رواية ماضِ لا يٌغتفر الفصل الرابع والخامس بقلم الكاتبه ريتاج أبو زيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
![]() |
رواية ماضِ لا يٌغتفر الفصل الرابع والخامس بقلم الكاتبه ريتاج أبو زيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
أجاب على الهاتف مسرعًا عاقدًا ما بين حاجبيه بدهشة، فجاء الصوت من الطرف الثاني:
-إنت فين يا أستاذ رحيم ، أبوك جِه من شويه وأم أنس نزلت ومفيش حد في البيت غير الست عبير بس قلت اتصل بيك اعرفك.
فتح عينيه على اتساعهما وظهرت حبات العرق على جبينه وتسارعت نبضات قلبه وانتابه خوف شديد على أمه، وأحس أن عقله توقف تمامًا، لماذا يأتي في هذا التوقيت.
هو لم ينقصه توترا وخوفا، استجمع (رحيم) ثباته ثم قال:
-طيب يا محمد إنت تتصل بنادر و تقوله بسرعة لو هو في البيت و خلص شغل يروح لأمي.
عشان انا هتصل بأمي.
فوافق (محمد) على كلامه ثم أغلق معه الخط و اتصل بـ (نادر) الذي كان في طريقه للعودة من العمل،عندما قال له(محمد) ما حدث بدل وجهته إلى بيت خاله (رحيم).
أما (رحيم) فركب السيارة بسرعة و أسرع في قيادته. وظل يتصل بأمه مِرارًا و تكرارًا و لم تجب عن الهاتف،فاتصل بـ(جميله) التي قالت له أنها في عيادة الطبيبة النفسية ومعها (روان)، فلم يريد أن يقلقها فقال لها إنه كان يطمئن عليها.
بعد أن أغلق (رحيم) مع اخته، أتصل بـ (نادر) فأجاب عليه قائلا بهدوء:
-ايوه يا رحيم أنا خلاص أهو قربت أوصل عندها البيت،أهدى و متوترش وبلاش عصبية و طيش بالله عليك هنتصرف براحه و بالعقل ماشي.
اطلق (رحيم) تنهيدة قوية و قال بصوت أقرب للبكاء:
-أنا تعبت يا نادر هو بيرجع ليه أنا لسه ملحقتش أتعافى من اللي حصل امبارح، المشكلة انا خايف يكون سكران و يعمل حاجة، أو هي تتخانق معاه عشان البيت اللي اتحرق و إللي حصل امبارح،ويحصل مشكلة بينهم.
-معلش حقك عليا أنا قربت أوصل أهو و متقلقش من حاجه تعالى على مهلك يا رحيم.
وصل (نادر) تحت البناية التي تمكث فيها (وفاء) صعد سلالم المنزل بسرعة فائقة، ولم يستخدم المصعد الذي كان المشغول،طُرق على باب البيت، وبعد لحظات فُتح الباب بواسطة (أدهم).
فقال له (نادر) بانفعال وهو يُزيحه من أمام الباب و يدخل الشقة:
-لأ إنت أكيد بتهزر، إنت ليك عين تيجي هنا إنت عبيط،إنت بجد مفيش دم خالص، امشي غور من هنا قبل ما رحيم و جميلة يجوا.
فرد عليه (أدهم) بنبرة باردة وهو يجلس على الكرسي:
-لأ مفيش دم خالص، وانا اصلا جاي هنا عشان عايز اشوف رحيم و جميلة.
قبل أن يُجيب (نادر) عليه،ردت (عبير) بانفعال قائلة:
-إنت ليه مصمم تقهروا بقى ما قلتلك خلاص امشي و سيبه في حاله إيه اللي رجعك كفاية بهدلة في العيال بالله عليك.
-هو إنت لسه هتتحايلي يا طنط.
قالها و أمسكه من تلابيبه بقوة ثم أردف بصراخ:
-إنت يا عم الحج روح شوف إنت رايح فين و غور من هنا و مفيش كلام مع رحيم و ده نهايه الكلام، امشي بقى بالأدب بدل ما و رب الكعبة امشيك بقلة الادب و انا بحبها الصراحة.
فرد عليه (أدهم) بغضب:
-هو إنت كده جدع يعني و إنت ماسك راجل أد ابوك كده ،عيب سيب القميص.
في تلك اللحظة غلت الدماء في عروقه و أمسكه بقوة أكبر و سحبه معه حتى باب الشقة و فتحه و اخرجه بقوة:
امشي من هنا بأدب بدل ما امشيك انا بزفه.
ثم صفق الباب بقوة.
فأمثاله السُكارى يستحقون تلك المعاملة ،معاملة الحيوانات ،احيانًا نُشفق على الحيوانات أننا نشبه البشر بهم فهم لا يستحقون حتى معاملة الحيوانات.
و من وراء الباب كان (أدهم) يصرخ به و يطرق على الباب بقوة و يقول له انه ليس من حقه أن يقرر عن أبنائه.
و (نادر) لم يهتم إليه و لم يهمه ما يقول، فجلس على الكنبة و أجلس (عبير) بجانبه.
فقال (نادر) بجمود لها:
ليه يا طنط تفتحي له الباب، أهو عمال يجعر بره و أنا خايف رحيم يجيي دلوقتي و يلاقيه بره ، و في نفس الوقت أنا لو مشيته هقل أدبي عليه جامد ، هو يستاهل اصلا بس تقدير لرحيم و ليكي مش اكتر.
فردت عليه (عبير) هي تسحب منديل لتُزيل دموعها:
والله يا بني أنا مش عارفة هو عايز إيه من الاساس،هو قالي إنه جاي لموضوع مهم عشان كده فتحت ليه الباب.
مازال (أدهم) يطرق على الباب بقوة وهو يصرخ،و لا أحد من الجيران سأل ماذا يحدث.
هدرت فيه (عبير) بصراخ بسبب صوته المزعج العالي و سِبابه في (نادر):
-إنت معندكش ذرة رجوله ولا ذرة أدب حتى،أمشي بقى قبل ما حد من العيال يجي.
فقال (نادر) و هو يخلع ساعته و يستعد للخروج إليه:
-معلش بقى يا طنط أصل ده عايز اعادة تربيه من اول وجديد.
فتح (نادر) الباب وهجم عليه و قبل أن يفعل أي شئ جاء (رحيم) و قال موجهًا حديثه لـ(نادر)بسرعة:
-بس يا نادر سيبه.
عندما تركه (نادر) قال (رحيم) موجهًا حديثه له بنبرة غلبها الحزن:
-إيه اللي جابك هنا.
