليها:

وبعدهالك عاد يابتى..... قومي يا بت، كفاية دموع.... دبلتي وحالك بقى حاله مش اكديه يابت عاد..... 


هاجر بدموع: ياريتنى اموت واخلصكم مني وترتاحو...... إزاي يا أمه؟ إزاي أتجوز جوز أختي؟ ليه يارب ماخدتنيش انا وسبتها هي.... ريحتها هي وسبتني انا للعذاب ديه... 


لواحظ ام هاجر:ايه اللى بتقوليه ديه يا بت، ديه نصيب. وبعدين هو مش غريب… ديه ابن عمك قبل ما يكون جوز اختك..... وبعدين فكري بعيال اختك يرضيكى يدخل عليهم واحده غريبه منعرفش تعاملهم كيف ولا ترابيهم كيف..... والعيال يبعدوا عنا دول هما اللى فاضلين من ريحه سلمى يابتي.... 


هاجر:اني مقدراش أبص في عينه. يبقى اتجوزو ازاى بس يا ناس يا عالم...... الله يخليكي يا امه قولى لابوي انى مريداش الجوازه داي..... ويوسف ابن حلال عمره ما هيحوش عنا العيال واصل.... 


لواحظ: والناس يا هاجر… الناس هتقول إيه لو فضلتي رايحة جاية على داره؟ من دلوك الناس بيحكوا وبيتكلموا..... طب هنخرسهم ازاى يابت اعقلي عاد..... انتى ملكيش غير سمعتك والكلام لو زاد عليكي وفضلتي منشفه راسك اكديه متتجوزيش يوسف ابوكي هيقتلك ويخلص من عارك ويرميكي لديابه الجبل ينهشوا فيكي وانتي عايشه.... الناس كلامهم مش زي الميه، ده زي السكاكين. هيقطع في لحمنا.


هاجر سكتت، دموعها بتنزل غصب عنها.

           ****************

بعد كام يوم، حسين قابل يوسف عند 

الغيط.


حسين: إزيك يا ابن عمي؟ عامل ايه دلوك والعيال عاملين ايه؟! 


يوسف ببرود: خير يا حسين عايز ايه؟ قول اللى عندك وخلصيني مش فايقلك عاد.... 


حسين:واه واه ياولد عمي الحق عليا... لا مفيش خير… أنا سمعت حديدت اكديه ما عجبنيش واصل..... قولت اجيلك واقولك ونحكي فيه.... 


يوسف بتركيز: حديت ايه دا عاد؟! عن إيه؟


حسين بلوع: حديت اكديه عنك وعن هاجر.... وعن اللى بيوحصول بينكم..... 


يوسف: ايه الحديت الماسخ ديه.... تقصد إيه باللى بيوحصول بينا داي يا حسين؟


حسين: واه واه اهدى اكديه يابن العم وانا مالي عاد.... الناس هي اللى بتقول إنك رافض تتجوزها علشان… علشان العلاقة بينكم مش نقية..... وانك متاخدش واحده خطيه واكديه..... 


يوسف اتجنن، مسكه من ياقة جلابيته:

يوسف والنار فى عينيه: إيه اللي بتقوله ديه يا خسيس؟! يا عديم الربايه؟! انت كيف تحكي اكديه على بت عمك يا واكل ناسك؟! 


حسين:وبعدهالك عاد يا يوسف مش انا اللى بقول اكديه، أنا بنقلك اللي الناس بتقوله..... وانا ميرضنيش حاجه زي اكديه واصل على بنت عمي واللى بعتبرها زي اختي..... جيتك لنشوف حل مش تتعارك معايا اكديه... 


يوسف بعصبيه: الناس دي لو فتحت خشمها تاني… أقسم بالله أقطعها حتت.....دي بقت طين خالص سكتنالهم زاودا فيها ولا ايه....  


حسين :اهدى يا يوسف عاد، أنا أخوك. جاي أنصحك. إنت لو ما جوزتهاش، الكلام هيفضل. لو اتجوزتها… الكل يسكت.... مفيش حل تاني تخرسهم فيه... 


يوسف سابه بقوة وقال:

ضحكتني ياولد المركوب وانا مليش نفس اضحك.....انت اخويا قال وكمان جاي تنصحني...... إنت سم زي الحية يا حسين.... وانا فاهمك وخابرك زين بس كنت بقول طالما سمك مابيطولنيش مليش صالح فيك...... بس خليك متاكد لو سمك ديه طالني ولا طال عيالى بقتلك وبقطعك حتت يا حسين.... 


ويوسف سابه ومشي، لكن كلام حسين دق في قلبه زي النار.

إزاي الناس ممكن تفكر كده؟! هو وهاجر زي الأخ وأكتر…


البارت 2


يوسف رجع لسريره الليلة دي، ما قدرش ينام.

كلام حسين يرن في ودنه، دموع العيال قدامه، صورة سلمى في قلبه.

وقال في نفسه:

 يا سلمى… أنا محشور بين نارين. لو وفيت بوعدي… الناس ينهشوا في لحم أختك. لو خالفت… أبقى خنت عهدك. أعمل إيه يا رب؟ يارب هونيها على قلبي ودبرلي امري يارب يا كريم....... 


في الصبح الدار كلها كانت عامرة بالناس، كأن في فرح… بس يوسف قلبه كان بيتفرم.

رجاله ونسوان رايحين جايين، أصوات عالية،

يوسف واقف في نص الحوش، 

هو عارف إن الليلة دي مش زي أي ليلة… دي الليلة اللي عيلته قررت تبيع فيها وعده.

         *******************

نرجع للحاضر من تاني يوم كتب الكتاب

يوسف خرج للغيط من بدري، كأنه بيهرب من البيت.

هاجر قعدت مع العيال، تأكلهم وتلبسهم.

وليد قال لها:

 خالتي هاجر… هي امه هترجع تاني ولا لاه زي ابوي ما قال؟


هاجر دموعها نزلت، حضنته وقالت: سلمى عند ربنا يا حبيبي.ادعيلها هى شايفانا من فوق وبتحبنا كتير...... 


وليد: طب إنت هتبقي امه صوح؟ علشان اكديه ابوي جابك اهنيه تعيشي ويانا...  


هاجر اتصدمت، ما قدرتش ترد.


يوسف رجع آخر النهار، شاف  هاجر قاعدة والولدين حواليها.

قلبه وجعه، افتكر سلمى.

بس كتم كل حاجة جواه.


قال بصوت ناشف:

 متتعبيش نفسك معاهم… أنا اللي هربيهم...... انتى هتكوني معززه مكرمه وملكيش صالح بحاجه واصل..... 

هاجر ردت بخجل:

بس انا مش تعبانه منهم.... هم عيالي زي ما هم عيالك..... وانا مبسوطه وانا معاهم.... 

يوسف سكت، ومشي لجواه.


بعد أيام، حسين قابله تاني.


حسين: مبروك يا عريس! اخبارك ايه عاد.... ايه اللى طلعك من دارك بدري اكديه... 


يوسف رد ببرود: ما فيش مبروك.وملكش صالح واصل... 


حسين: إزاي يعني؟! خلاص… بقيت جوز هاجر.... يبقى مبروك ولا ايه؟ 


يوسف: ايوا زوجها بالعافية بالغصب عرفت ليه مفيش مبروك دلوك..... 


حسين: واه يا راجل، إنت كسبت. خدت البنت الحلوة، والعيال في حضنها، والناس كلها ساكتة..... عايز ايه تاني عاد... 


يوسف مسكه من صدره وقال: اسمع يا حسين… إنت لو فتحت خشمك بكلمة واحدة عن هاجر، أقسم بالله ما تبات عايش.... 


حسين: اهدى يا يوسف… أنا جاي أهني.... مش اكديه ياولد العم.. 


يوسف زقه بعيد: اخر مره هقولهالك يا حسين ابعد عن طريقي...... وابعد سمك ديه عني وعن داري واهلي انت سامع؟! 


يوسف دخل أوضته، لقى هاجر قاعدة في الركن، طرحتها مغطيها لحد وشها.

هو وقف، ما عرفش يقول إيه.

قال بصوت واطي: اسمعي يا هاجر… اللي حوصول ديه غصب عني وغصب عنك.


هاجر بخجل: خابره زين والله..... وانا مكنتش رايده وحاولت ارفض كتير... 


يوسف: خابر يا هاجر.... بس أنا أوعدك… ما هقربلك ولا ألمسك طول ما إنتي مش رايده اكديه.... 


هاجر رفعت عينيها بدموع: شكراً يا يوسف.... 


يوسف: إحنا هنعيش في دار واحدة،علشان العيال. غير اكديه… مفيش.... انا صريح معاكي يابنت الناس انا مقدرش بعد سلمى.... والاساس من الجوازة داي هما العيال وبس. 


هاجر: موافقة.وانا خابره زين ان الجوازه داي علشان خاطر العيال وبس وانا هحطهم في عينيا ومش هخليهم يحتاجوا حاجه واصل..... وانا كمان مقدراش اكون معك غير اخويا يا زوج اختي... 


سكتوا، وكل واحد راح على ركن من الأوضة.

الليل عدى تقيل، مفيهوش غير صمت ودموع مكتومة.


الصبح بدري يوسف كان في الغيط، ماسك الفاس، يضرب في الأرض بقوة، كأنه بيصب كل غضبه فيها. 

