القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية هى لى بقلم مروة حمدى الفصل الأول حتى الفصل السادس حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

رواية هى لى بقلم مروة حمدى الفصل الأول حتى الفصل السادس حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية هى لى بقلم مروة حمدى الفصل الأول حتى الفصل السادس حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


من الحب ما قتل، جملة رددتها الألسن كتعليق على حال عاشق لم ينل من الدنيا هواه، فتقاذفته بين دروبها، يهيم بها على وجهه بعدما فقد الرغبة بالحياة؛  باكياً على أطلال أمس غير عائد ومستقبل غير مرغوب به وقد توقفت ساعه الزمن خاصته عند تلك اللحظه وقد افترق بها قلبه عن منأه. 

ولكن الحال يختلف عند تلك الجالسة بفراشها تضم قدميها إلى صدرها، تحيطهم بيدها كمن يتلمس صحبه وسط الظلام ووجها المتخفى خلفها ولا يظهر منه سوى عيناها وهى تدور بالأرجاء من حولها برعب وقد حال بياضها إلى حمار من قلة النوم، فقد أصبح أمنية بعيده فى الأونه الأخيرة.

ببطء ثقل جفناها عنوة، لتستكين بجبهتها على ركبتيها، تستدعي راحه لقلبها وعقلها وبالأخير جسدها وقد تملك منه الوهن.

ثوانى قليله وبدأت معالم وجها بالانكماش وانعقد حاجبيها تحرك رأسها يمينا ويسارا ببطء سُرع تدريجيا مع همهمات غير مفهومه خرجت من فاهها لتصبح اكثر وضوح وهى تصرخ بخوف، استيقظت على أثره.

"أسااااااااااااااااااااااامه"

أخذ صدرها يعلو ويهبط برعب، نظرت حولها، أعادت يدها الممدوة فى الفراغ إلى جانبها ودموعها عرفت طريقها على وجنتيها بعدما أيقنت انه هو ذات الحلم او بمعنى أصح، ذات الكابوس، السارق لراحتها المقلل لنومها، المؤنب لعقلها والجالد لقلبها، لا يتغير ولكن مع مرور الأيام تزداد تفاصيله وضوحا.

بهمس مسموع وقلب ملتاع تساءلت: عملت فينا كده ليه يا أسامه؟

دفعه من الهواء البارد لفحتها بمجلسها، أقشعر لها جسدها، وصوت فحيح تعرف صاحبه جيدا نفث لها بأذنها ما جعلها تنتفض من مرقدها، تنظر حولها بفزع وقد تبدد شعورها بالوحده.

حدثت نفسها تطمئنها: دى اكيد تهيؤات من قلة النوم مش أكتر، اه تهيؤات.

اكدتها لنفسها مرارا وتكرارا ولكن قشعريرة سرت بجسدها على طول عمودها الفقري وكأن أصابع شخصا ما ترسم طريقها عليه جعلتها تثب من مكانها لأخر أتت لها كإجابة وشعورها بأنها ما عادت وحيدة بمنزلها يقوى يوما عن الاخر، شيئا ما يشاركها إياه، شيئا ما يحيط بها، شيئا لا تراه ولكنه موجود.

دارت عيناها بالأرجاء، تبتلع ريقها برعب مع تسارع دقاتها، وقع نظرها على الهاتف الموضوع على الكومود بجانب الفراش، بسرعه التقطته، وبأيد مرتشعه نقرت على شاشته، تجرى اتصالا، وضعته على اذنها وعيناها تبحث فى الفراغ حولها كفريسة تستكشف موقع صائدها.

ومن الجهة الأخرى او بمعنى أدق من الطابق العلوى حيث يسكن شقيقها الوحيد مع أسرته الصغيرة، كانت زوجته تستعد للنوم بعدما اندثت إلى جانبه حين صدح صوت نغمه هاتفه.

عقدت حاجبيها تنظر لزوجها المستغرق بالنوم وإلى الهاتف الموضوع على الكومود بجانبه متسائلة: ياترى مين ال بيرن عليه دلوقت؟

رفعت جسدها لأعلى ومدت يدها تلتقطه، نظرت إلى الاسم المتوسط للشاشة" ملك أختى"

أمسكت ذقنها بيدها وبداخلها: وياترى ست ملك عايزه ايه الساعه دى؟

توقف الهاتف عن الرنين، علقت ب" أحسن"

أوشكت على إعادته لموضعه حتى عاد للرنين من جديد.

بسرعه أنسلت خارج الفراش، بعدما تململ زوجها بنومه، انسحبت للخارج تجيب بحده مقصودة.

_ايوه يا ملك، ده وقت حد يتصل بحد.

ملك وقد صعقها حديث زوجه اخاها الجاف، ليس لأنها لم تعتد عليه منها قبلا ولكنه الوصف.

_حد! أنا كنت برن على أخويا؟!

_ويا ترى بقا ايه الكارثة ال حصلت تخليكي ترنى على أخوكي...قالتها وهى تتكئ على حروفها متابعه...فى وقت زى دا؟

طريقة حديثها الجمت لسانها عن الحديث لبرهه والأخرى نافذة الصبر فقالت: هتفضلى ساكته كتير، أنا عايزة انام، هتتكلمى ولا أقفل؟

"خايفة"

هكذا نطقت بها بدون تفكير، فرعبها بتلك اللحظه بلغ منتهاه سواء من المجهول او من تنفيذها لتهديدها وقد وجدت بصحبه صوتها أمان مؤقت.

بينما الأخرى رددت باستنكار: نعم! بتقولى ايه؟

بقهر أعادت حديثها: خايفة يا فاطمه ومحتاجه كرم ينزلى.

فاطمه بإستهزاء: وياترى بقا البرنسيسة خايفة من ايه؟

ملك بصدق: مش عارفة، بس حاسة انى مش لوحدى.

فاطمه بانتباه: قصدك فى حرامى؟

ملك: لا، بس...

فاطمه بإستفسار: بس ايه؟

ملك: حلمت حلم مش حلو وحاسة ان فى حاجه مش شيفاها معايا.

فاطمه بشفاه مرفوعه وقد ضاقت ذرعا بتلك المدللة من وجهة نظرها: يعنى عايزانى اصحى اخوكى ال وراه شغل من الصبح بدرى من نومه عشان السنيورة شافت كابوس وخايفة تنام؟!

ملك بنفى: ها، لا انا انا...صمت ثانيه تابعت بعدها برجاء وطلب خرج منها لأول مرة...انا خايفة  اقعد هنا لوحدى يا فاطمه، ممكن اطلع عندكم؟

فاطمه بعصبية وصوت منخفض: بنت انتى، محدش فاضى لدلعك ده، هو ايه ال جد؟ مانتي ليكى تلات سنين لوحدك! ولا مش مكفاياكى الشقة الطويلة العريضة ال عايشه فيها  قولتى اما اقرف مرات اخويا...

ملك نافية بسرعه: لالا انا بس خايفة ومحتاجه كرم.

فاطمه بحقد: وكرم هيعملك ايه انشالله؟! يقعد جانبك يحرسك لحد ما تروحى فى النوم مثلا! ده معملهاش مع ابنه! ومع ذلك أنا هطول بالى عليكى للأخر، خايفة يا ماما يبقى تشغلى قرآن وتستعيذى مش تقلقى الناس فى نومتها، تصبحي على خير.

قالتها مغلقة الهاتف بوجهها دون إعطاءها فرصة للحديث، أمسكت بعدها الهاتف وقامت بضبطه على الوضع الصامت متمتمه وهى تعود للغرفه: قال خايفة قال وعايزة كرم ينزل او هى تطلع، أدى ال ناقص نشتغلها بيبى ستر.

وعلى الجهة الاخرى نظرت للهاتف بصدمه، هوت على الفراش ودموعها تتسابق على وجنتها وقد تغلب قهرها على خوفها و من بين شهقاتها رددت بحسرة: انتى فين يا أمى؟ مشيتى انتى وبابا وسبتونى لوحدى فى الدنيا دى.

" بس انتى مش لوحدك"

جملة هُمس بها بأذنها، جعلتها تصرخ منتفضه للخلف حتى اصطدم ظهرها بالفراش خلفها وعيناها تدور بكل إتجاه وعقلها يسترجع تلك النبرة وبدون وعى نطق لسانها باسم صاحبها: "اسامه"

قابلها السكون من حولها ووجيب قلبها صم أذنها.

اخذت تردد كل ما جال بخاطرها من أذكار، تستعيذ بسرها والصمت يحيطها وبرعب وبطئ أمسكت بغطاء الفراش، تنسل أسفله، تكورت على نفسها متخذة وضع الجنين ولا يظهر منها انش ولا يخرج عنها سوا أنفاس مرتعبه يرتفع  وينخفض على أثرها الغطاء، تنتظر بفارغ الصبر  قدوم الصباح.

بدد السكون حولها ارتفاع صوت هاتفها ينبؤها باتصال قادم، فرح قلبها، ظنا منها انه اخاه، وبدفعه من الأمل تغلبت على مخاوفها تزيح عنها غطاءها كمن يزيح ثقل يجسم فوقه، تلتقط الهاتف بلهفه وما إن وقع نظرها على الأسم تملكت منها خيبة الأمل والحسرة من جديد ومع ذلك لم تنكر تلك  السعادة  المتسربه لقلبها عند ابصارها لاسمه يتوسط الشاشة، هى بحاجه إليه الان اكثر من أى وقت مضى وكأنه استمع لاستغاثتها الغير منطوقه به وقد خطر بعقلها اولا قبل أخاها تطلب مساعدته ولكنه الإحراج وكذلك تأخر الوقت.

همست بإسمه بابتسامه صغيرة" سيف"

ومع اخر حرف فُتح باب الشرفة بقوة أجفلتها وبثت الزعر بداخلها من جديد.

ومع رجوع هاتفها للرنين تحركت بنظرها عن الشرفة للهاتف توشك على الإجابه بسرعه وقد بلغ منها الخوف مبلغه، لتتجمد اصابعها على الشاشة وتلك النبرة الجليدية القريبة من وجهها تلك المرة تخبرها بأمرانتفضت له سائر خلايا جسدها" ما ترديش"

 ببطء رفعت نظرها عن الشاشة للأمام، اصطدمت نظراتها بما جعل الدم يتجمد بعروقها، فهى الان بمواجهة أسوء مخاوفها ويعتبر الوحيدة بالآونه الأخيرة" عينان جاحظتان تناظرها ولا تحيد عنها"

والأسوء انها تعلم صاحبها جيدا وما جعل الشيب يخطو برأسها، علمها بمكانه الان وما جعل قلبها يوشك على التوقف هو الغضب النافث منها، عالمه بأنه موجه لها لا غير.

بأحرف متقطعه متلجلجه بعدما الجمتها الصدمه عن الحركه غير مصدقة.

"أوأو سااا سا مه"

"وحشتينى"

هى لى

الفصل الثانى.

دائما ما كان القلب والعقل فى صدام ومن أتفقت حسابات عقله مع أهواء قلبه فهو لمن المحظوظين.

وصديقنا الجالس على فراشه واضعا ليده أسفل رأسه شاردا بالسقف، خير مثال على ذلك ولكن ربما أصابت سعادته عين حاسد، فمن اختارها بعقله وتسرب هواءها لقلبه رويدا رويدا حتى ملئه وأصبحت تحتل تفكيره وخيالاته متغيرة عليه.

يرى الحزن ساكن بعينيها وقد ظهر أثره واضحا أسفلها، صمتها وكأنها لا تجد ما تقول على الرغم من ان عيناها تحكى الكثير والكثير، حيرتها الواضحه، تشتتها، رجفه يدها، انتفاضة جسدها المستمرة، كلها أمور توحى له بأن مخطوبته وحبيبة قلبه تواجه أمرا ما بمفردها.

قام من مجلسه يلعن صديقه داخله، متسائلا، كيف لا يلاحظ ما تمر به شقيقته الوحيدة! لم يعهده هكذا قبلا؟! ام انها الغربة وقد أقست قلبه؟!

نظر لساعه الحائط امامه، يتنهد بثقل، يرغب بشده فى سماع صوتها ولكن الوقت تأخر.

أطلق زفرة ملتاعه من شفتيه متمتما: شقلبتى حالى يا ملك.

فتح النافذة المتوسطه لجدار غرفته، يجلس على حافتها، ينظر للسماء وقد افترشتها النجوم بليله غاب عنها القمر.

تحدث بصوت مسموع وعيناه على نجمه تتوسطها جذبت أنظاره لها وكأنه يحدثها:

_ حبيتها، مش عارف امتى وازاى بس حبيتها، طيبة قلبها، براءتها وعفويتها وقعتنى فيها.

