القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الم بدون صوت البارت الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج



رواية الم بدون صوت البارت الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية الم بدون صوت البارت الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


ضربني لحد ما حسّيت إن جسمي هيتهد بين إيده.

مسك الشنطة اللي كانت جنبي، فتحها بسرعة، وخد الفلوس.

نزل من البيت من غير حتى ما يبص وراه، ولا يشوف الضرب دا عمل فيا اي.


قمت من على الأرض بالعافية، جسمي كله بيوجعني، وعيوني كانت بتحكي اللي لساني مش قادر يقوله.

مشيت لحد أوضتي، ورميت نفسي على السرير.

وبدأت أبكي… ببكي على عمري، على وجعي، على ضربي، على كل لحظة وحشة عشتها من بعد ما ماما ماتت.


عارفين… كان في إيدي أمشي، أسيبه وأرتاح، بس هو مش وحش… والله مش وحش.

هو بس من بعد موت ماما، اتشقلب حاله.

بس أنا عارفة إنه من جواه كويس، عشان كده كل مرة أفكر أمشي وأبعد عنه، أفتكر السؤال اللي بيكسرني:

مين هيهتم بيه؟ مين هيصرف عليه؟

ومش بلاقي إجابة.

فأصبر نفسي… وأفضل معاه.


محستش بنفسي وأنا بنام من كتر الوجع، مش بس عشان جسمي تعبان… لكن عشان روحي كمان .


صحيت تاني يوم، وقلبي بيخبط من الخوف.

خرجت أشوفه رجع ولا لسه برا.

لقيته نايم على الكنبة، وإيده ماسكة صورة ماما.

ابتسمت بوجع، دمعة خفيفة نزلت مني، أخدت الصورة من إيده بهدوء، وحطّيتها على الترابيزة.


قربت منه، قلعت جزمه وعدّلته على الكنبة، وغطيته كويس.

فضلت أبص عليه لحظة… بيني وبين نفسي قلت: “هو مش وحش… بس وجعه كبر عليه.”


بعد شوية، كنت جهزت نفسي علشان أروح الجامعة.

حاولت أحط ميكاب يخفي آثار الضرب، بس كل ما أحط نقطة، أحس كأنها بتفضحني أكتر، مش بتخبي.

بصّيت لنفسي في المراية قبل ما أنزل… صورتي باهتة،

عيني مورّمة، ووشي شاحب…

اللي يشوفني دلوقتي ممكن يديني عمر أكبر بكتير من عمري الحقيقي.

الوجع والزعل… ممكن يكبّروك مية سنة لقدّام.


أخدت شنطتي ونزلت، بحاول أمشي بعيد عن الناس عشان محدش يلاحظ اللي في وشي،

ولا حد يبصلي بخوف من شكلي.


وأنا بعدي الشارع، شوفت أب ماسك إيد بنته، شكله كان بيوصلها المدرسة.

ابتسمت تلقائيًا، وللحظة اتمنّيت أكون مكانها…

بابا ماسك إيدي، بنضحك سوا.

لكن الحقيقة خبطتني بسرعة،

فاتنهدت وقلت بهمس:

— الحمد لله على كل حال.


قبل ما أكمّل تفكيري، حسّيت بحد بينط عليا من ضهري!

كانت سارة، صاحبتي القريبة…

رغم إني عرفتها من فترة قصيرة، بس هي ونعم الصُحبة —

أخلاق، وجدعنة، وكأنها عارفة كل حاجة عني.


قالت بابتسامة واسعة:

— صباح الخير!


ردّيت وأنا بابتسم ليها:

— صباح النور.


لكن وشها اتغيّر فجأة،

وقلت في نفسي: يارب ما تكون خدت بالها من الكدمات.


سارة بصوت فيه صدمة:

— هو ضربك تاني؟


اتوترت، حاولت أخفي رعشة صوتي وأنا بقول:

— إيه؟ لأ، ليه بتقولي كده؟


قالت بحزم:

— متضحكيش عليا يا نور… باين أوي إنك مضروبة.


نزلت نظري وأنا بقول بهدوء:

— هو… كان متضايق مني شوية.


قالت بغضب مكتوم:

— نفسي أعرف إيه اللي مخليكي صابرة عليه كده؟ ليه؟


ردّيت بصوت مبحوح:

— ما قلتلك قبل كده يا سارة… مقدرش أسيبه.


هزّت راسها وقالت بوجع:

— دا مش مبرر يا نور. هو آه كان زمان كويس، بس حاله اللي اتبدّل دا محدش يقدر يستحمله.

ابوكي أو لأ، اللي بيأذيكي لازم تبعدي عنه.


سكت، مش عارفة أرد… كلامها كله صح،

بس قلبي لسه بيقول إن بابا هيرجع زي زمان،

إن في يوم هيفوق، وهيرجع الراجل اللي كنت بحبه.


ولما شافتني سرحانة قالت بابتسامة خفيفة:

— فطرتي؟


هزّيت راسي بمعنى "لأ".


قالت وهي بتضحك:

— إشطا، أنا عزماكي نفطر سوا.


ابتسمت… عارفة إنها كل يوم بتفطر مع مامتها،

بس برضه بتسألني،

عشان عارفة إن أوقات كتير ما بيبقاش معايا تمن الفطار.


روحنا وفطرنا ودخلنا المحاضرة.

اليوم كان طويل ومتعب،

بس بوجودها… وجعي كان أخف شوية.


خلصنا محاضرات ودعتها عشان اروح شغلي بشتغل بداوم جزئي كاشير ف سوبر ماركت وبعديها ف مطعم وهو فلوس من هنا وهنا بقدر اصرف شويه عليا وعلى بابا بس يجي هو وياخد كل الفلوس اللي حيلتي 


خلصت اليوم الطويل ورجعت البيت، مهدودة زي العادة.

دخلت الشقة، وبصيت حواليّ… مكانش موجود.

بس دا الطبيعي، ساعات بيرجع، وساعات بيفضل برا لحد الصبح.

ما اهتمّتش، ولا حتى حاولت أسأل نفسي هو فين.

اتجهت على الأوضة، ورميت نفسي على السرير من كتر التعب،

وغمضت عيني على أمل إني أصحى في يوم… من غير خوف.


#الم_بدون_صوت


البارت التاني 


سارة


كنت قاعدة في البيت، أنا وماما، والتلفزيون شغال على صوت واطي.

بصيت لها وأنا وشي كله حزن وقلت:

ـ أنا نور صعبانة عليّا أوي يا ماما.


ماما تنهدت وقالت بهدوء:

ـ والله ربنا يكون في عونها… دي بنت بمية راجل.


كنت بطلع حاجتي من الشنطة،

ولقيت فيها فلوس.

اتنهدت وأنا بقول:

ـ كالعادة… حطّتلي تمن الفطار.


ماما ابتسمت وقالت:

ـ عزيزة النفس، مبتحبش حد يكون له جميل عليها.


قلت وأنا حاسة بغصة في صوتي:

ـ بس أنا صاحبتها يا ماما، مش حد غريب.


ردّت ماما وهي بتبصلي بنظرة حكيمة:

ـ ولو، يا بنتي.

زي ما بيقولوا، اللي ليه قرش ما ينامش،

ما بالك بقى باللي عليه؟


بصّيت لها وأنا مش مقتنعة قوي…

جوايا صوت بيقوللي إني لازم أعمل حاجة.

لازم أساعد نور،

مش عشان جميلة ولا واجب،

بس عشان هي… صحبتي،

وصحبتي بتتوجع 


قعدت أذاكر، بس ولا حرف كان داخل دماغي.

عقلي كله عندها… عند نور.

كفاية سكوت لحد كده!


مديت إيدي للموبايل، وقلبي بيدق بسرعة.

كتبت رقم حماية الأسرة.

صباعي كان بيرتعش فوق زرار الاتصال، مترددة…

بس أول ما صورتها وهي مضروبة جت في بالي، ووشها اللي كله كدمات،

كل التردد اختفى.

دوست.


رنّ الخط.

جالي صوت ضابط صوته غليظ لكنه ثابت:

— معاكي قسم حماية الأسرة، اتفضلي.


بلعت ريقي وقلت بصوت مبحوح:

— في بنت اسمها نور… باباها بيضربها كل يوم، وبيخليها تشتغل وتصرف عليه.


