سكريبت حب تحت الأنقاض بقلم الكاتبه أمل مصطفى حصريه وجديده وكامله في مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
سكريبت حب تحت الأنقاض بقلم الكاتبه أمل مصطفى حصريه وجديده وكامله في مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
في حيٍّ بسيط، بإحدى شقق الدور الثالث، كانت آية تجلس أمام والدتها، ترتشف رشفة من كوب الشاي الذي بدأ يبرد، تحدثها بنبرة هادئة لكن ممتلئة بالرجاء:
– أرجوكِ يا ماما، حضرتك عارفة إني بتخنق من جو الأفراح، وخصوصًا أفراح قرايبنا. كله بيتدخل في حياة التاني… وأسئلتهم، والله أصعب من امتحانات الثانوية العامة.
ثم أضافت بنفَسٍ منزعج: – وبعدين يعني… هو ده فرح ابن عم جدي! يعني لا هو ابن خالي ولا ابن خالِك. رحت أو ما رحتش، مش هتفرق. ولا حد هيلاحظ أصلاً.
وقبل أن ترد صابرين، اقتربت آية وطبعت قبلة على وجنتها في محاولة للتحايل برقة: – وحياتي عندك، خليني في البيت، بس خدي معاكي إيمان وطارق. مش عايزاهم يزعلوا ، والله.
تنهدت صابرين ملامحها مترددة، ونظرة عدم ارتياح مرت في عينيها: – يا حبيبتي… خالاتك وأولادهم هيكونوا هناك.
و مش حابة أسيبك لوحدك.
رفعت آية حاجبها بضيق، وردّت بنبرة لم تخفِ انزعاجها: – وده بالضبط واحد من الأسباب اللي بيخليني ماجيش. حضرتك عارفة خالتي هبة، كل مرة تشوفني لازم تفتح موضوع ابنها، ولما أرفض، تبدأ تلمّح وتقول كلام يستفز.
"شايفة نفسك على إيه؟"، "رافعه مناخيرك ليه؟"، مستنيه ابن وزير اللي هييجي يخطبك؟"
ثم أكملت بسخرية حزينة: – كل مرة أستغفر ربنا وأكتم غيظي علشان حضرتك ما تزعلِيش.
صمتت صابرين، ملامح وجهها خفت فيها الحيرة، فهي تعلم جيدًا أن آية محقّة، وأن طريقة أختها مؤذية.
قالت بحنان:
– خلاص، يا حبيبتي… براحتك. بس على الأقل، خلي معاك حد من إخواتك.
أجابت آية بلطف: – ماينفعش، يا ماما. إيمان وطارق لسه مخلصين امتحانات، و ماصدقوا إنهم يرتاحوا. وبعدين أنا ورايا مذاكرة كتير ومش هخرج من البيت أصلاً واللي هيقعد معايا هيزهق
. حضرتك روحي بالسلامة… وأنا هنا كويسة.
*********
في الجهة الأخرى من المدينة...
في منزل واسع بحي راقٍ، خرج شاب طويل القامة، عريض الكتفين، في أوائل الثلاثينات، يرتدي بنطالًا رماديًا وقميصًا طبيًّا نظيفًا، يحمل في يده حقيبته السوداء.
إنه الدكتور ممدوح حاتم… طبيب عظام ناجح، قليل الكلام، كثير العمل.
اتجه نحو طاولة الطعام، حيث كان والداه يجلسان. ألقى عليهما تحية الصباح على عجل، بينما يتفقد هاتفه، يستعد للانطلاق إلى عمله.
لكن صوت والدته المليء بالرجاء أوقفه: – رايح فين يا ممدوح؟ استنى… عايزة أكلمك في حاجة.
مد يده يتناول قطعة كيك بلا اهتمام، ثم قال بملل: – مش وقته، يا ماما… متأخر على الشغل.
جذبت يده برفق، أجبرته على الجلوس وهي تهمس بحزم أمومي لا يمكن مقاومته: – الدنيا مش هتطير من خمس دقايق. اقعد.
جلس مضطرًا، بينما يشير له والده بصبر أن يستمع لها.
قالت الأم بلهفة: – في واحدة صاحبتي جابت بنت قريبتها، مال وجمال وتعليم عالي… شوفها علشان خاطري.