نظر للمحبس المزين لأصبعه، يمرر أنامله على حروف أسمها: حاولت اقنع نفسى انى اختارتها بعقلى بس لا...

صمت ثوانى، تابع بعدها بابتسامه صغيرة حالمه: عيونها هما ال خطفوني.

عاد بظهره للوراء مغمض العينين يتذكر اول مرة رأى بها شقيقه صديقه بعد سنوات من سفره.

كان يصعد الدرج بسرعه، يعيد الهاتف إلى جيب بنطاله بعدما أنهى الاتصال مع أحد عملائه، لم ينتبه لتلك الهابطة، إلا عندما اصطدم صدره برأسها وصدرت عنها شهقة صغيرة.

_ااه.

ارتد قليلا للخلف، ينظر لها بإحراج: انا اسف يا انسه.

لاحظ خفضها لراسها وازاحتها بيدها لشئ على وجهها.

وبشك تساءل: معقول تكون الخبطه وجعتها اوى كده؟

أجلى صوته: انا حقيقى مكنتش اقصد.

رفعت رأسها له، لتصطدم النظرات و تلك المرة هو من تأوه بوجع داخله من سهام بندقيتها اللامعه من أثر الدموع ومع احمرار أنفها وقف كتمثال يتأملها بصمت، وشعور داخلى قوى يخبره بأنه يعرف تلك الفتاة وانها مألوفه وما جعل دقة تفلت منه عنوة، ابتسامتها الصغيرة وهى تجيبه بهدوء وبنبرة رقيقه تفضح بكاءها: حصل خير يا استاذ سيف.

نظر لها بدهشه يشير على نفسه: حضرتك تعرفينى؟

اتسعت ابتسامتها ودون ان يعلم نقلت له لترتسم على وجهه وعيناه على خاصتها لا تحيد وهى تجيبه بما صدق حدسه بأن تلك البندقية اصطدم بها سابقا: انا ملك اخت كرم.

اتسع بؤبؤ عيناه بزهول يشير بيده فى الهواء: معقول؟ ملك! ملك الصغيرة!

هزت رأسها بإيجاب فأكمل هو  بإعجاب واضح: معقول السنين عدت كده؟ والبنت الصغيرة  ال ياما شدتها من ضفيرتها، تكبر وتبقى ورده جميلة اوى كده.

شعرت بالخجل من حديثه ونظراته، تضع يدها على شعرها فوق الحجاب بتلقائية، تتمتم بتذمر طفولى راقه كثيرا: على فكرة كانت بتوجع اوى.

ضحك عليها بملئ فاهه: ميبقاش قلبك اسود بقا.

تابع بابتسامه: كرم موجود؟

ملك وهى تشير لأعلى: اه ومستنى حضرتك من بدرى، عن اذنك.

تركته واقفا مكانه وهبطت درجتين وقبل ان تكمل الثالثة اوقفها بسؤاله: انتى رايحه فين؟

نظرت له بعدم فهم تشير حيث الباب المقابل للدرج: شقتى.

سيف بتمنى

 : مش هتطلعى معايا فوق؟

نظرت له بإستغراب وهو لا يلومها بالأساس هولا يعلم لما أوقفها، فقط رغبة داخليه تطالبه بإطاله الحديث معها والان عليه تبرير حديثه.

_بحرج عبث بيده بخصلات شعره الفحمى: بصراحه محرج اطلع لوحدى.

ملك بدهشه: وهو حضرتك غريب؟!

سيف بصدق: اصل اربع سنين مجتش هنا من وقت الحادثة فأنا محرج بصراحه.

لاحظ الحزن وقد كسى ملامحها، لعن غباءه فبسرعه: انا اسف انى فكرتك.

ملك بصوت يقطر الما: انا منستش علشان افتكر..

سيف: ممكن بقا تطلعى معايا؟

نظرت له والحيرة على وجهها واضحه وكأنها توزنها بعقلها، ملامحها جعلته يعقد حاجبيه بعدم فهم فهل يستحق الأمر كل هذا التفكير!

تنهدت بثقل لم يغب عن أعين ذاك التاجر المخضرم تقول وهى تستعد للصعود تشير للدرج: اتفضل معايا.

بابتسامه صغيرة: السيدات اولا.

وقفت على باب شقه اخاها وهو على بداية الدرج، طرقت بخفه، فتحت سيدة ما، تذكرها بصعوبه من حديثها بأنها زوجه كرم.

_ايه ال طلعك تانى؟ هو انا مش قولتلك كفاياكى لحد كده روحى نامى وارتاحي بعد تحضير الاكل وانا ورنا اختى هنكمل.

انكمشت ملامح وجهه لسماع حديث تلك المرأة والان فهم لما لم ترغب تلك المسكينه للصعود مرة أخرى.

اشارت بيدها حيث الواقف: طلعت مع استاذ سيف.

رحبت فاطمه به كثيرا وهى تنادى على زوجها وقد أسرع هو الاخر تلقاه بين ذراعيه يسحبه للداخل.

كرم: ياه يا سيف اربع سنين!

سيف: انت اللى مشيت وقولت عدولى..

فاطمه محاولة الاندماج للحديث: مفكرش ينزل اجازة ولو شهر واحد.

كرم بتبرير: وهو ده كان عشان مين؟

سيف: ومسافر تانى امتى؟

كرم: كده تمام سبع سنين غربة بكفاية ارجع بقا وشوف  حالى هنا.

سيف بتأيد: عين العقل، بيتك واختك محتاجين ليك.

قالها ونظراته دون إرادة منه انتفلت لها، لتلك الجالسة بصمت مطبق.

نظر كرم حيث ينظر رفيقه: انت قابلت ملك؟

سيف: انا وطالع السلم كانت نازلة.

وجه كرم حديثه لشقيقته: بالحق، لما صحيت  بسأل فاطمه عليكى قالتلى تعبت ونزلت؟ مالك يا حبيبتى انتى كويسة؟

نظرت لزوجه اخاها وأمات رأسها بصمت بينما سيف فتأكد حدسه، زوجه كرم علاقتها ليست بالطيبه مع أفراد عائلته سوا مع والديه رحمهم الله او مع شقيقته وكعادة كرم لا يهتم بالتفاصيل الجانبية التى تفشى الكثير والكثير .

نادت فاطمه بصوت عالى نسبيا: رنا يا حبيبتى، تعالى سلمى.

 دلفت عليهم رنا شقيقه فاطمه، تتهادى بخطواتها تحمل كؤوس العصير ووجهها يشتعل خجلا، اقتربت من سيف: اتفضل.


نظر سيف لكرم الجالس على يمينه ولشقيقتها وملك بالجهه المقابلة، يشير بيده: تيمنوا. 

شعرت رنا بالاحراج وفاطمه فى محاولة لتدارك الموقف: اصل دايما فى البيت عندنا ماما تنبه ان الضيف هو ال ياخد واجبه الاول قبل اى حد.

كرم وهو يتناول كأسه: بس سيف مش ضيف يا فاطمه.

فاطمه بابتسامه مصطنعه: طبعا، طبعا.

ملك لرنا التى تطالعها بضيق لا تعلم سبب: شكرا.

أدارت ظهرها لها ولم ترد.

فاطمه لشقيقتها: تعالى يا حبيبتى أقعدى.

قالتها وهى تزيح سجادة الصلاة المطوية على الكرسى بجاور الاريكه الجالس عليها سيف، لتجلس رنا الى جانبه من الجهة اليسرى وهى بعدها وتليها ملك على الطرف.

فاطمه لسيف: اعرفك برنا أختى الصغيرة يا استاذ سيف، خريجه كليه تجارة.

سيف: أهلا وسهلا يا انسه رنا.

ابتسمت بخجل مبالغ تردد بخفوت: أهلا بحضرتك.

كرم: هى لسه ما اشتغلتش يا سيف ابقى شوف لها وظيفه لحد ما ملك هى كمان تخلص وتشتغل هى كمان.

فاطمه: لا طبعا شغل ايه يا كرم انت عارف عيلتنا البنت ما بتشتغلش.

نظرت لسيف بقصد تابعت: البنت مالهاش غير الجواز، يعنى بيتها وجوزها بس والتعليم ده تنفع بيه عيالها وتشرف جوزها قدام الناس.

ابتسامه صغيرة متهكمة اخفاها سيف بداخله يتمتم: حاسس انى رايح اشوف عروسة، الله يسامحك يا أمى شكل دعاكى استجاب واهو خبطت فى عروسة.

ضيق عينيه لثوانى وابتسامه صغيرة فلتت منه يردد" خبطت"

نظر لتلك الصامته موجهه لها الحديث متجاهلا الرد على فاطمه والنظر لتلك الجالسة جواره وقد اخفت مساحيق التجميل ملامحها، يشعر بنظراتها تتفحصه خفيه من أعلاه لأسفله ظنا منها انه لا يراها! حقا حمقاء.

سيف لملك: وانت بقا يا ملك بتدرسى ايه؟

كرم بفخر: ملك اخر سنه فى كليه حقوق.

سيف: وياترى ناويه على شغل بعد ما تخلصي.

فاطمه بكلمات غلفها حقد خفى: ملك لسه عقلها صغير وبتسمع الستات ال طالعه اليومين دول وبيقولوا ان الست تعتمد على نفسها وشغلها هما رقم واحد وبتدرب من دلوقت عند محامى مع انها مش محتاجه معاش باباها مكفيها وزيادة ده غير ان اخوها ربنا يديمه لينا مش مخليها محتاجه حاجه.

رنا: انا مش بتفرج ولا بسمع لخرابات البيوت دوول.

ملك لزوجه اخاها بقوة طفيفة بكلماتها وثبات نال إعجابه.

_شغل الست قوتها، تحقيقها لذاتها وانها متكنش اتكالية وخصوصا فى الزمن ده، ال عجله زيادة الأسعار وتغير ظروف البلد دايرة ما بتقفش، دلوقت البيت السليم بيقوم باتنين يجمعهم الود والاحترام والتفاهم يشاركوا حياتهم سوا طموحهم، وده مش معناه انها تهمل بيتها بس توازن بينهم ولو مقدرتش ففى الحالة دى وطول ماالظروف تسمح وجوزها بيراعى ربنا فيها فبيتها رقم واحد اكيد.

سيف بابتسامه: لا كبرنا وعقلنا كمان يا ملك.

ابتسمت بخجل وتهربت من نظراته التى تربكها وبشده، كرد على مدحه.

كرم بصدق: ملك عاقلة جدا ياسيف ويمكن ده ال بيخلينى مطمئن عليها طول ما انا مسافر.

دفة الحديث لم ترق لفاطمة او أختها رنا التى نظرت لها بضيق هى الأخرى .

فاطمه واقفه من مجلسها: اتفضلوا يا جماعه الغداء جاهز.

كرم لسيف: يالا يا سيف.

سيف: غداء ايه لا ياعم اعفينى.

كرم: بقولك ايه انا جعان ووحشنى الاكل فى اللمه فهتاكل يعنى هتاكل مفيهاش كلام دى.

ملك: عن اذنكم انا نازلة .

نظر لها كلا من سيف وكرم بملامح مقتبضة.

كرم: نعم، ازاى تنزلي من قبل ما تتغدى؟!

ملك: هبقى اتغدا تحت يا كرم.

كرم: لوحدك؟ لا طبعا.

فاطمه بضيق: خلاص يا ملك اسمعى كلام اخوكى بلاش طبع المناهدة ده، هى دايما كده يا استاذ سيف اكون مجهزه الاكل واقولها تعالى نتغدا سوا ما ترداش وتقول هأكل لوحدى.

رنا بسخرية: يمكن مكسوفه.

كرم بإستهجان: تتكسف من بيت اخوها، بيتها!

فاطمه بضيق: خلاص يا جماعه الاكل هيبرد يالا...اغتصبت ابتسامه تتابع بود مزيف...ده رنا عاملة شوية محشى انما ايه جنان..

كرم لملك: والمكرونه بشاميل ال طلبتها منك يا ملك معملتهاش!

ملك بابتسامه: لا عملتها وكمان ملوخية.

زفر كرم بارتياح أشعل النار بقلب زوجته وشقيقتها: ايوه كده قلبى  كان وقع فى رجليا.

تابع الحديث ويده تحاوط كتف صديقه يسير به نحو طاولة الطعام: ملك بتعمل مكرونه وملوخية بنفي طريقة ماما الله يرحمها...أكمل بحزن طفيف...كل ما بيوحشنى آكلها بطلب من ملك.

فاطمه بضجر وتزيف: الله يرحمها طلبت منها كتير تعلمنى طريقتها مكنتش بترضى .

ملك بهمس: هو انتى حد كان بيشوفك اصلا!

