رواية الـمــاســة الـمــكـســورة2 العودة (عناق الدم) الفصل الثاني بقلمي لَـيْـلَـةعَـادِل حصريه وجديده
{كأن الدنيا قد آثرت أن تكشف أوراقها دفعة واحدة؛ قرارات تهتز، وحقائق تغرس في القلب كخنجر، وغفران يولد من رماد الخيانة، وأيدٍ كانت تنسحب عادت لتتشبث ولو بصوتٍ عبر الهاتف. كل شيء يتبدل، ولعلها ليست سوى بداية السقوط للبعض، وبداية النهوض لآخرين.}
ليلةعادل♥🌹
الفصل الثاني🤫❤️
[ بعنوان:رماد البدايات ]
سقط على الأرض كجثة هامدة، صرخ الجميع، هرعوا إليه، رفعوه بسرعة، حملوه خارج القصر إلى السيارة، وعيونهم ممتلئة بالخوف، بالذنب.
في إحدى المستشفيات الخاصة، الثالثة مساءً
نرى الاطباء يقومون بعمل فحوصات دقيقة، ووضع عزت على الأجهزة اللازمة كانت فايزة وطه وفريدة وياسين متوقفين أمام الزجاج يطلعون عليه وعلى وجههم ملامح القلق
بعد خروج الأطباء أكدوا أن عزت أصيب بجلطة قلبية شديدة، نتيجة الضغط والإنهيار العصبي، كان عزت يرقد في غرفة العناية، الأجهزة تحيط بجسده، أنفاسه بطيئة، ملامحه مرهقة، تومض بنبض منتظم،في الخارج، اجتمع الأبناء حول فايزة الصمت يسيطر، والجو ثقيل.
فايزة بتهكم: يعني إللي عملتوه، مالقيتوش له وقت غير ده؟ ؟ فجأة تحطوا أيدكم في أيد بعض وتتحدوا؟!
فريدة بعقلانية وهدوء:وحضرتك زعلانة ليه؟ إحنا ماكناش بنسعى نرضي شخصيات زي صافيناز، إحنا أخيرًا قررنا نتحرك، مش دايمًا كنتي عايزة حد مننا ياخد موقف؟ هو إحنا مش بنرد على ظلم؟ هسألك سؤال، يا مامي لو سليم ماكانش معاه حق، كنتي هتبقي بالهدوء ده بعد ماعرفتي إللي سليم عمله؟! إنتي نفسك عايزة تتخلصي من صافيناز ورشدي أكتر مننا، لإنك عارفة إنهم بقوا تهديد حقيقي ليكي ولينا وفي يوم هيقتلونا.
![]() |
ياسين محاولًا تهدئتها: فريدة، مش وقته.
فريدة بحدة: لأ، وقته! يا ياسين، إحنا مش السبب؟ ولا حتى سليم، دي مش مؤامرة صغيرة دي حياة! سليم بالنسبالهم هدف، لإنه تهديد بمجرد مايخلصوا منه، هيصفونا واحد ورا التاني.
فايزة بشدة: أنا هحميكم، بس خلو سليم يوقف، أديكي شفتي إللي حصل إنتم مجانين هو باع أملاكنا تعب مجهود سنين.
طه بهدوء غريب: سليم حمى نفسه، يا ماما، ماعملش كده عشان طمع هو عمل إللي كان لازم يتعمل من زمان.
فايزة برفض: والله العظيم إنتم مش طبيعيين، صحيح أنا موافقة على إللي عمله، لكن البند الخاص في حالة موته كل حاجة تروح للجمعيات ده جنان.
ياسين: يا جماعة خلونا نستنى لما بابا يقوم بالسلامة هو ده المهم دلوقتي.
بعد دقائق خرج الطبيب، فألتف الجميع حوله.
فايزة بقلق شديد: خير يا دكتور؟
الطبيب بهدوء: الحمد لله، الخطر عدى، لكن لازم يفضل في المستشفى ٢٤ساعة تحت الملاحظة ممنوع أي ضغط، أي إنفعال ولو تقدروا تاخدوه مكان فيه طبيعة يريح أعصابه يبقى أفضل.
فايزة فورًا: إحنا عندنا مزرعة في الفيوم هناخده ونروح هناك.
الطبيب: استنوا يومين أو تلاتة، نطمن عليه الأول، ونعمله فحص شامل وبعدها ممكن تخرجوه.
فريدة بتوتر: يعني حضرتك شايف إنه من الافضل يقعد هنا كم يوم.
الطبيب: مش لازم،لكن ممكن يخرج ويجع يعمل الفحوصات، حمد لله على سلامة الباشا بعد إذنكم.
تحرك الطبيب
وقف الجميع أمام الزجاج، ينظرو إلى عزت وهو يرقد على السرير، تحيط به الأجهزة، وفي عيونهم جميعًا، حزن صامت
ألمانيا
الفندق الذي يمكث به سليم الرابعة مساءً
وصل سليم إلى ألمانيا برفقة مكي وبعض الحراس، كانوا يسحبون الحقائب بهدوء رغم التعب الواضح على وجوههم.
كان مكي أول من فتح هاتفه.
مكي موضحا: الهانم وطه وياسين وفريدة كلموني كتير.
سليم، وهو بيتفقد هاتفه أيضا، تمتم بنبرة مرهقة: وأنا كمان جاي لي رسايل كتير، سيبك منهم دلوقتي، نروح الفندق، نتغدى، نهدى، وبعدين نكلمهم أكيد نفس الموضوع.
ضحك مكي وهو بيهز راسه: إنت سبتلهم الدنيا تولع ومشيت.
وبنبرة ساخرة أضاف: دي قنبلة دي نووية يا معلم.
سليم بإبتسامة باهتة وهو يميل برأسه قليلًا للخلف: كان لازم أعمل كده من زمان، خلينا نروح على الفندق، وكلمهم يجهزوا لنا الغدا، أنا مش قادر أستنى.
صعدوا السيارة، واتجهوا إلى الفندق. وبعد أن تناولوا الغداء، لم يبد سليم أي اهتمام بالرد على المكالمات التي استمرت تنهال على هاتفه.
مصر
في إحدى الفلل المملوكة لعائلة الراوي، الخامسة مساءً
دخلت صافيناز ومعها عماد، وخلفهما الحراس يحملون الحقائب كان في استقبالها عدد من الخدم، يقفون بإنضباط عند باب الفيلا.
تقدم أحدهم بخضوع: حمد لله على السلامة يا صافيناز هانم، إحنا حضرنا الفيلا زي ماحضرتك أمرتي.
صافيناز وهي تتابع سيرها بخطوات واثقة متوترة: الولاد جايين كمان ساعة ونص من النادي،حضروا الغدا، والأوض بتاعتهم تكون جاهزة.
الخادمة بإنحناءة سريعة: أمرك يا هانم.
صافيناز بنبرة آمرة: يلا، روحي أعملي فنجان قهوة، وخليهم يطلعوا يفضوا الشنط.
ثم تابعت السير إلى الحديقة الداخلية، وخلفها عماد في صمت ثقيل، كانت ملامحها مشدودة، تنظر أمامها بعينين متوهجتين بالغضب.
فكل شيء ضاع من بين يديها في لحظة، المال، النفوذ، السيطرة حتى اسمها، لم يعد له وزن كما كان، لكن أكثر مايؤلمها، أنها لا تعرف كيف ترد، تشعر كأنها مكبلة اليدين، والعجز يكاد يخنقها.
عماد نظر إليها تساءل بضجر: هنعمل إيه؟ خلاص، خسرنا كل حاجة.
نظرت إليه نظرة حادة، وكأنها تطعنه بها: أكيد لأ! أكيد ليها حل، أنا مش هسيبها تخلص كده، أنا مش هخسر كل حاجة! بعد كل ده
عماد وهو يحرك يديه بعجز: إزاي يعني؟ متقفلة زي الدومينو!
صافيناز بإنفعال: معرفش! كفاية ضغط، سيبني أفكر.
صمت عماد للحظة ثم قال فجأة: أنا مسافر بكرة.
حدقت فيه بذهول: هتسيبني؟! وأنا في المصيبة الزفت دي؟!
عماد بنبرة مبررة: أعمل إيه؟ لازم أسافر ماتقلقيش مش هتأخر يومين بس.
كادت أن تجيب بغضب، رن هاتفها كان اسم المتصلة: فريدة.
صافيناز وقد ارتبكت: فريدة؟
عماد بسرعة: ردي! شوفي فيه إيه!
صافيناز بجمود: أيوه؟
جاء صوت فريدة من الطرف الآخر، مرتجفًا ومضطربًا: صافي، بابي في المستشفى، وتعب جدًا. جاتله جلطة!
تجمدت ملامح صافيناز، ثم هتفت: إنتي بتقولي إيه؟! طب إنتي في مستشفى إيه؟!
فريدة بسرعة: مستشفى الشمس، لو هاتيجي، تعالي بسرعة سلام.
أغلقت فريدة الهاتف وقفت صافيناز في مكانها، تحدق في الشاشة للحظات، ثم رفعت عينيها إلى عماد: بابي نقلوه المستشفى تعب.
عماد بإنتهازية: يبقى لازم تروحي، حتى لو مش هتشوفيه، مدام الباشا تعب، يبقى ماستحملش إللي عمله سليم.
صافيناز بعد لحظة تردد: طب استنى، خليك هنا لحد ما الولاد يوصلوا وقول لهم إن إحنا قاعدين هنا مؤقتًا، أنا هروح أشوف بابي.
خرجت صافيناز بينما كان ينظر عماد لآثارها بضيق
((بعد وقت))
وصلت صافيناز إلى المستشفى، وكانت الأجواء مشحونة بالصمت.
الجميع يجلسون في الاستراحة المرفقة للغرفة التى بيها عزت، وجوههم شاحبة، لكنها خالية من الدموع أو الإنهيار، وكأن الذي في الداخل ليس والدهم.
اقتربت بخطوات سريعة، عيناها تدوران بين الوجوه التي لم تلتفت إليها، وكأن حضورها لم يغير شيئًا.
صافيناز بقلق مصطنع: بابي حصل له إيه؟!
نظرت لها فايزة بحدة، عينيها تلمع من الغضب:إنتِ السبب!
صافيناز بإستهجان: أنا السبب؟! ولا سليم السبب إللي أستولى على كل حاجة؟!
فايزة رفعت حاجبها وانفعلت: لولا إللي عملتيه، ماكانش سليم اضطر يعمل كده!
صافيناز بتهكم: أنا عملت رد فعل طبيعي! بس هو؟ هو إللي عمل كده عشان زهق مننا خلاص، سنين وهو ساكت لو كان ياسين أو طه هما إللي عمل كده كان اخد نفس رد الفعل.
فايزة بإستهجان: مش عايزة تطلعي نفسك غلطانة.
صافيناز بحسم: لا.
فايزة هزت راسها برفض: مافيش فايدة.
طه، الذي واقفا في الزاوية، اتدخل بنبرة هادية لكنها حاسمة: عموماً ده مش مكان للكلام يا ماما خلينا نهدى، بابا جات له جطلة، وتعبان جدًا، ياريت نهدى.
سادت لحظة من الصمت، صافيناز شبكت يديها ببعض، عيناها معلقتان بالأرض، وصوتها خرج مكسورًا، مترددًا: عموماً أنا ماكنتش أقصد نوصل لده ولا كنت أتخيل.
لكن لم يرد أحد وجوههم ظلت على حالها، جامدة، خالية من التعبير، وكأن شيئًا لم يقال نظراتهم كانت صلبة، صامدة، فلم يعدو يصدقوا اعتذارات.
قصر الراوي، العاشرة مساءً
عاد الجميع إلى القصر بعد أن اطمأنوا على حالة عزتالصحية، فقط فايزة من تبقت معه.
كما وضحت، فايزة أوصت بمنع هبة ومنى وإبراهيم من مغادرة غرفتيهما.ووهكذا، أنغلق كل باب على حكاية.
غرفة منى
فتح طه الباب ودخل بهدوء، فرفعت منى رأسها إليه بدهشة واستغراب.
منى بضجر: أخيرا جيت، ممكن بقى تفهمني؟ فيه إيه بالضبط بيحصل في القصر ده؟
تنهد طه وهو يخلع جاكيته ويجلس: طب أصبري بس أرتاح شوية، أنا من الصبح مارتحتش.
تناول كوبًا من الماء، واحتساه بسرعة، وما إن أنزله، عاجلته منى: خلاص شربت مية يلا، قلي!
طه بتنهيدة طويلة: هحكيلك بس اسمعيني كويس.
بدأ يسرد لها كل ماجرى منذ ليلة الأمس، من أسرار وانكشافات.
منى بعينين متسعتين: يا نهار أبيض كل ده حصل وأنا معرفش؟ طب هو عامل إيه دلوقتي؟ حالته خطيرة يعني؟
طه هز رأسه نافيًا: لا، الحمد لله عدى مرحلة الخطر. ماما معاه.
تبتسم له بإعجاب: بس تعرف إللي إنت عملته ده هو الصح، أخترت صح برافو عليك.
نظر لها طه بإندهاش: إيه ده؟ أنا بقولك بعت له ٣٪من أسهمي، وانتي بتقوليلي برافو؟ ده كل ما أملك في المجموعة!
منى قربت منه وابتسمت: كده كده راجعينلك يا روح قلبي ويمكن يكتروا كمان، سليم مستحيل ياكل حقك، هايرجعه لك. بس دلوقتي هو بيشوف مين معاه ومين ضده، أوعى تنسى الحادثة، الخيوط العنكبوت بدأت تقع، وشكلها قربت تتحل، إنت اخترت الصح، وأنا معاك جدًا، أكيد هو عامل كده في صافيناز ورشدي، والباشا والهانم، لكن أي حد وقف جنبه، مستحيل ينسى له ده، خلاص بقى هو الملك رسمي،وإحنا لازم نكون في ظل الملك.
طه مد شفتيه مندهشا: أنا كنت متوقع إنك هتعمليلي مشاكل كتير!
منى ضاحكة: بالعكس! إنت كده شاطر، لما سليم يعرف إنك كنت عارف بالحوار بتاع الحادثة، ساعتها هنكذب ونقول له ما كناش نعرف، وعرفنا بعدها، وكنا مهددين بولادنا، وبنحاول نقف جنبه، وبعدين..
تابعت بتهكم: إخواتك فعلاً كانوا هايقتلونا، أنا كنت غبية زمان لما افتكرت إن اختياري لصف صافيناز ورشدي هايكسبنا، اتاريني كنت بغرق نفسي! كنت فاكرة إنهم عبط طلعوا عقارب.
طه بحزن: أنا بحاول أكفر عن ذنوبي والصراحة مبسوط إللي حصل في صافيناز عقبال رشدي.
منى بإبتسامة تشفي: قريب أوي يا حبيبي بس خلينا واخدين بالنا، ممكن يأذونا.
طه: ماتيجي نمشي من القصر؟
منى رافضة بذكاء: نمشي؟ بالعكس! القصر هو الحماية هنا نفتح ودانا وعيونا، لازم نعرف كل حاجة.
طه بتحذير: طب أبقي خدي بالك، لأن الأيام الجاية كلها دمار خصوصًا لما سليم يرجع من ألمانيا.
منى متسائلة: هو رايح ليه أصلاً؟
نهض طه وهو يخلع قميصه ويتجه لغرفة الملابس قال: معرفش إنتي عارفة سليم، مابيقولش حاجة لحد.
ظلت منى في مكانها، تبتسم بثقة: شكلها قربت أوي وإحنا لازم نكسب سليم بأي تمن.
في غرفة هبة
أما عند ياسين، فلم يتغير الموقف كثيرًا، سوى أن هبة كانت على وشك الانفجار، خاصة بعد ما ياسين روى لها كل شيء.
هبة: طب ممكن نبعد شوية؟ أنا مش قادرة أتحمل الضغوطات دي.
ياسين بهدوء: سليم طلب مني منسبش القصر الفترة دي أصبري شوية.
هبة زفرت بضيق: أما نشوف آخرتها! طب وباباك؟ عامل إيه؟ وإزاي ماتبقاش معاه؟ مامتك لوحدها؟
ياسين متعجبا: أعملهم إيه يعني؟ هيبقى كويس.
هبة مستنكرة: بجد إنتوا ناس جاحدة.
سكت ياسين قليلًا، ثم قال: أنا عايز أنام تصبحي على خير.
نظرت له هبة دون رد
غرفة فريدة
بعد أن بدلت فريدة ملابسها، جلسا هي وإبراهيم يحتسيان العصير على الأريكة يتبادلان الحديث.
إبراهيم متعجباً: أنا ماكنتش فاهم أي حاجة، لما رجعت، طلبوا مني مخرجش من الأوضة، بس قلت أكيد فيه مصيبة،حتى كلمتك، قولتلي خليك زي ما إنت ولما أجي هرجعلك.
فريدة تحتسى القليل من العصير موضحة: ماكنتش عارفة أتكلم وقتها كنا في المستشفى.
إبراهيم متساءل: طب سليم ماقالكيش إن الوصية دي فيها إيه تاني؟
فريدة هزت راسها بإيجاب: آه، طبعًا قال لي احنا قلنا له اللي بيعمله ده غلط، وبيفتح عليه مجزرة.
فلاش باك، مكتب سليم في المجموعة
نرى فريدة، ياسين، وطه جالسين مع سليم في نفس يوم إعلان الخبر الوصية لكن في وقتٍ مبكر.
فريدة بصدمة: بس إنت كدة بتخلق مجزرة.
سليم بهدوء: حاجتكم راجعة لكم إنتم مش واثقين فيا؟ أنا مش هابص للـ٣٪ بتاعتكم.
ياسين بهدوء: يا سيدي إحنا مش بنقول مش واثقين بس إنت بتفتح على نفسك جبهات: صافيناز، ورشدي إنت عارفهم عاملين إزاي الباشا نفسه مش هيقبل ده.
تهند سليم قال مفسرا وهو يشبك يده في بعضهم:
إحنا هانكون مع بعض في ضهر بعض الجماعة أقوى من الفرد...
أضاف وهو يزم شفتيه بعدم ثقة بقلق:
أنا مش واثق فيهم، وموضوع الحباية مش داخل دماغي إن كل ده عشان كلمتها بطريقة ماعجبتهاش؟ أنا بس علشان مسافر ألمانيا لحاجة ضرورية مش عارف أجمع الخيوط محتاج أرجع وأنا دماغي صافية عشان أروقلهم، أنا عايزكم تقفوا جنبي، مش أكتر ماتقلقوش كل حاجة هترجع لكم، وعليها نسبتى في حالة قتلى او قتل مراتي من بعدي.
قاطعته فريدة بتوتر: بعد الشر عليك يا حبيبي ليه بتقول كده؟
سليم بجدية: أسمعي بس ده غير كل أملاكي هتروح لكم إنتم وأهل ماسة، طبعا لإني مش هنساهم، لإني متأكد لو حصل لي حاجة ماسة هاتحصلني مش هايسيبوها، وياسين هو إللي هياخد مكاني، أنا كتبت ده، لإن طه من زمان أعلن إنه مش عايز.
طه هو يشير بيده بإبتسامة: أبعدني أنا بحب مكاني!
تابع سليم بهدوء وهو يعيد ظهره للمقعد مفسرا: ولو اتربوا وبقوا كويسين، كل حاجة هاترجع زي ما كانت إحنا بس محتاجين الباشا ياخد مواقف حاسمة، مش مواقف مايعة ! لإنه مش قادر يصدق ولا يقتنع إن صافيناز ورشدي عندهم استعداد يقتلونا.
طه بتأييد: إنت عندك حق.
ياسين بإعتراض خفيف مصحوب بقلق: بس جزئية إنك تعملها للجمعية الخيرية دي وسعت منك أوي!
عقد سليم حاحبيه متعجبا: وإنت مالك؟
أسهمك راجعة لك، وعليها نسبة من بتاعتي، كل واحد فيكم هايزيد على نسبته ٨٪ وكسور يعني كل واحد فيكم هتبقى نسبته في المجموعة 11% وكسر بدل3%عارفين ده يعني إيه؟ هتكون أعلى من الهانم ذات نفسها
أضاف بتنبيه وتحذير: أنا مش عايزكم تبقوا خايفين عايزكم تردوا بقوة صدقوني لو حصل لي حاجة، والله العظيم هتحصلوني، إنتوا مش بتدافعوا عني، إنتوا بتدافعوا عن نفسكم وعن أولادكم!
ياسين بضيق: يا إبني بعد الشر عليك، بطل طريقتك دي فين الورق؟
سحب الورق من على مكتب قام بإلامضاءثم ألتفت لـ فريدة وطه وقعوا.
فريدة وهي تعطي الأوراق: حاجة تاني.
سليم وهو يمسك الأوراق: إنتم هاتروحوا دلوقتي وأنا جاي بعدكم وياريت تتفاجؤ
طه: ماشي يلا بينا.
خرج الجميع تبقي سليم وترتسم على شفتيه ابتسامة وهو يفر الأوراق
(بااااك)
إبراهيم وهو يزم شفتيه: عموماً إللي حصل هو الصح.
رغم إننا كده فتحنا على نفسنا حرب، وأنا مش عايز ده، بس الاستسلام؟ وإننا تعيش في حالنا وسط الضباع غباء، مش حل، هو عنده حق الدنيا خربانة، وكان لازم ندخل بتقلنا، ونبين إننا معاه، ونحمي عيالنا، لو فضلنا سلبيين هنموت ماينفعش نبقي فريسة، إحنا فهمناهم إننا أقوياء وإننا هنعرف ندافع.
