رواية صقر الصعيد الجزء الثاني بقلم الكاتبه نورا عبد العزيز حصريه وجديده وكامله جميع الفصول في مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني بقلم الكاتبه نورا عبد العزيز حصريه وجديده وكامله جميع الفصول في مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
مقدمة الجزء
دلفا معا من باب الشقة ناظرة إلى الأرض بخجل شديد منه لأول مرة يغلق عليها باب شقة مع رجل آخر غير أخاها بالرغم من أنه ليس بغريب بل زوجها والأقرب بها من أى شخص آخر، أغلق باب الشقة بهدوء ثم أقترب منها وهتف بخفوت شديدة هامساً لاذنيها قائلة:-
- تسمحيلى
رفعت نظرها له بتوتر وأتسعت عيناها على مصراعيها فخرجت نبرة صوتها بتلعثم شديد من القلق قائلة:-
- أسمحلك أيه؟ أنت عاوز ايه؟
ضحك لها وبدون مقدمات أو أن يتفوه بكلمة واحدة حملها على ذراعيه بهدوء فخرجت منها صرخة هادئة من دهشتها فقال لها غامزاً لعينيها بعينه اليسري قائلاً:-
- مش عروسة لازم أشيلك زى العرايس لأحسن تقولى جوزى عجوز
همهمت له بصوت مبحوح هادئاً قائلة:-
- لا مهجولش أكده نزلى بجى
تبسم لها ثم قال بحب شديد هايماً في نظرة عيناها وملامحها:-
- ياخراشي ياناس على مهجولش دى.
صمتت بخجل شديد منه فأتجه بها نحو غرفتهم وهي تعض شفتيها بحياء، أنزلها على الفراش برفق شديد كأنه ينظر طفلته على فراشها برفق خوفاً من أن تستيقظ منه فعدلت من هيئتها بخجل وهي تضع يديها على فستان زفافها فشعرت بيده اليمنى تعانق عنقها بحنان واضعاً شفتيه على جبينها بدفء وترك لها قبلة ناعمة تطمئن قلبها مُقللة من توترها الزائدة ورجفتها التي شعر بها أثناء حمله لها فأغمضت عيناها بصمت وبقت ساكنة أمامه وتفرك أصابعها ببعضهم تارة وتغلقهم على فستانها تارة آخري، أبعدت عنها بينما ينظر لعينيها بهيام ثم قال بصوت دافيء:-
- غيرى هدومك بس عشان أنا جعان جداً وأنا هحاول أسخن الأكل.
وقفت من مكانها مُسرعة وقد نسيت خجلها وحياءها منه فهى زوجته ويجب أن تلبي طلباته قبل أن ينطق بها وقالت بأستعجال:-
- طب أنا هسخنه متتعبش حالك، على ما تغير خلجاتك هيكون الوكل جاهز
قرص وجنتها بلطف وأجلسها مرة آخري على الفراش مُبتسمًا لها ثم قال بعفوية:-
- أقعدى هنا وأنا هجهز كل حاجة غير هدومك بس.
خرج من غرفته تاركها خلفه، لم تنتظر أكثر ووقفت من مكانها سريعًا وفتح خزانة الملابس ثم غيرت ملابسها وخرجت له بحثت عنه بعينيها فلم تجده، دلفت إلى المطبخ ووجدته يقف هناك بعد أن نزع جاكيت بدلته رافعاً كم قميصه الأبيض إلى ساعده مُحاول تدفئة الطعام لهما.. أسرعت نحوه بهدوء وأخذته منه المقلاة تسمر مكانه مُندهش بجمالها وأنوثتها، كانت جميلة بقدر كافى يأسر قلبه وعيناه لها، شعرت بنظرته نحوها فأرتبكت منه لكنها أكملت ما تفعل خاجلة منه وهو يختلس النظر لها بل وبوضوح تام، جهزت الطعام له مُربكة منه ثم قالت بصوت ناعم:-
- أتفضل الوكل جاهز.