سيف بابتسامه: الله يرحمها نفسها كان لا يعلى عليه.

نظر لملك وتابع: هدوق واحكم بنفسى.

خفضت نظرها لاسفل على احتضان صغير اخاها لها من قدميها.

رفعته لأعلى تقبله من وجنته: صحيت ياقلب عمتو!

أماء برأسه: جعان يا موووكا.

ملك باندماج متناسية الجميع حولها: قلبى انا يا ناس، تعالى يا روحى انا ال هأكلك بنفسى.

جلس الجميع على الطاولة، كرم على رأسها تجاوره زوجته ثم شقيقته ثم الصغير وعلى الجهة الاخرى يجاوره صديقه ثم رنا.

كرم للصغير: مش تسلم على عمك سيف يا أحمد الأول.

فاطمه: متزعلش منه أصله كان نايم ويصحى مش مركز يقعد شوية وبعدين يقول عايز اكل.

سيف بضحكه عالية: طالع لباباه.

ضحك الجميع على تعليقه مصدقين على حديثه، ليستغل الصغير الفرصة يجاكر والده: طلعت شبهك اهو عشان ما تتريقش عليا تانى.

سيف بتلذذ: تسلم ايدك يا ملك، حقيقى تحفه.

ابتمست له بمجاملة تنظر لاخاها المنغمس فى تناول طعامه تنتظر تعليقا.

كرم : اوعى تكونى مستناينى اقولك تسلم ايدك وكلام من ده انا لولا انى عارف وواثق مكنتش طلبت منك يا ملوووك بس حقيقى المرة دى أعلى من كل مرة يابخته ال هيخطفك منى.

تعليق كرم أثلج قلبه فمنذ حديثهم عن عمل المرأة وسؤال واحد يشغل عقله: هل هى مرتبطه باحدهم؟ لم يجد محبس بيدها ومع ذلك يرغب بالتأكد فهى فتاة متعلمه جميلة وللغااية يعلمها منذ الصغر على خلق، طيبة القلب والدليل ذاك الصغير وما جعلها " لقطه" على رأى والدته، إجادتها للطهى، فاين الشباب عنها؟ 

قامت رنا بضيق تحمل طبق المحاشى تضع امامهم: على فكرة بقا انتوا لسه مااكلتوش المحشى بتاعى.

زجرتها فاطمه بعينها تشير لها بالجلوس معلقة: أصلها عملته مخصوص عشانكم.

كرم وسيف: تسلم ايدها.

فاطمه: وانت بقا يا استاذ سيف مش ناوى تستقر وتتجوز يعنى بسم الله ماشاء الله حضرتك من سن كرم شاب صغير وعندك شغلك الخاص وحتى اخواتك كرم قالى انك جوزتهم ومفيش غيرك انت ووالدتك فى بيتكم يعنى الف وحده تتمناك، فليه التأخير ده؟

كرم: ماهى والدته اليومين دوول شده عليه طوارئ كل ما تشوفه تقوله اتجوز، عايز افرح بيك.

نظر لصديقه وتابع: وبصراحه حقها يا سيف.

سيف: عارف بس حقيقى مش فى دماغى وهى الفترة دى مش رحمانى زى الدواء قبل وبعد الأكل مش عارف فى ايه؟

فاطمه باستجواب: مش يمكن عندها عروسة معينه مثلا بنت اختها او بنت اخوها؟

سيف يضع معلقة الطعام بفمه متلذذا ونظره على ملك: الملوخية تحفة…نظر لفاطمة الجالسة على جمر مشتعل...لا متجوزين كلهم ولله الحمد، فى الموضوع ده بالذات هى سيبالى حرية الاختيار...

فاطمه باعين لامعه: وانت فى حد معين فى بالك؟

صمت سيف لبرهه، ترقبت خلالها رنا وشقيقتها اجابته بينما ملك منشغلة باطعام الصغير: قبل دلوقت لا..

نظرت رنا لاسفل بخجل وفاطمه بابتسامه: ودلوقت؟

سيف بصدق: مش عارف لسه.

فاطمه بتملق: ياريت المرة الجاية تجيب معاك الست الوالدة اتعرف عليها انا ورنا وكمان رقمها،نكلمها من وقت للتاني برضه بدل الست ماهى قاعده لوحدها كده.

سيف: اخواتى مش بيسيبوها لحظه كل يوم وحده فيهم عندنا والباقين على التليفون٢٤ ساعه.

رنا بتذمر: كل يوم!

فاطمه تزجرها بعينيها: وماله مش مامتهم وده حقها عليهم.

ملك تشارك الحديث لأول مرة: الاهل شجره مقطوعه، والأب والأم مايتعوضوش انا لو مكانهم مضيعش ثانية وحده بعيد عنها ربنا يباركلكم فيها وفى عمرها.

ابتسم لنبرة الصدق بحديثها مأمم عليه: اللهم أمين.

انتهى الطعام وعاد الجميع للجلوس بغرفة الإستقبال واعين سيف تدور حوله، يرى كلا من رنا وملك يحملون الأطباق والصغير لا يترك ملك والأخرى تعامله بحنو صادق يتجاهل حتى النظر لرنا والاخيرة لا تلقى له بالا، ووالدته تأبى تركه هو وصديقه تعدد ميزات شقيقتها أمامه وقد اتضحت له نواياها.

كرم لزوجته بحده خفيفه بعدما لاحظ ملامح الضيق وقد علت وجه صديقه: ايه يا فاطمه الرجل صدع خلاص روحوا انتو والبنات اقعدوا سوا يالا.

فاطمه بحرج: اه اكيد، هبعتلكم القهوة مع رنا.

سيف بداخله: يووووه مش هنخلص، الولية دى حالفة ما اخرج من هنا غير وانا كاتب على أختها.

ملك: انا نازلة يا كرم عندى مذاكرة.

فاطمه بابتسامه تسبقه: روحى يا حبيبتنى ربنا يوفقك وخدى معاكى احمد بالمرة عشان ما يعملش دوشة.

أمات برأسها راحله واعين ذاك الجالس لا تتركها حتى توارت عنه خلف الباب المغلق.

بعد ذهاب فاطمه ورنا للمطهى توجه كرم لسيف بالحديث شاعرا بالحرج: سيف اظن انت فاهم فاطمه قصدها ايه من ده كله، هى سمعتنا واحنا بنتكلم امبارح وان والدتك مصدعاك على موضوع الجواز ومن الآخر كده قالت اختها اولى...بمرح تابع...شايفاك عريس لقطه يا سيدى...بجد أكمل: وانا شايف انك تفكر خلاص بقا العمر بيجرى وطول ماهو مفيش حد معين فى دماغك فليه لا، ريح قلب والدتك، اخوك ال أصغر منك اتجوز وخلف.


صمت يقلب حديث رفيقه بعقله، يمعن التفكير فيه، نعم ربما حان الوقت يرضى والدته يكمل دينه ويعف نفسه حتى لا ينجرف أمام ما يعرض عليه بعمله من مغريات وتصبح له اسره صغيرة خاصة به زوجه وأبناء كما أشقاءه وقد مّن الله عليه وأدى واجبه تجاههم بعد وفاة أبيه، ولكن من؟ 

نظر لتلك المتقدمه باتجاهه تحمل بين يديها القهوة، وبوادر نفور رسمت على وجهه 

" رنا!! اكيد لا"

هكذا همس لنفسه...

تدخل القلب فى حوار العقل نابضا، مذكرا اياه بتلك النبضة الهاربة على الدرج منذ وقوع عينيه على بندقية العينين، ابتسامه مشرقه شاركته عيناه بها وجهها يتذكر كل ما دار بينهما اليوم مسترجعا ذكريات ومواقف قديمه جمعتهما جعلت ضحكه صغيرة خافته خرجت منه..

كرم بشك ينظر له: ولااا ايه اللمعه دى ياض؟ 

غمز بعينيه: شكل الصنارة غمزت! 

ضيق بين عينيه: اوعى تقول وقعوك يا تاجر فى شبكتهم..

سيف بابتسامه نظر له: انا طالب القرب منك.

كرم بمرح: مين رنا؟ هنبقى عدايل؟!

سيف بغمزه: لا نسايب، فى ملك.


هى لى 


الفصل الثالث.

الحب من النظرة الأولى يُسكر القلب يعمى العين عن أخطاء الحبيب ولكن الحب بعد  المعاملة و تألف الروح للروح، تتبع الخصال، ينبت عشقا يملك زمام القلب والعقل.

تمت الخطبه بعد شهر على غير رضا فاطمه وكان الأمر واضحا للعيان فى حفلة الخطبة الصغير المقام بمنزل والدى كرم الراحلين، بعد تغيب أهلها عن الحضور، على اتفاق باتمام الزواج بعد إنتهاء ملك عامها الدراسى الأخير.

عم الفرح الأجواء وسُعد قلبه لسعادة والدته واشقائه بملك ولحسن حظه سعادتها هى الأخرى وفرحتها العارمه بهم يقسم انها سعيدة بهم اكثر منه هو شخصيا!!

شاركتهم اختيار ثوبها، واصرت على ارتداءهم لنفس اللون لحفل الخطبة كرفيقات لها، حتى والدته توطدت علاقتها بها بسرعة.

وما زاد من رصيد محبتها الحديثة لديهن، يوم الذهاب لانتقاء " شبكة العروس"

كانت طوال جلستهم لدى الصائغ تلتصق بوالدته تسالهاعن رأيها تستشيرها وكانت والدته اكثر من سعيده لتعاملها هذا بينما هو لم تحادثة سوا لماماً.

ابتسم بقله حيلة عليها فها هو الآن يجلس إلى جوارها وكل اهتمامها على والدته الجالسة بجانبها، يضحكن سويا، متشابكى الأيدي وأخواته بجوارهن تعلو أصواتهم بالغناء.

نظر إلى صديقه كرم الكاتم لضحكته بصعوبه على حال رفيقه وقد فهم ما يدور بخلده، وما جعله غير قادر على السيطرة على نفسه؛ صعود ابنه الصغير على قدم عمته، يرتدي بذلة سوداء يصفق بسعادة: انا ال هخطبك يا عمتو.

وقف سيف من مجلسه وقد فاض به الكيل: لا كده كتير.

نظر له الجميع بعدم فهم ماعدا كرم الغارق بضحكاته وفاطمه الجالسة بتجهم ولا يروقها ما تراه.

والدته: بسم الله عليك، مالك يا حبيبي؟

تحرك من مكانه، توجه لهما بكرسيه.

_وسعى كده يا ماما معلش، وانتى يا ملك خدى جنب.

فعلن ما طلب بإستغراب يتابعن ما يفعل وهو يوسط كرسيه بينهما.

_يظهر انم معندكوش علم ان انهاردة خطوبتى انا وانتى يا ست ملك.

جلس بالمنتصف متنهدا براحه، نظر باتجاه والدته ونصف عين.

" هنقطع على بعض يا ماما، مكنش العشم"

ضحكت بملئ فاهها، وربطت على كتفه بيدها وبفرحه: دى غلاوتها من غلاوتك يا حبيبى.

أمسك يدها مقبلا إياها على ظهرها: ربنا يباركلى فيكى يا ست الكل.

اشاح بوجهه عنها للجالسة بجواره على الجانب الأخر، تتابعهم بتأثر، يميل بنصف جسده نحوها هامسا.

"طب ينفع ال عملتيه ده؟!"

نظرت له بقلق" عملت ايه؟"

وعيناه تنتقل بين عيناها ببوادر عشقا صادق: مش كفاية شقلبتى حالى...مال على أذنها هامسا بما جعل وجنتها تشتعل خجلا.

"وسرقتى قلبى"

اعتدل قليلا ينظر لتأثير كلماته عليها وقد راقه ما راه وكثيرا متابعا بعدها بمزاح.

"تسرقى قلب أمى واخواتى كمان؟!"

نظرت له بدلال جديد على تعاملها معه منذ معرفته بها وبنفس الهمس.

"وده يزعلك؟!"

ببطء هز رأسه بالاتجاهين نافيا معللا ب

" اكيد لا"

أشار بيده نحو موضع قلبه متابعا.

"بس أعمل إيه فى ال عايزك ليه لوحده ده؟!

بهمس قاتل:"اصله بيغير"

هبطت بنظراتها لأسفل هربا من نظراته الفاضحه لحالته، وابتسامه صغيرة رسمت على محياها متمتمه بما جعل رصيدها لديه يتفاقم.

" لقيت مع مامتك حضن مامتى الله يرحمها، واخواتك طيبين اوى يا سيف، وأنا ليا فترة طويلة وحيده، عايزاهم عيلة واخوات جنبى وحواليا"

رفعت نظرها له تنظر له باستفهام" ده يضايقك؟"

أمسك بيدها يطبع عليها قبلة رقيقة" كنتى فين من زمان؟!"