أغمض ممدوح عينيه، يحاول كتم غضبه. كم مرة سمع هذا الكلام؟ كم مرة بدأ بنفس المدخل؟
ومع ذلك، ردّ بهدوء غير معتاد: – اللي تشوفيه، يا ماما… تمام.
ثم نهض، دون أن يضيف شيئًا، وتوجّه للخارج وهو في قمة غضبه الداخلي، … من تكرار هذا الحوار الخانق ،
نعم يشعر بفراغ عاطفي،
لكنه ايضا يغزوه شعور بالرفض المستمر لكل ما لم يلامس قلبه بصدق.
لكن في الداخل، كان قلب والدته يرقص فرحًا: – أول مرة يوافق دون مناهده
قالتها لزوجها، وهي تبتسم.
أما الأب، فمسح فمه بمنديل وهو ينهض من مكانه، يقول بفتور: – يمكن… ملّ من كتر ما رفض.
ولم يكن يعلم أحدهم… أن هذا الصباح الذي بدأ "عاديًّا"، سيحمل زلزالًا – حرفيًّا و عاطفيًّا – سيغير مجرى حياة ممدوح وآية إلى الأبد.
****
غادرت صابرين المنزل وهي تلتفت خلفها مرارًا نحو ابنتها الكبرى، آية، وكأن قلب الأم
لم يطمئن تمامًا، رغم ابتسامة ابنتها الواثقة.
أما آية، فجلست على الأريكة بعد أن أغلقت الباب، تنظر حولها في صمت، و تتنفس وحدتها بارتياح.
فتحت كتابها، رواية مترجمة من الأدب الإنجليزي، وبدأت تقرأ، لكن السطور كانت تتبعثر أمام عينيها، فقد كانت أفكارها تجول بعيدًا…
بعيدًا عن الأفراح، والأسئلة، والضغوط، وعن خالتها هبة التي لا تملّ من التدخل في خصوصياتها.
كانت ترتدي ملابس البيت، مريحة وعملية، وربطت شعرها كما اعتادت، لكنها لم تكن ترتدي عباءتها أو نقابها… فلم تكن تتوقع أن القدر سيزورها بهذا الشكل.
و… فجأة…
ارتجّت الأرض تحتها، و تمايلت الجدران كما لو أن المبنى قد أصابه جنون.
صرخة قصيرة أفلتت منها، ثم… هوى السقف.
خيوط الضوء انطفأت، و حلّ الغبار مكانها.
كانت آية تحت الأنقاض.
لم يغمَ عليها، لكنها لم تكن قادرة على الحركة. جزء من السقف سقط على جسدها وألم في كتفها جعلها بالكاد تلتقط أنفاسها. حاولت أن تتحسس هاتفها… لم يكن في متناول يدها.
– يا رب… لطفك يا رب، همست بها، ثم أغمضت عينيها.
مرّت دقائق طويلة، وصوت الحطام ما زال ينهار من حولها، قبل أن تبدأ تتسلل أصوات أخرى…
أصوات سيارات الإسعاف، و صافرات الدفاع المدني، وصيحات الجيران.
لا تعلم كم من الوقت مر وهي بهذا الوضع لقد كانت تمتلك إيمانا قويا جعلها لا ترتعب من وضعها الحالي بل ظلت تستغفر وتقراء ما تيسر من آيات القرآن
كانت هناك فكرة واحدة تشغلها كيف تخرج من تحت الأنقاض وهي لا ترتدي ملابسها الشرعيه
تلك الفكرة جعلت جسدها يقشعر بخوف
– حد سامعنا؟! لو في حد حي… خبط بأي حاجة!
وصلها هذا النداء الذي جعلها بين نارين تبقي في صمت ام تعلن عن وجودها جمعت آية ما تبقّى من قوتها، وضربت بقطعة معدنية كانت إلى جوارها.
– فيه صوت يا جماعة! حد حي لسه تحت!
تحرّك الفريق بسرعة، بدأوا الحفر، إزالة الأنقاض، وتحديد مصدر الصوت.
في تلك اللحظة، كان الدكتور ممدوح قد وصل إلى موقع الحادث.
