القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية ظننتك قلبي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه رشا روميه قوت القلوب حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 رواية ظننتك قلبي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه رشا روميه قوت القلوب حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية ظننتك قلبي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه رشا روميه قوت القلوب حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


شعور يبقى بداخلي فقط لا يجب عليه التحرر ، شعور يجب أن يستوطن القلب ، والقلب فقط لا يمكنه الظهور ، فليكتب عليه الموت بداخل تلك الضلوع بإرادتي فأنا من أسيطر عليه ، فهذا قلبي أنا ...


لكن إن توجب عليه الظهور فلتذكرني بأنه لا يمكن !!!


هدوء عم أرجاء غرفة "عهد" الجديدة بهذا الكوخ بعد أن دلفت إليها منذ قليل تاركة "معتصم" و "كاتينا" يقضيان سهرتهما الطويلة لتتقدم بخطوات متباطئة بملامح مختلفة ، ليست تلك "عهد" التى تعتادها ، بل هي "عهد" تظهر بوحدتها فقط ، طفلة تتمنى من يمد لها يدًا حانية ، نعم لديها قلب وشعور وإحساس لا تظهرهم إلا لنفسها فقط ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

زفرت نفسًا مطولاً قبل أن تتقدم تجاه المرآة تنظر لنفسها بإنعكاس صورتها وملامحها الجامدة المقتضبة ، لحظات من التردد قبل أن ترفع كفها تجاه عُقدة شعرها لتسحبها نازعة إياها لينفلت خصلات شعرها الناعمة كسيل من موج أسود يغطي جنبات وجهها المستدير ...


لحظة تغيرت بها ملامحها لأنثي جميلة فاتنة للغاية ، أظهر شعرها المنسدل عيناها الناعستان قليلًا وأحاط وجنتيها مبرزًا حمرتهما الطبيعية ..


تمعنت بملامحها الناعمة التى تخفيها خلف هذا القناع المُهلك ببعض من الإعجاب بنفسها وأنها أنثى مثلها مثل تلك الشقراء ، رفعت جفناها بحركة ناعمة مدللة تشعر بخيلاء من جمالها البارز المختلف بلحظة نعومة مسروقة من حياتها القاحلة ...


سرعان ما أدركت تصرفاتها المتمايعة لتنهر نفسها بقوة ..

_ إيه إللي إنتِ بتهببيه فى نفسك ده !!!!


ثم أخذت تلوم نفسها على ما تفعله وما أصابها به هذا الغريب ...

_ حيكون مين ده إللي يأثر فيكِ للدرجة دى عشان تتغيري بالشكل ده عشانه ... إنتِ إتجننتي يا "عهد" ...


إبتلعت ريقها وهي تسخر من نفسها التى تحدثها وتلومها وربما تغضب وتنفعل عليها ...

_ لا ... ده أنا إتجننت رسمي ، بكلم نفسي ، من يوم واحد شفته فيه بقيت أكلم نفسي ...


حركت رأسها نفيًا بقوة تستعيد جمودها الذى تعرفه جيدًا ...

_ لا يمكن ، ولا هو ولا غيره يكون السبب إني أتغير ، أنا برضه "عهد مسعود" ولا يمكن أتغير أبدًا عشان أى حد ... كفاية عليه البت الصفرا إللي تحت ... اه .. أنا هنا فى شغل وبس ...


زمجرت بقوة وهي تلقى بنفسها فوق الفراش تتمالك نفسها التى كادت تميل بهذا المنحدر الذى ترفضه وبشدة ، فلن تترك لمشاعرها أن تسوقها بل يجب أن تكون هي المتحكمه بها وليس العكس ...


سحبت غطائها لتتدثر به جيدًا سرعان ما غطت بنوم عميق فهي مرهقة للغاية دون أن تدرى ...


❈-❈-❈


بيت النجار ، شقة "زكيه" ..

بعد إنتظار مقلق لـ"زكيه" و"نغم" بالشرفة وهم ينتظران عودة "شجن" من عملها بالمستوصف ، خاصة عند ملاحظة "زكيه" لوقوف "راوية" بشرفتهم بالدور السفلي جعل قلبها يتخبط خوفًا من أن تُبلغ "صباح" وتعاد مشادة الصباح مرة ثانية ، لكن هذه المرة "مأمون" ليس هنا ليخلصهم من أمه سوداء القلب ...


تهدج صدر "زكيه" بتخوف وهي تهمس بأذن "نغم" ...

_ "راوية" واقفة فى البلكونة هي كمان ، يا رب ما تقول لأمها ...


أسقطت "نغم" رأسها تتطلع بعيناها الواسعتان اللتان يظهران من أسفل غرتها المتدلية فوق عينيها بنعومة ثم رفعت وجهها تجاه أمها بإمتعاض ...

_ واقفة فعلًا ، ربنا يستر منها ومن أمها ...


مصمصت "زكيه" شفتيها وهي تردف بإمتنان ...

_ كتر خيره "مأمون" إبن عمك ، لولاه كان زمان أمه بهدلتني الصبح ...


برودة سارت بجسدها للحظة وقد زاغت عيناها تتجول بين واجهات المحلات أمامها ثم أردفت بتشتت ...

_ أه والله ، كتر خيره ...


ضيقت أمها حاجبيها بقوة وهي تنظر بنفس الإتجاه الذى تنظر به إبنتها بتعجب ...

_ بتبصي على إيه ...؟! 


إضطربت "نغم" وهي تنكر بحثها بأعينها الواسعة ...

_ لا ولا حاجة ، بشوف "شجن" جت ولا إيه ... ( ثم إنتبهت لقدوم "شجن" لتصرف إنتباه والدتها عن توترها ) ... "شجن" جات أهي ، حروح أفتح لها الباب ...


دلفت "نغم" إلى الداخل بتعجل تستقبل أختها التى عادت للتو ، لحقتها "زكيه" بعدما إرتاح قلبها بعدم إبلاغ "راوية" لأمها بعودة "شجن" لا تدرى هل "رواية" لم تنتبه لها أم أنها لم تلحق بإخبار "صباح" لكن بالنهاية فقد مر الأمر بسلام وعادت "شجن" للبيت ..

_ حمد الله على السلامة يا حبيبتي ... تعالي ، تعالي ...


بنهاية يوم عادي بحياة غيرهن إلا أن روتين الحياة العادية وهدوئها يمر بحياتهم بصعوبة للغاية خاصة بوجود زوجة عمها التى تلاحقهم بكل الأوقات ...


جلس ثلاثتهن يتناولن الطعام لتزف "شجن" خبر فرصة عمل لأختها كمن إقتنص لها فرصة لا يمكن تكرارها ...

_ لا وإيه ، من بكرة أنا و"نغم" حنشتغل يمكن ربنا يتوب علينا ونطلع بره بيت العيلة بقى ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بوجه قلق من رغبة إبنتها جلست "زكيه" ملتزمة الصمت لكن بداخلها رفض لما تتمناه إبنتها فلن تترك حقهم ببيت النجار لتهنأ به "صباح" فهو كل ما يملكونه من حطام تلك الدنيا ، بينما علت وجه "نغم" إبتسامة سعادة لحصولها على فرصة عمل أخيرًا ...

_ المهم إني حشتغل وبعدها نبقى نشوف قصة البيت وقعدتنا ده ...


تنهدت "شجن" بتحسر ...

_ طيب ...


❈-❈-❈


كعجلة تدور فى الهواء تستنفذ طاقة عظيمة لكنها بالنهاية تدور فى الهواء ويضيع جهدها سدى ، تمامًا كتلك المعادلات الرياضية التى بالنهاية محصلتها صفر ...


فإلى متى ستنفذ الطاقات فى هواء يتطاير مع الريح دون جدوى ، إلى متى سأظل أتحمل ما لا أريده فقط لفكرة وضعتها بمخيلتى أن أخشى من الخسارة ...


وهل نفسى لا تعتد خسارتها من أولوياتي بعد ؟؟؟


ها هى ساهرة بإرادتها تناظر الساعة التى تخطت الثالثة صباحًا ، لا تشعر بالنعاس ولا الإرهاق ليس كمثل هذا اليوم الذى كانت تشعر برغبة قوية النعاس ، أرادت لو أن لها الإختيار بموعد نومها وإستيقاظها كما هي الآن لكن وقتها كانت مجبرة على السهر برغم رغبتها الملحة بالخلود للنوم وتناول قسط من الراحة ...


(فلاش باك)


﴿ضغطت "وعد" عيناها بقوة قبل أن تفتح جفناها المرهقان تحاول إستعادة بعض النشاط والبقاء متيقظة قدر الإمكان رغم تخطى الساعة الثالثة صباحًا ، تنهدت ببطء فقد أعياها هذا السهر خاصة وهي تستيقظ مبكرًا للغاية مع ولدها "زين" الذى أصبح يستيقظ مبكرًا للغاية بالآونة الأخيرة ...


كم كانت تود لو تغفو قليلاً ويكون لها الحرية في ذلك ، لكنها تشعر بأنها مقيدة بكل تصرفاتها حتى بوقت راحتها ونومها فهي رهن إشارة بيت العائلة ...


عادت لتجلس بمقعدها بغرفة المعيشة الكبيرة بشقة والدى زوجها "عاطف" بهدوء تحاول تجنب أى نوع من المشاكل خاصة بوجود أخت "عاطف" الكبرى "عتاب" ، تلك المرأة التى شارفت على عامها الثالث والأربعين والتى تحظى بمعاملة خاصة بهذا البيت كونها مطلقة تعيش ببيت والديها بحرية تتحكم بكل شئ به حتى بها أيضًا ...


_ هاتي يا ماما الريموت إللي جنبك ده ...


نطقت بها "عتاب" لتتولى أيضًا فرض رأيها على الجالسين لمتابعة ما تهواه هي فقط ...


"عتاب الأسمر" سيدة أربعينية نحيلة الجسم لها وجه محدب طويل وشفتان غالبًا ما تميلان بإمتعاض لكل ما يدور حولها فهي لا تستحسن شئ بالمرة ، متسلطة كارهة للجميع برغم إظهارها لإهتمامها بكل ما يخصهم جميعًا كما لو كانت كبيرة تلك العائلة تعشق فرض السيطرة والشعور بالقوة ...)


مدت أمها "قسمت الجويلي" يدها بالريموت كنترول تجاه إبنتها قائلة ...

_ أهو يا "عتاب" ، ما تخلي الفيلم ، ده حلو والله ...


رفعت "عتاب" ساقيها لتعقدهما أسفلها بنظرات متحكمة ...

_ لأ ، بايخ ، حشوف لكم فيلم حلو ...


لاحت نظرات إشفاق من أعين "وعد" تجاه ولدها الوحيد "زين" والذى تمدد أرضًا تغلُب عيناه النعاس وهو يلعب برفقة بنات "عتاب" الثلاث لتهتف به تنبه البقية لما توده لكنها كانت توجه حديثها لولدها بقصد إيصال طلبها بطريقة غير مباشر لوالدة زوجها ..

_ قوم يا حبيبي ننام فوق ، شكلك تعبان خالص ...


زمت "عتاب" أولاً فمها بإمتعاض من طريقة "وعد" الحانية وطلبها المرفوض رفضًا تامًا ...

_ هو إيه إللي قوم ننام فوق ؟!!! مش لما أبوه وجده وعمه يرجعوا من المعرض ويتعشوا سوا ؟!!! إنتِ حتعملي لك نظام لوحدك ولا إيه ؟!! 

(ثم إستدارت تجاه والدتها تحفزها على الرد ).. ولا إيه يا ماما ؟؟؟ (ثم عادت تشير تجاه بناتها المستغرقات باللعب ) ... ما هم بيلعبوا وزى الفل ، بلاش سهوكتك الزيادة عن اللزوم دى ، دة ولد مينفعش تربيه بمياعتك دى !!!! 


لحقتها "قسمت" تستكمل إستهجان طريقة "وعد" كما فعلت إبنتها ...

_ متخليش الواد يتعود على كدة ، لازم يطلع راجل ناشف زى أبوه ، وبعدين إزاى ينام وأبوه لسه مشافهوش ، ده طول اليوم بره ...


قلبت "وعد" خضراوتيها بين كلتاهما وبين ولدها الذى سقط نائمًا دون إكتراث لما تقولانه فهو طفل لا يتحكم بما يريده الجميع بل بشعوره بالإرهاق والتعب فقط ..


لتنهض حاملة إياه فوق كتفها ممتثلة لطلبهم دون مجادلة ...

_ طب هو نام ، خليه على السرير فى أوضة الأطفال جوه لحد ما يرجعوا ...


أشرت لها "قسمت" بالإيجاب لتميل "عتاب" على أذن أمها بعد أن دلفت "وعد" تضع ولدها بالفراش حتى عودة والده ..

_ هي مش حتبطل سهوكتها دى ، بتغيظني يا ماما ، دى واكله عقل "عاطف" مش بعيد تخليه يخرج عن طوعنا كلنا وإنتِ فاهمه ...


رفعت "قسمت" حاجبيها وأهدلتهما بمكر ..

_ طب إستني عليا ، إما خليت ليلتها سوداء على دماغها النهاردة ، قال تطلع تنام قال ، وإحنا فين هنا لما الهانم تطلع تنام وتسيبنا كلنا قاعدين نِخَدّم على جوزها عشان يتعشى ... ( ثم توعدت لها بأعين متحجرة وبريق قاسي ) .. صبرك عليا يا بت "عايدة" ...


وضعت "وعد" إبنها بالفراش ودثرته جيدًا متذكره حديث أختها "عهد" الذى تؤنبها به بكل لقاء بينهم لرضاها بحياتها الباهته مع عائلة محفوظ لتردف بتحسر ...

_ غصب عنى يا "عهد" ، أمال أسيب بيتى وجوزى وأرجع للوحدة تانى ، ولا يطلع عليا لقب مطلقة طول عمرى ....


سأمت من الإنتظار لكنها مجبرة فهذه حياتها ببيت عائلة زوجها وعليها التأقلم على ذلك ، لم يمر وقت طويل حتى أُعلن عودة كبير العائلة برفقة ولديه بعد إغلاق المعرض وإنتهاء يوم عملهم بالتأكيد ...


خرجت "وعد" من الغرفة لإستقبال زوجها ووالده وأخيه ، تقدمهم ببضع خطوات الحاج "محفوظ الأسمر" والد زوجها والذى دلف ملقيًا التحية أولاً ...

_ سلامُ عليكم ...


ترددت أصداء التحية ردًا عليه فيم بدأت "عتاب" بطريقتها المتملكة ...

_ وعليكم السلام يا بابا ، إتأخرتوا يعني النهارده ..؟؟؟


جلس الحاج "محفوظ" يلتقط أنفاسه ويستمد بعض الراحة ...

_ "محب" كان بيجيب بضاعة وإستنيناه لحد ما العمال حطوها فى المخزن ...


نظرت "عتاب" نحو أخيها "محب" تود لو تستطلع كل التفاصيل عن العمل وتلك البضائع التى إبتاعها اليوم ...

_ هي البضاعة كانت كتير أوى كدة يا "محب" ...؟!!


إبتسم "محب" وهو يطالعها بصمت للحظات طالت وهي تحدق بعيناها السوداوتين بملامحه الوسيمة لوجهه الدائرى ولحيته الخفيفة التى زادت من إشراقة وجهه الهادئ بخلاف ملامحها القاسية ، إنتظرت بشغف مغلف بفضول أن ينطق موضحًا لكنه إكتفى بتلك الإبتسامة التى جعلتها تموج من داخلها بغيظ من طبعه الكتوم الذى يتخذه كلما سألته عن أى شئ ...


"محب الأسمر" هو الأخ الأصغر لتلك العائلة شخص هادئ للغاية محدد لأهدافه وأعماله دون التطرق لأى مواضيع جانبيه تثير الجدل من حوله ، كتوم للغاية وغامض بشكل مثير للأعصاب ، لا يوضح أى أمر بالمرة بل يترك الأمور على ما فُهمت عليه ، لا يكثر من الحديث أو إيضاح ما يفكر به ، له شخصية مختلفة مستقلة تمامًا ، لكنه رغم ذلك يعمل مع والده بالمعرض الخاص بقطع غيار السيارات مشاركة مع أخيه الأكبر "عاطف" ...


صمت أثار حنق "عتاب" لتهتف به بضيق ...

_ الله ، ما تقول يا "محب" هو سر ...!!!!


غمز "محب" بعينه اليسرى قبل أن يجيبها وهو يدلف نحو داخل الشقة ..

_ لأ ، إسالي "عاطف" ، أنا داخل أغير هدومي لحد ما تحضروا العشا ...


زمت فمها جانبيًا وهي تردف بتملل ...

_ طب يا أخويا ، خد بالك "وعد" دخلت تنيم "زين" على السرير جوه فى أوضة العيال ...


رفع حاجباه وأه‍دلهما بإدراك دون الرد ليستكمل طريقه نحو غرفته ليتقابل مع "وعد" التى خرجت للتو لإستقبالهم ...

_ إزيك يا "محب" ...( قالتها وهي تعبر من جواره نحو الخارج دون حتى إنتظار رده الذى لم يكن سوى إيمائه خفيفه لم تنظر حتى "وعد" إليها ) 


خرجت "وعد" لملاقاة "عاطف" الذى كان يجلس إلى جوار والدته لتحاول شق إبتسامة مرهقة فوق شفتيها ..

_ حمد الله على السلامة يا "عاطف" ...


عقص "عاطف" أنفه مظهرًا استيائه فيبدو أن والدته لم تتروى ببث سُمها فتلقته فور دخوله على الفور ، ليُظهر "عاطف" أمامها أنه رجل ذو خشونة يفرض سيطرته على زوجته أمام الملأ ليطالعها بداية الأمر بإزدراء ثم بدأ سلسة إهاناته المعتادة ..

_ لا والله ، لسه فاكره يا *** **** تيجي تشوفي جوزك ...!!!

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تهدج صدرها بقوة إثر سُبابه دون داعي فقط ليرضي والدته التى إعتلى ثغرها تلك البسمة الشامته ، هي لا تقبل الإهانة ولم تعتادها بحياتها ، لم عليها أن تتقبل هذا الإسلوب المهين الذى يتعامل به معها بعدما تزوجا ، لم يكن هذا طبعه الذى أحبته ، لقد كان لطيفًا ذو خلق ، ماذا حدث ليظهر هذا الوجه المقيت المغثى لروحها ...


رغمًا عنها ولحساسيتها الزائدة إختنق صوتها بشدة وغامت خضراوتيها بدموع حاربت ألا تخرج الآن لكنها أبت الإنصياع لها ...

_ فيه إيه يا "عاطف" بس ، ده أنا يا دوب نيمت "يوسف" ...


إستقام "عاطف" ليظهر طوله إلى جوارها متشدقًا برأسه ليظهرها أدنى من أن تصل إليه ويجعلها ترفع من رأسها بصورة ملحوظة ليستكمل بزمجرة ...

_ وهو ده وقته تنيميه ، هو أنا مش جاى عشان نقعد سوا ... ( حدجها بمقلتيه الحادتين ببريق مخيف جعلها تنكمش أكثر من رد فعله المنفعل ) ، ولااااا لازم تمشي إللي في دماغك ...!!!!


رفعت كتفيها للأعلى بقلة حيلة ...

_ هو نام ، مش أنا إللي نيمته ، أعمل إيه ، ده طفل أربع سنين يعنى ...


قبض زندها بقوة تخللت أصابعه الطويلة بداخله وهو يكز بأسنانه بغضب ...

_ مش بمزاجك ، ولا بمزاجه على فكره ، غوري يا *** ***** صحيه ...


يبدو أن لسانه إعتاد على تلك الشتائم والسباب بدون داعي لكن أذنيها لم تعتادها بعد لتخفض عيناها بتيهه منكسرة من إنفعاله وسُبابه خاصة أمامهم جميعًا لتضطر للإنسحاب لداخل الغرفة لتحضر "زين" وتهرب من تلك العيون السعيدة بمشاهدتها وهي تُعَنَف من إبنهم الفارض لقوته أمامهم ...


إشرأب بعنقه بخيلاء وهو يعود لمقعده بعد تحرير "وعد" من بين يديه يلقى بنظرة تجاه والدته تفيد بـ (أرأيتي فأنا رجل قوى وأستطيع كسر أنفها ) ثم علت ثغره بسمة إنتصار وتلذذ قابلتها ما تماثلها بثغر "قسمت" و "عتاب" ...


خرجت "وعد" حاملة "زين" الذى كان مستاءًا للغاية فهو لم يستغرق بالنوم لحقهم "محب" الذى دار بعيناه بوجه الجميع يحاول فهم ما حدث والسبب به لكنه لن يتدخل بين "عاطف" و "وعد" حتى لا تطاله كلمة غير مسؤولة من أخيه الأكبر بعدم التدخل بينهم ، تناول الجميع طعامه ليصعد "عاطف" و "وعد" و"زين" شقتهم بينما خلد البقية للنوم ..


رغم خطأه بطريقته الفظة لإرضاء والدته وأخته إلا أنه لم يحبذ أن يتطاول عليها بتلك الطريقة لكنه لن يعترف بخطئه أو يعتذر منها فهو بالنهاية "عاطف الأسمر" الذى تسعي كل بنات حواء لإرضاءه وعليها هي أيضًا البحث عما يرضيه ، هكذا قالها لنفسه لينهي الليلة بكبر نفس وضيق غير مبرر رغم محبته لها ...﴾


كم تمنت لو أن تلك الليلة إنتهت بكلمة أسف حانية لكان الأمر تبدل تمامًا ، لكانت تغاضت عن تطاولة وإهانته لها ، لكانت أحبته ، صدع بداخل نفسها كان سببه "عاطف" ولم تستطع ترميمه أو تخطيه فقد بدأ بهدم أول حجر بعلاقتهما سويًا دون أن يدرى ...


❈-❈-❈


ليل عاصف طويل لم يخلو من أصوات الرعد وتلك الومضات التى لم تتوقف من أنوار البرق الذى يدب بقلب "عهد" المرتجف فهي لا تخشى سوى أصوات الرعد كصرخات ينتفض لها جسدها .


لم يحميها من تلك الأجواء سوى وجودها بهذا الكوخ ، وبساعات الصباح الباكر إستيقظت "عهد" بموعدها دون تلكؤ أو تأخير تمامًا كما لو أن هناك منبه طبيعي يدق برأسها ...


لملمت شعرها الحريرى بقسوة حتى لا تضايقها خصلاته التى تنفلت من وقت لآخر لكنها مازالت ترتدى الكنزة الرمادية الخاصة بـ"كاتينا" منذ الأمس .


هبطت الدرج تقلب أرجائه بمقلتيها الساخطتان من هذا الهدوء الذى يعم أرجاء الكوخ فيبدو أن أصحابه كالوطاويط ينامون نهارًا ويستيقظون فى الليل فيا لهم من كسالي لتغمغم بنبرة خفيضة ...

_ أتاريهم بيقولوا لبعض صباح الخير العصر ، ناس مغيبه ...


قالتها ترفض حياتهم ورعونتهم كما لو أنها عُينت وصية عليهم وعلى تصرفاتهم وليست ضيفة بهذا المكان ...


رغم أن حياتها لا تختلف عن هذا الهدوء الذى يحيطها الآن إلا أن كسلهم إستفز روحها من داخلها خاصة هذا الرجل ، أطاحت بتلك الأفكار جانبًا لتتجه نحو زاوية الطبخ محدثه نفسها ...

_ وهو أنا حفضل لحد ما يقوموا جعانة كدة ، مش كفاية القرف اللي أكلهولي إمبارح ، لا أنا حشوف حاجة أكلها ...


إتجهت نحو تلك الزاوية التى صممت كمطبخ مفتوح لتلقي نظرة تفحصيه داخل المبرد كما لو كانت تملك المكان وليست ضيفة به ..


شعور بالرضا دق بداخلها حين وجدت بعض المعلبات ومنهم علب الفول الذى اشتاقت له لتسحب إحداها وتبدأ بصنع إفطار مصري أصيل من عدة أصناف تعوض به نفسها عن تلك الوجبه السيئة التى تناولتها بالأمس أنهتها بصنع مشروب الشاي بالنعناع الذى لا تستغنى عنه ببداية يومها ...


وضعت الأطباق فوق الطاولة وقد أعدت وجبتها الشهية لكن ينقصها فقط الخبز ، عادت للمبرد تبحث عنه فهي لا تعلم أين يحتفظان به ..


صوت أرجف قلبها قبل جسدها لتلتفت بأعين متسعه وهي تزدرد ريقها الذى جف للحظة وهي تطالع صاحبه الذى وقف من خلفها ..

_ العيش فوق ، ومتنسيش تعملي حسابي ..


إستقامت بصمت تناظره وقد علت قاتمتيه عن نظرة مبهمة غير مفهومة بالنسبة لها ، نظرة كمن يستكشف ما بداخلها بإختراق لكل حصونها وهي عاجزة عن ردها إنتهت بجلوسه بمقعد حول الطاولة وهو يطالع الأطباق بتلذذ ...

_ الواحد وحشه الأكل المصري وطبق الفول ...


إرتشف رشفة من كوب الشاي خاصتها ثم أغمض عيناه بإستمتاع لمذاقها الطيب ، تعالت ضربات قلبها بقوة وما تعجبت له هو تلك الإبتسامة التى حاولت تشق طريقها فوق ثغرها لتنتبه لنفسها وتستعيد تماسكها وخشونتها مرة أخرى لتخرجه من تلك الحالة الهائمة بإستمتاع تناوله لطعامها وإحتساء كوب الشاي خاصتها لتهتف به بضراوة ...

_ حاسب حاسب ، ده فطاري يا أخ إنت ... أنا جعااانة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

أخرجته خشونتها من حالة التلذذ الذى كان يهيم بها ليفتح جفناه ممتعضًا بتهكم ...

_ طوبة بتتكلم ، ده بيتي ده إللي إنتِ مبرطعه فيه ...


قالها بإستفزاز ليحث ثورتها على الخروج فكم كان مستمتعًا بالأمس من إثارة أعصابها وحنقها ..


بإقتضاب لوجهها وعقص أنفها أجابته بإستهزاء ...

_ حدفع لك تمنه يا أخويا ، وروح خلي العصفورة بتاعتك تعمل لك عك من بتاعها تاكلوا ، ربنا يوجع بطنكم زى ما وجعتوا بطني ...


أجابها وقد قُلبت ملامحه بتذكره لطعام "كاتينا" سئ المذاق ..

_ الله يسامحك يا "كاتينا" ...( ثم تطلع نحوها بطرف عيناه ليكمل بإثاره غيظها ) ... أكلها وحش بس هي زى القمر ...


بإيمائه تمثيليه توحي بالتقزز وهي تشمئز بأنفها وتخرج طرف لسانها عقبت "عهد"...

_ خليها تنفعك ...


قالتها وهي تسحب الأطباق لجانبها تحرمه من تذوق طعامها ، بينما شعر "معتصم" بشئ يدغدغ مشاعره تجاه تلك الوقحة التى تطلق الكلمات كطلقات الرصاص ، طريقة جافه لكنها جذبت إنتباهه بقوة ، غريبة قوية فريدة من نوعها ، لم ينكر أنه إنجذب إليها دون سيطرة منه على نفسه لكنه أخفى ذلك خلف قناع النفور وهو ينحى بعيناه بالإتجاه المقابل ..


أعاد وجهه تجاهها متحدثًا بقوة يعقد معها إتفاق بإسلوب إسترق إنتباهها وكيانها معه ...

_ حنتفق إتفاق ، الأكل ده بتاعي ، وإنتِ إللي عملتيه نبقى خالصين ، واحدة بواحدة، ناكل سوا ونرتاح شوية من أكل "كاتينا" بس المهم ميبقاش فيه أكل مشطشط ، لأن أنا بتعب منه ...


طريقته أعجبتها للغاية لتزم فمها ببعض الإنتصار وهي تومئ بالموافقة قبل أن تدفع بالأطباق مرة أخرى لمنتصف الطاولة قائله ...

_ موافقه ...


مشاكسة لطيفة إنتهت بتناول الطعام ، رغم إجتياح هذا الاضطراب الغريب كليًا عليها إلا أنها حاولت أن يكون كل همها هو تناول الطعام ، بينما إنهمك "معتصم" بتناوله بشهية فقد ذكره مذاق هذا الطعام بما كانت تعده والدته "منار" فهي طباخة ماهرة رغم كونها طبيبة ذائعة الصيت أيضًا ..