سحبت يدها بسرعه بخجل منه معلقه بزهول

" سيف!!"

_قلبه.

هكذا أجاب بما اربكها ولم تجد رد له سوا الهروب بعيناها بعيدا عنه.

اقترب منه كرم يهمس له: خف يا حبيبى، مش سوسن قاعده انا؟!

والده سيف وقد استمعت له: فى ايه يا كرم، ما تسيبه هو وخطيبته براحتهم!اللاه! ما صدقنا ياخى.

كرم بتعقل وصوت هادئ: خطيبته يا أمى خطيبته ، لما يتجوزها يبقى يعمل ال عايزه.

والده سيف: عندك حق.

نظرت لابنها: هانت يا حبيبى كم شهر وتنور العروسة البيت وتملهولى عيال...

نظر سيف لها غامزا: قوينا يارب.

عاد من ذكرياته بحيرة متزايده، والاسئلة تجوب بعقله، يعتدل بجلسته، ناظرا للأمام:

حصل ايه؟ من وقت الخطوبة وهى وماما على التليفون دايما، بتود اخواتى وتكلمهم حتى مرات اخويا علاقتها بيها كويسة جدا، وأنا.. 

صمت لثوانى وابتسامه صغيرة شقت عبوس وجهه وحيرته متذكرا اهتمامها به وسؤالها الدائم عن يومه، مشاركتها ليومها معه، همومها، أحلامها، سعه صدرها معه عند تحدثه عن احد مشاكل عمله، استخدامها الدائم لصيغه الجمع عند تحدثها عن المستقبل، ملك ملكت قلبه وعقله.

تنهد بحالميه متذكرا نظراتها موشيه له بتغير مكنون قلبها نحوه من مجرد خاطب مناسب ل إعجاب طفيف ثم صريح، ونظرات تعلق ولمعه محبه خالص يغلفها الاحترام والتقدير تنبأ بعشقٍ أوشك على الخروج للنور.

قام من مجلسه  يمسك بخصلات شعره يجذبها بهستريا" حصل ااايه؟ ايه ال جرى؟ ايه الخوف ال بشوفه فى عنيها ده الايام دى؟ سببه ايه؟ اكيد فى حاجه وانا لازم اعرفها.

متوجها لفراشه، يرمى بحاله عليه بعشوائية يتساءل بحيره وقلق وخوف عليها" ياترى فى ايه مخوفك اوى كده يا ملك وخايفة حتى تقوليلى!"


لا يعلم بأنها بتلك اللحظه لا تحتاج سوا له، وأن نغزة قلبه تلك ماهى الا استجابه لنداء قلبها المستميت بإسمه وعيناها تناظر أعظم مخاوفها بل الوحيده.

برجفه خرجت حروفها" اوواووسااامه"

ابتسامه من الجحيم خطت وجهه الشاحب وبصوت قادم من بعيد" فاكره انك خلصتي منى؟!

ملك برعب: ازاى وانت انت ...

اسامه بتمهل وبطء مميت لأعصابها التالفة: انا ااايه؟

اقترب بوجهه من وجهها وعيناه وقد صبغ بياضها باللون الأحمر، يواجه نظراتها المرتعبة بخاصته القوية والغاضبة: مشكلتك يا ملك انك بتنسى بسهوله.

نظر للمحبس بإصبعها، مرر يده عليه، صرخت بألم تمسك يدها ودموعها تتسابق وكأنها احترقت بينما تابع هو قاصدا" وبتكملى حياتك عادى، ولا كأنك قا*تله قت*يل!

صمت لبرهه، يستمتع باتساع بؤبؤ عينيها برعب مع ارتفاع صدرها وهبوطه ووجهها وقد حاكى الأموات بلونه- كوجهه-.

بتشفى لملامح الزعر المرتسمه عليها تابع: توتو مين كان يصدق ان وش البراءة ده...قالها تزامنا بمرور إصبعه على وجنتها مدركا ان كل لمسه منه تحرق جلدها أسفلها كذلك روحها، توقفت يده وقد تمركزت عيناه على خاصتها الضائعه يكمل بحده...

"مخبئ وراه كتير"

" لا، لا،  أنا مقتلتك*ش، مقتلت*كش"

وبهيستريا تملكت منها من الرعب المحيط بها: انت ال عملت كده فى نفسك وفيا، مش انا، انت ايوه انت.

مع صمته وابتسامته المتشفية لعذابها البطئ تابعت هى بدموع خرجت من أعماق قلبها: مش كفاية ال عملته فيا، عايز منى ايه تانى؟ حرام عليك سبنى فى حالى.

بغضب أعمى عيناه وقد حالها لسواد حالك أمسك برقبتها بيده، يرفعها لأعلى وبنبرة جحيمه: اسيبك ليه؟ عشان تعيشى حياتك!

حاولت الحديث والتملص من قبضته قبل ان تزهق روحها، تحرك قدامها بعشوائية وقد برزت عيناها قليلا وزحفت حمرة الاختناق لوجهها وبملامح اقل ما يقال عنها مختلة، نظر لها بتمعن لبرهه، القى بها بعدها على الفراش تلتقط أنفاسها المحتقنة بصعوبه. 

_مش دلوقت يا ملك لسه شويه.

رفعت جسدها قليلا، تمسد يدها على رقبتها.

تنظر حولها بهلع وقد اختفى من أمامها فجاءة كما ظهر، دقات قلبها العالية صمت أذنها، اخذت تتمتم بما يبث القليل من الطمأنينه لقلبها قبل أن يتوقف من الرعب.

"دى تهيؤات، ايوه تهيؤات من ال حصل، أنا بس عشان بفكر كتير ومحملى نفسى الذنب، ايوه هو ده، انا لازم اروح لدكتور، هو مش موجود، مش موجود ده وهم هو مش هنا ومش موجود"

"بالعكس انا اقربلك من نفسك يا ملك"

انتفضت بزعر لاخر الفراش تتمسك بظهره، تصرخ بعلو صوتها بعدما لفحتها تلك النسمه البارده بعنقها مسببه لها القشعريرة وصدى صوت صب بأذنها من الخلف كزمهرير.

ضحكات عالية يرد صداها بالغرفة من حولها  ولا ترى صاحبها، يعلو على أثرها صوت صراخها وبكاءها..

"اصرخى يا ملك اصرخى، محدش هيسمعك"

بصراخ: سبنى فى حالى عايز منة ايه؟

"عايزك"

إجابة سريعة واضحه صمتت برعب بعدها تستشف مقصده، بينما ملامحه عادت للظهور تدريجيا بمقابلتها وبهدوء حاد بعدما خيم الصمت على الارجاء .

"مش قولتلك بتنسى يا ملك، قولتهالك قبل كده مش هسيبك ابدا"

اقترب منها، يمسك بخصلة من شعرها، يمدها بالهواء متابعا" انتى بتاعتى، ليا انا لوحدى وبس

حاد بنظره عن خصلتها لوجهها متابعا" لا حياة"

تركها مقتربا منها بوجهه يهمس باذنها ما جعل الدم يهرب من أوردتها" ولا موت هيفرقونا"

ابتعد عنها قليلا ينظر لملامحها وقد اشفت صدره يشير بيده عليها بالهواء" بس قبل ما نتجمع للأبد لازم اوجعه زى ما وجعنى وخدك منى، لازم ادوقك العذاب ال انا شفته، مش بسهولة كده ياملك"

صمت لبرهه وعلى بغته عاد للامساك برقبتها من جديد والغضب جلى عليه: لازم نتصافى الاول ياحبيبتي.

بدموع ورعب تحاول التقاط أنفاسها، همست بما أجج نيران الغضب داخله اكثر واكثر، جعل قبضته تشتد عليها.

"سيف"

ما تنطقيش اسمه على لسانك.

قالها بصوت عالى أهتز له أركان الغرفة مسقطا لصورها المعلقة على الحائط، يرفعها لأعلى.

_" مفيش غير اسامه، اسامه وبس"

تابعت بأخر ذرة وعى تمتلكها" الحقني"

القى بها على الفراش، لتسقط فاقدة للوعى ويعم الصمت المخيف المكان.

وعلى الجهة الاخرى، نغزة قوية بقلبه، جعلته يستفيق من نومه بفزع مرددا اسم بطلة أحلامه "ملك"

نظر حوله يتأكد من مكان وجوده، مرر يده على صفيحه وجهه، يستغفر ربه، انقبض قلبه وارتعبت ملامحه متذكرا ذاك الحلم بل الكابوس، وهو يبصر خطيبته تجر إلى هاوية من نار مكبلة بسلسلة حديديه طرفها بفم ثعبان ضخم اسود اللون احمر العين تناجيه بأن ينقذها".

"أعوذ بالله، ايه الكابوس ده؟!"

نظر للهاتف إلى جواره.

_الساعه ٣ دلوقت! كل حاجه بتقول ان فى حاجه مع ملك، خايف عليها اوى، طب هينفع اكلمها، اطمئن عليها؟

صمت بحيرة وقلبه ينهشه من القلق وقد تغلب خوفه على الأصول والعرف.

_انا هرن وال يحصل يحصل لازم اطمئن.

قام بالاتصال بها ولم تجب.

_اكيد نايمه والعمل؟

 لا انا قلبى وجعنى، هرن لحد ما اسمع صوتها.

أعاد الاتصال عدة مرات متتالية ولكن لا أحد يجيب.

اعتدل بجلسته: معقول كل ده نوم! كده فى حاجه غلط.

بسرعه قام بالاتصال على كرم وهو يبدل ملابسه ولكن الاخر لا يجيب.

_لا بقا كده اكيد فى نصيبه.

أعاد الإتصال واضعا للهاتف على أذنه، يدلف لسيارته.

_اى حد يرد ويطمئنى فى ايه؟

قالها ضاربا للمقود بعدما فشل فى الحصول على رد.

بعد وقت قليل ونظرا لسرعته العالية كان سيف يقف أمام شقة حبيبته، أوشك على الطرق ولكنه أعاد يده من جديد قابضا، يزفر بضيق.

_مينفعش اخبط فى الوقت ده.

نظر لأعلى، ملتهما الدرج حتى وصل أمام باب شقة كرم وبكل ما به من خوف، قلق وغضب وسخط طرق على الباب بطريقة جعلت كلا من كرم وزوجته يثبون عن الفراش بفزع حتى الصغير خرج من غرفته يبكى، أمسكت به والدته تطمئنه بينما كرم توجه للباب: متسائلا يا ترى مين ال جه الساعه ويخبط كده ليه؟

_مين؟

قالها وهو ينظر من عين الباب السحرية.

_ااااافتح.

_سيف! 

فتح الباب علي عجالة: فى ايه يا سيف؟

سيف مارا للداخل وعيناه تجوب المكان: ملك عندك؟

كرم بدهشة: ملك! لا فى شقتها تحت.

توقف سيف: اومال مش بترد عليا ليه؟ 

وبشك تابع...انت كمان.

كرم: انا كنت نايم وبعدين محستش بيك اصلا لما رنيت، امتى ده؟

سيف واضعا لهاتفه امام عينيه: محستش بكل ده لا انت 

..نظر لتلك المختبئة خلف الستار تصك على وجنتها...ولا المدام.

زهل كرم من عدد رنات سيف له، أسرع للغرفة يجلب هاتفه: معقول ده كله وما سمعناش.

جلب الهاتف وتفاجئ بأنه على الوضع الصامت، تفحص عدد المكالمات ليجد مكالمه مستلمه من شقيقته قبل ساعه من الان.

بصوت عالى نادى خارجا من الغرفة.

فااااااطمه.

ارتعبت اوصالها مع إعادته للنداء باسمها، وكمذنب يقر سرا بجريمته وقفت أمامه.

_مين ال عمل التليفون صامت يا فاطمه.

لم تجب.

أعاد السؤال مرة أخرى.

_انطقى.

بتهته وراسه منخفضة لاسفل: مش عارفة.

_أختى ملك كانت عايزة ايه لما رنت  من ساعه؟

بكذب: ما اعرفش.

_ازاى ودى مكالمه مستلمه يعنى حد رد وطالما مش انا يبقى انتى؟

بتبرير واهى: هى مقالتش اكتر من انها عايزه تكلمك وقولتها انك نايم فقفلت.

_وانتى عملتيه صامت عشان لو رنت تأتى صح؟

قال اخر كلمه بصراخ جعلها تنتفض بوقفتها.

سيف برعب تملك منه على الأخير: كرم مش وقته دلوقت، بسرعه نلحقها، طالما كلمتك يبقى هى فى مشكله تعالى نشوفها ونشوف مش بترد ليه!