جلس على أحد مقاعد السفرة بحماس مُبتسماً لها ويقول مداعبها:-
- أحلى مرة هأكل فيها والقمر قاعد معايا على سفرة واحد وفاتح نفسي
ضحكت برقة على غزله الصريح لها، ثبتت عيناه عليها مُتأمل ضحكتها الرقيقة مثلها فخجلت منه وقالت بينما تنظر لطبقها:-
- كفاية بص بجى وكل، مش كنت جعان
- ما انا شوفت القمر شبعت
قالها بينما يمسك يدها بعفوية فشعرت بالقشعريرة تسير في جسدها وتوردت وجنتيها بلون دماءها المتدفقة في جسدها، نظرت له بخجل وأرتباك فوقف ماسكاً بيدها لتقف معه ناظرة للأرض فقال بمرح وهو يحيط كتفيها بذراعه:-
- سيبك من الأكل أنا جايبلك حاجة أحلى جوا.. تعالى أوريهالك.
فضحكت بخجل ودلفت معه إلى غرفتهما وهي تفهم ما يقصوده بحديثه وهو الآخر علم أنها فهمت المقصود فأحمرت وجنتها بشدة تلك المرة وبردت يدها مما يدل على توترها فلم تكن فريدة بالأسم فقط بل كانت له فريدة بكل شيء بها مُختلفة عن جميع الفتيات وحدها من أستطاعت السيطرة على قلبه والعبث به كما تشاء أما هو لا يستطيع معارضتها أو الجدال معها مهما فعلت به فقد جرب معنى فقدها الحقيقي حينما أوشكت على الفراق فعلم ماذا تعنى له وكيف سيكون بدونها إذا رحلت عنه أو لو فكرت مجرد فكرة البُعد عنها فكانت وستكون فريدته الأستثنائية مهما طال الزمان بهما معا أو مهما واجها معا فستكون هي أستثناءه الوحيد بقاموس الحياة وقوانين الكون...
فتح "صقر" عيناه صباحاً بعد أن أزعجه صوت الضجة بالخارج فظل يفرك بفراشه محاولاً النوم ولكن لم يستطيع، نزل من فراشه وأخذ تيشرته بيده وخرج للخارج مُرتدي تيشرته فوجدها تقف على السفرة وتجهز الأغراض للذهاب لأخته بصباحية تبارك لها فهتف مُتمتماً:-
- بتعملى أيه؟ أيه دا كله
قالت باسمة له بسعادة بينما أعتدلت في وقفتها واضعة يدها على بطنها المنتفخة قليلاً:-
- بحضر الحاجة عشان صباحية فريدة ونبارك بقي، جهز نفسك بسرعة وخد الدوش
سألها بأستغراب فهى أول عروس لديه ولا يعرف فهذه الأمور كثيراً:-
- كل دا مشان الصباحية، وهنروح دلوج.
أقتربت نحوه باسمة بينما وضعت يدها على صدره تداعب تيشرته بأنامله بطريقة طفولية وعيناها تلمع ببريقها الساحرة وهتفت قائلة:-
- ياحبيبي لسه على ما تاخد دوش وتحضر الفطار ونفطر فيها ولو ساعتين
تبسم على دلالتها المُفرطة فهى تفعل كل ذلك من أجل الفطار وجعله يحضر لها الفطار بنفسه فوضع يديه في جيبه بغرور مصطنع وقال بتهكم:-
- وتحضر الفطااار
- اه تحضر الفطار
رفعت حاجبها له ببراءة وقالت بعفوية طفولية لم يراها بها سواه ولن سيراها غيره زوجها وحبيبها فوضع قبلة على جبينها بلطف ثم أخذها إلى الأريكة مُحدثها بدفء:-
- فطار وغدا وعشاء أن أمكن ياأميرتى، تعالى أجعدى أهنا أرتاحى هبابه وأنا هحضر الفطار
تبسمت له وهو يجلسها على الأريكة ويقول هذا الحديث ثم ذهب وقبل أن تتلاشي بسمتها عاد مُجدداً لها وقال بحماس وحنان:-
- أتسلي في الفاكهة دى أتغذي أنتى والنونو
ضحكت عليه وأومأت له بسعادة وولج هو إلى المرحاض مُبتسماً يتمنى أن تدوم سعادتهما وتلك اللحظة لأول فترة مُمكنة دون أن ظهور مشكلة جديدة لكن هل ستتحقق تلك الأمنية البسيطة التي تمناها أم ستكون أمنية محالة التحقيق؟...