رغم هذا الصمت وبعد تناول الوجبة إختفى "معتصم" تمامًا عن مرآى "عهد" فيبدو أنه خلد للنوم مرة أخرى ...


بنظافتها المثالية أعادت "عهد" كل شئ لموضعة تمامًا قبل أن تحمل ملابسها التى جفت لتعود لغرفتها لتبديلها فهي لا تشعر بالإرتياح بغير ملابسها لتعود للونها الذى يطابق شخصيتها ، اللون الأسود ...


❈-❈-❈


بيت عائلة دويدار ..

عرف الكرم بأهله ما بال أهل الكرماء ، لم تكن تلك العزيمة مجرد طعام يصنف بأشهى أطباقه لكنها المحبة التى تولد بهذا القرب ...


لم يكذب من قال أن العيش والملح وثاق القلوب ، وهذا ما تفعله "منار" وزوجها ، فقدر المستطاع يجب أن يتجمع أبنائها وزوجاتهم بالمستقبل بوليمة تقربهم منهم ويشعرون بها بحميمية العائلة ....


تلك الحميمية التى ينقصها "معتصم" الغائب بعمله عنهم ...


إستيقظت منذ ساعات تحضر بتلك الأصناف الشهية من الطعام لأجل عزيمة غذاء اليوم ، دفء وروائح شهية مختلطة زجت بأنف "خالد" الذى وقف بباب المطبخ مقتضب الوجه مشفقًا على تلك التى أفنت وقتها بداخله ...

_ لزومه إيه ده كله ، بتتعبى نفسك على الفاضي يا "منار" ، طب كنتِ أجلتي العزومة دى لما ترجع "أم مجدي" ...


رغم إرهاقها إلا أنها إبتسمت مجيبة إياه بمحبة أم متفانية ..

_ يا سلام ، ما نتجمعش عشان "أم مجدي" ، وبعدين أنا مبسوطة وإحنا متجمعين النهاردة ، عقبال ما يرجع "معتصم" هو كمان ويتلم معانا ...


ضحك "خالد" لتلك المفارقة ..

_ "معتصم" !!! هو إبنك ده بقينا نشوفه ، ده شغله واخد وقته كله ، ده غير إنه رافض موضوع الجواز ده ، يعنى عمره ما حييجي ويتجمع معانا ومعاه مراته ولا خطيبته ...


_ "معتصم" شخصية متعبة ، ومش أى واحدة تعجبه ... المهم ، محدش من الولاد جه ؟! 


أشار "خالد" تجاه الخارج قائلاً ...

_ رؤوف هنا كدة كدة ، بس لسه ولا "عيسى" ولا "غدير" نزلوا ، ولا حتى "نيره" جت ...


_ متنساش كمان "مودة" أخت "غدير" أنا قلت لها تيجى ...


رغم طبعة القاسي إلا أنه إستحسن تلك الفكرة قائلاً ...

_ كويس إنك عزمتيها ، البنت دى بتصعب عليا أوى ، عيشتها لوحدها كدة تصعب عليكِ ...


_ صدقت والله ، من يوم جواز "عيسى" و"غدير" وهي لوحدها خالص ...


دق جرس الباب بصورة مزعجة للعديد من المرات المتتالية لكنهم لم يتضايقوا بالمرة فتلك الدقات تُعرف صاحبتها بالتأكيد ...

_ دى أكيد "غدير" ..


نظر "خالد" تجاه باب المطبخ قبل أن يخرج مؤكدًا ذلك ...

_ طبعًا هي ، زمان "رؤوف" فتح لها ...


دلفت "غدير" بجلبتها المحببة ...

_ إيه الروايح إللي تفتح النفس دي ، أموت أنا ...


عقبت "منار" بعفوية ...

_ بعد الشر عنك ... تعالي يا "دورا" أحسن أنا تعبت من بدرى ...


قضبت "غدير" حاجبيها بتصنع للضيق ...

_ ما هو إنتِ نشيطة أوى زيادة عن اللزوم بصراحة ، حد يصحى الفجر يطبخ يا دكتورتنا ، ده كلام ...


_ بطلي غلبة وخدى البطاطس قشريها ...


أوسعت "غدير" من حدقتيها وهى تمد كفيها تعجبًا ...

_ بطاطس إيه !!! إحنا متفقناش على كدة ( ثم إستدارت تجاه "خالد" بإندهاش) .. إلحق يا عمووو ، المدام عايزاني أقشر البطاطس ، أنا جايه آكل ، أملا كرشي بنجاح ... إنتوا بتستغلوني ولا إيه ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

رغم مزاحها إلا أن "خالد" طلب من "منار" ألا تتعب "غدير" بمساعدتها ...

_ خلاص يا "منار" ، بلاش تتعبي "غدير" ... 


عادت "غدير" بإندهاشها تجاهه ممازحة إياه ...

_ إيه يا سيادة المستشار ، حتوقعني مع حماتى ولا إيه ، خلاص نقشر والأمر لله وأهو كله بثوابه ...


رفعت وجهها تجاه "منار" و"خالد" المبتسمان من طريقتها التى لا يتخيلوا يومهم بدونها لتجلس خلف الطاولة تقشر حبات البطاطس قائله ...

_ صوروني بقي فيديو عشان أنزله على النت وأقول حماتى مصحياني من النجمة عشان أقشر لها البطاطس ...


قهقهات عالية صدحت بالمطبخ من طرافتها وخفة ظلها لتتعجب من ضحكتهم كما لو أنها تتحدث بجدية ...


خرج "خالد" ليعود لغرفة المعيشة يتصفح أحد كتبه حتى ينتهوا من تحضير الطعام ...


دلف "خالد" لغرفة المعيشة مستمعًا لنهاية مكالمة "رؤوف" مع "نيره" .. 

_ نازلك حالاً يا "نيرو" ، إركني بس عربيتك وأنا حالاً يا قلبي حتلاقيني قصادك ..


فهم "رؤوف" نظرات والده التى تتهمه بالضعف ليردف بتعجل ...

_ حبيبي وحبيب الكل ، حنزل أجيب "نيره" من تحت ، دقايق وراجع لك ...


رفع "خالد" حاجباه بإستنكار لحديث ولده اللين مع الجميع فيما تركه "رؤوف" راكضًا ليستقبل "نيره" التى وصلت للتو ...


صفت "نيره" سيارتها الصغيرة لتلاحظ من خلف نظارتها الشمسية "رؤوف" الذى وصل لإستقبالها ، نشوة إعترت نفسها وهي تلمح إبتسامته الواسعة وتلهفه لها ..


شعور بنوع من الغبطة والخيلاء لهذا الإهتمام الذى يخصها به ، ترجلت بهدوء من سيارتها لتجده يرحب بها بحديثه المعسول الذى يتصف به ..

_ نورك غطى على نور الشمس يا نور حياتي ...


_ ده واضح إن المزاج عالي النهاردة ؟!!!

(قالتها "نيره" ببعض التهكم تستحثه على المزيد ) 


_ لازم يبقى عالي ، مش حنقضى اليوم كله مع بعض النهاردة ...


تلك فرصة لن تتركها لتؤكد عليه محذرة ...

_ أنا عديتها النهاردة ، بس بكرة لازم نروح معرض الموبيليا تمام ...


أشار إليها باسطًا كفه نحو مدخل البناية وهو ينحني بطريقة تمثيلية إستعراضية ...

_ تحت أمر مولاتي ، إتفضلي بقي ...


تقدمته بخطواتها الرنانة إثر دق كعب حذائها العالِ كما لو كانت تسير على السجادة الحمراء بزهو سببه حبيبها الذى يضعها بمكانة خاصة عالية للغاية ...


فور صعودها إلى شقة والديه همس لها "رؤوف" منبهًا إياها ...

_ ماما و"غدير" في المطبخ ، تحبي تروحي لهم ولا تقعدي معايا أنا وبابا شوية ...


رغم إمتعاضها لمساعدة والدته التى لا تحبذها لكنها قررت المرور بها بدلا من بقائها مع والد "رؤوف" فهو جاد للغاية وتشعر بالحرج من حديثها معه ...

_ طيب نسلم عليهم وبعد كدة أقعد معاك ومع عمو "خالد" ...


_ حبيبي إنتِ ...


وقف "رؤوف" بباب المطبخ منبهًا والدته بحضور "نيره" ...

_ ماما ، "نيره" جت ...


إلتفتت "منار" نحو خطيبة ولدها بإبتسامة واسعة لترحب بها بحفاوة ...

_ "نيرو" حبيبتي ، منورة طبعًا ( قبلتها بسلام حميمي ثم إلتفتت نحو "رؤوف" معاتبة) ... كدة برضة تجيبها على المطبخ كدة ، كنت ناديني وأنا آجي أسلم عليها ...


أجابتها "نيره" بدبلوماسية ...

_ أنا إللي قلت له يا طنط ، وأهو أساعدكم شوية ...


_ جميلة إنتِ يا "نيرو" ، إحنا خلاص قربنا نخلص ، متتعبيش نفسك ...


_ أهو أقعد معاكم شوية ...


_ لو كدة تنورينا ...


أشارت لها "منار" بالجلوس على المقعد المجاور لـ"غدير" التى وقفت لتحية "نيره" منذ أن دلفت للمطبخ الكبير ، دنت "نيره" تحيي "غدير" التى تقبلت تحيتها بروحها الطيبة وهي تأشر لها بمشاركتها بالجلوس معهم ...

_ تعالي يا "نيرو" ، المطبخ يساع من الحبايب ألف ...


ثم بدأت بمزاحها المعتاد وتجاذب أطراف الحديث من هنا وهناك ، لم تكن "نيره" قادرة على مواكبة كل تلك الموضوعات التى تتطرق إليها "غدير" فكانت تكتفي ببعض الردود البسيطة أو إبتسامات وتعجبات من حين لآخر حتى دق هاتف "غدير" برقم "مودة" تخبرها بقدومها لتنهض "غدير" قائله ...

_ حروح أجيب "مودة" وجايه على طول ، معلش بقي البنت مكسوفة تدخل لوحدها ...


أومأت لها "منار" بالتفهم لتستكمل حديثها مع "نيره" وهي تنتهي من اللمسات الأخيرة للطعام ...


لحظات وقد عادت "غدير" بصحبة "مودة" للمطبخ وبعد تحية خفيفة من "مودة" التى تشعر بالحرج إكتفت بجلوسها على آخر مقعد حول الطاولة فيما وقفت "غدير" تشاهد تذوق "نيره" لشئ ما ...


قضبت "نيره" ملامحها قليلاً وهي تنظر لـ "منار" كخبيرة بالتذوق قائله ...

_ محتاج ملح يا طنط ...


_ متأكدة ، أنا خايفة أزود له ، بس شوفوا ذوقكم إنتوا اللي حتاكلوا ...


_ اه طبعًا ، باين خالص ...


أشارت "منار" تجاه "غدير" قائله ...

_ تعالي إنتِ كمان يا "دورا" ، أنا قلت لـ "نيره" تدوق الخضار تشوف الملح ، شوفي كدة إنتِ كمان عاوز ملح ، إنتِ عارفة إحنا بناكل بملح قليل عشان الضغط ، شوفوا إنتوا محتاج زيادة ولا إيه ؟!!.


هبت "غدير" للتذوق رغم خبرتها القليلة بهذا الأمر لكنها متذوقة بارعة ...

_ أشوووف ...


تذوقت القليل لتهتف بحماسها ...

_ ده فله ، شهد مكرر ، يا خرااابي مفيش زيه ، ولا غلطة يا "منوره" تسلم الإيد اللي طبخت والبوق اللي أكل ...


تعليقها الساخر أطلق قهقة خفيفة من "منار" لتعقب ..

_ يا بكاشة ...


ضمت "نيره" شفاهها بضيق وهي تطالع "غدير" بنفس مشحونة لما تتمتع به شخصيتها من سرعة الإنفعال ...

_ يعني أنا كدابه ... ؟؟! ولا مش بعرف أدوق ؟!!


إلتفت "غدير" تجاهها لتعقب بنفسها المرحة ...

_ ده يمكن عشان إنتِ سكر ومن كتر الحلو حسيتي إنه عايز ملح ، بس إنتِ إللي سكر أصلا ..


(لم تدع مجالاً لضيق نفس "نيره" بعد تعليقها الأقرب للمدح لتكتفي بذلك دون داعي لأى ضيق من هذا الأمر البسيط ) 


إكتفوا جميعًا من وجودهم بالمطبخ ليخرجوا نحو غرفة المعيشة الكبيرة لمشاركة "رؤوف" و "خالد" حتي مجئ "عيسى" لتناول الطعام جميعًا ...


❈-❈-❈


روسيا، الكوخ ...

فاصل زمني طويل بين وقت تناول فطورها بالصباح ورؤيتها لأصحاب الكوخ مرة أخرى ، تمللت "عهد" من التجول بأرجاء الكوخ لمدة لا بأس بها وتصفحها لجهازها اللوحي لبعض الوقت ..


وأخيرًا أهلت "كاتينا" تتقدم نحوها كهولاء العارضات بخطوات رشيقة للغاية ، ترتدي منامة وردية ناعمة دبت الغيره لترجف كيانها فهل سيراها "معتصم" بتلك المنامة القصيرة التى تبرز ساقيها النحيلتين ..


إحساس نهرت نفسها عليه لكن سرعان ما عللت ذلك لنفسها بأن "كاتينا" ليست بزوجته ليراها بتلك الصورة الخليعة ، أرادت لو أن تنقض عليها كثور هائج تجرر تلك الشقراء تمسح بها أرضية الكوخ لحظة أن وقعت عيناها عليها ، لكنها تداركت نفسها وكظمت غيظها قائله بهمهمة ..

_ سحلية صحيح ...


هزت "كاتينا" رأسها بعدم فهم لترد بظنها أن "عهد" تحييها تحية الصباح ...

_ صباح الخير لكِ أيضًا عزيزتي ...


رفعت "عهد" فوق ثغرها تلك البسمة المتكلفة قائلة بصوت مسموع ...

_ لا وغبية ما شاء الله ...


أومأت "كاتينا" كما لو كانت تفهم لغة "عهد" لتردف بحماقة ...

_ أها ... شكرًا ...


أشارت "عهد" بإبتسامة تجاه الأريكة مستمتعة بغباء "كاتينا" وعدم فهمها ما تقول ...

_ أقعدي يا أم سحلول ... أقعدي ...


جلست "كاتينا" لفهمها إشارة "عهد" رغم عدم إدراكها لما تقول ، رفعت "كاتينا" عيناها أولًا تجاه الدرج تتأكد بأن "معتصم" لم يأتي بعد لتعود تحدث "عهد" بنبرة هامسه وسط حماسها المفرط ...

_ أود أن أخبرك شيئًا ما ، وأتمنى مساعدتك طالما ستبقين معنا لبعض الوقت ...


برغم أن المساعدة ليست من طبعها إلا أن الفضول إعتراها لمعرفة ما تخبئه تلك الضئيلة بجعبتها لتردف بتعاون شديد ..

_ بالتأكيد ، سأساعدك بالطبع ... لكن بما سأساعدك ...؟!!


لملمت "كاتينا" إبتسامتها العريضة المتحمسة مستكملة ..

_ إن غدًا عيد ميلاد "ماوصي" وأود أن أحضر له مفاجأة ...


غمغمت "عهد" بتهكم ...

_( يا دي "ماوصي" ...كأنك بتتكلمي عن فار مش راجل قد الحيطة ... قال "ماوصي" قال ...!!! ) 


هزت "كاتينا" رأسها بعدم فهم..

_ معذرة .. ماذا تقولين ؟!!


_ أقول يا لحظ "ماوصي" .. أكملي أكملي ...


قالتها بإبتسامة تشنج لها وجهها فهي لم تعتاد أن تظل مبتسمة طوال هذا الوقت من قبل ..


إستطردت "كاتينا" ...

_ سأصنع كعكة عيد ميلاد له وأود منكِ أن تشغلي "ماوصي" حتى تصبح مفاجأة ، هل يمكنكِ ذلك ؟!!


إبتسمت إبتسامة حقيقية تلك المرة وهي تردف بالعربية أولا ...

_ أول مرة تقولي حاجة عليها القيمة ...


ثم أجابتها بالإنجليزية حتى تفهمها ...

_ على الرحب والسعة ، لا تشغلي بالك بهذا الأمر ، فقط دعيه لي ..


بإمتنان بالغ هزت "كاتينا" رأسها لقبول "عهد" مساعدتها بهذا الأمر ، إنتبهت كلاهما على وقع خطوات "معتصم" أعلى الدرج ليتابعاه حتى إقترابه منهم وهو يقول بتكاسل ...

_ صباح الخير ...


أجابته "كاتينا" بهيام ...

_ صباح الخير "ماوصي" ...


بينما أجابت "عهد" بغلظة ...

_ هو إنت الصباح عندك كام مرة ...!! 


عقد أنفه وهو يتشدق بحاجبه الأيمن بإستنكار من تلك فظة الحديث ...

_ عشرة ، ليكِ فيه .. ؟!! 


ثم أكمل ساخرًا من ملابسها السوداء مقارنة بما ترتديه "كاتينا" الناعمة ..

_ خير يا حاج "فتحي" رايح عزا ولا إيه ؟!!!


إرتفع وجهها بصدمة لتعلو ملامحها الضيق والغضب من تطاولة لتجيبه بهجوم شرس كضبع قد إنقض على فريسته بشراسة ...

_ ده إحترام يا أخويا ، ما إنت صحيح واخد على المهزقين ...


ثم رمقت "كاتينا" بإزدراء تقصدها بحديثها ليستكمل هو مناوشته معها بإستمتاع ...

_ أقله دي بنت يا حاج "فتحي" مالك إنتَ ومال البنات بس ...


أثار حنقها بسخريته منها بشكل يفوق تحملها لتنهض بإنفعال تدب قدميها بالأرض بقوة أثاء صعودها الدرج متجهه نحو غرفتها ...


من يظن أن الفولاذ طيع سيتبدل ويتلوى ، منذ متى تتغير الثوابت ، متى تهتز الجبال ، إنه ذلك البركان الذى إستطاع بسهولة إشعال ثورته ليتفتت هذا الفولاذ كسيل منصهر ...


أو ربما لم تكن فولاذ فقط تتصنع التحلي به ومن داخلها هشة كورقة متخبطة برياح الشتاء العاتية ...


أغلقت "عهد" الباب من خلفها بصفق قوى ليتعالى صدرها صعودًا وهبوطًا بإنفعال غاضب ، ثائرة من سخافته وتعليقاته التى لا تشبهها ...


دلفت تدور حول نفسها بداخل الغرفة تغمغم بسخط ...

_ أنا ؟!!!! أنا يقول عليا الحاج "فتحي" .. ؟!! ليه !! مشبهش يعني ...؟!!


لمعت عيناها ببريق تحدي لا تدرى أنها بهذا تتغير وتتبدل لأجله ، هي التى لم تكترث ولم تبالي يومًا بمثل تلك التعليقات السخيفة ، لكنها الآن تريد أن تثبت له أنها مختلفة ، قادرة على أن تكون ما لا يمكنه تخيله ..

_ طيييب ، وربنا لأوريك مين هي "عهد مسعود" ...


أسرعت نحو الخزانة حيث وضعت "كاتينا" لها بعضًا من ملابسها لتقلب بينهم بضجر فرغم كونها تريد إظهار أنها ليست رجلاً جافًا إلا أن تلك الملابس مازالت لا تناسبها ...


بالنهاية أخرجت فستان قصير باللون الأبيض المموج باللون الأخضر والأصفر وهي تزم شفتيها ساخرة ..

_ فستان الأوزعة دي يا دوب ييجي عليا بلوزة ...!!!


لتعتبر هذا الفستان بمثابة قطعة علوية فقط لتبحث عن بنطال يناسبه ، لم تبحث كثيرًا فقط وجدت بنطال من اللون الأبيض الضيق ربما يصلح لهذا الفستان ..


خلعت سترتها السوداء وتلك الكنزة التى تماثلها لترتدى هذا الفستان يعلو البنطال الضيق الذى وصل طوله لمنتصف ساقها الطويلة ...


تطلعت بهيئتها الجديدة بالمرآة وهي تسحب عقدة شعرها الذى شعر بحريته أخيرًا مناسبًا بنعومة فوق كتفيها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

نظرت لوجهها الذى تبدلت ملامحة بلحظة لتظهر عيونها الناعسة المثيرة ووجنتها العريضة وجمالها المختفي خلف السواد لسنوات مضت ...


أكسبها لون الفستان المبهج نعومة وإثارة من نوع خاص ، نوع لم يمر بها من قبل ...


مالت تحدق بعيناها كما لو أنها تطالع صورة متحركة لشخص آخر ، فتاة جميلة لا تعرفها والغريب أنها تتمتع بأنوثة لم تكن تظن أنها تتمتع بها خاصة مع طول قامتها الممشوقة ...


لأول مرة تبتسم لنفسها برضا وإعجاب عن هيئة أنثوية لها لتهمس بتحدى ...

_ وريني بقى فين الحاج "فتحي" ..!!!


بتلك العبارة أنهت مهمتها بالغرفة لتخرج منها بغرور من نوع آخر تتوق لرؤية نظرته إليها الآن ...


تعمدت إصدار صوت بقدميها أثناء هبوطها لتجذب إنتباههم نحوها وبالطبع نجحت بذلك ...


سلطت عيناها عليه هو ، وهو فقط تود إقتناص تلك النظرة من عيناه حين إستدار ينظر بإتجاهها ...


بخطوات بطيئة متعمدة تحركت فوق درجات السلم الخشبي تتلاقى عيونها الباحثة عن غائرتيه ...


رفع "معتصم" عيناه بعد إلتفاته نحو الخلف بعدما إستمع لوقع أقدامها المعلنة عودتها بشغف للقاء جديد مع الوقحة ...


لكن ما لم يحسب حسابه هو ما وقعت عيناه عليه الآن ...


( الفصل السابع) « الخطوة الأولى »

الحياة خطوات تبعُد وتقترب ، خطوة تدفعنا نحو السعادة وأخرى تزجنا في الهاوية ، لكنها تبقى مجرد خطوات تبدأ دومًا بالخطوة الأولى ...


تلك الخطوة التي إذا تخطيتها لم يعد هناك مجالًا للتراجع ، خطوة تنزلق بعدها أقدامنا بالطريق الذى إخترناه ..


فياليت الخطوات تُقرب المسافات بين القلوب فلو كانت المسافات تُباع لكنت إشتريت أقربها إليك ..

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بيت المستشار خالد دويدار ...

بعد الإنتهاء من تجهيز كل تلك الأصناف الشهية من الطعام والتي قامت "منار" بتحضيرها دون مساعدة بالطبع إلا من لمسات بسيطة من الثلاث فتيات اللاتي ملأن الأجواء بإنتعاشة وليونة غير معتادة على هذا البيت الذكوري البحت ...


خرجن من المطبخ وكلا منهم تتحدث بأريحية تامة بينما كانت "مودة" أكثرهم هدوءًا وصمتًا ، ليس لأن تلك عادتها فهي بعيدة عن ذلك تمامًا بل لأن ما تشعر به هو بُعد المسافات بينها وبين من سرق قلبها بلا منازع لكن للأسف رغمًا عنها ...


رغم بساطتها وروحها المرحة وإستقامتها المشهود لها كأختها تمامًا إلا أن هذا العشق الذى أحيا قلبها مرفوض تمامًا من عقلها ومن المجتمع ككل رغم عدم تصريحها به لأى مخلوق حتى "غدير" لم تخبرها بالأمر مطلقًا فهي تعلم مسبقًا رد فعلها إذا علمت بذلك ، لتخفي عشقها بأسوار قلبها المنيع وتستجدي عقلها بالتصرف فهذا القلب الذى يهوى لا تملكه بين يديها بل سرقه منها هذا الواقف بغرفة المعيشة دون سابق إنذار ...


تطلعت "مودة" بعيون يملؤها الشوق لرؤية "رؤوف" الذى إتسعت إبتسامته المرحبة بحفاوة بوجود أخرى ، نظرات لا تشملها بل تتجه نحو من تستحقها "نيره" فهي خطيبته والتي من المفترض أن يتم زواجهم بعد شهور قليلة ...


دقات متضاربة داخل صدرها يعلن إشتياقها وحبها له لكنها عادت ونكست عيناها تنشغل بأى شئ حولها حتى لا تفضحها نظراتها العاشقة المتيمة ....


كم هو مؤلم قاسي شعور المحب من طرف وحيد ، كمن أمسك الجمر بيداه ليغرسه بقلبه متعمدًا ، وكيف متعمدًا بل هو مجبر على ذلك دون إرادته ...


تابعت بصمت حديث المحيطين من حولها دون التدخل تؤثر البقاء هادئة حتى لا تظهر أى مشاعر تجاه "رؤوف" الذى بدأ حديثه ..

_ التجمع ده مخلي البيت حاجة تاااانيه ، ما .. تبقوا تيجوا كل يوم ...


قالها بغمزته اللطيفة التى سرقت قلبها لتبتسم للطفه وحديثه المنمق لكن الرد كان من "نيره" ...

_ أنا لولا طنط "منار" وأونكل "خالد" مكنتش جيت النهاردة ، إنما إنت .. تؤ .. لأ ...


قالتها تستفزه بحديثها الذى يشوبه بعض الجدية رغم ما تظهره من مزاح ، لتكون إجابته برومانسية تمثيلية دبت بغيره بقلب "مودة" وهى تطالعهما معًا ...

_ وأهون عليكِ برضة ، ده أنا "أوفه" ... حبيبك ( أنهى جملته بغمزته التى أطلقت ضحكة "نيره" برضا ) 


_ يعني ... شوية ( ثم أوضحت ببعض التحذير) .. شوية صغيرين وبس ، وإنت فاهم ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

أمال بجذعه نحو الأمام بإيمائة مسرحية وهو يسند كفه فوق صدره ليقوم بالتحية والإنصياع لأمرها ...

_ وإحنا نطول ، تحت أمرك يا فندم ...


قطع حديثهم صوت "خالد" الذى تقدم نحوهم للتو ...

_ مش كفاية رغي ولا إيه ؟!! ( ثم وجه حديثه لـ"منار" ) .. هو إحنا مش حنتغدي ، أنا جوعت ...


أمالت "منار" رأسها قائلة ...

_ حالًا أهو ، يلا يا بنات نحط الأكل ...


خرجت "غدير" عن صمتها بإتساع حدقتيها برفض تام ...

_ لاااااا ، ولا يمكن أبدااا ، "عيسى" لسه مجاش ، مش واكله من غيره أنا ...


تطلع "خالد" تجاه ساعة الحائط التى إقتربت عقاربها على الخامسة .. 

_ الساعة خمسة ، هو منزلش ليه لحد دلوقتِ ...؟!! ولا هو غاوي يأخرنا وخلاص ...


رفعت "غدير" إصبعها وهي تتراجع نحو باب الشقة بعجالة ...

_ ثواني بس ، حروح أجيبه من قفاه وجايه ، إوعوا تاكلوا ، ده أنا أصور لكم قتيل هنا ... أنا جايه على طول ...


فتحت الباب لتخرج راكضة درجات السلم بينما تعالت ضحكات الجميع على روحها المازحة خفيفة الظل ...


دلفت "منار" نحو المطبخ مرة أخرى لتتبعها "نيره" التى تورطت بمساعدتها رغمًا عنها لغياب "غدير" بينما تناست "مودة" نفسها وهي مازالت متحجرة تطالع إبتسامة "رؤوف" التى أظهرت مقدمة أسنانه بشكل طريف للغاية ...


لم ينحي "رؤوف" عيناه عنها أيضًا فهي ضيفتهم وأخت زوجة أخيه اللطيفة ، كما أن طبعه المجامل معسول الحديث لن يترك فرصة مع فتاة جميلة كـ "مودة" دون إنتهاز تلك الفرصة خاصة بعد عودة والده لداخل الغرفة بإنتظار تحضير الطعام ...

_ عامله إيه يا "مودة" ...؟! 