فريدة نظرت له بقلق: بس هو ليه رايح ألمانيا في الوقت ده؟ وكل حاجة حوالينا بتولع
سكتت لحظة، ونظرت نحو النافذة: أنا قلبي مش مطمن يا إبراهيم مش مطمن خالص.
إبراهيم بهدوء: أكيد هعرف هو عرف إن الباشا تعب ؟!
فريدة هزت راسها بنفي: تؤ بكرة هقوله تليفونه وتليفون مكي مقفولين وطبعاً ماسة محدش بيعرف يوصلها.
إبراهيم: خير.
ألمانيا /الفندق
السويت الخاص بسليم.
نرى سليم قد صعد غرفته، وأخذ حمامه، ثم جلس في الشرفة المطلة على منظر طبيعي خلاب، أسند رأسه إلى ظهر الكرسي، وسحب نفسًا طويلًا كأنما يحاول طرد شيء ثقيل من صدره أخيرًا، أمسك بهاتفه وأتصل بياسين مكالمة فيديو
ظهر وجه ياسين بعد لحظات على الفيديو.
سليم بنبرة هادئة، لكن عينيه كانت تراقب ملامح ياسين بترقب: فيه إيه كل مكالمات دي؟
ياسين، وصوته مليئ بالقلق: إنت فين يا سليم؟ مابتردش ليه؟
سكت لحظة تابع: الباشا تعب جاتله جلطة، اتحجز في المستشفي.
تجمدت ملامح سليم، نهض من مكانه فجأة، ويده ترتعش وهي تمسك الهاتف.
سليم بصوت مرتجف: إنت بتقول إيه؟! هو كويس دلوقتي؟
ياسين بيزم شفتيه بأسف، يحرك رأسه ببطء: يعني. الدكتور قال لو عدى الـ ٢٤ساعة الجايين، إن شاء الله هيبقى كويس هو عدى مرحلة الخطر. قلبه ماستحملش الصدمة إللي عملتها.
سليم وهو يمرر يده على رأسه، يحاول استيعاب ماسمعه: إنت معاه دلوقتي؟
ياسين: لا، أنا روحت ماما معاه، بس الصبح هكون هناك.
سليم يصرخ بعصبية وهو يلوح بيده: أقفل، أقفل.
أغلق سليم الاتصال، وبدأ يركض في الغرفة كأنما يبحث عن مخرج. ثم أمسك بهاتفه وأتصل بمكي بسرعة: مكي إنت نايم طب فوووق كده! وأتصل بالمطار وأحجز لي أول طيارة راجعة مصر، أو حتى طيارة خاصة،الباشا تعب، جات له جلطة بسرعة!
ثم أتصل بفايزة.
في تلك اللحظة، كان عزت قد بدأ يستعيد وعيه، وفايزة تجلس بجانبه في الغرفة، تمسك يده وتراقب نبضه بأنامل مرتعشة.
فايزة وهي ممسكة بيده: حمد الله على سلامتك يا عزت.
عزت بصوت واهن وعينين نصف مفتوحتين: الله يسلمك، مافيش أخبار من سليم؟
فايزة تهز رأسها بضيق: لا، قافل تليفونه، مابيردش.
سكتت لحظة، ثم قالت بمرارة وهي تشد الشال فوق جسدها: إحنا عملنا إيه غلط يا عزت علشان ولادنا يبقوا كدة؟ كلهم فشلوا، ما كانش فيهم حد يصلح، إحنا اخترنا سليم بعد ماحاولنا ندور فيهم على حد يصلح، بس للأسف... هما خلونا نترجاه يرجع ينقذنا بعد ما فشلوا سنة كاملة! يعني إحنا ماكناش مفضلينه عنهم زي ما هما فاكرين.
عزت بنظرة خاوية وصوت متهدج: لإنهم فاشلين، والفاشل مابيحبش يشوف حد ناجح جنبه، هما عارفين إن إحنا ماكناش بنفضل سليم عنهم لكنهم كدبوا كدبة وصدقوها، إحنا كمان غلطنا، مازرعناش فيهم محبة لبعض، مزرعناش غير المنافسة كل واحد عايز يبقى الكبير حتى لو على حساب أخوه.
أضاف وهو يتنهد بتعب: أنا تعبان،مش قادر أتكلم.
فايزة: طب أرتاح.
بعد ثواني رن هاتف فايزة.
نظرت فايزة إلى الشاشة، ثم قالت بنبرة متوترة: ده سليم!
عزت يحاول الاعتدال بصعوبة: ردي عليه.
فتحت المكالمة ظهر وجه سليم، وعليه علامات القلق الشديد.
سليم بصوت مضطرب: بابا عامل إيه؟
فايزة، بنبرة لاذعة مليئة بالإتهام: إنت السبب في كل إللي حصل بتسأل ليه؟!
ذات من حدة في نظراتها أضافت: خليك متأكد إن ذنبه هيبقى في رقبتك لو جراله حاجة.
سليم يتنهد ويحرك عينيه بعيدًا: بلاش الكلام ده، طمنيني، بابا عامل إيه؟
فايزة، برفعة حاجب ونظرة ساخطة: ويهمك؟
سليم بهدوء حاسم، وقد مال برأسه قليلًا: من فضلك، طمنيني عليه وبلاش الكلام ده.
عزت يتدخل بصوت ضعيف: فايزة هاتي التليفون.
فايزة، بحدة، مازالت عيناها تلتهب بالغضب: لازم يحس بغلطه، إحنا طبطبنا عليه كتير، بس هو تمادى.
عزت وهو يرفع يده بتعب: هاتي يا فايزة، ماتتعبينيش.
أعطته الهاتف، وساعدته ليعتدل على السرير.
سليم بهدوء وحنان: ازيك يا باشا ان شاء الله تكون أحسن ألف سلامه عليك.
لكن فايزة لم تجعل أحد أن يتحدث هاجمت سليم بشدة وهي تقول: يا ترى بقى هتقول إيه يا أستاذ سليم على إللي عملته؟ أي كلام هتقوله غير مقبول، إنت لازم ترجع كل حاجة زي ما كانت، إنت فاهم؟
سليم بهدوء: باشا أنا عايز أتكلم معاك لوحدنا.
فايزة تدخلت بصوت حاد: هو إنت فاكر إن عزت ممكن يقبل بأي هبل من إللي إنت بتعمله؟ أو يقبل يتنازل عن جنيه واحد؟ تبقى مجنون.
سليم بصوت ثابت: بعد إذنك أنا عايز أتكلم معاك لوحدنا، عشان كده مش هاينفع.
رفع عزت عينه نحو فايزة: سيبيني أتكلم مع سليم.
فايزة زفرت بعنف:ما أنا عايزة أفهم، هيقول إيه بعد إللي عمله ده؟ بأي عين جاي يتكلم؟ باباك كان هيموت بسببك..
تابعت بلوم وحزن شديد: إنت تعمل كدة إنت ماتعرفش أنا كنت باثق فيك قد إيه بقول سليم استحالة يفكر يعمل حاجة زي كدة علشان كدة إديتك كل حاجة حتى فلوسي الخاصة ومشاريعي الخاصة كتبتها باسمك تعمل كده في الآخر ده جذاتي.
نظر سليم إليها لكن لم يرد. كان الصمت جوابه الوحيد.
عزت بصوت حاسم: خلاص بقى، من فضلك أطلعي.
أجابت فايزة بنبرة مكسورة: حاضر، هطلع، بس أنا عايزاك تبطل طيبة معاه.
خرجت فايزة وهي تشعر بالغضب، خطواتها تئن على الأرض الرخامية لكنها توقفت خلف الباب، تسترق السمع أمالت رأسها، تمنت أن تسمع شيئًا، لكن الصوت لم يصل إليها بسبب بعد المسافة وخفض صوتهم.
سليم بنظرة حزن وأسف: ألف سلامة عليك يا باشا. ماكنتش اتمنى أشوفك بالمنظر ده، ولا كنت عايز إللي حصل ده يحصل، بس إللي عملته كان لازم يتعمل من زمان.
نظر له عزت بصمت، فقط يستمع له.
تابع سليم يتنهد، يحاول كتم اضطرابه: أنا مش مبسوط خالص باللي حصلك، ولا يرضيني أشوفك في المستشفى كدة..
زفر بضيق اضاف بتهكم: بس الحقيقة؟ إنت ماعرفتش تربي ولادك، مافيش وسيلة نفعت لا تهديد، لا سحب مشاريع، لا كسر إيد، وكل يوم كانوا بيستوحشوا أكتر..
شد على كلماته وهو يضيف بتوضيح حاد: أنا ماعملتش كده علشان إللي صافيناز عملته بماسة وبس، أنا عملت كده علشان الغلط مايتكررش تأني، المرة دي اتجرأت وحطت حباية تخلي ماسة، أضحوكة قدام الناس، المرة الجاية؟ ممكن تبقى سم ليا، أو لمراتي أنا مش هستنى ده يحصل..
أضاف بحدة ممزوج بضجر بعين تلمع: يا باشا، إنت لازم تصدق إن ولادك، إللي للأسف إخواتي؟! ومن نفس الدم، عندهم استعداد يقتلوني علشان يوصلوا لأهدافهم، يوصلوا للعرش، وإنت مش شايف ده، أو مش مصدق، بس ده الواقع..
ضيق عينه قليلا وكأانه يحي ذكرى غابت منذ سنوات: إنت نسيت؟ إخواتك زمان حاولوا يعملوا فيك نفس إللي هما بيحاولوا يعملوه فيا؟! ولما عرفت بالمؤامرة، نفيتهم، ومنعت دخولهم البلد علشان تنقذ نفسك وتنقذ مراتك وأولادك، فحقننا للدماء أنا عملت كده..
شدد نبرته أكثر وهو يهز رأسه وهو يتابع بنبرة مستنكرة: أنا مش طماع، ولا هاخد شيء مش من حقي، أنا سبت كل ده قبل كده، وعندي استعداد أسيبه تاني، أنا بس عايز أعيش في سلام، وأحمي اللي بحبه.
نظر في عينه مباشرة وهو يشير بيديه بنبرة حاسمة: ماتقوليش أنا هضمنلك، أنا عن نفسي مش ضامنلك إنت حياتك، صدقني ولادك بالسوء ده؟ وأسوأ كمان، الفلوس جننتهم، عمتهم، وسودت قلوبهم أكتر ماكانت سودة.
عزت بتنهيدة مرهقة: بس إنت يرضيك إن والدك ووالدتك في آخر عمرهم، يبقوا مكسورين؟ مذلولين؟ إحنا تعبنا سنين علشان نعيش بكرامة ونأمن لكم ثروة بالحجم ده.
سليم بحزن حاسم: مايرضينيش أبدًا، لكن هل يرضيك تشوف أبنك مقتول؟؟ أنا لما كتبت الوصية، كتبتها حماية، وعشان أوقف نزيف الدم وأرجع أولادك لعقلهم.
صمت لحظة وهو يطلع على وجه عزت، ثم قال بنبرة أكثر حزمًا: عموماً، أنا نازال مصر بكرة، وهغير جزء من الوصية، حقك وحق الهانم راجعين زي ماهما، في حالة قتلي بدل الجمعيات..
شد صوته بعينين غامت بسواد بحسم: لكن لو السما انطبقت على الأرض، أقسملك، نصيب رشدي وصافيناز مش هيتغير، إلا لو رجعوا وتابوا، واتربوا من جديد غير كده؟ لا، أنا مش هتنازل أكتر من كده.
صمت للحظات وهو يمرر عينه عليه بنظرة صارمة فيها لمعة محبة: إللي خلاني أتنازل؟ منظرك، أنا مايهونش عليا أشوف أبويا في المستشفى، بالضعف ده..
ارتسمت ابتسامة حزينة على وجهه، وعين فيها دمعة: بقولك إيه يا بابا، ماتبص حواليك، ولادك إللي إنت زعلان عليهم، فين دلوقتي؟ كل واحد واخد مراته في حضنه ونايم بعيد عنك، ولا واحد منهم جنبك..
تحدث من بين أسنانه الضجر والرفض بعين دامعة:
ملعونة الملايين اللي تخلي الواحد وحيد في لحظة زي دي؟ في أكثر وقت لازم يكونوا ولادي جنبي، بس حضرتك إللي عملت كدة؟! اشتريت الملايين إنت والهانم وماعملتش حساب اللحظة دي، لكن أنا ...
ابتسم وهو ينظر بعيدا:
عملت حسابها عشان كده اتمسكت بماسة واتمسكت بالحب والأمان، بعيلتي الصغيرة، مش شوية ورق.
عزت، بعين مبللة وصوت مكسور: أنا عارف، لو كنت موجود، كنت الوحيد إللي هتفضل جنبي، وماكنتش هتسيبني، إخواتك طالعين زي عمامهم وعماتهم، إنت الوحيد إللي طالع شبهي، مترجعش خليك زي ما إنت، أنا مازعلتش على ولادي، أنا زعلت على شقي العمر وتعب السنين أنا مش عايز أتبهدل في آخر عمري، يا سليم.
سليم بحنية: وأنا بأكدلك، مايهونش عليا يا باشا، إنت برضه أبويا، هغير جزء منها إللي يخصك، بس ماتحاولش أكتر من كدة، ويا ريت يفضل ما بينا، لما تفوق، صلي ركعة شكر، أن فيه واحدة زي ماسة في حياتي، علشان أقسملك، لولاها، أكيد منظرك ده ماكانش هايهز مني شعرة، وإنت عارف أنا زمان كنت إيه؟!
نظر له وغمز بعينه: ألف سلامة عليك يا باشا، سلام.
أغلق سليم الخط وهو يمسح وجهه بيديه. أثناء ذلك دخل.
مكي بقلق: إيه يا سليم؟ فيه إيه؟
سليم رفع راسه وهو يضع الهاتف على الفراش تنهد: مافيش حاجة، الباشا تعب، دخل المستشفى.
مكي: أنا قلتلك مش هيستحمل دول ملايين يا ابني!
هتعمل إيه؟
سليم بهدوء: هغير شوية من بنود الوصية بس مش دلوقتي طبعا، شوية كدة لازم أخليه يقلق، هغير في الجزء الخاص بالباشا والهانم.
مكي هز رأسه نافيا: أقصد، هتنزل مصر؟ أنا اتكلمت، فيه طيارة بعد ٣ساعات.
سليم وهو يجلس: لأ، خلينا نكمل هنا،بكرة نبدأ في إللي جايين علشانه ده الأهم دلوقتي.
مكي: طب الباشا؟ عامل إيه؟
سليم: أحسن وهيكون أحسن.
في مصر.
أغلق عزت الهاتف وعيناه معلقتان بالفراغ، كلمات سليم أصابته كحقائق موجعة؛ بنى ثروة وإمبراطورية، لكنه فشل أن يجمع قلوب أولاده. يعلم أن موته لن يوحّدهم، بل سيكون شرارة انفجار لا مفر منه.
تنهد، ثم نادى بصوت خافت على فايزة، التي تقف بالخارج، حين استمعت لعزت دخلت وجلست على مقعد بجانبه.
فايزة: خير يا عزت، سليم قالك إيه؟ رجع عن إللي في دماغه؟
مد وجهه بلا فهو لا يريد أن يقول لها ماحدث بينه وبين سليم: معاند، خايف على نفسه وعلى مراته، شايف الدنيا كلها مؤامرات حواليه.
فايزة برفض واعتراض: مؤامرات إيه؟ وإنت فاكر إني هسمح لحد يأذي سليم لو بشعرة؟ أنا ادفنهم مكانهم، أنا كل هدفي كان ماسة، وبعدين مش أنا اللي رجعت سليم؟ ورجع أقوى من الأول؟
عزت تنهد بتعب: صح بس اولادك هدفهم رقبه سليم.
وكل حاجة كنا بنحافظ عليها بقت على المحك يا هانم أتمنى تكوني مبسوطة.
ابتعلت فايزة ريقها فلا تريد أن تعترف بأخطائها قالت بنبرة مهتزة: بص، خلينا نستنى شوية لحد مايهدى ويعقل، لأنه طول ما هو متعصب، رد فعله هيكون أخطر، وأنا متأكدة إنه هيرجعلنا كل حاجة، عايزاك تهدى كده وتبقى كويس، إحنا مانقدرش نعيش من غيرك، إحنا نضيع، صدقني، إنت وجودك مهم، وجودك إللي موقف كل واحد عند حده، أنا مش هقدر لوحدي.
عزت بإبتسامة جانبية: كويس إنك أخيرًا عرفتي إن وجودي هو إللي مخلي ولادك لسة واقفين عند حدهم، حتى لو شوية صغيرين.
فايزة وهي تمسك يده: أنا طول عمري عارفة إن وجودك هو الحماية هو العمود إللي مخلي العيلة دي متماسكة،ولولاك ولولا سليم كنا اتهدينا، علشان كدة أنا عايزة سليم هو إللي يبقى مكانك، سليم عادل حازم، ومش هيطمع ولا هيفكر يؤذي حد من أخواته بندالة، علشان كده أنا بحارب إن هو يبقى في مكانك.
عزت تنهد: عموما أنا حسيت من سليم إنه ممكن يرجع الحاجة هو بس غضبان من إخواته وإنت لازم تشدي عليهم شوية.
فايزة: حاضر بس رشدي، مابيعملش حاجة حقيقي هادي خالص الفترة دي، شكل المخدرات أكلت دماغه.
عزت بقلق: هو أنا مش بخاف غير من صافيناز بالأخص بسبب جوزها الداهية ده.
فايزة: ماتقلقش أنا هحط كل حاجة تحت الكنترول إحنا عايزين ندور ورا عماد أي حاجة ممكن نمسكها عليه
عزت هز راسه بإيجاب: أخرج بس من المستشفى ونشوف.
فيلا عائلة ماسة، الرابعة مساءً
غرفة السفرة
أفراد العائلة مجتمعين على الغداء.
مجاهد وهو يغمس لقمة العيش في صحن البامية ثم تناولها بتلذذ وهو يقول: تسلم إيدك يا سعدية، هي دي البامية من إللي يتكتب بيها شعر.
سعدية مبتسمة: ربنا يخليك يا أبو عمار.
سلوى بإبتسامة تأييد: بجد يا ماما البامية عسل، وماسة كانت بتحبها من إيدك جدًا.
سعدية بلهجة فيها شجن: هي فين بقى ماسة؟ ربنا يسترها عليها في المكان إللي هي فيه ويكرم يا رب الناس إللي قاعدة عندهم يحنن قلبهم عليها.
سكتت قليلا ثم قالت بإستهجان: أنا مش عارفة أعمل إيه والله؟! وبعدين مش ملاحظين إن الدنيا هادية؟ يعني بعد ما سليم عرف إن البت جت وشافتنا يا دوب جه رمي كلمتين وأختفى، أنا كنت متأكدة إن بعد موضوع ماسة هايبهدلنا.
عمار وهو يمضع الطعام: أنا توقعت كده برده، بس غريب فعلاً، الأهم إننا الحمد لله إننا أطمنا عليها، دي أهم حاجة ويمكن معملش حاجة عشان عارف إن إحنا كمان فعلا مانعرفش ويمكن مراقبنا.
يوسف بضيق: يعني إحنا هنفضل قاعدين مستنيين يوم ماسة تكلمنا فيه؟ ماينفعش كده! أنا قلقان عليها حتى لو هي كانت قاعدة عند ناس كويسة أحنا برضه مانعرفهمش
سلوى بتفكر بصوت عالي: ماسة مستحيل تكلمنا دلوقتي، أكيد عارفة إن سليم بيراقبنا.
سعدية بمرارة: كان مستخبيلك كل ده فين يا بنتي للهم لا اعتراض على حكمك الحمدلله.
مجاهد بصوت حزين: ربنا يحفظها ويسترها عليها، ويهديك يا سليم.
عمار بيغير الموضوع فجأة: بقولك إيه ياما؟ هو إحنا هنقبض الجمعية امتى؟
سلوى: آه صح، انا لازم أدفع القسط بتاع الجامعة الشهر الجاي.
سعدية: أول الاسبوع الجاي إن شاء الله، قسموا الاسم على بعض والاسم إللي بعديه بتاعك يا واد يا عمار قسمه عليك إنت وأختك ما إنتم داخلين بنفس المبلغ.
سلوى: الحمد لله إن الدكتور شغلني حتى لو بمرتب بسيط، أقدر أسدد مصاريف الجامعة.
مجاهد بتهكم: كان المفروض من الأول تدخلي جامعة حكومية زي إخواتك!
سلوى: مامجموعي ماجابش يا يابابغ، أعمل إيه؟ ودي الجامعة الوحيدة إللي قبلتني بعد ماسبت الجامعة إللى دخلها لي سليم وبعدين دي مصاريفها مش غاليه قوي هم ٣٥ألف بالسنة
مجاهد: كان بلاها تعليم كنتي دخلتلك معهد أل ٣٥ألف دول مش شوية يا بنتي.
سعدية بحكمه: يا أبو عمار العلام حلو إحنا دلوقتي محتاجين الشهادات عشان العيال تشتغل شغلانة حلوة وتجيب قرش، دي قايلة لي لو اتجدعنت وطلعت من الأوائل، الجامعة هاتديها تخفيض10٪.
مجاهد: ربنا يصلح حالها خلاص يا سعدية وأنا كمان شوفي لي جمعية كدة عشان أساعد في مصاريف البيت، إحنا مش عايزين ناخد من فلوس سليم حاجة خليها مركونة كدة على جنب ألاقي شغل أنا صحتي كويسة، بس أعمل ايه كل ما اشوف شغل مايرضيش بيا علشان راجل كبير هيعملوا بيا إيه؟!