سمعني باهتمام وقال بهدوء:

— تمام، ممكن أعرف اسمك بالكامل وعنوانك وعنوانها؟


قلت له كل التفاصيل، وأنا بحاول أثبت صوتي رغم الرجفة اللي في قلبي.


قال بثقة:

— تمام… خلال أربعٍ وعشرين ساعة هنكون عندها.


___________

نور


كنت قاعدة ف البيت، عندي محاضرات بعدين، فقلت أنضّف الدنيا شوية.

وإيدي في الشغل، سمعت الباب بيخبط.

استغربت… بابا عمره ما بيرجع في الوقت ده، بيبقى برّه طول النهار.


قربت من الباب بحذر، وسألت:

— مين؟


جالي صوت راجل من ورا الباب:

— أنا يوسف… من شرطة حماية الأسرة كان جالي بلاغ ان في واحده هنا اسمها نور بتتعرض للضرب من باباها.


قلبي وقع!

عرفوا منين؟

عايزين إيه؟

دماغي اشتغلت بسرعة… أكيد حد من الجيران سمع صريخي أو صوت بابا وهو بيزعق فاشتكى.


قلت وانا لسه قافلة الباب، صوتي بيرتعش:

— أيوه حضرتك عايز إيه؟


قال بهدوء:

— محتاجين ندردش مع حضرتك شوية يا آنسة نور.


لما نطق اسمي، رجلي جمدت في الأرض.

هو… يعرف أنا مين!؟


ردّيت بسرعة وأنا مرتبكة:

— لأ والله يا فندم، أنا لوحدي في البيت دلوقتي.


سألني:

— والدك مش موجود؟


الكلمة دي وجعتني، بس رديت بخفوت:

— آه… مش هنا.


سمعته يقول بنبرة متفهمة:

— تمام، هنبقى نيجي في وقت تاني… يكون موجود فيه.


فضلت واقفة ورا الباب أسمع صوت خطواتهم وهما بيبعدوا.

أول ما اتأكدت إنهم مشيوا، اتنهدت بقوة… بس فجأة اتجمدت.

هو قال "هنبقى نيجي تاني وهو موجود"!


الكلمة دي فضلت تدوي في دماغي.

لو جم وهو هنا؟

هعمل إيه؟

رد فعله هيكون إزاي؟

هو ممكن يضربني قدامهم عادي جدًا…

ويمكن لو كان شارب، الموضوع يخرج عن السيطرة خالص.


قعدت ع أول كرسي جنبي، حطيت وشي ف إيديا ودماغي بتلف بيا…

مش عارفة أعمل إيه، ولا أتصرف إزاي.


____________


يوسف


نزلت السلالم ومزاجي مش أحسن حاجة — حاسس إننا طلعنا على الفاضي. وإحنا بننزل شفت راجل طالع فوق، لفت نظري على طول: عيونه تحتها سودا، ماشي مش مظبوط، شكيت فيه.


قلت لزمايلي بصوت واطي:

— روحوا أنتوا على العربية،وأنا هحصلكوا.


فضلت أتبعه من ورا، الراجل شكله في آخر الأربعينات، جسمه نحيف، ومشيته ملفتة. لحد ما وقف قدام باب الشقة اللي إحنا مسبقًا تردّدنا عليه.

شوفته معاه مفتاح — فتأكدت إنه هو الشخص اللي بندوّر عليه.


وقفت للحظة وبصيت له وهو بيفتح الباب. بعد شوية سمعت أصوات حاجات بتقع، وصراخ وبكاء واضح من جوا. كان هاين عليا اكسر الباب ع دماغه… بس افتكرت وأنا بتكلم مع البنت وهي صوتها بيترعش كأنها خايفه منه او خايفه عليه مش عارف 


رجعت خطوتين لورا وأنا سامع صوتها بتعيط جوا، وكل ثانية كانت بتعدّي عليا كأنها نار.

بس كنت عارف إن دخولي دلوقتي ممكن يبوّظ كل حاجة.

لو فعلاً خايفة عليه مش هتنطق، ولو اتكلمت قدامه ممكن يدمرها بعد ما نخرج.


اتنهدت ومسحت على وشي بعصبية وأنا بفكر.

— لا… لازم أرجع تاني، بس المره الجايه مش رسمي.


قررت وقتها إن المره الجايه هاروح لوحدي،  من غير ما أحطها تحت ضغط “الشرطة عند الباب”.

هاجي بطريقة تخليها تفتح، وتتكلم، وأقدر أعرف الحقيقة من عيونها قبل كلامها.


لو طلع فعلاً بيضربها… يبقى الموضوع مش بلاغ عادي، دا جناية عنف أسري، ودا معناه سجن مباشر.

بس أهم من كده… إن البنت دي تستحق فرصة تنجو.


____________


نور


كنت قاعدة على أعصابي من الصبح، الخوف مش سايبني لحظة.

كل ما أفتكر صوت الراجل اللي كان على الباب، قلبي يدق أسرع…

طب لو عرفوا الحقيقه؟ طب لو خدوه وسجنوه؟

أنا مش قادرة أتخيل نفسي من غيره، مهما عمل فيّا… هو في الآخر بابا.


كنت محتاجة أتكلم، أفضفض، أخرج اللي جوايا لأي حد،

فقررت أستنى ميعاد المحاضرة وأنزل بدري شوية أقابل سارة.


نزلت واستنيتها تحت بيتها كالعاده…

دقايق عدّت، بعدين ربع ساعه، بعدين نص.

سارة مَنزلتش.


اتصلت بيها مرة ورا التانية، بس مفيش رد.

في المكالمة الأخيرة ردت مامتها بصوتها الهادئ:

— أيوه يا نور، معلش يا حبيبتي… سارة تعبانه شويه.


قلبي وقع:

— ألف سلامة، مالها؟


سكتت طنط لحظة قبل ما تقول:

— شكلها داخل عليها دور برد كده، فمش هتقدر تروح النهارده.


قلت لها وأنا بحاول أخفي قلقي:

— تمام يا طنط، سلميلي عليها، وأنا هكلمها أطمن عليها بعدين.


ردت بلطفها المعهود:

— تمام يا حبيبتي.


قفلت المكالمة وأنا ببص للموبايل في إيدي،

حسيت إن الدنيا ضاقت عليا أكتر، حتى سارة اللي كانت دايمًا جنبي مش هنا النهارده…

رجعت أتنفس بصعوبة، وأنا بقول لنفسي:

“شكلي هواجه كل ده لوحدي.”


#الم_بدون_صوت 


البارت التالت


سارة


ماما قالتلي بصوت متحشرج:

— أنا نفسي أعرف إزاي تعملي كده من غير ما تقوليلي… ولا حتى تاخدي رأيي؟


حاولت أهرب من نظرتها وقلت بسرعة:

— أهو اللي حصل يا ماما وخلاص.


قالتلي وهي بتتنفس بغضب مكبوت:

— وعلى كده هتفضلي تستخبي منها لحد إمتى يا فالحه؟


رديت وأنا ع وشك أبكي:

— مش عارفة… بجد مش عارفة.


قالت وهي خلاص فاقدة صبرها:

— نور لو عرفت وقطعت علاقتها بيكي… مش هيبقى عليها غلط.


انفجرت فيها وأنا متعصبة:

— دا ليه بقى؟! دا أنا بحميها! دا جزاتي؟


بصتلي بحدة وقالت:

— إنتي مش بتحميها يا سارة، بالعكس إنتي بتأذيها.

افرضي أبوها اتحبس بعد البلاغ دا؟

تقدري تقوليلي هتعيش إزاي من غير راجل في البيت؟


ضحكت بسخرية وأنا مش قادرة أقتنع:

— ع أساس إنه كان راجل معاها أوي!


رفعت صوتها وقالت بحُرقة:

— كفاية إن الناس تكون عارفة إن ليها أب،

عشان كلاب السكك متنهشهاش لما تلاقيها لوحدها!

ولو اتحبس؟

مين هيرضى يتقدملها وأبوها مسجون؟

ولو خرج؟

مين هيتجوز بنت أبوها رد سجون؟


كلامها كان زي السكين في قلبي…

مكنتش شايفة اللي هي شايفاه، كنت بفكر بقلبي بس،

وقلبي كان بيقولي “أنقذيها”، يمكن تكوني طوق النجاة الوحيد ليها.

محسبتش حاجة، ولا خفت من العواقب، كل اللي كان في بالي إنها ترتاح…

إنها تعيش يوم واحد من غير خوف.