فاعتدل (ادهم) وهندم ملابسه، ثم قال رد عليه بجمود:
-ندخل الأول وبعدين نتكلم، والشيء ده ميدخلش معانا و مشوفهوش مقرب تاني منك.
فقال له(رحيم) بسخريه:
وإنت مالك؟ و بعدين ده نادر، مش شيء.
صمت لبرهة يراقب ملامح والده الباهتة الشاحبة وعينيه التي كانت تُظهر عليه علامات السُكر،وتتحرك بحركات غير منتظمة، ثم أخذ تنهيدة وقال بهدوء:
-هنتكلم هنا مش جوه قول إللي عندك بقى انا لسه راجع من شغلي.
رد عليه بانفعال:
-طب حلو إنت إللي اخترت و إنت إللي قليت ادبك إنت و صاحبك و امك.
ثم أردف بالطريقة نفسها:
-إنت رحت اتهجمت على مظهر وضربته في بيته،وأول ما وقعتوا في مشكلة اتصلتوا بيه، أنا مش مصدق البجاحة،وتتصل بمظهر الكلب ده اصلا ليه، وتروح تتهجم عليه ليه؟
شُلت حركة (رحيم) وأحس أنه سُكب عليه دلو من الماء البارد في احدى ليالي الشتاء الباردة،
وكانت (عبير) واقفة تنظر لـ(رحيم ) و هي تريد منه أي رد فعل وكذلك (نادر).
أول من تكلم في هذه اللحظه كانت (عبير) قائله بإنكار:
-رحيم مش بيتهجم على حد و لا حتى يفكر إنه يعمل كده دي أفعالك إنت و اللي شبهك إنما ابني انا غيركوا، وجاي تعاتب وتقول اتصلتوا بمظهر ليه ما هو لو عنده أب مسئول مكُناش اتحوجنا لحد.
فرد عليها بسخرية متهكمة:
-مش هو ده مظهر إللي بتكرهي سيرته، مظهر إللي ضحك عليا و خسرني فلوسي دلوقتي بقى مظهر حلو انا وحش يا عبير؟، بعدين مش مصدقه أن تربيتك ضناكِ يعمل كده طب اسأليه راح اتهجم عليه ولا لأ.
فأهدر (رحيم) بعصبيه و صراخ:
-ايوه رحت اتهجمت على مظهر و نفسي أقتله كمان،عشان هو سبب كل حاجة.
صمت لبرهة ثم اكمل قائلًا بكسره و ضعف و الدموع ظاهرة في مقلتيه:
-وإنت عارف إنه سبب كل حاجة، و إنت كمان السبب،عشان بعدت عننا و رحت تسهر و تشرب.
اقترب منه (أدهم) بهدوء وقال:
-رحيم انا خايف عليك، مش عايزك تدخل نفسك في حاجة، خليك في حالك و ركز في حياتك، ولو حصل إيه متتصلش بمظهر، مظهر شيطان يا رحيم.
رد عليه بتعب ظهر في صوته:
-لو إنت تبطل حركات المراهقين يا أدهم مش هحتاج اتصل بحد، انت سبب دخولي السجن أصلا، متاخدتش مني فلوس تاني.
رد (أدهم) بغلظة هذه المرة :
-أنا غلطان إني لما عرفت إللي حصل جيت اشوفك و اسأل عليك.
تركهم وغادر.
و دخل (رحيم) الشقة و هو في أشد حالات التعب ،هو يحتاج إلى راحة كامله، يحتاج إلى هدوء في حياته ، فذهب إلى غرفة (أنس).
هو بطبعهِ إنسان هادئ و لكن الظروف والحياة تريد منه وحش حقير كـ(مظهر الضبع).
كيف لشخص كان أب حنون في يوم ما يؤذي أبناءه اليوم بهذه الطريقة؟
ظل يفكر حتى غلبه النعاس و نام، فهذه عادة عنده كلما ضاقت به الحياة ينام ، فهكذا هو يعبر عن حزنه.
جلس (نادر) بجانب (عبير) بعد ما دخلا الشقة و حاول تهدئتها و يشرح لها الأمور ببساطة ، وأن (رحيم) لم يفعل شيء ،و أن حتى لو فعل (رحيم) فـ(مظهر) يستاهل،و أخذ يشرح لها أن(رحيم) مضغوطًا و يشعر بالتعب،حتى طُرق باب الشقة وكانت (جميله)،التي ما إن دخلت أحست أن هناك شيء غريب.
جلست بجانب أمها بهدوء و سألت و توتر ينعش قلبها:
-مالك يا ماما أنتِ معيطه؟،في حاجه حصلت، و رحيم فين؟
رد (نادر) على أسئلتها بهدوء:
-بصي يا جميله براحه كده،أدهم جِه هنا و اتخانق هو و رحيم ،عشان رحيم راح البيت لمظهر يضربوا وإنت اتصلتي بيه لما رحيم كان في السجن، و بس كده و مفيش حاجه تاني.
عقدت (جميله) حاجبيها باستغراب ثم قالت القلق ينهش بقلبها:
-يعني إيه؟ رحيم يروح يضرب مظهر ليه، هو رحيم راح امتى؟
رد عليها (نادر) بنفس الهدوء:
-مش عارف بس هو قالي قبل ما الحكومة تيجي تاخده، عشان كده ملحقتش اقول لحد.
تنهد ثم أكمل وهو ينهض بتكاسل:
-طب أنا همشي معلش ، لو محتاجين حاجة عرفوني و لما رحيم يصحى خليه يكلمني، سلام عليكم،وانا هتصل أكلم أنس عشان اقوله يرجع كفاية كدة.
فأستوقفته (عبير) بقولها:
-نادر،أنس لسه هيرجع بكرة بلاش تكلمه عشان ميقلقش.
-أنا عارف إنه هيرجع بكرة، بس انا لازم أعرفه إللي حصل، هو كل يوم يسألني عليكم وأنا مش هينفع أكدب.
فقالت (جميله) مقترحة على حديثهما:
-خلاص أتصل بأنس خليه يجي، ونتصل بطنط ليلى وروان ونقولها تيجي ونقعد مع بعض النهاردة كلنا.
صمتوا قليلا يفكرون في اقتراحِها ثم قطع الصمت (نادر) حيث قال:
-هي فكره جميله و تُحترم و كل حاجه بس يعني حاسس أن رحيم محتاج راحه.
فقالت (عبير) مؤيدة اقتراح ابنتها:
-لأ انا حاسه أن كلنا هنكون محتاجين اللمة و نقعد مع بعض اكتر من الراحة و انا هتصل بيهم و نتجمع بالليل.
