القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية جمر الهيام الفصل الثاني بقلم نورهان محسن حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية جمر الهيام الفصل الثاني بقلم نورهان محسن حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية جمر الهيام الفصل الثاني بقلم نورهان محسن حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


الجمرة الثانية

خرجت شهد من بوابة المدرسة بخطوات سريعة، حقيبتها المدرسية تتأرجح على كتفها، وهى تضحك مع صديقتها، والهواء يعبث بطرحتها البيضاء.


على الرصيف المقابل، كان يقف رجل ملامح وجهه شاحب وعيناه غائرتان، تجمدت شهد مكانها، قبل أن تهمس بتفاجؤ: بابا؟


ركضت نحوه كطفلة فقدت أمانها منذ زمن، وألقت بنفسها بين ذراعيه، عانقته بصدق، بينما هو يربت على ظهرها ببطء، كأن الأمر لا يعنيه بذات القدر، لكنها لم تلحظ بروده، بينما عيناها تلمعان بالفرح، وصوتها يرتعش من الشوق: وحشتني اوي يا بابا… ايه المفاجأة الحلوة دي جيت امتي من البلد؟!


ابتسم ابتسامة باهتة، وقال بصوت مجهد: انتي كمان وحشتيني يا شهد… انا مابقاليش كتير واصل، طمنيني عليكي صحتك كويسة


أمسكت بيده بحماس طفولي، وعيناها تلمعان كما لو أنها وجدت كنزها الضائع: ايوه الحمدلله، تعالي نتمشى شوية، نفسي أكلم معاك في حاجات كتيرة


❊❊بقلم نورهان محسن❊❊


جلسا معًا على مقهى مطل على النيل، كانت شهد تتحدث بلا توقف؛ عن دراستها، عن امتحاناتها، عن خالتها وضيّ وأخواتها الصغار، حتى عن أحلامها في المستقبل، كان قلبها أخف من الريشة، ولسانها لا يعرف التوقف.


أما خليل فكان يبتسم ويهز رأسه أحيانًا، لكن عيناه تراقبانها بصمت غامض، كل حركة صغيرة منها، كل التفاتة، كل ضحكة، كانت كافية لتثير داخله شيئًا مريبًا لم تفهمه ابنته المندفعة في براءتها.


بعد ساعتين من الحديث المتواصل، أخرجت شهد هاتفها، فوجدته بلا شحن، ابتسمت ببراءة، وقالت: ممكن تليفونك يا بابا؟ أكلم ماما أطمنها إني معاك نسيت خالص اتصل بيها وزمانها قلقانة اني مارجعتش لدلوقتي


تصلبت ملامحه للحظة، قبل أن يجيب سريعًا: تليفوني كمان فاصل… وبعدين احنا شوية ونمشي عشان ورايا مشاوير مهمة


ترددت شهد قليلًا، لكنها سرعان ما ابتسمت بعدم اكتراث مطمئنة: ماشي… بس أوعدني نكرر الخروجة دي تاني بعد الامتحانات


خليل بابتسامة: أكيد يا شهد… أكيد


❊❊❊


في السيارة


جلست شهد تغني لنفسها بصوت منخفض، وهى تنظر إلى خليل الذى كان يشترى مشروبًا من إحدى البائعة وحين صعد السيارة يمدّ إليها كوبًا بلاستيكيًا: الحلبيسة اللي بتحبيها اشربيها قبل ماتبرد


تناولت الكوب بضحكة خفيفة:

والله كانت نفسي رايحالها بقالي كام يوم، ماقولتليش يا بابا جبت العربية الحلوة دي منين


خليل بهدوء: اخدتها من واحد صاحبي اعمل بيها مصلحة وارجعهاله


بعد قليل تثاقلت جفونها، وبدأت الرؤية تتماوج أمام عينيها، ارتجف قلبها في صدرها، وخرجت كلماتها متقطعة: بابا انا معرفش ليه حاسة بنعسان...؟


انطفأ صوتها تدريجيًا، وغرقت في عتمة ثقيلة، تاركة خلفها آخر ما تتذكره ابتسامة باردة على وجه والدها.