توقف لثوانٍ أمام المشهد:
مبنى سكني مكوّن من أربعة طوابق سقط كليًّا،
بسبب أحد المستأجرين في الدور الأرضي يجهز المكان للسكن لكنه تلاعب دون قصد بهذا العمود الخرساني
ومجموعة من رجال الإسعاف يحاولون إخراج من تبقّى من بين الحطام.
لم يكن الوقت للدهشة… ارتدى قفازاته، حمل حقيبته، و توجّه إلى نقطة الإنقاذ.
اقترب أحد رجال الحماية المدنية يبلغ قائده:
– في بنت حيّة تحت، بترد علينا، بس مش راضية تطلع.
تلك الكلمات جذبت انتباه ممدوح بشدة لم يستطع منع فضوله لذلك اقترب منهم وسأل
بدهشة:
– مش راضية تطلع؟ ليه؟
– بتقول مش لابسة لبس ساتر، ووشها مكشوف، ومش هتطلع كده.
نظر ممدوح إلى الرجل، ثم اتجه إلى المكان المحدد، ركع على ركبتيه جوار شقٍ بين الأنقاض، اقترب بصوت منخفض:
– السلام عليكم… أنا الدكتور ممدوح. بتسمعيني؟
جاءه صوتها، خافتًا، مترددًا… لكنه ثابت:
– وعليكم السلام… أيوه، سامعاك.
– الحمد لله… طمنيني، في إصابات؟
– كتفي بيوجعني… بس أقدر أستنى شوية. بس بالله عليكم… ما تطلعونيش كده.
– "كده" يعني إيه؟ و ضّحيلي.
– مش لابسة لبس شرعي، ووشي مكشوف، و نقابي مش معايا. مش هينفع أطلع كده… مش مستورة.
تجمّد في مكانه… لم يكن الرد متوقَّعًا.
لكن شيئًا ما داخله… احترمها فورًا.
وسط ركام الموت، تمسكت بحيائها كأنه درعها الأخير.
قال برفق:
– بس حياتك بخطر… السقف اللي فوقك آيل للسقوط. أي لحظة ممكن يقع.
ردّت، ونبرة صوتها مليئة بالإيمان:
– الموت أهون عندي من إن حد يشوفني بالشكل ده. أنا عمري كله كنت مستورة …
أغمض ممدوح عينيه، شعر بشيء في صدره يتحرك.
هل هو انبهار؟ إعجاب؟ رهبة؟
لم يكن يعرف، لكنه قال بعد لحظة:
– طب، طيب، نغطي المكان، ونرمي ملاءة أو أي حاجة من فوق… ونساعدك تطلعي، محدش هيشوف حاجة.
– حضرتك هتشيلني؟ أنا محلش ليك .
ابتسم، رغم الموقف.
قال وهو ينظر إلى رجال الإسعاف:
– طب… فكرتي مجنونة شويه.
اديني رقم والدتك… وأنا هطلب إيدك، ونكتب كتابنا دلوقتي.
ساد صمت.
قالت بدهشة:
– حضرتك بتقول إيه؟ إنت بتتكلم بجد؟
– أيوه… ما شوفتش وشك، بس شوفت ستر قلبك. إيمانك … خلاني عاوزك.
ضحكت رغم دموعها، وغمغمت:
– ماما هتقول عليك مجنون.
ردّ بابتسامة:
– ممكن. بس المجانين بس هما اللي بيحبوا صح.
ثم أخرج هاتفه، واقترب أكثر:
– قوليلي رقم والدتك.
ترددت، ثم استسلمت لصوتٍ داخلي لم تعهده من قبل:
– زيرو… عشرة… سبعة واحد...
كانت يده تتحرك بسرعه وهو يضغط على زر الاتصال. الرقم الذي أعطته له آية… رقم والدتها.
ثوانٍ معدودة، ثم جاء صوتٌ متلهّف من الطرف الآخر، صوتٌ أرهقته الخوف والركض
– أيوه؟!
– مدام صابرين؟ حضرتك والدة آية؟
– أيوه… هي كويسة؟ طمنّي عليها يا ابني، … أنا في الطريق
أخذ ممدوح نفسًا عميقًا، وغمغم بهدوء:
– هي كويسة… عايشة، الحمد لله، بس فيه حاجة محتاجة حضرتك تعرفيها.