سعدية تربت على كتفه: ولادك الخير والبركة بس إنت عايز الفلوس ليه يا عمار ما تسيب كل الفلوس لأختك وخد إنت اسمك.
سلوى ضحكت فيبدو أنها تعرف لماذا يريد نصف المبلغ نظرت سعدية علقت: شكلك عارفة يا بت عشان كده ماتكلمتيش ولا اتهزيتي؟! خير يا عمار
عمار بلهجة مترددة: لإني ناوي أتقدم لأمنية
مجاهد بيتصدم: إيه يا إبني؟! إختك مش معروف مكانها وإنت عايز تتجوز؟!
سعدية: كلامه صح، أستنى لما ماسة ترجع الأول ونطمن عليها.
عمار بهدوء: يا جماعة، أنا مش بقول أعمل فرح ولا شبكة، أنا بس عايز أروح أقول إن البنت دي من نصيبي، سنتين وأنا واقف مكاني! عايز أعرف أهلها إني داخل البيت من بابه، مش بلعب.
سعدية: بس هما عادي عندهم، مش بيحسبوها زينا.
عمار:أنا ماليش دعوة بيهم! أنا راجل، وعايز أقول الكلمة إللي تريحني.
سلوى بتأييد: أنا معاك يا عمار، ماسة الحمد لله بخير.
مجاهد بهدوء: خلاص يا عمار، لو شايف إنك جاهز، روح وخليهم يشوفونا بس لازم يعرفوا إحنا إيه، وعلى إيه.
عمار:ماتقلقش، يا يابا، أنا قايل لهم كل حاجة.
في أحد المراكز الطبية الثالثة مساء.
الكافيتريا
كانت ماسة واقفة خلف الكاونتر، ترتب الطلبات بتركيز، ترتدي زيًا رسميًا يتبع الكافيتريا، وغطت شعرها بالحجاب ووجهها بالنقاب، تاركة فقط عينيها ظاهرتين.
نعلم أنها تعمل هنا منذ فترة في أحداث قبل الفلاش بااك، داخل مركز طبي خاص، وهو نفس المكان الذي يعمل فيه مصطفى وترتدي النقاب لكي لا يتعرف عليها أحد.
أقترب منها مصطفى فجأة من خلف الكاونتر، ومال بجسده قليلًا وهو يقول بصوت منخفض:
مصطفى بمزاح: يا مساؤه.
ماسة رفعت عينيها، وابتسمت بخفة: مساء النور.
مصطفى نظر لساعته ثم سأل: بنت خالتي، خلصتي ولا لسه؟
ماسة هزت راسها بإيجاب: آه خلصت، بس مستنية مروة تيجي تستلم مني.
واثناء ذلك فجاه شردت ماسة قليلاً خلف مصطفى كان يبدو من ملامح عينيها أنها خائفه وهي تطلع خلفه
انتبه مصطفى نظر محل نظراتها ثم نظرلها: مالك؟!
ماسة بتوتر: الراجل اللى هناك ده شبه رشدي؟!
الفتت نحوه لكن الراجل اكتفي قال بهدوء: ايه هيجيب رشدي هنا ؟! رشدي ده، (أشار على رأسها) هنا وبس بطلي خوف
ماسة بنبرة مكتومه: هاهحاول، معرفش مروه اتاخرت كدة ليه؟!
في تلك اللحظة اقتربت مروة وهي تقول بمزاح: ومروة وصلت أزيك يا دكتور.
مصطفى بلطف: الحمدلله.
ماسة ابتسمت: حمد لله على السلامة يا رورو بقولك. عملت ٨٣٥جينه بالضبط؟! وبلغت مستر عزيز.
مروة: تمام.
ماسة نظرت لمصطفى: هروح أغير هدومي وارجعلك.
هز مصطفى رأسه بالإيجاب، ثم ألتفت إلى مروة: اعمليلي قهوة لو سمحتي خليها تيك واي.
دخلت ماسة في غرفة الموظفين لتبدل ملابسها، بينما جلس مصطفى يحتسي القهوة في هدوء، يراقب الممرات بنظرات عميقة.
بعد دقائق، خرجت ماسة إسدال اسود ونقاب.
ماسة: أنا خلصت يلا بينا.
نهض مصطفى: يلا.
بدءا بتحركا بجوار بعضهما في صمت حتى خرجا من المركز.
مصطفى تساءل: هتروحي؟
ماسة بإستغراب: هروح فين يعني أكيد البيت؟
مصطفى بإبتسامة خفيفة: تؤ تعالي نقعد على البحر شوية إنت مابتخرجيش خالص وحابسة نفسك يا بنتي خلاص ماحدش يعرفك باللي إنتي لابساه ده.
نظرت صوبه بخفة، ثم إلى البحر ، تنفست بعمق وقالت: تمام.
عدو معًا شارع السيارة، حتى الكورنيش وبدأ بتحرك
ماسة وهي تنظر للأفق: عارف؟ امبارح ماعرفتش أنام.
مصطفى متعجباً: ليه؟
ماسة بأسف: من خوفي عليكم.
توقفت فجأة، ووقفت في مواجهته قالت بتعجب: هو إنت إزاي سامحتني؟ وإزاي واقف معايا كده؟ وإنت عارف إن ممكن، سليم يأذيك؟!
مصطفى بهدوء: بس أنا مش حاسس إنه ممكن يعمل حاجة.
ماسة بسخرية: يا سلام.
مصطفى وهو ينظر بعيدًا بهدوء وعقلانية: بصي، أنا مش عارف أنا ليه بساعدك؟! بس جوايا حاجة، حاسس إنه واجبي وانسانيتى تحتم عليا اساعدك، وإن ربنا ماحطكيش قدامي كده صدفة، كان ممكن تركبي أي عربية غيري، بس ربنا اختارني أنا وحتى بعد ماسبتك يومها قدام الفندق اجتمعنا تاني بعد ثلاث ايام وبرضه بالصدفة؟! بالرغم إني مابروحش المكان ده وأنا سبق قلتلك الكلام ده أول ما تقابلنا.
ماسة بصوت منخفض: أنا عارفة، بس أنا كنت مرات ظابط وقتها ماكنتش حاكية كل التفاصيل يعني بعد إللي أنا حكيتهلكم، إزاي سامحت بسرعة؟! وليه بتساعدني إزاي ماخفتش.
مصطفى ضاحكًا: يعني جوزك ظابط أمن دولة، كان هيسمى عليا يعني لما يوصلك؟! أكيد كان عمللي تهمة تخابر أو أي حاجة، وأنا جاهز على التهمة دي مربي دقني
ضحكا معا بخفه ثم تابع بهدوء وعقلانية: أنا فكرت في الموضوع يا ماسة أكيد ماسبتهوش كده، وأنا بفكر قلت طب ما هي قالت إن جوزها ده شخص قاسي ومستبد، ممكن يلفقلي تهمة ويعمللي مشاكل كثيرة ليا ولأهلي، وقالت كمان إنه ملفق تهم لأهلها، ومع ذلك أنا ماخفتش وقفت جنبك؟!
إيه إللي ممكن يعملوا سليم الراوي اسماعيل ظابط أمن الدوله ده مايعملوش؟! أو أيا كان مين هو جوزك الحقيقي؟! إنتي الصراحة كنتي ذكية وإنتي بتختاري أسواء مثال علشان تفهمينى جوزك سيئ ومتجبر قد إيه؟! آها فيه ناس محترمة في الدخلية، بس إنتي فهمتينى أن جوزك من الظباط إللي ماعندهمش ضمير، ولما فكرت أكتر وأكتر بالأخص في الجملة إللي قولتيها إن أحيانا الواحد بيكذب عشان الحماية، لما ركزت أكتر اكتشفت إنك كنتي مخبية تفاصيل صعب تحكيها عشان كدة سامحت، لإن سليم أو اسماعيل الاتنين أسواء من بعض
تبسم وهو يضيف ابتسامة هادئة: أنا مش ندمان، ومش هندم أنا معاكي لحد ماتوصلي لبر الأمان، وزي ماطلبتي النجدة، أنا هوصلها.
نظرت له ماسة بإمتنان فالبرغم نقابها عينيها توضح كل شيء خلفه: أنا مش عارفة أشكرك إزاي؟! أنا لولاك معرفش مصيري كان هيكون إيه؟! دي أول مرة ليا أواجه المجتمع لوحدي، عارف أوقات بقعد أفكر أقول لو ربنا ماحطش مصطفى وأهله قدامي ساعتها كان هيحصل لي إيه ! أكيد كنت اتبهدلت، عشان كدة كل مصلي أشكر ربنا إنه حطك في طريقي،
أضافت بنبرة فيها خوف واهتزاز: بس بخاف بخاف ااذيكم، بس أنا والله بوعدك إن مافيش حاجة هتقرب منك، سليم يعني زي ماحكيتلك عليه فيه حاجات صعبة، بس أوعى تنسى معظم وقته قد إيه كان إنسان طيب وكويس أووى، والله وأتغير كتير علشاني، التغيرات بتاعته دي الوحشه ماحصلتش غير آخر سنة، وأنا متأكدة إني ليا عنده معزة كبيرة وإنه مش هيأذيكم لو أنا طلبت منه، خصوصا لو عرف إنكم حافظتم عليا، حقيقي يا مصطفى أنا مش عارفه أشكرك إزاي مش عارفة أشكرك على إللي عملته معايا ولا أشكرك إنك سامحتني بقلبك الطيب ده إللي مستحيل ألاقي زيك ولا أشكرك إنك بتفكر فيا، مش عارفة بس من قلبي بشكراً، جميلك ده بحياتي كلها.
تنهد مصطفى تبسم بهدوء: إيه بس الكلام الكبير ده، أنا مش عايز شكر، إحنا اخوات إنتي بالنسبة لي زي عائشة بالضبط، صدقيني أختي واقعة في مشكلة لازم أقف جنبها، بس دلوقت الأهم إحنا محتاجين نفكر، ماينفعش تفضلي هربانة كده طول عمرك وحياتك كلها خوف ومطاردات
ماسة تنهدت بتعب: هو إنت عندك حق، بس أعمل إيه؟ عندك حل؟!
مصطفى مد وجهه: نفكر.
ماسة تبسمت بتساؤل وفضول: إنت إمبارح قولتلي إني كنت غلطانة، إزاي يعني؟
مصطفى بعقلانية: غلطتك إنك استسلمتي كنتي ضعيفة، وسليم للأسف السبب في ده، قفل عليكي بزيادة عشان يحميكي بطريقته، زي ماقولتي عايز يحافظ على براءتك، على ألماظة غالية بروحه، واللي فهمته عن شخصيتك القديم الصراحة عنده حق لازم يحميكي، ويخبيكي بين رموش عينه كمان، بس كان لازم يعلمك، غلطته إنه ماعلمكيش تعتمدي على نفسك، ولا حتى ترفضي أو تقولي لأ."وتعرفي تواجهي ناس زي صافيناز وفايزة والناس دي، اعتمد أنه جنبك وبيحميكي، إنتي لو كنتي بشخصية أقوى يا ماسة كنتي هتعرفي إزاي تتعاملي في المواقف إللي اتحطيتي فيها، بس للأسف إنتي كنتي خايفة وهم لعبوا على خوفك، خوفك من سليم وعائلته هو سبب دمارك.
ماسة هزت راسها بحزن: أنا حياتي مع سليم باظت
لما هما بداؤ يهددوني، وحاولوا يقتلوا بابا، قبل كده؟ حياتنا كانت جميلة أووى فوق ماتتصور، حتى لو كنت في الفترة الاخيرة مذبذبة ومضغوطة، وفكرت إننا نبعد عن بعض شوية، بس ده لإنه كان عصبي وأنا كنت تعبانة ماكنتش قادرة أستوعبه، كان ساعات بيهددني، اخترت البعد المؤقت، عشان نرتاح نهدى، مش نفترق، لكن هو مافهمش ده لإنه بيحبني أووى، صدقني، يوم مافكرت أمشي تراجعت! برغم إني خلاص كان فاضل لحظة، لكني تراجعت علشان بحبه، ماقدرتش أتصور أكون سبب في وجع سليم، ولما رجعت، عشنا يوم حلو أوي سوا واتعاهدنا نبدأ من جديد سكتت لحظة ثم أكملت بعين دامعة: تاني يوم، شفته بيقتل الراجل إللي اخد المزاد، وبعدها رشدي هددني ومن ساعتها وأنا بتدمر وهو كمان بدأ يدمرني زييهم بالضبط نظرت له بعينين دامعتين: قولي برضه مش عارف أغلطه؟ زي ما مامتك قالت وأديله فرصة
هز مصطفى رأسه بحسم: لا، ماينفعش تدي له فرصة، حتى لو لسة بتحبيه، لازم تبعدوا عن بعض لفترة، سليم لازم يتغير، وإنتي كمان محتاجة تتعالجي نفسيًا، أنا ضد فكرة إن راجل يهدد مراته، استحالة أتقبلها أو إنه يستخدم سلطته عليها كزوج، الراجل المحترم يحترم نفسه ويبعد حتى لو بيحب، يعني هو ممكن مثلا يبرر لنفسه إللي بيعمله ده لإنك هربتي وإن أهلك جم بياخدوكي غصب عنه، بس برضه ماينفعش أنا لو حسيت إن مراتي مش عايزني، لازم أحترم نفسي وأحفظ كرامتي، لازم أنا كمان مأعوزهاش أرميها وأدوس عليها حتى لو بعشقها، فهماني علشان كده أنا مش متقبل أي حاجة هو عاملها ماعندوش سبب، مجروح بقى أو مكسور الراجل بيطلق مش بيهدد ده شغل ناس مريضة.
ماسة بدفاع تلقائي: بس هو كان بيقولي متمسك بيا علشان عارف إني بحبه بس زعلانه.
مصطفى بعقلانية: ده يخليني أرفض أكتر أفعاله إللي بيحب يا ماسة مش بيأذي، صدقيني مهما حصل أنا راجل أهو لو أنا مكان سليم كنت سبتك، كفاية إنك هتكوني سعيدة حتى لو بعيدة، سعادتك هي هدفي
لكن أهددك بأهلك استغل ضعفك أمال سبت إيه لأعداءك
ماسة بحزن ووجع: هو ده إللى زعلنى منه والله.
تنهدت ماسة وهي تشير إلى حجر ضخم على جانب الطريق: ماتيجي نقعد هنا شوية؟
مصطفى هز بإيجاب: يلا.
جلسا على الصخور، والبحر أمامهما يلمع بضوء الشمس الخافت.
مصطفى متساءل: ماحاولتيش تكلمي أهلك تاني؟
ماسة هزت راسها بلا: هخاف طبعًا أكيد بيراقبهم سألت إيهاب في مرة، قاللي الطريقة الوحيدة نكلمهم من أرقام متهكرة.
مصطفى مد وجهه بإيجاب: ودي محتاجة إيهاب، بس هو مش طايقك دلوقتي.
ماسة بخجل: أنا متضايقة إني ممكن أسببلكم مشكلة مع بعض.
مصطفى بتوضيح: إنا اتكلمت معاه هو متقبل وجودك بس زعلان منك شوية هيسامح، ماتقلقيش.
صمت للحظة قال بتفكير :دلوقتي سليم مسافر، دي فرصة نهدى ونفكر نشوف حل تكلمي أهلك وحل إنك تتخلص من سليم وتطلقي
ماسة بفضول: مسافر؟ فين؟
مصطفى بعدم معرفة:معرفش، بس تقريبًا سافر إمبارح أو النهاردة.
ماسة تبسمت: تعرف؟ لو كنت روحت مع سليم عند الدكتور إللي هو إنت بقى، كنا هانتقابل، ده لو كان اليوم إللي بعد الحفلة عدى بسلام وجتلك.
مصطفى ضحك: وده دليل إن ربنا كان هايجمعنا بأي شكل، وإني مش موجود في حياتك صدفة، يعني وراكي وراكي يا سنووايت الهاربة
ماسة تضحك بخفة: عندك حق.
💞______________بقلمي_ليلةعادل
منزل ندى الرابعة مساءً
كانت ندى تجلس إلى جوار والدتها، مشيرة، أمام التلفاز، يتابعان معًا أحد المسلسلات العربية، حتى قطع ذلك صوت جرس الباب.
نهضت ندى بسرعة:خليكي إنتي يا ماما، أنا هقوم أفتحه.
ارتدت طرحتها بسرعة، وعدلتها على شعرها وهي تتجه نحو الباب فتحت، وكانت المفاجأة.
والدها، فتحي، واقف أمامها وهو يحمل حقيبة سفره.
لقد عاد من قطر.
ارتسمت الفرحة على وجه ندى: بابااا!
اندفعت نحوه وحضنته بشوق: وحشتني أوي، إيه المفاجأة الحلوة دي؟
من داخل الغرفة، نادت مشيرة وهي لا ترى من الزائر:
مين يا ندى؟
ندى بحماس: بابا يا ماما!
دخل فتحي إلى البيت، فقامت مشيرة بسرعة من مكانها، وعانقته قائلة: حمد الله على السلامة، يا فتحي إيه المفاجأة دي؟ كان لسة شوية على الأجازة.
ابتسم فتحي: قلت أجي أشوفكم كده فجأة أشوف عاملين إيه، وأشوف ندى، خصوصًا بعد الكلام إللي سمعته من عمها عبد الرحيم، وخالها زعلانين أوي
سكتت ندى عندما سمعت الجملة الأخيرة، نظرت إليه بإرتباك، لكنها لم ترد.
حاولت مشيرة أن تخفف الأجواء: أستريح يا فتحي والله وحشتنا.
ثم أشارت إلى ندى: ندى، قومي يا بنتي حضري أكل حلو لأبوكي
ندى، وهي تحاول إخفاء توترها: بس كده؟ هعملك أحلى أكل يا بابا
جلس فتحي على الأريكة متنهّدًا.
مشيرة بصوت هادئ لكنه كان مقصودًا تمامًا: الحمد لله إنك جيت، جيت في الوقت المناسب.
فتحي بنبرة حزينة: أنا جاي علشانها، عبد الرحيم كلمني وقاللي إن البت مش طبيعية، لازم نلاقي لها حل؟؟
مشيرة بإحباط: مابتسمعش الكلام، متعلقة بالواد ومش قادرة تبلع إنه طلقها وعندها أمل إنه يرجعها.
حاول فتحي تهدئة الموقف: استني، أريح شوية، وبعد كده، هتكلم معاها.
في المطبخ
كانت ندى تحاول أن تلهي نفسها بتحضير الطعام.
أخرجت مكونات من الثلاجة، وبدأت في غسل الخضروات، والتوتر واضح على ملامحها وهي تنظفها، كانت تهمس لنفسها: يعني لازم تيجي دلوقتي يا بابا؟! كل خططي هاتبوظ, بس يمكن يمكن تساعدني يمكن تكلم مصطفى، يمكن تخليه يرجعني هشوف.
وبالفعل قامت ندى بإتمام إعداد الغداء، وتناولوا الطعام معًا في أجواء عائلية هادئة، ولم يتحدث فتحي معها في أي شيء، كانت ندى تحاول أن تتجنب الدخول في أي حديث، بعد وقت قصير، طلب منها فتحي أن يجلسا في البلكونة لإحتساء الشاي والتحدث قليلًا، الأمر الذي تسبب في توتر الأجواء.
الشرفة
كانت ندى تجلس إلى امام والدها في الشرفة، يتبادلان الأحاديث.
فتحي وهو ينظر إليها مطولًا: إيه بقى يا ست ندى؟ إيه إللي إنتي عاملاه ده؟ فهميني؟!
ندى مدعية الجهل: عاملة إيه يا بابا؟
فتحي وهو يميل بجسده للأمام: إللي إنتي عاملاه مع مصطفى يا بنتي طلقك خلاص فوقي.
ندى وقد أحمر وجهها: هو عيب يعني يا بابا إني أبقى عايزة جوزي يرجعلي تاني؟
أجاب فتحي بهدوء ممزوج بالعتاب: آه يا ندى، عيب، لما جوزك مايبقاش عايزك، وقالها لك أكتر من مرة: أنا مش عايزك يبقى خلاص وبعدين ده مش جوزك.، ده طليقك يا بنتي خلاص، سابك، عارفة لو كنتي لسة على ذمته وبتحاولي، كنت قلت ماشي، مع إني حتى وقتها لازم يبقى فيه حدود حاجة ماتقلش من كرامتك.
سكت لحظة، ثم قال بنبرة صارمة: لكن إللي إنتي بتعمليه دلوقتي، مافيش فيه كرامة، إنتي بتقللي من نفسك.
ندى بصوت فيه رجاء: يا بابا هو طلقني في وقت غضب، طلقني وهو زعلان مني، عشان أنا غلطت، بس هو بيحبني زي ما أنا كمان بحبه، فلازم أفهمه إني اتغيرت، لازم يعرف إنّي لسة بحبه ومتمسكة بيه، لكن لو أنا كبرت دماغي وعملت كأن مفيش حاجة حصلت، هيفتكر إني مش عايزاه، وإني ماصدقت إنه بعد.
رفع فتحي حاجبيه: ماشي يا ندى أنا معاكي، وحاولتي حاولتي قد إيه؟ سنة؟ خلاص يا بنتي، هو مش عايزك خلي عندك كرامة.
ثم أكمل وهو يضغط على كلماته بحسم: لازم تفهمي إني مستحيل أقبل إنك تكملي بالطريقة دي، ولو وصل الأمر إنك ماتخرجيش من باب البيت ده، أنا هعملها، وأوعي تفتكري إن إجازتي قصيرة، إجازتي طويلة، وعندي استعداد أخليها أبدية، لو مارجعتيش عن إللي إنتي فيه.