بصيت لماما ودموعي خلاص نازلة، وقلت بصوت مكسور:

— طب أعمل إيه دلوقتي؟


قالت بهدوء الأم اللي خلاص قررت تسيبك تواجه مصيرك:

— تعترفي باللي عملتيه ليها يا سارة.


اتبلعت ريقي وقلت بغُصّة:

— طب افرض قاطعتني؟


قالت وهي تبصلي بثبات:

— ساعتها هيكون عندها حق…

المهم إنك تعترفي بغلطك وتواجهي، وتتحمّلي النتيجة.


اقتنعت بكلامها وقررت اني احكيلها كل حاجه أول م اقابلها 

__________


نور


خلصت محاضراتي وروحت الشغل كالعاده، ووسط الزحمة والطلبات اللي مش بتخلص، قررت أتصل بسارة أطمن عليها.

رنّيت عليها، وجالي صوتها حزين ومتردد:

— أيوه يا نور.


ردّيت بسرعة وأنا قلبي مقبوض:

— إيه، لسه تعبانه؟


صوتها اتلخبط وقالت بخفوت:

— الحمد لله.


ابتسمت رغم التعب وقلت لها:

— إن شاء الله تقومي بالسلامة، أنا سجلت كل المحاضرات وهبعتهالك.

وقلت بخفة دم أحاول أطلعها من مودها:

— يلا ياستي، أي خدمة تانية؟


ضحكت ضحكة صغيرة، والضحكة دي ريّحتني شوية.


بس بعدها صوتها اتغير وقالت بهدوء:

— محتاجة أتكلم معاكي في حاجة يا نور.


كنت هسألها مالك، بس لمحت المدير جاي من بعيد، فقلت بسرعة وأنا بقفل الموبايل:

— طب اقفلي دلوقتي، المدير جاي.


قفلت الخط وهو وصل.

حاولت أعمل نفسي مش واخدة بالي ونضف الترابيزات، بس صوته جه حاد كالعادة:

— هو إيه الاستهتار ده؟ ألاقيكي بتتكلمي في التليفون وأنا داخل؟


ردّيت وأنا بحاول أكون هادية:

— حضرتك إحنا في البريك.


قال بعصبية:

— البريك خلص يا أستاذة!


قلتله وأنا متماسكة:

— يا فندم لسه بدأ من دقيقتين بس.


رد بانفعال أكبر:

— وأنا هستنى لما يبقى نص ساعة يعني؟


نفخت وأنا متضايقة، بس واضح إن النهاردة هو اللي مش طبيعي.

وشه محمّر وصوته بيعلى أكتر. فجأة صرخ وقال:

— إنتي مطرودة! وجودك هنا ملوش لازمة!


اتصدمت، ولسه كنت هتكلم، لقيته راح مكتبه ورجع بسرعة، ورماني بورق الفلوس على الأرض:

— خدي دول باقي حسابك… يلا غوري من هنا!


كل الناس اللي في المطعم وقفوا يتفرجوا، هو كان مبسوط كأنه كسرني أو أخد حقه.

بس أنا متهزّتش.


بصيت له بثبات، وقلتله بصوت فيه كل الكرامة اللي فايا:

— أنا مش محتاجة شوية الملاليم دي.


قلعت الزيّ ورميته على الأرض، وبصيت له في عينه وأنا بقول:

— إنت مدير فاشل… وما تطاقش.


لفّيت وخرجت وأنا سامعة الصمت اللي ورايا، الصمت اللي بييجي لما حد يتصدم إن اللي كان بيحاول يكسرك… فشل.


رجعت البيت وكنت حاسة كل خطوة تقيلة كأني شايلة الدنيا على كتافي.

كسبت كرامتي… بس خسرت شغلي.

قعدت على السرير وقلبي بيغلي بالحيرة: "هصرف منين؟ هعمل إيه بعد كده؟"

كل ده وأنا بحاول أتماسك، بس جوايا صوت بيهمس: "هل كنت استحملت اهانته وخلاص؟"

هزّيت راسي بعصبية ومسحت دمعة نزلت غصب عني.


وفجأة الباب اتفتح.

بابا دخل، عيونه تقيلة ومليانة غضب، قلبت وشي الناحية التانية.

كنت عايزة أصرخ "مش وقتك دلوقتي!"، بس سكت... لأني عارفة إن أي كلمة ممكن تولّع الدنيا.


بصلّي وقال بجفاف:

— هاتي فلوس.


قلتله وأنا صوتي بيرتعش:

— والله يا بابا مش معايا، أنا… أنا اتطردت النهارده.


ما لحقتش أكمل، صوته اتغير فجأة، بقى أعلى من كل حاجة:

— عليّا الكلام دا يا روح *مك؟


قبل ما حتى أتنفس، كان إيده سبقت صوته.

ضرب… وضرب… وكأنه بينتقم مني على حاجة أنا ماليش ذنب فيها.

كنت بحاول أغطي وشي بإيدي، بس الضرب كان بييجي من كل ناحية.

لما خلص، بدأ يقلب الأوضة يدور على فلوس، ولما ملقاش خرج وساب الباب مفتوح وراه.


وقعت على الأرض، وإيدي على شفايفي اللي بتنزل دم، ووشي مولّع.

وبكيت… بكيت بجد.

مش بس من الوجع، لكن من احساسي بالعجز وان حتى الصرخه مش قادره اطلعها!.


قمت بالعافية، كل عضلة في جسمي بتوجعني.

غسلت وشي، المايه كانت بتلسع الجروح، بس كملت.

بصيت في المراية…

عيني حمرا، وتعبانة، وشكلي كله بيقول “أنا خلاص تعبت.”

مسحت وشي بالفوطة، وكنت ناوية أرجع السرير لما صوت خبط الباب قطع الصمت.


وقفت لحظة، قلبي بدأ يدق بسرعة.

روحت عند الباب وقلت بصوت واطي:

— مين؟

جالي صوت راجل مألوف:

— أنا يوسف… اللي جيت لحضرتك امبارح.


قلبي اتقبض فورًا، رجّعت خطوة لورا:

— عايزين إيه تاني؟

قال بهدوء مريب:

— أنا جاي لوحدي المره دي، نحل الموضوع ودي… ومتخافيش من أي حاجه.


كلماته المفروض تطمن، بس العكس حصل.

رديت وأنا بحاول أثبت صوتي:

— مفيش حاجه نحلها يا فندم… وبابا مش موجود ف البيت.

قال بثقة غريبة:

— بس والدك معايا أهو، أقدر أدخل دلوقتي؟


قلبي وقف لحظة.

بابا معاه؟!

جريت بسرعة، خطفت الطرحة ورميتها على راسي، ومديت إيدي على الكالون.


فتحت الباب بهدوء…

لكن الصدمة خلت نفسي يتقطع.

ماكانش بابا واقف.

كان هو… لوحده.


ابتسم ابتسامة باهتة، وقال بنبرة فيها خبث:

— آسف إني كدبت… بس كان لازم أعمل كده علشان تفتحي.


حسيت الدم بيهرب من وشي.

مديت إيدي عشان أقفل الباب، بس لقيته سبقني وحط رجله عند العتبة.

الباب اتثبت… وأنا اتجمدت مكاني.


قولتله بصوت متوتر وأنا بخطوة لورا:

— لو سمحت… مينفعش اللي بتعمله ده.


رد عليّا بهدوء غريب وثقة:

— ده شغلي يا آنسة،

هتكلم معاكي دقيقتين وهمشي،

وممكن تفضلي سايبة باب الشقة مفتوح لو خايفة.


كنت ناوية أرفض، بس قبل ما أنطق كان هو دخل!

كأن وجودي في المكان مش محسوب أصلًا.


دخلت وراه وقلبي بيغلي:

— حضرتك إيه اللي انت بتعمـ…


بس سكت لما قاطعني فجأة بصوت حاد وهادي في نفس الوقت:

— بيضربك من إمتى؟


الهواء اتحبس ف صدري.

وقفت مكانى، قلبي دق بسرعة غريبة.

بلعت ريقي وأنا بحاول أثبت نفسي:

— هو مين ده اللي بيضربني حضرتك؟


ابتسم ابتسامة فيها سخرية واطمئنان:

— باباكي.

وبهدوء كأنه بيقول حاجة عادية:

— مفيش داعي للخوف، أنا جالي بلاغ إنك بتتعرضي للعنف الأسري، وجيت أساعدك.