في الدار، هاجر صحت من الفجر، لبست العيال، وحضرت لهم الفطار.وليد قاعد على الحصيرة، يلعب بالعربية الصغيرة، وسليم قاعد يتلزق في رجلها.


سليم:

 خالتي… هو ابوي زعلان مني؟


هاجر اتلخبطت، قلبها وجعها: ليه يا حبيبي بتقول اكديه؟ دا ابوك بيموت فيك.... 


سليم: لاه هو زعلان مني انا خابر زين....هو مبقاش يحضني…ولا يلعب ويايا...... مممن ياخالتي تتحديتي وياه وتخليه يصالحني وانا مش هزعله تاني واصل..... 


هاجر بصت للأرض، دموعها على وشك تنزل، بس بسرعة مسحتها وقالت بابتسامة مصطنعة: أبوك تعبان يا روحي… بيشتغل كتير علشانكوا..... علشان اكديه مبقاش يلعب ولا اي حاجه.... لما يرجع انا هتحددت وياه واخليه يقعد معاكم شويه اكديه... 


وليد رفع راسه وقال ببراءة: طب ليه ما يضحكش زي زمان؟ لما امه كانت اهنيه كان بيضحك كتير...... دلوك بعد ما طلعت عند ربنا مبقاش يضحك... 


هاجر حضنتهم هما الاتنين وقالت: ربنا كبير يا حبايبي… وكل حاجة هتبقى زينه...... بس احنا ندعي ونقول يارب وكل حاجه هترجع زي الاول ان شاء الله..... 


قبل العصر، يوسف رجع من الغيط، هدومه مليانة تراب وعرق.

هاجر كانت بتغسل هدوم العيال في الطشت.

أول ما شافته، قامت بسرعة.


هاجر: الوكل جاهز..... اجبهولك دلوك... 


يوسف: لاه سيبيه… أنا هاكل لما أروق... ماليش نفس للاكل دلوك..... كتر خيرك


دخل أوضته، رمى هدومه على الكرسي، غسل وشه، وبعدها خرج.

هاجر حطت الأكل على الطبليه، ولادها قاعدين يستنوا.

يوسف قعد قدامهم، بس ما مدش إيده.

وليد بص له وقال: بابا، كل معانا.... انت مش بتاكل ليه..... وكل خالتي هاجر زين وطعمه منيح... 


يوسف مد إيده على شعره وقال بحنان مكتوم: كل إنت يا بطل.... علشان تكبر وتيجي تعين ابوك فى الارض وتبقى سنده... 


بعد المغرب، رجالة الدار اتجمعوا في المجلس.

عبد الجليل قال وهو يشرب شايه يوسف… لازم نسمع إنك استقريت..... وعيشت حياتك طبيعي مع مرتك وعيالك ودارك زين.... 


يوسف رد ببرود: واه انت عايز ايه تاني يا عمي جوزتني غصب وانا اهو مستقر رايد ايه تاني مني عاد..... 


عبد الجليل: مستقر إزاي وانت ومراتك في دار واحدة كالأغراب؟ ديه الاستقرار اللى بتقول عليه ياولد اخوي..... يبقى اديتك بتي امانه عندك وجوزاتهالك علشان تعيشها اكديه..... دا يرضي مين ديه... يرضي ربنا. 


يوسف ضرب كفه في الترابيزة وقال: إنتو جبرتوني على الجواز داي… لكن ما تجبرونيش على قلبي...... وانا من الاول قولت ماريدش اتجوز وانتوا اجبرتوني يبقى هملوني لحالي اعيش حياتي بعد. اكديه على كيفي واللى شايفه صوح.... محدش يدخل واصل.... 


الرجالة اتصدموا من حدة كلامه، لكن محدش قدر يرد.


حسين كان سايب الكلام يعدي، لكنه ضحك بخبث وهو يبص ليوسف:

 طيب يا ابن عمي… دار واحدة ما بتشيلش اتنين غريبين كتير. الأيام هتعلمك.وبكرا تقول حسين قال.... 


يوسف رماه بنظرة تحذير:

 خليك في حالك يا حسين.... ومتختبرش صبري اكتر من اكديه عاد.... 


في الليل، هاجر قاعدة في أوضتها، والعيال نايمين.

يوسف دخل فجأة، إيده فيها طبق أكل.


يوسف: إنتي ما كلتيش ليه..... رايداهم يحاسبوني كمان انى مش عارف اكلك فى داري يابنت الناس.... 


هاجر اتفاجئت: مش اكديه والله..... بس أنا مش جعانة.


يوسف: مليش صالح كولي… مش رايد حد في الدار يدوب من الجوع..... ولا يسمعني كلمه اكديه ولا اكديه انى مش عارف اكفي داري وااكل اللى فيه زين..... سامعه


هاجر مسكت الطبق بخجل: طب حاضر شكراً.


يوسف وقف شوية، كأنه عايز يقول حاجة… لكنه خرج ساكت.


هاجر حطت الطبق جنبها، دموعها نزلت.

 يا رب… ده قلبه حجر ولا موجوع زيي؟ انا هعيش ازاى معاه بس...... منه لله اللى كان السبب.... 


بعد يومين، هاجر كانت ماشية في السوق تشتري خضار.

حسين ظهر فجأة، واقف عند القهوة، عينه عليها.


حسين: هلا يا ست هاجر.

هاجر شدت طرحتها على وشها وقالت بحدة:واه واه بعد اكديه يا حسين ما تسلمشي علي واصل.


حسين: واه ليه اكديه بس يابنت عمي؟! إحنا أهل.


هاجر: اهل؟! إنت آخر واحد أعتبره من أهلي.سامع؟ 


حسين: ليه القسوة دي؟! أنا اللي كنت رايد آخدك بالحلال… لكن هما غصبوا يوسف.


هاجر وقفت: يوسف جوزي… غصب ولا رضا، خلاص بقى جوزي. وإنت تبعد عن طريقي يا حسين، وإلا هشتكيك ليوسف.


حسين ضحك بخبث: يوسف؟! ده قلبه لسه مع أختك… وهو عمرو ما هيشوفك غير ظلها.

هاجر كتمت دموعها ومشيت بسرعة.


يوسف راجع من الغيط، هدومه غرقانة عرق وتراب.

دخل الحوش، لقى هاجر قاعدة على المصطبة، ماسكة الإبرة بتخيط جلابية قديمة لسليم.

العيال بيلعبوا جمبها، صوت ضحكهم يرن في الجو.

ضحكة الولاد دخلت قلبه زي نسمة باردة.

بس أول ما هاجر شافته، سكتت، رفعت راسها بسرعة وخبت ابتسامتها.


هاجر: الوكل جاهز..... عقبال ما تتسبح هيكون على الطبليه على طول.... 


يوسف: طيب..... هتسبح واغير خلجاتي وجاي... 


دخل الأوضة من غير ما يكمل كلام.

هاجر بصت وراه، تنهدت:

 هو لحد ميتا بس هيفضل يعاملني كأني غريبة اكديه؟ يارب هونها وعديها على خير....


بعد العصر، سليم وقع وهو بيلعب وجرح ركبته.

يوسف جري بسرعة، شاله في حضنه:

 إهدي يا ولدي… ديه جرح بسيط.... مفهوش حاجه واصل.... اجمد اكديه خليك راجل...... 

هاجر جابت ميه وقطن، قربت تنظف الجرح.


يوسف مسك إيدها: لاه استني، أنا هعملها..... ولدي وانا هراعاه واشوفو... 


هاجر كانت بتبص له من بعيد، قلبها بيتحرك غصب عنها.

لأول مرة تشوف يوسف الأب الحنون اللي مش بيبان قدامهم.


بعد ما خلص، بص لسليم:

خلصنا...... شوف اكديه يا بطل… الجرح ديه هيخليك قوى..... وبعدين ماتبكيش اكديه واصل... 


سليم مسح دموعه وابتسم بخجل.

هاجر ابتسمت من قلبها… لكن يوسف شافها،


في السوق تاني يوم، حسين وقف مع واحد صاحبه وقال بصوت عالي متعمد: والله يا جدعان، يوسف ديه مجنون… متجوز ومش عارف يقرب من مراته.... وعايش معاها زى الغريب في دار واحده... 


واحد رد: واه واه.... ما يمكن لسه حزين على مراته الأولى..... ومقدرش يقرب دلوك... نديه وقت بس... 


حسين ضحك بخبث:لاه يا عم، دي حجة. أنا عيني شافت… هاجر لسه بتتعامل كأنها مش مراته.....هو زي مايكون مغصوب ولا شاف فى البت حاجه عفشه اكديه ولا اكديه.... 


الكلام اتنقل زي النار في الهشيم.

وصل لودن يوسف بالليل.

يوسف دخل على هاجر وهي معاها العيال.


يوسف: إنتي سمعتي اللي الناس بيقولوه؟


هاجر اتوترت: واه واه.....براحه عاد مخبراش بتحددت عن إيه؟


يوسف: الناس كلها بتتحددت عن إننا عايشين غرب جوه دار واحدة.


هاجر بصت له بثبات رغم الخوف اللي في قلبها: مش هي  داه مش حقيقتنا؟ الناس مكذبتش واصل يا يوسف..... انت ليه متعصب اكديه.. 