كانت صرخاتها تعم المكان مقيدة أمامه وتصرخ بكل قوتها وهو لا حول ولا قوة له مُلقي على الأرض تسيل دماءه من كل أنش في جسده لا يستطيع تحريك حتى عقلة أصبعه وعيناه مُثبتة عليها وهي على الأرض تصرخ وتبكى بعد أن أبرحها ضربها مثله تماماً ويرى دماءها تسيل وتحديداً من بين قدميها فيبدو أنهم تلك الذئاب البشرية قتله طفلهما من قسوتها وهو لا يستطيع تحريك عيناه وفي أقل من ثانية نظرت له بضعف تستنجد به ثم أغمضت عيناها بلا رجعة مُستسلم لما فعلوا بها وبطفلها، حاول الصراخ مُستنجد بأى شخص ينقذ زوجته التي تصارع الموت فنفذت طاقته هو الآخر فاقداً الوعي مكانه دون حركة...
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الأول
فتح عيناه وهو يلهث بذعر من ذلك الكابوس الذي راوده، جلس على فراشه يمسح وجهه بيده وأخرج تنهيدة قوية فولجت إلى الغرفة ورأته يجلس على فراشه في الظلام، فتحت الضوء وهي تقول: -
- صباح الخير ياحبيبى، يللا عشان نلحق نروح لفريدة
لم يجيب عليها، أقتربت منه بأستغراب ثم جلست أمامه بذهول من تسمره وقالت: -
- مالك يا أيمن؟
نظر لعيناها بصمت وهو يتأمل ملامحها وكيف كانت تبكي بمنامه صارخة مُتألمة لم يشعر بنفسه سوى وهو يجذبها لصدره يعناقها بخوف شديد فأتسعت عيناها على مصراعيها بدهشة ثم أربتت على ظهره بحنان وتقول: -
- أنت كويس؟ متقلقنيش عليك..
شعرت بقبلة دافئة على كتفها ويديه تمسح على رأسها وظهرها بهلع، تبسمت بحب وأخرجت نفسها من بين ذراعيه وتملك وجهه بين كفيه قم همهمت قائلة: -
- في أيه؟
- مفيش ياحبيبتى، كابوس مُخيف بس.
قالها مُبتسماً أبتسامة مزيفة ثم وضع قبلة على جبينها بحنان، فوقفت بسعادة وهي تقول: -
- طيب يا حبيبي، قول أعوذ بالله من الشيطان الرچيم وقوم يللا عشان تفطر على ما ألبس الولاد عشان نروح لفريدة، جالان أتصلت وصقر مستنيك.
تنفس بأرتياح وقام من فراشه ثم خرج من الغرفة خلفها...
دلفت إلى الغرفة بعد أن أعدت له الفطار مُرتدية منامتها القطنية القصيرة تصل لركبتيها بقط، فتحت الضوء ثم جلست بجواره على الفراش تقظه، أردفت بصوت هادئة ونبرة ناعمة قائلة: -
- حبيبي أصحي بجي، يا نبيل جوم بجي أنا زهجت من الجاعدة لحالى
أستدار للجهة الآخري متذمراً عليها راغباً بالمزيد من النوم، أبعدت عنه الغطاء وقالت مُتذمرة عليه: -.
- يا نبيل جوم بجى، حبيبي وحياتى تصحى يللا
كان مُغمض العينين لكن أذنه مُستيقظة جيداً بمجرد سمعه لتلك الكلمة أستدار لها بسعادة قائلاً: -
- أنتى قولتى حبيبي صح أنا حبيبك
توردت وجنتيها بحياء منه ثم قالت بنبرة دافئة ناعمة تذيب قلبه العاشق: -
- اه حبيبي مش أنت حبيبي
أقترب نحوها بهيام مُتأملاً ملامحها بعد أن زادت جمالاً بأحمرار وجنتيها وقال بحب مُتغزل بها ليزيد من ربكتها: -.
- دا أنا حبيبك غصب عن أى حد، أنا أطول دا العالم كله بيحسدنى على القمر دا
قالها وهو يمسك ذقنها بيده فتقابلت عيناهم معاً في نظرة مليئة بمشاعرها وحبهم الخالد بقلوبهم فوضعت يدها فوق يده مُتشبثة بها بقلب ينبض جنوناً له وحده ثم قالت برقة ناعمة: -
- أنا بحبك جوى جوى
وضع خصلات شعرها خلف أذنها مداعباً أياها ثم قال بحب باسماً لها: -
- جوى جوى كان فين الكلام دا من زمان
ضحكت له ببراءة طفولية وقالت بعفوية ودلال: -.