كرم بقلق على شقيقته: عندك حق.

نظر لتلك الواقفة: اقسم بالله لو حصل لاختى حاجة! 

سيف متوجها لاسفل: يالا يا كرم.

هبط سيف وكرم لاسفل ولحقت بهم فاطمه برعب تهمس داخلها: استر يارب..


هي لي

الفصل الرابع

لا ندرك قيمة الأشياء إلا حين نفقدها ولا نقدر قيمه حياتنا إلا بهبوب رياح عاتية تهدد إستقرارها.

طرق عالى على الباب لم يتلقيا له إجابة، نظر كرم لسيف نظرة، إماء له الأخر بموافقة، لينقضا على الباب بنفس اللحظه ساقطين له ارضا تزامنا مع خروج شهقة من فم فاطمه برعب من القادم.

دلف كرم وسيف يناديان بصوت عالى ولكن لا إجابه.

فاطمه برعشه: اكيد فى اوضه النوم.

نظر لها كلاهما لبرهه منطلقين للغرفه، دخل كرم وزوجته مع وقوف سيف بالخارج، وقع قلبه بين قدميه عند سماعه صوت صديقه ينادي برعب على شقيقته.

سيف بصوت عالى من الخارج: فى ايه يا كرم؟

كرم بصوت مرتعب: ملك مغمى عليها يا سيف ومش بتفوق.

سيف: طب لابسها اى حاجه ونروح بيها على أقرب مستشفى يالا.

ساعدته فاطمه بسرعه وخرج كرم حاملا إياها بين يديه، تلقاه سيف بقلق وعيناه تمر على جسدها المثنى بين ذراعى اخاها، يفحصها بعينيه.

وبنبرة ملتاعه: يالا يا كرم عربيتى تحت.

بعد وقت ليس بكثير، وفى ردهه المشفى، يقف كلا من كرم وسيف بانتظار خروج الطبيب القائم على فحصها.

فاطمه الجالسة على أحد الكراسي وعلى قدميها صغيرها تهدهده تحدث نفسها بندم: ياترى ايه ال حصل معاها وصلها للدرجه دى! وبعدين الدكتور اتأخر جامد عشان يفوقها ليه؟ معقولة يكون خوفها ال قالت عليه؟

 خرجت من افكارها على خروج الطبيب التف له كلاهما وانتبهت هى له.

الطبيب: قدرنا نفوقها.

زفرة راحه مع تمتمه حمد صدرت من الثلاث.

سيف بقلق: هى ايه ال تعبها ووصلها للحالة دى يا دكتور؟

الطبيب بعملية: من الفحص المبدئ مافيش اى مشكلة عضوية واضحه، هى المريضة بتعانى من حاجه بتشكى من حاجه من فترة قريبة؟

هز كرم وزوجته رأسه ب بلا.

الطبيب متابعا بعملية: يبقى هنتأكد بالتحاليل والفحوصات بس من الواضح أن مشكلتها نفسيه وهتحتاج مختص يتابع حالتها.

كرم بإستغراب: نفسى!

سيف: ممكن ندخل نطمئن عليها؟!

الطبيب: مفيش مشكله بس من غير إجهاد، وياريت بلاش تقولولها حاجة تضايقها احنا لحد دلوقت مش عارفين مشكلتها ايه؟ عن اذنكم.

دلف كرم اولا، وجد شقيقته ممده على الفراش تدور بعينيها بجميع الاتجاهات كمن يبحث عن شئ ما وملامح الزعر مرتسمه بوضوح على وجهها.

كرم بحاجب معقود وملامح مزهولة من هيئة شقيقته نادى بصوا هادئ: ملك.

لم تجب ولا تزال عيناها تدور حولها ورعشة بسيطه بدأت تسرى بجسدها لاحظها بسهولة فرفع من نبرة صوته: ملك!

تخشب جسدها وسكنت عيناها شاردة بنقطه ما، دنئ منها ببطء مناديا بصوت حانى ظهر فيه قلقه وخوفه: ملك.

التفت برأسها ببطء باتجاهه وهو يجلس على الكرسى بجانب الفراش وعيناه عليها وبصوت ضعيف نادت على شقيقها بإستغاثة مبطنه وصلت له وارتجف لها قلبه: كككرم.

كرم ممسكه بيدها: ايوه يا حبيبتى.

ملك بتنهيده ودمعه حارقة هبطت على وجنتها وكلمات تقطر عتابا ولؤوم: اتاخرت ليه وسبتنى له يا كرم؟!

"هو مين؟!"

نطق بها سيف دون تفكير بحده نابعه عن غيرته على مخطوبته وهى تتحدث بتلك الحالة عن شخص آخر بالتأكيد ليس هو، فلقد دلف للغرفه بصحبه فاطمه عند سماعه لمناداة كرم باسمها بصوت عالى؛ ظنا ان مكروها ما أصابها.

حادت بعيناها عن أخاها لخاطبها الواقف على الباب والغيرة تنهش قلبه والقلق يفترش ملامحه.

ببسمه صغيرة واهنه مختلطه بدموعها: سيف! 

وبسعاده واضحه:إنت جيت؟ ناديت عليك كتير اوى يا سيف، سمعتنى؟ صح؟!

ارتعدت أوصاله من نبرتها، ارتخاء معالمها لرؤيته، صوتها المتعب،تقدم منها بلهفه يجيبها بداخله" قلبى سمعك يا ملك وحس بيكى"

تقدم منها وامسك بيدها من الجانب الأخر بجلس جوارها قائلا بصدق" وجيتلك يا حبيبتى"

انتقلت نظراتها بينهما ودموعها تهبط تباعا تصرح برعب تنطق به عيناها وهى تدور بالأرجاء وحروفها تخرج ببطء وهمس مسموع

" أنا خايفة"

قالتها بصدق لا تعى بوجود أعين لا تزال تقف على أعتاب باب الغرفة تتابعهم باعين تقطر حسرة وهى ترى احاطه الاثنين لها كلا هو على جانب، اخفضت نظراتها لاسفل تلعن اخاها بسرها، من حرمهن حنانه واستقل بأسرته لافزهن من حياته متسائلة " ماذا لو كان به بعضا من حنان كرم على شقيقته لهن؟"

تنهدث بثقل متابعه: طالما كانت محظوظه تلك الملك، تجد دائما من يحن عليها يدللها ويخاف عليها سواء من والديها سابقا او شقيقها والان خطيبها.

تمتمت بحسره داخلية" لك الله يا رنا، وعسى أن يرزقك بزوج ككرم يطبطب على قلبك كما فعل معى"

خرجت من شرودها على صوت ملك الباكى: انتوا اتاخرتوا اوى اوى عليا.

سيف ويده تشتد على قبضتها: مالك يا ملك حاسة بايه؟ ايه حصل واتاخرنا عليكى فيه؟

كرم بخوف: قوليلى يا حبيبتى فيكى ايه؟ ايه ال مخوفك؟

نظرت له ملك بعتاب: انتى سبتني له ليه يا كرم.

كرم بعدم فهم: هو مين؟

بينما ملك متابعه: رنيت عليك تلحقنى منه بس انت  كنت نايم.

كرم بصدق: اقسملك يا ملك انى مش عارف انتى بتتكلمى عن ايه؟

بينما ملك متابعه وكان حديثه لا يصلها وهو بالفعل كذلك فهى الان لاتعى بما حولها سوا بتلك الأعين التى  قد تظهر بأى لحظه زاهقة لروحها، تبحث بينهم عن خلاص منها حتى وان افضت بمكنونها الدفين فما عاشت بالساعات الماضية لن تنساه ما حيت.

_خفت يا كرم خفت، خفت منه اوى.

سيف بملامح منقبضة: هو مين؟ وكان فين؟

ملك تنظر له بضياع تجيبه بما اصاب قلبه وعقله بالحيرة لايعلم مقصدها" هو فى كل حته، كل حته، مكنتش شيفاه"

صمتت لثوانى وبنبرة منخفضة ولكن واضحه وكأنها تفشى لهم بسر خطير: بس انهاردة شفت عنيه..بتأكيد هزت رأسها متابعه...ايوه شفتهم، كانوا قدامى، وشفته هو كمان..كنت فاكراه حلم لا كابوس وهصحى منه..صمتت لثوانى وعاد جسدها للارتعاش اخذت تتمتم... أنا خايفة خايفة.

سيف يربط على يدها يحاول بث الطمأنينه بها: ما تخافيش من حاجه يا ملك احنا جنبك وحواليكى.

كرم بوجع على شقيقته ظنا منه ان كابوس قديم خاص بحادثة والديهم عاد لها من جديد يشتد بقبضته بحنو: ما طلعتيش ليه يا ملك طول ما انتى حاسة بالخوف كده؟ وقولتيلى على ال مخوفك؟

ملك بدموع: مكنتش قادرة اتحرك يا كرم..وبتبرير تابعت بما جعل الدماء تهرب من تلك الواقفة من الخوف من القادم...بس رنيت عليك كتير وقالتلي انك نايم ياكرم.

كرم بعصبية: وايه المشكلة كنت قوليلها انك خايفة كانت نزلت او جات خدتك او كنتى قوليلها صحيه او هى كانت...

صمت لبرهه يعيد الأحداث ويرتبها بعقله، وقف من مجلسه بملامح واجمه نظر للخلف وبنبرة لا تبشر بالخير نظر لزوجته التى لا تقوى على النظر لعيناه تتهرب بها عنه لأسفل وبنبرة جحبميه: فاطمه.

_نعم.

قالتها بصوت مبحوح خرج بصعوبه والصمت يحيط بهم لا يقطعه الا صوت شهقات ملك الخافته.

بنبرة آمرة لا تقبل الرفض: بصيلى...

اعادها مرة أخرى بصوت اعلى عندما وجدها كتمثال لا تستجيب : بصيلى.

بصعوبة رفعت عيناها له، اصطدمت بنظراته، ارتعبت بداخلها حاولت الثبات أمامه قدر الإمكان بينما هو قرأ الارتباك والخوف بعينيها لتتأكد شكوكه وتبقى الان ان يسمع منها لتكن تلك القشة الفاصلة بينهما.

كرم باستجواب: ملك لما رنت، وانتى رديتى عليها، قالتلك ايه؟

فاطمه بارتباك واضح: قالتلى انها عايزاك فقولتلها انك نايم.

كرم: مقلتش كانت عايزانى فى ايه؟

هزت رأسها يلا فنادى عليها بتهديد: فااااطمه.

فاطمه بلجلجه: مش فاكرة ماسمعتش.

ملك بوجع: اول مرة احتجت ليكى بجد فيها يا فاطمه، أنتى اول وحده قولتلك انا خايفة ومرعوبة.

اتسعت أعين فاطمه على الأخير مبصرة لنظرات كرم لها مع سماعه لحديث شقيقته.

بينما كرم يصيغ سؤال عقله لسانه يطالعها باستنكار: أختى كلمتك قالتلك عايزة اخويا، وقالتلك خايفة ومرعوبة، قولتلها انى نايم لا وعملتى التليفون صامت عشان لو رنت مسمعش.

قبل ان تجيب كان قد اقترب منها يمسك بعضدها يهزها بعنف: عملتى كده ليه؟ ليه؟

فاطمه بصدق: مكنتش اعرف ان الموضوع هيوصل لكده! كنت فاكرها بتدلع عليك وتلاقيها خايفة من فار او صرصار، وعايزانى اصحيك الفجر تنزلها تقعد جنبها...وبحقد لم تقوى على إخفائه... وكان الكون كله تحت أمرها كن فيكون.

كرم بعدم تصديق: ايه القسوة دى؟ جبتيها من فين؟

فاطمه بضعف: انا عمرى ما كنت قاسية يا كرم وانت عارف.

كرم: دى فاطمه ال انا حبتها اربع سنين جامعه، فاطمه ال كان عندها حنان يكفى الكل، بس ده كله اتبخر بمجرد ما نقلنا وسكنتى مع أهلى فى نفس العمارة، شفت جفاكى معاهم، قولت معلش مش ملزمه بيهم دول أهلى وانا اولى بيهم طول ماهى بعيد وما بتعملش مشاكل، ولا بتدخل فى علاقتي بيهم، سافرت وقولت هتقرب منهم لما تبقى وحيده، جبتي اختك تعيش معاكى واهلى فين وفين على ما تنزلي ليهم كواجب روتينى خمس دقايق وتمشى، عدتها قولت كفاية بتحبك وتحافظ عليك وعلى قرشك وصاينه اسمك فى غيابك، دايما بشوفك بعيده عن ملك وبقول دى أرواح وقبول ومينغعش تجبر حد على حد، يعنى عديت كتير يا فاطمه وعملت انى مش واخد لبالى بس توصل انك تكونى سبب انها توصل للحالة دى؟ فده ال مش هسامح فيه ابدا...