تسارعت ضربات قلبها بقوة فقد خصها بحديثه ، إنه يتحدث معها ، يا لسعادتها الآن ، تشعر بأن قدميها لا تلمسان الأرض فقد كادت تطير من فرط سعادتها ، لقد تقدمت بخطوة فى طريق يجمعهما معًا ، كلماته التى سببت لها إضطرابًا جعلها تدفع بخصلة شعرها الأسود الناعم خلف أذنها بإرتباك ...

_ أنا ... أنا كويسة ، كويسة خالص ...


_ إنتِ آخر سنة فى الكلية السنة دى صح ؟!!


_ أيوة ، آخر سنة ، بس ممكن أعمل دبلومة بعد ما أخلص ...


جلس فوق مسند أحد المقاعد العريضة وهو يسند ذراعيه أحدهما فوق الأخر بجاذبية فاهت لها "مودة" بقوة ليستكمل حديثه معها بلطافة لم تماثلها شئ بحياتها من قبل ...

_ دبلومة ؟!! ده إنتِ شاطرة بقى ، وعايزة تعملي الدبلومة فى إيه ؟!!


نطقتها بعفوية فهي تتمنى أى شئ يدفعها لقُربه ...

_ فى الأدوية ، المجال ده بحبه أوى ، ممكن أخد الدبلومة دى فى كلية علوم ، نفسي أوى أشتغل فى مجال الأدوية والحاجات دي ...


_ حلو أوي ، ده حتى ممكن ساعتها أدور لك على شغل فى الشركة معانا ...


نطقتها بروحها قبل عقلها ، لو تمعن قليلًا لأدرك عشقها الذى يفيض من قلبها وعيونها التى هامت به دون سيطرة ...

_ يا ريييت ...


_خلصي إنتِ بس وسيبي موضوع الشغل ده عليا ، ماشي يا جميلة ...


قالها معتادًا على حديثه المعسول وطريقته المغازلة الطبيعية دون أن يخصها بذاتها ، لكن وقع كلمة (جميلة) على مسامعها جعل شفتيها تنشقان عن إبتسامة عريضة فقد رآها جميلة ، لقد لفتت نظره إليها لتنكس عيناه بخجل ..

_ ميرسي ...


أهلت "نيره" بعينان تدقان شررًا وغيرة من حديث "رؤوف" مع "مودة" وإستماعها لآخر كلماتهما لترمق "مودة" بنظرة إحتقار وإشمئزاز جعلتها تنتفض بوقفتها لتعتذر من وجودها قبل أن تنسحب مسرعة نحو المطبخ ..

_ بعد إذنكم أااااا ... أساعد طنط جوه ...


دلفت "مودة" بإرتباك شديد تلوم نفسها على إنسايقها خلف قلبها الذى أصبحت لا تسيطر عليه برفقة هذا الشاب ، بينما عادت "نيره" بنظراتها الغاضبة تجاه "رؤوف" تحدجه بقوة متسائلة بإستنكار ...

_ إيه اللي بيحصل هنا ده ...؟!!


أجابها بدون إدراك لمقصدها فهو كان يتحدث بطبيعته ..

_ بيحصل إيه ؟!! مالك ؟!!


وضعت الأطباق التى كانت تحملها عن يدها فوق طاولة الطعام ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي ترفع حاجبها الأيمن بإستنكار شديد ...

_ قعدتك إنت والهانم بالشكل ده ، وكلامك معاها ، إيه يا "رؤوف" مش حتبطل طريقتك ونحنحتك دى مع كل بنت تشوفها ؟!!


رفع كفه مندهشًا من حديثها ..

_ إنتِ بتقولي إيه ..؟! أنا بتكلم معاها عادي يعني ، متنسيش إنها أخت "غدير" ، باخد وبدي مع ضيفة فى بيتنا ، ولا لازم أبقى قليل الذوق ..؟!!


_ لا يا حبيبي ، إنت متبقاش قليل الذوق ، يا سلام ، بنت وفي بيتكم تسيبها فى حالها ، إزااااى ؟!!!

قالتها بتهكم من تصرفاته الراعنة التى ضاقت لها ذرعًا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بلحظة شعر بغضبها و حِدتها التي ستقضي على الصفاء بينهم ليسترسل بحديثه الناعم ليثنيها عن أفكارها الغاضبة ...

_ إنتِ غيرانه يا روحي ، هو فيه زيك إنتِ فى قلبي يا قلبي ، ده إنتِ كِريمة حياتي وسكر أيامي كلها ...


رغم ميلها للتغاضي عن أفعاله لطريقته الناعمة معها إلا أنها أجابته بإشمئزاز ...

_ ما إنت اللي طفس ، بتسيب الكِريمة وتروح للمخلل ...


_ وأنا أقدر برضه ...


_ يا خوفي منك ، إنت رهيب وأنا تعبت منك ، إيه ، مبتفوتش أبدًا ، لازم كل بنت تشوفها تسبِل لها كدة ؟!!


_ حبيبة قلبي ، أنا بس بجامل مش أكتر ( ثم غمز غمزته قائلًا بتغزل ) ... إنتَ اللي فى القلب ...


ثم أطلق قُبلة فى الهواء جعلها تخجل من تصرفاته المراهقة فربما يراهما أحد ..


_ "رؤوف" !!!! بس ... 


_ عيون "رؤوف" .. إيه ... مش كفاية زعيق زعيق ، مفيش شوية حنان لـ" أوفه" ؟!!


_ بس يا "رؤوف" .. أنا مش بتاعة المياعه دى ...


❈-❈-❈


بالطابق التالي لشقة "خالد دويدار" فتحت "غدير" باب شقتها بمفتاحها الخاص لتدلف بخطواتها الرشيقة السريعة نحو الداخل تبحث بعيناها الواسعتان عن "عيسى" والذى لم يظهر بعد بعزيمة والديه بشقتهم ...


لم تنتظر رؤيته بل أطلقت ندائها الشقي باحثة عنه ...

_ "إيسوووووووووو" .... "إيسوووووووو" .. إنت فين يا "عيسى" .. إنت فيـــــن ؟!   "دورا" بتدور عليك ، يااااا "عيــــــــسى" .....


أقبل نحوها خارجًا من غرفة المعيشة والتى تحتوى على مكتبته الخاصة التى يحتفظ بها بكتبه وأوراقه الهامة ، علت ملامحه تلك البسمة بأريحية شديدة لرؤية تلك المنتعشة التى تخرجه من توتره وتحجره لعالمها الملئ بالحيوية والحياة ....

_ أنا هنا يا "دورا" ...


لو كانت الدنيا خالية تمامًا إلا منه هو فقط فهذا يكفيها ، لقد أصبحت حياتها كلها "عيسى" وهو فقط ، لا تهتم لسواه ولا تعشق سوى رؤيته ، لا تتلذذ بطعم الحياة إلا وهو قريب منها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

أسرعت تجاهه يملؤها الشوق لغيابها عنه لتلك الساعات القليلة بشقة والديه لتركض كطفلة صغيرة تبحث عن أمانها وسكنها ، لم يكن منه سوى إستقباله لمالكة قلبه و كيانه وهو يفتح ذراعيه عن آخرهما يلتقطها بينهما يحيطها بتشبث مغمضًا عيناه براحة حين سكنت بين أحضانه بهدوء ...


تلك الحالة الوحيدة التى تستكين بها "غدير" بوداعَه ، لحظات تغنيها عن العالم بأسره ، لحظات يتمناها "عيسى" لتربت على حياته القاتمة بوجودها ...


فتح عيناه متسائلًا ببسمة خفيفة ..

_ وحشتيني ...


رفعت عيناها تجاهه وهى تحاول أن تتشدق بعنقها لربما تصل لكتفيه ثم أجابته بنظرات هائمة بعيناه الجذابتين ...

_ إنت وحشتني أكتر ..( ثم قلبت شفتيها بدلال معاتبة إياه ) .. لو كنت وحشتك كنت نزلت من بدرى تقعد معانا !!! 


_ أنا مش عايز أقعد مع حد غيرك ، عايزك إنتِ وبس ...


شعرت "غدير" بنبرة حزينة بصوته الرخيم لتنتفض بقلق تجول بمقلتيها بداخل خاصتيه لعلها تستكشف ما سبب ذلك الحزن ..

_ مالك يا "عيسى" ؟!! إيه إللي مزعلك ؟؟!


مسح رأسها بحنان يزيح خصلاتها المموجة عن جبهتها متعمقًا بعيناها اللاتى تضيئان حياته ثم أردف بغموض معتاد ..

_ عمري ما أزعل وإنتِ معايا ، إنتِ بس وحشتيني ...


_ مش مصدقاك ، قول على طول متلعبش بأعصابي ...


تنهد "عيسى" من كاشفة أمره ، هى الوحيدة التى أصبحت قادرة على قرائته ككتاب مفتوح مهما حاول إخفاء ما بداخله ...

_ شوية أحلام بقالي كام يوم بحلمها مش عايز أحكيها ، بس مضايقاني أوى ...


فهمت قصده بعدم قص تلك الأحلام المزعجة حتى لا تحقق فالأحلام على جناح طائر تفسر كما تقص لتبدل الأمر بمزاحها لتخفف عنه أفكاره وإحساسه بالضيق ...

_ بتحلم بمين من ورايا يا "إيسو" .. إوعى تكون بتخوني بتخوني يا عم حسام ...


قهقة "عيسى" بخفة لكنه مازال قلقًا من تكرار تلك الأحلام بالفترة الأخيرة والتى كانت كلها تشير لأمر واحد بُعده عن "غدير" ...

_ هو إنتِ عمرك ما حتتكلمي جد ..؟!!


_ وأتكلم جد ليه ، خلينا نفرح وننبسط ، هو إحنا لازم نشيل للدنيا هم ، طول ما إحنا مع بعض خلاص مفيش حاجة تانية مهمة ولا تزعل ولا نعمل لها حساب ... 


غاص هائمًا بقطعة الشيكولاتة خاصته مدركًا تمامًا أن ما تتفوه به هو الحقيقة كاملة ليومئ يالإيجاب ..

_ عندك حق ، المهم إن إنتِ معايا ، أنا مش عاوز غير إن إنتِ تبقي معايا ...


_ أنا معاك عمري كله ولا يمكن أسيبك لحظة ... ( ثم أدركت تأخره بالفعل لتتسائل بفضول ) ... بس بجد إيه إللي أخرك كدة ؟؟؟


_ كان فيه ورق قضية جديدة كنت بقراها وأشوف إيه إللي فيها ...


جذبته بقوة نحو باب الشقة بشقاوتها ...

_ ده وقت شغل ، يلا ننزل حيخلصوا الأكل ...


إنساق معها بدون تفكير وقد إتسعت إبتسامته لطرافة زوجته نسمة هوائه العليلة ..


❈-❈-❈


روسيا ، الكوخ ...

وقفت بكل شموخ تطالع عيونهم التى تحدق بها من أعلى درجات السلم وهى تدرى أنها مختلفة للغاية ، لا تكترث بالمرة للعيون الزرقاء لتلك المُلونة لكنها تابعت نظراته هو حين إعتدل بداية بلفتة خفيفة من رأسه يناظر تلك التى عادت مرة أخرى ...


تبدلت اللفتة إلى إستدارة كاملة بأعلى جسده وقد إسترقت "عهد" إنتباهه الكامل ليطالعها بنظرة غامضة طويلة للغاية لم تستشف منها إن كانت أثارت إعجابه أم سخريته حين ظهرت تلك البسمة الخفيفة فوق ثغره سرعان ما أخفاها خلف قناع اللامبالاة الذى يبدو أنه بارع بإرتدائه ...


هبطت الدرج ومازالت تتواصل معه بذات النظرة الطويلة من كلاهما ، هي تفخر بنفسها وما تظهر به وهو بنظرته الغير مفهومة بالنسبة إليها ...


أخفى إبتسامته لكن عيناه مازالت تتحدث بلغة لم تفهمها "عهد" ولم يفهما هو بذاته ، بلحظة رؤيتها بتلك الهيئة الجديدة كانت لو أنها فتاة مختلفة عن تلك الوقحة الخشنة التى أتت إليهم بالأمس ، كانت جميلة تتحلى بأنوثة وسحر جذبه دون وعى ، لكنها كانت قوية أيضًا ، كيف جمعت بين أنوثة فتاة وقوة وشموخ لم يرها بمثلها من قبل ...


رآها مميزة ومختلفة بصورة جعلته مسحور فقد سلبت عقله بحضورها المميز ...


تابع تحركها حتى دنت منهما ومازالت نظراتهما متصلة بوصل عجيب ، هو "معتصم" لم تجرؤ إحداهن على تخطى تلك المنطقة المظلمة بداخله ها هو يهتز برؤية الغريبة تجذبه بحديثها وتصرفاتها برغم خشونتها ، سحرته بطلتها الأنثوية رغم رؤيته لجميلات كُثر ، إنه متيقن تمامًا أنها فريدة بشكل لا يمكنه نفسه بوصفها ...


تحمست "كاتينا" لرؤية "عهد" بهذه الملابس لتهتف بإعجاب ...

_ رائع ، إنكِ جميلة للغاية يا عزيزتي ...


_ شكرًا لكِ ( قالتها "عهد" بإيمائة خفيفة وهي تسترق بنظراتها الجانبية لهذا المحدق بتفاصيلها ) ..


زاغت عينا "معتصم" مدركًا لما فعلته به هذه (الوقحة) ليتسارع تنفسه قليلًا ليسرع بإخراج هاتفه يعبث به متصنعًا الإنشغال وهو ينهر نفسه بقوة فكيف ينجذب لفتاة بهذه الطريقة ، كيف يترك لقلبه السيطرة على نفسه ، لا ... هو أقوى من ذلك ويستطيع السيطرة على نفسه وقلبه ، فلم تخلق بعد من تهز "معتصم دويدار" مهما كانت ومهما فعلت ...


تغاضيه عن مظهرها الجديد أثار حنق "عهد" وضيقها فقد فعلت ذلك لأجل جذب إنتباهه لكنه لم يظهر حتى إعجابًا ولو مجاملة وكذبًا لتمتعض بشدة لكنها مضطرة للجلوس فقد حضرت للتو لمشاركتهم ...


بدأت "كاتينا" بالثرثرة و"عهد" بالمجاملة لبعض الوقت رغم ضيق "عهد" من هذا الغير مبالي بها ...

_ سأحضر لكم مشروب مميز جدًا ، أنا مشهورة بصنعه ...


قالتها "كاتينا" وهي تنهض تجاه زاوية المطبخ لتجدها "عهد" فرصة سانحة للتحدث مع "معتصم" قائلة بفضول ...

_ يعني مسمعتش صوتك !! ( لتكمل بخشونتها التى لم تُبدلها مع ملابسها الجديدة) ... إيه .. المفاجأة خرستك ..؟!؟


بضحكة عالية أظهرت وسامة قاتله لهذا الجذاب أطاحت ببقايا التحمل بداخل زائفة القوة التى تحاول الصمود بقوتها التى تتحايل على بقائها ...

_ مهما تعملي لسانك هو هو ... إنتِ فاكرة لما تلبسي حلو ولا تغيري شكلك حتبقي حد تاني يا .... ( ثم أردف بسخرية متعمدة لإثارة ضيقها الذى أعجبه ) ... حاج فتحي ...


نظرات متألمة أو ربما معاتبة لكن حقيقتها لاذعة ساخطة على طريقته بالسخرية منها كلما تحدثت معه ، غصة علقت بحلقها من رده القاسي جعلها تنتفض من جلستها للمغادرة فلم تتحمل حديثه وإظهارها بهذه الدونية رغم ما تنازلت عنه وحاولت به جذب إنتباهه فهي ليست تلك الفتاة التى تسعى لإرضاء أحدهم ، هذا التشتت والتخبط الذى أصاب نفسها منذ مجيئها لهذا الكوخ ...


غادرت بدون تعقيب بدون أن تنطق بحرف مما جعله يهب واقفًا يلحق بها فيبدو أنه زاد الأمر معها ، لقد ظن أنها سترُد بطريقتها الجافة ويتطرقا لمشادة لذيذة أخرى لكنها غضبت ، تضايقت من طريقته المتكررة ..


أسرع بخطواته ليقف بمواجهتها حائلًا بينها و بين صعودها للسلم ليقف بصدر متهدج وأنفاس متضاربة ليبدأ بإعتذاره أولًا ..

_ إستني بس ... آسف ...


حاولت المرور لأكثر من مرة لكنه ظل يعترضها حتى تستجيب له وتتقبل أسفه وتطاوله الذى زاد عن الحد ، وقفت بالنهاية تحدجه بنظرات غاضبة ليقابلها بصوته الرخيم ...

_ آسف ... شكلي زودت فيها ... أنا فعلًا كنت بهزر معاكِ ...


كلماته البسيطة هدأت قليلًا من إنفعالها لتزيغ عيناها عن خاصتيه اللاتى لم تنكسا عنها لتردف ببعض من المرارة التى شعر بها...

_ لا عادى ... أنا متعودة على كدة ...


شعر بأنها حقيقة مختلفة ، فتاة بعيدة عن تلك الخشنة التى تتشبه بقوة بالرجال وخشونتها ، رأى بفطنته فتاة هشة تختبئ خلف قناع متوحش ، عيناها اللاتى تطالعان الفراغ هاربة من مواجهتها معه جعله يرى ملامحها عن قرب ...


ملامح بسيطة هادئة ناعمة للغاية أخفتها خلف ملابسها السوداء وشعرها المعقوص ، حزن عميق توغل بمقلتيها العسليتان جعله يضطرب بحضورها ، رجفة قوية دبت بقلبه وهو يطالع إستكانة تلك القطة الشرسة التى تحولت بلحظات لقطة وديعة حزينة ربما ...


شعر بالضيق لكونه سبب بإضافة حزن جديد لها فيبدو أن حياتها ممتلئة بها بالفعل ، أردف بنوع من الترضية ...

_ ممكن تقعدى بقى ومتزعليش ... ( ثم استكمل ممازحًا ) وتبطلي الدبش بتاعك ده ...


_ لما تبطل إنت تزق فى الكلام ..


حتى بمراضاته لها تدفعه لمناوشتها ليردف بتعجب ...

_ أنا إللي بزق يا طوبة ...


رفعت هامتها بغرور وهي تعود لطبيعتها الأولى ...

_ أنا طوبة يا دبشة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ضرب كفيه بعضهما ببعض غير مصدق لتلك الفتاة التى لا تتخذ الهدنة مطلقًا ...

_ ده إنتِ لسانك ده عايز قطعه .. ده بدل ما تقولي حاضر ... نعم ...


_ نعامة لما ترفسك ...


عاد لمقعدة وقد تملكه الضحك من تلك المتطاولة سليطة اللسان ، لكنه من داخله شعر بأنها قد عادت لطبيعتها مرة أخرى ...

_ أستغفر الله العظيم... ده إنتِ بلسانين ...


عادت "عهد" لمقعدها وهي تستكمل سخريتها منه فقد شعرت بنشوة لهذا الحديث والمناوشات بينهم ...

_ إسم الله عليك ... بلسم !!!! 


قابل تهكمها ببسمة جعلتها تشعر بالسعادة حتى حضرت "كاتينا" تحمل أكواب ممتلئة بمشروب أزرق اللون قطعت به وصالهما المميز ...

_ لقد إنتهيت ... تفضلوا ...


إرتشف "معتصم" رشفة صغيرة من هذا المشروب ليسعل بعدها بقوة لمذاقه السئ بينما لم تستطع "عهد" إبتلاعه لتبصق به خارج فمها بتقزز ...

_ إيه ده يخرب بيتك ...


لم يتمالك "معتصم" ضحكته لتنفجر قهقهته بصوت مسموع لتعليق "عهد" الساخر على مشروب "كاتينا" ثم سأل "كاتينا" ...

_ ما هذا المشروب يا "كاتي" .. ماذا وضعتِ به ...؟! 


إتسعت عينا "كاتينا" ببراءة لتردف بضيق ...

_ ألم يعجبكم ؟!!


أجابها "معتصم" بمجاملة ...

_ بالطبع أعجبنا ... لكننا نود معرفة مكوناته الرائعة ...


جلست "كاتينا" بزهو وهي تردف بتفاخر ...

_ لا .. لن أقول لكم ...لقد قلت لكم إنه مشروبي المميز الخاص بى ... ومكوناته سر لن أخبر به أحد ...


تمتمت "عهد" بسخط ...

_ ده إنتِ تخليص ذنوب ... الله يقرفك ...


مدت "كاتينا"  رأسها بإتجاه "عهد" متسائله بعدم فهم ..

_ معذرة ...؟! 


إبتسمت "عهد" بسمة عريضة تشنجت لها عضلات وجهها ...

_ رااااائع ... ليتنا نعرف هذا السر ...


ضحك "معتصم" للمرة الثانية وهو يضع الكوب عن يده قبل أن ينهض مستكملاً ضحكته لتردف "عهد" متحدثه إليه ...

_ يا إبن المحظوظة ... عملتها حِجة وسبت عصير ديل الكلب ده ... طب أنا أعمل إيه دلوقتِ ..!!!


زاد تعليقها من ضحكاته ليسرع نحو غرفة مكتبه مبتعدًا عنهم حتى لا يظهر لـ "كاتينا" سخريتهم من مشروبها ، إضطرت وقتها "عهد" لإستكمال المشروب وهي تتحدث مع "كاتينا" لترتيب ما سيفعلانه فى الغد كما قالت لها منذ قليل ...


❈-❈-❈


بيت النجار ...

حتى بيوم العطلة التى يقضى بها كافة العائلات وقتهم برفقة أحبائهم طيلة اليوم إلا أن "فخري" لا يعترف بالعطلات والإجازات فكل يوم هو يوم عمل بمحل العطارة خاصته ، حتى أبنائه "فريد" و"مأمون" كلاهما أصبحا يتبعانه بهذا الأمر ويقضيان كل الأيام كبعضها البعض لا تمتلئ سوى بالعمل ...


وقفت "راوية" تلتهم قطعة كبيرة من الكعك تبث بها غيظها وضيقها فالطعام هو متنفسها الوحيد كلما زاد ضيقها أكثرت من تناول الطعام وخاصة الحلويات ..


كانت تستمع لحديث "حنين" زوجة أخيها مع والدتها دون التدخل فقط ترمقهم بين الحين والآخر لا تصدق كلاهما ...


_ والله يا ماما ... زى ما بقولك كدة ، يا دوب بقول لأمي قالت لي مش حيحالهالك إلا الحاجة "صباح" ...


رفعت "صباح" من هامتها المكتنزة بتفاخر فقد إستطاعت "حنين" كالعادة إستقطاب والدة زوجها بطريقتها الخبيثة لإستدراجها لأمر ما تسعى إليه ...

_ هي قالت لك كدة .. فيها الخير ...


_ أمال طبعًا ، هو إحنا لينا غيرك ( ثم إنتهزتها فرصة للتقليل من "راوية" لشعورها أنها تنفرد ببقائها معهم للإستيلاء على أموالهم) ... مش كدة ولا إيه يا "راوية" ... ما تسيبي الأكل يا حبيبتي بقيتي قد الدبه ، هو مفيش وراكِ غير أكل أكل ...


رمقتها "صباح" بسخط لتنهرها بإسلوبها الفظ ...

_ ما تبطلي حشر زى العِجلة ليل ونهار ، قومي شوفي الطبيخ إللي على النار ...


دفعت "راوية" بكفيها بقوة تضربان فخذيها قبل أن تنهض وهي تحدج "حنين" بنظرات نارية فهي السبب لإثارة حنق والدتها عليها ثم أردفت ...

_ قايمة ، يمكن ترتاحوا .. ( ثم ألقت بكلماتها التى أشعلت البركان بينهما بكيد لما تفعله "حنين" ) ... وهي الست الوالدة مقالتش إن الحل بفلوس ، وفلوس كتير كمان ، وإنهم ميحتكموش على جنيه واحد فقالت لك لزقيها فى حماتك وهي تحلها وتديكِ من تحت البلاطة ...؟!!!! 


دلفت "راوية" للمطبخ تاركة "صباح" تصيح بزوجة ولدها تعنفها عن طمعها والأخرى تدافع عن نفسها متهمة "راويه" بالكذب ...

_ وربنا ما حصل يا ماما ... دى هي إللي عايزة تولعها بيني وبينك ... ( ثم أعلت من صوتها تسمع "راوية" بالداخل) ... غلاوية وقلبها إسود ...


_ يعني يا روح *** إنتِ مش جايه تاخدى فلوس ؟!!


تراجعت "حنين" عما كانت تسعى إليه حتى لا تثبت حديث "رواية" وقد تملكها الغيظ من تلك الفتاة التى تحبط أعمالها كلما سعت لذلك ...

_ لا يا حبيبتي لا ... ولا جه في فكري أصلًا ... يوه ... إنتِ حتصدقي "راوية" ...( ثم همست كلأفعى بأذن "صباح" ) ... هي بس عشان عانس ومش وراها غير المشاكل شاغلة دماغها بتقول كدة وبتوقع بيني وبينك ..

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

شعرت "صباح" بغصة لتأخر إبنتها عن الزواج ليتحول وجهها الأسمر بصورة مكفهرة خشيت لها "حنين" أن تسبب لها الضيق وتطردها إلى شقتها كما تفعل كلما تضايقت منها لتردف بأسى وتحسر ...

_ عيني عليها ، بختها قليل ... والله صعبانه عليا ...


إكتفت "صباح" بهز رأسها بتحسر دون الرد ليزيد ذلك من شعورها المتعاظم بالحقد على بنات "زكيه" اللاتى يتوافد عليهن الخُطاب لكنها دومًا تدفع بهم لعدم الإقتراب بكل السبل حتى لا يتزوجا وتبقى "راوية" هى العانس الوحيد بتلك العائلة ...


❈-❈-❈

بيت دويدار ...

مع حضور "عيسى" كان ذلك إعلان بسماحهم لتناول الطعام ، إمتلأت طاولة الطعام بمتناوليها ببهجة تحف الجميع لم ينقصها سوى وجود "معتصم" بينهم ..


جلست "مودة" إلى يمين "غدير" ليتخذ "عيسى" مقعدة إلى يسارها بينما قابلهم "رؤوف" و "نيره" ...


نظرات "نيره" تجاه "مودة" كانت حادة للغاية تمنعها من التطفل على حياتها وممتلكاتها الخاصة "رؤوف" الذى لن تسمح لأى مخلوقة بالإقتراب منه حتى ولو على سبيل السياق الإجتماعى البحت ، ستقطع السبل قبل أن تتواجد من الأساس ...


بدأت "نيره" بهجومها على تلك الوديعة التى إلتزمت الصمت والنظر بطبقها فقط ...

_ إنتِ بتشتغلي فى محل كدة اااا ... فكريني إنتِ بتشتغلي فين ؟!!


_ محل مستحضرات تجميل ...


أكملت "نيره" تحقر من "مودة" وعملها بطريقة متعمدة ...

_ اه ... أيوة أيوة إفتكرت .. ويا ترى بيقبضوكِ كويس .. أصلنا عندنا ستور(محل) كبير وبشغل فيه ناس كتير زيك كدة ، لو تحبي أشغلك عندي يمكن مرتبنا أكبر من المحل إللي بتشتغلي فيه ده ؟!!


تهدج صدر "مودة" بقوة لضيقها من طريقة "نيره" التى تحقر منها لتتلاشي كل كلماتها وتترقرق دمعة خفيفة بمقلتيها فلم تكن تريد أن تُطَالع بتلك النظرات الدونية أمام "رؤوف" خاصة ...


شعرت بها "غدير" لتجيب "نيره" بطريقتها الدبلوماسية التى لا تتسبب بإغضاب أحد ..

_ "مودة" دى قمر .. مش بتشتغل عشان الفلوس ، دى بس عشان تقضى الوقت بدل قعدتها لوحدها ، بتخاف يا "نيرو" تقعد فى الشقة لوحدها كتير ...


ثم إستطردت تقص كذبًا قصة خيالية لتغير مجرى الحديث والتركيز على عمل أختها التى تحتقره "نيره" دون إفتعال مشكلة ..

_ تعرفوا مرة قمت من النوم على صوت باب شقتنا بيتقفل جامد ، قمت جرى أشوف فيه إيه ملقتش "مودة" أتاريها لما سمعت صوت خبطة عند الجيران إفتكرته عفريت فتحت باب الشقة ونزلت جرى ...