فاومئ لها (نادر)، ثم غادر الشقة في نفس وقت دخول (وفاء).
تجمعوا جميعًا تمام الساعة التاسعة مساءًا.
-ازيكو والله وحشتوني اوي اوي .
كانت القائلة (جميلة) و هي ترحب بهم بحماس و حب.
فردت عليها (إخلاص) قائلة:
والله و إنتِ و كمان و كلهم وحشوني بردو.
و في تلك اللحظه طُرق الباب بواسطة كلا من (نادر) و (أنس) ، فتحت لهما (جميلة) و هي تعرف أنهما بسبب طرق (أنس) المتناغم المعروف.
-حبيبي،حمدلله على السلامة يا بطل.
فسلم عليها (أنس) و رحب بالجميع، و تبادل الأحضان و القبلات مع أمه، ثم استأذن منهم أن يدخل إلى (رحيم) ، فدخل هو و (نادر) و أغلق الأخير الباب لأنه يعرف ماذا سيحدث الآن.
عندما دخلا كان (رحيم) في ثُبات عميق،مُلتحفًا بالكامل.
فقال (أنس) بصوت غليظ و هو يُزيل من عليه اللحاف:
-رحيم، يا رحيم اصحى.
فتح (رحيم) نصف عينيه وهو يرمقه بانزعاج من ضوء الغرفة، ثم استدار إلى الناحية الأخرى و هو مازال نائما ولم يستيقظ بعد.
فأخذ (أنس) زجاجة المياه الذي بجانبه على الكومود و فتحها، و قبل ان يوقفه (نادر) ، و بحركه سريعه منه ،سُكب المياه عليه، فقام سريعًا ينتفض من مكانه..
وقف في حالة دهشة ولم يستوعب الأمر إلا بعد لحظات.
وظل (أنس) واقفًا يحدق فيه بجمود..
و(نادر) يتنحى جانبًا يترقب ما سيحدث.
استعوب (رحيم) اخيرا و نطق قائلًا بغضب:
-ليه يا أنس تصحيني بالطريقه دي، إنت جيت أمتى؟
رد عليه (أنس) بنبرة غليظة جامدة:
-لسه واصل وقلت أشوف اللي كان محبوس أمبارح واتصل بعمو مظهر يخرجه.
زفر باستنكار واحتجاج وقال:
-اعمل إيه يعني كان في ايدي حاجه اعملها و معملتهاش؟و انا متصلتش بحد، جميلة هي اللي اتصلت.
رد بغلظة و جمود و ملامح غاضبة و يشير بسبابته بانفعال:
-أولا إنت استسهلت يا رحيم ومحاولتش تعمل حاجة، ثانيا أدهم جِه هنا و متخانقتش معاه عشان اللي عمله فيك وضعفت، ثالثا رحت اتهجمت على مظهر وعايز تقتله.
فرد عليه (رحيم) بضجر:
-انا مضعفتش وعمري ما كنت ضعيف، أنا يوم ما هكون عايز أعمل حاجة هعملها يا أنس، و بخصوص مظهر أنا لو كنت عايز أقتله بجد مكنتش هتردد لحظة، أنا كنت متعصب عشان كده رحت له بيته.
قال (نادر) محاولًا تلطيف الأجواء بينهم:
-ممكن نقعد و نتفاهم براحه و رحيم يدخل يغير هدومه إلي غرقانة مايه، و..
بتر حديثه عندما رزقه (أنس) بغضب ثم قال موجههًا حديثه لـ(رحيم) بصراخ:
-طب ما تعمل و تبعد أدهم عن حياتك بقى، ما تسيب مظهر في حاله و متفكرش فيه و فكر في حياتك، خلي أدهم يولع يا رحيم، الفلوس إللي بيصرفها منك دي و إللي خدها من خالد كلها جاب بيها خمرة و حشيش.
حديثه وصل إلى الخارج فأخذت الطرقات تتسارع على باب غرفته ففتح لهم (أنس) بغضب ثم قال موجهًا حديثه لـ(جميله) بصراخ:
-و إنت يا أستاذه جميلة بتتصلي بمظهر ليه، أنا كنت فاكر إنك أعقل من اخوكي.
ثم نظر إلى (نادر) وعاتبه قائلًا:
-و إنت حضرتك بتقبل المساعدة منه.
صمت لبرهة ثم قال لخالته بانفعال و صدره يرتفع و يخفق من فرط العصبية:
-و إنت لما خالد جِه و بيقولك تتجوزيني منزلتيش الشبشب فوق نفوخه ليه؟
فقالت له أمه معاتبه له على أسلوبه مع خالته:
-اهدى يا أنس، صوتك ميعلاش على خالتك كده عيب.
تنهد بقوة محاولًا التحكم بأعصابه ولكن ما زاده عصبية عندما رأي (رحيم) منكس رأسه بغير اكتراث.
فنظر إليه (أنس) بغضب ثم وقف أمامه وصفعه على وجهه و أمسكه من ملابسه.
التفوا الجميع حولهم ويحاولون الفصل بينهم، في هذه اللحظة طُرق باب الشقة،فركضت (جميله) تفتح التي كانت على علم بالطارق.
فتحت (جميلة) و قالت لـ(روان) و هي تبكي و تسحبها معها إلى الداخل:
-تعالي بسرعه ابعدي أنس عن رحيم.
فدخلت مسرعة ووقفت بجانب (أنس) قائلة بنبرة عالية خرجت غصب عنها مرتعشة:
-أنس سيب رحيم ، سيبه يا أنس قلت لك مينفعش العصبية و الانفعال سيبه يا أنس، إنت بتضرب أخوك الصغير.
تركه ثم رماها بطرف عينيه بحدة وقال وصدره يعلو ويهبط من شدة انفعاله:
-و أنا بردو قلت له يا روان متعتمدش حد ومتعملش حساب لحد حتى لو أبوك.
ثم خرج من الغرفة متجهِهًا إلى الشرفة وخرجت خلفه (روان) التي جلست على مقعد بجانبه ثم قالت:
-انا قلتلك يا أنس بلاش العصبية دي خصوصًا لو مع رحيم و جميلة، هما بيحبوك اوي بلاش تزعلهم منك و رحيم مش صغير عشان تهينه كده و تكلمه بالطريقة دي رحيم كلها اربع شهور و يكمل سته وعشرين سنه عيب كده.
تنهدت ثم أضافت بحب وابتسامة عريضة:
-بعدين أنت وحشتني على فكره.
نظر إليها (أنس) بغضب ثم تحول الغضب إلى ضحكة واسعة أمام عينيها البريئة الضاحكة وقال:
-و انت أكتر يا بنت إخلاص..