❊❊بقلم نورهان محسن❊❊


لمح جلال الطفلين جالسين على عتبة السلم أمام العمارة، عيونهم متوجسة ووجوههم شاحبة، توقّف عندهم وسأل بضحك: إيه يا واد إنت وهو، قاعدين مابتلعبوش زي عوايدكو، اكيد ماحلتوش كويس في الامتحان؟


رفع عاصم عينه، وقال بصوت متوتر: مستنيين شهد تيجي.


قطّب جلال حاجبيه، ونظر للساعة في معصمه، ثم سأل باستنكار: ليه هي فين دا كله؟ الساعة داخلة على خمسة بعد المغرب!


أجاب هشام وهو يحرك قدميه باضطراب: مانعرفش… المفروض خلصت امتحانها من بدري ورجعت على البيت، بس بنتصل عليها مابتردش


قبل أن يستوعب جلال الكلام، نزلت سندس مسرعة، صدرها يعلو ويهبط من اللهاث، وخلفها زينب بملامح يكسوها الانزعاج. أشارت زينب للأطفال بسرعة وقالت بحزم: وله يا عاصم، خد أخوك واطلعوا فوق اقعدوا مع ضي لحد مانرجع، ماتنزلوش غير وإحنا موجودين… سامعين؟


رمقهم جلال باستفهام وقلق وسأل: خير يا جماعة؟ ايه الحكاية؟


أجابته زينب بصوت يقطر توترً: مش خير يا جلال… مش خير خالص، البت شهد لحد دلوقتي ما رجعتش، والدنيا قربت تعتم


رفع جلال يده مهدِّئًا: استهدوا بالله، طب ماجربتوش تكلموها على تليفونها؟


ردت سندس، والدموع بتلمع في عينيها: مقفول من الضهرية يا جلال! اتصلنا فوق الألف مرة… ولما كلمنا صحبتها نوارة، قالت إن خليل أبوها جه وخدها بالعربية، ومن ساعتها مفيش منها لا حس ولا خبر!


تجمد جلال لبرهة متعجبًا، لكنه تماسك قبل أن يقول بجدية: طيب اهدوا شوية، مافيش حاجة تخوّف، هي راحت مع أبوها خلا...ص


قاطعته سندس بسرعة: لا يا بني! الموضوع مايطمنش، أبوها دا بقاله سنين لا حس ولا خبر، لا بيرفع سماعة التليفون يطمن، ولا بيسأل عليها، ما انت عارف كل حاجة دلوقتي، فجأة ياخدها من غير ما حد يعرف؟! أنا مش هقعد على قلبي… أنا رايحة أشوفها عنده


التفتت لسلالم البيت وهتفت: واد يا عاصم! روح هات لنا تاكسي من عالناصية بسرعة


جلال بحزم: استهدوا بالله… أنا هوصلكم بلاش بهدلة التاكسيات


تنهدت سندس محاولة الاعتراض: لا يا بني، كتر خيرك مش عايزين نتعبك معانا


ارتسمت الجدية على وجه جلال، وهو يفتح الطريق أمامهم: مافيش تعب ولا حاجة… اتفضلوا بينا


❊❊بقلم نورهان محسن❊❊


في مكان مجهول


أفاقت شهد على سرير غريب تفوح منه رائحة عطر رجولي نفاذ، حاولت أن تنهض، لكن رأسها مثقل كأنها خرجت من دوامة. رمشت بعينيها لتجد نفسها في غرفة فخمة، ستائرها مسدلة، وأثاثها يشي بثروة فاحشة، بالكاد تتذكر آخر شيء... سيارة والدها... المشروب...


لكن أين هى!


قفزت من السرير، وتوجهت نحو الباب، محاوِلة فتحه، لكن الصدمة شلتها حيث كان الباب كان مغلقًا من الخارج!