فاطمه بدفاع: انا ماليش علاقه، كل ال قالتله انها خايفة لا اكتر ولا أقل.

كرم: ولو كانت اختك  ال كلمتك كان هيكون ده  تصرفك؟

تفتكرى ملك ال عاشت اربع سنين وحدها، ايه ال ممكن يخوفها لدرجه انها تتصل بأنصاص الليالى تستنجد بأخوها ظهرها وسندها؟ مش كان ممكن يكون حرامى فى الشقة وف اى لحظه يخلص عليها او كانت تعبانه تعب شديد ومحتاجه حد يلحقها.

فاطمه تتهرب بعيناها عنه وقد امتعض وجهها بألم من قبضته المحكمه: انا مفكرتش فى ده كله.

كرم بزهول: عملتك ايه ملك يافاطمه عشان تتصرفى معاها كده؟ أختى  ايه ال وحش ال عملتهولك عشان يكون ردك تجاهل وقسوة قلب بالشكل ده، عملتلك ايه ملك تستاهل منك طريقتك دى؟!

فاطمه نافضة ليده: هى معملتش يا كرم انا معترفه...صمتت تلتقط أنفاسها تنظر لها بتمعن متابعه: بس الدنيا هى ال عملت..

نظر لها كرم بعدم فهم بينما ملك حديث فاطمه جذب حواسها فلطالما تستءلت على سبب ذاك الجفاء من قبل زوجه اخيها معها، بينما سيف ايضا يرغب بسماع اى تفضيلة تتعلق بحبيبة قلبه.

فاطمه متابعه بحسره: الدنيا هى ال عملت لما حطت قدامى كل حاجه كنت بتمناها بين ايدين ملك يا كرم.


هى لى

الفصل الخامس


لم يكن ذنب أحد، هى فقط النفس، حلمت، تمنت واشتهت غير مدركة لسوادٍ زحف إلى دواخلها مغلفاً إياها برباط قسوة تشتد قوته مع الأيام؛ مبصرة لأحلامها كحياة لشخص أخر وحال لسان يقول "لما؟"

**

"قصدك ايه؟!"

هكذا نطق كرم بعدم فهم شاركه به البقية بصمت مطبق.

بنبرة هادئة تخرج كلماتها من قلبها بحسره:

عمرى ما اذتها قد ما الدنيا اذتنى وانا بشوفها عايشة كل حاجه انا تمنتها.

نظرت لتلك الراقده ولا يصدر عنها سوى شهقات خافته وقد غادر لونها وجهها: انا عارفة انى عمرى ماكنت قريبة منك ويمكن مكنتش اوقات كتير بديكى وش ولعلمك...تابعت بتأكيد...انتى كمان محاولتيش تقربى منى، كنتى مستكفية بأهلك و..

ملك مقاطعه بصدق يقطر من كلماتها المرتجفة: لما لاقيتك واخده جنب محبتش افرض نفسى وماما الله يرحمها قالتلى طالما أنك حابه تفضلي بعيده نحترم ده وزى ما علاقتنا بكرم انتى بعيد عنها يبقى احنا كمان مندخلش بينكم.

أغمضت عينيهابوجع وصوت خافت ولكن وصل لمسامعهم بوضوح: يمكن لو كنتوا حاولتوا تقربوا كانت النار ال جوايا وبتزيد مع الايام انطفت.

أطلقت تنهيده حارقة، تستجمع شتاتها، أعادت النظر لها تكمل سؤالها : ورغم ده كله يا ملك، هل فى يوم كنت انا سبب أذية ليكى من قريب أو بعيد عن قصد وتعمد؟!

بضعف حركت رأسها تجيبها نافية ودمعه حزينه تهبط على وجنتها وبقلب وجل تتابع حديثها ترغب بمعرفة ما تكنه لها زوجه أخاها، وفيما أخطأت هى معها؟

بينما سيف، يتابع بصمت انتشر بالمكان الا من شهقة موجوعه خرجت من فاه فاطمه  بعد سمحت  لعبراتها بالهطول محيده بعيناها عن زوجها  للفراغ جانبه: انا اتجوزت وانا فاتحه للدنيا دراعاتى، وقولت خلاص بقا ههرب من سجن ابويا ومراته واكتفى بيك واعمل عيلة صغيرة خاصة بيا واستقل بحياتي زى أحمد اخويا.

عادت بالنظر له: لقيت حياتك مرتبطه بأهلك ووجودك معاهم وحواليهم مهم اوى عندك  وعندهم على الرغم من اننا متجوزين فى مكان بعيد عنهم! وما انكرش ده خوفنى اوى يا كرم، خفت يعملوا ليا مشاكل او يقوموك عليا زى ما بسمع واقرا، فقولت اسلم طريقة انى ابعد وللحق اهلك ناس محترمين جدا لا فرضوا عليا حاجه ولا ادخلوا فى حياتنا و بسبب ده انا كمان احترمت علاقتك بيهم ولا مرة ادخلت ليك وليهم فى اى تعامل او حتى كنت سبب لمشكلة بينكم..

نظرت له ترفع إصبعها: ما تنكرش.

كان صمته أبلغ جواب على صدقها.

تابعت فاطمه بأعين شارده: مع الوقت وانا شايفه طريقتك معاهم ومع اختك، هنا اول سؤال جه فى عقلى، انت ليه ما استقلتش بحياتك زى اخويا؟ طب وهو ليه  معملش زيك؟ يعنى لو زهق وتعب من وضع بيتنا وحب يبعد فحقه، بس ينسى اخواته؟! اخواته ال مالهمش غيره وهو عارف ومتاكد ان ابوهم وجوده زى عدمه؟! 

بقيت غصب عنى اركز فى علاقتك بيهم، وبالأخص ملك، بشوف خوفك عليها وقلقك، حتى بعد سفرك مكنتش تعدى يوم الا وتكلمها مرة واتنين، انت بنفسك قولتهالى لازم ملك ما تحسش بغيابى .

بوجع: متعرفش قد ايه بتحسر اوى اوى يا كرم عليا وعلى رنا أختى واقول فينك يا اخويا من ده كله!

وبحزن تابعت: ده انا سميت اسم ابنى مخصوص على اسمه عشان احنن قلبه شويه..بس للاسف...

بسخرية مريرة قالت له: انت تقريبا ناسى ان عندى اخ اسمه احمد، صح؟!

بالفعل هو لم يلتقى به إلا لماماً، ولا يتواصلا حتى لو عن طريق الهاتف.

استرجع عقله بسرعه سنوات زواجه من زوجته يستحضر بها موقف تخبره به أن أخاها حدثها او هى حدثته، انه أتى لزيارتها او ستذهب هى لزيارته ولكن لا يوجد.


نظرت لتلك الراقدة  بحسره وعيناها تلقى عليها  اتهامات لا ذنب لها بها وبهدوء وكلمات واضحه: عندها اب وام بيحبوها اوى اوى، بيتمنولها الرضا ترضى.

اشارت على نفسها: وانا أمى اتحرمت منها فى اكتر وقت كنت محتاجه ليها فيه يا كرم، بابا مكنش قريب مننا بس كان عادى بالنسبالنا بعده  كانت ماما بتعوضه لكن بعد وفاتها اتجوز علطول جارتنا بعيالها، ال بقوا عنده أغلى من عياله، وواجبنا اننا نخدمهم ونراعيهم لحد ما خلفت منه والدنيا بقت جحيم واحنا عبأ لازم يخلص منه، اخويا هرب وفضلنا انا ورنا.

دخلت انت حياتى يا كرم نجده وابويا زى ما يكون صدق وبصراحه اول مرة اكون مبسوطه من حاجه عملها عشانى..

نظرت له بصدق: بعد جوازنا حبيتك اكتر من الأول بعد ما شفت عشرتك الطيبة وحنانك مع الكل وبدات اغير عليك اوى كان نفسى يكون قلبك كله ليا، بس ده محصلش انا دايما عندك رقم ٣ وبعد احمد ما جه بقيت رقم ٤ وانت عندى كل حاجه انت وابنى.

أطلقت تنهيدة عاليه: كل مرة كنت اروح لأهلك والدتك مافيش معاها غير ملك، واخده عقلها، لو خرجت من اوضتها تقولها ارجعى اوضتك ذاكرى يا ملك ما تعمليش حاجه المهم دراستك، هنجبلك الأكل هنعملك شاى، هاتوا حاجه حلوة لملك تتسلى وهى بتذاكر.

بضيق تابعت: ملك، ملك ،ملك...انا ببقا رايحه وانا فى نيتى اساعد حتى لو بحاجه بسيطه، اسمع كلامها غصب عنى بفتكر مرات ابويا بحس وقتها انى خدامه لاختك.

وبحده طفيفة تابعت: نجهزلها الاكل والشرب وهى ما تعملش حاجه غير انها تذاكر بس، وهنا بيجى فى بالى أختى رنا وبتحسر عليها وعلى حالها، ماهى من نفس سن ملك وثانوية عامه بس الفرق كبير بين وحده مش بتقوم عشان تشرب ووحده ليل نهار زى الطاحونه ما بتقفش عشان بس تروح مدرستها.

بدموع قهر وحزن على شقيقتها: انا أختى معرفتش معنى النوم غير لما جاءت قعدت عندى يا كرم وانت مسافر! عشان كده قللت زيارتى ليهم خالص لحد ما الامتحانات خلصت.

اخذت نفس عال وبهدوء تابعت:

_كنت بدأت اهدى من ناحيه ملك وانسى واقول بنتهم وثانوي وخايفين على مستقبلها، لحد ما اتفأجات انك اشتريت الشقة ال فوق ، ال قهرنى بقا ان باباك ومامتك عارفين واكيد ملك الا انا...ههه..على اساس انك عاملها ليا مفاجأة...اممم صدقتهم وهما بيقولولى كده عشان ما اتوجعش بزيادة....

وبمشاعر مبهمه اعترفت: وقتها مكنتش عارفة افرح اننا اترحمنا من الإيجار او اقلق من قربك الزيادة ليهم يمكن لو كانت فى مكان تانى اكيد كنت هكون مبسوطه اكتر.

نظرت له تحدثه كما لو كانت تحدث نفسها: عارف يومها بباك وهو بيقولنا انه تمم البيعه خلاص ، قال ال خلى النار كوتنى كوى يا كرم.

نظر لها بشك يسترجع حديث اباه وقتها، ماذا قال لتشعر بتلك الطريقه؟

رحمته من عناء التفكير وسيل ذكرياتها لايتوقف عائده بذاكرتها لأربع أعوام مضت، كان كرم بسفره وقد مر ثلاث سنوات منذ رحيله،.

 تسترجع أحداث ذاك اليوم ووالد زوجها يهاتفه أمامها وعينه بعينها كأنما يوجه حديثه لها هى لا هو.

 _مبروك يابنى الشقة الجديدة، خلاص اتسجلت باسمك، ربنا يرزقك خيرها ويكفيك شرها يارب.

صمت يستمع لصوت ابنه الفرح من الجهة الأخرى وبعد ان انتهى ، انمحت البسمه من على وجهه واحتدت نظراته لها وبجديه استغربتها قال: كرم فى موضوع لازم يكون عندك بيه علم.

انعقد حاجبيها بفضول لمعرفة ذاك الأمر وشعور بأن ما سيقال لن يروقها تملك منها.

الوالد: انت يابنى ربنا فتحها عليك من وسع ويارب يزيدك كمان وكمان وقلبى اطمئن من ناحيتك، فاضل انى اطمئن على اختك ملك هى كمان.

التوت شفتيها بسخرية، كان يجب أن تعلم أن الأمر من البداية يخص ملك..

الوالد: انت ولله الحمد بقا عندك شقتك  وبكرة ولا بعده يكون عندك اولاد ينورا الدنيا وغصب عنك هتتلهى يابنى عنها وعننا.

صمت يستمع لولده من الجانب الأخر وبابتسامه ثقة قال: انا عارف كل ده وان عمر ما حاجه فى الدنيا هتشغلك عن أختك وعنى انا ووالدتك بس الأمر ما يسلمش واحنا لو عيشنا ليها انهاردة مش هنعيش بكرة .

عادت من ذكراها تنظر لزوجها قائلة: وقتها بصلى اوى وأتك على كل حرف وهو بيقول:

" وعشان بنتى متحسش انها ضيفه تقيلة على حد او انها غير مرغوب بيها، أو حمل، أنا كتبت شقتى باسمها.