ضحكت له ثم قالت وهي تنهض ممسكة بيديه:
-طب عشان خاطري تعالى صالح رحيم و جميلة.
قال لها بعد أن تحولت ابتسامته إلى ضيق ثانيةً:
-لأ، رحيم و جميلة مين إللي أدخل اصالحهم دول هما اللي يصالحوني..
ردت عليه و هي ترفع حاجب و تخفض الآخر:
-إنت شايف إنك بعد ما مسكت فيه هو اللي يجي يصالحك؟
رد عليها سريعًا بإيجاز:
-اه.
دخلت أمه إليهم و قالت له بعتاب بعد أن سلمت على (روان):
-عجبك اللي أنت عملته في رحيم قدام الناس.
تدخلت (روان) قائلة:
-دلوقتي رحيم هيزعل منه و هيمشي مع نادر،لغاية ما هو يسافر تاني.
لفتت انظاره مساحيق التجميل و زينتها فقال بجمود:
-أنت حاطه مكياج في وشك،ليه؟.
صمتت ولم تُرد.
زفر بضيق ثم قال معقبًا على حديثها السابق:
-عامةً أنا مش همشي تاني، يعني مش هسافر تاني خلاص.
عندما قال ذلك تورد وجهها و قفزت عدة مرات بعفوية وهي تضحك وهو يضحك عليها، و أمه ظلت تحمد ربها.
قالت هي تبتسم بحماس:
-يبقى هي دي المفاجأة إللي إنت كنت محضرها لي.
-و إيه رأيك فيها؟؟
ردت عليه بسرعه:
-أحلى حاجة سمعتها.
فقالت له أمه وهي تسحبه معها للخارج:
- تعالى صالح أخوك..
دخل (أنس) إلى (رحيم) غرفته التي كان بها وحده و طرق على الباب فأذن (رحيم) للطارق بأن يدخل، ظنًا منه أنها أمه.
-إزيك اخبارك ايه يا استاذ رحيم؟
رمقه(رحيم) بحزن وضيق ولم يعقب.
جلس بجانبه على طرف السرير وقال بحنان معتذرًا:
-إيه يا عم إنت زعلان مني أوي كده ،خلاص يعني هي أول مرة يا رحيم، إنت عارف أنا بعمل كده عشان خايف عليك، إنت اخويا الصغير، انا اسف.
لم يُجيب عليه .
فخطفه (أنس) في حضنه وهو يقول بهدوء:
-بص يا رحيم إنت عارف أن إنت حبيبي و اخويا و صاحبي و أبني كمان، وإنت عارف إنت عامل إيه كويس، و كل مره بتحط أمل في أدهم وإنت عارف انه هيخذلك، وأنا مش بشوفك ضعيف غير مع أدهم.
ثم بعده عنه و أضاف بحنان:
-أنا أسف يا سيدي حقك عليا و على راسي من فوق خليك رحيم الجامد اللي أنا اعرفه بقى،و سمعني ده كده تحفه بقى.
فأبتسم له (رحيم) و قال له:
-حمدلله على سلامتك.
فقال له (أنس) و هو يضع يده على كتفه:
-افرحك، انا مش هسافر تاني كمان ان شاء الله.
تهللت أساريره وقال له:
-لأ ده كده تحفه أوي بقى.
-والله ما فيه غيرك اللي تحفه.
ثم قال بصوت هادئ:
-رحيم أنا خلاص قررت اني أطلب روان من إخلاص و خلاص.
فرد عليه (رحيم)ضاحكًا:
-إخلاص و خلاص، يعني إيه مش قلت لما البت تخلص كليه الأول، و بعدين يا أنس روان صغيره أوي.
فقال له (أنس) بهدوء:
-أولًا الموضوع مش مستاهل ضحك،ثانيًا هي كبيره مش صغيره عندها واحد وعشرين سنه، يعني اللي زيها متجوز و مخلف كمان،ثالثًا إنت مالك.
فنظر له (رحيم) ثم انفجر في الضحك وهو يقول:
-أنس بجد والله إنت ليه بتتكلم كده يعني ليه تقول اولًا و ثانيًا و ثالثًا ، ليه متتكلمش عادي زي الناس الطبيعية،و بعدين مين دول اللي زيها متجوزين ومخلفين قول اللي زيك إنت بقى هما اللي متجوزين ومخلفين يا أبو اتنين وتلاتين.
نظر إليه (أنس) وهو يرفع حاجبه الأيسر بحنق زائف:
-ملكش دعوة بكلامي، و هي مش لازم تخلص تعليم و بعدين تتجوز عادي نعمل العكس و بعدين خلاص في آخر سنة،وبعدين اللي أدي انا متجوزين ومخلفين، طب إنت يا خايب يا ابن الخايب مش ناوي تشوف واحده كده ولا كده.
فسكت(رحيم) و فجأة تذكر تلك ذات شعر قصير، فقال له (أنس) بذهول فاتحًا عينيه على آخرها:
-رحيم إنت بتفكر في واحدة، أحلف.
خرج (رحيم) من شروده وقال بغضب زائف قائلًا:
-بس يا أنس أكيد لأ، إنت عارف أنا مش بتاع الحاجات دي و بعدين أنا لسه صغير على مسؤوليات الجواز،وكمان لازم اطمن على جميلة قبل ما اخد خطوة في حياتي.
-ربنا يكملك بعقلك يا أخويا، تعالى نخرج نقعد معاهم بره.
نهض كلاهما و خرجا إليهم.
عندما رأيتهما (روان) نهضت بحماس و هي تقول:
-اتصالحتوا الحمدلله، حيث كده بقى ناكل حاجة حلوة..
رد عليها (نادر) وهو يفرك في يديه بحماس:
-حاجه حلوه زي إيه انزل اجيب حلويات مشكل و لا أيس كريم ولا جاتوه.
فردت عليه (جميله) و معها في صوت واحد (روان):
-شورما.
ثم نظرا الفتاتين إلى بعضهما و ضحكا سويًا.
قال (أنس) مقترحًا:
-اسمعوني الأول، إيه رأيكم لو نروح نتفسح الأسبوع كله ، كل يوم نروح في مكان شكل لمدة أسبوع والله لو كُنا في الصيف كنت هاخدكم اسكندريه و لا مطروح...
-واو، فكره هايله.
كانت هذه (روان) التي ردت بحماس كالعادة.
قال لها (أنس) وهو يرمي بنظره بعيدًا عنها:
-إنتِ مين قالك إنك هتيجي معانا ، أنا رايح أنا و أهلي بس.