❊❊بقلم نورهان محسن❊❊


كان بيت خليل غارقًا في سكونٍ مريب، بينما وقفت سندس أمامه بعينين متقدتين، وإلى جوارها زينب التي تحاول تهدئة أختها، بينما ظل جلال يراقب كل حركة وكل ارتعاشة في ملامح خليل، لكن سندس هدرت بنفاذ صبر: فينها يا خليل، عملت ايه في شهد؟


تصاعد دخان سيجارته أمام وجهه في دوائر متكاسلة، وصوته المتهكم يخرج بغلظة كريهة: جرا ايه يا سندس! فاكرة الروباطية للي داخلالي بيها دي هتهتني ولا ايه؟ هكون مخبيها بقولك بنتك مش هنا...


جلال لم يقتنع بحديثه لكنه ظل صامتًا، بينما قامت زينب بالرد عليه بتهديد: يارجل يا شايب عيب علي شيبتك، وبطل شغل اللف و دوران بتاعك ده، والا ورحمة ابويا لا نكون طالعين علي اقرب قسم وعمليلك محضر بخطف البت


قهقه خليل بضحكة مستفزة، ثم هتف بملامح لا تخلو من خبثٍ ساخر: ماتعقلي الكلام يا ام عاصم وهو في حد هيخطف بنته برده..


تشنج فكّ جلال، وصمته لم يدم طويلًا، فجأة مدّ يده وأمسك ياقة خليل بعنفٍ كاد يخنقه، ممَ ارتبك خليل الذى حاول أن يصرخ ليداري خوفه، لكن صوت جلال زلزل كيانه: لو ماجبتش من الاخر وقولت عملت فيها ايه… قسمًا عظما ما هخلي الحكومة تعرف تسلك جتتك من سنان كلاب الشوارع


ارتجفت شفتا خليل، وابتلع ريقه بصعوبة لأن غلاظة قبضتين جلال على صدره جعلت قلبه يتسارع كطبلٍ مكسور، ليتمتم بصوت متقطع: هي… هي دلوقتي مع جوزها


شهقت سندس بفزع: جوزها؟!


لمع الغضب في عيني جلال، فضربه بلكمة مدوية أسقطته أرضًا مع الكرسي الذي انقلب به، بينما هدرت سندس وهي تكاد تختنق بدموعها: جوزت بنتي لشمام من للي تعرفهم يا راجل يا ناقص؟!


قبض على ياقة خليل وجرّه بعنف ليقف علي قدميه بصعوبة، فابتسم خليل برعب كمن وقع في الفخ: شمام ده ايه يا وش الفقر!! بنتك اتكتبلها السعد كله واتكتبلنا كلنا السعد والبغددة معاها علي يد راجل عنده بحر عز و فلوس مابتخلصش


اشتعل الغضب في عينيها كجمرتين متوهجتين، ثم صرخت بخوف وهي تشير بيدها المرتجفة نحوه: بعت بنتك بفلوس يا خسيس؟!


بينما جلال شد قبضته أكثر حتى كاد يخنقه، وصاح بصوت كالرعد:

الراجل ده مكانه فين؟ انطق بسرعة قبل ما أفرمك دماغك تحت رجلي


انهار خليل تمامًا، وأخذ يلهث بتلعثم: فيلا… فيلا مختار الفهد…


تركه جلال يسقط على الأرض كخرقة بالية، واندفع نحو الباب، تتبعه سندس وزينب وقلوبهنّ ترتجف بين الخوف والرجاء.


❊❊بقلم نورهان محسن❊❊


فيلا مختار


سمعت ضحكة غليظة تتردّد خلفها، كصفير وحش خرج لتوّه من جحره.


تصلّبت عروقها من الذعر، واستدارت لتجد رجلاً في الخمسين من عمره، جسده ممتلئ، يجرّ خطواته الواثقة خارجًا من الحمام الملحق بالغرفة، يلف جسده روبًا أبيض، وعيناه تبرقان بجوعٍ مفترس.


اقترب منها ببطء، ثم انبثق صوته المبحوح كالسوط على روحها: يا سلااام… أخيرًا صحيت العروسة

يتبع



الفصل الاول من هنا





تعليقات

التنقل السريع
    close