ضحكت بصوت رنان جعل الجميع يضحك بلطافة على طريقتها المازحة بينما إسترقت بنظرة لأختها وهى تقبض كفها بين يدها بقوة من أسفل الطاولة كرسالة تقول لها بها (لا تحزني فأنا معك) ...


قابلتها "مودة" بنظرة إمتنان لقطع تحقير "نيره" منها ، وقبل أن تستطرد "نيره" حديثها مرة أخرى نهضت "مودة" ببسمة تخفي بها دموعها بصورة فاشلة للغاية ...

_ بعد إذنكم أصل أنا إتأخرت وخالي مستنيني أعدى عليه ...


بتفهم أومأ الجميع لتتحرك "مودة" نحو الباب تبعتها "غدير" لتحدثها بهمس ...

_ متزعليش يا "دودا" .. هى بس طريقتها ناشفة شوية ، بس قلبها أبيض ...


رغم ضيقها إلا أنها تعلم سبب هجومها بهذا الشكل وربما إن كانت بمحلها لفعلت ما هو أكثر من ذلك ، لكنها للأسف ليست بمحلها وعليها تقبل أن "رؤوف" ليس لها وأنها محقة بما تفعله لتردف بتفهم ..

_ مش زعلانه يا "دورا" أنا بس عندى كلية الصبح وعايزة أروح عشان انام بدري  ...


_ ماشى يا "دودا" ... طمنيني أول ما توصلي ...


_ حاضر ...


عادت "غدير" بعد توديع "مودة" لتجدهم إنتهوا جميعًا من تناول الطعام وستبدأ جلستهم بغرفة المعيشة ...


جلسة حميمية لتلك العائلة المحبة إخترقتها "غدير" بخطواتها السريعة متجهة نحو مالك قلبها "عيسى" لتجلس فوق ذراع المقعد العريض الذى يجلس عليه ...

_ أنا حقعد هنا ...


_ ما تقعدي هنا يا "دورا" المكان واسع ..


قالتها "منار" بحبور لتميل "غدير" بخصلات شعرها الثائرة تتعلق بذراعيها برقبة "عيسى" وهي تميل فوقة بعشق ظهر جليًا لم تخجل من التعبير عنه ...

_ لأ ... أنا لازقة فى حبيبي "عيسى" ...


تلاقت بسمات محبة لتلك العفوية بينما شعرت "نيره" بالحرج والنفور من تعبير "غدير" عن حبها لزوجها أمامهم جميعًا ، كيف تظهر مشاعرها بتلك الصورة ، ألا تخجل من ذلك ..

_ ميصحش يا "غدير" ، تعالي جنبي وجنب طنط "منار" ..


رفعت "غدير" حاجبيها بشقاوة ترفض عرض "نيره" ...

_ لأ يا جنب "إيسووو" يا بلاش ...


إستسلموا جميعًا لرغبتها بينما إمتلأ كيان "عيسى" بنشوة محببة وهو يضغط بكفه فوق ذراعها المحيط برقبته بنظرات تهيم عشقًا بشريان حياته الذى تمده بالسعادة لوجودها إلى جواره ...


دق هاتف "منار" بوصول بعض الإشعارات لتنتبه له وتطالع المستجدات به لتهتف نحو زوجها الذى إنتابه الفضول لسماعه تلك الدقات المميزة بهاتف زوجته ...

_ فيه حد بيسأل عن العيادة أهو يا "خالد" ...


_ طب كويس ... ردي عليه ...


تسائلت "نيره" بدون فهم فهي لا تعلم شئ عن موضوع العيادة هذا ، وهي بطبعها فضولية للغاية ...

_ عيادة إيه يا طنط ...؟!!


إجابتها "منار" بإيجاز لإنشغالها بالرد على الرسالة ..

_ العيادة بتاعتي ...


أوضحت "غدير" بإستفاضة فهي تعلم كافة التفاصيل ...

_ أصل "منوره" عرضت العيادة للإيجار او البيع ، عشان تتفرغ لعصفور الكناريا فى البيت ...


قالتها وهى تحرك حاجبيها بشقاوة لوالد زوجها تقصده بحديثها ، هذا الجبل الصامد الذى لم يقاوم ضحكته للطافة "غدير" التى ملكت قلوبهم ...

_ كناريا !!! ده إنتِ عليكِ كلام ...


قالها "خالد" لتسترسل "غدير" بمحبة ...

_ طبعًا ، ومين يقدر يقاوم سيادة المستشار "خالد دويدار" على سن ورمح ... 


_ ماشي يا "دورا" ...( إلتفت نحو "منار" يتابع ردها على هذا المتسائل ) ... ها ... قالك إيه ...؟!!


_ عاوز يتفرج على العيادة الأول ... ححدد معاه معاد ... ربنا يسهل الحال ...


تابعت "نيره" حديثهم بإهتمام لتردف بإقتضاب بدون إقتناع لما تفعله "منار" ...

_ ليه يا طنط ...؟!! العيادة خسارة جدًا ، كملي شغلك فيها .. هو أونكل "خالد" حيخاف يقعد لوحده يعني ... ده شغلك وإسمك معروف ومشهور ...


أجابتها "غدير" قبل أن تتفوه "منار" التى إنشغلت بالرد على هاتفها ...

_ إنتِ مش فاهمة يا "نيرو" .. هي كمان عايزة ترتاح ويونسوا بعض ..


تضايقت "نيره" من تدخل "غدير" بكل الأحاديث بدون أن يوجه لها أحدهم يخصها به ، وزاد ضيقها تقبلهم للأمر بسعادة أيضًا لتهتف بحدة ...

_ هو إيه إللي مش فاهمة ، حسني كلامك معايا ، أنا فاهمة طبعًا بس مستخسرة مجهودها ده كله يترمي فى الأرض ( ثم تحولت حدتها لهجوم شديد ربما كان لـ "مودة" جزء به فهي أختها ) ... وإنتِ حتفهمي الكلام ده إزاي صحيح ما إنتِ كل إللي همك الأكل والنوم ، لا وراكِ شُغله ولا مَشغله ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تلك المرة لم تكن الإجابة من "غدير" بل من هذا المحامي البارع الذى لا يقبل مطلقًا أى تطاول من أى نوع على حبيبته ومالكة قلبه ليهتف بحدة وقد لمعت عيناه ببريق غاضب حينما إنتفض واقفًا بهامته الطويلة ...

_ إنتِ إزاى تكلميها كدة ، وهي "غدير" محتاجة شُغل فى إيه ، غدير ملكة تتدلع وترتاح وبس ، كفاية علينا وجودها فى حياتنا ، لو سمحتِ يا "نيره" بلاش طريقتك دى ومع "غدير" بالذات ، تمام ، ولا إنتَ إيه رأيك يا "رؤوف" ..؟!!


قالها "عيسى" وهو يرمق أخيه ليصمت "نيره" عن ثرثرتها وحديثها الحاد بدون داع على زوجته ..


أومأ "رؤوف" بإرتباك وهو يبتلع ريقة المتحشرج فهو لا يحبذ الحدة والمشاكل ليردف من بين أسنانه ..

_ كفاية يا "نيرو" مفيش داعي للحدة دى ، "غدير" مقالتش حاجة ، وماما حره تعمل إللي هي عايزاه ...


رغم ضيقها من دفاع الجميع عن "غدير" وظهورها بصورة مسيئة لهم وأنها جافة المشاعر حادة الطباع إضطرت "نيره" لإلتزام الصمت رغم عصبيتها التى حاولت إخفائها فلا داعي للمشاكل بيوم كهذا ..

_ خلاص ... حصل خير ...


تركت "منار" هاتفها لتلطف الأجواء التى شحنت بدون داع ...

_ مالكم يا ولاد ، إتحسدتم ولا إيه ... إهدى يا "عيسى" هو حد يقدر يزعل من "دورا" ولا يزعلها ، دى حبيبتنا كلنا ، وإنتِ يا "نيرو" أنا فاهمة قصدك كويس ، بس عمك "خالد" طلع معاش وأنا كمان لازم أقعد وأرتاح بقي ، ولا إيه ... 


جلس "عيسى" يتمالك حدته ووالده ووالدته يقومان بالتحدث وتلطيف الأجواء لتتلاقى عيناه ببنيتاها وهي تشعر بالعزة مما فعله من أجلها ، أسهم غرام مشتعلة بين كلاهما تهدج لها قلبيهما بدقات قوية لعشق لا يوصف بكلمات فكان للصمت لغة بينهما تنظر نحوه بهيام وإمتنان ، يقابلها نظرات لن أتهاون لمن يمسك بسوء فأنتِ مالكة فؤادي وهواي ...


إنتهت تلك الزيارة حينما حل المساء وإتفاق "رؤوف" و"نيره" على التقابل فى الغد بعد إنتهاء عملهما ليمرا ببعض معارض الأثاث لإختيار أثاث شقتهم فموعد الزفاف يقترب لم يبقى عليه سوى بضعة شهور ...


صعد زوجان الحب اللطيف لشقتهما بعد إنتهاء عزيمة "خالد" و"منار" لتنتهي تلك الليلة أيضًا بلقاء دافئ لقلوبهم المحبة وإستكانة لأرواحهم ...


❈-❈-❈


روسيا ..

سهرة طويلة إنتهت بخلود كل من "معتصم" و "كاتينا" كل فى غرفته لتلقي بعض النوم كما إعتادوا بتلك العطلة ...


عيون ساهرة فلم تشرق الشمس بعد ...


تسللت "عهد" خارجة من غرفتها بأطراف أصابعها حتى لا يشعر بها أحدهم فقد عقدت العزم على تنفيذ مخطط فكرت به بعناية ...


خطت بقدميها العاريتين فوق أرضية الكوخ لتهبط درجات السلم الخشبية بحرص شديد خشية إيقاظ أحدهم ...


تلفتت حولها بضعة مرات حتى وصلت لمبتغاها تمامًا ، ركن المطبخ ..


مع إتفاقها مع "كاتينا" بالأمس إستطاعت معرفة ماذا ستفعل بالتفصيل للإحتفال بعيد ميلاد "معتصم" وأنها سوف تقوم بإعداد كعكة القطيفة الحمراء التى يفضلها مع إضافة صوص الفراولة أيضًا ...


أخرجت "عهد" مسحوق الإعداد لتلك الكعكة وقد رسمت على ثغرها بسمة ماكرة لتنفيذ ذلك المخطط الذى توصلت إليه بأول خطوة بمهمتها الجديدة التى حددتها لنفسها ...


مدت يدها لتعيد خلط مكون القطيفة الحمراء بوضعها لما يحتويه هذه العبوة التى ستقضى تمامًا على تفرد "كاتينا" وتصبح هي متملكة الأمر وسيسير الأمر كما تريد تمامًا ...


إنتهت تمامًا من خلط المكون لتعيد كل شئ كما كان قبل أن تعود لغرفتها بخطواتها الخفيفة المتسللة دون أن يشعر بها أحد ، فقد أتمت مهمتها على أكمل وجه وعليها غدًا إنتظار النتيجة  ....


(الفصل الثامن)

خيال أم حقيقة تلك حياة أتوهم بها أنني سعيدة ، لكنني لا أدري هل أنا بالفعل أحيا وأستحق تلك الحياة ، أم أنني بالوهم أعيش .


طال الحديث عن كوني لست طبيعية ، مريضة متوهمة أعيش بالخيال ، لكني لا أدرك هل أنا أتوهم أم أن هذا هو الواقع بعينه وأن ما أمر به حقيقي وليس أوهام بعقلي ، فليخبرني أحدهم أنني على صواب لأحيا تلك الحياة التى كنت أترقبها .


لكن ما أعرفه جيدًا أنه قد واتتني الفرصة للحياة وسوف أقتنصها ، سوف أحظى بما حلمت به وكان مجرد حلم بخيالي ..


لن أضيع تلك الفرصة من يدى ، لن أتنازل عنها مهما كلفني الأمر ..


                   ❈-❈-❈رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه


لاح الصباح وأشرقت الشمس معلنة بدء يوم جديد ، حتى بوسط تلك الغيوم السوداء الكثيفة والتى أخفت هذه الإشراقة الزاهية لضوء الشمس ، سواد يحجب هذه الإنتعاشة كنفوس مبهمة تضل طريقها ...


إستيقظت "كاتينا" بحماس لإعداد كعكة عيد ميلاد "معتصم" فاليوم يوم ميلاده وعليها تحضيرها كمفاجئة له ، لكن أولًا عليها إنتظار "عهد" حتى تساعدها بإشغال "معتصم" كما إتفقتا بالأمس ...


إدعت "عهد" النعاس لتهبط للدور السفلي كما لو أنها قد إستيقظت للتو لتدنو من "كاتينا" بأعين ناعسة وتثاؤب مصطنع قائله ...

- صباح الخير ...


غمزت لها "كاتينا" بخفة تذكرها بإتفاقهما قبل أن تردف ..

- صباح الخير "أهد" ... هل أنتِ مستعدة ...؟!!


- بالطبع ..

قالتها "عهد" بقوة فهي بالفعل مستعدة لقضاء اليوم مع "معتصم" ..


وقع خطوات ثالثهما جعلتهما ينتبهان لقدومه فى حين بدأ هو يقلب قاتمتيه بينهما متسائلًا بشك ...

- ما بكما ...؟!!


- لا شيء"ماوصي" ... مجرد حديث فتيات ..

هكذا أجابته "كاتينا" ليجلس هو بغروره المعتاد يرفع شاشة حاسوبه ليتطلع بشاشته وهو يعقب ...

- لا أشعر بالإرتياح لقربكما معًا ...


أشارت "كاتينا" لـ "عهد" برأسها وحركة عيناها لتبدأ خطتها لتقابلها "عهد" بإيمائة تفهم لتدنو هى من المقعد المجاور لأريكته المحببة تبدأ حديثها الذى ستشغل به "معتصم" عن "كاتينا" ...

- لم تقول ذلك ؟! .. نحن لا نفعل شيئًا ...


برغم سماعه لنبرة صوتها تجيبه إلا أنه تصنع عدم الإهتمام وظل على وضعه منشغلًا بشاشة حاسوبه ...


جلست "عهد" وهى تتمعن بهذا الرجل الغامض المثير لأعصابها وأفكارها منذ حضورها ، إرتدائه أيضًا لهذا اللون الأبيض الناصع أظهر لونه الخمرى الساحر وأبرز عيناه القاتمتان البراقتان بنظرتهما الحادة المميزة ، هو لا يبدو عليه السهولة بل هو شخص صعب المراس معقد الفهم ، ليس واضحًا كغيره ، إستطاع أن يلعب بأفكارها ويجذب عقلها بحضوره المميز ...


عدم إهتمامه لوجودها أو إظهاره لهذا كان سببًا بتفجير الفضول من داخلها للإقتراب أكثر من هذا الغامض ..


باغتته بسؤال بطريقتها التى جذبته بقوة من أعماقة ، ذلك الإسلوب المستفز الذى يجعله متأهبًا للرد حتى لو كان رافضًا للتحدث بالمرة ...

- إلا قولي ... إنت بقى بتشتغل ولا عواطلي معاه قرشين ...؟؟!


رفع حادتيه تجاهها كإجابه لسؤالها المستفز حين رمقها بقوة وهو يجيبها بحده وصرامة أرجفتها قليلًا ...

- ده مش ظرف ... دى وقاحة ...؟!!


قالها يؤدبها عن طريقتها الوقحة لتبتلع ريقها بإضطراب وهى تشرأب بعنقها بشموخ فلن تتركه يهنأ بإحساسه بالتغلب عليها أو فرض قوة سيطرته الحادة ، فهي ليست سهلة السيطرة ، بادلته نظراتها المتعالية تتحدى صرامته ...


عاد بجذعه للخلف بأريحية ثم رفع ذراعه يسنده على حافة الأريكة متشدقًا بحاجبه الذى يحلق بثقة وغرور فوق عينه اليمنى ، كادت تلاحظ بسمة عيناه القويتين وهو يناظرها لوهلة قبل أن يمط شفتيه الممتلئتان بجاذبية يثير أعصاب تلك المترقبة ليستطرد قائلًا ...

- عمومًا أنا حجاوبك ... أنا خبير تقنيات وتكنولوجيا ... يعنى كل شغلي على الكمبيوتر ... بصمم برامج وبشغلها ... يعنى حاجات زى كدة ...


حركت رأسها بخفة متفهمة طبيعة عمله المعقدة والتى أظهرها للوهلة الأولى بأنها أمر يسير للغاية ، بطبعها الجاد العملي عادت لنفسها الأولى المعتدة بنفسها وهي تحاوره بلباقة وثقافة أذهلته بشكل ملحوظ ، فقد تبدلت من أنثى متحفزة مستفزة غريبة الأطوار لأخرى تتكلم بقوة وإدراك وإلمام بتفاصيل دقيقة للغاية ، أنثى أخرى لفتت إنتباهه بداخلها ، أنثى لم يتعامل معها من قبل .. الأنثى الذكية اللماحة ، إستكملت حديثها بعد عدة نقاط بسؤال ...

- أعتقد إن شغلك ده لازم يكون فيه إنترنت قوى ... صح ..؟!! كمان شبكة الإنترنت عندكم هنا ضعيفة أوى عشان العاصفة ...


- لأ .. مش شرط ... فيه برامج بصممها وده مش محتاج إنترنت فى البداية ، لكن طبعًا ححتاجه بعد كدة .. و عمومًا الجو مش كدة طول الوقت ... وأكيد حيتحسن بسرعة ...


أسئلة متوالية وحديث شيق تناسوا به وجود "كاتينا" ، حتى أنهم إستغرقوا وقت طويل للغاية دون الإنتباه إليها ...


شعرت "كاتينا" بإحساس غريب يجتاحها ، إحساس بالضيق من تجاوبهم وحديثهم الطويل دون حتى الإلتفات نحوها ، أهو شعور بالغيرة ؟؟!


أهذا هو "معتصم" قليل الكلام والإبتسام معها ، أيتحدث طوال هذا الوقت مع "عهد" بلغتهم الغريبة وبهذا الحماس أيضًا ...


رغم ضيقها من حديثهم معًا وتذكرها بأنها هى من طلبت ذلك من "عهد" أكملت "كاتينا" صنعها للكعكة وهى تسترق النظر إليهم من وقت لآخر بضيق بالغ ...


نظرات نافذه غامضة للغاية كان "معتصم" يخص "عهد" بها ، نظرات لم تفهم "عهد" معناها مطلقًا كمن يود قول شئ ما أو يخفي شئ ما ، فيا له من شخص مربك لعقلها محير لنفسها ، تود أن تخترقه لتتفهم طبيعته كما يستطيع هو أن يستشف ما بداخلها بغائرتيه بسهولة ...


سواد عيناه عميق للغاية ، كسرداب مظلم لا تدرك نهايته أو حتى ترى موضع قدميك ، لا يظهر منه إلا ما يوده فقط ، لكنه مع ذلك يأسرك بداخله ويدفعك للتوغل بأعماقه ، به غموض ساحر ، غموض ممتع شتت ثباتها بحديثه وكلماته ونظراته المبهمة ...


غير مفهوم وغير واضح لكنه ساحر آخاذ طاغى بحضور لم تعتاده ، نادر حقًا هذا الياقوت الأسود ...


إستكمل "معتصم" حديثه قائلًا ...

- أنا مصمم برامج صعب جدًا حد يعملها ...


- ده غرور بقى ...


ضحك "معتصم" بخفه ليعلو بريق جذاب بملامحه الآسرة ، كيف يضيئ الياقوت لتسحر عيناها بمجرد ضحكة رسمها فوق شفتيه ، دقات قلبها الصغير جعلت نظراتها تزيغ بالفراغ حتى لا تهيم به وتخسر سيطرتها على نفسها ، أجابها بصوته الرخيم ...

- لا مش غرور .. ده ثقة فى شغلي ... تعالي معايا المكتب وأنا أوريكِ حاجة منهم ...


قالها "معتصم" بدعوة منه لمشاركته غرفة مكتبه الخاصة ليستقيم واقفًا دون الرجوع لـ"عهد" أو إنتظار لموافقتها ، قالها كأمر واقع واجب النفاذ ، إستكمل بقوة قائلًا لـ "كاتينا" ...

- نحن بغرفة مكتبي يا "كاتي" ... ربما تنضمين إلينا بعد إنتهائك من صنع الطعام ...


أومأت "كاتينا" بخفة وهي تطالع تحرك كلاهما تجاه غرفة المكتب فحتى "عهد" إنصاعت بسهولة لأمره لترافقه بتقبل شديد ، تابعت "كاتينا" بحنق لوجه "عهد" وعيناها اللاتى لم تنحى عن "معتصم" ليدب بقلبها توجس وحيد ، فهي إمرأة وتدرك تمامًا كيف تكون نظرة إعجاب إمرأة أخرى ...


قضبت "كاتينا" ملامحها بقوة فقد رأت بـ"عهد" أمر ليس برئ بالمرة ، بل هي ماكرة طامعة بما هو ليس بحقها ، إنها تطمع بـ "معتصم" ، إنها ليست طبيعية .. إنها بالتأكيد مريضة ..


❈-❈-❈


شقة عيسى دويدار ...

أرفق على روحى التى تعلقت بك ، وأعطف على قلب أنت تسكنه ، فدونك الحياة لا أبغي بقائها ولا للقلب دقات تطمئنه ...


شهقات مرتفعة يدركها جيدًا كانت سببًا في إنتفاضة "عيسى" مذعورًا تجاه غرفة المعيشة ، بقلب متألم وأنفاس متلاحقة جثى فوق إحدى ركبتيه ليجاور تلك المتعثرة بأنفاسها بتخوف ، فكيف يشعر هو بألم لم يدب بصدره بل بصدرها هي ...!!


هي الهواء والمتنفس له ، يؤلمه حقًا رؤية آلامها ، ضيق عظيم حين يشاهدها فقط بتلك الحالة التى تصيبها ، ليت كل الأوجاع تصيبه هو ولا يصيبها مكروه ..


بصعوبة بالغة أخذت "غدير" تسحب بعض الهواء الذى إنغلقت لها رئتيها بقوة ، حتى نسمات الهواء إستحالت عليها ، ضاق صدرها وإمتقع لونها للون الأزرق وهي تصدر صوت إستغاثة تطلب بعض الهواء بصوت متحشرج ...

- إلحقني ... يا "عيسى" ...


حاوطها "عيسى" بذراعه من خلف ظهرها وهو يطالعها بأعين متخوفة ..

- إيه يا "غدير" .. حاولي ترفعي راسك لفوق ...


لم تقدر على إجابته لتكتفي بتحريك رأسها نافية ، تلك الحالة التى تتكرر معها كثيرًا لأزمتها التنفسية لإصابتها بمرض الربو ، تلك الأزمات التى تعلو بها شهقاتها المتحشرجة وشعورها بألم بصدرها وسعال قوى لا تقدر على تحمله ، ألم تمنى "عيسى" أن يحمله بدلًا منها لكن للأسف فإن ذلك خارج عن إرادته ...


تركها برفق ليستقيم بسرعة متجهًا نحو أحد الأدراج ليخرج منها جهاز التنفس الخاص بـ"غدير" ثم وضع به أحد الأقراص وهو يركض عائدًا لها ، جثى مرة أخرى إلى جوارها يسندها بذراعه وهو يضع الجهاز فوق أنفها الدقيق ...


تعلقت عيناها المتعبتان به فكم هى محظوظة بوجوده إلى جوارها ، نظراته القلقة زادت من عشقها له ، بينما أخذ "عيسى" يطالع عبوس وجهها الذى لا يعتاد عليه ، يريد رؤية إبتسامتها السعيدة تشق وجهها من جديد لتضئ حياته كما تفعل ..


بدأ سعالها يتضائل حدته حتى وجهها بدأ بالراحة قليلًا ، إنها مريضة وعليها التأقلم على ذلك ، ألم متكرر لا يسعها سوى تناول علاجها فقط ..


هي كالقمر ليس بكاملًا طيلة الوقت ، إنتظام تنفسها جعل جسد "عيسى" يشعر بالراحة والإسترخاء قليلًا ليعتدل بجلسته إلى جوارها ليجذبها نحوه لتستكين برأسها المتعب فوق كتفه ثم تنهد براحة فقد أقلقته للغاية ...

- خوفتيني عليكِ ... بخاف أوى ساعة ما بتجيلك الأزمة دى ...


بوجه مرهق وأعين مغمضة أجابته بإستكانة وهى تهدأ بداخل أحضانه فهو علاجها الوحيد ، قد يظن البعض أن راحتها بالدواء لكن "عيسى" هو علاجها الذى لا تريد الإكتفاء منه ، أجابته بهمس ...

- طالما خدتني فى حضنك خلاص حبقي كدة كويسة أوى ...


نظر نحو أدوات النظافة التى تعم غرفة المعيشة ثم أردف بنبرة ملومة ...

- ممكن تبطلي شغل النظافة ده وتهدى شوية ... وتأجلى كل حاجة لما تيجى "أم مجدى" تعملها وخلاص زى ما إتفقنا ...!!!


كطفلة مخطئة تدرى أنها قد أخطأت طأطأت "غدير" رأسها مبررة ..

- البيت كان متبهدل وعايز ألحق أخلص بسرعة عشان عاوزة أنزل أروح لـ"مودة" أطمن عليها بعد عزومة إمبارح ...


إتسعت عيناه بذهول وهو يبتعد عنها قليلًا ينهرها عن إهمالها لصحتها بهذه الصورة ...

- تروحي فين ..!! إنتِ مش نازلة من البيت النهاردة ... ولا حتنزلي ولا حتكملي نظافة ... ( ثم أكمل بنبرة عاشقة قلقة) ... أنا مش مستغني عنك ...


ظهرت بسمتها المميزة والتى إنفرجت عن أسنانها العريضة لتردف بسعادة رغم إعيائها ...

- خايف عليا يا بطوطي ...؟!!


رغم إستنكاره لدلالها له بتلك الكلمة إلا أنه أكمل بجدية وصدق ...

- طبعًا خايف عليكِ ... ( تنهد صدره بوله مستكملًا بتأثر) .. "غدير" إنتِ لو جرى لك حاجة أنا ممكن أموت .. إنتِ الهواء والمياه بالنسبة لي .. من غيرك مقدرش أعيش ...


لتخفيف وطأة أزمتها ومرضها على قلبه القلق أجابته بمزاح رغم إعيائها وسعالها الذى لم يكف بعد ...

- مياه مسمومة بعيد عنك ... بس فقرى .. مش كنت شربت لك عصير أحسن لك ... قال مياه قال ...فين السكر والعسل ... فين الحلويات والشرباتات ... تقولى فى الآخر مياه ...


إبتسم وهو يضغط بكفه فوق رأسها يعيدها لداخل أحضانه معقبًا ببعض الراحة لعودتها لطبيعتها ولو بمقدار قليل ..

- إنتِ إللي خليتي لحياتي طعم وسكر ... المهم وجودك مش مهم إنتِ إيه ...


سألته بفضول عن بقائه اليوم بالبيت ولم يخرج للعمل كعادته ..

- إنت مرحتش المحكمة ليه النهاردة ... ولا خلاص حتقضيها شغل من منازلهم ...؟!!


- معنديش حاجة مهمة النهاردة ... حبقى أروح المكتب وخلاص ...


- الحمد لله إنك كنت هنا النهاردة وإلا مكنتش عارفة حيجرى لي إيه لو كنت لوحدي ...


- فعلا .. الحمد لله إنها جت على قد كدة ..


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر ...

تحركت "وعد" بخطوات متخبطة تتملل من الوقت الطويل الذى تقضيه بهذا المكان لكنها مضطرة لذلك ، حاولت قضاء بعض الوقت بالترتيب ربما تمر الساعات الثقيلة عليها فقد سأمت بقائها بمفردها هنا ...


دلفت نحو غرفة نومها لتفتح الخزانة الكبيرة ترتب الملابس المصفوفة بعناية بداخلها ، أمر لا أهمية له لكنها لا تدرى ماذا تفعل الآن ...


وقعت عيناها على العلبة الصدفية الموضوعة برف الخزانة لتلقطها بين كفيها لتحملها برفق وتخوف بذات الوقت فتلك العلبة تخص "عاطف" ...


جلست بطرف الفراش واضعة العلبة أمامها وهى تدفع بأصابعها المضطربة نحو غطائها لتكشف عن محتواها ...