– إيه؟!! هي مصابة؟
– لأ، الحمد لله الإصابة خفيفة، بس هي تحت الأنقاض… ورافضة تخرج علشان مش مستورة. مش لابسة اللبس الشرعي، ومش معاها نقابها.
صمتت صابرين للحظة، وكأن عقلها يحاول استيعاب كلماتٍ ما كانت يومًا تتوقعها.
– لا لا مش وقت كلامها ده أرجوك كده ممكن تروح فيها ده ربنا غفور رحيم ودي ظروف غصب عنها … طلعوها بأي طريقة. ربنا يسترها… دي بنت مؤمنة، وربنا مش هيضيعها.
– أنا متفق معاكي… علشان كده بكلمك. أنا…
عايز أكتب كتابي عليها دلوقتي، رسمي، قدام الناس، علشان أقدر أطلّعها وأنا جوزها.
جاء صوت شهقة مكتومة من صابرين، ثم همست:
– إنت عارف انت بتقول إيه؟ لا احنا نعرفك ولا أنت تعرفنا والجواز حياة مش سهل قرار زي ده خرجها غصب عنها ٠
–مينفعش أخرجها غصب عنها وبعدين حضرتك خايفه من أيه أنا طلبها منك قدام عدد كبير جدا من الشهود
تنهدت بتعب فهي تعيش حاله رعب أنت حتي مشفتهاش
- أنا ما شُفتهاش . بس شفت سترها، وخوفها، وشوفت بنت رفضت تطلع من تحت الموت إلا وهي مستورة.
لو دي مش ستّ تستاهل الواحد يدوّر عليها بعمره كله… تبقى مين؟
خنقتها دموعها، وغصّت بصوتها:
– طب… يا ابني، حضرتك مين؟
– دكتور ممدوح حاتم، طبيب عظام، شغال مع فريق الإنقاذ النهارده.
أنا هجيب مأذون والناس كلها شهود.
أنا أديها اسمي، بس تساعدني أخرجها قبل ما ينهار السقف اللي فوقيها.
ارتجف صوت صابرين:
– طب لحظة… لحظة كلّمها، خليني أسمعها.
اقترب ممدوح من الشق الضيق الذي يصل منه الصوت، ومد الهاتف:
– آية… مامتك معايا.
– ماما؟
– حبيبتي يا آية! إنتِ بخير؟!
– أيوه يا ماما… متخافيش، الحمد لله… بس أنا مش هطلع كده، ربنا يسترني.
– بصي يا حبيبتي… الدكتور ده بيكلم جد، وبيقول هيكتب كتابه عليكي دلوقتي.
أنا مش هقولك اعملي حاجة غصب عنك، بس يا بنتي… أنا مطمنة له.
سكتت آية.
كانت الكلمات ثقيلة، والموقف كله خارج عن أي منطق.
منذ دقائق، كانت على الأريكة، تقرأ. والآن… يتقدّم شاب لطلب يدها من تحت الأنقاض.
ترددت، ثم قالت بصوت خافت:
– ماما… إحنا متقابلناش حتى!
– يا آية… الناس بتقعد شهور تتعرف، وفي الآخر تكتشف الفشل.
لكن اللي حصل ده… لو مش قدر، يبقى إيه؟
ثم جاء صوت دافئ من خلف الهاتف… صوت ممدوح:
– آية… أنا مش باطلب منك تحبيني دلوقتي، ولا حتى تصدقيني.
أنا بس عايز أطلّعك، أخلّصك من الخطر، وأبقى ضامن إنك مستورة، بمرضاة ربنا.
سكتت… ثم بكت.
لكنها لم تبكِ خوفا من الموت ، بل من شدة الخوف على سترها… ومن غربة هذا الرجل القريب، الذي شعر بها وكأن الله بعثه خصيصًا من بين الركام.
قالت أخيرًا، بصوت متردد:
– طيب… بس يكون شيخ معاكم، وكل حاجة شرعية.
– حاضر، في شيخ واقف في شارع الناحية التانية، هييجي دلوقتي.
أسرع ممدوح يطلب الشيخ، وأتى خلال دقائق وسط الحشود.
كل الناس كانت تشهد ما يحدث… عيونٌ دامعة، وآذان مُترقبة، وقلوب معلقة بين السماء والأرض.