ردت عليه (جميلة) و هي ترفع حاجبيها و تضع يديها على خصرها:
-والله إنت شايف كده، على فكره روان صاحبتي و لو مرحتش معانا انا مش هروح..
رد عليها (أنس) يبتسم يستفزها و يُغيظها:
-بس كده المركب إللي تودي إنتِ و صاحبتك، حاجه تاني؟
قالت له (روان) بجدية و تعابير وجهها تحولت إلى حزن على غير العادة:
-أنس هو إنت مبقتش تحبيني زي زمان ؟
أنا حاسه انك مش متحمس لعلاقتنا.
رد عليها (أنس) بملامح وجه جامده يستغفر في سره:
-أنا قلتلك بطلي عبط يا روان،أنا قلتها قبل كده ملناش دعوة ببعض لغايه ما تتخرجي من الكليه، وبعدين أنا كمان سيبت شركة دبي وجيت هنا، والمدير عايز ينقلني فرع اسكندرية وكمان انا.....
-استنى استنى كده إنت بتقول عليا أنا عبيطة؟
اولًا أنا مش عبيطة ، ثانيًا يعني إيه لغاية ما اخلص كليه؟،طب ما تيجي تخطبني هو انا قلتلك يلا نتجوز بكرة ، أنا خلاص قدامي أقل من سنة أصلًا هيحصل حاجه لو جيت وخطبتني؟،ثالثًا بقى هو أنا قلتلك أنا عايزه مهر او شبكة او حتى شقة انا قلت إنت مبقتش تحبيني ليه و مش مهتم بيا.
كان هذا ردها عليه بانفعال بعد ما نهضت من مكانها و قطعت حديثهُ..
رد نبره غليظه:
-روحي يا روان..
ردت بنبرة غاضبة:
-يعني إيه يعني مفهمتش.
كرر حديثه بصوت أعلى:
-يعني تروحي على بيتك يا روان و بس كده.
بكت (روان) في هذه اللحظة و أخذت حقيبتها و غادرت.
وذهبت خلفها (جميلة).
قالت له أمه بعتاب:
-لأ يا أنس أنت بقيت عصبي كده أوي،حتى روان بتتعصب عليها، قدام أمها.
قال له (رحيم) بعد أن حمحم:
-على فكره يا أنس واضح جدًا أنها بتتدلع عليك،إنت وحشتها وعارف أنها بتحبك اوي، و فيها إيه لو كنت قولتلها انك هتخطبها و مش هتستنى أنها تخلص كليه، ما إنت لسه قايل كده جوه.
قال له (أنس) بعد أن تنهد بغضب:
-بس يا رحيم، أسكت بقى هي إللي عصبتني و قاطعتني في الكلام..
قال (رحيم) معترضًا بضجر:
-لأ يا أنس هي قاطعتك بعد ما إنت قولتلها بطلي عبط ، جرحت مشاعرها الله يسامحك، حرام عليك البت بتتدلع عشان وحشتها، أنا مش فاهم الكيوته إللي بتحب الحياة و متحمسة دايمًا ، هتعيش معاك ازاي، أو حبيتك ليه أصلا.
رمقه بحدة اخرسته ثم ذهب إلى الشُرفه.
قال (رحيم) ضاحكًا عليهما عندما دخل (أنس) الى الشرفه:
-أموت وأعرف ليه بيعدوا وهما بيتكلموا.
ثم اكمل مقلدًا صوت (روان):
-خدت بالك ياض يا نادر،أولًا انا مش عبيطة
ثانيًا فيها ايه لما تخطبني و انا في جامعه هو احنا هنتجوز بكره،ثالثا انا مش عايزه مهر ولا شقة، إيه بنت المجنونة دي يعني ايه مش عايزه شقه اومال هيتجوزوا فين في عِشه...
قال له (نادر) و هو يضحك معه عليهما:
-لأ و كل ده كوم و لما قامت اتعصبت و بعد كده بصه منه عيتطها ده كوم تاني خالص، البت وشها جاب الوان.
فأضاف (رحيم) إلى كلامه:
-والله أنس برأس كبش، وهي عبيطة.
قال له (نادر) بإيجاز وهو يومئ:
-حصل.
قالت (إخلاص) بضجر زائف:
-أنت قلت يا رحيم على بنتي بنت المجنونة، واخوك هزئها قدامي، مش خايفين على مشاعري؟.
استمرت الضحكات و التنمر على (أنس) حتى قالت لهم (وفاء):
-اقعدوا ساكتين بدل ما يجي يضربك إنت وهو وترجعوا تعيطوا.
و عندما كانوا يتحدثون و يضحكون.
فجأة طُرق الباب بهمجية.
ماضِ لا يٌغتفر
الفصل الخامس
كانت الطرقات عالية، اجفلت أجسادهم من قوة الطرق.
ذهب(رحيم) لكي يفتح الباب، لكن صوت (أنس) أوقفه وهو يخرج من الشرفة ويقول له بحزم:
-استنى يا رحيم انا هفتح..
فتح (أنس) للطارق الذي كان (خالد).
أطلق ضحكة ساخرة ثم قال:
-أنا عمري ما شوفت في بجاحتك.
فقال له (خالد) بإيجاز هو ينظر إلى الداخل حيث موضع (عبير):
-عايز رحيم.
جاء (رحيم) إليه يقف بجوار (أنس) فقال (خالد) له وهو ينظر في اللاشيء و يتمايل بحركات غير منتظمة:
-بص يا رحيم بعد إذنك أنا جاي بأحترام أهو و أدب ،أنا عاوز أطلب إيد مامتك والله هحطها في عيني و هعتبرك ،إنت و جميلة ولادي.
فرد (رحيم) عليه بسخريه تهكمية:
-والله؟ طب شكرًا والله إنك هتعتبرني أبنك و اختي بنتك،شربت أنهي صنف يا خالد؟
فقال له (خالد) ببكاء كأنه طفل صغير يبرر أفعاله لوالدته ويترجها حتى يفلت من العقاب وينال رضاها:
-أنا بطلت أصلا من زمان عشان عمي قال لي لما تكون كويس و تبطل شرب هجوزك عبير،و أنا اهو بحاول ابطل وارجع كويس عشان يوافق.
ثم أكمل برجاء متأملًا في عينين (رحيم) وهو يمسك يده:
-خليه يوافق يا رحيم عشان خاطري قول له يوافق، متخليهاش تتجوز من أدهم، أنا بس اللي بحبها.
كان (رحيم) يحاول أن يتماسك أمامه ولا يتأثر بكلماته.