مجرد ما فتحت الغطاء تهدج صدرها بإرتجاف رغم أنها لا تحتوي على شئ يسبب لها ذلك فهى علبة عادية تمامًا ، فبها بعض الأوراق المطوية وساعتين وبعض الخواتم الفضية التى تخص "عاطف" فهو من محبي إرتداء الخواتم الفضية ذات الأشكال المميزة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تذكرت أحد الخواتم التى كان يرتديها "عاطف" بأحد الأيام ، ذلك الخاتم المميز المصنوع خصيصًا له ، فهو خاتم ليس إعتياديًا فبه مجسم لشكل نحلة بارزة على مقدمته ، خاتم فريد لم ترى مثله من قبل ...


أخذت تبحث عن هذا الخاتم لكنها لم تجده ، لكنها تذكرت أول يوم إرتداه به "عاطف" ...


﴿ فلاش باك ﴾

نظرت "عتاب" نحو بناتها الثلاث بسخط وهى تغمغم تحدث نفسها ...

- إيه العيشة اللي تخنق دى ... نقوم من النوم عشان نأكل ونرجع ننام ... اوووف ...


هتفت ببناتها بحدة وعدم تقبل لوجودهن ..

- بس إنتى وهى وطوا صوتكوا جبتوا لى صداع ...


هدأت أصواتهن خوفًا من عصبية أمهن لكنها بقيت تتطلع نحوهم فهؤلاء هم نتيجة زيجتيها الأولى والثانية ، لم تحظى بفرصة للسعادة مطلقًا ، بل كل ما تحصلت عليه هو ثلاث فتيات معلقات برقبتها دون أب يسأل ويهتم ...

- يا ميلة بختى أنا .. كل الناس عايشة ومتهنية فى بيوتها ... وأنا الوحيدة اللي مرمية بتلات بنات ... إلا ما فيه واحد من اللي اتجوزتهم بيسأل عليا ولا عليهم ...


تزوجت "عتاب" زوجها الأول والذى كان بعمر والدها يعمل كتاجر سيارات ذائع الصيت والغنى أيضًا ، كانت طامعة بحياة رغدة ، لكنها لم تجد منه سوى قصر اليد والشح الشديد وخوفه من أبنائه اللذين كانوا يعترضون زواجه بهذا العمر ، تملصت على الفور من تلك الزيجة التى لم تجد بها مرادها لتتفاجئ بصدمة حملها بإبنتها الكبرى "هنا" لينتهى زواجها بولادة إبنتها مع راتب شهرى ضئيل للغاية ...


طموحها لحصولها على حياة مرفهة لم يكتفي عند هذا الحد لتزج نفسها بتجربة ثانية وزواج جديد من ذات الوسط الذى يعمل به والدها وإخوانها بالتجارة ، خمس سنوات قضتها كزوجة ثانية لرجل مطلق رزقت منه بإبنتيها (سما وتقى) ، كان مختلفًا بعطائه لكنه كان سليط اللسان لاذع الطباع ، زاد الأمر وجود أبنائه من زواجه الأول بعدما ألقت طليقته حملها عليه ولم تستطع "عتاب" بطبعها الأناني المتسلط تحمل مسؤولية هؤلاء الأولاد لتحصل على طلاقها الثاني ..


توجب عليها العودة لبيت والديها تحمل عبء ثلاث فتيات ونفس سيئة ، منذ عودتها لهذا البيت أخذت تتعامل وكأنها صاحبة البيت لها الأمر والطاعة الذى يجب أن يسرى على الجميع ...


لم يقف قبالها سوى تسلط والدها والسلطة التى يمنحها لأخيها "عاطف" ذو الشخصية النرجسية المحبة لنفسه والبحث عن أفضل صورة تظهره بالقوة ورجاحة العقل ...


برغم قدرته المالية التى تصل لحد الثراء إلا أن "محفوظ" لم يتخلي عن طبعه السوقي وتسلطه على عائلته وإجبارهم جميعًا على السير وفق ما يحب ليتبعوا فكره وعمله ، ببنطال بني وقميص مخطط من الصوف وقف "محفوظ" يُحدث "عتاب" بنبرة خشنة تتسم بالجفاء ...

- شوفي أمك فين يا "عتاب" عايز أفطر ... إحنا مستعجلين النهارده ...


مطت "عتاب" شفتيها بإستياء متسائلة ..

- وهي أمي لوحدها ولا إيه ... ؟؟!! أمال فين "وعد" هانم ؟!! مش دى اللي بتنام بدري وتصحى بدرى ؟!!!


قالتها بسخرية وهي تثير حنق والدها على زوجة أخيها كما تفعل دومًا ، ليجيبها والدها بلا مبالاة من حديث النساء هذا فهذا أمر لا يهمه ...

- أنا عاوز أفطر ... متدخلنيش فى كلام الحريم ده ... قومي يلا ...


دبت "عتاب" قدميها بالأرض بقوة وهي تدلف نحو المطبخ لتجد والدتها تحضر الطعام بمفردها لتبدأ وصلة جديدة بشحن النفس ...

- صباح الخير يا ماما ... أمال فين الست "وعد" ، مش المفروض تصحى تفطر حماها وحماتها ولا هي مش زى بقية الخلق ؟!!!


وضعت "قسمت" بعض الأطباق على عجالة ...

- رجلها إتلوت من شوية وراحت أوضة التليفزيون مع "عاطف" ... خليني بقى أخلص الفطار أحسن أبوكِ على آخره ...


ضاق صدر "عتاب" بإهتمام "عاطف" بـ"وعد" لتبث سُمها بحديثها الحاد كالشفرات المسننة ...

- نعم ...!!! وهي محتاجاه ممرض ولا إيه ...؟!! هي فاكرة نفسها مين بنت "عايدة" ... وهو "عاطف" حيشتغل لها دلدول ؟!!! مش يشكم مراته اللي جايه تتدلع علينا ... ( ثم زادتها بقنبلتها التى فجرتها بنفس أمها ) ... لأ وإيه بكره تدخل فى دماغه وتقوله تعزل لوحدها .. ما هي مش لاقيه حد يلمها ...!!!


إلتفت "قسمت" بأعين تتقد بشرر تاركة ما بيدها قائله ...

- تعزل ...؟!!!! أهو ده اللي ناقص .. طول عمرنا فى بيوت عيلة .. معندناش حد يعزل ... لو مش عاجبها الحال تقعد فوق ولا ليها أكل ولا مصاريف ...


راحة شعرت بها "عتاب" فاليوم أيضًا لن يمر مرور الكرام وستنال تلك السعيدة الهانئة ما يعكر صفو يومها بعد حديثها هذا ...


لم تكتفي بهذا القدر بل إتجهت صوب الغرفة الخاصة بمشاهدة التلفاز لتختلس النظر لما يفعلانه بالداخل ...


تقدم "عاطف" حاملًا عُلبة مستطيلة للإسعافات الأولية وقد لمع بريق خاتمة الفضي ذو النحلة بأعين "وعد" المتأوهه بألم ...

- مدى رجلك يا "وعد" ... أنا جبت لك الرباط الضاغط أهو ...


قضبت ملامحها بألم وهى تدفع بساقها قليلًا نحو الأمام ...

- بالراحة بالله عليك يا "عاطف" أحسن مش قادرة أحطها على الأرض ...


- معلش ... معلش ... إستحملي ... أنا حربطهالك أهو ... عشان تلحقي تقومي تحضري الفطار مع ماما و"عتاب" ...


رغم ألمها الشديد إلا أن وقع ما يخبرها به ألمه أشد ، أتسعت عيناها الخضرواتين بإندهاش ...

- أحضر الفطار ... !!! هو ده كل اللي يهمك ... ؟!! إني أحضر الفطار ....


رغم شعوره بالتألم لرؤيتها متوجعه بهذه الصورة إلا أنه يرفض فكرة الإهتمام والحنان حتى لا يظهر كالضعيف أمامهم خاصة وهما بشقة والديهما ...

- جرى إيه يا "وعد" الأمر بسيط يعنى ... بلاش تكبريها ...


غصة دومًا أصبحت تتعلق بقلبها فصدماتها المتتالية من جفائه و ردود أفعاله أصبحت لا تمر على قلبها الحالم مرور الكرام ، يومًا بعد يوم يزداد قساوة وتحجر ، كل يوم يخطو خطوة بطريق البعاد ...


لو كان بالذكاء الكافي لكان فهم من نظراتها الجوفاء له بأن قلبها ترك يده وبدأ يتخذ طريقًا مجهولًا لا تدرك بدايته ولا نهايته ...


حملقت به لبعض الوقت بتلك النظرة الخاوية تتسائل بداخلها هل هذا هو من إخترته لبقية حياتي لأبقى معه ؟؟! إنه أصبح أسوأ إختياراتي على الإطلاق ...


وجدت نفسها تنكس عيناها الدامعتان بعيدًا عنه لتسقط على "زين" الذى يتشبث بجلبابها خوفًا عليها حين رأى تألمها ...


بسمة رضا شقت حزنها فلولدها قلب رقيق كقلبها ، لا يشبه قلب والده المتحجر ، إنه عوضها عن حرمانها من الحنان والراحة ...


نهض "عاطف" من جلسته بعدما أنهك لوضع تلك اللفافة حول قدم "وعد" ليشعرها بأنه قد فعل لها جميلًا لا ينسي ، أردف يمن عليها بمساعدته لها ...

- شايفه ... أنا ربطت رجلك أهو ... عشان تعرفي إن أنا زوج مفيش زيه فى الدنيا أبدًا ...


ضحكة خفيفة تهكمية حلت فوق شفتيها وهى تمسح دمعتها المتعلقة بأهدابها قائلة ...

- إنت حتقولي ... ده مفيش زيك فى الدنيا ..!!!


أشار لها بحركة رأسها ليدعوها للخروج من الغرفة ...

- يلا نطلع عشان نفطر ... وتساعدي ماما و "عتاب" ...


ضغطت متحاملة ألم قدمها وهي تعرج بقوة تتبعه حين خرج أولاً رافعًا من هامته ليظهر بخيلاء وعنجهية فارغة قدرته على إجبارها على إنصياعها لأمره مهما تحججت وتألمت ...


فور شعور "عتاب" بتجهزهم للخروج من الغرفة أسرعت مبتعدة حتى لا يلاحظون إختلاسها النظر لهما لتسرع تجاه والدتها التى أُثلج صدرها برؤية "عاطف" ومن خلفه "وعد" تنصاع لأمره مكرهه لتبدأ بمساعدتهم رغم تألمها ...


كان التساؤل الوحيد حين هتف "محب" بإقتضاب ...

- هو فيه إيه ...؟!! مالك يا "وعد" ...؟!!


تلقائيًا رفعت "وعد" نظراتها تلوم بها "عاطف" قبل أن تردف بإنهزام ...

- مفيش حاجة ...


لحقها "عاطف" ببرود ممزوجًا بالغرور ..

- هو إحنا حنقضيها مالك ومالكيش ... يلا يا أخويا نفطر ورانا شغل ...


إلتفوا جميعًا حول الطاولة لتناول الطعام ليتجهوا نحو تجارتهم بينما بقيت "عتاب" و"قسمت" يسخران من "وعد" بشماته لما قام به "عاطف" ..

- عشان تعملي لنا فيها بنت السفير ... أهو هو ده مقامك يا بنت "مسعود" سيد الرجالة !!!!


أنهت "عتاب" عبارتها بتهكم وهي تطالع "وعد" بنظراتها الوقحة تستمتع برؤية دموعها التى حاولت إخفائها لكن رغمًا عنها لا تتوقف ...﴾


عادت "وعد" لواقعها متمنية بأنها لم تخطو قدمها يومًا هذا البيت ولم ترض بزوجها من "عاطف" ، تنهدت بصمت على حالها الذى بالطبع تراه أفضل من أن تحمل لقب مطلقة وتصبح مثل "عتاب" ...


❈-❈-❈


الكوخ ...

دلف "معتصم" أولًا لغرفة مكتبه والتى تخطوها "عهد" لأول مرة ، غرفة مرتبة أنيقة بها مكتبة صغيرة ومكتب خشبي مميز موضوع عليه حاسوب آخر خاص بـ"معتصم" ، وضع حاسوبه الذى يحمله إلى جوار قرينه ثم إستدار نحوها بنوع من التحدي الذى لاح بعيناه القاتمتان قائلًا ...

- بتعرفي تلعبي شطرنج ...؟!!


نبرة تحدى ورفعة واثقة من حاجبه الأيمن كان تعبيره وهو يحدق بمقلتيه بداخل خاصتيها التى جعلتها تتشدق برقبتها بغرور تقبل تحديه ومنافسته لتجيبه بقوة ...

- طبعًا ... ده لعبتي ..


مال بجذعه للأمام وهو يستند على مكتبه بكفيه بحركة جذابة للغاية ليناظرها بتحدى وقد لاحت بسمة طفيفة فوق ثغره ...

- حنشوف ...


أخرج علبة مطعمة بالصدف واضعًا إياها فوق طاولة خشبية صغيرة تتقدم المكتب ليردف بذات النبرة ...

- يا أنا ... يا إنتِ .. بس خدي بالك ... أنا مبتغلبش ...


قالها بغرور وثقة أثارت تلك المتحفزه لتهتف به بمواجهة وتحدي ملوحة بذراعها فى الهواء...

- يبقي إنت متعرفنيش ... مش "عهد مسعود" إللي تتغلب ... وسع كدة ... أنا بلعب بالأبيض ...


بأعين مندهشة تطلع بتلك المتوهجة القوية ليردف بتعجب ...

- كمان ... !!!! ده إيه الثقة دى ..؟!!


- هو أنا كدة ... مش زى أى حد ... يلا ... وريني اللي عندك ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إستفزت كل كيانه بتحديها وغرابتها المتفرده ، إستحوذت على كامل إنتباهه وهو الذى لا يلفت إنتباهه أحد ، جلس "معتصم" على المقعد المقابل لها قائلًا ببسمة خفيفة ...

- ماشى ... لما نشوف ...


جلست بمقابله لتبدأ بوضع القطع كل بمكانها بحرفيه شديدة لتبدأ أولى جوالاتهم وتنافسهم الشرس ، فكلا منهما متمكن من تلك اللعبة ويتمتع كلاهما بذكاء متقد ظهر بكل خطوة وحركة خلال هذا التنافس ...


زاغت عينا "عهد" وهي تبحث بين القطع عن حركة ذكية تهزمه بها لترفع ذراعها دون إنتباه تحل عقدة شعرها الأسود المعقوص بقوة لينسدل بنعومة على جانبى وجنتيها بصورة ساحرة ، خللت أصابعها بحركة لا إرادية بداخل خصلاتها تتمعن بالتفكير باللعبة بتركيز شديد ثم لململت شعرها مرة أخرى بعشوائية ، قامت بهذا بعفوية دون الإنتباه لما تفعله بينما إسترقت حركاتها إنتباه "معتصم" الذى هام بحركتها دون قصد ..


لحظات إسترق بها النظر إليها وهى تتحرك بعفويه وتركيز شديد دون الإنتباه له وهو يحدق بها يتأمل حركاتها وتفاصيلها التى دبت له ضربات قلبه بإنتفاضة غريبة غير مفهومة تجتاحه لأول مرة ..


أصابته بتشتت لم ينتابه من قبل لدرجة تناسى ما يفعله بحضورها ، أخرجته من واقعه ليتفحص بأعين مسحورة ملامحها الناعمة وتركيزها الشديد باللعبة ، نشوة رائعة أصابت قلبه المضطرب حتى عندما مدت أصابعها الطويلة لتمسك بالقطعة تحركها بخطوة جديدة بلوح الشطرنج وقد رسمت على ثغرها تلك البسمة الشقية السعيدة ، وجد نفسه لا إراديًا يبتسم معها لرؤيته لبسمة حقيقية لاحث بشفتيها دون وعى منها ...


إنتبه لنفسه ليزيح سحرها الذى غلبه للحظات ليعيد تركيزه المشتت للعبة ليبدأ بحركة مضادة ...


ظن أن اللعب معها ما هو إلا فوز سهل سيكون ذريعة لهجوم لذيذ آخر عليها ، لكنها كانت ند قوى ، كادت أن تتغلب عليه للعديد من المرات ، حتى إنتهت تلك اللعبة بوقوف شاه كل منهما بمقابل الآخر لتعلن النهاية بالتعادل فإما سيفوزان معًا أو سيخسران معًا ...

- مكنتش أعرف إنك ذكية كدة ...


- وإنت فاجئتني بصراحة ...


بفضول لمعرفة المزيد عن تلك الغريبة سألها بذكاء ...

- بتعرفي تلعبي ألعاب تانية ...


- يمكن ... بس معنديش وقت كتير ...

قالتها بإقتضاب خشية أن يفهم أنها وحيدة لا تجد رفيق يؤنسها لتتبادل معه الألعاب والأحاديث ...


صمت قليلًا وهو يناظرها بتلك النظرة المبهمة الغامضة التى تراها دومًا بعيناه ، نظرات ثاقبة تقتحم روحها وتستشف ما تخبئه بداخلها داخل أسوارها المغلقة ...


قلب مغلق أسواره على ما فيه فقد تأذيت أكثر مما أستحق ، ليته يظل صامدًا على ثباته وقوته ، ليته يبقى وحيدًا لا يأبه لتلك الثورات التى تطرق أسواره ، فلتظل بعيدًا عن خاصتى ، فقلبي معتاد وحدته ...


سيل من النظرات الصامته لم تدرك بعد مقصدها لكنها تربكها للغاية ، هي من ظنت أن لا مثيل لها بقوتها وثباتها ، أتى هذا الياقوت ليطيح به بنظرة عين ...


نظرات أبلغ من كلمات ظلت واصله بين كلاهما حتى قطعها صوت "كاتينا" الناعم يقتحم إسترسالها ، تقدمت "كاتينا" تحمل قالب الكعكة بين يديها وهى تقلب عيناها بينهما بفضول شديد وغيره قاتلة ، تود معرفة ماذا يفعلون طيلة هذا الوقت بمفردهما ...


تطلعت نحو "عهد" بنظرات ساخطة لم تعطى لها "عهد" بالًا مطلقًا ، بينما صاح "معتصم" بتفاجئ ...

- اوووة ... أهذه لي ..؟! شكرًا لكِ عزيزتي لقد تذكرتي يوم ميلادي ...


ضيق شديد لاح بملامح "عهد" لإهتمام "معتصم" وسعادته بما فعلته "كاتينا" لكنها تذكرت ما فعلته ليلة الأمس وأن مفاجئتها ستُفسد بالتأكيد لتهتف بسعادة مصطنعة ...

- إنها رائعة ... سأحضر الأطباق حالًا لتناولها ...


خرجت "عهد" من غرفة المكتب متجهة نحو ركن المطبخ لتحضر الأطباق فيما تابعت "كاتينا" خروجها لتضع الكعكة عن يدها فوق الطاولة وهى تشير تجاه الخارج بيدها فقد غلبتها غيرتها وضيقها من "عهد" لتتحدث بنبرة حادة للغاية لم يعتادها "معتصم" ...

- إنني لا أشعر بالإرتياح لتلك الفتاة ...


- لم يا عزيزتي ...؟!! إنها لم تفعل شيئًا ..


بتوتر شديد وإنفعال ملحوظ إستطردت "كاتينا" ...

- إنها غير طبيعية ... إنها بالتأكيد مريضة أو شئ من هذا القبيل ... ألم ترى كيف تنظر إليك ..؟!!


قضب حاجباه متسائلًا دون إدراك لمقصدها ...

- ماذا تقصدين ...؟!!


زفرت بضيق وهى تستكمل بإنفعال فهذه المتطفلة التى تحاول التوغل بنفس "معتصم" عربية مثله وربما تستطيع التقرب إليه أكثر منها ...

- إنها تكن لك مشاعر ... إنها منجذبة إليك ...


إستقام بقامته مندهشًا مما تقوله ليشعر ببعض النشوة بداخله ، أيسعد لهذا الأمر حقًا ، ثم إنتبه لأمر ما جعله يتفكر مرة أخرى أن الأمر ليس كما يبدو ، كما أن كونه صديق لـ "كاتينا" فيجب أن يكون رد فعله مختلفًا تمامًا ليجيبها بغرور مشتتًا لإنتباهها ...

- ومن لا ينجذب لـ "معتصم دويدار" ... إهدأى يا عزيزتي ... لا شئ مما تظنينه مطلقًا ... إطمئني ...


زمت "كاتينا" شفاهها بضيق فهو لا يفهم غيرتها وتطفل "عهد" وتوغلها بينهم بأقل من يومين فقط مكثتهم معهم ...


❈-❈-❈


سجين أفكاري وحياتي القاحلة ، وسأظل أحيا بسجني طالما لم يفهمني أحد ، فهل سيعطيني أحدهم العذر يومًا ويفهم مقصدى ...


الكوخ ...

حملت "عهد" الأطباق بعجالة تتمنى رؤية وجه "معتصم" عندما يدرك أن "كاتينا" قد حضرت له هذه الكعكة ، فلابد أن هذا الإحتفال سيفسد تمامًا كما خططت له بالأمس ...

- لقد أحضرت الأطباق ... هيا لنتناول هذا الكعك الشهي ..


لم تنتظر "عهد" تقطيع "كاتينا" للكعكة لتبدأ هي بتقسيم القطع ووضعها بالأطباق بينما أخفت "كاتينا" إمتعاضها من "عهد" فقد شعرت بأنها أخطات حين سمحت لها بالبقاء فيبدو أنها تفسد كل شيء ...


حمل "معتصم" طبقه ليبدأ بوضع أول قطعة بفمه وسط ترقب أعين "عهد" تتوق لرؤية وجهه الآن وهي تجاهد ظهور تلك الإبتسامة فوق ثغرها ضاغطة بأسنانها فوق شفتيها بقوة لتمنعها من الظهور ...


إمتقع لون "معتصم" للون الأحمر بقوة وبدأ بسعال مخيف جعلها تنتفض من جلستها قائله بقلق ..

- مالك ...؟!!


إحساس قوى بإلتهاب حلقه ولسانه وشفتيه زادهم ضيق تنفسه هذا لا يعني سوى أمر وحيد ، أنه قد تناول الفلفل الحار (الشطة) ذلك المسحوق الذى يؤذيه بقوة ، أسرعت "عهد" تناوله كوب الماء ليرتشف منه قليلاً يهدئ من هذا الإحساس المميت ...


فور هدوئه قليلاً إنفعل بحدة موجهًا حديثه لـ"كاتينا" ...

- أهذا مقلب أم ماذا تقصدين ...؟!! 


إتسعت عينا "كاتينا" بذهول قائله ..

- ألم تعجبك ...؟!!


- تعجبني ...!!!! ( قالها مستنكرًا ليزداد حدة وإنفعال قائلاً ..) .. إنها سيئة للغاية ... إنها ممتلئة بالفلفل الحار ... هل تنوين قتلي ..؟!! أنتِ تعلمين جيدًا أنني أمرض عندما أتناوله ...


تهدجت أنفاسها بقوة وهي تدافع عن نفسها ..

- بالطبع لا ... لم أفعل ذلك ... لقد صنعتها كما تحب فقط ...


إستدارت نحو "عهد" الصامته والتى كانت تطالع "معتصم" بأعين قلقه من تحسسه الزائد للفلفل الحار لتهتف "كاتينا" بإتهام لها ...

- إن الأمر لم يخرج عن تلك الفتاة ... إنها لابد وأن تكون هي من فعلت ذلك لتفسد المفاجأة...


ثم إستدارت بكامل جسدها تحدثها بإنفعال شديد ...

- أنتِ ... أنتِ من فعلتها ... لا غيرك ..!!


إتهام "كاتينا" لـ"عهد" حول إنتباه "معتصم" لها وأخذ يطالع ثباتها الشديد وهدوئها المثير حين تشدقت برأسها بثقة ثم أعلت من هامتها دون تأثر ليظهر طول قامتها وضئآلة "كاتينا" أمامها ليثيره ردها الهادئ ...

- لا ... لم أفعل شيئًا ...


تقدمت "كاتينا" بإنفعال لتقف بمجابهة "عهد" قائله بذات الحدة ...

- لا ... إنتِ من فعلها ... أنتِ من تريدين إفساد مفاجئتي ... لقد رأيتك ... لقد رأيتك كيف تنظرين إليه ... كيف تنجذبين له ... رأيت إهتمامك به وإعجابك بـ"ماوصي" ...


ثم رفعت رأسها تهددها بوجه مقتضب للغاية ...

- لا تنسين نفسك ... إنكِ مجرد زائرة غريبة غير مرغوب بها ... "ماوصي" لي وحدي وليس لأحد غيري ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إتهامها لها على الملأ بإهتمامها بـ"معتصم" وإنجذابها نحوه حطم كبريائها وبعثر من كرامتها وإظهار ما فعلته للحصول على إهتمامه ، أثارت حنقها بما تفوهت به أمامه لتتسع عسليتيها ببريق فلن يمر الأمر بسهولة وتربح تلك الضئيلة ...


شعور يطيح بها لأول مرة ، أن يتهمها أحدهم بالإنجذاب لرجل ، شعور لم يمر بها من قبل ، حتى وإن كان لا أصل له لكنها شعرت بالإهانة والحنق ، يجب أن تدافع عن نفسها وتثبت أن لا شئ يؤثر بها ، لكن كيف وسوف تفسد كل ما فعلته ...


لن تتركها تظهر بمظهر البريئة التى لم تفعل شيئًا ، لن تتركها تتهمها بهذه الفظاعة حتى لو كانت تبحث من داخلها عن فرصة للحياة ، إحساس يجب أن يبقى ويظل بداخلها فقط ...


يجب أن تظهر ما عليها إظهاره فقط ، يجب أن تستكمل ما بدأته ...


لمعت عيناها ببريق هجوم ضاري على الشقراء فلن تتركها تفلت بهذا التطاول والإتهام ، لكنها بذات الوقت لن تضيع ما قامت به بالأمس لتهتف بنبرة صارخه إهتزت لها "كاتينا" ...

- أنتِ أيتها الوضيعة تقولين لي هذا الكلام ...

( ثم أكملت بما أطلق الذهول بعيني "معتصم" و"كاتينا" معًا فعليها قول ذلك ) ...

- من تكونين لتفرضي عليه من يختار ... لم تتحكمين به وفرض نفسك عليه ...!!!


فاه "معتصم" بذهول لإعتراف "عهد" بما فعلته وأن "كاتينا" كانت على حق ، أمعنى ذلك أنها منجذبة إليه ...


حدق بـ"عهد" لفترة مذهولًا غير مصدقًا لما سمعته أُذناه قبل أن يجيب عما تفوهت به ...


(الفصل التاسع)

خطوات تسلك طريقًا نحو الحياة ، خطوات متباطئة وخطوات مندفعة ، لكن كيف يتحتم علينا أن نخطوها بالظلام ...

الفرصة الوحيدة للتقدم هي إنقشاع الظلام فأنا لست بأعمى ..


❈-❈-❈


بيت النجار ...

بقلب مرهف وتخوف مستمر ودعت "زكيه" بناتها حين حان وقت عملهم ، بعدما إطمئنت من خروجهن من باب البيت عادت لمحفظتها القديمة تتطلع نحو بعض الأوراق المالية الزهيدة الموضوعة بداخلها تتمنى لو تكفى معها لبداية الشهر الجديد دون الحاجة للإقتراض هذا الشهر أيضًا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تنهدت بقلة حيلة ثم دلفت نحو المطبخ لتبدأ أعمالها اليومية حتى عودة "شجن" و "نغم" من عملهم ..


❈-❈-❈


شقة فخري النجار ...

أسرعت "صباح" بخطواتها المتثاقلة نحو الداخل وقد إنتابتها نوع من الثورة العصبية وهياج شديد فقد خرجت بنات "زكيه" من البيت دون أن تقتنصهم بحديثها الجارح ...

- اااه ... فلتوا مني بنات الخدامة ...


أسرعت نحو "راوية" التى مازالت تغط بنومها لتفرغ بها شحنات غضبها وغيظها لتدلف لغرفة إبنتها تقذفها بإحدى الوسائد هاتفة بصراخ ...

- قومي ... قومي قامت قيامتك ... أهو ده إللي إنتِ فالحة فيه ... الأكل والنوم ...