وقف الشيخ، نظر لممدوح:
– متأكد يا ابني؟
– أكتر من أي قرار خدته في حياتي.
املتهم كل بياناتها وتم عقد القران… وسط الدموع، وبين الركام، على ضوء الشمس الذي تسلّل من بين الغبار.
قال الشيخ بعد تمام العقد:
– مبروك… أصبحت زوجتك على سنة الله ورسوله.
نزلت دمعة حارة من عيني ممدوح، الذي لم يتوقع أن يرتبط بتلك الطريقة أو يرتبط من الأساس وقال بحنان غريب
:
– دلوقتي… نخرجك، يا آية.
قالت آية بخجل:
– مستورة؟
– مستورة، والله… جبتلك ملاءة، وغطيت بيها المكان كله.
ثم تم رفع القطع الأخيرة من الأنقاض، واقترب ممدوح بحذر… كانت مغمضة عينيها، لكنها لم تكن منهارة..
حملها بذراعيه، وهي يلف جسدها بالكامل، ثم خرج بها من بين الركام، وسط تصفيق من الحاضرين، وبكاء من غرباء لم يعرفوها… لكنهم أحبوها.
*********
في ممرات المستشفى، كانت رائحة المطهّرات تطغى على كل شيء، لكن الدفء الذي شعرته آية بين ذراعي ممدوح كان يطغى حتى على برد الحديد من حولهم.
نُقلت إلى غرفة الطوارئ، وقام ممدوح بالتعامل مع إصابتها في الكتف وبعض الكدمات السطحية.
كانت صامتة، هادئة… كما لو أن زلزالًا داخليًا أكبر من انهيار العمارة قد زلزل وجدانها.
عينها على الحائط، لكنها لم تكن ترى، بل تسترجع كل ما جرى:
كيف كان من الممكن أن تموت، وكيف كتب الله لها النجاة… بزواج!
استدعي ممدوح لحاله أخري تركها مع الممرضه وخرج دون أن يري ملامحها أو تراه
عاد ممدوح بعد نصف ساعه ، وهو لا يكف عن التفكير.
كل ما فيه كان يتحرك… قلبه، عقله، حتى أصابعه.
هل حقًا فعل ما فعله؟!
هل كتب كتابه على فتاة لم يرها؟
ولماذا يشعر بالسكينة، لا التردد؟
بعد دقائق، خرجت إحدى الممرضات:
–دكتور ممدوح؟
– المدام بتسأل لو ممكن تشوفك دقيقة قبل ما تنام من أثر المسكن.
– طبعًا، طبعًا.
دخل الغرفة بخطوات ثقيلة، وهو لا يعلم أي شعور يهيمن عليه: الفضول؟ التوتر؟ الخوف؟ الإعجاب؟
كانت نائمة شبه مستلقية على الفراش، وجهها مكشوف، حجابها مائل قليلًا لكنه لا يزال يغطي رأسها، وعيناها تراقبانه في صمت.
ثم…
رآها.
للمرة الأولى… رآها.
ووقف مشدوهًا في مكانه، كأن الزمن تجمّد.
لم يكن يتوقع أن تكون هكذا…
جمالٌ صافٍ، فريد، نقيّ كالماء.
ملامح هادئة، عينان واسعتان كأنهما تسكنان فيها حدائق من نور،
شفتان لا تتكلمان… لكنهما تقولان كل شيء.
شعر أن قلبه توقف لثانية… ثم دقّ بشدة.
تنحنحت آية بخجل:
– حضرتك... ممدوح؟
أفاق من ذهوله، وتنبه لنظراته التي طالت
(ثم رد بصوت خافت)
الحمد لله… الحمد لله إنك منتقبة.
الحمد لله إنك ما كنتيش يوم مكشوفة لحد.
وإن أنا… الوحيد اللي ربنا كتب له يشوفك، بعد ما بقيتِ حلاله.
نظرت إليه آية، وفي عينيها دمعة ناعمة، لا تعرف إن كانت من رهبة الموقف… أو من دفء كلماته.
اقترب منها قليلًا، وهو لا يزال يتحاشى النظر المباشر، ثم قال:
– أنا آسف لو طولت، بس كنت عايز أقولك…
أنا مش عارف إزاي حصل اللي حصل، بس حاسس إن ربنا رتب كل ده، علشان أوصلك.