سكتت ندى للحظة، ثم قالت بهدوء: طب، ممكن أطلب منك طلب؟
فتحي زفر بضيق: إللي هو إيه؟
ندى بتردد: تكلم مصطفى.
ضحك فتحي بسخرية، وهز رأسه: أكلمه علشان يرجعك؟ لو إنتي مستعدة تقللي من نفسك، أنا مستحيل أقلل لا منك، ولا من نفسي، مصطفى راجل محترم، أنا عارفه، وعارف إنه هيقابلني بأدب، وهيقولي حاضر، بس في الآخر، هيقوللي: يا عمي، آسف جدًا، مش هينفع كل شيء قسمة ونصيب، هو قالها لي قبل كده، وقالها لخالك، وقبلها لعمك، ولأمك، وأتصل بيا شخصيًا وقالها لي، عايزة أكتر من كدة إيه؟ كفاية ذل، أوديكي مستشفى تتعالجي من العبط ده.
ندى بصوت مكسور: يا بابا إنت ليه بتهزقني كده؟
رد بسرعة: ماهو إنتي إللي بتقولي كلام يفور الدم!
في تلك اللحظة، دخلت مشيرة على أصواتهم المرتفعة:صوتكم جايب آخر الشارع بالراحة.
فتحى توقف بإستهجان: هي بنتك دي ينفع معاها براحة.
مشيرة،: شفت بقى؟ ده إللي أنا عايشاه، إنت ماكنتش مصدق!
تنهد فتحي، ونظر إلى ندى بخيبة: خسارة يا ندى، أنا مش مصدق إنّك بقيتي كده.
ندى بصوت يائس: أنا بحبه يا بابا بحبه ومش قادرة أنساه.
رد عليها دون أن يلين: أسمعي إنتي هتنسيه، واحد مش عايزك، خلاص بقى، وزي ما قلتلك، لو مابطلتيش إللي بتعمليه ده، وبطلتي تحاولي تكلميه، وسمعت إنك لسة بتحاولي توصلي له،أنا مش هسمحلك تطلعي من باب الشقة دي.
منزل سارة الخامسة مساء
في الريسبشن، جلس عماد على الأريكة، مائلًا برأسه إلى الخلف، وعيناه غارقتان في الفراغ، ملامحه كانت مشدودة، وصدره يعلو ويهبط بغضب مكبوت، كل شيء ضاع، الأسهم، راحت الفلوس تبخرت، وصافيناز، التي تحملها عشر سنين على أمل الاستيلاء على كل شيء، الآن بلا قيمة أما سليم؟ فقد أنتصر.
كانت سارة تتحرك ذهابًا وإيابًا أمامه، خطواتها غاضبة كأنها تدوس على جمر مشتعل، وجهها محتقن، وصوت كعبها يضرب أرضية الرخام بقوة.
ألتفتت إليه، وعيناها تلمعان بالغضب الممزوج بالخذلان: يعني خلاص؟ خلصت كده؟ أنا خسرت عشر سنين من عمري! عشتهم في الضلمة وهي في النور، وأنا ساكتة، وفي الآخر؟ نطلع من المولد بلا حمص؟!
ظلّ عماد صامتًا، وعيناه مغروستان في الأرض وسارة تابعت، كأن شرارة فكرة اشتعلت في ذهنها فجأة توقفت وهي تنظر له: أنا مش هقبل بالهزيمة، بعد كل ده؟، مافيش غير فكرة واحدة، واحدة بس.
رفع عماد عينيه نحوها بإستغراب: إللي هي إيه بقى؟
اقتربت منه، ووجهها صار أقرب لنصل سكين: تقنع صافيناز تبيعلك كل أملاكها.
قفز عماد واقفًا توقف أمامها بنبرة لاذعة: إنتي مجنونة؟! ولا غبية؟! سليم سحب منها كل حاجة! حتى التلاتة في المية بتوع المجموعة راحوا خلاص مافيش غير شوية مشاريع بسيطة ومشروعها ده! والفلوس إللى في البنك عزت هياخدهم هما كمان
هزت سارة رأسها بثقة قال بفخيح افاعي: أنا عارفة بس عزت لسة ماسحبش رسمي كل ده مجرد كلام تهديدات! وهو دلوقتي نايم في المستشفى، غايب عن الدنيا، وهي مرعوبة، إحنا لازم نستغل ده دلوقتي، مش بكرة.
اقتربت منه أكثر، وبصوت بغيض غلفته بحنانٍ زائف: أسمع، تروح حالًا، تقنعها تتنازل لك عن كل حاجة باسمك، أو باسم الأولاد لو خايفة تنصب عليها العقارات، الشركات، حتى مشروعها، ده بيجيب ملايين يا عماد! والمشاريع إللي دخلت فيها من ورا عزت؟ قل لها تبعها لك، عشان الباشا ورجالته ممكن يروحوا يسحبوا النسب في ثانية ده الملك، يا حبيبي، بمكالمة تليفون يشيلك ويحطك.
سكتت لحظة، ونظرت إليه ببطء: ومجوهراتها كمان عايزة أشوفها بتتسحب منها قطعة قطعة صافيناز لازم ماتملكش غير هدومها زي ماسليم عمل.
ابتلع عماد ريقه، وعيناه تهربان منها ثم تعودان:
وتفتكري هتوافق؟
قالت بنبرة قاطعة: هتوافق، لو دخلت عليها صح، قول لها إن ده الحل الوحيد، علشان تمنع سليم والباشا من السيطرة، الحاجة لما تبقى باسمك، محدش يقدر يقربلها ولو مش واثقة فيك، تبقى باسم الأولاد، وإنت الواصي، فهمها، إن الوقت مش في صالحنا صافيناز دلوقتي ضعيفة، مستوية! أضرب على الحديد وهو قايد نار هتكسب صدقني صاحبتي وأنا عارفاها!
ضرب عماد كفه بكفه بغضب، وعيناه تلمعان بحرقة:
بس المجموعة راحت،المجموعة إللي أنا عملت علشانها كل حاجة، دخلت في حروب، وتحالفت مع المافيا علشانها! وفي الآخر راحت! العرش راح حلمي راح
ردت ببرود قاتل: الجبل كله يروح ولا جزء منه؟
حتى لو الجزء ده كان كبير! وبعدين، مين قالك كله راح؟ مايمكن يرجع تاني! هو عزت ولا رشدي هيسيبوا سليم بسهولة؟ ولا حتى فايزة؟ ده لسة الحرب في بدايتها، ولسة فيه كتير هيقع، أسمع مني خلينا ناخد دلوقتي إللي مع صافيناز أما الباقي ده نفكر فيه صح أوعى تنسى إن إريك مهددك.
نظر إليها عماد، وسكت كأن الغليان داخله بدأ يهدأ، لكن بعينين تخططان: فعلًا لازم أعمل كده فلوس صافيناز في البنوك ومجوهراتها، حتى مشروعها كل حاجة لسه على اسمها ودول ملايين
توقف، ونظر أمامه بنظرة باردة،كأنها بداية انتقام جديد.
سارة اقتربت توقفت خلفه وضعت يديها على كتفه من الخلف: المهم إنت هتروح بكرة وتقول لها إن إنت ماقدرتش تسيبها لوحدها في ظروفها دي إنت لازم تثبت حبك ليها، هو ده الوقت إللي الزوجة تعرف فيه جوزها حبيبها إللي بيحبها، ومين إللي بيمثل قولها إن إنت خلصت شغلك مع والدك بسرعة وجيت لها،
عماد تنهد: ماشي هعمل كده أنا هكلم بابا عشان أظبط معاه هو وماما، وأخلص شوية شغل، يا ريت بقى تحضري الغداء لإني جعان وعايز أكل من إيدك النهاردة
سارة بإبتسامة بس كده عيوني.
وبالفعل، بدأت سارة في تحضير الطعام، بينما كان عماد يجري بعض المكالمات. تناولا الطعام معًا، ثم توجه عماد إلى المكتب، في حين ذهبت سارة إلى غرفة النوم.
(بعد قليل )
غرفة النوم
دخلت سارة الغرفة، بخطوات ثابتة، توجهت إلى خزانة الملابس، فتحتها ببطء ثم حركت جانبها الأيسر لتكشف عن خزنة صغيرة مخفية، أدخلت الرقم السري دون تردد، وما إن انفتح الباب حتى مدت يدها وسحبت مجموعة من الأوراق.
جلست على الفراش، وأخذت تقلب الأوراق المكتوبة باللغة الإنجليزية بعينين حادتين ابتسمت، وغمغمت بصوت خافت فيه شيء من التحدي: شكلنا هنلعب قريب
فلاش بااااك.
قصر الراوي
الحديقة الخامسة مساءً
كانت سارة تجلس على المقعد الخشبي بجوار صافيناز، بينما يلعب الأطفال في الحديقة أمامهما وسط ضحكات بريئة، الجو هادئ، والنسيم يحرك أطراف الأشجار بلطف.
سارة وهي تنظر لأبناء صافيناز: ما شاء الله ولادك كبروا خالص! برده مصرة ماتجيبيش بيبي تاني؟
صافيناز تضحك: لا يا ستي، أنا كدة مرتاحة.
سارة بإبتسامة ماكرة: أنا مسافرة أمريكا، يمكن الأسبوع الجاي أو إللي بعده، ما تيجي معايا؟ عايزة أحضر أسبوع الموضة هناك.
صافيناز: لا لا، مش هينفع دلوقتي خالص.
سارة تغير نبرتها: بقولك إيه، الدكتور إللي كنتي بتابعي معاه في أمريكا، كويس؟
صافيناز بدهشة: يا نهار أبيض إنتي حامل؟!
سارة وهي تضحك: هحمل منين بس؟! لا، تعبانة شوية وعايزة أعمل شوية تحاليل وأتابع هناك.
صافيناز: آه آه، ده دكتور ممتاز، هبعتلك اسمه واسم المستشفى، نفس المكان إللي أنا ولدت فيه.
سارة بإبتسامة خبث: فعلاً؟ طب حلو ده، شكراً يا صافي.
وأخذا يتبادلون الأحاديث لوقت ثم تنهض سارة وتستعد للمغادرة، وبينما تمر بجانب الأطفال، تنحني لتقبل أحدهم وتربت على رأسه بقوة.
الطفلة بالم: أه يا طنط! وجعتيني!
سارة تضحك:أنا عملتلك إيه؟ بسلم عليكي بس! بنتك ممثلة زيك يا صافيناز.
صافيناز بنظرة حادة: مريم! يووك، طنط بتسلم عليكي.
تبتعد سارة قليلًا، ثم تخرج منديلاً ورقيًا وتلف فيه بعض خصلات الشعر التي علقت بيدها، تدسه في حقيبتها وتغادر.
عيادة الطبيب، بعد أسبوعين
جلست سارة أمام الطبيب، تتابع نظراته وهو يطالع ورقة التحاليل.
الطبيب: النتيجة واضحة، مش ولاده.
عقدت حاجبيها، ثم ابتسمت شعرت بإنتصار داخلي.
منزل سارة
غرفة النوم، مساء اليوم نفسه
كانت سارة ترقص بخفة وهي ترتدي جلابية بلدي، تتحرك بين أرجاء الغرفة بابتسامة لا تغادر وجهها كان عماد يجلس على طرف الفراش، يرتدي روب منزلي مفتوح، يتابعها بنظرات عاشقة، وعينين يملؤهما الشوق اقترب منها يشاركها الرقص، يحتضنها ويغمرها بشوق يشبه الجوع بنظرات مستثارة.
سارة تضحك وهي تبتعد: أستنى بقى.
عماد بحاول تقبيلها: أستنى إيه؟ وحشتيني!
سارة: أنا عايزة أسافر أمريكا.
عماد يتفاجأ: أمريكا؟ ليه؟
سارة بدلال أحاطت بذراعيها حول رقبته: فيه أسبوع الموضة هناك، هسافر أسبوع واحد بس، وأسيب الأولاد عند ماما.
عماد بعد تردد: طيب.
تبسمت سارة بدلال وهي تداعب أنفها بأنفه: بموت فيك يا عمدتي
امريكا/ مستشفى خاص العاشرة صباحا
دخلت سارة بهدوء إلى بهو المستشفى الواسع وقفت أمام مكتب الاستعلامات، ثم اقتربت من إحدى الموظفات الجالسات خلف الزجاج،كان مظهر سارة مختلفًا تمامًا: باروكة شقراء، عدسات لاصقة ملونة، حسنة بارزة على خدها، ونظارة ذات إطار سميك، مدت بطاقة تعريفها بصفتها معالجة نفسية، وابتسمت بخفة.
الجدير بذكر أنها خريجة علم النفس من جامعة الأمريكية بالقاهرة رغم انها لا تعمل في هذا المجال لكنها احتفظت بالبطاقة القديمة، ويبدو أنها كانت تعرف جيدًا متى وأين تستخدمها.
سارة بنبرة مهذبة بالإنجليزية: أود الاستعلام عن حالة مريضة كانت هنا منذ نحو ٧سنوات، اسمها: صافيناز الراوي كانت قد أنجبت في هذا المستشفى، أنا طبيبتها النفسية، وأرغب في الإطلاع على ملفها الطبي، إن أمكن.
تصفحت الموظفة شاشة الحاسوب، ثم رفعت نظرها في استغراب: عذرًا، لا يوجد أي سجل لدينا بهذا الاسم.
سارة بذهول: كيف ذلك؟ مستحيل أنا واثقة أنها أنجبت هنا تحديدًا هل تتخلصون من الملفات القديمة؟
الموظفة: لا، نحن لا نتخلص من الملفات الطبية إلا بعد مرور خمسة وعشرين عامًا.
سارة: إذن أبحثي باسم آخر. جربي: صافيناز عماد زيدان أو ربما باسم الطفلين: مريم وزين توأم وأن الأم تحمل الجنسية التركية والأمريكية أيضا الأب أيضا مصري.
الموظفة: حسنًا، سأحاول مجددًا.
ذهبت الموظفة إلى غرفة الأرشيف. دقائق مرت قبل أن تعود تحمل بين يديها ملفًا.
الموظفة بهدوء: وجدت هذا السجل باسم صافيناز عماد زيدان.
تناولت سارة الملف سريعًا، وقلبت صفحاته بعينين متسارعتين كلمات مزوّرة توحي بالمثالية، لكن شعورًا غامضًا بداخلها أخبرها أن شيئًا غير مطمئن يختبئ خلفها.
سارة بهمس لنفسها: لا هناك شيء غير صحيح.
صمتت للحظات بتفكير ثم رفعت رأسها بتساؤل: هل الدكتور إدوارد، الطبيب المتابع لحالتها، لا يزال يعمل هنا؟
الموظفة: نعم، بالطبع بإمكانك مقابلته إن رغبتي.
بعد دقائق، مكتب الطبيب إدوارد
دخلت سارة إلى المكتب جلس إدوارد خلف مكتبه الأنيق، يرمقها بإبتسامة متحفظة
سارة بنبرة مباشرة: حضرتك كنت الطبيب المعالج لصافيناز الراوي، أليس كذلك؟
إدوارد مرتبكًا: صافيناز، الاسم غير مألوف.
سارة بحدة وهدوء: أرجوك لا تدعي النسيان أنا واثقة إنك كنت تتابع حالتها صافيناز الراوي لا يوجد غيرها في ذلك الكوكب، عشرة آلاف دولار، هل ينعش ذلك ذاكرتك؟
إدوارد: عذرًا؟!
سارة تفتح حقيبتها وتخرج رزمة نقود: خمسون ألف دولار، فقط أخبرني بالحقيقة، لا تخبرني بما هو مسجل في السجلات، لأنني واثقة أنه ليس حقيقيًا، أنا متأكدة أن الطفلين ليسا طفليها، وأن شيئًا ما تم تزويره، وصدقني، إن لم تتكلم، لدي ما يكفي لفضحك، فيديو صغير فقط، ينهي عملك هنا وفي أي مشفى آخر، وأعتقد هذا لا يرضيك، أنا أريد معلومة واحده فقط، لا أكثر وسأخرج من هنا وكأننا لم نلتقي من قبل.
إدوارد ينظر إليها مترددًا، ثم يتنهد: السيدة صافيناز الراوي، بالطبع أعرفها، كانت حالتها خطيرة جدًا أثناء الولادة، حدث معاها نزيف حاد والطفلان توفيا فور الولادة وقد تم استئصال رحمها بالكامل.
نهض واتجه إلى خزنة صغيرة خلف المكتب فتحها وأخرج ملفًا مختلفًا عن السابق، ناوله لها
سارة تتناول الملف، تتصفحه، ثم تضحك بسخرية: كنت أعلم أن هناك ملفًا مخفيًا، فعلت هذا كثيرًا، أليس كذلك؟
إدوارد بخضوع:ما بيني وبين السيدة صافيناز قد أنتهى، طلبت مني أن أدون في التقرير أنها أنجبت توأمًا، وأن حالتها كانت مستقرة، وأعطتني خمسون ألف دولار مقابل ذلك.
سارة بإبتسامة ذات مغزى: حسنًا، وأنا لا أحتاج إلى أكثر مما سمعته، دكتور إدوارد شكرًا لك، لقد كنت مفيدًا جدًا.
أبتلع إدوارد ريقه يترقب: ألن تخبريني ما الذي تملكينه ضدي؟ ما هذا الفيديو؟
ضيقت سارة عينيها بإبتسامة هادئة وهي تنهض: أي فيديو؟ أنا لا أملك شيئًا ضدك، هذه أول مرة أراك فيها، كنت فقط أُجيد اللعب بالكلمات لكي أوقع بك فقط كانت كذبة نافعة باااااي.
تغادر سارة، وتغلق الباب خلفها بينما ظل الطبيب جالسًا، يتصبّب عرقًا
خرجت سارة من المبنى، وصعدت إلى السيارة، وهي تفكر وتشعر بالرضا.
لقد أصبحت تملك الكثير من المعلومات، لكن معلومة واحدة ما تزال تنقصها: من أين جاءت بتلك الأطفال؟ وكان لا بد لها من الذهاب إلى مكان آخر، للبحث عن الجواب.
مكتب تسجيل الولادات، الثانية عشر ظهراً
دخلت سارة إلى مبنى حكومي صغير، تتدلى فوق بابه لافتة قديمة كتب عليها:
"سجلات المواليد Vital Records".
كانت ترتدي نظارة داكنة تخفي بعض ملامحها، وتتحرك بخطى ثابتة هادئة، تحمل في يدها بعض الأوراق والصور.
تقدمت نحو الشباك الزجاجي، حيث جلس موظف خمسيني، بدت على وجهه علامات الملل وروتين العمل.
أخرجت من حقيبتها صورة حديثة لطفلين توأم، ومدتها إليه.
سارة بهدوء رسمي: من فضلك، أحتاج إلى البحث في سجلات الولادة عن طفلين توأم، وُلدا منذ نحو سبع سنوات، ولد وبنت، أعتقد أنهما ولدا هنا في مشفى قالت اسم المشفي، وربما سجلا بأسماء مختلفة ثم تغيرت لاحقًا.
نظر إليها الموظف بريبة، ثم سأل: هل أنتِ من أقاربهما؟
أخرجت سارة بطاقة تعريفها المهنية من محفظتها ومدتها له بهدوء: أنا معالجة نفسية أتابع حالة أسرية شديدة الحساسية، وهذه المعلومات قد تساعدني في فهم بعض الملابسات النفسية المتعلقة بالطفلين، كل ماطلبه هو الإطلاع على بيانات المواليد المسجلين في هذا التاريخ.
تمد له الورقة التي تحمل تاريخ ولادة صافيناز:
الموظف بعملية: سأرى مايمكنني فعله، لكن إن وجدت بيانات، فلن أتمكن من إعطائك سوى المعلومات العامة فقط.
هزت راسها بإيجاب، غاب خلف باب جانبي، تاركًا سارة واقفة، تتأمل الصورة بين يديها، وعيناها غارقتان في تساؤلات مثقلة
بعد دقائق، عاد يحمل ملفًا ورقيًا صغيرًا، فتحه وبدأ يتصفحه، ثم قال: نعم لدينا حالة توأم ولدا في التاريخ ذاته، الاسم الأول للفتاة كان ليليان دايفز، وللصبي مايكل دايفز، الأم البيولوجية المسجلة تدعى "آنا دايفز" لكن بعد يومين فقط، تم تقديم طلب رسمي لتغيير اللقب إلى "زيدان".
رفعت رأسها ببطء، تنظر إلى الموظف أضافت: هل يعني هذا أن الطفلين لم يسجلا باسم زيدان منذ البداية؟
الموظف: بالضبط، هما ولدا باسم "دايفز"، ثم تمت إجراءات التبني وتغيير الاسم بعد يومين فقط،لكن الملف الأصلي دائمًا يحتفظ به، ولا يحذف وهذه قاعدة قانونية.
ساره نظرت له: أشكرك جزيلاً.
كانت تلك الثغرة الصغيرة كافية لتفتح ثقبًا واسعًا في قصة صافيناز المحكمة، يبدو أن تغيير الاسم في شهادة الميلاد الأصلية لم يكن من أولوياتها، ربما ظنت أنه لن يبحث أحدًا، طالما المستشفى مسجل، والأوراق القانونية تبدو سليمة، أو لعلها فقط، استهانت بذكاء الآخرين، وبذلك أصبحت سارة تمتلك كل المعلومات التي تجعلها تسحق صافيناز.
باقي الفصل التاني👇
بااااك
جلست سارة على طرف الفراش تتصفح الأوراق، والذكريات تتدفق مع ابتسامة خفيفة تكشف لحظة إدراكها للحقيقة وانكشاف السر.