صمت يرى أثار القاءه لقنبلته، لم ينتظر كثيرا وابتسامته اتسعت تدريجيا مع سماعه لتأييد ولده له، زفر براحه بعدما انزاح عن صدره ثقل اخباره بالموضوع وللتأكيد  سأل بإهتمام: يعنى انت يابنى يا حبيبى مش زعلان.

استمع لاجابته من الجانب الاخر، حمد وشكر وباعين تلألا بها الدمع قال: كرم يابنى وصيتك اختك راعيها وحادى عليها دى مالهاش غيرك.

عادت على صوت شهقه خافته من ملك تنذر بنوبة بكاء قادمه.

سيف بإهتمام: أهدى يا حبيبتى أهدى.

ملك بإشتياق: وحشونى اوى اوى يا سيف،

سيف: ادعيلهم، ربنا يجمعنا بيهم على خير فى الأخره.

ملك بإعياء: يارب.

همس مر بجانب أذنها وقف له شعر رأسها: ماتقلقيش هتشوفيهم قريب.

تحرك جسدها المسجى قليلا أثر تلك القشعريرة، هزت رأسها تقنع نفسها بأنه فقط مجرد وهم لا أكثر.

"ده وهم، بيتهيألي، هو مش هنا"

نظر لها سيف بقلق وقال: ملك.

بنداءه كمن القى لها بطوق نجاه ينتشلها من افكارها، نظرت له برجاء بهمس خافت وبنبرة راجيه: ماتسبنيش.

سيف بصوت دافئ: عمرى.

كلمه واحده بثت لها طمأنينة مؤقته زالت بمجرد فتح باب النافذة المغلقه بعنف على مصراعيه حتى تحطم احد لوحى الزجاج الخاص بها.

اتسعت عيناها برعب جلى، وكذلك انتفض جسد الباقين.

ابتلع سيف ريقه وعينه عليها: ده اكيد الهواء، هقفلها واشوف حد يجى يلم الازاز ده.

ملك بخوف وصل لهم جميعا اوقفته بصوت عالى: لاااااا....

أخفضت نبرتها قليلا...ماتسبنيش...دارت بعيناها عليهم...محدش منكم يسبنى خليكم معايا...

عاد سيف إلى مكانه من جديد، بينما كرم ذهب لها قبل أعلى رأسها بقلق ونظراته تجلد فاطمه، لا يعلم أنها  تلؤم حالها كلما تطلعت لحالة ملك الغير مفهومه السبب حتى الان.

كرم بحنو: ما تخافيش يا حبيبة اخوكى انا جنبك...اشتد على كلمته ناظرا لفاطمة التى هزت رأسها بيأس فهو حتى الآن لم يفهم دواخلها...."ومش هسيبك"

قبل جبهتها بحب أخوى صادق اغمضت هى عيناها على أثره بارهاق تملك من جسدها وروحها.

احتدت نظراته بعد أن ابتعد عنها، توجه لزوجته يقف أمامها من جديد، عاقدا لذراعيه: وياترى بقا يا ست فاطمه ايه ال زعلك فى موضوع شقة بابا ده؟ 

لم يعطيها فرصة للإجابة متابعا بنبرة تنذر بجحيم قادم: كنت عايزانى مثلا اقوله له انى رجل ليا تلتين وهى  تلت او على الاقل النص بالنص زى مالمحتى قبل كده وعملت نفسى مش واخد بالى يومها، وقولت بلاش اعكنن على نفسى وعليها فرحتنا بالشقة ولما مكررتيهاش تانى قولت تمام ساعه شيطان وراحت لحالها.

بنبرة اكثر حده نفض يداه وعيناه تطلق شرارات الغضب يخصها به وحدها: بس لا الهانم ضميرها اسود وفضلت شيلاها و....

صمت تتسع عيناه تدريجيا يراجع بعض المواقف والنتيجه التى توصل لها لم تكن لصالح فاطمه بالتأكيد…

عشان كده من وقت ما رجعت ملك فين وفين ما كانت تطلع غير لما الح انا عليها، حتى لو جت مش بتطول وكل ما اقولها يابنتى خليكى معانا تقولى انا راجعه بيتى احسن.

ضحك بعدم تصديق يشير لها بإتهام: انتى اكيد وصلتلها الفكرة دى، بيت اخوها مش بيتها، والشقة ال تحت بقى طالما بقت بتاعتها تترزع وما توركيش وشها عشان حضرتك بتتضايقى.

التقط أنفاسه يتابع بما يشبه الصراخ: انتى مالك بحاجه زى كده من الأساس بينى وبينهم؟!

فاطمه بلجلجه أثبتت له صحه ظنه: انا بس صعب عليا، انهم استكتروا عليك شقتك الملك وادوا حقك فى الحاجه الوحيده ال يملكوها لأختك.

"اااااخ" نطق بها بغلب يدور حول نفسه يجتذب خصلات شعره، ورغبة عارمه بتحطيم رأسها تسيطر عليه، كانت هيئته مفزعه، جعلت صغيرة يتمسك بقدم والدته الواقفة كتلميذ مذنب بخوف.

نظرات ابنه وهيئته جعلت يحاول التماسك والسيطرة قليلا على أنفعالته لذا بهدوء مخيف ارتعدت له أوصالها: خلينى معاكى للأخر، حقى فى الحاجه الوحيده ال فضلت معاهم، الأستاذة مسألتش نفسها دهب والدتى ال هو حق أختى راح فين؟ مفكرتش انا اصلا سافرت ازاى؟! اول ٣ شهر وانا من غير شغل مين ال كان بيديكى مصاريفك والايجار؟! لا يا فاطمه انا اخدت حقى وكامل كمان وبعد ال سمعته منك ده ابويا كان عنده حق فى كل كلمه قالها يومها.

فاطمه بهيستريا: اهى هى ده المشكلة ال خلتنى ما افكرش فى كل ال انت قولته...نظر لها بعدم فهم لم تبخل هى عليه بالتوضيح عندما قالت..."ابوك"

بدموع تابعت:

_فاكر كل مرة قولتلك فيها ان بابا كلمنى وبيسلم عليك...كانت كدب...فاكر كل مرة قولتلك فيها انت ومسافر انى بابا جه زارنى وقعد معايا و جبلى حاجات وصورتها...كانت كدب وانا شرياها...اصل يعنى هقولك ان ابويا مش معبرنى وانى بفرض نفسى عليه وبستحمل أسوء معاملة من مراته لما بزورهم، عشان بس افكره ان عنده بنت  وعشان خاطر رنا أختى اطمئن عليها!

اشارت نحو ملك وكمن يشكو صديقه لمعلمه: وهى باباها بيفكر فيها هتعيش ازاى حتى بعد ما يموت، بذمتك التقسيمة كده فيها عدل؟

لم تعطى لأحد فرصة للحديث تابعت بتهكم: مفتش اسبوع على اليوم ده واتفاجات بيهم مسافرين يغيروا جوا قبل ظهور نتيجه الثانوى-كالعادة- عشان نفسية ست ملك...

نظرت له بإستفهام: كان فيها ايه لو قالولى تعالى معانا، غيرى جو؟

بحسرة: ما انا كمان نفسيتي زفت وجوزى ليه تلات سنين بعيد عنى..

كرم يزيح دمعه فارة من عينيه بإشتياق لوالديه فقد قامت بفتح جرح قديم غائر بذكرها ليوم فقد به أهله أثر ذاك الحادث اثناء سفرهم ولم تنج منه سوى شقيقته...

_الهانم نسيت ان اختها كانت عندها، وانها اصلا موقفة زيارات ليهم بسبب نفسية اختها هى كمان، بأى يوش يقولك تعالى معانا؟ 

يعلمها تمام العلم لذا سارع بالقول....وما تقوليش ما كانت رنا جات معانا...هى رنا دى مش ليها أب لازم ياخدوا اذنه، ازاى ابويا يكلم ابوكى ال من وقت جوازنا مكلمهوش ولا مرة! 

فاطمه بتهكم : ابويا! ربنا يسامحه لانى عمرى ما هسامحه.

خرجت كلماتها بصدق متابعه: تعرف يوم ما اتصلوا عليا فى المستشفي مبقتش عارفة اتصرف ازاى؟ اهلك اتوفوا، ملك عندها انهيار، وأنا لوحدى..

بقهر: بسرعه رنيت على أحمد وبابا يجوا يقفوا معايا، يقولولى اتصرف ازاى؟

بوجع: احمد قالى انه مسافر تبع شغله، وبابا اتحجج انه تعبان ومردش عليا تانى اليوم ده.

وقتها لو اقولك ان ال عدى كله كوم وان كسرتى قدام نفسك وكسرتى قدامك كوم تانى، يومها اتأكدت انه مبقاش فى أمل منهم، وأن لو فى يوم جرتلى حاجه دول هيكونوا اخر ناس يعرفوا ويا عالم وقتها هيهتموا ولا ولا؟!

لحد ما جه سيف وتمم كل حاجه لوقت وصولك ياكرم، حالتك كانت زفت وانا راعيت ده، بس انك تقعد شهر كامل جنب اختك فى شقة باباك تراعيها وناسى اصلا انى موجوده فوق وانت ليك تلات سنين بعيد عنى.

كرم بغير تصديق: وهى كانت حالتها تسمح ولا حالتى انا كمان انى افكر فى اى حاجه او اى حد.

فاطمه: بس انا مش اى حد انا مراتك وانا كمان محتاجه جوزى، ليا حق عليك يا كرم...

كرم بتأكيد: وانا عمرى ما قصرت معاك يا فاطمه.

فاطمة: ده حقيقى ومقدرش انكره، لدرجه انى اتمنيت زوج زيك لاختى رنا..

نظرت إلى سيف فتهرب بنظرته بعيدا عنها: يوم ما كلمته قبل ما يجى يزورنا وبتقنعه بالجواز فكرت، رنا شاربه المر وكل عريس يجى مرات ابويا تطفشه بحجه انهم مش هيجهزوها وال عايزها ياخدها بشنطه هدومها، وفى الحقيقه انها خايفة للفلبنية ال جوزها مخلفها تسبها.

شردت بالفراغ: حسبتها، وافتكرت جدعنته ووقفته معانا يوم العزاء والمستشفى والكم مرة ال شفته فيهم قبل ما تسافر، ولما عرفت ان حالته متيسرة قولت خلاص مش هيدقق وحجة العقربة هتبطل واختى هتنفك وتعيش.

أعادت النظر لزوجها: وجبت رنا البيت وحاولت اعمل اى حاجه تلفت نظره ليها وخصوصا ان رنا عجبها من اول ما شافته...بس للأسف...ههه كالعادة برضه أعجب بالست ملك.

نظرت لسيف: مش هلومك ال خلى ابنى وحيدى لو خيروه بينى وبينها انا متاكده انه هبختارها.

بشرود تابعت: زى ما تكون عاملة للولد تعويذة سحر يقرب منها ويبعد عنى وعن خالته.

نظرت لملك تلومها بعينيها: تعرفى ان رنا يوم خطوبتك من قهرتها أغمى عليها اكتر من مرة؟ 

بحزن: أختى دموعها منشفتش من حسرتها وقلة حيلتها وهى شايفه امل انها تعيش زى ال فى سنها بيروح منها.

نظرت لسيف بغل: فيها ايه زيادة عن اختى؟

أغمض سيف عينيه يستغفر ربه وبداخله يقر بأن من تحتاج إلى علاج نفسى هى فاطمه زوجه صديقه.

نظر لها وبثبات يلقى كلمته يصف بها حالها بمؤاربة مفهومه: قلب أبيض.

كرم بعدم تصديق: مش مصدق ان ال بتتكلم دى فاطمه؟! قد كده شايلة جواكى منها؟! قد كده بتكرهيها؟!

قاطعته بصراخ: لا متكملش، _انا مش بكره ملك بس غصب عنى، قولتها وهقولها تانى انا انسانه مش ملاك يا كرم.

أشار على شقيقته بيده دون ان يلتفت :اومال لو بتكهريها، كنتى عملتى فيها ايه؟

فاطمه بوجع وقهرة وصوت عالى نسبيا: انت بتلومنى على ايه؟ وحده بتتصل بيا وتقولى انا خايفة، كل ال جه فى بالى فأر، صرصار، كابوس حتى، وده كله طبيعى، اعرف من فين انا ان ده كله هيحصل؟!

هو انا مكتوب عليا افضل طول الوقت اشوفها وهى بتتدلع على الكل وكله أوامرها نعم وحاضر؟!

بهيستريا تابعت: هاتى كرم، نزليلى كرم، تعالى خودينى ...وبشبه صراخ قالت باستنكار...هى مش ناوية تكبر يعنى! 

 كرم بإستهجان: وحتى لو بتتدلع انتى شايفه ان ده مبرر تتجاهلى بيه استنجادها بينا وتوصليها....