– خفضت رأسها بحياء وهي تهتف
أنا كمان… مش عارفة أقول إيه،
بس كنت بدعي من زمان، أن ربنا يرزقني بشخص يخاف علي ستري اكتر من نفسه
ابتسم وهو يتنهد:
– نجاة… وأنا كنت الغريق.
ضحكت ضحكة خافتة وهي تهمس:
– يعني إحنا اتقابلنا تحت التراب؟
– أيوه… و اتكتب لنا نبدأ من فوق الأرض، على أساس صلب.
ساد بينهما صمت جميل، ليس بين اثنين غرباء، بل بين زوج وزوجته.
ثم قالت وهي تنظر نحوه بامتنان:
– أنا ارتحت، قوي.
– وأنا… ارتحت ليكي، قبل ما أشوفك.
ثم وقف :
– أنا هسيبك ترتاحي دلوقتي، بس قبل ما أمشي، ممكن طلب صغير؟
– اتفضل…
– لما تفوقي تمام… ما تلبسيش النقاب بسرعة.
اديني بس دقيقة واحدة…
أبصلك تاني، بس بعين جوزك.
ضحكت آية، لأول مرة بعمق، ثم غطّت وجهها سريعًا وهي تقول:
– براحتك… بس دقيقة واحدة بس.
خرج ممدوح، ووجهه يشتعل فيه حرارة حياء لم يشعر به منذ سنين.
وفي قلبه…
كان طفل صغير يركض فرحًا وهو يردد:
"ربنا بعتهالي… وأنا ما طلبتش."
*****"
في زاوية صغيرة من مستشفى "السلام"، جلس ممدوح أمام والدته "فاتن" ووالده "المستشار حاتم"،الذي اتصل يطلب سرعة حضورهم معا لأمر طارئ
ارتعبت والدته التي حضرت تهرول بعدم استيعاب لتلك المكالمه وعندما رأته كانت عيونه شاردة، وكلماته بطيئة كأنه يمشي فوق قشور بيض.
فاتن بتوتر، وهي تقلب كفّيها:
– مالك يا ابني؟ إيدك بتترعش ليه؟ أنت تعبان؟
– لأ يا ماما… أنا كويس.
– طب وشك متغير كده ليه؟
– علشان عندي خبر مهم… محتاج شوية عقل وهدوء قبل .
نظر له والده، و غمغم بنبرة جادّة:
– قول يا ممدوح.
– بابا… ماما…
تنفّس بعمق، ثم أطلق القنبلة:
– أنا اتجوزت.
مرّت ثانيتان… ثلاث…
قبل أن تصرخ فاتن:
– اتجوزت إيه؟! إزاي؟! إمتى؟!
– من حوالي ساعتين… وهي دلوقتي جوه في أوضة رقم ٢١٥، في نفس المستشفى.
شهقت الأم، وقامت واقفة:
– يعني إيه؟ يعني واحدة من الممرضات؟ واحدة كنت بتعالجها؟
إنت فاكر الجواز هزار؟
ولا بتقولها كده علشان تخلّص من الضغط اللي عليك؟
– جذب يدها يجلسها وهو يتحدث بهدوء لأ، يا أمي … أنا ما بهزرش.
أنا اتجوزت واحدة ربنا بعتهالي من السما، في لحظة موت.
تدخّل الأب، وقال بنبرة عقلانية لكن مذهولة:
– بالراحة شوية… فهمني ازاي تتجوز وانت لسه خارج من البيت من كام ساعه
جلس ممدوح، ثم حكى بهدوء كل ما حدث… من أول اتصال الإسعاف، وانهيار العمارة، وحتى اللحظة اللي طلب فيها رقم والدتها وكتب كتابه عليها وسط الركام.
كان صوت فاتن في البداية مندفعًا، معترضًا، لكن شيئًا ما في عيني ابنها… أربكها.
قالت بتردد:
– يعني… ما شُفتهاش؟
– لأ، ما كنتش شوفتها… بس شوفت سترها، وخوفها من ربنا، و تمسكها بحيائها وهي تحت الأنقاض بين الموت .