لكنه أمام حالته نظر له بعين الشفقة ثم قال وهو يسحب يده من بين اصابعه:
-إنت مش شارب بس ده إنت حالتك هباب،حقيقي نفسي أعرف ليه إنسان يعمل في نفسه كده؟
فنظر (أنس) إلى (رحيم) وهو يتنمى أن يتخذ موقفًا حازمًا و يواجهه، فقال (رحيم) موجههًا حديثه للثمِل مرة اخرى:
-بقولك يا خالد روح بيتك أشرب كوباية قهوة و ريح شويه يلا مع سلامة.
ثم أغلق الباب في وجههِ.
نظر له (أنس) نظرة ساخطة و مستاءة و همّ بالكلام لكنه انقطع فجأة حين سمع صوت (جميلة) بالخارج تتكلم مع ذلك الثمِل.
فتح (أنس) الباب ليدخلها ، لكنه رفع حاجيبيه في دهشة حين رأى خالته الكبرى التي لم تأتي إليهم منذ أكثر من خمس سنوات.
تفاجئ الجميع عندما رأوها، وتعكر صفوهم، لم يتمنوا هذه الزيارة أبدًا، توالت التخمينات في رأسهم عن سبب مجيئها بعد أن قطعت الصلة بينهم.
فقال (رحيم) بسخرية بعدما دحرج عينيه بين (خالد) ثم (سلوى):
-ده كده هتبقى تحفة أوي أوي بقى.
أول من تكلم كان (أنس) حيث قال بعد تنهيده قويه يعبر بها عن ضجره و استياءه من الموقف:
-ده إيه المفاجأة السكر دي يا خالتي، عايزة إيه.
فقالت (سلوى) الذي ظهر في صوتها التعب والانكسار:
-جيت عشان مفيش مكان اروحه غير عند أخواتي .
ضحك (رحيم) بسخرية على حديثها ثم أردف قائلًا:
-اخواتك؟ ازاي يعني،هو انتو مجانين؟ الصبر من عندك يارب، أنا محتاج الصبر بس، ادخلي يا جميلة ادخلي يا روان اتفضلي.
فقالت له (سلوى) بصوت المنكسر نفسه:
-طب و انا مش هدخل يا رحيم.
أجاب بدل من (رحيم) (عبير) بنظرات غاضبة وصوت خرج مكتوم من الغيظ:
-لأ ازاي اتفضلي ياختي.
نظر لهم (أنس) نظرة غضب ثم أردف قائلًا:
-استني بس، تتفضل فين معلش؟،هو انتو مجانين بجد ولا إيه؟ روحي يا خالتي شوفي إنتِ رايحه فين، و إنتَ يا خالد يلا روح خد دُش و تعالى نكون شوفنا رأي العروسة.
فقال (خالد) وهو يبتسم ابتسامة بلهاء:
-بجد يعني خالص موافق..
فقال (رحيم) وهو يلوح بيديه بحدة و يولج إلى الشرفة:
-هي ناقصة عبط.
فقالت (وفاء) بعدما أمسكت بيد(أنس):
-أدخلي يا سلوى البيت بيتك،و أنتَ يا نادر معلش ممكن تنزل خالد لتحت.
أومأ لها (نادر) ثم أمسك (خالد) وهو يقول له:
-أنت معاك سواق في عربيتك تحت، أصل مش هينفع تسوق كده.
فقال (خالد) بإندهاش وكأنه لم يسمع حديثه من الأساس:
-إيه ده بنت عمي أهي، سلوى أهي.
فنظر (نادر) لـ(أنس) وقال له بسخرية:
-ده في المشمش خالص.
فتحدث (خالد) مره ثانيه موجهًا حديثه إلى (سلوى) باشمئزاز:
-تعرفي إنت احقر من ابوكي.
ثم بعد عن (نادر) الذي كان يمسكه و رحل بمفرده.
فقال (أنس) وهو يفتح الباب على آخره ويقول بسخرية امتزجت بغضب وحنق:
-اتفضلي يا خالتي يا سلام ده البيت نوّر.
فقالت (جميلة) بسخرية وهي تجلس تُشير إليها بكلامتها:
-بس خالد معاه حق في اللي قاله الصراحة.
تحدثت (عبير) قائله بنفاذ صبر:
-ادخلوا بلاش فضايح اكتر من كده، ممكن؟
دخلوا جميعًا و أغلقوا الباب.
فقالت (عبير) لـ(سلوى) باندفاع:
-جيتي ليه؟
ردت (سلوى) التي خانتها العبرات ونزلت على وجنتها:
-تعبت و اتبهدلت أوي أوي يا عبير.
-معلش.
كان هذا رد (عبير) بنبرة خالية من المشاعر.
فقالت لها (سلوى) وهي تمسح دموعها:
-جوزي مات من سنتين يا عبير، و بعد ما مات.
أخذت تنهيده ثم أكملت:
-بعد ما مات عملت مشروع كنت شريكة فيه مع ناس و للأسف المشروع خسر و خسرت معاه كل فلوسي، ومحدش عايز يكلمني ولا يقعدني عنده.
فقالت لها (وفاء) بهدوء إلى حد البرود:
-الله يرحمه،ويعوض عليكي،فين عيالك يا ختي.
ردت عليها وهي مازالت تبكي لكن بقوة أكبر:
-روحت عند أحمد أقعد معاه بس مراته مكنتش عايزاني اقعد و منها لله قست قلب ابني عليا.
قالت (عبير) باسمة الثغر:
-والله يا سلوى كما تُدين تُدان،وبعدين إيه اللي حصل مروحتيش ليه عند عادل أو أمل؟
أخذت تبكي بقوة أكبر بعد ما شعرت بالشماتة و الإهانة منهم.
فقالت لها (وفاء) وهي تمد لها يدها بمنديل ورقي،وتشير لـ(عبير) بسبابتها بأن تصمت:
-أهدي يا سلوى مينفعش كده،و بعدين إنت مروحتيش ليه لبنتك او ابنك.
فردت عليها بصوت مختنق من كثرة البكاء:
-أمل أنا كنت عايشة عندها ست شهور، بس جوزها زهق وقال لها مش هتفضل أمك عايشة معانا كده كتير،وبعدين بصراحة انا بهدلت جوزها معايا في مشاوير كتير.
فتحدثت تلك المرة (جميلة) التي تشعر بفرشات تحلق من حولها كأن آتها فارس أحلامها على حصانه الأبيض،فهذا هو شعورها بأن حقها وحقهم جميعًا يُرد:
-يعني عيالك كلهم تخلو عنك و طردوكي من بيتهم،وجوزك مات وأنت معندكيش مكان تقعدي فيه، فجيتي لينا أحنا وفاكرة أننا مثلًا هنساعدك.