كل كلمة قالها كانت بتخبط ف وداني زي الطلق.

رديت بعصبية وأنا حاسة بدمي بيغلي:

— ومين بقى اللي بلّغ الكذِب ده؟


سرح كأنه بيتذكر الاسم، وقال:

— سـ… سارة. واحدة اسمها سارة.


هنا الزمن وقف.

الكلمة خرجت من بُقه وأنا اتصلبت مكاني.

صوت دق قلبي كان أعلى من أي صوت في الدنيا.

سارة؟

سارة صحبتي؟ اللي عارفة كل حاجة عني؟

اللي كانت بتسندني لما الدنيا بتوقعني؟

هي اللي عملت كده؟


وشي اتسحب منه الدم، عيوني دمعت من غير ما أحس.

هو لسه بيتكلم، بس أنا مبقتش سامعة حاجة.

كلامه بقى بعيد… بعيد أوي.

كل اللي سامعاه صوتها وهي بتضحك، وهي بتقولي “أنا جنبك يا نور”.

وانا دلوقتي… مش قادرة أصدق إنها عملت كدا!


#الم_بدون_صوت 


البارت الرابع 


قولتله بصوتي اللي كان بيتهز من جوه:

— قالتلك إيه؟


بصلي يوسف بنظرة فيها جدّية وقال بهدوء محسوب:

— مش مهم اللي قالت، المهم دلوقتي إننا نقدر نساعدك.

ساعديني انتي كمان واحكيلي بالتفصيل… هو بيعمل معاكي إيه بالظبط؟

كل ما أعرف أكتر، أقدر أساعدك أكتر.


نزلت دمعة من غير ما أحس، رديت وأنا صوتي مكسور:

— بس أنا مطلبتش مساعدة من حد.


رد عليّا بثقة هادية بس حاسمة:

— مش لازم تطلبي، ده شغلي.

وبعدين قرب مني نص خطوة وقال بصوت أخف بس ثابت:

— ولو مساعدتنيش، هضطر أفتح محضر بكل اللي شوفتُه النهارده.


حسيت الأرض بتتهز تحتيا.

مش قادرة أتكلم… عايزة أصرخ “سيبوني فحالي”،

بس الكلام مش طالع.

دماغي بتلف بين خوف وصدمة ووجع.

أنا خلاص مش عارفة أبدأ منين ولا أروح لمين.


بصيتله لحظات طويلة، كنت بحاول أقرأ نواياه، بعدين قولت بصوت واطي وأنا ببص ناحية الباب:

— بابا ممكن ييجي في أي لحظة… وساعتها هيفهم غلط.


ابتسم ابتسامة بسيطة وقال بهدوء:

— مفيش مشكلة، خدي رقمي، وممكن نتقابل في أي مكان برا البيت، واحكيلي براحتك.


فضلت ساكته، قلبي بيخبط، كنت مترددة…

مش عارفة أعمل إيه، بس في الآخر قررت.

مش علشان أثق فيه،

ولا علشان عايزة مساعدة،

لكن علشان أحمي بابا.

لو اتفتح محضر رسمي، هيتبهدل ويتسجن، وأنا مش هقدر أشوفه كده.


مديت إيدي وخدت الرقم منه وأنا ببصله بحذر،

وقولت بهدوء:

— تمام…

بصلي قبل ما يخرج وقال بنبرة حازمة وهو بيقفل الباب:

— خدي بالك… لو ما اتصلتيش، ردي مش هيعجبك.


فضلت واقفة مكان، عيوني متسعة وقلبي بيدق بسرعة.

هو مين عشان يهددني بالطريقة دي؟!

ده مجرد ظابط جاي يساعدني يا اقبل المساعده او لا…


فضلت ثواني أحاول أستوعب اللي حصل،

لحد ما جه في بالي اسم واحد،

اسم هزني من جوايا.

ساره!

هي اللي عملت كده؟!


عدّى اليوم وأنا عقلي مشغول بيها… كل ما أفتكر اللي عملته بحس قلبي بيتقبض.

إزاي هواجهها؟ إزاي هبصّ في وشها بعد كل دا؟


تاني يوم، جه الصبح… حضرت شنطتي كالعادة وجهزت عشان عندي محاضرات.

وأنا خارجة من الصالة، لقيته نايم على الكنبة.

فضلت أبصله شوية، والدموع محبوسة جوا عيني.

هو فعلاً يستحق الحبس؟ 


نفضت الفكرة من دماغي بالعافية، وخرجت بسرعة عشان متأخرش.


ما استنتهاش زي كل يوم…


بس صوتها جه من ورايا، هادي ووحشني في نفس الوقت:

"إي يا بنتي، مستنتنيش ليه؟"


قربت مني بابتسامة فيها ملامح الطيبة اللي كنت دايمًا بحبها،


بس أنا مقدرتش أرد غير بكذبة باهتة:

___افتكرتك تعبانه ومش هتروحي.


هي بصّت لي بنظرة حاسة كل اللي جوايا، وقالت:

___كنت عايزة أحكيلك على حاجة.


ساعتها قلبي وجعني أكتر… عرفت إنها ناوية تبرر قبل ما أواجهها.


ضحكت ضحكة مكسورة، وقالت ملامحي قبل صوتي:

___هتقوليلي عن البلاغ؟


ردّت عليّا بصوت متسرّع بتحاول تبرّر…

بس تبرّر إيه؟ وبعد إيه؟ بعد ما البوليس جه لحدّ بيتي؟


سارة بصوتها المرتبك:

— والله أنا كان غرضي إني أحميكي من الأذى اللي بتتعرضي له، محسبتش أي حاجة غير خوفك ووجعك.


بصّيت لها بعيون مليانة عتاب وقلت:

— عارفة المشكلة في إيه؟

المشكلة إني حكيتلك عن حياتي وتعبِي، وفهمتك بالتفصيل أنا ليه باقيه عليه…

لكن إنتِ، بغبائك وتهورك، وصلّتينا للي إحنا فيه دلوقتي!


ردّت بعصبية واضحة:

— على فكرة، إنتِ المفروض تشكريني! أنا عملت كده عشان أساعدك، وده جزاتي؟


ردّيت وأنا صوتي بيعلو أكتر:

— أنا ما طلبتش منك مساعدة يا سارة!

ولو كنت عايزة مساعدتك كنت طلبتها من زمان!


وقلت بسخرية موجوعة:

— بس عارفة؟ دا كله متوقع منك.


بصّت لي بعدم فهم، وأنا كملت بغضب كاتم جوّايا بقاله كتير:

— إنتِ عايزة تبعديني عن بابا عشان باباكي ميت، مش كده؟


لقتها بصت لي بصدمة، وعيونها اتملت دموع كأنها مش مصدقة إن الكلمة دي خرجت مني.

وبيني وبينكم… أنا كمان مش مصدقة.

إزاي قدرت أقول كده؟

إزاي كسرتها بالشكل دا؟


يمكن كنت عايزة أوجعها زي ما هي وجعتني…

من غير ما أفكر إنها فعلاً عملت كده عشاني، عشان تحميني.


وفجأة، وسط دوامة التفكير، حسّيت بقلم نازل على وشي.

هي ضربتني؟


سمعت صوتها المكسور من البُكا:

— إزاي تقولي كده؟ أنا بجد… مش عايزة أعرفك تاني.


مشيت وهي سابتني مصدومة،

حطّيت إيدي على خدي مكان الضربة،

يمكن عشان أوقف الوجع…

بس الحقيقة إن الضربة مكانها مش على وشي…

كانت في قلبي. 

________


سارة

هي إزاي بجد تقول كده؟

إزاي جالها قلب تكسّرني بالشكل ده؟

إزاي تعايرني بحاجة مش بإيدي؟


كنت بعيط… مش من كلامها،

قد ما كنت بعيط على الشخص اللي خرج منه الكلام ده.


يعني لو حد تاني قاله، والله ما كنت هتأثر كده.

بس هي؟!

هي الوحيدة اللي كنت فاكره هتفضل صحبتي طول العمر ...

مسحت دموعي بالعافية وقلت لنفسي:

هروح المحاضرات، ومش هبصلها…

ولا حتى هقعد جنبها.

كفاية كلامها اللي سم بدني.


وبالفعل رُحت الكلية،

ولقيتها قاعدة بتضحك وتهزر مع صاحبنا عادي…

ولا كأننا لسه متخانقين!