يوسف: متعصب ومضايق يا هاجر علشان الناس ما بيرحموش... وانا تعبت من اكديه وكمان مارايدش حد يجيب سيرتك بالعاطل واصل.... 


هاجر:طب وإنت عايزني أعمل إيه؟ أضحك وأمثل إني ست بيت كاملة؟ ولا اقول انى بقيت مرتك صوح..... ولا اسيب البيت وامشي.... اعمل ايه بس يا يوسف قولي.. 


يوسف بقله حيله: لاه… أنا رايدك تكوني مرتاحة يا هاجر.... مش رايد تكوني مضغوطه ولا زعلانه ولا مظلومه... انتى فى الاول وفى الاخر بنت عمي واخت سلمى قبل اي حاجه..... 


هاجر بصت في عينه وقالت: وأنا عمري ما هرتاح وأنا عايشة مكان أختي… وجنبك وأنت لسه شايل صورتها في قلبك يا يوسف.... 


الكلام وقع زي السيف على يوسف.

سكت ومشي من غير ما يرد.


يوسف ما قدرش ينام.

خرج للحوش، قعد تحت السما، النجوم منورة.

هاجر كانت واقفة من بعيد، ماسكة طرحتها.


هاجر قالت بخجل: أنا مش رايداك تزعل… ولا رايدة الناس تتكلم عنك.


يوسف رد وهو يبص النجوم: وأنا مش رايد أظلمك..... بس نصيبنا وقعنا في بعض وخلانا فى الوضع ديه.... 


يوسف رجع أوضته، وهو مشوش أكتر من أي وقت فات.

هاجر نامت جنب العيال، بس قلبها بينبض بسرعة.

الجدار اللي بينهم… بدأ يتشق.

واللي جاي أصعب.


يوسف كان لسه راجع من المجلس، عينيه حمرا من كتر التفكير.

أول ما دخل، شاف سليم  في حضن هاجر، وصوت الكحع... بيهز الأوضة.


يوسف بخوف: إيه ديه؟! في ايه؟  مالو ولدي جرالو ايه يا وليه.... 


هاجر بصت له بلهفة: حرارته مولعة. خايفة تكون حمه جامدة.... مش عارفه اعمل ايه... 


يوسف قرب بسرعة، مد إيده على جبين سليم.. 


يوسف بخوف: واه واه.... ديه محتاج دكتور حالا..... قومي وهمي ياوليه.. هنروح البلد دلوك نشوف دكتور


هاجر اتلخبطت: دلوك؟ الليل متأخر! هنلاقي دكتور فى الوقت ديه... 


يةسف بعصبيه: امال إنتي رايدة الواد تسوء حالته ويموت زي ما ماتت امه عاد.... 


يوسف شال سليم في حضنه، وطلع بيه على الحوش.هاجر جريت وراه، لابسة عبايتها ومغطية راسها. 


وليد قعد يبكي: اماه… أنا مش هنام من غيركم..... بالله عليكم ارجعوا باخوي مش تسبوه يطلع عند ربنا زي ماما سلمى... 


هاجر حاولت تطمنه: استنى يا وليد، هانرجع بسرعة.... متخافش اخوك هيكون زين بس ادخل جوا واقفل على نفسك زين واستنانا ياولدي... 


وصلوا بيت الدكتور في البلد، يوسف خبط الباب بقوة.

الدكتور فتح متعجب:خير؟ إيه اللي جابكم في نص الليل؟ حوصول ايه عاد... 


يوسف بلهفة: الحقني يادكتور بسرعه الله لا يسيئك....الواد سخن وبيكح جامد… شوفو بسرعة.... 


دخلوا، الدكتور فحصو: متقلقوش بسيطه... عنده التهاب في الصدر… محتاج راحة ودوا وكلها اسبوع وهيكون زين.


هاجر اتوترت: يعني مفيش عليه خطر يا دكتور؟


الدكتور: لاه بس لازم ياخد علاجه وما يتعرضش للبرد..... و هيكون زين ان شاء الله.. 


رجعوا الدار، سليم نايم على كتف يوسف.

دخله الأوضة، غطاه كويس.

هاجر قاعدة جمبه، عينيها مليانة دموع.


يوسف بص لها وقال بهدوء لأول مرة:

متخافيش… هيبقى زين..... متزعليش مني لو كنت اتعصبت عليكي..... بس انا خايف اخسر حد زي ماخسرت سلمى.. 


هاجر ردت بصوت واطي: لاه مزعلتش منك واصل.... ربنا يخلي ليك ويخليك لهم قادر يا كريم.. 


يوسف اتجمد للحظة… كأن الكلمة دي دخلت قلبه مباشرة.


الأيام اللي بعد كده كانت صعبة.

سليم سخن تاني يوم، وهاجر ما فارقتهوش لحظة.

يوسف كان يروح الغيط، بس يرجع يجري عشان يطمن.

كل شوية يسأل: اخد الدوا؟ نام زين؟ حرارته عاملة إيه؟


هاجر بقيت مستغربة من نفسها.

هو في الأول كان بيهرب منها ومن العيال… دلوقتي واقف جنبهم بكل قوته.


في ليلة، سليم نام أخيرا بعد ما حرارته نزلت.

هاجر قاعدة مرهقة، عنيها حمراء من السهر.


يوسف دخل ومعاه كوباية نعناع: خدي… يشد حيلك شوي..... ويهدي وجع الراس والصداع.. بسبب انك ما نمتيش من يومين.


هاجر مدت إيدها وخدت الكوباية، عينيها بتهرب منه: شكرا... كتر خيرك... تسلم ايدك تعبت نفسك.. 


يوسف قعد على المصطبة قدامها: مفيش تعب ولا حاجه.... إنتي ست جدعة يا هاجر.


هاجر قلبها وقع، ووشها سخن:واه واه متقولش اكديه.... أنا بعمل الواجب وبس.


يوسف: لاه يا هاجر… ديه أكتر من الواجب.... مش عارف من غيرك الواد سليم كان هيبقى ازاى... احنا فعلا كنا بحاجتك.. 


الكلام بينزل عليها زي البلسم، لكنها بسرعة غطت إحساسها: المهم سليم يبقى بخير.... وانا بعتبره زي ابنى... 


يوسف بصلها، وفي عينيه لمعة مش واضحة… لكنه ما كملش.


 حسين قابل هاجر عند البير وهي بتملأ جردل الميه.


حسين: صباح الخير يابت عمي... سمعت إن الواد الصغير عيا صوح الحديت ديه؟! 


هاجر ردت ببرود: ايوا الحمد لله بقى زين... 


حسين: غريبة… يوسف مهتم بيه قوي الأيام داي.


هاجر بصتله بحدة: مش هو أبوه… طبيعي يهتم بيه فيها ايه يعنى؟! 


حسين: طبيعي؟! طب وإنتي؟ مش شايفة إنك قاعدة بين نارين؟ لا هو راضي يسيبك، ولا راضي يحبك... 


هاجر قلبها اتقبض، لكن رفعت راسها وقالت: أنا مش محتاجة حبك ولا كلامك… ابعد عن طريقي يا حسين.


سابته ومشيت وهو بيضحك بخبث


يوسف في الغيط يشرف على العاملين 

فجأة واحد من العمال جري عليه:

الحق يا معلم يوسف! الساقية وقفت! الميه مقطوعة عن الغيط كله.


يوسف اتنفض: إزاي؟! ده موسم الري.... ازاى تتعطل اكديه... 


جري على الساقية، لقاها مكسورة والحبل مقطوع.


يوسف مسك الحبل بإيده:

داى مقصوده.... اللي عملها عايز يبوظ زرعنا… ومش هيسيبهالي بالساهل.... بس انا مش هسكت ومش هسيب ارضي اكديه.... 


وسط الزحمة، حسين طلع فجأة، واقف بعيد ووشه كله سخرية.


واحد من العمال قال: يمكن اللى عمل اكديه يكون بسبب الغيرة من اللي حواليك يا معلم يوسف.... ما شاء الله ارضك احسن ارض فى الصف كله وداينا خيرها كتير... 


حسين اتدخل:واه واه ما يمكن إهمال من صاحب الغيط نفسه.... فى صاحب ارض ميتاكدش من الساقيه بتاعته قبل ما يجيب العمال الارض يشتغلوا فيها... 


يوسف قلبه مولع: إنت تقصد إيه يا حسين؟ وبعدهالك عاد.... مش ناوي تجبها للبر معايا عاد... 


حسين: واه وانا مالي عاد يا ولد عمي.... أقصد اللي مش قادر يظبط بيته، إزاي هيظبط غيطه؟


يوسف مش قادر يرد قدام الجمع.

الغضب مولع جواه، لكن عارف لو اتخانق هنا هتزيد البلوة.

هاجر كانت جاية من الدار، شايلة أكل ليوسف.

أول ما شافت الزحمة، قلبها اتقبض.

قربت بخطوات مترددة.


واحده من الستات قال بصوت عالي: شوفوا… مراته جايه! يمكن تلحق ترد عنه.... ولا تسكت ماهو الكلام صوح وانا خابرين زين انهم عايشين فى دار واحد زي الاغراب... 


هاجر قامت وقفت جمبه فجأة:واه واه ايه الحديت الماسخ اللى بتقولوه ديه...... هو راجل قدها… ومحدش ليه عنده حاجه واصل.... واللى يعرف يراعي ارضه ويخليها زينه زي ارض يوسف اكديه وريني نفسه ويطلع يحكي قدام عيوني..... 