فقال (أنس) معقبًا على كلامها:
-نساعدها؟؟
ثم أكمل حديثه بسخرية ردًا على كلامها في الماضي:
وفين أبنك الكبير ، ضناكِ و راجلك راح فين ؟
طردك هو كمان و لا أي؟
أخذت تبكي بقوة أكبر فهي حقًا فعلت الكثير والكثير في حقهم و تخلت عن أخواتها الصغار في أصعب الأوقات وها هي تُجزى بما فعلت بهم من قبل،نفس المشهد تكرر لكن تلك المرة هي الطرف الضعيف،هي الطرف الذي يحتاج للمساندة والدعم لكن من سيدعمها ويساندها؟؟
قالت(سلوى) من بين دموعها و شهقاتها:
عادل سافر من تلت سنين، راح الكويت يشتغل و أتجوز هناك.
ثم أكملت وهي تحاول أن توقف دموعها:
-أنا عارفة أن أنا عملت حاجات كتير وحشة أوي في حقهم، وعارفة إني جيت عليكم ، بس انا دلوقتى مليش غيركم ومفيش مكان أعيش فيه.
-والله!! أنتِ بتتكلمي بجد ولا بتهزري.؟
أنا مش عارفة أحدد الصراحة، طب ما احنا جينا ليكي و قلنا نفس الكلام و كانت حالتنا أصعب كمان وأحنا معانا عيال صغيرة، و إنت تقولي أنا مالي كل واحد يركز في حياته،و سرقتي مننا حقنا من ورث أبونا في وقت كنا محتاجين فيه الفلوس، و دلوقتي ضيعتي كل حاجة من إيدك، و عايزانا نساعدك إيه البجاحة دي، إنت السبب في كل حاجة حصلت في حياتنا كلنا.
هذا قول (عبير) بإندفاع و قسوة، ولا أحد يستطيع أن يلومها عن قسوتها مع أختها، فهي كانت قاسية عليها طوال حياتها،وعندما أحتاجتها تخلت عنها،ابتعدت عنها وهي بأشد الحاجة لها، فأقسمت إن عادت لها وطلبت العون منها لن ترحب بها.
صمتت لبرهة ثم أكملت:
-والورث كله ضاع يا طماعة هانم؟
فقالت لها (سلوى) بأنكسار:
-جوزي صرف منه كتير أوي و خد مني فلوس كتير قبل ما يموت.
-خد منك الفلوس إللي هي حقي وورثي و ورث وفاء كمان وفلوس جوزي إللي أبوكي طمع فيها.
فردت عليها (سلوى) بتحشرج:
-يا عبير ده مش وقته بعدين إنت كنت عايزة تاخدي الفلوس والورث عشان تسلميها لأدهم بتاع الأدوية الفاسدة.
ثارت ثورة غضبها و فقدت أعصابها ،فانفجر الألم المكتوم بداخلها وانهمر الحزن الذي كانت تكتمه:
-أدهم طول حياته شريف معملش حاجة، إنتو إللي ورطوه معاكم، أدهم كان أشرف واحد فيكم، طول عمره بيحب شغله، وأنا كنت واثقة من الأول إن مظهر سبب كل حاجة و ده طلع صح وهو السبب، زي ما كل الأدلة قالت أن أدهم بريء من قضية قتل أبوكي، و زي ما كل الأدلة قالت أن ابوكي مات لوحده.
اقتربت منها (جميلة) وضمتها وهي تترجاها ببكاء أن تتوقف، وخرج (رحيم) من الشرفة على صراخ أمه و جلس بجانبها منكث رأسه، وهو يتذكر والده.
فقالت (سلوي) ببرود ولم تعقب على أي شيء مما قالته، موجهة حديثها لـ(وفاء):
-يعني أنام في الشارع يا وفاء، ده بيتك وإنت تحكمي.
فردت (عبير) عليها بصراخ يعبرعن الحزن والقهر التي تحمله في قلبها:
-آه في الشارع زي ما رمتيها هي وأبنها في الشارع لما جوزها مات، و زي ما عملتي معايا والله إللي عملتيه هيطلع عليكي وربنا كبير..
وضع (رحيم) يديه على كتف أمه و قال بهدوء:
-أنا عايزك تهدي نفسك يا أمي،بصي يا خالتي للأسف إنتِ بتطلبي حاجة مستحيل تحصل وهي أننا نسامحك أو حتى نقعدك معانا، فشوفي مكان تقعدي فيه غير هنا بس عشان الساعة داخلة على واحدة هتقعدي معانا الليلة دي.
فقالت له (جميلة) هي لا تصدق ما يقوله أخوها والخوف من فكرة مكوثها في البيت معهم مرعبة بالنسبة لها:
-لأ طبعا مش هتقعد هنا و لا ساعة حتى.
بتر (رحيم) حديثها غير مبالٍ برأيها وقال بإيجاز دون أن ينظر لها:
-أنا مخدتش رأيك يا جميلة و يلا يا حبيبتي ادخلي نامي عشان الجامعة الصبح.
تجاهل نظرات (أنس) الغاضبة ثم أكمل:
-أنا أسف يا جماعة حقيقي أنا أسف على المهزلة إللي حصلت قدامكم دي.
فردت (إخلاص):
-لا يا حبيبي ولا يهمك نستأذن إحنا بقى.
فقالت (جميلة) موجهة حديثها لـ(روان):
-استني يا روان أنا هاجي معاكي مش هقعد أنا هنا.
فقال (رحيم) متجاهلاً حديثها:
-طب أستني يا أم روان أنزلي مع نادر عشان متمشيش لوحدك.
فقالت له (روان) برجاء:
-رحيم معلش من غير مشاكل و بهدوء كده، خلي جميلة تيجي تقعد معايا انهاردة و الصبح أن شاء الله هننزل الكلية.
فرد عليها (رحيم) بهدوء:
-معلش يا روان حقك عليا بس مش هينفع، ممكن بلاش كلام كتير.
فاتكلم هذه المرة (أنس) وهو ينهض:
-خلاص يا روان يلا روحي إنتِ، معلش يا نادر تنزل معاهم.
ثم أردف غير مبالٍ برأي الآخر وقراره:
-وإنت يا سلوى روحي شوفي مكان تقعدي فيه.
فقال له (رحيم) بإندفاع بعد ما نفذ صبره:
-هتنزل تروح فين دلوقتي..