بصيتلها بصدمة…

يعني إزاي؟!

طب حتى بيّني إنك زعلانة شوية!

بس لأ، كانت بتضحك كأن مفيش حاجة حصلت.


لما شافتني ببصلها،

بعدت نظري بسرعة…

وكملت المحاضرة وأنا حاسة بغُصة في قلبي.


خلصنا، ومحدش فينا كلم التاني.

كنا دايمًا بنرجع من نفس الطريق،

بس المرة دي…

ملقتهاش.


فهمت وقتها إنها مش عايزة تشوفني.

ضحكت بسخرية…

على نفسي، وعليها، وعلى كل اللي حصل.

ورُحت البيت، بس المرة دي كنت حاسة إني راجعة لوحدي 


________


نور


كنت حاسّة بالفراغ…

البيت هو هو، الشوارع زي ما هي، بس هي مش موجودة.

افتكرت اللي عملته، ومهما حاولت أبرر لها، مش قادرة أسامحها.

عارفة إنها كانت بتحاول تحميني، بس برضه… شايلة منها قوي.


كنت بضحك وبهزر قدام الناس،

مش عشان مبسوطة،

لكن عشان أُقنع نفسي قبلهم إني تمام،

إني قادرة أكمّل من غيرها.


بس الحقيقة… أنا مش تمام.

ولا بخير.


كانت الركن الهادي اللي بلجأ له لما الدنيا كانت بتضيق عليا.

ودلوقتي…

مبقاش في ركن هادي.

بقي في دوشة في دماغي، وصمت في قلبي وبس

__________


يوسف


جه اليوم اللي هقابل فيه البنت دي عشان أساعدها.

بصراحه مش عارف أنا ليه مدوّنتش محضر وخلصت الموضوع من أوله؟

بس يمكن لأنها كانت خايفه… وأنا حسّيت إني لازم أطمنها.

يمكن عشان أنا شهم؟ ولا يمكن عشان في حاجه فيها شدتني؟ مش عارف.


وصلت المكان اللي اتفقنا عليه، دورت حواليّا بعيني لحد ما لمحتها قاعدة على ترابيزة في الركن، شكلها متوترة جدًا،

كأنها نازلة ديت، مش مقابلة ظابط شرطة!


قربت منها وقعدت على الكرسي المقابل، ابتسمت ليها بهدوء يمكن تهدى شوية،

لكن بالعكس… توترها زاد أكتر.


قولت بصوت هادي وأنا بحاول أطمنها:

– اهدي، حاسس إنك متوترة. متخافيش، أي حاجة هتقولِيها هتفضل بينا.


بصيتلي وسكتت لحظة، وبعدها بدأت ملامحها تهدى شوية.

قولت وأنا بحاول أفتح الكلام:

– احكي.


ردت بصوت خافت وهي بتحاول تمسك نفسها من الارتجاف:

– احكي من أول فين؟


ابتسمت وقلت بهدوء:

– من أول ما تحبي… أنا سامعك.


قالت بصوت مكسور:

– من ساعه ما ماما ماتت… وهو كده، ضرب وزعيق، وكل حاجه اتغيّرت.

موتها كان بالنسباله صدمه، بس بالنسبالي كانت بداية جحيم.


سكتت لحظه كأنها بتحاول تبلع الغصه اللي في حلقها،

وبعدين كملت بمرار:

– فاكره اليوم ده كأنه امبارح، كان أول مره يضربني فيها.

كنت بسأل وأنا بعيّط: هي ماما خلاص مشيت؟ خلاص مش هشوفها تاني؟

بس بدل ما يطمني… ضربني.


وقتها اتصدمت، قولت يمكن عشان زعلان، يمكن مش واعي اللي بيعمله.

بس بعدها فهمت إن الموضوع مش لحظه غضب،

ده بقى عادة عنده…


بقى يشرب كل يوم، وما بيقعدش في البيت غير يجي ينام.

الشغل سابه، وأنا بقيت المسؤوله.

بنت لسه مكملتش تمنتاشر سنه،

باشتغل أكتر من 12 ساعه علشان أصرف عليه وعليا.


سكتت شويه، وبصت لي بعينين كلها وجع وقالت:

– وأنا لو فضلت أحكيلك من هنا لبُكره… مش هيكفّي الوجع اللي جوايا.


سكتت بعد الكلام دا، وصوتها كان لسه بيرتعش، كل كلمة قالتها كانت بتخبط ف قلبي قبل وداني.

وجعها صعب عليا أوي… كانت مكسورة قدامي وأنا مش قادر أعمل حاجه.

كان هاين عليا أخدها في حضني وأقولها “خلاص، انتي بأمان”، بس مينفعش.

اتنفست بهدوء وقلت بصوت واطي:

– يمكن ربنا بعتني ليكي… عشان أساعدك.


حسيت بالمسؤولية على أكتافي أكتر من أي وقت فات.

مش بس كظابط… كإنسان، مش قادر أشوفها بتتألم كده.


قلت لها بهدوء:

– نور… أنا مش جاي أعمل محضر دلوقتي، مش هسيبك لوحدك، ولا حاجة هتحصلك.


شوية صمتت، وبصتلي بعينين فيها شك وحزن… بس لاحظت فيها رغبة في الثقة.


كملت:

– هنعمل كذا خطوة، خطوة خطوة… الأول، هنتأكد إنك آمنة في البيت. لو حسيت يوم إنك مش مرتاحة، هتلاقي مكان تاني تروحي له، بعيد عن أي أذى.


نور شوية ارتخت، وأنا حسيت إن قلبي بيخف شوية لما لقيتها بدأت تسمع.


– تاني حاجة، هساعدك تلاقي شغل تقدر تعيشي منه من غير ما تتحملي كل الضغوط دي لوحدك. ومش هسيبك لو احتجتي حد… حتى لو الموضوع طويل أو صعب، هفضل جنبك.


#الم_بدون_صوت 


البارت الخامس


 


يوسف


شوفت ف عيونها نظرة تردد كأنها مش مقتنعة بكلامي.

حاولت أطمنها فقولت بهدوء:

__متقلقيش، سواء الشغل أو الشقة اللي ممكن تروحيها وقت ما تحسي إنك محتاجة تفصلي شوية من الضرب أو الزعيق، فهتبقى جمب بيتك برضه… يعني مش هتبعدي عنه، بس تبقي في أمان مؤقتًا.


فضلت ساكتة وعيونها فيها خوف وتردد.

اتنهدت وقولت وأنا ببصلها:

__أنا مش بطلب منك تسيبي بيتك ولا تبعدي عن أبوكي، أنا عارف قد إيه بتحبيه…

بس أوقات بنحتاج نختار نفسنا شوية، عشان نقدر نكمّل ونحافظ حتى على اللي بنحبه.


ردّت عليّا بصوت مخنوق:

— تمام.


حسّيت إنها قبلت حلّي المؤقت، بس كمان كنت عارف إن القصة مش هتقف هنا —  ممكن يتكرر الضرب عادي.

قررت أطمّنها شوية دلوقتي، وأديها مساحة تتنفّس، لحد ما أشوف هتتصرف إزاي مع أبوها وإيه الخطوات اللي هتاخدها بعد كده.


رجعت القسم بعد ما سبتها، بس دماغي كانت معاها مش هنا.

كل كلمه قالتها وهي بتحكي كانت بتوجعني… بنت في السن دا شايله وجع الدنيا لوحدها!

قعدت على المكتب قدام ورق البلاغات، قلبي بيقولّي أتحرك، وعقلي بيقولّي استنى متتسرعش.

بس المره دي مش قادر أطنّش.


فتحت اللاب وبدأت أجهز استمارة مبدئية لـ بلاغ عن عنف أسري، بس من غير ما أقدّمه لحد دلوقتي.

كتبتها باسم "قاصر في خطر" مش لازم أذكر اسمها دلوقتي.

بعدها كلمت “هدى” — زميلة في وحدة حماية الأسرة — وقلت لها:

__عندي حالة محتاجه متابعه، بس لسه البنت مترددة تقدم بلاغ… أقدر أجهز أوراق مبدأية لو وافقت؟.


ردت عليا هدى وقالت:

 __طبعًا، بس خليك حذر، الأب لو عرف قبل ما نتحرك ممكن يؤذيها أكتر.

قولت وانا بتنهد:

__عارف، عشان كده هتابع الموضوع بنفسي خطوة بخطوة.


قفلت مع هدى، واتكيت في الكرسي بتنهيدة طويلة.