يوسف اتفاجئ، بص لها بسرعة.

هاجر كملت، وصوتها يهتز من التوتر: يوسف مش مقصر في حاجة واصل… ديه سهران على الغيط ليل ونهار، واللي بيوحصول ديه غدر مش إهمال..... وكلكم خابرين اكديه زين.... 


حسين حاول يضحك: يا سلام! ما شاء الله… بقت تدافع عنه كمان..... مش هو يوسف نفسه اللى بيعملك زي الغريبه فى داره... 


هاجر رفعت راسها وقالت بجرأة غير متوقعة: أيوا… أنا مراته، وحقي أقف معاه.... واللى بيوحصول فى دارنا ملكش صالح فيه واصل.... ولا ليك تتدخل لا انت ولا اى حد من اهنيه.... كفاياكم قله حيا وخشا عاد وهملوا الراجل ومراته يعيشوا زي ماهم عايزين عاد.... 


واحده من الستات: بصو… أخيرا وقفت معاه. يمكن الجوازه بدأت تتثبت. شكلهم هيبقوا عيلة بجد.


يوسف حس بدفا غريب في قلبه.

هو مش متعود يشوف هاجر بالصلابة دي.

الزحمة فضت، والعمال رجعوا يكملوا شغلهم.

يوسف قعد على حجر جنب الساقية، يمسح عرقه.


هاجر قربت: خد… كول قبل ما يبرد الوكل.... 


يوسف بصلها: إنتي ليه عملتي اكديه؟


هاجر تنهدت:ما حبيتش الناس يعيبوا فيك… ولا يكسروك قدامهم اكديه... 


يوسف بص للأرض: أنا مكنتش مستني منك الكلام ديه.


هاجر: وأنا مكنتش مستنيه ألاقي نفسي واقفة جمبك اكديه… بس حوصول وخلاص.... 


لحظة صمت غريبة بالليل، هاجر قاعدة مع سليم ووليد.

الولاد مبسوطين إن أبوهم لعب معاهم قبل ما يناموا.

هاجر قعدت تفكر: أنا إيه اللي بيوحصول ليا؟ ليه وقفت جمبه اكديه؟! ليه متحملتش عليه كلمه ودافعت عنه؟! معقول قلبي بدا يرق ويلين ليه؟! 


قلبها بيرجف كل ما تفتكر نظرة يوسف لما بص لها النهارده.


يوسف من ناحيته، قاعد في الحوش لوحده، يسرح في كلامها "أنا مراته"…

الكلمة دي لسه بتتردد في ودنه.


في بيت حسين، قاعد يضرب كف في كف:

 لاه… اكديه ما ينفعش. أنا كنت رايد الناس تشوفهم متفرقين… دي بقت تدافع عنه كأنها بتحبه!


أمه ردت: يا ولدي، خلي بالك… البت يمكن قلبها يلين..... والحمد لله اهى حياتهم هتستقر والدنيا هتتظبط... 


حسين: لاه… مش هسيبهم يرتاحوا. لسه عندي ورق كتير ألعبه..... عمري ما اسيب يوسف يتهنى بحاجه واصل... 


يوسف رجع أوضته، لقى هاجر نايمة جمب العيال.

وقف يتأملها لحظة، قلبه يخفق من غير ما يفهم ليه.

قال في سره:

 يمكن ربنا بيكتبلي بداية جديدة… بس أنا لسه مش قادر أسيب الماضي.


وخرج، والليل ساكن، بس جواه عاصفة.


البارت 3


في السوق، هاجر راحت تشتري خضار.

ست كبيرة وقفت جنبها وقالت بصوت عالي:الله يبارك فيكم يا بتي… الجواز بدا يبان عليكم.... ايوا اكديه عيشوا حياتكم الدنيا مابتوقفش على حد واصل... 


هاجر اتخضت: تقصدي ايه ياخاله مفهماش منك حاجه واصل.... 


الست الكبيره: الناس كلها بتقول إنك وقفت جنب جوزك في الغيط… ربنا يديم المحبة..... اكديه لازم الست تتصرف مع جوزها... 


هاجر وشها احمر، قلبها دق بسرعة.

 محبة ايه؟! أنا ما…


الست ما كملتش تسمع، راحت تضحك مع اللي حواليها.


هاجر رجعت الدار وقلبها مشغول: لو يوسف سمع الحديت ديه… ممكن يبعد تاني... ولا يتعصب عليا..... يارب عديها على خير.. 


حسين كان في السوق برضه، وسمع كلام الستات.

وشه اتلون غضب: لاه… اكديه الدنيا بتقلب عكس اللي أنا رايده...... لازم حياه يوسف تبوظ والناس كلها تنقلب ضده ومحدش يقدره ولا يحترمه.... 


في الليل، استناه عند الساقية.


حسين: مساء الخير يا يوسف… اسمعني شوي رايد اقولك على حاجه ضروري... 


يوسف ضيق عينيه:خير يا حسين على المسا عايز إيه عاد؟


حسين: أنا جاي أنصحك… الناس بدأت تتكلم.... وقولت لازم تعرف الناس بتقول ايه فى ضهرك يا ولد عمي.... انت فى الاول وفى الاخر اخوي ومتحملش عليك كلمه واصل.... 


يوسف: تتكلم في إيه كمان؟ وانت تنصحني ههههه والله ضحكتني.. 


حسين: بيقولوا إن مراتك بدأت تحبك… وإنك نسيت سلمى. الناس لسانها طويل يا ابن عمي… بكرة ينسوا مرتك اللي ماتت، ويقولوا يوسف غدر بذكراها واتجوز أختها وعاش معاها كأن ما كانش في حب قبل اكديه...... او يمكن يكون كانت عينه على اختها من الاول علشان اكديه مصدق يتجوزها بعد ما ماتت مرته.... 


يوسف عض شفايفه، قلبه نزل لتحت.

سابه حسين ومشي وهو مبتسم بخبث.

من الليلة دي، يوسف رجع يسكت أكتر.

هاجر لاحظت إنه بطل يبصلها زي الأول، بطل يسألها عن سليم أو وليد بنفس الاهتمام.


في يوم، هاجر جمعت شجاعتها، راحتله وهو قاعد في الغيط.


هاجر:صباح الخير يا يوسف.... 


يوسف بيقاطعها: خير جايه ليه؟


هاجر بحزن: إنت اتغيرت اكديه ليه… إيه اللي حوصول؟


حسين: مفيش حاجة حوصولت ومتغيرتش ولا حاجه.... هو ديه اللى جابك على الصبح اهنيه.. 


هاجر: لاه يا يوسف… في حاجة.... وانا متوكده من اكديه كمان... 


يوسف بصلها بعصبية: وبعدهالك عاد.... بقولك مفيش، ما تخلنيش اعيد الحديت كذا مره......انا كلمتي بتتقال مره واحده بس وتتسمع ويترد عليها بنعم وحاضر سامعه؟! يلا غوري من اهنيه ومتجيش الغيط تاني واصل... برجع البيت مش بطير ولا ههرب... 


هاجر اتألمت، دموعها كانت هتفر من عينيها: واه واه هي حصلت تتحدت وايا اكديه..... أنا وقفت جنبك قدام الناس… ليه بتصدني دلوك؟ بقى ديه جزاتي يا يوسف... 


يوسف صرخ: ايوا جزاتك علشان انا مطلبتش منك تقفى جمبي واصل....وعلشان ما يتقالش إني نسيت مراتي! وكانت عيني منك من الاول.... امشي دلوك يا هاجر الله لا يسيئك يا بنت الناس قبل ما حد ياخد باله ولا يمسع الحديت ديه.... روحي على الدار.. 


هاجر اتجمدت، قلبها وقع: انت تنسى سلمى؟! كانت عينيك مني؟! مين قال اكديه؟ انت سيد الرجاله يا يوسف والعيبه ما تطلعش منك واصل وانا خابره زين انت كيف كنت بتحب سلمى اختي ومستحيل تنساها اكديه.... 


يوسف: الناس… ولسانهم أطول من السيف..... وكلامهم زي النار بيجري بسرعه وبيحرق..... 


هاجر سكتت لحظة، وبعدين قالت بهدوء:

 يبقى تسيبني أتحمل معاك، مش تجرحني....هى سمعتي اللى اتكلموا فيها كمان... 


الكلام دخل قلب يوسف، لكنه مش قادر يعترف بده.

قام وخرج من الغيط سايبها واقفة.


الليل جه. سليم صحى بيعيط، حرارة جسمه زادت تاني.يوسف أول ما سمع صوتها جري،هاجر وقفت جمبه، من غير كلام، تحط فوطة مبلولة على راس سليم... إيدها لمست إيده غصب عنها.


يوسف بص لهاجر وقال بصوت واطي جدا:

 ما تهملنيش لحالي يا هاجر..... انا ما صدقت الاقي الدفا والحنان فى الدار ديه بعد سلمى..... 


هاجر اتلخبطت… قلبها يدق، عينيها غرقت بالدموع: مش هسيبك يا يوسف لو حطوا الف سكينه وسكينه على رقبتي مش ههملك انت والعيال دول واصل.... انتو اللى مليتو عليا دنيتي بعد ما راحت سلمى... 