رفعت "راوية" جسدها الثقيل لتجيبها بأعين مغمضة وصوت ناعس ...

- يا فتاح يا عليم على الصبح ... إيه إللي منرفزك بدرى كدة ... وجاية تطلعي غلك فيا ...!!!


أكملت "صباح" بهياج أكبر فقد أثارت كلمات إبنتها حنقها بدلًا من أن تُهدئ من ضيقتها ...

- غل إيه يا أم غل ... قومي وإنتِ عاملة زى الجاموسة كدة ... قومي بدل ما أطلّع عفاريتي عليكِ بجد ... أوف ...


عادت "راوية" بجذعها للخلف لتستلقى مرة أخرى تاركة والدتها تستشيط غضبًا من كسلها وهي تتمتم بلا مبالاة ..

- روحي طيب وأنا جايه أهو ...


أكملت عبارتها بصوتها الناعس لتستكمل نومها الذى قطعته عليها والدتها لتدفع "صباح" بقدمها تدبها بالأرض بإنفعال تاركة تلك الكسولة لتجلس بغرفة الصالون خاصتها تفكر كيف تتصيدهن بعودتهن من العمل ...


❈-❈-❈


أحاسيس مزيفة لا نفهم ماهيتها فقط نتخبط بسرداب عميق دون فهم هل تلك المشاعر حقيقية أم أنها مجرد كذبة ، ما هي إلا وهم عشنا بداخلها بإرادتنا ودونها أيضًا ...


رفعت من رأسها بسمو غريب ، لا يناسب وضعها بعدما أقرت "كاتينا" وأظهرت ما تكنه "عهد" من إعجاب بـ "معتصم" ، ثقة أربكت من حولها فهل هي تصدق ذلك حقًا أم أنهم مخطئون ...


كلمة ألقتها على مسامع كلاهما جعل "معتصم" ينظر نحو "عهد" بذهول وبعض الحيرة فإعترافها بما فعلته أظهر أن "كاتينا" كانت على حق ، أمعنى ذلك أنها منجذبة إليه ...


حدق "معتصم" بـ"عهد" لفترة مذهولًا غير مصدقًا لما سمعته أُذناه قبل أن يجيب عما تفوهت به ...


لحظة جديدة من الحيرة وقع بها فرغم أن بداخله شعور غريب يدغدغ إحساسه وينجرف إليه قلبه الصامت لسنوات إلا أن عليه مناصرة إحداهن ، وبالتأكيد لن تكون الزائرة الغريبة التى لا يعرفها بعد ، وأنه مجبرًا على إختيار صديقته ...


تطلع بـ"عهد" بنظرات غامضة لم تفهمها ثم تجهم هاتفًا بحدة لم تتوقعها "عهد" بالمرة ...

- ماذا تقولين أنتِ ...؟!! أظن أنه من غير اللائق بقائك هنا ... لقد تحسن الطقس وعليكِ الرحيل ...


قالها بعقلانية شديدة أظهرت لها "عهد" تفاجئًا بشكل ملحوظ ، تفاجئ صادم ظهر بإتساع مقلتيها بقوة ، كما لو أن علاقتهم أقوى من مجرد زائرة عابرة و مستضيف كريم معها ...


تفاجؤها الغريب جعل "كاتينا" تتيقن بأن هذه الفتاة تعاني من مرض نفسي بالتأكيد فهي بالكاد تعرف "معتصم" ، أكملت "عهد" رد فعلها الصادم بردها القوى ...

- لأ ... مش حمشي من هنا ...( ثم أشارت نحو الخارج بحُجة فرض بقائها رغمًا عنهم ) ... الطرق مقفولة ...


وقف "معتصم" يواجهها رأسًا برأس مقضبًا حاجباه بقوة لتظهر قاتمتيه القويتين بحده يتقصد إثارة حنقها ...

- أظن هذا يكفي ... أأنتِ مريضة أم ماذا ...؟!! أنتِ بالتأكيد تتوهمين أشياء غير موجودة ... سوف تتسببين بإفتعال المشاكل مع "كاتي" ... من فضلك عندما يُفتح الطريق عليكِ المغادرة فورًا ..


ضمت "عهد" شفتيها بقوة تحاول السيطرة على إنفلات أعصابها التى أوشكت بالفعل على ذلك فلن تضيع جهدها سدى لأجل بعض الضغط الذى لا يتناسب مع شخصيتها الثائرة التى لا تتحمل أن تهان كرامتها بأى صورة ، لكنها مضطرة على إستكمال الأمر ، بأنفاس متهدجة ونفس مشحونة خرجت "عهد" من غرفة المكتب بإنفعال بعد طلبِه الذى أشعل النيران بنفسها لكنها لم تدرك أن عيناه لم تنكسا عنها وظل يلاحقها حتى غابت عن مرئاه ...


تريد الإنتهاء وأن ينمحى كل شئ وتنسى وجودها بهذا المكان وتريد البقاء فقد دق هذا الصخر المسمى قلبها لأول مرة ، حيرة وإضطراب يجوبان داخلها لكن عليها البقاء بأعصاب ثابته دون إظهار أكثر مما ظهر ..


عادت "كاتينا" لغرفة المكتب بنعومة لا تقاوم فهي فرصة سانحة للتقرب لـ"معتصم" ..

- أسفة عزيزى فأنا السبب بوجودها من الأساس ... 


تقدمت نحوه بدلال يسرق القلوب لتستكمل بنبرتها الناعمة وهى تدنو منه لتتودد إليه بلمسة من أصابعها الناعمة نحو وجنته القوية ..

- لقد أوقفتها عند حدِها ... لقد فعلت ذلك من أجلي ...


عيناه كانت معلقة بذات الإتجاه الذى سارت به "عهد" ليعود بناظريه نحو "كاتينا" ليطالعها بحدة فرغم مواجهته لـ"عهد" إلا أن ذلك لا يسمح لها بالتودد إليه بهذه الطريقة .


شعور بالإشمئزاز من هذا الدلال والتغنج ، لا يتقبل تلك النعومة المغثية للنفس ...


نظرات مشتتة مغيبة عن حضورها أمامه بل كان جسدًا بلا عقل فقد سلبت تلك الغاضبة عقله معها حين تركت المكتب ...


دفع بيد "كاتينا" وسط تشتته الظاهر على محياه فمن ينظر له يظن لو أنه يهتم لأمر تلك المتطفلة التى خدعتهم لتفسد حياتهم وليس أنه طلب منها للتو أن ترحل ...


غريب الشعور بالتضاد بذات الوقت ، تريد الشيء ولا تريده إنه طيف من الجنون بالتأكيد ، قلبه أم عقله أم إختياره الثابت دائمًا .. عمله ...


تنفس ببطء ليعود لتركيزه المشتت وإكمال تفكيره بالمنطق منحيًا قلبه الذى مال دون إذنه بالإتجاه المعاكس ....


عاودت "كاتينا" التقرب من "معتصم" لكن تلك المرة كانت واضحة بطلبها بشكل مخجل لتهمس بدلال شديد ...

- أريدك أن تبقى اليوم بغرفتي يا "ماوصي" ... الليلة فقط ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إستقام "معتصم" ينهض من مقعده كمن لدغه عقرب قاضبًا عيناه بقوة وهو يرمقها بنظرة حادة يشعر بالنفور من عرضها المنحل فقد كان الغرض من رحلتهم هو التقرب كأصدقاء وزيادة قربهم الفكرى فقط ...


لقد كان واضحًا من قبل حين أخبرها بأنه عربى مسلم له قواعد أخلاقية وإلتزام دينى لن يتهاون بهما فلم تعرض هذا الأمر اللا أخلاقي عليه الآن ...


بنبرة حادة من صوته القوى غاضبًا من تلميحها المرفوض شكلًا وموضوعًا هتف بها بنبرة تحذيرية ...

- "كاتينا" ... لقد أخبرتك من قبل ... إن ما تفكرين به لن يحدث مطلقًا ... تلك عقيدتي ولن أخسرها لأجل أي شيء آخر ... هل تفهمين ...؟؟!


رفعت زرقاوتيها بتملل لتشبثه بأفكاره لتزيغ عيناها بصورة دائرية بأرجاء المكتب أولًا ثم أظهرت إعجابًا غير حقيقي بمبادئه لتردف تفتخر به ...

- اوووه ... يا لك من شخص مستقيم ... إنني أعشق الشخص المستقيم ...


تمهلت بحديثها لوهلة قبل أن تستطرد قائلة ...

- "ماوصي" ... ألن تعلمني ما طلبته منك قبل مجيئنا إلى هنا ...( ثم أشارت تجاه أجهزة الحاسوب الخاص به ) ... ها هي الأجهزة متاحة ألن تخبرني بأسرار مهارتك حتى أستطيع العمل معك ...؟!! 


أجابها بذهن مشتت وضيق حل به ...

- ليس الآن "كاتى" ... ليس الآن ... هيا لنخرج لغرفة المعيشة فالجو هنا باردًا قليلًا ...


مالت "كاتينا" بفمها بإستياء ثم أومأت بخفة لتتبع "معتصم" إلى خارج غرفة المكتب ليتابعا أحد الأفلام بالخارج عوضًا عن بقائهم بمفردهم بالداخل ...


❈-❈-❈


شجن و نغم ...

تسللت الفتاتين هربًا من مواجهة سيئة مع زوجة عمهم لينالا حريتهم بوصولهم باب البيت ، هذا هو ملاذهم الآمن ، خطوات مظلمة تصل بهم لطريق النور ...


بسعادة بالغة أكملتا الطريق تجاه عملهم حيث إتجهت "شجن" نحو المستوصف بينما إتخذت "نغم" طريقها نحو المكتبة ...


بدأت "شجن" عملها بروتينية دون تغيير لتبدل ملابسها مرتدية معطفها الأبيض تنتظر قدوم أى حالات مرضية بهدوء فهذا المستوصف هادئ للغاية لا يحتوى على إمكانيات علاجية كبيرة فهو محدود العمل والإمكانيات ، جلست "شجن" بهدوء برفقة زميلتها فى إنتظار أى حالة ترد إليهم ...


وقفت "نغم" أمام المكتبة تتطلع نحوها بعيناها الواسعتين لتصعد درجات السلم الصغيرة لتدلف نحو الداخل ...


جالت أرجاء المكتبة بقاتمتيها تتفحص تلك الكتب المصفوفة بعناية فوق الأرفف ، رائحة ذكية محببة لنفسها وهي تهيم بعالم الكتب ، فكم تمنت هذا اليوم منذ فترة طويلة ، أن تعمل بمجال دراستها وشغفها ...


وقفت كالتائهة بين أكوام الكتب هنا وهناك ولقصر قامتها كانت أشبه بطفلة بريئة وسط حقول الأزهار تنبهر بجمالها لكنها متيبسة الخطوات لا تدرى إلى أين تتجه وما يتوجب عليها فعله ...


عيونها الواسعة ، غرتها السوداء التى زينت جبينها بسحر فاتن أظهر بشرتها البيضاء وفمها المعقود ، جميلة ساحرة نقية للغاية ...


دقائق صمت وإنتظار وأيضًا ضياع شعرت بها عندما وجدت نفسها بمفردها بداخل المكتبة الكبيرة ...


ربما عيناها المشتتان تشعران بالتيهة لكن عيناه كانت تعلم طريقهما جيدًا فمنذ أن دلفت لم ينحى نظراته عنها ، خطفت بصره بدون سابق إنذار فقط من طلتها الساحرة فور أن خطت قدميها داخل المكتبة ...


كان "بحر" منحنى يرتب أحد الأرفف السفلية ذات المستوى الأرضى حين أهلت "نغم" لداخل المكتبة ، وقعت عيناه عليها دون أن تنتبه هى له ...


رفع مقلتيه تجاهها ليجدها تقف بمنتصف مدخل المكتبة ترفع رأسها متطلعة نحو الأرفف العلوية وهى تستدير ببطء تتمتع بأشكال الكتب المصفوفة بعناية ...


إبتلع ريقه المضطرب وهو يراها حقيقة متجسدة أمامه ، بالتأكيد هي ليست كمثل البشر ، فالبشر لا يظهرون بهذا السحر بعالم الأحلام ...


بالتأكيد هو حلم يسبح به ببحور الخيال ليطير عقله وقلبه معًا ، هل بتلك السهولة تأسر قلبه وتخطفه من بين ضلوعه بمجرد أن لاح طيفها بالمكتبة ...


لؤلؤة لامعة تشع بريقًا وسط صفحات وصفحات من الكتب ، لا يسعك حين تقع عيناك عليها سوى الهيام فقط ، وهذا ما بدر من هذا الشاب الذى توقف به الزمن يطالع تلك الحسناء ...


نهض من غفلته وزمنه المسروق ببطء ليُظهر نفسه تدريجيًا حتى إستقام فظهر طوله الفارع الذى فاق طولها بمراحل ليرحب بها من خلف الحاجز الخشبي القصير للمكتبه ...

- اهلًا وسهلًا ...


إنتفضت "نغم" لتفاجئها بوجود أحدهم بالمكتبة لتتسع حدقتيها السوداوتين بقوة وهى تكور شفتيها لتتمالك قلبها المتفاجئ بحركة لا إرادية ...

- بسم الله ... صـ ... صباح الخير ...


ضغطت بكفها فوق صدرها لتطمئن قلبها المنتفض قليلًا ، بريئة بشكل سلب عقله ليبتسم بجاذبية إبتسامته الهادئة كطبعه تمامًا وهو يجيبها ..

- صباح النور ...


- أستاذ "بحر" ...؟؟!

قالتها بتساؤل لتتأكد أن هذا هو الشخص الذى أخبرتها عنه أختها "شجن" ، حين أجابها بإيمائة خفيفة ومازالت بسمته معلقة فوق شفتيه ..


- أيوة أنا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

خطت بضع خطوات تجاهه وهى تتفادى موضع الكتب التى مازالت موضوعة بالأرضية قائلة ...

- أنا "نغم النجار" ... أختى كانت جت لحضرتك إمبارح عشان الشغل ...


بكل كلمة تنتهى منها تضم شفتيها بطريقة ملفتة للغاية ، طريقة مميزة لم يرها بأحد من قبل ، شعور بالإستمتاع لطريقة حديثها وصوتها الرفيع الذى يعزف كسمفونية تشنف الآذان ، صدق من أسماها "نغم" فهي قيثارة بحد ذاتها ...


لم يسعه السيطرة على قلبه الضعيف بقربها لينظر نحوها بتركيز شديد ليضطرب بقربها ، إنتبه لصمته فترة طويلة من الزمن ليردف ببعض التلعثم ...

- أه ... أكيد ... أهلًا بيكِ يا آنسة "نغم" ...


أجابته بدبلوماسية وهي ترفع حاجبيها وتهدلهما معًا دون فهم لم هو بطئ فى الإستجابة والرد عليها ، فهل هو غليظ الفهم لا يدرك للوهلة الأولى ما تتفوه به ؟!!

- شكرًا ... ممكن أعرف طبيعة الشغل هنا إيه ... والمواعيد وكدة ...؟؟؟


إنتبه "بحر" لبلاهته معها ليستدير خلف الحاجز الخشبي ملتفًا تجاهها وهو يستجمع تشتته ليجيبها بعملية ...

- تصنيف وترتيب الكتب دى ... وبرضة فيه جانب ترويج على النت لها ... يعنى أكيد تخصصك زى ما فهمت من أختك ... وده شئ سهل بالنسبة لك ولا إيه ...؟!!


عند نهاية كلمته الأخيرة كان قد وصل لمنتصف المكتبة وأصبح بمقابلتها لتتضارب دقات قلبه بقربها مرة أخرى ، فماذا فعلت به تلك الصغيرة بلحظات ...


هل تسرق القلوب من مالكيها بهذه السهولة ، أليس هذا هو قلبه ..!! لم سرقته دون أدنى مقاومة منه ؟!! 


إلتف بعيناه تجاه داخل المكتبة مشيرًا نحوها هاربًا من تلك الموجة التى زلزلت رساخة أقدامه تجاهها ، فقد بعثرته منذ حضورها ، أشار نحو أصناف الكتب المختلفة موضحًا ما عليها فعله برزانة إلى حد بعيد ، قابلتها "نغم" برسمية شديدة ...


- حنرتب الأول المجموعات دى فى الأماكن اللي حقولك عليها لأن دفعة الكتب الجديدة لسه واصلة زى ما إنتِ شايفه ... وبعد كدة حنعمل فهرس وسجل لكل ركن ...


- اه فهمت ... 


حاول "بحر" تناسى الأمر ليكمل العمل بحرفية ومهنية فاليوم اول يوم لها ولا داعي لأن يصيبها بالذعر ...


❈-❈-❈


مكتب عيسى للمحاماة ...

وصلت "سندس" منذ قليل تتهيأ بإنتظار مجئ "عيسى" للمكتب والذى إقترب موعده للغاية ، ملست بخفة على ملابسها الأنيقة اليوم لتعدل من خصلات شعرها إستعدادًا للقائه ، كما لو أن هذا اللقاء هو موعد بين المحبين وليس إنتظار رب عملها ...


جلست بمقعدها لتضع قدميها على مقعد آخر بأريحية شديدة بلا مبالاة بما يدور حولها فقط تريح قدميها المتعبتان ...


تقدم نحوها رجل خمسيني متوسط القامة أسمر البشرة قائلًا بحبور ...

- حمد الله على السلامة يا أستاذة ... أعمل لحضرتك القهوة ...؟!!


أجابته بغرور كمالكة لهذا المكتب وليست عاملة به مثله تمامًا ...

- ما إنت شوفتني دخلت المكتب .. وأنا قايله لك .. أول ما أدخل المكتب تجيب لي قهوتي على طول ... مش ناقصة غباء يا "شاكر" ...


تغاضى عن عنجهيتها ليردف بتواضع ...

- حاضر يا أستاذة ... ثواني وقهوة حضرتك حتكون قدامك ...


لم تبالي بهذا الرجل لتخرج من حقيبتة يدها محفظتها الصغيرة لتفتحها وهي تقضم شفاهها بحركة توتر لا إرادية تنظر لصورة "عيسى" التى توسطت محفظتها ، عشق تخطى الجنون ، تتمنى لو أن يقبلها بحياته بأى وضع فيكفيها قربها منه وستنتظر تحقيق هذا الأمل مهما طال إنتظاره ...


بعد قليل من الإنتظار وصل "عيسى" للمكتب بعدما أصرت "غدير" على أن يتركها ويذهب لمباشرة عمله بالمكتب وأنه لا داعى لتواجده إلى جوارها فيكفيه بقائه معها منذ الصباح ...


دلف بجديته المعهوده وملامحه الساكنة نحو مكتبه ملقيًا التحية على تلك المتشدقة بتلهف لقدومه ...

- السلام عليكم ...


نطقها دون الإلتفات إليها لتجيبه بحبور وسعادة برؤيته فقد ظنت أنه لن يأتي اليوم لتأخره عن موعده ...

- أهلا يا أستاذ "عيسى" ... أنا إفتكـ....


قبل أن تتم عبارتها قطعها "عيسى" بعملية ..

- أطلبى من عم "شاكر" يعمل لي فنجان قهوة وحضري لي مذكرة قضية سرقة الماكينة وهاتيهالي المكتب عشان ألحق أراجعها ...


- على طول يا أستاذ "عيسى" ... حالًا ...


دلف مباشرة لداخل مكتبه ليتابع عمله دون الإكثار من تبادل الحديث مع "سندس" فهو بطبعه يغلق كل الأبواب التى قد تصدر إزعاجًا له من قبل فتحها ...


❈-❈-❈


عطارة النجار ..

وضع "مأمون" لفافات من الأوراق المالية فوق المكتب الخاص بوالده وهو مقتضب كعادته ..

- دول عربون من الحاج "سليم" هو جه أخد جزء من البضاعة وقال بالليل حييجي يشيل الباقي ...


مسح "فخرى" ذقنه بكفه وهو يناظر النقود الموضوعة فوق المكتب ثم أردف بنفس ضائقة ...

- ماشى ... إنت عامل حسابك على الأسعار الجديدة طبعًا ...


- أيوة أكيد يا "حاج" ودى حاجة تفوتني ...


إنها حياته الرتيبة والتى عليه إستكمالها رغم بغضه لها ، فحتى تلك التى يطمع بها البشر لا تستطيع شراء له بعض السعادة ، نقود كثيرة كما كان يتمنى لكن القلب قد فقد شغفه بالحياة ، بل لا يدرى لم يستكمل هذه الحياة المقيته ، ربما لأن هذا عقاب طمعه بشبابه دون الوعى بما سيُجنيه عليه هذا الطمع ...

- إبقى خد بالك يا "مأمون" إن "سليم" عليه باقى فلوس من آخر بضاعة .. بتاعة البخور لو تفتكر ...


بضحكة تهكمية خفيفة ، فعقله مرتب للغاية بما يخص العمل ولن يغفل عن أمر كهذا ...

- ودى تيجى يا بابا ... ما إنت عارف الحاجات دى مبتعديش عليا ...


بسمة فارغة ليس لها طعم الحياة علت ثغر "فخرى" ثم أردف مؤكدًا حديث ولده ..

- اه صح .. نسيت إنك مخك كمبيوتر ...


خطوات مظلمة تخطو تجاه جلستهم ، لا يمكن للظلام أن يكون بما تراه الأعين فقط ، بل هناك ظلام يتوغل بالنفوس البغيضة دون أن ندرى ...


تقدم "فريد" من مكتب والده دون أن ينتبها لحضوره ، تعلقت سوداوتيه بلفافات المال لتشتعل ببريق طامع يتمنى لو أن ينقض على هذا المال ، أليس هذا من حقه أيضًا أم كُتب فقط على "مأمون" الإستمتاع به ...


إنتبه "مأمون" بجانب عيناه تقدم أحدهم بقربهم ليدرك أن هذا ما هو إلا "فريد" ليضع كفه بعجالة فوق المال قائلًا لوالده ...

- ما تشيل الفلوس فى الخزنة يا حاج .. أحسن حاجة تتنطر كدة ولا كدة ...


شعر "فخري" بإقتراب "فريد" ليومئ بإيجاب مجيبًا "مأمون" ..

- عندك حق ...


وقبل أن يصل "فريد" ليتمتع بقربه من المال فربما يناله بعضًا من سخاء والده ، كان "فخري" أسرع بوضع المال بالخزانة الموضوعة بجانبه ليزفر "فريد" بضيق فما بين هذان الإثنان يود لو يقتحم عقولهم ليدرك بما يتفكرون ، لكنه تمالك غضبه مردفًا بنعومة الثعابين ...

- يا مساء الأنوار ... وانا بقول الوكالة منورة كدة ليه ... أتاريكم إنتوا الإتنين هنا ...


رفع "مأمون" ساقه فوق الأخرى بتعالى ليرفع حاجبه بتهكم وعدم تصديق لما يرائى به أخيه ..

- يا رااااجل ... ( ثم أشار" نحو المقعد الذى يقابله قائلًا) .. أقعد أقعد يا "فريد" ... عاوزك ...


جلس "فريد" يخفى حقده على أخيه الأصغر الذى بدأ يتحكم بكل الأمور حتى بوجود والدهم ..

- خير يا أخويا ...


لفلف "مأمون" لسانه بداخل فمه أولاً يثير أعصاب"فريد" قبل أن يتحدث إليه قائلًا ...

- عمال مخزن الشونة ... 


زاغت عينا "فريد" كمن يخفى جرم فعله ليتسائل بنبرة مترددة يشوبها بعض التخوف ...

- مالهم ..؟!!


ثبت "مأمون" نظراته نحوه لبرهة كما لو يخبره بأنه يدرك كل ما يفعله من خلف ظهورهم ، لحظات حطم بها أعصاب"فريد" بصمته قبل أن يستطرد ...

- بيشتكوا منك ... بيقولوا إنك ااا ....


تهدج صدر "فريد" بإنفعال متخوفًا أن تكون سرقاته من المخزن فضحت أمامهم ليردف بحدة للعبه بأعصابه ...

- فيه إيه يا "مأمون" ... متتكلم على طول وبلاش تنقيط ... خليك دوغري وبلاش اللف والدوران ده ...


رغم إدراكه لسرقات أخيه من المخزن إلا أنه تغاضى عن الأمر حتى لا يطالب بوجوده هنا بالوكالة ذاتها ويحقق بذلك أطماعه بالقرب من حركة البيع والشراء والتجار لهذا أجابه "مأمون" بأمر آخر بهدوء شديد بعدما أتلف أعصابه منذ قليل ...

- بالراحة بس على نفسك ... ده أنا قصدى إنهم بيشتكوا إنك شديد أوى معاهم ...


زفر "فريد" الهواء دفعة واحدة براحة ثم أردف بغرور ...

- ما هو لازم نشد عليهم ... أمال الشغل يمشي إزاى ... ده من غيري الدنيا تقع ...


أوقعه "مأمون" بدهائه فيما يود الوصول إليه ليردف مؤكدًا ذلك ...

- ما هو ده اللي أنا بقوله ... مش كدة يا حاج ... أنا بقول المخازن من غير "فريد" تقع ... مينفعش إنت تسيب هناك أبدًا .. ده إنت الوحيد إللي عارف تمشي العمال صح ...


ضربة بمقتل ضربها به "مأمون" و أوقعه بشباكه بدهائه المعهود ليقضم شفتيه بغيظ فقد إنساق ببلاهة خلفه دون أن يعي مقصده ليناظره بعينان مغتاظتان بقوة لكنه لم يجرؤ على الإقرار بعكس ذلك ليردف بالإيجاب رغمًا عنه ...

- أيوة ... مظبوط كلامك ...


بسمة منتصره علت ثغرة هدمها رنين هاتفه ليظهر رقم "ريهام" يتوسط شاشته ليتطلع نحوها بضيق وهو يضغط زر رفض المكالمة فلا طاقة له بحديثها الثرثار وطلباتها التى لا تنتهى ..


تكرر الإتصال لعدة مرات وفي كل مرة يرفض المكالمة لكنها ظلت تدق وتدق حتى مل من الأمر ليمسك بهاتفه مبتعدًا عن والده وأخيه الشامت به فتلك المكالمة ستسبب له ضيق لفترة لا بأس بها ...

- حروح أرد عليها ...


إبتعد لخطوات عنهما ليظهر الضيق والإقتضاب على ملامحه الحادة وهو يحدثها حتى إنتهت مكالمتهما ليعود لجلسته مرة أخرى بصمت وغضب ...


- كانت عايزة فلوس برضه؟!!

تسائل "فخري" ببعض التيقن ...


- وهي بتكلمني فى حاجة تانيه ... هي مش عايزة غير فلوس ... لكن إن أنا أشوف العيال ... لأ ... لازم تدوخني عليهم فى المحاكم .. لكن فى طلب الفلوس تفضل تزن زى ما إنت شايف ...


- ربنا يهديها .. أنا مش عارف إيه اللي غيرها أوى كدة ... كنتوا متفاهمين وكويسين ... إيه اللي قلب حالها بالشكل ده ؟!!


رفع "مأمون" عيناه نحو الفراغ فليس كل ما يتمناه المرء يدركه فإن كان نصيبه كوالده مزدهر بالمال زهيد بالسعادة ...

- نصيب يا حاج ... نصيب ...


❈-❈-❈


سويسرا (الكوخ)

بين حقيقة وسراب يتأرجح العقل ، ترى ماذا هي الحقيقة بالأمر ، هل يصدق ما ظنته "كاتينا" أم أن الأمر برمته سراب يكمن خلف سبب آخر ...


وقت يمر لم ينال "معتصم" منه سوى التفكير والإنشغال بما حدث اليوم ، حتى مع غياب "عهد" عن المشهد وإلتزامها غرفتها منذ مواجهته معها إلا أنه يشعر بعدم الراحة ...


بدأت البرودة تتسلل للكوخ بشكل غير مسبوق حتى أنهم لملموا ملابسهم بقوة تجنبًا لشعورهم بالبرد ، إلا أن "معتصم" إنتبه لحديث "كاتينا" بعد فترة طويلة من الصمت ...

- "ماوصي" .. إن الطقس أصبح باردًا بشكل غريب ... أليس كذلك ؟!!!


رفع "معتصم" رأسه تجاهها وهو يضيق جفناها متمعنًا بحديثها ثم أجابها ..