كنت حاسس إني داخل في دايرة هتغير حياتي وحياتها هي كمان، بس المره دي… كنت مستعد أواجه أي حاجة.

_______


نور


بعد ما رجعت البيت، قعدت على سريري أفكّر في اللي حصل.

يمكن لأول مرة من زمان أحسّ إن قلبي مطمن، إن في حدّ في ضهري بجد.

حدّ أقدر أحكيله وجعي من غير ما يخاف مني أو يبعدني عن بابا.

في اللحظة دي بس، حسّيت إن سارة كان عندها حق…

اللي عملته وجعني، آه عشان خبت عني، بس يمكن من غير اللي عملته ماكنتش هقابل يوسف،

ولا كنت هلاقي حدّ يسمعني ويساعدني كده.


كنت قاعدة على السرير، بذاكر شويه، الهي نفسي ف المذاكره. 

الموبايل رن، لقيت اسمه على الشاشة.

اترددت ثواني، بس رديت.


قالّي بصوته الهادي:

__اسمعيني يا نور، ده عنوان الشقة، المفتاح مع صاحب العمارة،

تقدري تروحي هناك في أي وقت تحبي ترتاحي فيه،

وكمان ظبطتلك شغل بسيط قريب من المكان.


قعدت ساكتة، مش قادرة أستوعب.

يعني هو فعلاً عمل كده؟

من غير ما أطلب؟

من غير ما يستنى مني مقابل أو شكر؟


قلبي وجعني بس وجع حلو…

النوع اللي بيخليك تحسي إن لسه في أمان ف الدنيا.


قولت بصوتي المتلخبط:

__انت… عملت كده إمتى؟.


رد بابتسامه باينه ف صوته:

__من ساعه ما قولتي إنك لوحدك، قررت إنك مش هتفضلي كده تاني.


الدنيا سكتت بعدها،

مكنتش عارفه أرد.

كل اللي عرفته إني دموعي نزلت لوحدها…

بس المره دي مش من وجع.

من إحساس بسيط… إن في حد أخيرًا شايفني.


 قررت إني هتأسف لساره…

يمكن تسامحني ع الكلام القاسي اللي طلع مني.

هي كانت بتحاول تحميني بطريقتها، وأنا وجعتها بكلامي.

يمكن لو كنت هديت شويه كنت فهمت نيتها، بس وجعي ساعتها كان أكبر من أي تفكير.


كان عندي محاضرة أونلاين، فتحت اللاب توب عشان أحضرها،

حاولت أركز ف الكلام، بس دماغي كانت لسه مشغولة بكل اللي حصل.


بعد دقائق، سمعت صوت بابا وهو داخل الأوضة.

وقف عند الباب، ملامحه جامدة، وصوته القاسي كسر سكون المكان:

– كنتي فين امبارح؟


اتجمدت مكاني، مش قادرة أرد…

كل اللي جوايا ارتبك، قلبي دق بسرعة وأنا بحاول أسيطر على رعشة صوتي.

قلت بهدوء مصطنع:

– كنت عند واحدة صاحبتي…


قاطعني بنبرة أعلى:

– بتكدبي عليا يا نور؟


قلبي دق أكتر، حسّيت بدمي بيجري ف عروقي بسرعه مكنتش عارفه أرد اقول اي


بصلي بجفاء، عيونه كلها شك وغضب:

– انتي مش قولتي إنك اترفدتي من الشغل امبارح؟ رجعتي متأخر ليه بقى؟


حاولت أبرر وأنا ببص ف الأرض:

– كنت بدوّر ع شغل تاني يمكن ألاقي...


بس مكمّلتش، حسّيت بإيده بتخبط ف وشي،

الصوت كان أعلى من أي صوت في الأوضة،

وهو بيزعق ويقول كلام مش سامعاه من كتر الخضة.


كل حاجه جوايا كانت بتتهز، دموعي نزلت غصب عني وأنا بحاول أتكلم:

– بابا بالله عليك…


بس هو مكانش سامع،

فضل يزعق ويضرب وأنا حاسه كل نفس بيطلع مني وجع.


بعد ما خلص وخرج، كنت مش قادرة أتنفس،

دموعي كانت مغرقه وشي، وإيدي بترتعش وأنا بمسحها بسرعة،

بس كل مسحة بتزود الوجع مش بتقلله.


لفيت وشي ناحية اللاب، المحاضرة لسه شغالة،

ولا سمعت منها حرف، كنت ف عالم تاني خالص.


مديت إيدي برجفة عشان أقفله،

بس أول ما بصيت للشاشة...

الصدمة جمدتني مكانى —

المايك كان مفتوح!


كل اللي حصل،

كل صوت زعيق،

كل تنهيدة خوف،

كل حاجة اتسمعت.


قلبي وقع، حسيته بيدق بسرعة مش طبعية،

العيون اللي عالشاشة أكيد سمعوا...

أكيد شافوا!


فضلت ثواني مش مصدقة...

الشاشة قدامي فيها الوشوش، بعضهم مطفي الكاميرا،

بس فيه كام عيون كانت بصالي بصدمه... وفيه اللي عامل نفسه مش واخد باله.


إيدي كانت بتتهز وأنا بقفل المايك بسرعة،

بس خلاص... اللي حصل حصل.


سمعت صوت الدكتوره بتقول بخفوت:

__انتي تمام يا نور؟


الدموع نزلت غصب عني،

قولت وأنا بحاول أمسك نفسي:

__آه يا دكتور، تمام... كان في بس... صوت في البيت.


هي سكتت،

بس نبرتها قالت كل حاجة: تصديق، قلق، وشوية شفقه.


قفلت اللاب من غير ما أقول كلمه تاني،

رميت نفسي على السرير،

وحسيت إن الدنيا كلها بتلف بيا.


مش كفاية الوجع اللي جوايا،

دلوقتي كمان كلهم عرفوا.

عرفوا السر اللي كنت بدفنه جواي من سنين.

سمعت صوت دوشه برا... كأن الشقة كلها بتتهز.

طلعت أشوف في إيه، لقيته قاعد مع صحابه،

صوت ضحكهم عالي، والزجاجات مرميّه على الترابيزة،

والدخان مالي المكان.


وقفِت عند الباب، محدش منهم حتى لاحظ وجودي!

كنت شبه شبح بالنسبالهم...

مشهد مكرر، بس كل مرة بيوجعني أكتر.


كل مرة كانوا بييجوا فيها، كنت بلبس طرحة وأخرج ألف في الشارع بالساعات

عشان أستنى اللحظة اللي يمشوا فيها،

بس المرة دي مكنتش قادرة.


اتخنقت من ريحة السجاير، من الضحك العالي،

من إحساسي إني غريبة في بيتي.

وف وسط الدوشة، افتكرت كلام يوسف...

الشقة اللي ممكن تروحيها وقت ما تحبي تفصلي شويه.


القرار جه من غير تفكير،

لبست وخرجت بسرعة،

من غير حتى ما أخد شنطتي .

كل اللي كنت عايزاه...

مكان أقدر أتنفس فيه.


روحت، ولما وصلت تحت العمارة أخدت المفتاح من البواب وطلعت.

أول ما فتحت الباب، نسمة هادية خبطت في وشي، ومعاها إحساس غريب… راحة، وسكون، وأمان كنت مفتقداه من زمان.

الشقة كانت نضيفة ومتوضبة بعناية، كأن حد حضّرها مخصوص عشان أرتاح فيها.

لفّيت بعيني في كل ركن، لمحت كنب بسيط لونه بيج، وستاير لونها سماوي نازلة بنعومة ع الشباك، والمكان كله ريحته فريش ومريحة للأعصاب.

خطيت خطوتين جوه، قلبي كان

 بيهدى مع كل نفس، كأن كل وجع الأيام اللي فاتت بيتسحب من جوايا بهدوء.


الحيطان لونها دافي، والستاره نازله بنعومه ع الشباك، والهدوء مالي المكان كأنه بيحضني.

خطوت خطوتين لجوه، لمحت كنب بسيط بس شيك، وفي ركن الترابيزه عليها فازة ورد صناعي شكلها مبهج.

دخلت المطبخ، ريحته فريش ونضيف كأنه جديد ما اتستخدمش قبل كده، وكل حاجه متوضبه ف مكانها.