همست لنفسها بإبتسامة خفيفة خبيثة: بس تمضي وتبيعي كل حاجة لعماد وساعتها، هخليه يقلب عليكي وهعرف أوجعك منين.
أغلقت سارة الأوراق وخبأتها في الخزنة بإحكام، عادت إلى السرير هادئة على وجهها ابتسامه خبث
مستشفى المواساة.
مكتب محمد، الرابعة مساءً.
جلسه محمد المقعد الامامي وامامه مصطفى يتبادلون الأحاديث.
محمد بصوت منخفض: بص يا مصطفى، أنا عمري مادخلت نفسي في حياتكم، بس انت أخويا، ومش شايف نفسي مجرد صاحب ليك،البنت دي وجودها معاكم أذى.
ارتسمت على وجه مصطفى ابتسامة مستنكره: أذى؟ يعني لما كانت مرات إسماعيل، ظابط أمن الدولة، ماكانش فيه أذى؟
تنهد محمد وقال بحزم: إنت عارف كويس إني كنت رافض إنك تقف معاه، من البدايه، عندي فكره، نجيبلها شقة بعيد، ونشوفلها شغل في مكان تاني بعيد عنكم، كدة يبقى عملنا معاها حركة جدعنا مسبنهاش، وأمنا نفسنا، ونقطع العلاقة خالص بيها، و ربنا يتولاها.
هز مصطفى رأسه ببطء: أنا مش هعمل كده، أنا وعدتها، ومش هخذلها.
نظر له محمد مطولًا وقال بريبة: أوعى تكون حبيتها يا مصطفى.
رد بحزم: الموضوع مش كده، بس ماينفعش أسيبها لوحدها، في قوة إنسانية بتخليني واقف جنبها، حتى لو كله شايف إنه غلط.
وقف فجأة وقال: أنا ماشي، عندي عيادة دلوقتي.
ظل محمد يتأمل خطواته وهو يبتعد، ثم تمتم بحزن: بتضيع نفسك يا صاحبي، وأنا مستحيل أقبل ده
فيلا، صافيناز، السادسةمساء
الصالون
جلست صافيناز على الأريكة الجلدية، تبدو متوترة وهي تحرك فنجان القهوة بين يديها دون أن تشرب.
دخل عماد بهدوء، متأملًا ملامحها القلقة، ثم جلس قبالتها.
عماد بنبرة هادئة:أخبار الباشا إيه؟
صافيناز بضجر: خرج النهاردة كويس الحمد لله، بس متخيل؟ مش عايزني أدخل القصر! روحت أزوره في القصر، اتفاجأت إنه مدي أوامر عند البوابة إني ممنوعة من الدخول! مامي كلمتني وقالتلي معملش مشاكل، بس أنا متعصبة ومش طايقة! أنا هتجنن يا عماد، وإنت سايبني كده؟ مش وقتك تروح تشوف شغل باباك؟!
عماد بهدوء وقلق ظاهر: أنا لازم أشوف شغل بابا، ده إللي هيعيشني بعد ماخسرنا كل حاجة، ولسة هنخسر كمان.
صافيناز رافعة حاجبيها بقلق: تقصد إيه؟
عماد بجدية: الباشا خرج من المستشفى، يعني على أول الأسبوع الجاي لما يرجع المجموعة هيكلم، المحامي يسحب منك كل حاجة زي ما قالك، ومش بعيد كمان يسحب الفلوس حتى المشاريع إللي دخلتي فيها، من الباطن هيكلم أصحابها، ويقولهم يلغوا أي شغل معاكي، ماتنسيش ده الملك، وكل واحد من دول نفسه يخدمه، وإنتِ دلوقتي ولا حاجة. الباشا رفع عنك الحماية.
صافيناز بهمس مرتبك: دي تبقى كارثة لو حصل كده، ومش شرط الباشا، ممكن يكون سليم يعملها لإنه دلوقتي متضايق مني وأقسم ليورينى أسود أيام حياتي.
عماد بخبث: بالضبط! سليم خلاص أعلن الحرب ضدك ومين في السوق سواء الداخلي أو الخارجي يرفض خدمة سليم الراوي أمير امبراطورية الراوي الجديد.
صافيناز بتوتر: طب والحل يا عماد؟
مال عماد بجسمه للأمام، بصوت خافت بفحيح أفاعي: وأنا هناك فكرت، الحل الوحيد إنك تنقلي لي كل حاجة باسمي أو اسم الاولاد لو يعني ماعندكيش ثقه فيا.
صافيناز: إزاي؟
عماد بثقة وخبث: تبيعيلي أنا أو للأولاد كل حاجة بيع نهائي وأنا أبقى الوصي عليهم وقتها لا الباشا ولا سليم يقدروا يعملوا حاجة، لأن كل حاجة هتكون باسمي قانونًا.
سكت لحظة، ثم تابع بنبرة خبيثة كفحيح الأفعى: أما الأسهم تبيعيها لطرف تالت أي اسم تثقي فيه، لأن اسمي أنا كمان ممكن يتوقف لكن لو شخص غريب، ياخد الأسهم وتتسجل باسمه، وإنتِ تاخدي منه وصولات أمانة بأرقام كبيرة تكون متباع علينا بشكل تاني.
صافيناز بتردد: بس أنا مابثقش في حد أثق في مين؟
عماد بدهاء: نفتح شركة جديدة بأسم وهمي الشركة دي تبقى ملكك من الباطن، بس الواجهة شخص تاني وساعتها كل حاجة تتسجل باسم الشركة، ولو حد سأل، قولي كنتي محتاجة كاش عشان أكبر المشروع بتاعي وخلاص.
صافيناز بإعجاب: فكرة بمليون جنيه يا عماد بس تفتكر يعني لو دور مش هيلاقي حاجة ورانا.
عماد بحسم: هنرتب لها صح، وبعدين يوم ما الباشا يعمل حاجة مش هيعرف يحول كل حاجة باسمه، لإن دي مملوكة ليكي، هم آخرهم هيلغوا معاكي الشغل وهيدوكي نسبتك، والمجوهرات، لازم تخبيها في مكان ما حدش يعرفه.
صافيناز: أنا سبت لبسي وحاجتي هناك، عشان يعرفوا إني راجع.
عماد: بس المجوهرات؟ لأ، دي لازم تيجي هنا فورًا ممكن الباشا ياخدهم ويقولك دي ملكي كل حاجه ممكنة يا صافي.
صافيناز متوترة: عندك حق، كل حاجة دلوقتي بقت مخيفة، أنا هكتبلك كل حاجة باسمك، لحد مانعدي الفترة دي.
عماد بلهجة صارمة: يبقى بكرة نبدأ نعمل كل ده، قبل ما الباشا ياخد أي خطوة ويارب مايكون خدها خلاص.
مسك إيديها نظر داخل عينيها: صافي شكرا لإنك بتثقي في كل الثقة دي
صافيناز بحب: أنا مابثقش إلا فيك يا عماد أنا بحبك
عماد ضمها إليه: وأنا كمان.
قصر الراوي
الصالون، الثامنة مساءً
تدخل نانا بابتسامة واثقة من باب القصر وهي ترتدي فستانًا أنيقًا، وتحمل في يدها باقة ورد فاخرة، تقدمت بخطوات ثابتة، أومأت بإبتسامة قصيرة للخادمات اللواتي قابلنها في الردهة، وكأنهن كن في انتظارها وفي موعد سابق، صعدت الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي حيث جناح عزت.
غرفة عزت وفايز
في الداخل، كان عزت مستلقيًا على الفراش، تحيط به أجواء من الهدوء، إلى جانبه فايزة تجلس على المقعد الهزاز، تقلب صفحات هاتفها بلا اهتمام.
طرق الباب، ودخلت الخادمة: فايزة هانم نانا هانم وصلت.
عزت رافعًا عينيه باستغراب، بينما فايزة متوقفة عن النظر في الهاتف: خليها تدخل
ثم نظرت لعزت موضحة: كلمتني من شوية وقالت إنها جاية،ونسيت أقولك، سوري.
نظر لها عزت بضجر مكبوت، جز على مقدمة أسنانه لكنه يحافظ على ثباته.
دخلت نانا بإبتسامة رقيقة، وهي تقدم له الباقة: عزت باشا، ألف سلامة على حضرتك، والله كل الناس زعلانة على حضرتك وبتسأل عنك.
عزت بإبتسامة باهتة: ميرسي يا نانا، اتفضلي.
فايزة بهدوء: نتالي، شوفي نانا هتشرب إيه.
نانا وهي تعطي الباقة للخادمة: ممكن قهوة مظبوطة لو سمحتي.
هزت الخادمة رأسها وخرجت.
نانا بلهجة مهتمة: وحضرتك أحسن دلوقتي ولا إيه؟
عزت بهدوء: الحمد لله وهرجع للمجموعة الأسبوع الجاي.
نانا بإبتسامة: حقيقي المجموعة مظلمة من غيرك يا باشا، وإن شاء الله ترجع وتنورنا تاني.
رن هاتف فايزة، فنهضت لتجيب على المكالمة في الخارج، وهي تقول: مكالمة مهمة دقيقة وراجعة.
وما إن أُغلق الباب، حتى نانا تتحرك بخفة نحو عزت، وتنحني لتحتضنه، هامسة بصوت متهدج بشوق:
حبيبي، حمد لله على السلامة. أنا خفت عليك أوي، كنت هموت من القلق عليك.
عزت منتفضًا، دافعًا يديها قليلًا: إنتِ بتعملي إيه؟ إنتِ اتجننتي؟ ممكن في أي لحظة حد يدخل، أقعدي مكانك،وإيه إللي جابك؟
نانا بحدة ممزوجة بالعاطفة: إيه الكلام ده؟ أنا مراتك، وقبل ما اكون مراتك أنا حبيبتك،كنت لازم أبقى جنبك.
عزت بلهجة صارمة متوترة: أنا مش هقول تاني، أرجعي مكانك وأعقلي،لما أخف هجيلك، لما الدنيا حواليا تهدى والكوارث تتحل.
نانا بإصرار وهي تلامس وجهه: الكارثة هتتحل يا حبيبي، بس إنت ارتاح وصحتك تبقى بخير، أوعى تزعل نفسك تاني وحياتي عندك.
وأثناء اقترابها منه، تداعب بخفة وجهه، لمحت ظلًا خفيفًا عند باب الغرفة، شخص كأنه تقدم خطوة ثم تراجع، عيناه ألتقطتا شيئًا، وملامحه أوحت بأنه رأى ما لا ينبغي؟! عندها ارتسمت على وجه نانا ابتسامة خبيثة وكأن ما حدث جزء من خطة لم تكن في الحسبان.
عزت منفعلًا: أرجعي مكانك ماتعمليش مشكلة!
نانا وهي تتراجع بهدوء: حاضر أنا بس كنت بطمن عليك، بحبك وبخاف عليك، أعمل إيه؟
عزت بحسم: ماتعمليش حاجة تشربي قهوتك وتمشي، وأوعي تعملي إللي عملتيه ده تاني، فاهمة؟
نانا بخضوع: أمرك.
جلست في مقعدها، بعد ثواني فتح الباب وتدخل الخادمه وخلفها فايزة بإبتسامة هادئة.
قدمت لها الخادمة القهوة ورحلت بدأت نانا تحتسي القهوة، ثم رفعت عينيها نحو فايزة: حضرتك هترجعي للمجموعة ولا؟
فايزة بنبرة عملية: لا، هرجع مع الباشا، وبعدين إنتِ سكرتيرته هو، أنا ليا سكرتيرة خاصة؟ أنا عارفة إن عزت وسليم مدلعينك أوي، وعارفة تفاصيل كتير وبتتعاملي كإنك مديرة بس أنا بحب التخصصات أكتر.
نانا بابتسامة ساخرة: مافيش أجمل من التخصص.
ثم تابعت وهي تضع الفنجان وتنهض من مكانها: طب أنا أطمنت عليك يا باشا، إن شاء الله تقوم بالسلامة ألف سلامة على حضرتك، بعد إذنك يا هانم.
خرجت نانا بهدوء بينما بقيت فايزة ملامحها هادئة جدا كان عزت ينظر لها بشكل خبيث، يحاول أن يتأكد هل رأت شيء أم لا لكنها كانت عادية يبدو أنها ليست من رأت..
تنهدت فجأة فايزة بملامح مشدودة: أنا جالي مكالمة مش لطيفة خالص.
عزت متجنبًا النظر إليها: مش عايز أعرف دلوقتي.
فايزة بإصرار: لا، إنت لازم تعرف، صافيناز الغبية باعت كل حاجة لعماد، حولت كل فلوسها باسمه، وعملت لعبة غبية، فاكرين إن إحنا مش هانفهمها. شركة جديدة باسم مستعار، وباعت لها كل حاجة كانت مشتركة فيها، طبعا باسم عماد واخذت كل المجوهرات كمان يعني بتحاول تأمن للي معاها قبل ما تسحبه منها.
عزت بهدوء غامض: جميل سيبيها.
فايزة بدهشة: إنت مش هتعمل حاجة؟
عزت بهدوء متعمد: فيه حاجات عندنا أهم محتاجة تركيز، وبعدين نفوقلها، دي صافيناز وعماد، وهو كدة كدة عماد خلاص بيحرق نفسه هو أنا هعرف إزاي أنهيه.
منزل مصطفى الخامسة مساءً
نبيلة وعائشة كانتا في المطبخ تحضران الأطباق، بينما إيهاب كان في غرفته، ومصطفى يتابع التلفاز بصمت.
رن جرس الباب نهض مصطفى ليفتح، فإذا بماسة تقف أمامه.
ماسة: مساء الخير.
مصطفى مبتسم: حماتك بتحبك!
ماسة ضحكة خفيفة: مثال غلط جدآ.
مصطفى بمزاح: ما هي ممكن تكون واحدة تانية عادي.
ماسة وهي تضحك: ولا واحدة تانية ولا تالتة كفاية كدة.. ميرسي، بقولك إيه؟
مدت يدها بكيس: جبتلكم تين شوكي، علشان عارفة إن عائشة بتحبه.
مصطفى وهو يأخذه منها: طب تعالي اتغدي معانا.
ماسة: لأ، ألف هنا، أنا جايبة غدايا.
نبيلة من المطبخ: أسمعي الكلام يا ماسة، وسيبيه لبكرة، يلا تعالي خشي!
دخلت ماسة، وأثناء ماوضعت حقيبتها رفعت النقاب.
ماسة بضيق: أنا بفكر أمشي من المكان إللي بشتغل فيه وأشوف أي مكان تاني أي حاجة إنت عارف أنا مش بيفرق معايا نوعية الشغل إيه؟!
مصطفى ألتفت لها متعجبا وهو يضيق عينه: ليه؟
ماسة زفرت بضيق: ايناس حاطاني في دماغها جامد، ولا دكتور ممدوح، ده خصملي يومين عشان اتاخرت عليه في القهوة، هو أنا الساعي بتاعه، مش أول مرة، وبيتعامل معايا بتعالي بأسلوب وحش، بيفكرني بناس أنا مش عايزة افتكرهم.
مصطفى بهدوء وعقلانية: بصي، لازم تفهمي إن أي مكان فيه الكويس وفيه الوحش وإنتِ بذكائك تقدري تتجنيي الوحش، لازم تتعلمي إزاي تتعاملي مع ناس زي إيناس وممدوح وغيرهم دول كتير.
ماسه وهي تحك في جبينها بحيرة: مش عارفة.
اقتربت عائشة، ألتقطت حبة تين شوكي وقالت:
تسلم إيدك على التين. (أخذت قضمة) طعمه حلو أوي!
نبيل: ماتاكليش! أستني لما نتغدى.
عائشة: مش قادرة أستنى
ماسة بابتسامة: ألف هنا، أول ماشفت الراجل إللي بيبيعه، افتكرتك على طول.
مصطفى بضحكة: طب ماجبتلناش معاه ليه؟ دي ممكن تخلص عليه كله في ثواني.
ماسة بهمس: ماهو معايا شوية في الشنطة هشش.
عائشة مازحة: على فكرة، أنا سمعتكم!
ضحكا للجميع
جلس الجميع حول مائدة الطعام.
مصطفى: أسمعي الكلام، وخليكي في الشغل، وأنا معاكي، ولو حسيتي إن المكان مش مناسبك خالص هشوفلك شغل في مكان تاني كويس.
ماسة بإبتسامة ممتنة:ماشي.
عائشة وهي تضحك: أو جبيلهم سليم.
ماسة وهي تبتسم: إنت بتقوليها بتريقة طب أقسم بالله سليم لو عرف إللي بيحصل معايا ليدفنهم صاحيين.
نبيلة بحنان وعقلانية: والله العظيم الراجل ده فيه شوية صفات سكر، بس ربنا يهديه مش عارفة ليه أنا مش عارفة أزعل منه، من إللي عمله معاكي في آخر فترة، السنين الأولي إنتي بتقولي إن هو رجل 10على 10، إنتي عارفة لو بنتي هخليكي معاه ومش هخليكي تطلقي، بس هعرفك إزاي تجيبي حقك منه؟!
عائشة بتعجب: إنتي بتقولي كده يا ماما إن إنتي أكتر واحدة عشتي وقاسيتي جزء من إللي عاشته ماسة
نبيلة باعتراض عقلاني: لا عبد الحميد مش زي سليم عبد الحميد من يوم ما خدته الله يهديه ويصلح حاله ويسامحه ماشفتش معاه يوم عدل، خيانة وبهدلة وقلة قيمة وظلم، لكن سليم كان كويس ماتغيرش كده غير في الآخر، وكان علشان مريض وكان عايز يتغير، غير أن أهله ناس وحشة وعايش في مكان وحش وهما سبب في كل البلاوي إللي حصلتلكم.
ماسة بتعجب: وماكنتش هتخليني أسيبه ليه بقى يا ماما؟!
نبيلة بعقلانية: مش هخليكي تسيبيه علشان عارفة إنه بيعشقك وبيتمنالك الرضا بس هو محتاج مسايسة، محتاج ست ذكية تعرف تتعامل معاه صح وأنا كنت هعلمك تحطيه كدة خاتم في صباعك وهخليكي ترجعي له بشروطك ولازم يمشي على الشروط دي لا تظلميه ولا يظلميك.
مصطفى بتهكم بمزاح: علمي بنتك الأول إللي تقلانة على محمد ومجنناه.
نبيلة: عائشة بس تخلص الامتحانات إللي عليها وأنا هروقلها، يلا كلوا.
فجأة نادت من على المائدة: إيهاب! إيهاب! تعالي !
خرج إيهاب من غرفته. وما إن وقعت عيناه على ماسة الجالسة حتى قال بهدوء: لأ أنا مش هاكل. بعدين.
نبيلة بتعجب: ده إنت كنت جعان وبتقولي خلصي بسرعة!
إيهاب: هاكل في الأوضة لوحدي.
شعر ماسة بلاحراج نهضت بهدوء وب: طب أنا هطلع بقى الشقة.
مصطفى: ماسة أقعدي.
ماسة بلطف: لأ خلاص، مش هينفع، والله علشان خاطري.
نبيلة بحنان: يابنتي أقعدي! عيب كده، هتقومي من على الأكل؟
ماسةمافيش مشكلة بصي، أمسكت الطبق (وضعت بعض الطعام فيه) أهو، خدت أكل، هطلع فوق، أنا أصلاً تعبانة وعايزة آخد شاور وأنام.
خرجت ماسة مسرعة.
الجميع شعر بالتوتر، خاصة بعد تصرف إيهاب.
جلس إيهاب بهدوء على الكرسي وبدأ بتناول الطعام
مصطفى بحزم: ينفع إللي إنت عملته ده؟
إيهاب متعجبا وهو يمضغ الطعام: أنا عملت إيه؟ بتدخلوها هنا زي ما إنتم عايزين، وأنا ماقلتش حاجة ولا حتى قلت لكم تمشوها! بس مش هقعد مع حد انا مش حبه
عائشة: طبيعي يعني يا إيهاب لما تلاقيك مش عايز تاكل علشان هي موجودة، تعمل كده.
إيهاب بضيق: هو المطلوب مني أقعد كمان معاها غصب عني؟ أنا مش عايز أقعد معاها يا جماعة أعمل إيه؟
مصطفى بهدوء تنهد: ماتعملش حاجة، إنت صح، أمي، أمسكي نفسك شوية لحد ما إيهاب يفك ماتفضليش تعزمي عليها تدخل أو تاكل معانا طول ما إيهاب هنا.
نبيلة بهدوء: حاضر يا ابني.
قصر الراوي
السفرة السابعة مساءً
نرى فايزة تجلس على طاولة العشاء والخدم يضعون الطعام لكن كان هناك صحن لها وصحن آخر فقط، بعد قليل أقترب رشدي.
رشدي: hello
جلسه في مقعده نظر من حوله؛ أمال فين الناس؟!
فايزة: ياسين رجع فيلته هيقعد كم يوم ويرجع تاني فريدة حابة النهاردة تخرج تتعشا وطه ومنى معزومين عند رفعت.
رشدي وهو يتناول الطعام: أوكيه والباشا كويس.
فايزة: في تحسن
هز رشدي راسه وبدأ في تناول الطعام في صمت
بينما فايزة تتابع رشدي بنظرات متفحصة وهو يتناول الطعام بهدوء غير معتاد فهو لم يفعل شيء منذ معرفته بما فعله سليم!؟ هادئ يقوم بفعل نفس الأشياء التي اعتاد أن يفعلها السهر الخروج كأن شيئا لم يكن؟! وهذا كان مثير للإنتباه ليس لفايزة فقط بل للجميع
ألتفت لها فجأة رشدي متسائل: إيه؟ مالك بتبصيلي كده ليه وحشتك؟
فايزة: مستغربة الهدوء إللي إنت فيه مش شبهك.