يوسف خرج للحوش آخر الليل، رفع عينه للسماء.

– يا رب… أنا تايه. قلبي رايح ناحيتها، بس ضميري بيرجعني. ساعدني ألاقي الطريق.


وهاجر من جوة الأوضة، سامعة همسته من غير ما يقصد.

قلبها رجف، وعرفت إنهم الاتنين واقعين في نفس الحيرة.


يوسف حس بيها رفع عينه لها: ليه عملتي اكديه؟ الناس هيفضلوا يتكلموا أكتر دلوك....وانا مش هتحمل كلمه عفشه عليكي واصل.... 


هاجر بابتسامة حزينة: خليهم يتكلموا… أهم حاجة إنك تفضل رافع راسك.... والناس معندهاش حاجه غير اكديه تعملها متغشلش بالك عاد بيهم.... لاني انا كمان مابتحملش عليك حاجه واصل..... 


يوسف سكت شوية، وبعدين قال كلمة طلعت منه غصب عنه: إنتي أقوى مما كنت متصور..... مكنتش متخليك اكديه.... انا بشوف فيكي حاجات جديده فى كل مره... 


هاجر قلبها خفق: وأنا عمري ما كنت متصورة إني أقف معاك بالشكل ديه..... مش لوحدك اللى بتتفاجا بيا انا بتفاجا بنفسي.... بس مخبراش ايه اللى بيحوصول معاي بس اشوفك فى ازمه ولا مشكله بلاقي حالي واقفه جمبك وبدافع عنك.... 


وبعدين تتوتر وتحاول تداري دا وتقول: احم تصبح على خير كفاياني سهر اكديه... 


وتجري على اوضتها ويوسف يبص على خيلها بابتسامه ويبص للنجوم ويقول فى نفسه: شكلها داي بدايه جديده بس ياترى صوح ولا لاه...... يارب ساعدني..


النهار طلع، وهاجر بتكنس قدام البيت.

سليم ووليد قاعدين يلعبوا بالتراب.

يوسف راجع من الغيط، وشه مليان تراب، لكن عينيه راحت على المنظر…

هاجر، شعرها سايب خصلة على خدها، وضحكة صغيرة وهي بتنادي على العيال.


قلبه دق....

يوسف لنفسه: إيه اللي بيوحصول ديه؟! مش معقول أكون…لاه لاه اهقل اكديه يا يوسف ومتخربش الدنيا عاد.... 


هاجر شافت إيده متعورة من الفاس.

جريت تجيب شاش وزيت.


هاجر بلهفه: واه واه يا حزني يا حزني.... يوسف هات يدك اكديه اشوفها.. 


يوسف: مالك يا وليه عاد.... سيبيها… جرح صغير مش مستاهل كل ديه... 


هاجر: كل ديه وصغير يا يوسف.... لاه، ما ينفعش ولازم اشوفو واطهره كمان.... وبعدهالك عاد هات يدك بقى وكفاياك عناد.... 


مسكت إيده غصب عنه، قعدت تنظف الجرح.

يوسف كان سايبها، لكنه حاسس إن لمسها بيولع النار في قلبه.


يوسف: همممم إنتي ليه بتتعبي نفسك اكديه؟ قولتلك بسيطه ومش مستاهله عاد.... 


هاجر ابتسمت بخجل: ديه مش تعب... مش ديه الطبيعي يا يوسف… ان مراتك تعالجك؟


الكلمة نزلت زي السهم في صدره.

يوسف اتجمد، وسحب إيده بسرعة: خلاص كفاية اكديه… شكرا تسلم يدك.... 


هاجر قلبها وجعها، لكن حاولت تخفيه.


في الناحية التانية،حسين راح للعمدة وقال:

بص يا حضره جناب العمدة.....انا جاي بشهاده حق وضميري ميسمحش اسكت اكتر من اكديه..... يوسف بقى مشغول بمراته الجديدة… وسايب الغيط. ديه حتى النار اللي ولعت من يومين كانت بسببه.... وانا جيت اقولك الغيط ديه رزق ناس كتير لو باظ من فين هيجيبي ياكلوا وكمان هو بيهدد الارواح بسبب الاهمال.... بقولك حوصلت حريقه فى الحوش اللى جمب غيطه وكان هو السبب... 


العمدة بص له بريبة: انت بتتكلم كلام كبير يا حسين..... معاك دليل على الكلام ديه... يوسف ماسك الارض من زمن الزمن عمره ما اهمل ولا عمل حاجه زي اكديه واصل... 


حسين: الناس كلها شاهده وشافت النار وهي طالعه من غيط يوسف وحرقه الحوش...... أنا بقولك اللي الناس كلها شايفاه..... واللى يمليه عليا ضميري وفى الاخر الامر امرك يا عمدتنا..... 


العمدة قرر يراقب يوسف بنفسه.

في يوم، يوسف شغال في الغيط.

العمدة جه فجأة، ومعاه حسين.


العمدة: صباح الخير يا يوسف، أنا سامع حديت مش عجبني عنك..... ليه اكديه عاد وايه اللى حوصول داي اول مره تيجي شكوى منك وبالحجم ديه..... 


يوسف وقف، ماسح عرقه: صباح النور يا عمدة.... انست وشرفت... حديت ايه ديه عاد..... خير يا عمدة؟


العمدة: الناس بتشكى وبيقولوا إنك مهمل في الغيط… وإنك بقت مشغول بحاجات تانية...... وان المحصول اقل من كل سنه وناس كتير عايشهم اتقطع بسبب الموضوع ديه... 


يوسف قلبه ولع: محصولش يا جناب العمدة... أنا واقف من الفجر اهنيه، ومش سايب شغلي..... والمحصول طلع زي كل سنه وكمان فى زياده والعمال زادو والكل متراضي وعال العال.... يا جناب العمدة الارض والغيط ديه دول اكل عيشي وشغلتي عمرك شفتني مقصر فيهم واصل... 


حسين اتدخل بخبث: بس يا يوسف… النار اللي ولعت كانت من غيطك وبسببك ولو كانوا الناس ملحقوش الحوش وطفوا النار كان زمان اللى جوا ماتت..... انت بتهدد حياة ارواح يا يوسف ديه مش اهمال؟! 


يوسف مسك الفاس بقوة، كأنه عايز يضربه، لكن مسك نفسه: اتقي الله يا حسين… إنت خابر زين إني بريء..... واني مليش صالح بالحريقه داي والنار مطلعتش من غيطي..... انت ايه يا اخي السم والحقد بيجروا فى دمك... 


العمدة حاول يهدي الموضوع:

واه واه هتتعاركوا قدامي اياك منك له.... يا ولاد العم، ما ينفعش النزاع ديه يكبر. يوسف، خلي بالك… الناس عينها عليك.... مش هقولك اكديه تاني.... 


يوسف رجع بيته، متضايق ومخنوق.

لقته داخل مهموم، قعدت جنبه.


هاجر بحنيه: في ايه مالك؟ ايه اللى حوصول معكر مزاجك اكديه؟! 


يوسف: حسين مش سايبني… حتى العمدة شك فيا.... مخبرش الجدع ديه رايد مني ايه بس ليه بيعمل فيا اكديه..... 


هاجر مدت إيدها على كتفه: حسين ديه طول عمره حقود وعينه على اللى في ايد غيره.... انا رايداك ما تخافش… أنا جنبك.... ومصدقاك ومستعده اطلع واروح للعمده ديه واحكيله على كل حاجه.... 


يوسف اتلفت لها، عينه في عينها.

لحظة صمت طويلة.

وليد دخل يجري فجأة وضحك، قطع اللحظة.

يوسف قام بسرعة، كأنه هرب من مشاعره.... 


النهار طالع هاجر خارجة على السوق تجيب شوية طلبات للبيت.

لبست عباية سودا، غطت راسها، واخدت وليد معاها.

يوسف كان في الغيط، سايب شليم مع أمه.


حسين واقف من بعيد، عينه متربصة.

قال في سره: النهارده هفضحهم… قدام البلد كلها...... وهتبقى داي الضربه القاضيه ليكم انتو الاتنين..... 


 حسين قدامها في الطريق: يسعد صباحك يابت عمي...... إزيك يا هاجر؟


هاجر شدت وليد وقالت ببرود: هملني لحالي يا ابن الناس.... مريداش مشاكل ومصايب تيجيني من تحت راسك السم ديه.... 


حسين: واه واه...انا سم يابت عمي هو  إنتي فاكرة ان نفسه فيكي؟ يوسف خدك غصب عنك… وأنا لسه شايلك في قلبي..... بس مش رايد يسيبك ليا.... ولا رايد يعاملك بما يرضي الله وانتى ايه اللى جبرك على اكديه بس..... 


الناس بدأت تلمح من بعيد، وقفت تبص.

هاجر وشها احمر: واه واه يا وقعتك المربره....انت اتخبلط فى عقلك عاد يا واكل ناسك..... إنت ازاى تقول اكديه! أنا مرات يوسف..... سامع؟! 


حسين ضحك بصوت عالي: واه.... مرات يوسف؟! ولا أسيرة عنده؟ دا حتى الخدمات بيتعاملوا احسن من اكديه..... صدقيني يا بت عمي انا اللى شاريكي وبحبك وانتى فى قلبي وعمري ما هزعلك واصل..... 