رجعت للأوضه، السرير مفروش بملايه لونها أبيض ناصع، والمخده متكويه بعناية…


حسيت كأن المكان دا حضن، حضن من غير وجع ولا خوف.

قعدت ع السرير ودموعي نزلت بهدوء، بس المره دي مش من الخوف…

كانت دموع راحه، يمكن أول مره أحس إن في مكان ليا،

مكان محدش هيزعقلي فيه،

مكان أقدر أتنفس فيه براحه.


توهت ف النوم وأنا قاعدة، من غير سابق إنذار، كأني أول مرة جسمي يرتاح بجد.

ما حسّيتش بنفسي، ولا بعد الوقت قد إيه، كل اللي فاكرهه إن دموعي كانت لسه على خدي، وقلبي أخيرًا هدي بعد دوشة طويلة.

مكنش في لا صوت زعيق ولا كسر ولا خوف…

بس هدوء، وسكون، ونوم تقيل، كأني كنت محتاجة اللحظة دي من سنين.


 

رفعت راسي من على الوسادة وأنا قلبي يدق بسرعة.

هو أنا نمت بجد؟! الساعه كام؟!

لمحت الساعة… 10 الصبح!

اتنهدت، كنت عارفة إن عندي محاضرات، بس بعد اللي حصل في السيشن الأونلاين… مكنتش ناوية أحضر.

وفجأة، افتكرت… أكيد رجع وهيشوف إنّي مش في البيت!

بسرعة مسكت تليفوني، ولقيت نور الشاشة تلمع… اتصال فائت.

بصيت… ساره!

قلبي اتسارع، ومشاعري اختلطت بين القلق والغضب والفضول… هل اتصلت عشان تطمن عليّ، ولا عشان تكمل كلام اللي حصل قبل كده ولا يكونش عرفت باللي حصل ف السيشن الاونلاين؟


قومت وأنا بضغط على زر الاتصال، وقبل ما أنزل السلالم تأكدت إني قفلت الشقة كويس.

سمعت صوتها قلق من السماعة:

__نور، انتي بخير؟.


حمحمت شوية، وحاولت أبين لها إني لسه متضايقة من آخر مرة، ورديت بصوت متماسك: 

__اه، كويسة.


قالت وهي بتحاول تهدي الكلام: __الكليّة مقلوبة عليكي يا نور، بسبب اللي حصل في السيشن… أنا لسه عارفة من زمايلنا.


قلبي وقع نسيت الموضوع خالص واللي حصل!

عيوني بدأت تدمع


#الم_بدون_صوت 


البارت السادس


نور

قلبي وجعني… افتكرت اللي حصل، وإن سيرتي بقت ع كل لسان ف الجامعة.


رديت بصوت مخنوق، ودموعي كانت بتغلبني:

__المايك طلع مش مقفول يا ساره…

الكل عرف عن حياتي، عني… كل حاجة.


سكتت ثواني، والهدوء اللي بينا كان وجع لوحده.

وبعدين قالت بنبرة فيها خوف وحنين:

__لازم أشوفك.


غمضت عيني،وافتكرت كل اللي حصل بينا…

رديت وأنا بصوت متكسر:

__كلمتيني ليه بعد كل اللي حصل؟


ساره (بصوتها الهادي اللي كنت مفتقداه):

__علشان إنتي لسه صحبتي…

ولما أشوف صحبتي ف ضيقه، حتى لو وجعتني قبل كده، لازم أقف جمبها.


بصراحه كلامها طمني… حسّيت إن  فيه حدّ بيحبني بجد،

حدّ هيفضل جمبي حتى بعد كل اللي حصل


قابلتها فعلًا قريب من البيت، في كافيه صغير على ناصية الشارع.

كانت قاعدة لوحدها، هاديه… بتبص ف الكوباية كأنها بتدوّر على الكلام اللي هتقولُه.

وأول ما شافتني، قامت واقفة بابتسامة خفيفة، فيها اعتذار… وفيها حنين.

خطيت ناحيتها بخطوات مترددة،

ما كنتش عارفة أبتدي بإيه — العتاب؟ ولا الشوق؟ ولا الأسف؟ 


قعدت ف هدوء، وكل ثانية كانت تقيلة.

عيني بتدور في المكان، بتعد الكراسي، الكوبايات، الناس…

كل حاجة إلا عينيها.

مكنتش قادرة أبص فيها، يمكن خوف، يمكن وجع.


هي كانت حاسه بتوتري، ف قالت بهمس خافت:

__أنا آسفه… آسفه إني عملت حاجه مكنش المفروض أعملها،

بس والله كانت نيّتي خير.


كأن الكلام فتح حاجة جوايا،

لقيت لساني بيتكلم لوحده، بصوت مليان ندم:

__متتأسفيش… أنا اللي آسفه.

قولت كلام معرفش عواقبه…

كنت متعصبه أوي، وطلّعت غضبي ف حاجه ملهاش ذنب.

أنا آسفه والله، بس كنت تايهه ساعتها.


مدت إيدها بهدوء وقالت:

__ نبدأ من جديد؟.


بصيت لإيدها ثواني، وبعدها مسكتها وأنا ببتسم ابتسامه صغيره وقلبي بيرتعش:

__نبدأ. 


بدأت أحكيلها…

من أول ما البوليس جه البيت،

لحد اللي حصل امبارح في السيشن.


كنت بتكلم وأنا نفسي بيطلع متقطع،

كل كلمة كنت بطلّعها كأنها حجر تقيل من على صدري.

وساره كانت قاعدة ساكته،

بتسمعني بعنيها قبل ودنها،

كل شوية تهز راسها أو تمد إيدها تلمس إيدي،

كأنها بتقوللي من غير كلام: "كمّلي، أنا سامعاكي."


كنت بحكيلها عن خوفي، وعن الناس اللي بقت تبصلي بنص عين،

وعن اللي اتكسر جوايا بعد اللي حصل.

ولما وصلت لنهاية الكلام،

فضلت ساكته، دموعي نزلت من غير صوت.


هي ساعتها قربت وقالت بهدوء:

__نور… إنتي قويه، حتى لو نسيتي ده.

اللي حصل صعب بس دي مش النهايه والناس شويه وتنسى كله هيرجع زي الأول.


كلام ساره فعلاً طمّني،

خلاني أحس إن الدنيا لسه ممكن تبتدي من أول وجديد.


بعد ما خلصنا، ودعتها بابتسامة صغيرة،

وروحت الشغل الجديد.


السوبر ماركت كان كبير، مليان ناس ووشوش أول مرة أشوفها،

كل حد مشغول ف حاجه،

وأنا واقفه بدور على نفسي وسط الزحمة.


قربت مني بنت، شكلها طيب وعيونها فيها دفء غريب.

قالت وهي مبتسمة:

__إنتي اللي هتشتغلي جديد هنا؟.


هزّيت راسي وأنا حاسة بتوتر في كل عضلة في جسمي.


مدّت إيدها وقالت ببساطة كأنها عايزة تطمنني:

__أنا حنين.


مدّيت إيدي بردّ متردد، بس ابتسامتها كانت معديّة.

قولت:

__ نور.


ضحكت وقالت:

__نورتينا يا نور.


بدأت حنين تعرفني على الشغل خطوة بخطوة،

كانت بتشرحلي بهدوء، وبتضحك كل شوية كأنها بتحاول تخفف عني رهبة البداية.

الناس اللي بيشتغلوا هناك كانوا في قمة اللطف،

كل واحد فيهم سلّم عليا بابتسامة صافية،

وفي عيونهم مفيش أي حكم… ولا أسئلة.


حسّيت وأنا وسطهم كأني أعرفهم من زمان،

مع إننا لسه متقابلين من دقيقتين.

يمكن علشان كنت محتاجة الإحساس ده —

إحساس إنك وسط ناس لطيفه وخفيفه ف تعاملها


#الم_بدون_صوت 


البارت السابع


نور


خلصت شغلي الأول وروحت على التاني،

واليوم عدى كأنه أسبوع.

كل عضلة في جسمي كانت بتصرّخ من التعب،

ولما وصلت البيت، فتحت الباب…

كان فاضي.

اتنهدت تنهيدة طويلة،

ودخلت نمت من كتر الإجهاد، من غير حتى أغير هدومي.


صحيت تاني يوم على صوت الموبايل بيرن،

ولما فتحت، لقيت ساره متصلة كتير.