رشدي بإبتسامة ساخرة: المطلوب إيه؟ أهاجم الحيطان؟ طول ماسليم عامل الوصية دي، حتى لو مات مش هاخد حاجة مش هينفع أتحرك دلوقتي.
فايزة بخبث: يعني ناوي تفضل ساكت بعد ما سليم أخذ كل أسهمك؟
رشدي بهـدوء بارد: ساكت، لحد ماييجي الوقت إللي أرد فيه، دلوقتي ماينفعش أعمل حاجة بعدين الأسهم لسة ملكي، ومش هتبقى ملكه غير لما يموت مقتول. فادلوقت لازم أحافظ على حياة أخويا حبيبي، عشان نصيبي يفضل في إيدي، صافيناز هي إللي طار نصبها.
فايزة بشك: أنا مش مطمنالك.
رشدي بابتسامة بها نبرة ساخرة: أطمني لحد دلوقتي شيطاني واخد له قرص منوم، مش عارف هيصحى إمتى ولا هيخليني أعمل إيه؟! إبنك قفلها، وأنا مستني أشوف رد فعل الحج إللي مجلوط فوق، وأختي الحرباية، وإنتِ يا أمي يا حبيبة قلبي، أصل أنا متأكد إن إنتم مش هتسكتوا، فأنا هالعبها صح هخليكم إنتم الواجهة وتحاربوا، وفي الآخر، كل حاجة هاتوصلي في الأخر وأنا قاعد مانتخ.
تناولت فايزة ما في الشوكة وهي تقول: هحاول أصدقك.
رشدي وهو يتناول الطعام بلا مبالاة: ولا ماتحاوليش مش فارق.
نظرت له فايزة بصمت فسكون رشدي مقلق بشدة لكنها لم ترد.
خلال الأيام الماضية
ذهب عزت مع فايزة للمزرعة لإكمال شفائه، لم يكن هناك من يقدم له الحنان أو الاهتمام الشخصي؛ فالجميع منشغلون بأعمالهم، وفايزة لم تتدخل في رعايته أو إعطاءه الدواء، فالممرضات هن من يتولون كل شيء. ومع مرور الأيام بدأت صحته تتحسن تدريجيًا.
في الوقت نفسه، قامت صافيناز بتحويل كل أموالها ومستحقاتها إلى عماد، وأعطته توكيلًا عامًا على كل شيء، كما أنها حولت جميع حساباتها في البنوك باسم ابنائها، حتى المشاريع الصغيرة،باعتها لشركات، مملوكة لعائلة عماد معتقدة أنها بذلك تحمي ثروتها. سارة، رغم معرفتها بكل شيء، فضلت الصمت، ولم تخبر عماد بأي شيء بما علمته؟!
سليم ومكي اختفيا تمامًا، ويبدو أنهم في مهمة سرية بألمانيا، لا يريدون لأحد أن يعرف عنها، يتحركون في العتمة والسرية.
إيهاب ما زال غاضبًا وغير راغب في التواصل مع ماسة، وكان يحاول الابتعاد عنها قدر المستطاع. وهي حاولت تقليل وجودها بالقرب منه، بينما علاقتها ببقية المجموعة جيدة بشكل غير متوقع.
ندى بقيت هادئة، تذهب للعمل وتعود، تحت إشراف والدها الذي وضعها تحت "الميكروسكوب"، خاصة بعد مكالمته لمصطفى ليؤكد له أنه يود أن يعلم فورًا بأي محاول منها للتواصل معه.
نانا وعزت، فلم يكن هناك أي تواصل بينهما، ولم تعرف هوية الطرف الذي شاهدهما، فيبدو أن فايزة لم تكن شاهدة، فظل السر غامضًا، يلوح في الخلفية كطرف ثالث مجهول.
وبعد أسبوع تقريبًا، عاد عزت إلى المجموعة ليجد أن سليم ما زال مختفيًا، ولم يغير الوصية كما وعد، مما أثار ذلك غضبه ودفعه لاتخاذ قرار غير متوقع، سيهز الجميع.
💞______________بقلمي_ليلةعادل
الأسكندرية
مدخل العمارة مصطفى الثامنة صباحاً.
تدخل ماسة، تمسك بعض الأكياس. يفتح باب المصعد ويخرج إيهاب.يتبادلان نظرة خاطفة.
ماسة هادئة: صباح الخير
إيهاب قصير الرد، وهو يزيح نفسه ليمر: مساء النور.
يمضي مسرعًا خارج الباب دون أن يلتفت، تتابعه بعينيها ثم تكمل طريقها صامتة.
مجموعة الراوي
غرفة الاجتماعات، العاشرة صباحاً.
جلس عزت في مقدمة الطاولة المستطيلة، يحيط به عدد من المستشارين القانونيين إلى جواره جلست فايزة في صمت، عيناها تتابع التفاصيل بقلق، رغم خروجه من المستشفى منذ أيام، بدت ملامحه مرهقة، وجهه شاحب ونظراته زائغة.
عزت بصوت بطيء لكن حازم: أتمنى تكونوا لقيتوا ثغرة، أي حاجة تخلصنا من الكارثة إللي سليم عملها.
تقدم أحد المستشارين، رجل خمسيني يرتدي بدلة داكنة، وتكلم بثقة: هو حل واحد بس، مافيش غيره.
أنا اتناقشت مع مازن وسيادة، المستشارين: إنك ترفع عليه قضية حجر.
اتسعت عينا عزت وهو يرد ببطء: حجر؟!
تدخل مستشار ثانٍ: أيوه، نطعن في صحة توقيعه وسلامة قواه العقلية ودي حاجات نقدر نعملها، بالفلوس.
أضاف مستشار ثالث وهو يفتح ملفًا أمامه: كمان نقدر نجيب تقارير تقول إن عنده رصاصة مستقرة في ضهره مهددة حياته، يعني ممكن يموت في أي لحظة، نثبت إنه تصرف تحت ضغط نفسي كبير، ونزور ملف طبي نفسي دكاترة كبار يشهدوا إنه كان بيروح لهم سرًّا.
علا صوت فايزة فجأة، حادًا ومصدومًا: إيه إللي انتوا بتقولوه ده؟!
رفع مازن رأسه لأول مرة وتحدث بهدوء: ده الحل الوحيد يا فايزة هانم، فكرنا في كل السيناريوهات، مافيش غير كده، التوقيع سليم، والتوكيل العام كان بإرادتكم، يعني ليه الحق يتصرف في كل حاجة، لو طعنّا، هانقعد سنين، والنتيجة مش مضمونة وساعتها اسم العيلة والأسهم ممكن ينهاروا، الحل الوحيد السريع الحجر.
مستشار رابع بنبرة واثقة: غير كده، عندنا نقطة مهمة
سليم باشا داخل شريك في شركات أجنبية كبيرة، ومعاه نسبة محترمة، لو وصل للشركات دي إن عنده إصابة قاتلة، وإنكم بتشككوا في قواه العقلية، الشراكة ممكن تتلغي، واسمه هاينهار في السوق، التقارير الطبية دي ممكن نقنعهم بيها.
تردد عزت قليلًا، ثم قال بصوت مكسور: يعني مافيش حل تاني؟ يعني أحارب ابني بمرضه؟ أفضح ابني؟!
سأله مازن بهدوء: ماحاولتش معاه يا باشا؟
أجاب عزت وهو يشيح بوجهه: حاولت، ووعدني انه هيغير بعض البنود، لكن للأسف حتى الآن مافيش أي حاجة حصلت، وبطل يرد على تليفونات أختفى.
المستشار الاول: لو حضرتك وافقت، نبدأ الإجراءات فورًا
تابع آخر: ولحد دلوقتي، الدنيا ماشية كأن سليم بيه ماعملش حاجة، بس...
قاطعه المستشار الأول وهو يشير بورقة في يده: بس ماتنساش إنه كتب وصية، لو مات، كل حاجة تروح لجمعيات خيرية، يعني مش بس أخد الحاجة، كمان ناوي يطلعها برا العيلة وحياة سليم بيه مهددة بين كل لحظة ولحظة إحنا ماينفعش نجازف لازم نسرع في اتخاذ القرار.
مازن وهو يطالع عزت بثبات: القرار ليك يا باشا، تؤمر بس.
التفت عزت إلى فايزة وسألها بصوت مبحوح بحيرة:
رأيك إيه يا فايزة؟
ردت بصوت منخفض لا يخلو من القلق: معرفش يا عزت، بس لو عملنا كده، هيعند أكتر، ومش بعيد يرد بشكل أعنف وبعدين المعلومة بتاعت الرصاصة جبتوها منين؟ دي محدش يعرفها عرفتوها منين يا أكرم.
المستشار الاول أكرم: إللي قالنا يا فندم كانت صافيناز هانم، ورشدي بيه بس من فترة
تمتم عزت بضجر: طبيعي شيء متوقع يفضحوا أخوهم..
فجأة، ضرب عزت بيده على سطح المكتب، وصوته أنفجر غاضبًا: طب يلا قوموا من هنا! ماحدش يعمل حاجة، ولما آخد قراري هكلمكم.
هز الجميع رؤوسهم صامتين، وبدأوا في الخروج، واحدًا تلو الآخر.
بقيت فايزة وحدها معه نظراته كانت متوترة، كأنه بيصارع نفسه: قولي لي يا فايزة. أستنى وأصبر؟ ولا أتحرك؟
فايزة بتنهيدة بحيرة: مش عارفة أنا خايفة ندخل في مشاكل مع سليم، وفي نفس الوقت، مش عايزة نجازف إننا نصبر سليم فعلا مهدد بالموت.
عزت: بس هو عملها في القتل؟؛
نظرا لبعضما في صمت تبادلا النظرات ثم قال عزت: أنا هعمل محاولة لو مانفعتش همشي بالقضية بس هحاول ما استخدمش تاريخ مرضه، مستحيل أفضح ابني.
فايزة بصوت منخفض: بالتأكيد.
رفع هاتفه وأتصل: ألو، يا شاكر؟ إنت عارف عنوان ليلى أم مكي؟حلو، هاتها لي. سلام.
فايزة قربت بجسدها، وسألته بقلق: هتعمل إيه؟!
عزت بحسم: مش هعرف أوصل لسليم غير عن طريق ليلى.
قصر الراوي.
مكتب عزت الرابعة مساءً.
فايزة تجلس أمام المكتب وعزت يجلس خلفه بهيبته المعتادة، بينما وقفت ليلى أمامهما في صمت، تتأمل وجهيهما ببرود.
عزت مبتسمًا: إزيك يا ليلى عاش من شافك.
ليلى بنبرة جافة: إزيك يا عزت بيه،
عزت بهدوء: ليلى من غير كلام كتير، أنا عايز الرقم إللي بتكلمي بيه مكي.
ليلى بإرتباك: أنا مش فاهمة حضرتك عايز ايه؟!
عزت وهو يشد على الاسم: ليلى.
ارتفع حاجباه قليلًا، بينما تدخلت فايزة بنبرة حاسمة: أستنى يا عزت، إنتي أكيد معِاكي رقم بتتواصلي بيه مع مكي، إحنا بقى عايزين الرقم، عايزين نوصل لسليم فيه كارثة في المجموعة.
ليلى بجمود:أنا معرفش حاجة عنهم من وقت، ماسافروا ده أنا كنت حتى هسألكم عليهم.
وهنا اومأ عزت برأسه، فتقدم شاكر وأخذ الحقيبة من يد ليلى بشدة.
فتحها وأخرج الهاتف المحمول، بدأ يقلب فيه حتى توقف عند رقم دولي.
شاكر: فيه رقم خارجي يا باشا دولي.
عزت بحسم: أتصلي بيه.
ارتبكت ليلى وزمت شفتيها دون تحدث
ثم ألتفت عزت نحو ليلى، وقال بحدة: بقيتي كدابة يا ليلى؟ عيب ست كبيرة ماينفعش تكدبي.
فتح شاكر مكبر الصوت، وسمعوا جميعًا صوت مكي يأتي من الطرف الآخر في أحد المطاعم كان بجانبه سليم.
مكي بقلق: إيه يا ماما، عاملة إيه؟ خير؟ فيه حاجة؟
أعطى شاكر الهاتف بسرعة لعزت، فصاح بصوت غاضب: سليم فين يا مكي؟!
مكي متوترًا: عزت باشا؟!
صاح عزت: أخلص سليم فين؟
وهنا، نزع سليم الهاتف من يده، وقال ببرود: روح ليلى ومالكش دعوة بيها علشان قسماً بالله العظيم، لو عملت أي حركة من حركاتك إللي إنت عارفها صدقني، إنت إللي هتندم.
عزت بحدة: إنت مانفذتش وعدك ليه يا سليم؟! أنا صدقتك ( تابع بتهديد) أسمع قدامك لحد بكرى لو مافيش حاجة رجعتلي أنا همشي في قضية الحجر هحجر عليك..
سليم بسخرية: معاك محامي؟ ولا أبعتلك محامي بمعرفتي؟
تابع بنبرة أكثر قوة: أسمع إنت بقى لما يجيلي مزاجي هغير البنود بتاعة الوصية غير كده ماترغيش كتير، علشان إنت بس إللي هتزعل بدل قسما بجلالة الله، عد ٦٠دقيقة من دلوقتي هتشوف سواد في حياتك ماشفتهوش، روح ليلى يا عزت من غير ماتقربلها بخدشة فاهم.
ثم أغلق الخط دون أن ينتظر ردً
نظر مكي إلى سليم بتوتر، رد سليم على نظرته بهدوء: ماتخافش مش هيعمل لها حاجة، هما بس عايزين الرقم علشان يوصلوا لي
ابتسم مكي وهو يهز رأسه: أنا مش قلقان، بس أنا هكلم ولاد الكل،إللي هناك عشان أعرف إزاي ماقالوليش.
سليم بهدوء: أتصل بيها كده، شوفها خرجت ولا لسة
في حديقة القصر.
كانت ليلى قد بدأت بالخروج بالفعل، رن هاتفها، فردت سريعًا: ها يا حبيبتى إنتي كويسة.
ليلى بهدوء: آه يا حبيبى، ماتقلقش مافيش حاجة حصلت، هو بس جابوني عشان ياخدوا رقمك.
دخل سليم في المكالمة: طنط ليلى لو فيه حاجة قولي؟!
طمأنته ليلى: لا والله العظيم مافيش حاجة أول مقفلت قالى أمشي، هو إنتم فين؟
سليم بهدوء: إحنا كويسين خدي بالك من نفسك، ده أهم حاجة.
مكي: ماتخافيش يا ماما، إحنا كويسين، خدي بالك من نفسك، ويا ريت تروحي تقعدي عند خالتي
ليلى: حاضر
بعد إنهاء المكالمة، جلس سليم وهو يتمتم بخزي: هيرفعوا عليا قضية حجر؟ شفت؟
مكي مستنكراً: هو إنت فاكر إن إللي عملته هيمر عادي؟!
تبسم سليم بحزن: كنت فاكر بعد مكالماتي مع الباشا هيهدى، بس طلع مفيش فايدة، عموماً إنت هتبقى متابع كل حاجة، لو مشوا في الإجراءات، إنت هتبيع كل نسبتنا في المناجم، حتى المنجم إللي ملكنا، هاتبيعه أيا كان الرقم، مش مهم، وبعدها تبعت لهم بوكيه ورد وتقول لهم "سليم بيمسي عليكم" بس ده في حالة لو بدأوا فعلاً.
مكي بقلق: بلاش جنون؟ وبعدين هي مش قضية الحجر دي بتتعمل لو إنت كنت مريض أوعندك مشكلة عقلية.
سليم بنظرة جانبية: وهما هيعملوا كده، ناسي إني عندي رصاصة في ضهري هيلعبوا من هنا.
مكي محتقنًا: أغبياء! ماهما كده بيفضحوا نفسهم وكل المساهمين والمشاركين هينسحبوا، البورصة هاتقع.
ابتسم سليم بنظرة واثقة:مافيش مساهمين، مافيش مشاركين، نسيت، إني مشيت كل المساهمين والمشاركين كل حاجة، تبقى ملكنا إحنا بس، أنا إللي داخل شراكة مع شركات تانية، بعيدة عن المجموعة، بس هما نسيوا إننا داخلين شراكة مع ناس تانية بنسب فطبيعي هايلغوا العقود مش هتحرق لوحدي، هما كمان مأذين حتى لو مش بنفس القوة..
جز على اسنانه بنبره غيظ أضاف: أكرم؟ الأفكار القذرة دي ماتطلعش غير من أكرم، ما أنا إللي معينه
مكي بإبتسامة وضع يديه على المسدس: نعلمه الأدب.
سليم ببرود قاتل: سيبه دلوقتي ده حتة عسكري طيشه فيه حاجات أهم منه، وحاجات أهم دلوقتي جايين علشانها سيبك منهم.
على إتجاه آخر مصر
عزت هو يشعر بالضجر: أنا هكلم مازن يمشي في الاجراءات
فايزة بتوتر: مافيش حل تاني يعني يا عزت
عزت بغضب: عندك استعداد تجازفي كل ما نملك هو قال لي هغير في الوصية وهديك نسبتك، إنت والهانم ماعملش حاجة لحد دلوقتي، وبيهددني أنا عايز أعرف بقى هايهددني إزاي؟! نسي إني عزت الراوي.
رفع عزت هاتفه وقام بالاتصال بمازن إيه يا مازن أمشي في الاجراءات كلم أكرم، سليم في ألمانيا أي معلومات تانية معرفهاش: سلام
تبادلا النظرات بصمت
مجموعة الراوي، العاشرة صباحا.
ممر الطابق الذي يوجد فيه مكتب عزت، خرج مازن من مكتب عزت، يحمل ملفًا ثقيلًا بين يديه، ويتحدث في الهاتف بصوت منخفض.
مازن وهو يهمس في الهاتف: خلاص يا أكرم، شوف أقرب جلسة إمتى وخد لنا ميعاد، أنا معايا التقارير كلها تمام؟ يلا هجيلك دلوقتي.
يتقاطع معه طه فجأة، فيتوقف مازن مرتبكا.
طه وهو يشير للملف:إيه ده يا مازن؟ وجلسة إيه إللي بتتكلم عنها؟
مازن بتردد: القضية إللي باشرف عليها ضد سليم بيه،
دي أوراق القضية، هنقدم بيها طلب حجر، فيها تقارير تثبت إن حالته النفسية غير مستقرة، وإن حياته مهددة بالموت في أي لحظة بسبب الرصاصة إللي في ضهره
طه منفعلًا: إيه؟! هو الباشا وافق على كده؟
مازن بتأكيد: آه طبعًا، كل حاجة بموافقته.
طه بحزم: طب أسمعني، ماتعملش حاجة دلوقتي، أصبر.
مازن يحاول الإعتراض: بس يا طه بيه.
طه مقاطعًا بنبرة صارمة: بس إيه؟ أنا قلتلك أصبر!
يسحب طه الملف من يده بعنف ويتجه مباشرة إلى مكتب عزت.
داخل مكتب عزت
كان عزت يجلس خلف مكتبه، يكتب شيئًا، ويبدو عليه الإنهاك، دخل طه بملامح غاضبة، ووضع الملف أمامه.
طه بعصبية: إيه يا باشا إللي كنت ناوي تعمله ده؟
رفع عزت عينيه ببطء، بنبرة يائسة: كنت عايزني أعمل إيه؟ كلمته، حاولت أتكلم معاه، بس هو رافض، عنيد..
تابع بإستنكار غاضب: مستحيل كنت هقبل إن كل حاجة تروح مننا في لحظة؟
جلس طه أمامه، وقال بهدوء بنبرة عقلانية محاولًا إقناعه: مافيش حاجة هتروح، وكل حاجة هترجع، بس بالهدوء، سليم ماعملش كده علشان طمعان، وإنت متأكد من ده، هو عمل كده علشان يرد على إللي بيعملوا ولادك.
عزت بتعجب: ولادي؟!
طه بحزم وكأنه يذكره بكل شيء بنبرة فيها عتاب: أيوة، من قبل ماسليم يرجع مصر، وهما بيحاولوا يبعدوه، جوازه من ماسة كان فرصتهم، عارفين إنك هترفض، فاستغلوا ده، وحاولوا يقربوا منك، ولما فشلوا، راحوا للهانم، واستغلوا كرهها لماسة ساعدوا في سقوطها في قتل حفيدك..
نظر عزت إليه بدهشة وارتباك فرد طه بثبات وهو يرد على تلك النظرة: أيوة... بتبصلي كدة ليه؟ أنا عارف، عارف كل حاجة، حتى مراتي للأسف كانت معاهم في بعض إللي حصل، ماوقفوش عند إنهم يسقطوا ماسة، ولا إنهم يضايقوها إنها خدامة، سمعوها إنه كان متعدد العلاقات، وعملوا المستحيل علشان يفرقوهم، ولعبوا له علي خط إنها طماعة، وإنت للأسف يا باشا كنت عارف وساكت، بس للأسف كل حاجة فشلت وقربوا من بعض أكتر، وبعد الحادثة، سليم اتكسر مراته كانت هتموت قصاد عينه، بنته ماتت قبل ما يشوفها كل ده قتله، بس ماسة هي إللى رجعته وقوته..بعدين سليم صبر، وأداهم فرص كتير، وحاول كتير معاهم، مافيش فايدة، هما مكملين في طريق الخسة والندالة والدم، لحد إللي حصل في الحفلة، وفي الآخر، صافيناز باعت كل حاجة لعماد، سليم بيدور على أمان وبس يا باشا الأمان إللي حضرتك مش قادر توفرهوله
أشاح عزت بوجهه، وكأنه يحاول الهروب من الحقيقة تابع طه على نفس ذات النبرة: سليم مش عايز حاجة لنفسه، هو بس عايز يوقف المهازل دي، ويامن حياته وحياة مراته، حضرتك عارف بكل حاجة، بس ساكت، ولو عرف يوم إنك كنت سايبهم يعملوا كده بيه، عمره ما هايسامحك أشتري سليم أوعى تبيعه.