مد إيده فجأة، مسك إيدها بالعافية.

هاجر صرخت: يالهوووي عليك..... انت اتخبلط فى عقلك على الاخر... اوعى اكديه سيبنييي!


هاجر بتحاول تفلت، دموعها نازلة من القهر.


وليد يصرخ: اوعى اكديه..... بعد عنا وهملنا لحالنل..... سيب ايد أمييي!


فجأة، صوت يوسف جه من بعيد وهو بيجري: واه هي حصلت يا حسين..... تمد يدك على مراتي ياولد المركوب.... سيبها يا حسين! والا والله هطلع بروحك واقطعك حتت وارميك لكلاب الشوارع ياكلب.... 


يوسف مسك حسين من صدره ورماه على الأرض.


الناس واقفة، نصهم مصدق حسين، نصهم مصدق يوسف.


حسين قام، عمل نفسه مظلوم:

انا مش هرد عليك ياولد عمي ولو عايز تعمل فيا اكتر من اكديه مش هفتح خشمي بحرف..... أنا عاذرك…بس أنا ما عملتش حاجة واصل! هي اللي كانت واقفة مستنياني..... ولما شفتنى نادت عليا وانا روحت اشوفها بحسن نيه وحصول اللى حوصول ديه..... 


صرخة عالية خرجت من هاجر: واه واه يا عيب الشوم عليك.... كذاب! هو اللي مسك إيدي غصب! والله يا يوسف صدقني... 


يوسف بص في عيون الناس، عينيه مولعة:

بصو بقى يا خلق علشان الكلام يبقى على مرئ ومسمع الكل والحاضر يعلم الغايب.... أنا يوسف… عمري ما هسمح لحد يعيب في مراتي. اللي يقول كلمة عليها…انا خصيمه..... ويطلع ويوريني نفسه دلوك او يقفل خشمه وميفتحوش تاني واصل.... سامع؟! 


العمدة جه بنفسه، قال بحزم:

واه واه.....بس  الموضوع ديه مش هيعدي بالساهل اكديه. يوسف، تعالى الديوان العشيه وهات معاك مرتك وانت كمان يا حسين..... خلونا نحلها اكديه ونشوف مين اللى عنده حق وياخده.


رجعوا البيت، هاجر قاعدة تبكي، إيديها بترتعش: يا وقعتك المطينه بطين يا هاجر.... أنا… أنا خلاص اتفضحت قدام البلد!الله لا يسامحك يا بعيد..... اللهى لا تكسب ولا تربح.... 


يوسف قرب منها، صوته هادي: واه وبعدهالك ياوليه كفاياكي نواح عاد وندب… الناس بتصدق اللي هي عايزاه وبس..... بس أنا مصدقك يا هاجر ووعد راجل حر مني حقك هجبهولك تحت رجليكي..... 


هاجر بصت له بدموع: صوح.....صوح يا يوسف إنت فعلا مصدقني؟ ولا بتعمل اكديه علشان اسسمي على اسمك وسمعتك بتيجي ويايا فى الحديت ديه.... 


يوسف:واه بعد المده اللى عاشرتيني فيها داي.....تصدقي انى اعمل اكديه.... قسما بالله، أنا واثق فيكي..... وبدافع وحكيت ومصدقك انتى لانى خابرك زين يا هاجر انتى متعمليش اكديه واصل...... 


لمست قلبها الكلمة، حست إن الدنيا كلها وقفت.


الليل جه، الديوان مليان رجالة البلد.

العمدة قاعد في النص، حسين واقف ووشه عامل نفسه برئ.

يوسف دخل، وهاجر وراه عشان تقول الحقيقة.


العمدة:

 يا جماعة، إحنا عايزين الحق وبس. يا حسين، قول اللى حوصول في السوق بالظبط....  


حسين:حاضر يا جناب العمدة أنا… كنت ماشي في السوق، هاجر شافتني وقربت، وأنا حاولت أبعد. لكن الناس شافوا هى كيف مسكتنى وفضلت تقول كلام ملهوش عازه وعيب عليها تقوله والله داى مرت اخوي فى الاول وفى الاخر تحترم اكديه حتى..... 


هاجر صرخت: الله يلعنك يا بعيد.... كذاب! هو اللي مسكني غصب عنى وفضل يقول انه بيحبنى وحديت ماسخ اكديه ولما صديته عمل اكديه...... 


العمدة بص ليوسف: إنت شايف إيه يا يوسف؟ هاجر تعملها ولا لا.... 


يوسف بص حوالين القاعة كلها: أنا شايف إن اللي يمد إيده على مراتي، كأنه مد إيده عليا. واللي يصدقه يبقى خصيمي...... انا مرتي هاجر اشرف من الشرف ومحدش يقدر يجيب سيرتها بالعفش واصل..... والا حسابه هيكون معي انا.... 


الرجالة اتأثروا بكلامه، بعضهم هز راسه.

لكن في همس لسه موجود.


العمدة ختم الجلسة: بصو يا جماعه اكده.... الموضوع مش محسوم… بس يا حسين، إياك تكررها. ويا يوسف، خليك حذر.


رجعوا البيت، الطريق مظلم.

هاجر ماشية جنبه، عينيها لسه مليانة دموع.

يوسف وقف، بص لها وقال: إنتي خابره إيه اللي وجعني ومش مخلينى طايق حالي اكديه..... 


هاجر:  خابره.... انى حطيتك فى موقف وحش قدام الخلق كلها بسببي صوح؟


يوسف: لاه مش صوح......انا اكتر حاجه مضايقتنى إنك انتي اللى اتفضحتي بسببي.


هاجر بصت له، قلبها بيدق بسرعة: مش مهم أنا… المهم إنك صدقتني ودي عندي بالدنيا كلها...... 


وقفوا ثواني في نص الطريق، نظرات طويلة… لكن خطوات الناس اللي وراهم خلتهم يبعدوا بسرعة.


البارت 4 والاخير


البيت هادي بعد دوشة الديوان.

هاجر قاعدة في الأوضة، عينيها مليانة دموع وهي بتفكر في اللي حصل.

يوسف واقف في الطرقة، مش عارف يدخل ولا يسيبها.


بعد لحظات، دخل بهدوء.

يوسف بصوت هادي: هاجر…ممكن ادخل... انتي زينه؟! 


بصت له بخوف:ايوا... الناس كلها بتبصلي دلوك كأني عاملة مصيبة.... انا ازاى هوري وشي للناس.... ولا انت ازاى هتشوف مشاغلك بعد اكديه وتمشي وانت رافع راسك.... 


يوسف قعد جمبها: ملكيش صالح بالناس عاد. أنا مصدقك..... واللى يرفع عينه فيكي ولا يفتح خشمه بحرف عليكي هطلع روحو بيدي..... 


كلمة "مصدقك" نزلت عليها زي الميه الباردة على نار.

ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكنها مخنوقة.


الصبح بدري، هاجر بتعمل عيش في الفرن.

يوسف دخل يشوفها، لقاها عرقانة، بتلف العجين.

قال لها وهو بيضحك بخفة لأول مرة من شهور:


يوسف: واه واه إنتي بتعرفي تخبزي زي سلمى...... كانت بتبقى اكديه بس تعجن وتخبز... 


هاجر وشها اتقفل فجأة، نزلت عينيها:

متقارنش يا يوسف… أنا عمري ما هبقى زيها..... 


يوسف حس بالذنب. قرب وقال: آسف… أنا ما قصدتش أوجعك. إنتي هاجر… ليكي طبعك، ليكي قلبك...... انا بس قولت بحس نيه علشان اخوات اكيد فيكم من بعض يعني.... 


هاجر رفعت عينيها بتردد، ولقت صدق غريب في نظرته.

ولأول مرة، ابتسمت ابتسامة حقيقية.


وليد دخل يجري: ابوووووي! تعال العب معايا! الله يخليك يا ابوي اتوحشتك.... 


يوسف قعد يلعب معاه بالعصاية والكرة.

هاجر وقفت تتفرج من بعيد، وقلبها بيرقص فرح.

شافت صورة "الأب" اللي كانت نفسها تشوفها زمان، لقيتها دلوقتي في يوسف.

بعد ما خلص اللعب، يوسف رجع لقاها واقفة.


يوسف: مالك يا وليه.... بتبصي عليا اكديه ليه؟ خلصتي خبيز شكلك اكديه.... 


هاجر بخجل: ايه... ولا حاجة… بس شكلك… مختلف.... يعنى... يلا علشان نفطر.. 


يوسف باستغراب: واه واه استني اهنيه....مش بتحددت وياكي... شكلي مختلف إزاي يعني؟


هاجر بخجل ونزلت عيونها: يعنى شكلك راجل بيت..... بتلعب مع العيال وانا بخبز.. حسيت اننا عيله اكديه... 


يوسف حس إن الكلمة دخلت قلبه زي سهم… لكنه حب السهم ده.


في الناحية التانية، حسين مولع من جوه.

قعد مع واحد من رجالة السوق وقال له:

 أنا رايد أخلص من يوسف بأي طريقة.... مخبرش ليه بيفلت كل مره اكديه.... 