توقف عن الحديث ناظرا لها شرزا عندما تابعت هى بتجاهل لغضبه المرتسم على وجهه بما فاضت به روحها عندما و قالت:

_اوعى تاخدنى متنفس ليك تطلع عليه خوفك عليها..صمتت لبرهه تابعت بعدها بتأكيد أصاب قلبه بالصميم...وتقصيرك معاها يا كرم.

بسخرية طفيفة: ده انا بنفسى قولتلك ان اختك ليها كم يوم متغيرة وفى حاجه مش طبيعية معها وانت ما اهتمتش

التقطت أنفاسها متابعه:ومنكرش ان ده فرحنى شوية.

لم يقوى على الرد، فى داخله يعلم انه أهمل شقيقته بالآونه الاخيرة، بل أهمل الجميع حتى نفسه، وعزاءه انه يفعل هذا لأجلهم، يسارع الوقت لأجل البدء بمشروعه وتأسيسه على أرض صلبه فهو محصلة سبع سنين غربة بعيد عن أسرته...

هنا اايقن سيف  ظلمه لرفيقه، وقد فعل الصواب بتصرفاته التى كان ينتقدها سابقا،  لم ينحاز لجانب على الآخر والا لساءت الأمور اكثر فزوجته تعانى من ندبات تسبب لها بها اقرب الناس لها وان شفيت لن تسلم من أثرها.

كرم: مشكلتك انك مش شايفة غير نفسك وبس، بصيتى لاهتمام أهلى بملك ونسيتى وقت خطوبتنا لما حكيت ليكى عنها وانها من وقت ولادتها اخدت فترة طويلة تعبانه وده خلى غلاوتها تزيد فى قلوبنا، بصيتى لمحبتهم ليها وعميتى عنيكى عن محبتهم واحترامهم ليكى.

بصيتى لرزق ملك من الحب وتجاهلتى حبى واخلاصى ليكى.

انتى كنت عايزة تعيشى دور الضحية للنهاية، كل حاجه بتاخدى فيها الوحش بس وترمى الحلو.

تسمحى تقوليلى، أنا ومسافر مين ال كان رايح جاى يشوف طلباتك انتى واختك...بابا..ولما جبنا الشقة وانا مسافر ايه أمن مكان اقدر اكون فى مطمئن عليكى وعلى أهلى غير لو كنتوا جنب بعض، ال يحصل معاه حاجه التانى يلحقه، بس أنت مفكرتيش فى ده كله...فكرتى بس فى الدنيا ادت غيرك ايه ومافكرتيش انتى اخدتى منها ايه؟ وال زيك عمره ما هيرضى عن عيشته حتى لو ملك كل كنوز الدنيا بين ايديه..

بينما ملك بواد اخر لا تستمع لهم منذ بدأ الحديث عن ذاك اليوم المشئوم يون فقدت والديها.

فلاشات من الماضي تبصر بها انقلاب سيارتهم، والدتها وهى تفارق الحياة ببطء أمام عينيها، والدها الساكن بموضعه بدون حراك وبالأخير تلك الدوامة السوداء التى سحبتها لتكن تلك اخر هيئة تتذكرهم عليها، هيئة أرقتها بمضجعها، جالبة لها الكوابيس والعديد من نوبات الفزع لولا وجود كرم أخاها...

"ما قولتليش يعنى ان مرات اخوكى قلبها اسود كده؟!"

جملة اخرجتها من دوامه كوابيسها القديمه على كابوس اكثر رعبا...


الفصل السادس

هى لى

أسوء الكوابيس عندما يصبح من هويت يوما أعظم مخاوفك

**

"اسامه"

نطقت بها بداخلها ولكنه استمع لها، قائلا: 

"ملووووك"

انتفض جسدها برعشة تملكت بسائر خلاياها، وصدى صوته يخبرها بأن ما ظنته وهم هو حقيقة غير مرئية على الأقل لهم.

جرت دموعها على وجنتها برعب، ربط سيف على يدها بهدوء: أهدى يا حبيبتى الدكتور قال مش عايزين انفعال.

لا تعلم لما فى تلك اللحظه شعرت بألم أثر لمسته الحانية وكأنها تحرقها، لذا بسرعه وكرد فعل قامت بسحبها  ترفعها إلى صدرها تحاوطها بيدها الأخرى.

نظر سيف إلى تصرفها بعدم فهم ولكنه أرجعه إلى الخجل وانها المرة الأولى التى يحتضن فيها يدها بيده كما أنه لايجوز..

لم يعلق على تصرفها فقط بسمه مجاملة صغيرة، لايدري او بمعنى أدق لايرى اثر لمسته وقد تركت أثرت على يدها كما لو كانت حرقا والمسكينة تمسدها بيدها الأخرى وقد اختلطت دموع وجعها من حديث فاطمه بدموع ألمها ورعبها ولكن ما جعل عيناها تشخص بالفراغ هو ذاك الهمس بأذنها: متخلهوش يلمسها تانى، المرة دى حرق المرة الجاية هقطع ايدك ...

وبتأكيد على كل حرف..."وايده"

وما جعل الدماء تجف بعروقها، فحيحه.

"انتى بتاعتى انا بس"

دارت بمقلتيها فى المكان وقد ثقل الهواء من حولها ولا أثر لطيف محدثها وسيف المتابع لها سألها بقلق: مالك يا ملك فى حاجه؟

ملك بهمس ورعب: هو هنا .

سيف مضيقا لحاجبيه: هو مين؟

نظرت له بضياع اوجعه وهى لا تمتلك اجابه فظن ان حديث فاطمه يؤثر على حالتها التى لا يعلم احد شيئا عنها  حتى الان لذا وبدون تردد قال: انا شايف ان لا ده مكانه ولا ده وقته تتكلم فى حاجه زى دى يا كرم انت ومراتك؟

حاد كرم بعينه عنها لشقيقته، ابصر التوتر والقلق البادئ عليها ورغم رغبته فى سماع ما بجعبه زوجته للأخير إلا أن حالة شقيقته الصحية اهم لذا بعصبية مكبوته قال: زى ما قال سيف مش وقته، ودلوقت تاخدى ابنك وعلى البيت بس صدقينى لو أختى حصل لها حاجه اعتبرى ده اخر يوم لينا مع بعض...

شخصت عيناها وأصبح صدرها يعلو ويهبط من فرط أنفعالها، لا تصدق! يضع حياتهم سويا، حبهم وسنين زواجهم من أجل شقيقته؟! ولأجل ماذا؟ ماذا فعلت هى لها؟

حتى الآن لا يعلم احد ما أصابها، هل ستتحمل هى المسئولية الان؟ نعم أخطأت ولكن لا تستحق ذاك العقاب!

اهتز بؤبؤ عينيها وخاطر ما جعل أحشائها تتقوص بداخلها

"ماذا لو عادت لها تلك الحالة وقت وفاة والديها؟!" 

نظرت لكرم ولعلامات الخزلان والوجع والغضب على وجه مكملة حديث نفسها.

"وقتها هرجع تأنى لحياتى بعيد عنه، حياتى مع ابويا ومراته"

وعند ذكر زوجه أبيها، مرت أمامها مقاطع من جحيم عيشتها معهم كخادمه وليست كإبنه، فكيف سيكون وضعها عند عودتها مطلقة ومعها طفل! سيرى طفلها امه تهان وتذل لأجل لقيمات ام تتركه لوالده افضل له؟ وهل تقدر هى على فراقه من الاساس؟! وكرم حبيبها وزوجها من سهرت الليال بغيابه، هل تقوى على العيش بدونه؟!

بدون وعى منها وبسرعه اقتربت من كرم تمسك بيده بطريقة تفاجأ هو بها شخصيا قبل الجميع وهى تتحدث بهيستريا...

_لا يا كرم، متعملش فيا كده، لا ،انا فاطمه حبيبتك ،اهون عليك يا كرم؟! طيب ولو انا هونت عليك ...

رفعت الصغير عن الأرض بوجه اباه تحتضنه وبرعشه: يبقى خاطر أحمد ابننا!

انزلته من جديد وعادت تمسك بيده بكلتا يديها ترجوه: أنا عارفة انى غلطت، حقك عليا مش هتتكرر تانى صدقنى بس متبعدنيش عنك وعن بيتى.

كرم بثبات: فاطمه أهدى الولد بدأ يخاف..

ولكنها بواد اخر ترى فيه عالمها ينهار بصنع يدها هى لا غير، نظرت حولها علها تجد منقذ لها، وقع نظرها على ملك وبسرعه تقدمت منها وبرجاء: ملك، هو زعلان منى عشانك، اتكلمى معاه انتى؟ قوليله انى ماليش ذنب يا ملك وانى ماليش دعوة باللى حصل ليكى، ارجوكى...

بينما جسد ملك بواد اخر، تنتفض خلاياها انتفاضة بسيطه غيرملحوظه، جسمها كالثلج تحت يدها ، حاكى وجهها الأموات، عيناها تناظرها برعب ورجاء، هيئة جعلت فاطمه تفيق على حالها، تنظر لها بصدمه ثم لزوجها ولسيف: بسرعه دكتور، ملك مش طبيعيه.

نظر كرم لشقيقته بخوف، طالقا بعدها ساقاه للريح لاحقا بسيف ، أوشكت فاطمه على اللحاق به، أمسكت ملك بيدها سريعا: ما تسبنيش يافاطمه.

تخشبت بمكانها، وببطء التفت لها وملك متابعه بدموع: خليكى معايا..

عادت فاطمه الخطوة التى قطعتها، لا تصدق ما تسمعه، بعد كل ما حدث ملك ترغب بوجودها إلى جانبها...

ملك بصدق: انا محتجاكى يا فاطمه.

اغمضت فاطمه عيناها ودموع ندم هبطت كغيث يقشع سواد قلبها، تدرك فداحه فعلتها عندما وجهت غضبها من حياتها لصغيرة ليس لها ذنب بما تعانيه هى وشقيقتها.

اقتربت منها فاطمه تربط على يدها بحب موجود منذ البداية ولكن مدفون بفضل غيرتها العمياء.

فاطمة: مش هسيبك يا ملك.

"اااه وهى دى بقا ال هترحمك منى"

اتسعت عيناها برعب ترفع رأسها عن الوسادة ، تنظر حيث مصدر الصوت، تتمسك بيد فاطمه بكلتا يديها  وعيناها على ذاك الواقف أمام الفراش.

فاطمه بخوف حقيقى عليها: أهدى يا ملك أهدى يا حبيبتى.

ملك ونظراتها مشتته بين الاثنين: هو هنا يا فاطمه هو هنا.

نظرت فاطمه حيث تنظر هى: هو مين ده بس؟

فاطمه بنواح: هووو يا فاطمه هووو

فاطمه: مفيش حد هنا يا حبيبتى ده بس بيتهيألك.

ملك بنواح: لا اهو اهوواقف وبيضحك اهو.

فاطمه مبتلعه ريقها بخوف: لو تقولى بس مين ده ال مخوفك كده، وايه حصل معاكى.

على صوت ضحكاته،.صمت اذنها وبسرعه وضعت يدها عليها تصرخ: واقف وبيضحك يا فاطمه.

فاطمه برعب:أهدى يا ملك أهدى مافيش غير انا وانتى وبس هنا.

احمد الصغير متمسك بوالدته بخوف: هى عمتو قصدها مين يا ماما؟

"ههههههههه حلو اوى يا ملوك، اكديلهم كمان وكمان انك مجنونه، بيتهيالك حاجات غريبة"

بسرعه البرق اقترب وجه من خاصتها، والمسافة بينهما أصبحت لا تتعدى أنشأ واحد ورائحة الكبريت تتغلغل إلى صدرها، تخنقها..

متابع بأعين حال بياضها لسواد جعلتها تطلق صرخات عالية من رعبها عندما قال بهوس : انهارى كمان وكمان اتعذبى اكتر واكتر ده بيريحنى، مر يده على يدها المحترقة، متعرفيش ده بيريحنى ازاى! انتى لازم تتعاقبى يا ملك على كل لحظه قال فيها بحبك ويا حبيبتى"

بابتسامه من الجحيم مر يدها على وجنتها: هيخلوكى تنامى عشان تهدئ واول ما تغمضى عنيكى هتلاقينى مستنيكى يا ملوووك"

لا، لا، لااا

صرخت بها برعب عقب اختفاءه مع دلوف اخاها وخطيبها بنفس اللحظه بصحبه الطبيب وفاطمه تحتضنها، تحاول تهدئتها ببعض الكلمات.

وملك صارخه: ما تسبونيش له.

يتبع 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه




تعليقات

التنقل السريع
    close