عزت بقلق: يا طه أنا خايف كل حاجة تروح مننا لو حصل له حاجة إنت متخيل إللي ممكن يحصل؟
طه مقاطعًا بهدوء: سليم مش غبي، أنا متأكد إنه عامل احتياطاته في الوصية، علشان مانتهزش هو بس بيحاول يعلم رشدي وصافي الأدب، ويبعد أي حد ممكن يأذيه وأنا متأكد إنه لما عرف إنك تعبان، غير حاجات كتير فيها.
عزت موضحًا: هو قال لي إنه هيرجع لي حاجتي، وحاجة فايزة، بس رشدي وصافي لأ ولحد دلوقتي ماعملش حاجة.
طه بعقلانية: يمكن مشغول، او بيعند، لكنه بيوفي بوعوده هتوه عنه، اما نسبة صافي ورشدي، دول 6% بس! إحنا نقدر نشتريهم، لو يعني بعد الشر سليم حصل له حاجة، (برجاء) بابا أرجوك، ماتفتحش حرب، لو رفعت عليه قضية حجر، واتقال إنه مريض ده ممكن يكسره من جواه.
نظر له بعمق وتابع: سليم ضعيف بسبب الرصاصة، دي نقطة ضعفه، ماتستخدمهاش ضده، خليه يحس إنك كان ممكن تضربه بيها، لكن اخترت تحميه صدقني، هتفرق معاه كتير.
سكت عزت قليلًا، وكأن فكرة مابدأت تتشكل في ذهنه،كل ما قاله طه كان صحيحًا،منذ عودة سليم إلى مصر، وهم لم يكفوا عن نسج المؤامرات ضده وضد ماسة، وهو كان على علم بكل شيء حتى الآن، ما زال يعرف أنهم السبب الحقيقي في هروب ماسة، وأنهم من هددوها، وهم أنفسهم من دمروا حياة سليم... والآن إن لجأوا إلى قضية الحجر، فذكر إن سليم مصاب برصاصة قاتلة سيكون في صالح عزت لكن ذلك، رغم فائدته، سيكسر سليم تمامًا الأمر بالغ الصعوبة، من الصعب أن يتخلى عزت عن كل ما جمعه طيلة تلك السنوات، والاصعب أن يكون هو سبب كسر ابنه، فماذا يفعل؟ تردد قليلًا، ثم مال بفكره نحو خيارٍ آخر ربما عليه أن ينتظر أن يمنح الأمور فرصة فلعل عودة سليم إلى مصر تغير كل شيء فهو لم يكن لينفجر بتلك الطريقة، إلا بعد أن بلغ به الضيق مداه، من أفعال صافيناز ورشدي، لكن، وفي كل الأحوال، لا بد أن يأخذ احتياطاته.
تنهد بتعب، ثم رفع هاتفه بحزم: مازن؟ خلاص، ماترفعش القضية أسحب كل حاجة وأنا هحاول مع سليم
طه بتنهيدة ارتياح وابتسامة خفيفة: هو ده الصح، يا باشا صدقني مش هاتندم.
عزت بصوت مكسور: كلمه، خليه يبطل إللي بيعمله ده تفهمه إن أنا مش هخلي حد يضايقه تاني، قل لي بقى، إنت بجد ماتعرفش هو فين؟
طه بهدوء: كل إللي نعرفه إنه في ألمانيا
عزت بابتسامة: عليا؟! أنتم طلعتوا عارفين كل حاجة؟! قل لي...
طه بصدق: والله العظيم ما قال لنا حاجة.
حك عزت في جبينه: ما هو يا وصل لمعلومة للي عمل الحادثة يا مشروع جديد
طه تساءل: هتعمل إيه مع صافيناز بعد مانقلت كل حاجة لعماد؟
عاد عزت بظهره للخلف وقال بهدوء: ولا حاجة؟ إللي معاها نقطة في بحر، أنا أهم حاجة بالنسبالي المجموعة يا طه، بعدين عماد ده واحد طماع وأنا مبسوط إن هو عمل كده، هو بيأمن نفسه دلوقتي شوية شوية وهيظهر حقيقته وساعتها هاوري قذارته لصافيناز، لازم تشوف بعينيها قذارته وإن هي باعت العيلة عشان تشتري واحد ما يسواش.
طه: عندك حق.
الإسكندرية
مكتب إيهاب الخامسة مساءً
كان إيهاب جالسًا أمام مكتبه، يتابع بعض الرسومات على شاشة اللابتوب، حين اقتربت منه إحدى الموظفات وقالت له بنبرة هادئة: باشمهندس إيهاب، فيه واحدة بره عايزة حضرتك.
رفع إيهاب عينه بسرعة،متعجباً: مين؟ قالت اسمها؟
الموظفة مدت شفايفها: لا يا فندم، ما قالتش.
هز إيهاب راسه: طيب...
أغلق اللابتوب، سحب جاكيت البدلة من على ظهر الكرسي، وخرج بخطوات بطيئة.
في الخارج، كانت فتاة تقف في هدوء. ترتدي إسدالًا واسعًا، ظهرها للباب، ولثانية كاملة لم يتعرف عليها لكنها التفتت... وكانت ماسة.
قالت بصوت خافت: ماتقلقش أهلك كلهم بخير.
رد بهدوء بارد: أنا عارف إنهم بخير الحمد لله.
ماسة موضحة:أنا بس خفت تكون افتكرت وجودي هنا بسبب...
قاطعها بجمود: ما فكرتش. خير؟
ماسة بخجل: أنا كنت جاية أتكلم معاك شوية، أسفة إني جيتلك الشغل، بس أنا مش عارفة أتكلم معاك، كل ماتشوفني تهرب كإني شبح قدامك.
إيهاب وهو يشيح بوجهه بعيد: عايزة تتكلمي معايا في إيه؟ وليه؟
خطت نحوه خطوة واحدة، نظرتها مكسورة لكنها ثابتة: مش هينفع نتكلم هنا، أنا هستناك في الكافيه إللي تحت، من فضلك تعالى، ولو مش عايز، برضه براحتك أنا عارفة إنك مش طايق حتى تشوفني بس اسمعني، لو كلامي عجبك، تمام، ماعجبكش خلاص أنا عارفة إنك لسة فاضلك حوالي تلت ساعة، هستناك لو ما جيتش مش ها أزعل.
تحركت ماسة بعد أن تركت كلماتها تتسلل لعقله، ولم تنتظر ردًا.
ظل إيهاب واقفًا، ينظر لأثارها بصمت، عقله يعيد ترتيب المشهد كله، ثم تحرك.
الكافيه بعد نص ساعة
جلست ماسة على طاولة قريبة من الزجاج، تطل على البحر، رافعة النقاب جزئيًا، وعينيها تتابع الموج بهدوء.
أقترب إيهاب من الخلف، وقف يتأملها من بعيد، ثم تنهد وجلس أمامها دون أن ينبس بكلمة.
ماسة بابتسامة: أنا كنت حاسة إنك هتيجي،
إيهاب معلقًا: رفعه النقاب كدة ليه؟ مش خايفة حد يشوفك؟ ده إنتي طلعتي من المشاهير.
تبسمت وهزت راسها بلا: إن شاء الله لا، وبعدين عرفت إن سليم مسافر.
إيهاب: مش لازم هو إللي يشوفك، كاميرات، ناس، كل شيء ممكن.
تنهدت: إن شاء الله مش هيحصل حاجة.
صمت إيهاب لحظة ثم قال: عايزة إيه يا ماسة؟ ولا أقولك يا حور؟ ولا ليندا؟ ولا اسم تاني خالص؟
ماسة بنبرة تأثر: هو إنت عندك شك في القصة إللي حكيتها؟
ارتسمت على شفتي إيهاب نصف ابتسامة مستنكرة: القصة إللي قعدتي تحكيها فيها ساعتين؟ لا، ماعنديش شك، بس من حقي أختار أسامح أو لا.
هزت راسها بهدوء: أكيد من حقك، بس أنا مظلومة، أنا الضحية في القصة دي ما كنتش أتمنى أي حاجة من إللي حصلت، بس قولي، كنت أعمل إيه؟ انا كنت مضطر اخبي وأكذب.
إيهاب بنبرة حادة قليلاً: والله تقولي الحقيقة، وإحنا وقتها نحدد نساعدك أو لا، ولا كنتي خايفة لما تقولي الحقيقة ما نساعدكيش؟!
ماسة مفسرة بعين دامعة: كنت خايفة عليكم، خايفة على نفسي مش فاهمة حاجة، أنا فين؟ ومين دول؟ هو فيه حد كده؟! أنا ما كنتش متوقعة إن علاقتنا هتوصل للي وصلنا له، معاك، ومع مصطفى، ومع عائشة، وماما نبيلة افتكرت إن كل حاجة هتنتهي، بس كل يوم كنت برتبط بيكم أكتر كأنكم أهلي، إيهاب، أنا كنت مهددة، بأهلي كنت تايهة، ضايعة، وناس غريبة مدت لي إيدها وقالولي هانساعدك كنت خايفة منكم، وعليكم كنت مرعوبة لو عرفتوا الحقيقة، وسليم عرف، يحصل لكم حاجة كنت شايفة إن أمانكم في جهلكم.
إيهاب ببحه: كنتي شايفة؟ وبعد ما عرفتينا؟ برضه فضلتي خايفة؟
ماسة بصدق: خايفة عليكم يا إيهاب، أنا ماغيرتش غير اسم سليم، سليم، هو إسماعيل بس كل كلمة قلتها كانت حقيقية، حاجات بسيطة بس إللي ماقلتهاش، ما كدبتش غير في قضية التهديد، التهديد ما كانش من سليم، كان من أهله اما موضوع تعليمي ده اقسم بالله انا ما اعرفش ليه عملت كده بس فعلا كنت محتاجه ارجع لماسة اللي تاهت مني.
إيهاب بضجر: إنتِي عايزة إيه؟
ماسة برجاء: مش عايزاك تبص لي النظرة دي، أنا مستاهلش المعاملة دي مستاهلش تبصلي كإني كذابة واستغليت طيبتكم أنا كنت خايفة، مش عايزة تحصل مشكلة بينك وبين مصطفى، أو عائشة، أو ماما نبيلة بسببي.
إيهاب صوته مكسور: ماسة، أنا وثقت فيكي، وأنا مابثقش في حد بسهولة، واعتبرتك زي عائشة، وكنتي قريبة مني، أنا مش سهل أخلي حد يقرب مني، أنا حاسس إني مخذول فيكي، كان نفسي تيجي تقوليلي الحقيقة، بس انتِ ماكنتيش هتقولي، لولا محمد عرفها، كنتِ هتفضلي بتخدعينا حتى اسمك ماسة، مش حور، حتى لو غيرتِ اسم جوزك وشغله، أنتِ بالنسبالي كدبتِ، انتي عرفتِ كل حاجة عننا، حتى قصة بابا مع ماما، وباعنا إزاي وإنتِ اللي خليتيني أغيّر قراري وأروح فرح أختي وبعد كل ده، أكتشف إنك كنتِ مخبية علينا حاجات كتير حتى لو من أجل الحماية زي ما بتقولي، أنا مش قادر أعدي زي مصطفى.
تنهدت ماسة ببطء، وعيناها دامعتان، وشفتاها ترتعشان وهي تحاول التماسك. مسحت دمعة انزلقت على خدها بيد مرتجفة، ثم رفعت بصرها نحو إيهاب بصوت هادئ لكنه مثقل بالوجع: بص يا إيهاب، أنا لما خرجت من مزرعة منصور، كنت لسه عندي 15سنة، أول مرة أشوف الدنيا، بعدها لما سافرت السنه كانت للفسحه وبس، وبعدها رجعت و ودخلت قصر الراوي، هو سليم حبني وكان حنين عليا، وعوضني وعلمني كتير، بس ماعلمنيش إزاي أواجه العالم من غيره، إزاي أحافظ على نفسي..
أطرقت برأسها كأنها تستعيد صورًا دفنتها طويلًا، وانخفض صوتها أكثر: ولما قابلت مصطفى خرجت للعالم لوحدي لأول مرة، من غير سليم، من غير حراس، من غير إخواتي، كنت مرعوبة...
شهقت نفسًا عميقًا، محاوِلة كبح دموعها: غير إللي اتعرضت له في الأسبوع إللي عشته في الشارع، أنا مش بقول كده علشان استعطفك، يمكن ماستاهلش تسامحني فورًا، بس يمكن أستاهل فرصة، كإنسانة، مش كغلطانة...
مدت يدها ببطء نحو صدرها، وصوتها يرتجف: إنتو أول ناس حسيت معاهم إن الدنيا مش مرعبة، وكل يوم كنت بقول، يمكن لو حكيت، هخسركم بس الحقيقة إن سكوتي هو اللي خسرني فعلًا...
أغمضت عينيها لحظة وكأنها تتجرع مرارة الاعتراف، ثم تابعت بصوت واهن: ساعات كتير كنت عايزة أقول لكم كل حاجة، بس كنت بخاف، بقيت بخاف من كل حاجة، هما دمروني، قدروا يخلوا الخوف جزء مني، والكذب جزء مني.
بلعت ريقها بصعوبة، ونظرتها تهتز: هما غيروني، ماعرفتش أبقى لا ماسة الراوي، ولا ماسة مجاهد، بقيت مسخ بين الاتنين، ولو عايزني أمشي، همشي.
توقفت لحظة، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة، منكسرة: بس وأنا بمشي، مش عايزة أسيب جوا قلوبكم كره، أو ندم إني دخلت حياتكم، او انكم ساعدتوني في يوم، مش عايزة أسبب مشكلة بينك وبين مصطفى. فكر في كلامي، أيًّا كان قرارك، هحترمه.
خفضت رأسها، وخطت خطوة بطيئة نحو الخلف، وصوتها يكاد يختفي:بعد إذنك.
نزلت النقاب وتحركت نظر إيهاب لأثارها طويلًا، عيناه ممتلئتان بألم أكثر من الغضب، وكأن الكذب لم يكن الجريمة، بل الثقة إللي قتلت على يد الخوف، وقفت ماسة على الرصيف، تنساب دموعها من خلف النقاب، خفيفة، صامتة، كأنها تغسل ما في داخلها، منتظرة قدوم الميكروباص وبين الزحام..
قرب منها إيهاب، صوته جه خافت، وفيه نبرة هزار شبه مكسورة: قولي لي... إنتي عاملة لنا عمل فين؟
نظرت له بذهول: عمل إيه؟
ابتسم ابتسامة باهتة: محمد كان بيقول لماما إنك عاملة لنا عمل، كلنا حبناكي وسمحناكي بسرعة كأنك سحرتينا.
ضحكت ماسة لأول مرة من قلبها، وقالت: حطاه تحت رجلي نملة.
ضحك إيهاب بخفة: كويس إنه مش في البحر، كنت هغرق أصل بيني وبينك، أنا ما بعرفش أعوم.
سكتت لحظة، ثم بصت له بتردد: يعني، هاتسامحني خلاص؟
رد، وهو ينظر امامه: يعني، مش بالظبط أنا هحاول أتعامل، بس إديكي ثقة؟ دي مش حاجة سهلة، ياماسة.
ماسة بقسم: أنا والله ما كدبت عليكم في حاجة، صدقني كل إللي حكيته كان هو الحقيقي وكل حاجة ماقلتهاش،كنت بداريها من كتر الخوف، مش من كتر الخداع.
إيهاب بنبرة خافتة: الأيام هي إللي هاتثبت، مش حلفانك.
نظروا لبعض بالثواني جاء الميكروباص صعدت ماسة، ومعاها إيهاب، وذهبوا إلى البيت سوا.
المركز الطبي، أمام البوابة الخامسة مساءً.
خرج مصطفى وماسة من باب المركز، يسيران جنبًا إلى جنب، والهدوء يرافق خطواتهما، بينما كانت ندى تقف على بعد، تراقبهما بعينين ملتهبتين من الغيرة، يغلي الدم في عروقها كلما رأت مصطفى يبتسم ويتحدث مع ماسة.
ماسة، متعجبة وهي تبحث بعينيها: أمال عربيتك فين؟
مصطفى، بهدوء: مع إيهاب، خدها مني علشان نزل القاهرة النهاردة عنده مشوار مهم خلينا نركب الميكروباص، المشروع باللهجة الأسكندرانية.
ابتسمت ماسة: يلا.
أثناء سيرهما، قال مصطفى بإبتسامة: عارفة، أنا فرحت إنكم اتصالحتوا، قلتلك إيهاب قلبه أبيض.
ماسة بحماس: بصراحة، ماكنتش متوقعة إنه يصالحني، كنت متأكدة إنه أول مايشوفني هيشتمني ويطردني، بس سمعت كلامك وقلت خلاص، هحارب خوفي عشان كده روحت له الشغل والصراحة كان جنتل مان معايا.
مصطفى، مؤيدًا: بالظبط، الخوف هو إللي وصلك للي إنتي فيه، الخوف هو أقرب شيء يوصلك للنهاية أو إجبارك على فعل أشياء إنتي مش عايزاها.
ماسة، تنهدت بحزن: صحيح، صدقنى ماكنتش خايفة على نفسي قد ما كنت خايفة على الناس إللي بحبهم.
مصطفى، بنظرة هادئة: تعرفي أنا مش قادر أصدق إنه ممكن يأذيكم بالشكل إللي أنتي متخيلاه، أقصى حاجة ممكن يعملها هو التهديد، حتى لو هيضرب رصاصة، هيجيبها في مكان مايقتلش، رجل أيد كدة.
ماسة، بغضب: يعني انت بتبرر له؟ أنا حقيقي مش فاهمة موقفك، مرة تقول غلطان، ومرة تدافع عنه! وبعدين، الرصاصه اللي بتتكلم فيها بكل السهوله والاستهتار ده، ممكن تيجي في مكان غلط وتخون!
مصطفى، ضاحكًا بتوضيح عقلاني: متتعصبيش عليا بس، مش معنى الكلام اني موافق، انا بفهمك، أنا ضد العنف بكل أنواعه، لفظي أو جسدي، خصوصًا لو الراجل بيهدد مراته ويخوفها مهما كانت مبرراته مرفوضة أسوأ شعور ممكن يحسه إنه يخاف يحس بزعر..
ثم تابع مصطفى، بلهجة أكثر هدوءًا: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان في المسجد مع الصحابة، واحد منهم فقد نعله، خدوه منه كهزار، الراجل أتوتر وخاف، فسيدنا محمد أتضايق وقال لهم بغضب: "أروعتموه؟!" تخيل سيدنا محمد غضب عشان خوفوه بهزار ونهى عن النوع ده من الهزار إللي فيه خوف حتى الحيوانات ربنا أنهى عن تخويفها، فما بالك لو كانت حقيقة، والزوجة المفروض تكون في أمان مع جوزها؟ فيخوفها ؟! عشان كدة أنا ضده، أنا بفهمك أنه مكنش هينفذ، هو زيك كان خايف تسيبيه فاستخدم الاسلوب اللي هو متعود وتربي عليه، ومايعرفش غيره، لكن هو غلط ومرفوض، فهمتي وإحساس أنه مكنتش هيعمل.
ساد الصمت قليلاً قبل أن تهمس ماسة بأنين، والدموع تتجمع في عينيها: أنا كنت بشوف سليم أمان ليا، لما حد يسألني، إيه هو الأمان؟ أقول له كلمة واحدة (سليم) بس السنة الأخيرة، حسيت إن فيه حاجة غلط كأني عاشرت حد معرفهوش، كأنهم عارفينه أكتر مني، كل كلامهم صح.
صمت لحظات، وهو يزم شفتيه، ثم تابعت بنبرة حب:
أوقات كنت بقول لنفسي إنه اتغير عشاني، ضربني زمان وتتعالج عشان مايخسرنيش، وأنا صغيرة ماكنتش فاهمة معنى ده بحجمه الحقيقي، لكن لما كبرت فهمت إنه عمل عشاني حاجة كبيرة أوي، بس فجأة مسح كل ده، وخوفني سنة كاملة، داس على جرح إللي اتسببوا أهله فيه، ماكنش قادر يديني وعد، انه مش هياذي اهلي، حسيت إني راهنت على حاجة خسرتني، كان هو أماني الوحيد دلوقتي خلاني أفتش عليه بره، مش قادرة أسامحه.
ثم مسحت دموعها من أسفل النقاب وقالت بصوت منخفض بألم عصف قلبها: مصطفى بالله عليك، بلاش نتكلم في الموضوع ده، بتوجع أوي، خلاص، أنا هسمع كلامك مش هخاف تاني، وهواجه.
ابتسم مصطفى: هو ده إللي عايزه منك، وأنا مش هسيبك أبدًا، هفضل جنبك، وأخوكي في ضهرك. ماتخافيش، مش هتغير.
ماسة، بإبتسامة صغيرة: والله مافكرت فيها، أنا بثق فيك.
مصطفى، مبتسمًا: طب تعالي أجيبلك آيس كريم ياسنووايت الهاربة، بمناسبة التغيير مانجا وفانيلا زي مابتحبي، صح؟
ماسة تبسمت: صح..