صاحبه: وبعدهالك عاد يا صحبي.... كفاياك عاد... انت ليه حاقد اكديه على ولد عمك... وبعدين انت رايد تعمل إيه يعني؟


حسين بشر: انت مخبرش انا بكره يوسف قد ايه.... ومش هرتاح غير لما اخرب حياته.... انما انا ف هولع النار تاني… بس المرة دي مش في الغيط. المرة دي في قلب بيته... لما نشوف هيفلت منها ازاى...... 


الليل ساكن، هاجر قاعدة تخيط هدوم وليد.

يوسف راجع من الغيط، تعبان، ريحته عرق وتراب.

بمجرد ما دخل، شافها قاعدة تحت الفانوس، شعرها سايب شوية من الطرحة.

اتسمر مكانه لحظة.


قال بهدوء: واه إنتي لسه صاحية يا هاجر؟ ليه اكديه انتى محتاجه راحه علشان العيال... ومتتعبيش نفسك


هاجر: ايوا.... بخلص الهدوم عشان الولاد... لا مفيش تعب ولا حاجه العيال زي النسمه على قلبي... 


يوسف: لا كنتي نمتي احسن وسبتي الهدوم داي  للصبح.


هاجر: واه ازاى بس..... اسيب الهدوم للصبح وأسيبهم يروحوا المدرسة بلبس مقطوع؟ تيجي ازاى داي.... واهو بتسلى كمان عقبال انت ما تيجي بالسلامه على البيت... 


يوسف ابتسم ابتسامة صغيرة من قلبه.

لأول مرة، حس إن البيت ليه طعم.


الصبح يوسف خرج بدري على الغيط.

هاجر قاعدة تحضر الفطار للولاد.

حد خبط على الباب، وليد جري يفتحه.

لقى واحد واقف، إداه ظرف وقال له:

 إدي ديه لأبوك.


وليد دخل الظرف، حطه على الطبليه.


هاجر استغربت: إيه ديه يا وليد؟


وليد: مخبرش يا امه واحد جه وادهولي وقالي اديه لابوي..... هعدي عليه فى الغيط وانا رايحه للمدرسه ادهولو.... 


هاجر: لاه يا حبيبي خليه اهنيه وانا لما يجي ابوك هديهولو..... يلا خلص وكل علشان متتاخرش على المدرسه.... 


بالليل، يوسف رجع، لقى الظرف.

فتح الرسالة، قلبه وقع.

مكتوب:

"يا حسين… انا مقدراش أعيش من غيرك. يوسف عمره ما هيعوضك. نفسي تبقى ليا وأبقى ليك."


الكلمات نازلة عليه زي السم.

وشه احمر، إيده رجت.

هاجر دخلت الأوضة في نفس اللحظة، شافت وشه متغير.


هاجر بقلق: يا ساتر يارب..... في ايه مالك؟


يوسف بعصبيه: مخبراش يعني.... الرسالة دي إيه؟


مد الورقة قدامها.

هاجر خدت الورقة، قرأت… جمدت في مكانها.


هاجر بدموع: يالهوي يالهوي ياواقعه مربره..... ديه… ديه مش خطي! والله العظيم مش خطي!


يوسف بص في عينيها بعنف: يا سلام وإنتي عايزة تقنعيني بإيه؟ الرسالة دي جت اهنيه إزاي؟ وايه المكتوب فيها ديه.... 


هاجر وقفت تبكي: والله العظيم وقسما بالله أنا مظلومة يا يوسف! دي خطة حسين. أنا عمري ما…


يوسف يقاطعها: خطه من حسين؟؟؟؟؟ بس الورقة بخط ست يا هانم! والناس كلها هتصدق.....هقولهم ايه عاد وانا في يدي ورقه فيها الحديت الماسخ ديه... 


هاجر صوتها اتعالى: وانا ماليش صالح بالناس يا يوسف..... إنت مصدقني ولا لاه؟ ديه اللى بيفرق معايا.... 


يوسف صرخ: مخبرش مخبرش! بس الموضوع ديه مش هيعدي اكديه انتى سامعه..... 


البيت اتقلب، الولاد صحيوا من صوتهم.

سليم بكى، وليد جري يحضن أمه.


وليد: ابوي متزعقش فى امه اكديه… أمي بريئة! عمو حسين الشرير هو اللى بيضايقها انا شفته وزعقت فيه.... امه زينه معملتش حاجه واصل.... متخلهاش تمشي زي ماما سلمى سيبها ويانا يا ابوي...... 


يوسف مسك راسه، قاعد على الأرض، صوته واطي: ياربي ياربي ديه لو اختبار ساعدني فيه.... أنا تايه… مش قادر أفرق بين الحق والكذب..... يارب دلني على الحق وقوي قلبي عليه.... 


هاجر وقفت قدامه، دموعها سايحة: انا هقولك الحق فين...... بص في عيني، يا يوسف. إنت أكتر واحد خابر هاجر وعرفها زين. تفتكر أبيعك اكديه؟


يوسف رفع راسه، شاف العيون اللي مليانة صدق.

فضل ساكت لحظة طويلة.


يوسف بتردد: …لو كنتي بتكذبي، يبقى أنا انتهيت. ولو كنتي صادقة، يبقى أنا أكتر راجل ظالم في الدنيا..... 


هاجر قربت خطوة، مدت إيدها على كتفه:

 صدقني يا يوسف… أنا ليك، ليك إنت بس... انا ماليش غيرك انت والعيال والبيت ديه... 


يوسف بعد لحظة صمت، رمى الورقة في النار.


يوسف: ولو كان في لسه في قلبي شك… أنا اللي هولعه. من النهاردة، مش هسمع للناس. أنا هسمعلك إنتي بس.... انا خابرك زين انتى متعملهاش واصل..... انتى بنت عمى واللى مربيها على يدي وواثق منيها... 


هاجر شهقت من المفاجأة، الدموع بقت فرحة.


هاجر: يعني… يعني.... إنت مصدقني صوح؟


يوسف: ايوا مصدقك… ودي آخر مرة أشك فيكي...... سامحيني يا هاجر.... 


قرب منها أكتر، صوته بيوصل همس: لو عشت بعد النهاردة… يبقى قلبي هيبقى ليكي.... وملكك يا.. يا مرتي...... 


هاجر قلبها اتنفض، أول مرة تسمع منه كلمة زي دي.

ولأول مرة، حست إنها مش مجرد "زوجة غصب"، لكنها ست ليها مكان في قلبه.


لكن حسين كان واقف من بعيد، 

لما شاف يوسف ولع الورقة، ضحك بغضب: وبعدهالك عاد يا يوسف...... انت اكديه بيتحصن بيها… لاه، المرة الجاي مش هتكون ورقه.... هيكون دم و انت اللى اخترت اكديه....


البيت بقى مختلف بعد اللي حصل.

يوسف بقى بيقعد مع هاجر في الحوش، بيتكلم معاها، يسمع رأيها في حاجات صغيرة.

الولاد بقوا يضحكوا من قلبهم، خصوصا وليد اللي كان مفتقد الضحكة دي.


في ليلة هادية، هاجر قالت له: يوسف… أنا كنت فاكرة عمري ما هبقى غير ضيفه عندك.... ولا مكنش اكتر من واحده بتاخد بالها من الدار والعيال وبس....... 


يوسف: واه ايه اللى بتقوليه ديه يا هاجر ضيفه إيه وتاخدي بالك من الدار ايه؟ انتى اتخبلطي فى عقلك عاد يا مره.... 


هاجر: لاه ماتخبلطش فى عقلي يا يوسف... بس ايوا ضيفه… قاعدة لحد ما تفوق من ذكرى سلمى.... وتشوفني انا هاجر مش اخت مرتك الصغيره اللى اتزوجتها غصب.... 


يوسف: لاه يا هاجر… إنتي بقيتي أصل البيت... وروحو ودفاه.... انا اسف لو كنت بعاملك اكديه بس انا كنت بين نارين..... انا كنت خايف لتكوني بس شايفاني اخوكي الكبير علشان فرق السن بينا... وكمان كنت  جوز اختك.... والنار التانيه احساسي بالذنب انى بخون وعدي لسلمى.... بس دلوك انا مرتاح ومبسوط اكتر انك ويايا يا هاجر... 


هاجر عينيها دمعت، سكتت من الفرحة.


الليل نزل، والدار ساكنة.

هاجر نايمة جنب الولاد، يوسف في الطرقة بره، قاعد يفكر.

فجأة، شم ريحة دخان.

قام بسرعة، لقى النار ماسكة في طرف المخزن الصغير اللي فيه الغله.


يوسف بلهفه: واه واه يا ساتر يا رب! الحقونا يا خلق..... حريقه... حريقه... 


صوته صحى البيت.

هاجر جريت شايلة سليم، ووليد ماسك في إيدها.

يوسف حاول يطفي النار بالميه، صوته يعلو:

الحقونا يا خلق......يا عالم ياناس...... ولعوا فينا! ولاد الكلب.... والله مش هسيبهم..... 


صوت الجيران جري على البيت.

الرجالة حاولوا يساعدوا بالمياه والتراب.

هاجر قاعدة تبكي، تحتضن الولاد.


يوسف بص حواليه، عينيه زي النار: حسييييييييييين! ورحمه ابوي وابوك مش هسيبك يا ابن الحرام...... انت زودتها كتير اكديه... وحذرتك كتير وقولتلك تبعد سمك عني وعن داري واهلي وانت مسمعتش مني...... والله لاخليك تتمنى الموت ومتلقهوش ياولد المركوب.... 


