القائمة الرئيسية

الصفحات

ظل التنمر بقلم أمل محمد حسام حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج


ظل التنمر بقلم أمل محمد حسام حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



ظل التنمر بقلم أمل محمد حسام حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


وُلدنا جميعاً من طين، نقف على نفس الأرض، ونتنفس ذات الهواء. لماذا يتعالى بعضنا على بعض؟ 

لماذا يُمارَس التنمر على من هم أقل علماً ومالاً أو جمالاً؟ 

أي حق يمنح إنساناً القدرة على تحقير آخر، ونحن جميعاً خُلقنا سواسية؟


في غرفة بائسة، جدرانها متصدعة، تفوح منها رائحة الرطوبة، أثاثها المهترئ يروي قصة إهمال دام طويلًا، احتُجزت فتاةٌ هزيلة داخلها... أياماً وأسابيع وهي معزولة عن العالم. لا تعرف ما يدور خارجه، اشتاقت لألوان الطبيعة، لأصوات الحياة، لتفاصيل صغيرة كانت تسعدها.


في داخلها، كان هناك أنثى نابضة بالحياة، تحب الجميع، تعشق الضحك والمغامرة، وتبعث الفرح في قلوب من حولها. لكنها استيقظت ذات يوم، لتجد أن هذه الروح قد انتُزعت منها؛ لم تعد تلك الفتاة المليئة بالحيوية، بل أصبحت كياناً محطماً، شبحاً يتوارى خلف جدران خوفها.

كان السبب واضحاً... سلسلة لا تنتهي من المواقف القاسية، كلمات جارحة أطلقتها أفواه قاسية، من قلوب جردتها القسوة من الإحساس.


ما زالت تتذكر تلك اللحظة التي حفرت جرحاً عميقاً في قلبها...

ذات مرة، في أواخر فصل الربيع، وسط بستان النارنج، حيث كانت سلمى تلعب وحدها، مستمتعة بنسمات الربيع، اقتربت مجموعة من الأطفال بضحكات ساخرة، تتأملها بنظرات ملأها الاستهزاء. بدأوا يرمون كلماتهم كسكاكين مسمومة.


 قال أحد الأولاد بصوت مرتفع وهو يشير إليها:

"انظروا! إنها تلعب وحدها كعادتها... ألا تملّ؟"


"لماذا تلعبين وحدكِ دائمًا؟ لا يوجد لديكِ أصدقاء؟" قالها أحدهم بنبرة ساخرة، قبل أن ينفجر الآخرون ضاحكين.


تقدمت فتاة في نفس عمرها بغرور، تأملتها ثم قالت بازدراء:

"لا أحد يقترب منها... خوفاً من أن يصبح مثلها"


ارتفعت الضحكات من حولها، وكأنها خناجر تخترق روحها. شعرت بالحرارة تتصاعد إلى عينيها، لكنها رفضت أن تبكي أمامهم. ضغطت على قبضتيها ثم استدارت فجأة وركضت مبتعدة. خطواتها تتعثر فوق العشب، وداخلها صوت يصرخ ويكرر ذات السؤال كل مرة:


"لماذا؟ لماذا يتنمرون علي؟ أهو لون بشرتي؟ أم لأنني لم أتعلم مثلهم؟"

تبكي بحرقة... لم تفقد طفولتها فحسب، بل فقدت ثقتها بنفسها.

احتضنتها أمها، تزيل ألمها بلمساتها، قائلة لها بعد كل تنمر تتلقاه...

"المتنمر هو الجاهل، وليس من يقع ضحية لكلماته. أنت جميلة وذكية كوني قوية ولا تهزمك كلماتهم."


لم تعد سلمى تتحمل موقفاً جديداً، فحجزت نفسها في غرفتها؛ لا تمارس حياتها.

التنمر.... سلاح صامت يقتل الأرواح قبل أن يقتل الأجساد. كثيرون يطلقون كلماتهم دون تفكير، غير مدركين أن كل جرح يترك أثرًا لا يُمحى. فلنحمي أرواح بعضنا بعضاً بدلاً من تدميرها.


ومع مرور السنوات، وبعد كل ما مرت به من صعاب، ها هي الطفلة التي عاشت كل ذلك الألم قد نمت… لتقف اليوم أمامكم وتحكي قصتها بنفسها.

سلمى، التي وقفت بقوة بعد الهزيمة، هربت من المواجهة وحبست نفسها، ظنت أن الهرب يعني الفوز أو النسيان. لكنّ الهرب لم يكن إلا مدمراً للذات...


فلولا وجود والدتي حينها لما استيقظت من غفوتي. لكنت ضحية التنمر، تسكن روحي بين القبور.


لذلك، أيها الحضور، تذكروا: كل جرح يمكن أن يصبح درساً، وكل ألم فرصة لتقوية أنفسكم. احموا قلوبكم، وكونوا الدرع لأنفسكم وللآخرين، ولا تسمحوا لكلمة جارحة أن تهدم أي روح.


تعليقات

التنقل السريع
    close