وبالفعل تحرك مصطفى أحضر لهما ايس كريم من العربة المتوقفة بالقرب منهم، وجلسا على جانب الطريق، يأكلان بهدوء، والضحك بدأ يتسلل بينهما. وفي تلك اللحظة، كانت ندى قد فقدت السيطرة على أعصابها، اقتربت بخطوات سريعة حتى وقفت أمامهما، والغضب يشتعل في وجهها.
ندى، بتهكم ساخر: الله الله على الحلوين طب ماتقعدها على البحر أحلى وشاعري أكتر يا أستاذ مصطفى؟
توقفت ماسة مصدومة، بينما رفع مصطفى عينيه نحو ندى بهدوء متعمد توقف ببطئ وهو يضع يده في جيبه بعد ان وضع كوب الآيس كريم بجانبه.
واصلت ندى بتهكم أكبر وصوت عالي قليلًا: والله، إللي يشوفك كده يقول أتنين في شهر العسل منظركم رومانسي ناقص تأكلها في بوقها، أنا واقفة من بعيد من بدري وشايفة ضحكتكم، حتى لو النقاب مغطي وشها، عينك فضحتك أوعوا تنكروا.
مصطفى، بشدة وبنبرة رجولية: ندى، وطي حسك. إيه إللي جابك هنا؟
ندى بصوت مرتفع وضجر: جاية أشوف خيانتك، أشوفك وإنت رايح جاي مع الأستاذة حتى أحترمي إللى لابساه يا شيخة عرتينا.
مصطفى ببحة رجولية: ندى بس كفاية فضايح، لأخر مرة بقولك وطي صوتك وأمشي بإحترامك أحسنلك؟
واصلت ندى على ذات الوتيرة دون إنقطاع: وكمان جايبلها آيس كريم يبرد على قلبكم؟ أمال فين جوزها إللي بتقول عليه؟ الواحد مش شايف لها جوز ولا حتى فرد؟ وياترى إللي بتعمليه ده جوزك راضي بيه يا ست مش عارف اسمك إيه؟! آها ليندا؟! أكيد مايعرفش إنك بتتسرمحي من وراه، أنا عارفة كل حاجة عنكم، با أراقبكم شفتكم وإنتم في البلكونة، مقضينها سهر وضحك، وكل مشوار ساحبها وراك، حتى بابا لما جه قالى عيب إللي بيعمله مصطفى، حتى لو بنت خالته، متجوزة! ماعرفتش أقوله إيه كسفتنى إنت ماينفعش تكلمها ولا تهزر معاها الناس هاتفهكم غلط.
نظر لها مصطفى ببرود: خلصتي فقرة الجنان ولا لسة؟
ثم نظر لماسة وهو يشير لها بإستهجان: أهي دي ندى إللي كنتي بتقوليلي أديها فرصة؟ أهو ده الجنون إللي عشت فيه، اسلوبها وصوتها العالي إللي يخلي أي راجل عاقل يبقى عايز يصفق على وشها، واحدة مجنونة محتاجة تتعالج، تخليكي تندمي إنك دخلتيها حياتك في يوم.
ندى بحزن بعين دامعة: علشان بقول عيب مايصحش تقعد معاها؟ حتى لو بنت خالتك ماينفعش، خايفة على سمعتك، وبعدين أنا أصلاً شاكة إنها متجوزة! مستحيل تكون متجوزة؟! إيه جوزك ده رافع الأريل أوي ولا هو بيثق فيكي وإنتي بتلعبي بديلك.
ماسة، بحدة: لو سمحتي، ماتتعديش حدودك معايا، إيه إللي بتقوليه ده اتكلمي بأدب ماتتكلميش عن جوزي كدة فاهمة.
تابعت ندى التى لا تستمع لحد غير صوتها قالت: إنتى شكلك مش متجوزة وبتقولوا كدة، أنا بثق في مصطفي وأخلاقه مستحيل يعمل كدة مع واحدة متجوزة، مصطفى هي مش متجوزة صح بتقول كدة بس علشان معملش مشكلة وأغير عليك.
مصطفى، بنبرة قاطعة: وإنتي مالك؟ متجوزةمطلقة، إنتي مالك يا ندى؟ أمشي من وشي قبل ماعصابي تفلت.
ماسة، محاولة تهدئة الموقف: يا جماعة بالراحة، إحنا في الشارع، والمواضيع دي ماتتحلش كده، أستاذة ندى، صدقيني، إللي في دماغك مش حقيقي، أنا ومصطفى أولاد خالة، أصلاً كمان أخوات راضعين على بعض صح يا مصطفى؟ مش إحنا أخوات.
مصطفى، قاطعًا بحسم، لا، مش أختي ولا حاجة، وماتفقناش نكذب علشان نرضي حد، إحنا مش بنعمل حاجة غلط علشان نكدب،
نظر لندى بحزم ببحة رجولية: ندى، خليكي في حالك، وأبعدي عننا علشان لحد اللحظة دي أنا عامل حساب للعشرة ولوالدك.
ندى، بصوت مرتعش: إنت بتعمل معايا كده علشان بحبك وبغير عليك؟
مصطفى، بحدة:لا، عشان زهقت منك وبطلت أحبك.
ندى، أمسكت بيده بيأس: لا، ماتقولش كده، إنت بتحبني زي ما أنا بحبك. وأنا اعتذرت مليون مرة، وقلتلك هتغير إنت ليه مش عايز تسامح؟ والله هتغير.
مصطفى، ساخرًا: هتتغيري؟ هو إللي بتعمليه ده اسمه تغيير؟ يلا يا ندى بجد ها أبدأ أتعصب.
ندى، ألتفتت إلى ماسة حاولت استعطافها: إنتِ، لو شفتي جوزك قاعد مع واحدة بيجيب لها آيس كريم، مش هاتتعصبي؟
ماسة، بلا تفكير: هعمل منهم سندوتشات بطاطس محمرة الصراحة.
ندى، انتصرت بنظراتها: شوفت؟ مش أنا الوحدي إللي بغير كده!
ماسة، نظرت لمصطفى برجاء: مصطفى كلمها مرة أخيرة عاشان خاطري.
تنهد مصطفى وقال ببرود: آسف، مش هينفع
نظر لندى بنظرة حاسمة: أبوكي فين؟ مش كان هنا؟
ندى، بصوت خافت: سافر.
مصطفى، بنبرة حاسمة: علشان كده جبتي لو أبوكي عرف إللي حصل، مش هيسمحلك تخرجي من البيت تاني، وأنا مش عايز أعملك مشاكل، ماتخلينيش أقول له.
ثم ألتفت لماسة، بنبرة حاسمة: يلا بينا يا ليندا.
ماسة، محاولة تهدئة الموقف: طيب يا مصطفى خلينا نسمعها
مصطفى، بنظرة صارمة: يلا.
تحركت ماسة وهي تنظر لندى بأسف، بينما وقفت ندى مكانها تبكي، عيناها لا تزالان تشتعلان غيرة وهي تتابعهما وهما يغادران معًا.
ألمانيا
إحدى الحدائق الصغيرة على ضفاف النهر، الخامسة مساءً
جلس مكي على مقعد خشبي يواجه النهر، مياهه تعكس ألوان الغروب البرتقالية كأنها قطعة من لوحة زيتية. أوراق الشجر تهمس مع نسيم المساء، ورائحة القهوة الطازجة تختلط برائحة العشب المبتل.
اقتربت فتاة من المقهى القريب، وضعت كوب قهوة بجانبه بخفة.
مكي بإبتسامة باهتة: ثانكس.
رفع الكوب، ارتشف رشفة صغيرة، والمرارة امتزجت بطعم غريب من الحنين مد يده إلى هاتفه، يقلب الصفحات بلا هدف، حتى توقفت أصابعه شيء داخله، مزيج من الفضول والوجع، دفعه لكتابة اسم "سلوى" في البحث.
عام 2014، لم يكن بعد زمن الخصوصية المغلقة أو إخفاء الصفحات، فوجدها بسهولة فتح صورتها الأخيرة: سلوى وسط أصدقائها، تحمل باقة ورد، وعيناها تلمعان بنشوة النجاح قلب الصورة إلى أخرى مع عائلتها وأخرى بمفردها، ابتسامتها تشعل في قلبه نار الشوق.
اقترب بإصبعيه على الشاشة، كأنه يحاول لمس وجنتيها الدموع ثقلت في عينيه، ثم انسابت ببطء نظر إلى تاريخ اليوم، فمثل هذه الأيام، لو أن القدر أنصفهما، لكانا تحت سقف واحد، وربما ينتظران مولودهما الأول لكن الأحلام انقلبت كابوسًا مخيف
ارتعشت يده فجأة قبض على الهاتف وكأنه قرار الحياة والموت قاوم رغبة الأتصال كما فعل لشهور، لكن كبرياءه هذه المرة لم يكن كافيًا ليكبح شوقه ضغط زر الأتصال، وحجب رقمه.
في اتجاه اخر
مصر، مكتب المحاماة
المكتب هادئ إلا من صوت تقليب الأوراق، سلوى تنحني على ملفات قضية، عيناها تتحركان بسرعة بين السطور، رن الهاتف رقم خاص، حدقت فيه لحظة، ثم رفعت السماعة بسرعة، قلبها يخبرها أنها ماسة.
سلوى بشوق: آلو؟
على الجانب الآخر
وصل الصوت إلى أذن مكي كمعزوفة حزينة من الشوق أيقظت قلبه، فرعش قلبه، ارتجفت أصابعه، وزفر ببطء كل ذرة في جسده تصرخ: "قل اسمها!"، لكن كبرياءه شده للخلف وكأنه يقول لنفسه: مش هديها لحظة ضعف... أنا هكتفي أسمعها.
لم يتحدث فقط أكتفى بإنصات متوتر لأنفاسها، كل نفس يدخل أذنه كان يروي عطش شهور من الغياب من الوجع الشق الذي أذاب قلبه، أنفاسها كانت كأكسجين نادر لرجل يغرق منذ شهور.
لكن سلوى مازالت تتحدث..
سلوى: مين معايا؟ آلووو؟ الوووو؟!
الصمت على الخط كان ثقيلًا، فجأة، تسربت إلى قلبها تلك المعرفة القديمة، هذا الصمت له ملامح، له طعم، له تاريخ، وضعت يدها على قلبها، وهمست داخلها: "ده... مكي".
أختفت كل الأصوات من حولها فجأة لم تعد تسمع سوى أنفاسه المتقطعة، كأنها قريبة جدًا، قريبة لدرجة أن قلبها ارتبك وبدأ يخونها في النبض.
مرت ثوانٍ، كأنها دهر، وهي تحارب رغبتها في البكاء. هو أيضًا صامت، يبتلع وجعه، يجمد شوقه المميت يحافظ على صورته أمام نفسه، مكتفيًا بسماع صوتها، وانفاسها وكأنه يعاقب قلبه بحرمانه من كلمتها، دموعهما انسابت بصمت.
مرت لحظات، وربما دقائق، وكل منهما صامت، يشعر بالأوجاع والآهات والغصات التي تعصف بقلبه تلك الذكريات باغتتهما فجأة، قبل أن يذكراها عمدًا.
وفي رأسيهما، مر شريط حياتهما: ضحكات، وعود، أحلام مؤجلة، نظرات أول لقاء الصور تتداخل حتى يختنق المشهد بوجع الحقيقة..
أوجعهما الصمت، فصار أثقل من الأنفاس التي باتت قريبة أكثر، مسموعة أكثر، لكن ليست كما كانت؛ بل كان الوجع يلونها بقوة، تسللت الدموع إلى أعينهما، وأصبح الصمت سيد الموقف، بينما الألم يعصف بقلبيهما.
أثناء ذلك صوت أحد الزملاء سلوى ينادي: سلوى مستر خالد عايزك!
انتفضت قليلًا، ثم رفعت صوتها للرد بأرتباك: أيوة، جايه لحظة.
عادت للهاتف، صوتها منخفض متوتر: أنا هقفل، مش هتقول مين؟ ها الووو
دمعة ساخنة خانت مكي وسقطت على خده، لم يرد
زمت شفتيها بحزن بدموع اغرورقت أعينها، وأغلقت الخط، وكأنها أغلقت على قلبها لا على الهاتف.
أما هو، فبقي يحدق في النهر، يمسح دموعه بظهر كفه، محاولًا أن يبدو أمام المارة كأي رجل يحتسي قهوته بهدوء، بينما قلبه يتفتت بصمت.
على إتجاه آخر عند سلوى
كانت سلوى ما زالت شاردة، كأنها في عالم آخر بعد تلك المكالمة، وجع ينهش قلبها ودموع تغرق عينيها، آه تتسلل من بين الصمت وهي تتذكر كل شيء: ما عاشته، الأحلام، وأسباب الفُرقة.
سمر وهي تقترب: سوسكا، يلا نروح لدكتور ناديم.
لكن سلوى شاردة، فمالت سمر بجسدها عليها، ومدت يدها على كتفها: سلوى؟
سلوى وهي تمسح دموعها: نعم.
سمر بإنتباه: مالك يا سلوى؟ إنتي كويسة.
سلوى وهي تتنفس بعمق: تمام، تعالي نروح للدكتور ناديم.
وبالفعل، توجه الأثنان إلى مكتب المدير، وسمر تنظر إليها، تشعر أن بداخلها شيئًا يثقلها.
توقفوا أمام المكتب، ومعهم بعض الزملاء، وبدأ المدير، الذي يكون دكتورهم في الجامعة، بالتحدث وطرح الأسئلة وعندما جاء دور سلوى، كانت ما زالت تائهة منذ أن دخلت المكتب.
المدير بنبرة جادة: أستاذة سلوى؟
لم ترد.
المدير بحدة خفيفة: سلوى، فين تركيزك؟ إحنا بنتكلم في قضية مهمة، كدة ماينفعش.
سلوى بإبتسامة اعتذار: معلش، أنا آسفة، حضرتك قلت إيه؟
المدير: القضية دي ماينفعش فيها سرحان عايز بكرة الصبح أشوف إنتوا وصلتوا لإيه.
سلوى: حاضر، أنا شغالة عليها دلوقتي.
هز رأسه ومضى جمعت أوراقها وخرجت من المكتب، لتجد سمر تلوح لها من بعيد: تعالي يا سوسكا، نشرب حاجة قبل مانروح.
توقفوا بجانب ماكينة القهوة في زاوية المكتب، وجلسوا أمام بعضهما.
سمر وهي تضع كوب القهوة أمامها: مالك؟ لونك مخطوف، وعينيك مش زي العادة، وبالمناسبة، المكالمة إللي كنتِ فيها طولت أوي، وأنا كنت واخدة بالي إنك ساكتة أكتر مابتتكلمي، هي السبب؟
سلوى بصوت حزين: ولا حتى كنت بسمع.
سمر بعدم فهم: مش فاهمة.
سلوى بنبرة موجوعة: جالي تليفون، غالبًا كان مكي لا، مش غالبًا، أنا متأكدة، بس ما قالش حاجة، فضل ساكت وماقفلش، أنا إللي قفلت لما نادوا عليّ في المكتب.
سمر بحكمه: بصي، إحنا بقينا صحاب من أيام مانقلتي من جامعتك، وأنا مش عارفة القصة كلها بينك وبينه كانت إيه، لكن من إللي فهمته، كنتوا بتحبوا بعض جدًا، وحصلت ظروف خلتكم تبعدوا أنا مش عايزة أعرف التفاصيل، بس واضح إنك لسة بتحبيه، ومن رأيي، موضوع دكتور طارق ده توقفيه، حرام تدي لحد أمل وإنتِ قلبك في مكان لشخص تاني.
سلوى وهي تحدق في فنجانها: بس أنا عمري ماهخلص من مشاعري طول ما أنا لوحدي، محتاجة حد ينسيني مكي.
سمر بعقلانية: مفيش حاجة اسمها حد ينسيكي حد، ده مش مسكن، أفرضي ماعرفتيش تنسي؟! هتجرحيه؟ وإنتي إللي قلتي زمان إن مكي رفض يرتبط بيكي عشان كنتِ صغيرة، وروحتي اتخطبتِ لحد تاني، دلوقتي بتعيدي نفس الغلطة يا سلوى.
سلوى بحزن: المرة دي استحالة أنا ومكي نرجع لبعض الموضوع أكبر من إللي إنتِ متخيلاه من غير ما أدخل في تفاصيل، إحنا شبه متحرمين على بعض. فلازم أكمل حياتي وطارق راجل محترم، وأنا مرتاحة معاه، ومستنية الإجازة الكبيرة عشان نعمل الخطوبة.
سمر باعتراض: أنا شايفة إنك بتحبيه وهو بيحبك، وأيًا كانت أسبابك الغامضة، ودي حاجة تخصك. بس لو الظروف هي السبب، ساعات الظروف بتتغير. أتكلمي معاه، شوية التنازل مش عيب.
سلوى بعين دامعة: الموضوع كبير يا سمسم، بس لما أختي ترجع من السفر، يمكن، بلاش نتكلم في الموضوع ده تاني، من فضلك (تبتسم بهدوء) يلا نشتغل على القضية قبل مامستر ناديم يطردني أنا محتاجة كل جنيه، بالمناسبة، كلمتِ صاحب الشغل التاني إللي قولتي عليه؟
سمر: أيوة، وهو مستنيكي. بس إنتِ عادي تشتغلي في محل إكسسوارات؟ يا بنتي، جوز أختك سليم الراوي عندهم محلات دهب وورش خاصه بيهم، ماتشتغلي معاهم؟
تبسمت سلوى برقه: إنتي بتقوليها كأنها حاجة عيب! أنا أصلاً كنت خدامة قبل ما أبقى خت مرات سليم الراوي وحلم حياتي إني يبقى عندي محل، إكسسوارات واشتغل في التصميم، أنا شاطرة فيها جدًا، بس مش حابة أشتغل في أي حاجة تخص سليم، عايزة أنجح بشغلي وشطارتي بعيد عن أي حد.
سمر وهي تضحك: أجمل حاجة فيكي إنك فخورة بحقيقتك وماضيكي، ولعلمك، الراجل عجبه شغلك إللي رسمتيه. وأنا كمان حجزت خاتم وإسورة، أنا زبونتك من دلوقتي.
سلوى وهي تضحك: بس المرة دي مش هخصملك... عندي جمعية.
سمر وهي تضحك: ماشي يا ستي، يلا يا كحيانة نخلص إللي ورانا بدل مانترفد.
منزل أمنية، السابعة مساءً
في منزل فخم يليق بعائلة رفيعة، اجتمع أهل ماسة مع عائلة أمنية في أجواء هادئة، بينما جلس عمار ليطلب يدها، والعروس خلف الستارة ترتدي فستانًا أوف وايت بسيطًا يزينه خجل ابتسامتها.
عمار بصوت جاد: أنا عارف يا عمي إن مش صح أطلب إيدها وأنا معيش شقة، بس حسيت لو الموضوع طول، ممكن تحسوا إني مش جاد، خصوصًا إني في الأصل فلاح، وعندنا الكلام ده عيب، حبيت أجي من الباب، وأبني مستقبلي معاها، وأنا حاطط إيدي في إيدها، وأتمنى حضرتك توافق.
مجاهد بإبتسامة هادئة: وهو مش بيدينا فلوسه، أنا متكفل بالبيت وعلى قد مقدر هساعده، والله إحنا خجلانين إننا جايين من غير حاجة، بس اتربينا إن بنات الناس ماينفعش يكونوا على اسمنا من غير ما أهلهم يكونوا عارفين ظروفنا.
والد أمنية بترحاب: ماتقولش كده يا حاج، إحنا بنشتري راجل، وأنا عارف عمار كويس، وعارف إنه شاري بنتي، الخطوة إللي عملها أكدتلي إنه راجل محترم وابن أصول، وانا موافق على الخطوبة.
يوسف بإبتسامة: يبقى نقرأ الفاتحة بقى.
قرأ الجميع الفاتحة وسط دعوات بالخير، دخلت أمنية تحمل صينية عصير، وزغاريد خفيفة تملأ المكان، ثم جلست بجوار عمار وهو يخرج خاتمًا بسيطًا.
عمار بإبتسامة: ممكن ألبسها ليها يا عمي؟
وافق والدها، وارتسمت السعادة على وجهي العروسين.
والدة أمنية تسأل: أمال ماسة هانم، ماجتش ليه وسليم باشا؟ كان نفسنا ينورونا.
سعدية بهدوء: للأسف مسافرين، إن شاء الله على الخطوبة الكبيرة يكونوا موجودين.
ابتسم الجميع، رن هاتف سلوى فجأة، رسالة من رقم مجهول تقول: مبروك.
تجمدت أصابعها، قلبها يخفق، ونظراتها تمسح الوجوه حولها، لكنها تمالكت نفسها، محاولة أن تذوب وسط الأجواء المبهجة.
المركز الطبي الخاص، الثالثة مساءً
ساد الهدوء المكان لا يقطعه سوى همسات الزائرين وصوت الغلاية. خلف الكاونتر كانت ماسة توزع ابتسامات عابرة وهي تقدم المشروبات، لكن حين التقت عيناها بأحدهم، تجمدت في صدمة تفوق الاستيعاب.
تفتكروا مين إللي راح لماسة؟!
ماحدش ينسى يضغط على اللايك عشان تساعدوا الرواية تنجح
إلي اللقاءفي الحلقةالقادمة من روايةالماسةالمكسورة2
أتمنى تكون الحلقة عجبتكم النهاردة❤️
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أدخلوا واعملوا متابعة لصفحتي عليها كل الروايات بمنتهي السهوله بدون لينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹💙❤️🌺🌹💙❤️🌺🌹💙❤️🌺🌹💙❤️🌺
تعليقات
إرسال تعليق