ردّيت بصوت نايم، قالتلي وهي متحمسة كأنها نسيت كل التعب اللي في الدنيا:

__يلا انزلي بسرعة… نروح الجامعة سوا!


ضحكت من بين النعاس وقلت وأنا بقوم:

__حاضر، هجهز وأنزل.


وقفت قدام المراية وأنا بلبس،

ولوهلة حسّيت إن ملامحي باهتة زي العادة،

بس مهتمّتش… جهّزت ونزلت


ووصلنا…

وياريتني ما روحت الجامعة.


من أول ما دخلت،

كل العيون اتوجّهت ناحيتي.

نظرات فيها شفقة،

وفيها كلام بيتقال من غير صوت.

وشوش بتتوشوش،

نصهم بيبصلي، والنص التاني بيبص على الأرض كأنهم مش شايفيني.


حاولت أداري ضيقي،

بس ساره حست،

مدت  إيدها تطبطب عليّا،

وفجأة واحدة وقفتني وقالت بصوت متعاطف:

__احنا كلنا معاكي،

ولو عايزاني أجي أشهد معاكي ضده، أنا هاجي.


اتصدمت،

كنت على وشك أتكلم بعصبية،

لكن ساره سبقتني وردّت بسرعة:

__شكراً، تسلمي.

وسحبتني من قدامها قبل ما أقول أي كلمة.


كنت حاسة إني هعيّط…

العيون اللي بتبصلي مليانة شفقة،

مش دعم.


ساره قالت بهدوء وهي ماسكة إيدي:

__اهدي، ومتزعليش… هما عايزين يساعدوكي.


ضحكت بسخرية مرّة وقلت:

__ساره، هما مش عايزين يساعدوني،

هما مشفقين عليّا!

وأنا عمري ما حبيت حد يشفق عليا.


سكتت ساره،

الكلام وقف على لسانها،

هي عارفة إني عندي حق.

دلوقتي الكل شايفني "البنت المسكينة"

اللي أبوها بيصحّيها ويمسيها بعلقه.


بعد ما خلصنا اليوم في الجامعة اخيرا كان يوم تقيل ع قلبي،

كنت مستعدة أروح على الشغل.

قولت لساره:

__لازم أمشي دلوقتي.


فقالتلي:

 __استني، ابن عمي هييجي يوصلني ويوصلك ف طريقه.


بصراحة اتوترت،

أنا مبحبش أركب أو أتعامل مع رجالة غريبه.

فقولت بأسف:

__معلش، بس مش هينفع بجد… ومش عايزة أتعبه معايا.


كانت لسه هترد عليّا،

بس لمحت حاجة ووشها اتغيّر وقالتلي بسرعة:

__أهو يوسف أهو!.


ولما بصّيت… اتصدمت.

قلبي بدأ يدق بسرعة،

مصدقتش عيني!

ده نفس الشرطي اللي ساعدني يومها…

يوسف.!!


لقيته بيقرب ناحيتنا،

اتجمدت مكاني، وكل نبضة في قلبي كانت بتعلى أكتر.

هو كمان بان عليه التوتر،

كأن وجودي قدامه فجأة لخبطه.


ساره لمحتني ووشي اتغير، فسألت بقلق:

__انتي كويسة يا نور؟


يوسف وقف قدامي ومدّ إيده بابتسامة خفيفة:

__أهلاً يا آنسة نور.


بصيت لإيده ثواني،

اتكسفت… أنا مش بسلم على ولاد،

وترددت أعمل إيه.


لكن ساره لحقت الموقف بسرعة وقالت بابتسامة بسيطة:

__نور مش بتسلم على ولاد.


رجع إيده بهدوء وقال بلُطف:

__تمام، عادي جدًا.


بس ساره بصت له باستغراب وقالت وهي مش مصدّقة:

__استنى لحظة…

إنت عرفت اسمها إزاي؟


اتسعت ابتسامة يوسف شوية،

بس عينيه كانت بتقول كلام تاني غير اللي على وشه.

بصّ لساره وقال بهدوء:

__فاكرها من موقف قديم… يوم ما كنت في البلاغ اللي حصل في بيتها.


ساره اتفاجئت،

وبصّتلي بسرعة وهي بتقول بصوت منخفض:

__إنتي… هو الضابط اللي ساعدتك؟


ماقدرتش أرد،

كل اللي قدرت أعمله إني أهو راسي بخفة،

وصوت دقّات قلبي كان أعلى من أي صوت حواليّ.


يوسف حوّل نظره ناحيتي وقال بلُطف:

__ما كنتش متوقع أشوفك تاني،

بس كويس إنك بخير.


كلماته كانت بسيطة… بس جواها دفء غريب.

في اللحظة دي حسّيت كأني رجعت أتنفس بعد صدمة طويلة،

وساره وقفت بينا بنظرات فيها ألف سؤال.


ركبنا العربية،

الجو كان ساكت لدرجة إن صوت الطريق بقى أوضح من أنفاسنا.


لكن فجأة، قطع السكون بصوته الهادي:

__باباكي كويس؟.


اتشد جسمي كله،

ردّيت بسرعة وأنا بحاول أخفي توتري:

__أه… الحمد لله.


هو سكت على طول،

واضح إنه حسّ إن سؤاله وجعني.

عينه راحت ناحية الطريق،

وأنا قعدت أبص من الشباك أحاول أهرب من الموقف.


أما ساره ففضلت ساكته،

نظراتها رايحة جاية بينا،

كأنها حاسة إن في كلام كتير مستخبي

ورا الهدوء ده.


وصلنا قدام شغلي

كنت حاسة إن اليوم ده أطول من اللازم…

كله عيون، وهمسات، وشعور بالاختناق.


بصيت لساره بابتسامة باهتة وقلت:

__شكراً يا ساره… على كل حاجة.


هزّت راسها وقالت بهدوء:

__خدي بالك من نفسك، يا نور.


ودعتها ونزلت من العربية،

الهوا كان تقيل، كأن حتى الشارع عارف اللي جوايا.


دخلت المكان،

الناس حواليّ كانوا بيشتغلوا عادي،

ماحدش يعرف عني أي حاجة، ماحدش يعرف عن اليوم اللي عديت فيه، أو اللي حصل في الجامعة…

وكان ده سبب توتري أكتر.


قعدت على الكاونتر، حاولت أركز في الشغل،

بس جوه قلبي كله كان ضجة:

القلق، التعب، والتفكير في كل حاجة حصلت اليوم.

حسّيت إني لو ضحكت أو كلمت حد، ممكن يبان عليّ كل التعب والمشاعر اللي جوه.


بس لما ارجعت افكر، حسّيت بارتياح خفيف…

على الأقل هنا، بين الناس اللي مش يعرفوا أي حاجة عني، أقدر أكون أنا من غير أحكام أو نظرات شفقة.

____


كنت سايق العربية،ساره معايه، والشارع كله عدى من غير ما آخد بالي.

كنت مركز في حاجة واحدة… نور.

حسيتها مخنوقة ومتضايقة، وقلبي مش قادر حتى يسألها أو يعرف إزاي يساعدها.


ساره كانت بتتكلم، وأنا عايش جوه أفكاري، مش مركز معاها خالص.

لحد م لاحظت وقالت بضيق:

__انت مش مركز معايا؟!


حمحمت شوية ورديت بسرعة:

__لا… مركز معاكي.


ضحكت بمرارة خفيفة وقالت:

__بصراحة… دي صدفة غريبة… يعني أنا أول مرة أعرف إنك بتشتغل  ضابط في حمايه الاسره!


رديت عليها بهدوء، وأنا بحاول أخفي جزء من تحفظي:

__مكنتش بتكلم عن مجال شغلي أوي…

يمكن عشان مكنتش حابّة في الأول.


سألتني ساره بفضول وهي مميله راسها ناحيتي:

__طب… ودلوقتي؟..


بصيت قدامي لحظه، وبعدين ابتسمت بهدوء وقلت:

__دلوقتي إحساسي اتغير…

حسّيت فعلاً إني بعمل حاجة ليها معنى،

وبساعد الناس اللي محتاجه حد يقف في صفها.


سكتت ساره ثواني، وبصتلي بنظره غريبة،

فيها إعجاب بسيط، بس كمان فيها تساؤل مش مفهوم.

وأنا… رغم كل اللي حواليّ،

كل اللي كان شاغل بالي وقتها إن نور كانت مضايقه،

وإن عيونها كانت مليانة حزن مش قادر أطلّع صورتها من دماغي.


يتبع


أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع
    close