- يبدو أن أجهزة التدفئة المركزية تعطلت مرة أخرى ...سأذهب لأرى ما الأمر ...


نهض "معتصم" مغادرًا الكوخ ليتفحص جهاز التدفئة المتواجد خارج الكوخ لكنه سحب معطفه أولًا ليرتديه قبل خروجه بهذا الطقس القارس ...


وجدها فرصة للبقاء بعيدًا عن "كاتينا" ليتفكر بأمر "عهد" ويعيد ترتيب أفكاره المشتته قبل عودته ...


❈-❈-❈


بيت عائلة دويدار ...

أخذت "منار" تجوب المطبخ تبحث بين أدراجه على إحدى العلب البلاستيكية لتضع بها قطع الحلوى (الحجازية) التى صنعتها منذ قليل ، بقيت بالمطبخ لبعض الوقت تحضر بعناية تلك العلبة ...


جلس "خالد" بغرفة المعيشة منشغلًا بقراءة أحد كتبه بتركيز تام حين دق هاتفه برقم غريب ، وضع نظارته الرفيعة الخاصة بالقراءة جانبًا بهدوء قبل أن يرفع هاتفه تجاه أذنه ليجيب صاحب الإتصال ...

- السلام عليكم ... المستشار "خالد دويدار" معايا ...؟!!


- أيوة يا فندم ... مين حضرتك ؟!! 


سأله "خالد" بلباقة ورزانة ليجيبه المتصل معرفًا بنفسه بحبور ...

- أهلًا أهلًا "خالد" باشا ... معاك "فوزي خلاف" من شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير ...


رغم جهله بهذا المتصل وسبب إتصاله به إلا أن "خالد" رحب به بدبلوماسية ولياقة ...

- أهلًا يا فندم ... أقدر أساعدك فى حاجة ...؟!.


- والله يا "خالد" باشا حضرتك قيمة وقامة ... وإحنا فى الشركة يسعدنا إنك تنضم لينا كمستشار قانوني للشركة ...ولو حضرتك وافقت حيكون من حسن حظنا وجودك معانا ...


صمت "خالد" لوهلة يحاول إستيعاب الأمر بتفكير أكثر شمولية ، فهو لن يلهث وراء أى وظيفة تعرض عليه ليتسائل بإستفسار عن طبيعة هذا العمل وصاحب الشركة ومجالاتهم وتصنيفهم بالسوق ، فهو ليس بالتدنى ليعمل لدى أى شركة لمجرد العمل بعد التقاعد ...


أسئلة عديدة وكثيرة للغاية ظلت تحكم المكالمة بينه وبين "فوزي" ليجيبه بالنهاية ...

- عمومًا يا أستاذ "فوزي" زى ما إتفقنا أمر عليكم فى الشركة الأول وأفهم التفاصيل قبل ما أقول موافق ولا لأ ...


كانت إجابة "فوزي" تحمل إلحاحًا كبيرًا حين أردف ...

- بإذن الله توافق ... ده إحنا نتشرف بوجودك معانا والله .. وإحنا فى إنتظار تشريف حضرتك 


- بإذن الله خير ...

أنهى "خالد" مكالمته متفكرًا بالأمر ليجدها ربما تكون فرصة جيدة لبداية جديدة بمشواره المهنى ، دلف تجاه غرفة نومه يبدل ملابسه بأخرى أنيقة للغاية ليخرج بعد مرور بعض الوقت وقد إرتدى حُلة رسمية أنيقة للغاية من اللون الرمادي الداكن يقف بمنتصف الصالة الخارجية يضبط من وضع زر قميصه الأبيض الذى تظهر مقدمته من رسغه بعناية ...


خرجت "منار" من المطبخ حاملة علبة الحلوى( الحجازية) بيدها تطالع زوجها المتأنق بلمحة من الإعجاب بإهتمامه مرة أخرى بمظهره المتألق ...

- إنت خارج ...؟! 


قالتها "منار" بفضول ليجيبها "خالد" برزانته وصوته الهادئ ...

- أيوة ... ورايا مشوار كدة وحعدى على "عيسى" وأنا راجع نرجع سوا ...


- طيب كويس ... أنا كمان طالعه لـ"غدير" ... البنت تعبانه من الصبح وزمانها عايزة تاكل أى حاجة حلوة ... حطلع أقعد معاها شويه ...


ثم تذكرت أن تخبره بأمر قبل أن تنسى ...

- اه صحيح ... "أم مجدى" جت ... وقولتلها تعمل لنا عشا لينا كلنا لما ترجعوا بقى من بره ويكون رؤوف هو كمان رجع ... ونبقى ناخد الأكل فوق عند "عيسى" عشان "غدير" مش حتقدر تنزل ...


تطلع "خالد" نحو ساعة يده بإندهاش ...

- أه صحيح ... هو "رؤوف" إتأخر كدة ليه ...؟؟!


أجابته "منار" مذكرة إياه ..

- ما هو قالك حيطلع من الشغل يقابل "نيره" عشان يروحوا معارض الموبيليا ينقوا العفش ....إنت نسيت ولا إيه ...؟!؟


- اه صحيح ... هو قالى ... راح عن بالي خالص ...


ضحكت "منار" ممازحة إياه ...

- أيوة ما هو طول ما إنت متشيك كدة الواحد يقلق يا "خالد" ...


أجابها بجدية تميل للضيق من تهكمها ومزاحها ...

- ده العادى يا "منار" ... ولا إكمني من ساعة ما طلعت على المعاش وأنا مجرچ فى البيت ...


- خلاص طيب ... إنت زعلت ... أنا طالعه لـ"غدير" وإنت كمل مشوارك مش حعطلك ..اه .. متنساش بكرة معادنا مع الدكتور اللي عاوز يأجر العيادة ..


أومأ بتفهم قبل مغادرته أيضًا ...

- مفيش مشكلة ... بكرة نقابله سوا ... يلا عشان منتعطلش ...


غادر كلاهما كلا يتجه بصوب فى إنتظار تجمعهم بالمساء ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه


❈-❈-❈


شقة عيسى ...

رغم إستمرار سعالها المتقطع ورفضها أن يبقى "عيسى" إلى جوارها وإصرارها بأن يذهب لمكتبه ليتابع عمله ، جلست "غدير" بمفردها لبعض الوقت قبل أن تدق "منار" بابها الإطمئنان على زوجة إبنها بقلب أم حنون ...

- عامله إيه دلوقتِ يا "دورا" ... الأزمة لسه تعباكِ ..؟؟؟


رفعت "غدير" حاجبيها بتشدق وقد إتسعت مقلتيها ببريق تجاه العلبة التى تحملها "منار" بين يديها ...

- أزمة إيه بس ... إيه اللي معاكِ ده ...؟!! إوعى يكون اللي فى بالي ...


ابتسمت "منار" بمحبة فقد صنعت (الحجازية) خصيصًا لها فهي تعلم كم تعشقها "غدير" لتومئ بالإيجاب الذى جعل "غدير" تتناسى ألمها وإعيائها هاتفة بحماس طفلة أحضرت لها أمها الحلوى المحببة ..

- الله عليكِ يا "منوره" ... يا جااااامد ... هو ده الكلام ... أعمل لنا بقى كوبايتين شاى بلبن ونضرب الحجازية مع بعض ... يا لهوي ... ده أنا بحبك حب ...


ربما قالتها بمزاحها الشقى لكنها كانت تقصد ذلك بالفعل فهى تكن لها محبة بقلبها كما لو كانت أمها حقًا ...


ألقت نفسها بين أحضانها أولًا قبل أن تركض تجاه المطبخ لتصنع كوبان من الشاى والحليب الساخن ليتمتعا بجلسة محبة يتجاذبان بها أطراف الحديث أثناء تناولهما لتتوغل "غدير" بروحها المحبة لداخل قلوب كل العائلة ...


❈-❈-❈


الكوخ ...

حل المساء وغطى الليل بأستاره سماء المدينة الملبدة بالغيوم ، قضى "معتصم" وقت طويل للغاية خارج الكوخ بعد أن أصلح التدفئة ، ظن أنه بحاجة لتلك الهدنة مع نفسه والبقاء بمفرده يعيد أفكاره لمسارها فقد كان إهتمامه الأوحد هو العمل وعليه العودة لنفس المسار حتى لا يخسر كل تقدم وصل إليه ، فأى شئ يخرجه عن مساره الآن هو تشتت وضياع ، خطوات نحو الظلام وعليه البقاء بطريقه المضئ ...


زادت الأجواء برودة فإضطر للعودة إلى الكوخ ليمكث بالداخل يستمع بالدفء الذى بالتأكيد يعم أرجائه الآن ...


تطلع لمرة أخيرة بشاشة هاتفه الذى كان يحمله بيده قبل أن يغلقه ويضعه بجيب بنطاله ليتبعه بوضع كفيه في كلا جيباه ليسير بخيلاء تليق به وبشخصيته القوية الغامضة ...


تقدم بخطوات متباطئة هادئة للغاية تجاه باب الكوخ الذى فتحه ليقف مندهشًا مما يراه ..


أو ربما مندهشًا مما لا يراه ، فقد كان الكوخ مظلمًا للغاية ، معتم بشكل مقلق فليس هناك مصباح وحيد مضيئ فالظلام عم كل الأنحاء بصورة غريبة ..


تقدم بخطواته التى لا يدرى أن موضعها بداخل هذا الظلام وهو يحدث نفسه بتعجب ...

- غريبة أوى ... راحوا فين دول ...؟!!


تجول بقاتمتيه وقد حُجبت الرؤية تمامًا عن عيناه فالظلام غير طبيعي بالمرة ، لم يكن بطبعه خائفًا بل متوجسًا من هذا الظلام وسببه ، خاصة وقد بدأ يشعر بوجود شخص ما بالقرب منه ..


وقف بثبات وهو يحدق باحثًا بكل الإتجاهات بذات الوقت ليهتف "معتصم" بإنزعاج ..

- مين ...؟!!


سرعان ما أدرك أنه يتحدث بالعربية ليهتف بالإنجليزية ...

- من أنت ...؟! 


إحساس يصل لدرجة اليقين بأن هناك من هو قريب منه لكنه لا يستطيع تحديد موضوعه ومعرفة هويته وماذا يقصد بالتخفى بهذا الظلام ...


حاول التحدث مرة أخرى فهذا ليس مزاحًا ولا طريفًا بالمرة ..

- من هناك ..؟! هل هذا أنتِ يا "كاتى" ... "عهد" ... أين أنتم وماذا يحدث هنا ...؟!!


لم يتلقى إجابة عن سؤاله لكن شعوره تعاظم بقرب أحدهم منه بخطوات خفية تقترب فى الظلام ، خطوات متسللة مظلمة غادرة ...


تحفز لحماية نفسه من هذا القرب الذى لا يفهم ماهيته ليتجه أولًا تجاه زر الإضاءة لمعرفة من هذا الذى يتربص به لكن قبل أن تصل يده لزر الإضاءة سمع صرير قوى يلوح بالهواء كما لو أن أحدهم يحمل شيئًا معدني قوى سينهال به عليه ...


بخفة وليونة رغم إنعدام رؤيته لهذا المعتدى الذى ينتوى إيذائه إستطاع "معتصم" أن يتفادى هذه الضربة التى لاحت فوق رأسه بصعوبة ...


لم يكاد يتملص من تلك الضربة إلا وقد حاول هذا المعتدى بسرعة مفاجئًا إياه بصرير قوى مرة أخرى تعلن ضربة قوية قادمة لا محالة ، تيقن "معتصم" بأن هناك من يتربص للفتك به حين سمع صوت الصرير ينهال تجاهه لكنه لم يستطع تفادى هذه الضربة بل ....


(الفصل العاشر )

الحقيقة قد تؤلمنا لكن إدراكها لا يسمح لنا بالبقاء مغفلين طويلًا ، قائمة سوداء هي التى أحتل دومًا صدارتها .


فأنا محط كل الإتهامات والظنون ، أنا السيئة بكل الروايات ، لا يلتمس لي أحد الأعذار مهما حدث ، أنا التي لا يُقدر أسبابي فأنا دائمًا موضع الشك ..


طالما تمنيت أن أكون بمقدمة قائمة أخرى ، أن أكون بصدارة الإهتمام وليس الإتهام ، لكنه القدر .. لا يسوق لي سوى أسوأ ما فيه ، هل سيحين اليوم الذى تتغير به أقداري وأحيا حياة سعيدة ...


❈-❈-❈


سواد أعظم ومحاولة قتل وتحفز شرس ، هكذا كان "معتصم" يقف بمقدمة الكوخ يستمع لصرير شئ ما يلوح بالهواء من حولة ليتفادى الضربة الأولى التى جعلته متيقنًا أن هناك من يحاول قتله والترصد به ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إلتف بجسده بمرونة وقوة ليقف بإستعداد للدفاع عن نفسه تجاه هذا المجهول ، لكن صوت الصرير الذى يلوح بالهواء جاء مسرعًا هذه المرة مستغلًا إنعدام الرؤية ليهوى بإتجاه رأس "معتصم" دون معرفة من أين يتلقى الضربة ...


صوت لابد وأن يتبعه فقدان للإحساس لكن ما حدث كان مغاير تمامًا فهو مازال يعى كل ما حوله ، بل إنه لا يشعر بالضربة أو بالألم ، لقد حال شئ آخر مجهول دون تلقى تلك الضربة المباغتة ..


إنعدم صوت الصرير و تعالى صوت إصطدام شئ صلب بالأرضية ، فيبدو أن أحدهم إعترض سلاح المترصد ليسقط من يده أرضًا ، هناك من ساعده وأنقذ حياته من هذا الغدر ...


بقفزة رشيقة أسرع "معتصم" تجاه زر الإضاءة لينقشع السواد وتقطع أضواء المصابيح الظلام لتتسع حدقتاه ذهولًا وهو يرى "كاتينا" تقف بمواجهة "عهد" تهتف بها بحدة وإنفعال ...

- ماذا تريدين منا ...؟!!! يكفى إيذاء لنا ...إننا لم نفعل معك شيئًا ...


ضيق "معتصم" جبهته بقوة وهو يطالع بأعين ثاقبة إنفعال "كاتينا" و حِدتها مع "عهد" التى كانت تقف بثبات وشموخ دون أن يهتز لها شعرة ، وقعت عيناه على سكين كبير ملقى أرضًا بينهما ، فبالتأكيد هذا السكين الذى كانت تحمله وحاولت به قتله ...


عيناه الصامتتان الثاقبتان كانا يحملان الكثير من الحديث دون التفوه به ، برغم تلك النظرة الغامضة الغير مفهومة التى تعتلى مقلتيه حين يخص "عهد" بها ..


ترك الحديث لـ"كاتينا" التى إنهارت قواها وعلى بكائها المرتجف بتخوف شديد مما حدث ، هوت بصورة مباغته بجسدها الضئيل فوق صدر "معتصم" المتيبس والذى علق عيناه بـ"عهد" فقط ، بنشيج مرتجف تحدثت "كاتينا" ...

- تلك المتوحشة كادت أن تقتلك حبيبي ..لقد دفعتها بقوة لتبتعد عنك .. ( رفعت وجهها تجاه "معتصم" المتيبس الذى لم يتخذ أى رد فعل تجاه كلاهما ثم إستطردت ) ... أرجوك "ماوصي" .. إجعلها تتركنا وترحل ...


ظل على وضعه مثبتًا عيناه الغامضتان تجاه تلك الشامخة بشكل لا يصدق ، قوية بشكل مخيف ، حاول أن يستشف هل حاولت حقًا قتله لكن تعبير وجهها المتحجر لم يظهر ذلك كما كانت بالأيام السابقة ، فبعد أن كان يستطيع النفاذ لداخلها وإدراك ما حقيقتها التى تخفيها أصبحت صعبة جدًا اليوم ، كما لو أنها تبدلت تمامًا ...


أخذت "كاتينا" تحثه على التصرف معها فهذا ليس وقت الصمت ..

- "ماوصي" ... لقد فعلت ذلك بالتأكيد لأنك فضلتني عليها ... وأنك طلبت منها الرحيل ... إنها مريضة متوهمة بلا شك ... كيف تجرؤ على فعل ذلك ... كيف تحاول إيذائنا ...؟!!


هل ينطق الحجر ..؟؟؟ هكذا كانت "عهد" قوية بغرور لا متناهي ، لم تدافع عن نفسها ولم تقر به أيضًا بل تعاملت مع الأمر كأنه واضح ولن ترهق نفسها بعناء التوضيح ..


حديث دفين داخل عيناها الناعستان لكنه حديث غامض غير مفهوم لـ"معتصم" ، و بعض صمت طويل أجابت بكلمتين فقط ..

- لا ... لم يحدث ...


تفوهت بها لتزيد حيرة "معتصم" لتجول بعيناه نظرات شك لكن هذا لا ينفى أن أحدهم حاول قتله و الترصد به في الظلام وقد كتب له عمر جديد ..


إنتفضت "كاتينا" تعتدل بوقفتها وهى تمسح عيناها الدامعتان وأنفها المتوهج لتواجه "عهد" بتعجب من إنكار "عهد" لما فعلته ...

- هل أنتِ مجنونة ..؟!! كيف تنكرين ذلك أمام عيناي ..!!! لا يوجد سوانا هنا ... كيف تكذبين ...؟!! إنكِ لست طبيعية بالمرة ...


كل الأدلة تشير لأمر واحد منطقي وحقيقي ، أنها حاولت قتله ليخرج وقتها "معتصم" عن صمته بعد تفكر بالأمر ...

- من الواضح إنكِ تنكرين الأمر لكن ليس هناك غيرنا لتكذبي عليه ... لابد أن عقلك مريضًا ... لقد حاولتِ قتلي ...!!! لهذا أطلب منكِ رجاءً إرحلي من هنا ...


علت ضحكة تهكمية غريبة صدرت من "عهد" لتقلب شفتيها بإستهزاء منهما قائله بسخرية ...

- أنا عقلي يوزن بلد ... ده إنتوا فى الكنافة ... شوفوا نفسكوا الأول ...


تطلع بخفة نحو "كاتينا" ليعيد بصره تجاه "عهد" محاولًا إظهار ضيقه وعدم تحمله لتصرفاتها ...


أظهر "معتصم" إمتعاضًا لرد "عهد" المتعجرف قائلًا ...

- لا داعي لهذا الجنون ... وجودك أصبح غير مرغوب به ... رجاء إرحلي ... والآن ...


أومأت "كاتينا" بحماس تشير نحو الخارج ...

- نعم ... غادري المكان ... أخرجي من حياتنا ...


تطلعت نحوهم "عهد" بإستنكار شديد وعدم تقبل لطلبهما لتتراجع بخطوات واثقة نحو الأريكة ثم جلست بأريحية تثير حنق متابعيها بدون إكتراث لهم لتضع ساقها الطويل فوق الآخر بغرور مردفة ...

- أنا قاعدة هنا ... ومش حروح فى حته ...


صدح صوت الرعد ينهي تلك الحالة الغريبة فرغمًا عنهم عليهم تقبل بقائها حتى إنتهاء العاصفة ليهتف "معتصم" من بين أسنانه ...

- معاكِ لحد الصبح وتكوني مشيتِ من هنا ... ساعتها الجو يكون إتحسن ... فهمتِ ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تطلعت به "عهد" بنظرة تحدى بجولة جديدة ترى من سيكون بها فائز ، إضطرت "كاتينا" لتقبل وجود "عهد" على مضض حتى الصباح كما أخبرها "معتصم" ...


❈-❈-❈


مازال المساء طويلًا ولم تنتهي الليلة بعد ، بوسط المدينة حيث تزدحم بسكانها وصل "رؤوف" للتو لإصطحاب "نيره" من أمام متجرها الخاص ببيع مستحضرات التجميل حيث إنتظرته ليهتف بحديثه المنمق ...

- مساء الجمال على أحلى بنت فى مصر ..


رفعت "نيره" حاجبيها بإستياء وهي تشيح بوجهها الممتعض عن "رؤوف" قائلة ...

- فى مصر بس ...؟!!!


دلالهُ لها هو غاية بحد ذاته بالنسبة لها ، شعورها بأنها محط الإهتمام والدلال والإغداق بكل ما هو غالي ونفيس لأجل إرضائها شعور لذيذ تتوق دائمًا للإحساس به ...


كلما قل إهتمام "رؤوف" بها بأى حال إفتعلت "نيره" أمر ما ليعود ليسترضيها ويحاول تملقها وإكسابها شعور بالأهمية بحياته ...


تصنعها الضيق من مجاملته لها جعلته على الفور يحاول كسب ودها ورسم السعادة على محياها ليهتف بنعومة أرادت بالفعل الوصول إليها ...

- هو حبيبي زعلان ولا إيه ... ده أنا مع أجمل بنت فى الكون كله ... بس الكون بيضلم لما بيزعل ...


إبتسمت "نيره" بغرور بعد أن سعدت بتملقه لها ليعاود "رؤوف" قائلًا ...

- أيوه كدة خلى الدنيا تنور ... يلا بينا ...


حركت رأسها بخفة مجيبة إياه ...

- يلا ... وخلى عربيتى هنا جنب الإستور(المحل) ونرجع ناخدها لما نخلص لفتنا ...


- اللي يشوفه القمر ...


إلتف "رؤوف" تجاه مقعد السائق ليحرك السيارة بعدما إتخذت "نيره" المقعد المجاور له ليتجها نحو بعض معارض الأثاث لإختيار المناسب منها ...


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر ...

أنت كل أشيائي التى أحبها ، وأنت أيضًا نقطة ضعفي وسبب إنهزامي ...


هكذا نظرت "وعد" لطفلها "زين" وهو يشب بأطراف أصابع قدميه يحاول الوصول لقنينة العصير التى وضعت فوق طاولة المطبخ ...


كم كان مزيج ساحر بين ملامحها اللطيفة وبين هيئة والده "عاطف" حتى أنه يحمل لون عيناه العسليتان ...


حاول بكل جهده الوصول لمبتغاه لكنه فشل بالنهاية ليتحول ببصره نحو والدته لمساعدته بالحصول على بعض من العصير الذى يحبه ...

- عاوز عصير من ده يا ماما ...


طلب بمنتهى اللطافة والأدب جعلها تلتف نحو الخلف تناظر أولًا قنينة العصير الأحمر لتدنو ببسمة ضعيفة لتحملها بين يديها تضع بعضًا منها بالكوب البلاستيكي المغطى الخاص بـ "زين" ...


تناول الكوب من بين يديها ليستمتع بإرتشافه فهو يعشق عصير الفراولة ، بينما ظلت "وعد" تحملق بلون العصير الأحمر ، عصير الفراولة المحبب لنفسها ولإبنها لتتذكر عصير آخر مختلف تمامًا ...


فلاش باك ..

﴿ كعائلة ثرية لا يهمها فيم ينفقن أموالهم فقط يهتموا بأن ما يطلبونه يجدونه ، خاصة هذا الأناني الذى إعتاد على الحصول على مبتغاه بأى شكل وصورة ، لا يهمه كيف يحصل عليه بل كان من النرجسية ليطغى بغرور للحصول على ما يريد بأى وقت وبأى شكل ...


كان نهارًا عاديًا للغاية حين إستفاق "عاطف" من نومه بنعاس وتكاسل ليعبث بخصلات شعره الثائرة يشعر بالراحة والإستمتاع لإسترخائه لفترة من الزمن بعد نوم طويل مستغرق بالأحلام ...


راحة ونشوة لابد وأن يتبعها ما يكمل به تلك الحالة من السعادة الخيالية التى رسمها لنفسه ...


طلب مناديًا "وعد" ليستكمل حالته النفسية المنتعشة ...

- "وعد" ... يا "وعد" ... هاتيلي عصير الكيوي بتاعي ...


تقدمت "وعد" تجاه باب الغرفة تناظر هذا المتكاسل وهو يتمطء بسعادة وقد علت بسمة بلهاء فوق ثغره ، حالة لم تمر أمامها من شهور عديدة فـ "عاطف" هادئ البال ومبتسم ...


أقبلت ببسمة منها لعلها تجد سبيل للتفاهم وكم تتمناه وتتوق لأن تعود حياتها للإستقرار والهناء ...

- شكلك رايق النهارده ... 


تلكع "عاطف" وهو يتملل بفراشه لا يود النهوض من نومته ليجيبها من موضعه ...

- الصراحة اه ... وماليش مزاج أتعكنن أنا بقولك أهو ...


جلست إلى جواره تحدثه بنبرتها الهادئة الناعمة التى تميزها ...

- أنا ولا أحب العكننة ولا عايزه أشوفها .. وإنت متأكد إني مش نكدية أبدًا ...


رفع رأسه ناظرًا نحو وجهها المستدير بتمعن كمن غاب عنها لزمن طويل ، فملامحها تغيرت قليلًا وأصبح وجهها أكثر إستدارة زاده جمال وظهر لون عيناها الخضرواتين بسحر فاتن ليحدثها بمحبة إشتاقت لها منذ زمن بعيد ...

- إنتِ إحلويني كدة ليه ...؟؟! فيكِ حاجة متغيره ...


نظرت لنفسها بتعجب قبل أن تجيبه مستنكرة تلك الملاحظة الغريبة ...

- متغيره ... متغيره إزاى .. أنا زى ما أنا ...


ثم حاولت أن تبدأ بمعاتبته فكم حياة تبدأ بعتاب قلوب محبة ، أمل جديد يشرق بحياتها الرمادية ، لا تصل للسواد أو للبياض فيها ، تلك المنطقة العالقة بالمنتصف تمامًا كاللون الرمادي ...

- مش يمكن إنت اللي مش واخد بالك مني ... بقالنا فترة يا "عاطف" بعيد عن بعض أوى ... 

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

زم شفتيه العريضتان بحنق وهو يعتدل مردفًا بإختناق ...

- بدأنا النكد ... ما قلت لك بلاش نكد أنا مزاجي رايق النهارده وماليش نفس أتعكنن ...


بعيون محبة ونظرة عتاب دنت إلى جواره مستطردة بهدوء صوتها الحنون ...

- هو عشان بقولك إننا بقالنا فترة بعيد عن بعض يبقى بنكد عليك ... يا "عاطف" أنا نفسي نرجع زى زمان ... فاكر ... فاكر كنت بتحبني إزاى ... ولا خلاص ... دلوقتِ الحب ده راح ...


رفع كفيه يدفع بهما خصلات شعره العشوائية بإمتعاض من توالى عتاب "وعد" وإظهاره بأنه مقصر تجاهها ، ألا عليها أن ترضى بقبوله بها ، ذلك الإحساس بأنه أكثر مما تستحق ...

- يووه ... أيوة ... راح ... معدش فيه حب ولا بطيخ ... إحمدي ربنا إني إتجوزتك ... وبقيتي حرم "عاطف الأسمر" أغني شاب فى المنطقة كلها ... "عاطف" اللي أول ما يتسمع إسمه الحته كلها تقف على رجل وبنات أحلى وأجمل منك بكتير يتمنوا لي الرضا أرضى ...


لو كان فقط إحتواها بكلمة حنونة لكانت ألقت الدنيا تحت قدميه ولم تهتم لأى مشاكل سببها أهله ، لما شعرت بأنها كزهرة وسط الرمال الجافة ، ربما لو كان أقل أنانية مما هو فيه لكانت أحبته وفضلته حتى على نفسها ...


غصة علقت بقلبها مرة أخرى من نرجسيته وتعاليه وحبه لذاته الذى لا ينتهي ، ضمت شفتيها بحنق تبتلع بقية كلماتها المعاتبة فحتى العتاب هو لا أهل له ...


طالعته بنظرة يملؤها اللوم والإتهام بالأنانية ، لكن ماذا تفعل التلميحات مع قلب ثقيل الفهم والإحساس ، صمتها المتألم كان راحة وصفاء له ليعود مستمتعًا بالصمت والهدوء لكن غلفه بطلباته المستفزة ...

- هاتي لي عصير الكيوي بتاعي ... وإنزلي عند ماما هاتيلي الفطار بتاعي هنا .. ماليش مزاج أفطر معاهم تحت ... أنا مش رايح المعرض النهارده ...


شهقت "وعد" بتخوف قائله ...