صدقيني يا ماما، عمري ما شفت في حياتي حاجة بالشكل ده.
هنا هدأت فاتن قليلًا… ثم سألت:
– واسمها إيه؟
– آية.
– بنت مين؟
– بنت مدام صابرين، أرملة، عندها بنت تانية وولد صغير، ساكنين في العمارة اللي وقعت.
– و... لبستها دبلة؟
– نظر لها بعيون متسعه مفيش دبل، هجيب دبله منين يا امي في الظروف دي .
وقفت والدتها وهي قد أخذت قرارها عايزه اشوف خطيبة ابني
وقبل أن يرد عليها، دخلت إحدى الممرضات:
– دكتور ممدوح؟ مدام آية فاقت، وطلبت تشوفك و معاها والدتها.
نظر إلى أمه، وقال:
– تعالي يا امي … شوفوا أيه .
*******
في غرفة المستشفى
كانت صابرين تجلس جوار السرير، تمسك بيد ابنتها التي استعادت لونها ووعيها.
أيه وجهها هادئ، وابتسامة صغيرة لا تفارق شفتاها، رغم أنها لا تصدق كل ما جرى.
دقّ الباب، ثم دخل ممدوح، ومعه والدته ووالده.
نظرت صابرين إليهم بترحاب، وقامت واقفة:
– أهلاً وسهلاً بحضراتكم.
صافحها الحاج حاتم بأدب، وقال:
– إحنا اللي لازم نشكركم… وربنا يتمم بخير.
أما فاتن، فكانت تنظر نحو آية تطالع ملامحها و حيائها بحرج، لأنها تعلم أن صوت صراخها وصل لهم ثم هتفت بتردد:
– أنا… آسفة لو تصرّفت بغرابة، بس الصدمة كانت كبيرة.
ابتسمت آية، و غمغمت وهي ما تزال على السرير:
– عندكم حق. اللي حصل مش طبيعي… ولا أنا مصدقة لحد دلوقتي.
اقتربت فاتن، ثم جلست على الكرسي المقابل، و أمسكت بيد آية فجأة:
– بس أنا… قلبي طمنّي ليكي، أول ما شفتك.
ونظرت لممدوح وقالت:
– ودي أول مرة ابني يحكي عن واحدة وهو عينيه فيها حياة.
أنت هتبقي بنتي وحبيبتي لانك مرات الغالي
تابع ممدوح ما يحدث بفرحه داخليه لتلك البداية
ثم وجهت نظرها لابنها وهي تهتف بفرحه كبيرة اجمل واغلى شبكه لاجمل عروسة
تداخلت مشاعر الجميع، وبدأ الموقف ينقلب من توتر، إلى ألفة، ومن غرابة… إلى طمأنينة.
قالت صابرين بصوت هادئ:
– بنتي دي أغلى ما عندي، وربنا يعلم أنا كانت نيتي مجوزهاش غير بعد الجامعه
لكن اللي حصل النهارده، بيأكدلي إنها اتكتبت لرجل يعرف قيمتها.
همس ممدوح:
– وأنا… عمري ما تخيّلت إن الجوهرة دي تقع بين إيديّ.
ضحكت آية بخجل، و غلبها الحياء، فغطّت وجهها بيدها، و همست لأمها:
– يا ماما… أنا فعلاً بقيت مراته؟!
ردّت صابرين و الدمعة في عينها:
– أيوه، يا بنتي ربنا يجعله سند ليكي وتكوين جنه ليه
*********
أصرت فاتن علي عمل زفاف يليق بإبنها الوحيد
وعندما دعت صابرين أهلها صدمت من رد فعل اختها التي تحدثت بكلمات جارحه تمس شرف ابنتها وكانت تلك الكلمات أخر خيط يربط الأختين لأن صابرين لم تعد تتحمل أكثر من ذلك
كان الزفاف في قاعتين واحدة للحريم و الأخري للرجال
وبعد الإنتهاء توجه ممدوح لقاعه الحريم يلبس عروسه شبكتها تحت زغاريد وتهاني الجميع
انحني ممدوح يقبل يدها وهو يهتف بابتسامه جذابه نورتي حياتي يا آية
بادلته الإبتسام وهي تهتف أنت حياتي يا دكتور
*********
تمت
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