فقال (أنس) لـ(نادر) متجاهلًا (رحيم) ثانيةً:
-يلا يا روان أمشي مع نادر.
فقال (رحيم) متراجيًا له:
-أنس معلش خليها النهاردة، إنت قلت أن ده بيتي واعمل اللى عايزه.
فرد عليه بجمود:
-بس رغي بقى ممكن.
أحس بأنه يريد أن يكسر كل شيء تقع عينيه عليه، وان يفتك برأس (أنس) المتحجرة وقال مرة أخرى محاولًا معه:
-تقدر تقولي هتروح فين دلوقتي؟
لم يجب عليه فأضاف وهو مازال متمسك بآخر ذرة من الهدوء:
-خلاص يا نادر أنزل وصلهم وأنا هاجي معاك عشان محدش محترم رأيي.
تحرك (أنس) يقف أمام (رحيم) ثم أهدر فيه بإنفعال:
-يعني إيه محدش محترم رأيك، يعني تسيب الإنسانة إللي لما أحتجناها رمتنا في الشارع قاعدة معاك في البيت.
-خلاص براحتك يا أنس، أعمل إللي عايزة من غير ما تسمع حد ولا تحترم حد و كلامك إنت إللي يمشي، و أنا مليش دور غير إني أقول حاضر و بس، وبقولك أهو يا أخويا يا كبير حاضر، بس إنت كده لما تسيب خالتك في الشارع في نص الليل هتكون مفرقتش كتير عن ومظهر وعنها.
قالها (رحيم) دفعة واحدة بانفعال في وجهه ثم رحل من أمامه وخرج من الشقة.
فقال (أنس) بصراخ موجههًا حديثه إلى (عبير):
-بصي بقى ابنك بيعمل كل حاجة غلط، وأنت ساكتة،هو ينفع سلوى تقعد معانا بعد إللي عملته؟،أنا عايزك إنتِ كمان تقولي ينفع، عشان أقسم بالله ما هعرفكم تاني.
فقالت (عبير) بتعب:
-لأ يا أنس مينفعش، بس خلاص خليها قاعده الليلة دي، عشان رحيم وعشان الوقت اتأخر وخلينا زي ما رحيم قال ننهي اليوم ده بقى.
فرد عليها (أنس) باندهاش مزيف:
-بجد؟؟ طب ما احنا كمان كنا الساعة اربعة الفجر والوقت متأخر.
-ما خلاص بقى يا أنس أنا تعبت بقى و زهقت، مش قادرة اتكلم تاني.
قالتها (عبير) بصراخ ممزوج ببكاء، فهي تحملت اليوم الكثير
ففي البداية (أدهم) عندما جاء يتهم (رحيم) بالتهجم على (مظهر) وصُدمت عندما أعترف أبنها أنها حقيقة وأنه فعل ذلك،ثم يأتي (أنس) ويتشاجر مع (رحيم) ،وبعد ما هدأت الأوضاع قليلًا يأتي ذلك الشخص الحقير الثمِل (خالد) ، وبعد ذلك المفاجأة التي كانت بمثابة صدمة غير متوقعة (سلوى).
هي حقًا متعبة، لا تستطيع تحمل كل هذه الأمور.
هي تريد أن تصرخ تريد أن تعبر عن ما بداخلها ،لكنها هي الأم فكيف ستعبر؟
ماذا ستقول و لمن؟ بالطبع ستصمت حتى لا تحمل أبناءها الهم و حتى لا يحزنوا عليها .
ظلت تبكي (عبير) بصمت ولا تريد أن تسمع كلمة من أحد فولجت الغرفة وصفقت الباب خلفها بقوة.
-أنا حاسه إني عملت مشاكل لما جيت..
كان هذا قول (سلوى).
فقال لها (أنس) ساخرًا بغضب:
-حاسه؟ لأ والله متقوليش كده مش شايفة الكل مبسوط من وجودك ازاي، ده من الفرحة أختك دخلت تعيط ، أنتِ منورة الحقيقة.
صمت لبرهة ثم أخذ جواله من على الطاولة ، ثم قال بجمود:
-إنت هتفضلي هنا الليلة دي عشان رحيم، بس قسمًا بالله ما تقعدي ليلة تانية لو عشان مين.
ثم ولج هو الأخر غرفته و أغلق الباب.
رمقتها (وفاء) بحدة ثم دخلت إلى غرفتها التي ولجت فيها أختها.
وقفت (جميلة) أمامها بابتسامة ساخرة ومستفزة وهي تواجهها بتحدٍ واضح في عينيها، ويديها موضوعتان على خاصريتها:
-لو كنت أعرف أنك إنت إللي طالعة قدامي على السلم،مكنتش خليتك تطلعي وكنت همشيكي برضاكي أو غصب عنك، و للأسف مخدتش بالي منك لما طلعت عشان اتصدمت لما شفت خالد.
تنهدت ثم أكملت بفحيح وهي تقترب من أذنها:
هسيبك قاعدة هنا الليلة دي عشان خاطر رحيم،وعشان إحنا عارفين الأصول، بس متخديش على كده عشان أنا إللي في قلبي ليكي كبير، كبير اوي ولو طلع هيحرقك ، خلينا كويسين الليلة دي ومن مكانك هنا متتحركيش، و أوعي تفكري تعمل حاجة عشان أنا مش هسكتلك.
نظرت لها لبرهة بملامح جامدة ثم دلفت غرفتها ،و انفجرت تبكي فهي تحملت أكثر من سنها وأكثر من طاقتها وتعرف أسرار لا أحد يعلم بها، حتى (رحيم) الذي يظن أن يعرف جميع الأمور، لكنه لا يعلم أنه يعرف فقط نصف الأمور، أي نصف الحقيقة، كل ما يرهبها هو فعل أي شيء لهم، و لهذا السبب قررت أنها ستظل مستيقظة طوال الليلة..
وفي الغرفة المجاورة لها كانت تبكي أمها على صدر أختها.
كأنها استغلت هذا اليوم حتى تفجر ما بداخلها من ألم وحزن وكتمان.
فهي دائمة الصمت كي لا تقلق عائلتها بشأنها، وأيضًا لا تريد أن تُحاصرها ذكريات الماضي، لماذا الماضي يأتي رغمًا عنها ويجبرها على تذكر الأشياء التي تريد محوها من حياتها، فعندما نريد نسيان الماضي يأتي إلينا ضاحكًا ويقول بسخرية :"هل أنا أنتهي؟ "
أخذت (عبير) تتذكر الماضي الأليم، وكأن شريط حياتها يعرض كالأفلام أمام عينيها.
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇


تعليقات
إرسال تعليق