- فطار إيه اللي حنزل أجيبه ... مامتك مش حترضى تديني الأكل أبدًا ... دى حتفتكر إني حاكله أنا لوحدي هنا ... أو يمكن تفتكر إننا حنعزل عنهم ... لا يا "عاطف" بلاش ...


نهض بعصبية وهو يزيح الغطاء عن جسده متمتمًا بغيظ فقد حاولت حتى نجحت فى إفساد لحظته السعيدة الهانئة بتذمرها وطريقتها التى تخرجه دومًا عن شعوره ...

- إرتحتي يا "وعد" ... أنا خلاص قمت أهو ومزاجي إتعكر ... يا رب تكوني مبسوطه ... دى العيشه معاكِ بقت تقصف العمر ... أنا عارف إنك فى يوم حتجيبي أجلي بهمومك اللي مبتخلصش دى ...


بإندهاش لما قلبه من حقيقة للتو فبدلًا من أن يشعر بمدى الذل الذى تشعر به بأقل طلب لحق صغير من حقوقها وهو تناول الطعام برفقة زوجها بحرية أو حتى تناول الطعام بشقتها بوجه عام لتحكم والدته ووالده بأن كل شئ هم يسمحون به أو يرفضونه ، كل ما يخص حياتها لابد وأن يخضع لأهل زوجها وعليها السمع والطاعة فتلك الحياة ببيت العائلة ...


بلحظة أصبحت هي المخطئة والتى تثقله بهمومها وحزنها وطبعها النكد كما يرى ، كيف إستطاع قلب الحقيقة بهذه الطريقة ...


لم تجد سوى كلماتها الضعيفة تدفع به ظلمه لها قائله ...

- أنا يا "عاطف" ... أنا همومي مبتخلصش ...


دفعها من كتفها بقوة فلم يعد يود رؤيتها أمامه قائلًا بجفاء ...

- غوري هاتي لى العصير ... وعلى الله تجيبي لي الفراولة دى ... مبحبهاش ... أقولك .. أنا مش حجيبها تانى فى البيت ومن هنا ورايح هو عصير الكيوي وبس ...


ضحكت بتهكم ثم أردفت بضيق ...

- حتى الحاجة الوحيدة اللي بيحبها "زين" وبتجيبهاله مخصوص مش حتجيبها تانى ... !!!


- اه ... هو كدة واللي عندك إعمليه ... مش عاجبه عصير الكيوي ميشربش خالص ...


أنهى عبارته ليصفق باب المرحاض من خلفه تاركًا إياها تتابعه بعينان متسعتان من الإندهاش من جموده الذى يزداد يومًا بعد يوم ، ليمر وقت طويل حينها فقط أتي الرد برأسها بعد إنتهاء الأمر تمامًا فياليت الردود المتأخرة تدرى بأى وقت تتجلى فقد أهدرت حقوق لتأخرها ...


لم تجد سوى نفسها بعد وقت طويل لتردف ...

- إبنك يا "عاطف" مش شبهك ... إبنك عمره ما حب اللي إنت بتحبه ... ولا يمكن أجبره يكون نسخة منك ... "زين" لازم يكون حد تاني لكن مش "عاطف" ...﴾


عادت لواقعها وهي تضع قنينة العصير بالبراد الذى إمتلأ بعصير الفراولة فقط ولم يتواجد به زجاجة واحدة من هذا الكيوي بعد الآن ...


❈-❈-❈


يوم عمل طويل يكفي إرهاقه المتكرر ، يتوق المرء لنهاية دوامه ليتخذ طريق عودته حيث الراحة والإسترخاء بعكس "رؤوف" الذى بدأ إرهاق من نوع آخر بعد مقابلته لـ"نيره" لبحثهم عن أثاث مناسب لشقتهم ...


بنفس طيبة كان ليتحمل هذا الإرهاق لكن "نيره" كانت تتمتع بذوق مختلف صعبة الإرضاء فقد بائت جولتهم منذ ساعات بالفشل فلم يتحصلا على غرفة واحد ترضي ذوق "نيره" الصعب ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بأعين زائغة مرهقة وقف "رؤوف" بأحد زوايا معرض الأثاث يدفع بعيناه الناعسة للبقاء متيقظًا فهو يبدأ يومه منذ الصباح الباكر ويغلبه النعاس مبكرًا أيضًا ...


إستدارت نحوه "نيره" وهي تحدجه بنظرة حادة أثناء حديثها مع أحد الموظفين بهذا المعرض لتهتف به بإنفعال ...

- إنت واقف هناك وسايبني أختار لوحدي ... أوووف ...


تحرك "رؤوف" يجر ساقيه المتعبتان ينقل بصره بين الموظف تارة وبين "نيره" المنفعلة تارة أخرى ، حاول رسم بسمة على شفتيه لكنها خرجت مرهقة متكلفة للغاية ، إحساس متعاظم بالتعب لم تقدره "نيره" بينما شعر به الموظف لما وجده من شخصية "نيره" المتطلبة فهي بالتأكيد شخصية مُرهقة بالتعامل معها ...


حاول "رؤوف" السيطرة على إنفعالها بحنانه المعتاد ...

- يا روح قلبي أنا سايبك تختاري اللي تحبيه ... دى مملكتك إنتِ ... وإنتِ لازم تكوني مبسوطة وسعيدة فيها ..


عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تجيبه ببعض التحكم وفرض الرأى ...

- ولو .... لازم تكون معايا ... أنا مش حقعد فيها لوحدي ...!!! أينعم أنا ذوقي حلو ... بس لازم تكون معايا ...


حرك رأسه بخفة منصاعًا لها فهي معها بعض الحق بذلك لينصت لما سيعرضه عليهم الموظف حين إستكمل موضحًا ...

- وعندنا كمان أوض النوم المودرن دي زى ما حضرتك شايفه كدة ...


ألقت "نيره" نظرة سريعة بنوع من التقزز نحو الجانب الذى أشار إليه لترفع كتفها وتهدله بعدم تقبل وقد إمتعض وجهها بنفور قائله ...

- لأ ... مش قد كدة ... شوف ... أنا عاوزة شكل معين ... حاجة كدة واو ... مش أى حاجة والسلام ... لو عندكم كتالوجات أحب أشوفها وممكن أقولكم على تصميم معين تصمموهولي وبالألوان إللي أطلبها ...


- تحت أمرك يا فندم ... أجيب لحضرتك كتالوجات بالتصميمات المتاحة ...


تركهم الموظف ليعود بعد قليل حاملًا بعض الكتيبات التى تحمل تصميمات لغرف عديدة ، أخذت "نيره" تقلب بين صفحاتهم بتملل وهى تطالع الصور لتلك التصميمات لتمتعض برفض لما تراه قائله ..

- لا لا ... مفيش فيهم حاجة عجباني ... كلهم ذوقهم وحش أوى ... ( ثم إلتفتت نحو "رؤوف" الذى أصابه الملل والإرهاق يحلم باللحظة التى يعود بها لفراشه ليغط بنوم يتتوق إليه بالفعل حين وجهت له "نيره" حديثها ) .. يلا يا "رؤوف" نشوف مكان تاني ... مش عاجبني حاجة هنا ...


حلقت مقلتيه بتشتت وهو يردف بهمس منهك القوى ...

- مش قادر يا "نيرو" ... كفاية كدة النهارده ... إحنا لسه حنروح مكان تاني ...؟!!


نفخت "نيره" بضجر من تصرفات "رؤوف" التى تسبب لها الضيق لتهتف به بإنفعال دون إكتراث لوجود الموظفين من حولهم ...

- مش معقول كدة ...!! كل يوم تأجيل تأجيل ... هو إنت مينفعش تكمل حاجة كويس لحد الآخر ... كل حاجة لازم تبوظها وتخليها دمها تقيل ...!!!


وضعه كفه بدهشة فوق صدره متسائلًا بتعجب وإنزعاج ..

- أنا يا "نيرو" ... أنا ...؟!!!!!


حملقت بقوة تجاهه وهي تستكمل بذات الحدة كما لو تعنف طفلها الصغير ...

- أيوة إنت ... إنت كدة على طول ... مفيش وقت إلا ولازم تزعلني فيه ...


سحب "رؤوف" نفسًا عميقًا مطولًا قبل أن يزفره دفعة واحدة محاولًا التروى قبل أن يجيبها ليتغاضى عن حدتها ويحاول إرضائها حتى إن كان ذلك على حساب راحته وإرهاقه الذى تمكن منه ..

- خلاص حبيبي ... زى ما تحبي ... يلا نكمل ... ولا تزعلي ...


هو ليس بعديم الشخصية بل هو يؤثر ألا يسبب لها الضيق بمواقف يمكنه أن يتغاضى عنها أو يتحمل لأجلها ولأجل إسعادها فهي عروس ومن حقها بعض الدلال بإختيار ما تحب حتى لو على حساب نفسه ، ليتخذا طريقهما مستكملان مرورهم بالمعارض بحثًا عما تحبه "نيره" ويرضيها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


مكتب عيسى للمحاماة ...

تفاجئ "عيسى" بحضور والده لمكتبه ليرحب به بحفاوة شديدة وقد إتسعت بسمته حين نهض من مقعده لتحيته .


رسخ "خالد" بأبنائه جميعًا أخلاق عالية ومحبة برغم شخصيتهم القوية ، كنز تأصل بنفوسهم هو محصلة عمر طويل من العمل والأخلاق والإلتزام ، ربما لم يورثهم المال لكنه على الأقل يشعر بالرضا لما بثه بنفوسهم من تربية صالحة وأخلاق عالية ...


رغم تبدل خصلات شعر "خالد" للونها الأبيض المخلوط ببعض الشعيرات السمراء التى مازالت تحتفظ برونقها بعد إلا أن له مهابة مرجفة خاصة بنفوس أبنائه لم يكنون له إحترامًا وهيبة وقوة ، تلك الرجفة التى أصابت "عيسى" بحضور والده ليهتف ..

- بابا ...!! أهلًا يا بابا ... إتفضل ...


دلف "خالد" بخطواته الرزينة لداخل المكتب قائلًا ...

- أنا قلت أعدى عليك نروَّح سوا ... مش خلصت شغلك ولا لسه ...؟!!


أشار "عيسى" نحو أحد المقاعد الجلدية بتأدب وتوقير لوالده أولًا ..

- إتفضل أقعد الأول ... أنا باقي لي حاجة بسيطة أوى ونروح على طول ..


أومأ "خالد" بتفهم ليجلس متفحصًا أرجاء المكتب بعيناه المتجولتان متطلعًا نحو المكتب وترتيبه المنظم للغاية يشبه "عيسى" تمامًا ...

- حلو ترتيبك الجديد للمكتب ...


إثناء والده عليه لهو بمثابة شهادة تقدير ذات قيمة عالية ليسعد "عيسى"بذلك مردفًا ..

- حسيت إن كدة أفضل والملفات أوضح بالنسبة لي ... 


ثم تطرق لسؤاله عمن تشغل قلبه وعقله ينبوع حياته ...

- "غدير" نزلت لكم يا بابا ... أحسن أنا قلقان عليها أوي ؟؟؟


- لا متقلقش .. والدتك طلعت لها قبل ما أنزل ... وكمان عملت لها الحجازية اللي بتحبها ...


إطمئن بالًا ليهتف بنوع من المزاح ...

- طالما فيها حجازية يبقى كدة "غدير" حتبقى تمام التمام ...


دلفت "سندس" تقطع حديثهم بإبتسامة أظهرت شفتيها العريضتان متحدثه بنبرة ودوده للغاية وهى تميل بصينية وقد وضع عليها فنجانين من القهوة ..

- إتفضل قهوتك يا سيادة المستشار ...


لم تلقى "سندس" الترحيب المرجو من طريقتها الودوده وتقديمها للقهوة بنفسها ، بل لاقت ضيق وإقتضاب بوجه هذا المُسبب للإضطراب بنفسها ...

- قهوة ...!!!! أنا مطلبتش قهوة يا ... أستاذتنا ...


رمقها "عيسى" بضيق ثم سألها بنبرة حادة ...

- إنتِ جايبه القهوة بنفسك يا أستاذة ...؟؟؟


وأصر "عيسى" على نطق كلمة (أستاذة) بتلك الحدة للإلتزام بحدود عملها بالمكتب ثم إستكمل متسائلًا ...

- لو كنا عاوزين قهوة كنا طلبناها من عم "شاكر" ...!!


إبتلعت ريقها بإضطراب وهى تملس على شفتيها الجافتين بطرف لسانها ترطبه قليلًا قبل أن تردف بتوتر ...

- وهو يعني سيادة المستشار أى حد ...


أمسك "خالد" بالفنجان الذى تقدمه نحوه لينهي هذا الوضع الغير مستساغ بالنسبة إليه فيما تقدمت بخطوات قليلة لتناول "عيسى" فنجانه حين إستمر بالتطلع نحوها بذات النظرة الغاضبة ثم هتف بحدة ...

- شكرًا ... مش عاوز ...


إستقامت "سندس" وهى تلملم نفسها المهتزه بفعل كلاهما والذى كادت أن تظهر تملقها الزائد لوالد "عيسى" لتتراجع نحو مكتبها بالخارج بنفس مضطربة كمن يحاول سرقة ما ليس له وأمسك بالجرم المشهود ...


وضع "خالد" فنجانه جانبيًا محدثًا "عيسى" بذات الغموض ...

- شاطرة أستاذة "سندس" .. مش كدة ...؟!!


تساؤل يحمل عدة معانٍ أراد بها "خالد" معرفة سبب عملها بمكتب "عيسى" منذ فترة طويلة ، ولم هي بالخصوص وليس غيرها ، خشية أن يكون الأمر يتعدى مساعدة له بالمكتب ويكون هناك علاقة لا يعلمها بين كلاهما ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

رفع "عيسى" رأسه تجاه والده ليجيبه بنفس الذكاء الذى ورثه منه بصورة تلقائية ألقت الإطمئنان بقلب "خالد" حين أجابه بهدوء وحزم ...

- "سندس" محامية شاطرة .. وذكية جدًا ... وده رغم عيوبها ... إلا إن ده اللي مخليها مستمرة معايا ...


لم يكتفي بذلك السبب للإيضاح فطبيعته المتسائلة كقاضي جعلته يبحث دومًا عن اليقين ، كما أن إعتبارهم "غدير" إبنة لهم جعله يتحرى الأمر كما لو كان بهذه اللحظة والدها هي وليس "عيسى" ...

- يعني شغلها ده مفيش غيرها يقدر يعمله ...؟؟!! (ثم إستكمل بذكاء) ...أصل إنت عارف البنات مش لازم تتأخر بالليل كدة !!


تلقائية "عيسى" وثبات نبرته بالإجابة كانت بمثابة دليل على صدقه كما يرى والده ..

- هي مشتكتش قبل كدة ...ويمكن يكون فيه طبعًا حد شاطر زيها لكن للأسف أنا لحد دلوقتِ مقابلتهوش عشان يساعدني هنا فى المكتب ...


لثقته بوضوح وإستقامة ولده بدل "خالد" سياق الحديث لآخر فيكفي أسئلة بهذا الأمر حتى لا يأخذ أكثر من حده ..

- أنا لسه جاي من شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير .. عرضوا عليا شغل معاهم كمستشار قانوني .. والصراحة لقيتهم شركة كويسة والفرصة مناسبة جدًا ليا ...


بإنبهار متفاجئ بما يخبره به والده إستطرد "عيسى" ...

- بجد ... دى فرصة كويسة جدا يا بابا .. مبروك ...


بإيمائة خفيفة إستقبل "خالد" تهنئة "عيسى" له ليردف بنبرة حازمة ...

- طب مش يلا بينا ولا إيه ... كدة الوقت إتأخر ...


- أكيد ... أنا خلاص كفاية كدة النهارده ...


أغلق "عيسى" الملفات ليضعها بدرج مكتبه أولًا قبل أن ينهض مغادرًا برفقة والده ليعودا إلى البيت لتناول وجبة عشاء لطيفة برفقة "منار" و"غدير" التى شعرت بالإمتنان لوجودهم حولها وتعويض ما فقدته من دفء أسرى فكم هي محظوظة إلي جوارهم ...


❈-❈-❈


الكوخ ...

بين أمواج من الأفكار وصمت لاح في الأفق تشتت دون يقين هل ما أحسست به هو شعور بالسعادة أم هروب من عقلي لتجنب الوحدة والحزن ...


تنهدت "عهد" وهي ترى ما آلت إليه الأمور وبقيت جالسة بالبهو وحيدة ، فوق تلك الأريكة التى تتوسط الأرجاء جلست محاولة البقاء واعية فلن تترك نفسها تسقط فى راحة النوم ، عليها أن تبقى سواء مخيرة أم مسيرة ...


عبثت بهاتفها لبعض الوقت وهى تسترق النظر بين الحين والآخر تجاه غرفة المكتب الخاصة بـ"معتصم" حيث جلس هو و "كاتينا" يتجنبونها حتى يحل الصباح ...


كانت أشبه بالرقيب عليهما ، وجودها خارج غرفة المكتب جعلهما حبيسان الداخل حتى الحديث قد قطع تمامًا فهي لم تسمع أصواتهم منذ مشادتهم وطلب "معتصم" منها الرحيل وجلوسها بعناد ترفض ذلك ...


❈-❈-❈


وجبة عشاء أخرى منهكة القوى قام بها "رؤوف" برفقة "نيره" بعد تجول دام لساعات للبحث عن واقع ملائم لخيال "نيره" بأثاث بيتهم الجديد ...


إنتهى بهم المطاف بأحد المطاعم لتناول الطعام كما أصرت "نيره" فـ"رؤوف" من النوع المتخوف من تناول أى طعام خارج البيت لشعوره بعدم نظافته وأنه لابد أن يكون ملوث ...


وسوسة تشعره بعدم الإرتياح لكنه مجبر الآن حتى لا تظن "نيره" أنه بخيل كما تنعته دائمًا فهو موضع خلاف آخر بينهما ...


قلبت "نيره" نظرها بإنزعاج من تأفف "رؤوف" من طعامه لتنهره بحدة ...

- ما تاكل كويس يا "رؤوف" ... ولا الأكل مش عاجبك برضه ...؟!!


- هاه ... لا أبدًا باكل أهو يا "نيرو" ... إنتِ عارفه مش بحب الأكل بره البيت أوى ...


تذكرت "نيره" عزيمة والديه لتكز بأسنانها بغيظ مردفه بسخط ..

- أاااه ... قول كدة بقى ... بتحب أكل البيت ... ومياصة الناس اللي فى البيت ...!!!


هز رأسه بدون فهم لمقصدها مردفًا بتساؤل ...

- قصدك إيه ...؟!!


رفعت حاجبيها وهى توضح بإستياء ...

- قصدى الست "غدير" وأختها دى اللي إسمها "مودة" ...


لم يدرك ما الرابط بين تناولهم العشاء وبين زوجة أخيه وأختها لتسائل بعدم فهم ..

- مالهم بس ... دخلتيهم فى العشا ويومنا ليه ...؟!!


هتفت وهى تدنو برقبتها للأمام وقد ظهرت أسنانها بإنفعال من بين شفتيها لتخرج كلماتها نبرة غاضبة مشحونة النفس بغيظ شديد منه ومنهن ...

- ليه ...؟!! أقولك ليه ... لأنك واحد عينك زايغه .. وهم كمان ... بيحشروا نفسهم كأنهم بيفهموا اللي محدش بيفهمه ...


تذكر هجوم "نيره" على "غدير" ومن قبلها "مودة" بالأمس ليضطر بإسلوبه اللطيف إمتصاص غضب "نيره" وغرورها لشعورها بأنها لابد وأن تكون الافضل فهو لن يتحمل مشكلة جديدة منها ليردف بلطافة ..

- سيبك منهم يا قلبي ... هو فيه زيك إنتِ ما شاء الله عليكِ ... عبقرية ... عارفه كل حاجة ... مش شايفه ذوقك فى العفش عامل إزاى ... ( ثم أكمل مغيرًا مجرى الحديث بذكاء ) ... دى الشقة حتبقى تحفة فنية ... حاجة كدة مجاش ولا قبلها ولا بعدها ...


تملق ذوقها الراقى جعلها تتراجع عن حدتها لتشعر بالزهو من نفسها وذوقها مردفة بغباء حيث إنساقت خلف ما أرادها التوجه إليه ...

- بجد عجبك ذوقي ...؟! 


- تحفة ...

قالها وهو يعيد جذعه للخلف فقد وصل لما يوده وإنتهت مشكلة كانت على وشك البدء ...


أردفت "نيره" بغرور وتباهي ...

- عشان تعرف إن "نيرو" مش أى حد ولسه لما تشوف الفرش كمان حتبقى الشقة واو ... مش زى شقة أخوك "عيسى" ...


بهت من إنتباهه بأنه مازال أمامه شوط طويل للغاية بإختيار ما تتحدث عنه لتأثيث الشقة ليكتفى بإيمائة مشتته وبسمة مصطنعة تخفى هذا العناء الذى ينتظره مع "نيره" صعبة المراس ..


❈-❈-❈


ليل طويل يسير بطريقه ليتبعه بداية يوم جديد ، يوم روتيني على البعض ، يترقبه آخر كمن ينتظر حلول الصباح بنفس متشوقه ...


مكتب طه قدرى ...

بوجه قلق وملامح مكفهرة أخذ "طه" يتحرك بعشوائية وهو يستدير بجسده النحيل نحو أحدهم يخرج ما به من ضيق بوجهه دفعة واحدة ...

- يعنى إيه يا "سامح" ... يعنى إيه مش عارف ... أنا لازم أعرف كل التفاصيل ... 


أجابه رفيقه بتملل من تكرار طلبه الصعب للغاية ...

- آخر المعلومات اللي عرفتها إنها وقت العاصفة إنفصلت عن المجموعة والإتصالات صعبة من وقتها ... ومش عارف حاجة غير كدة ...


مال "طه" قليلًا وهو يشير بذراعه كاملًا بإتجاه الباب قبل أن يكز بأسنانه بحنق ...

- ما هو اللي أصر إنها تطلع ... شغلانة زى دى أنا قلت إنها متنفعهاش ... أعمل إيه دلوقتِ ...؟! 


مسح وجهه المنفعل محاولًا التحلي ببعض الهدوء والروية بالتفكير ليستطرد بعد أن زفر بعض الهواء الذى أثقل رئتيه ...

- تقب وتغطس تجيب لي كل التفاصيل عنها .. أنا مش حفضل قاعد هنا ومش عارف حاجة ... فاهم .. كل حاجة لازم أعرفها ...


أومئ "سامح" بتفهم ليجيبه بعملية ...

- أنا حعمل اللي أقدر عليه ... بس أنا رأيي تريح نفسك فى الحكاية دى ...


برفض قاطع أجابه "طه" ...

- لأ ... لا يمكن أبدًا ... مش هو إختارها تسافر ... ومسمعش كلام حد فينا ... يبقى لازم أكون عارف باللي بيحصل خطوة بخطوة ....


زم "سامح" شفتيه بإمتعاض من إصرار "طه" على تعقب "عهد" بتلك الصورة دون علم رئيسهم "نظمى" ليردف بتملل ...

- ماشى ... حاضر ... 


❈-❈-❈


الكوخ ...

نعاس يغلب عيناه القاتمتين دون السماح له بالتملك منه ، هكذا قضى "معتصم" ليلة طويلة للغاية بغرفة مكتبه خاصة وقد شاركته بها "كاتينا" لمَ أظهرته من تخوف من "عهد" لتبقى نائمة فوق أحد المقاعد بينما بقى هو ساهرًا متعبًا لم يغمض له جفن ...


بأعين مرهقة إنتظر إستيقاظ "كاتينا" لتحضر له بعضًا من مشروب القهوة لتساعده على البقاء صحوًا وتزيل من بعض ألم رأسه الذى حل به ...


فتحت "كاتينا" عيناها الناعستان لتقع زرقاوتيها على "معتصم" الذى مازال يعبث بحاسوبه ، تمللت بنومتها لتستند محاولة الإعتدال من تلك النومة السيئة فوق المقعد لتردف بنبرة ناعسة ناعمة للغاية لولا قدرته على التحكم بنفسه القوية وأخلاقه التى لا تسمح له بالإنحراف أو التدني عن طريق الإستقامة لكان فاه بنعومتها التى لا تقاوم ...

- صباح الخير "ماوصي" .. هل مازالت متيقظًا منذ الأمس ...؟!!


أجفل جفناه لوهلة بإرهاق وهو يجيبها بإيمائة خفيفة من رأسه ..

- نعم ... هل يمكنك صنع لي بعضًا من القهوة فرأسي يؤلمني للغاية ...


وقفت ببطء وهي تمطئ جسدها النحيل قائلة ...

- بالطبع "ماوصي" ... لا عليك إنه أمر بسيط للغاية ...


أوقفها "معتصم" بسؤال قلق ..

- "كاتى" ... هل تظنين أن بقائنا هنا مع "عهد" أصبح آمنً ...؟؟ 


إلتفتت إليه "كاتينا" بوجه قلق لتتفكر قليلًا قبل أن تجيبه وهى تقلب شفتيها بعدم إدراك ..

- لا أدرى ... لكنها ليست إنسانة متزنة بالتأكيد وعلينا الحرص منها قدر الإمكان لقد كادت تقتلك بالأمس ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

زم "معتصم" شفاهه بخفة وهو يوضح لها المأزق الذى يحيط بهما ...

- أعلم ذلك ... لكن إلى أين يمكننا الذهاب ... إن الطرق مقطوعة والجبال تحيط بنا من كل الإتجاهات ... إن الأمر متأزم للغاية ... حتى أننى لا أجد حلًا للأمر ...


تنهدت "كاتينا" بتشتت ولاذت بالصمت لبرهة قبل أن تجيب حيرته ...

- حقيقة لا أعلم ... لكن بالتأكيد سنجد مخرجًا ... سأصنع القهوة أولًا ثم أعود إليك ... 


خرجت "كاتينا" من غرفة المكتب متجهة نحو ركن المطبخ لتحضير القهوة لكنها مرت أولاً من أمام "عهد" التى مازالت مستيقظة هي أيضًا منذ الأمس فيبدو أن النوم زائر بعيد لم يصاحبهم بالأمس ...


نظرات نارية حاقدة بين كلتاهما لترمق "كاتينا" بحدة تخص "عهد" بنظراتها المتقززة بينما أعلت "عهد" من هامتها ، تنظر بإحتقار لتلك الضئيلة ...


قطة شرسة تماسكت رغمًا عنها عن الإنفلات والإنقضاض على تلك الشقراء لكنها لن تكون بهذا الضعف ويجب عليها التحلى بالحكمة والتصرف بعقلانية حتى لا تُفسد الأمر كافة ...


لكن الأمر لم يخلو من تلك النظرات التهديدية من عيناها القويتين ، مع حركة "كاتينا" لإعداد القهوة شعرت "عهد" بثقل يجذب جفناها بقوة لتغمض عيناها بدون إرادتها بين غفوة وإستيقاظ ...


نوم متقطع وأعين زائغة ذلك ما تحصلت عليه ببقائها هنا بالبهو ...


أفاقت "عهد" بعد مرور بعض الوقت لتشعر بألم قوى يجتاح رأسها إثر غفوتها الغير مريحة ، ضغطت جفناها بقوة تجبرهما على الإتساع ومحاولة التركيز لكنها كانت مرهقة مشتتة للغاية ...


نهضت متجهة نحو ركن المطبخ لتتخطى تلك الحالة بإحتسائها لفنجان من القهوة التى حضرتها "كاتينا" منذ قليل ، فيبدو أنها غفت حين أنهت تحضيرها ...


وقفت بذهن مضطرب وبدون تركيز تتجول بعيناها الزائغتان بتشتت ثم إتجهت نحو أحد الأركان تناظر أحد الأرفف والذى وضعت عليه قارورات الأدوية وبعض العلب المختلفة لتحاول التقليب بينهم لإختيار أحدهم فلابد أن بهم علاج لهذا الصداع ...


سحبت قارورة صغيرة وقد دون عليها (منوم قوى للغاية) ،( قرص واحد منه كفيل للتسبب بالنوم العميق لكن إن زادت الجرعة فهو مميت بالتأكيد )...


أخرجت محتوى العلبة وهى تناظر ما براحتها من أقراص بأعين متسعة وبريق مندهش فقد أدركت للتو ما عليها فعله ...


يتبع 


تعليقات

التنقل السريع
    close