يوسف راح لحسين في السوق.

مسكه من صدره قدام الناس كلها.


يوسف بغضب: انا خابر زين انك إنت اللي عملتها يا حسين! والله لاقتلك واقطع حتت وارميك لديابه الجبل ياواكل ناسك يابن الكلب..... رايد تحرق داري ومرتي وعيالي نايمين جوا.... 


حسين ضحك بسخرية: اهدي اكديه يا يوسف.... في إيه يا ابن عمي… رايد تلبسني التهمة؟ النار دي بتاكل الكل..... ومش انا اللى بحرق وقول محرقتش يا ولد العم.... النار اللى جواك طلعت على الدار وحرقته انا مالي عاد..... 


يوسف صرخ: انت اتخبلطت فى عقلك عاد يا ابن الحرام..... انت اللى حرقت داري.... لو قربت من داري تاني… هتكون نهايتك على إيديا...... احذر مني يا حسين لان صبري نفد وربنا يستر من الجاي.... 


بالليل، بعد ما النار اتطفت والجيران رجعوا، البيت كان مليان دخان يوسف قعد على الأرض، تعبان.


هاجر قربت منه، مدت إيدها على كتفه: 

 ما تضعفش يا يوسف. طول ما أنا والولاد جنبك، إحنا مش خايفين..... احنا بنستقوى بيك.... وحاسين بالامان لانك معانا وواقف جمبنا.... 


يوسف بص لها، عينيه دموع لأول مرة: مقدرش مقدرش.....انا مخبرش هو بيعمل معاي اكديه ليه......طول عمري شايفه اخوي وابن عمي وقلبي صافي من ناحيته....انما هو قلبه كله سواد وحقد عليا ومخبرش ليه.....تعرفي حاجه؟! إنتي اللي مخلياني واقف.... وقوي لحد دلوك... 


قربت أكتر، وبصت له من غير ما تقول حاجة.

اللحظة كانت مليانة صدق ووجع، لكنها جمعت قلبين لأول مرة من غير حدود.


هاجر قاعدت قصاده، حاطة سليم في حضنها، ووليد نايم على حجرها.


هاجر بصوت واطي: وبعدين يا يوسف… هتعمل إيه دلوك؟


يوسف شد نفس طويل وقال: مخبرش يا وليه... بس اللي بدأ النار… لازم ينطفي بيها.... وانا مش هسكت تاني ولا هعمل حساب لحاجه واصل.... توصل لمرتي وعيالي يبقى لازم واقفه ورد فعل البلد كلها تتحدت فيه..... 


هاجر قلبها وقع: تقصد حسين؟ بس يا يوسف مريداش يصيبك حاجه.... احنا ملناش غيرك يا اخوي.... بالله عليك متتهورش وتاذي نفسك معاه.... 


يوسف بعصبيه: ايوا ومين غيره؟ ديه ماشي في البلد يقول عليكي حديت يخلي الراس في الأرض… ولسه ما شبعش.


هاجر دمعت، قربت منه: بس أنا مش رايداك تخسر نفسك عشاني..... يوسف انا خايفه عليك... 


يوسف بص لها نظرة عميقة، صوته هادي لكنه قاطع: إنتي والعيال… أنا ماليش غيركم. لو خسرتكم، يبقى أنا خلاص انتهيت..... ولو سكت على عملته الله العالم هيعمل ايه تاني.... 


يوسف خرج من بيته الصبح، شايل عصاية التقيلة اللي ورثها من أبوه.


قال لوليد قبل ما يسيبه: خليك راجل واحمي أمك وأخوك...... انت الكبير وراجل البيت وانا مش موجود.... 


وليد عيونه دمعت: متتأخرش يا ابوي.... وانا هحمي امي واخوي واضرب اللى يجي اهنيه زيك بالظبط.... بس انا خايف يا ابوي... انت هترجع مش اكديه.. 


يوسف مسح على شعره: ما تخافش إلا من ربنا.... وانا راجعلك يا بطل...... 


هاجر وقفت على الباب، قلبها بيرتعش: يوسف… أوعى ترجع لي وأنا لابسة أسود تاني..... ارجع بالف خير سلامه.... احنا ملناش غيرك دلوك.... 


يوسف وقف لحظة، بص فيها نظرة طويلة، وقال: متخافيش... انا مليش غيركم كمان... بس المرة دي… أنا راجع ليكي بالحياة.... ونعيش خلاص مفيش زعل ولا خوف تاني.... 


السوق كان زحمة، الشمس في نص السما.

يوسف دخل وسط الرجالة، رفع صوته:

 يا ناس… أنا رايد كلمة قدام الكل.... واللى غلطان معايا هيتحاسب اهنيه قصاد الكل.... 


الناس التفتت له.

حسين قام، ضحك بسخرية: خير يا ولد العم..... جاي تعترف إنك ضعيف يا يوسف؟ مقدرش تحمي غيطك ولا بيتك ولا قادر حتى تسيطر على مرتك اللى ماشيه تغوي الرجاله وهى على زمتك وفى قلب دارك.... 


يوسف شد نفسه وقال: أنا ضعيف؟ أنا اللي شايل بيت وأولاد، وأنت اللي بتجري ورا الحريم بالكذب! وبتهد فى البيت والعيشه.... وبتضرب فى الضهر وبتغدر يا جبان...... انا اللى جاي قصاد الخلق والناس اتكلم واقول كل حاجه مش بضرب فى ضهرك يا خسيس..... 


حسين وشه احمر: إخرس! والا هتندم على الحديت ديه كله.... روح وارجع لعيالك ولدارك وانت لسه واقف على رجليك بدل ما العيال تخسر ابوهم زي ماخسروا امهم.... 


يوسف رد: لاه...مش همشي من اهنيه غير وانا واخد حقي وحق ولادي وداري من حباب عينيك..... لو راجل… واجهني اهنيه قصاد الناس.


حسين مسك سكين صغيرة من وسط جلابيته: افتكر انى قولتلك بلاش وارجع لعيالك انت دلوك فى ناس متعلقين فى رقبتك.....بس  إنت رايد أواجهك؟ يبقى حاضر ويلا نتواجه يابن احمد عبد الرحيم.... 


يوسف رفع عصايته: ملكش صالح بعيالى ولا بالناس اللى فى رقبتي.....لان دول بيقووني مش بيضعفوني.....يلا قرب يا حسين… وشوف آخرتك..... على نبوتي... 


ضربة حسين جات سريعة، يوسف صدها بالعصاية، السكينة وقعت على الأرض.

الجميع شهقوا.


يوسف ضربه ضربة على كتفه، وقع حسين على الأرض، 


حسين صرخ: آه دراعي! والله مش هسيبك ياولد المركوب...... 


يوسف وقف فوقيه، والعصاية مرفوعة.

هاجر كانت في السوق مع باقي الستات، 


هاجر صرخت: لاااااه يا يوسف! بالله ما توسخش يدك بدمه! هملوا لربه والناس يحسابوه...... بالله عليك استهدى بالله وافتكر عيالك وانا مستنينك.... منقدرش نعيش من غيرك واصل.... ديه كلب ميستهلش تضيع نفسك علشانه.... 


يوسف بص لها من بعيد، عينه دموع، وصوته هز السوق: لاه انا مش هسيب حقي… بس حقي هيجي قدام الناس مش بالقتل....... 


رمى العصاية على الأرض، مسك حسين من ياقة جلابيته: من النهاردة، كلمة منك عليا أو على مراتي، هتكون آخرتك. البلد كلها شاهدة.


الناس اتدخلت، شالوا حسين بعيد.

واحد من الكبار قال بصوت عالي: كفاية يا حسين! اللي عملته مش رجولة… دي نجاسة. يوسف طلع أنضف منك.


يوسف رجع البيت، العرق مغرقه، إيده بتترعش من الغضب.


هاجر مسكت إيده، بكت: حمد الله بسلامتك...... كنت خايفة ترجع لي جثة.


يوسف قرب منها، لأول مرة يحط إيده على خدها، مسح دموعها: بس كفاياك عاد يا هاجر.... من النهاردة، مفيش دموع..... مش رايد اشوف دموعك داي مره تانيه واصل...... 


الأيام عدت، وحسين اختفى من السوق فترة طويلة، مكسور ومعزول.

يوسف رجع لشغله، وللأرض اللي بتحبه.

البيت بقى دافي: ضحكة وليد وسليم، وهاجر اللي بقت مش مجرد زوجة غصب… بقت شريكة عمر.


في ليلة هادية، قاعدوا في الحوش.


هاجر قالت له: تفتكر يا يوسف… لو سلمى عايشة، كانت هترضى باللي بينا؟


يوسف بص للسما، وبعدها لها: سلمى كانت بتحبني… وأنا خابر إنها دلوك فرحانة عشان لقيت واحدة تحافظ عليا وعلى ولادها.


هاجر دمعت، لكن قلبها ارتاح.


يوسف مسك إيدها لأول مرة بإرادته، وقال: إنتي بقيتي قلبي… وأمان ولادي.


هاجر ابتسمت، والدمعة نزلت وهي مطمئنة.

والليل غطى الدار، لكن جواها كان في فجر جديد طالع… فجر مليان حب ورضا.

تمت 

تعليقات

التنقل السريع
    close