- ما أنت بجيت جوزى بجي من حجى أحب فيك براحتى وأدلعك كمان
- الله على جوزى دى وهي طالعة منك ياقلب جوزك من جوا وحتة منه
قالها بشوق بينما يده تنزل إلى عنقها مداعبة له مستكشفة دفئه، بقت ساكنة بين ذراعيه تاركه يفعل ما يشاء أقترب نحوها وقبل أن يفعل شئ أستوقفه صوت جرس الباب فصاحت به منتفضة من أمامه: -
- يالهوى جالان أتصلت وجالت أنهم جايين، عجبك اكدا جعدت تحب وتدلع وملبستش..
وقف من مكانه مُتذمراً على المجهول الذي دق الجرس بهذا الوقت، خرج ليفتح الباب بينما هي وقفت تغير ملابسها بسرعة مُرتدية عباية صباحيتها البيضاء فدلف لها بوجه عابث وقال: -
- أنتى طلبتى عيش من الأمان
- اه يا حبيبي عشان الفطار
قالتها وهي تعلق حلق أذنها بها ثم أخذت منه الخبز وخرجت مُسرعة قائلة: -
- غير خلجاتك بسرعة، صجر على وصول
عض شفتيه بأغتياظ وركل المقعد بقدمه فألمته وجلس على الفراش مُتذمراً.
- يا صقر هم شوية أمال زمانهم مستنيين
قالتها بضيق وعصبية من تأخيرهم، خرج من غرفته مُرتدي بنطلون أسود وقميص رمادي يقول: -
- مش أنتى اللى معجبكيش خلجاتى ولازم أغير
أخذته من ذراعه بأستعجال للخارج هاتفة بعفوية: -
- اه يللا بقي يا صقر، تعبتنى معاك الله
- خلاص أهو أعمل أيه تانى يعنى.
خرج أيمن من غرفته فوجدها تقف تنتظره مع أطفالهم وفور خروجه صاح أطفاله قائلين: -
- وأخيراً بابي خلص
رمقه بنظرة حادة أم هي فقهقهت ضاحكة عليهم فقال بأستياء: -
- دا على أساس أن بابي هو اللى قعد ساعة يلبس مش كدة
عقدت مكة ذراعها أمامها بطريقة طفولية وقالت بضيق: -
- أنت اللى مساعدتش مامى في لبسنا..
بتر حديثها يوسف وهو يقول بغرور مصطنع طفولى: -
- هو إحنا مش ولادك زى ما إحنا ولادها ليه مبتساعدهاش.
- رجالة أخر زمن صحيح
قالتها ملك بينما تضع يدها في خصرها بكبرياء طفولية، أتسعت عيناه بذهول من تذمر أطفاله عليه ويعاقبوه كأنه مُتهم أمامهم ام هي فكانت تضحك على تعابيرهم وحركاتهم الطفولية واضعة يدها على فمها تحاول كتم ضحكاتها، أشتاط غضباً منهم فدفعهما جميعاً للخارج برفق قائلاً: -
- طب أتفضلوا قدامى يللا، أتفضلى يا ست ماما قال بيتخانقوا عشانها قال أتفضلى.
رمقوا لثلاثتهم بعينهم نظرة ماكرة تشع غضب ثم قالوا بلهجة غاضبة: -
- براحة على مامى وأختنا / أخونا
نظر لهم وقبل ان يعقب عليهم أستوقفه شجارهم المعتاد معاً على طفلها الموجود فأحشاءها فتلك الأميرتان تريدا طفلة مثلهم أم هذا الفارس يريد طفل مثله، تحول غضبه لضحكات عليهم فأصبح أتحادهم حرب بينهم...
أقترب نحوها بهدوء خافت ناظراً لعيناها فرفعت نظرها له بخجل شديدة ووجنتيها توردت باللون الأحمر وكأن دماءها تدفقت لرأسها وشعرت بحرارة جسدها ترتفع فأغمضت عيناها بأستسلام حينما وضع يده على عنقها ثم فتحتهما ببطيء شديد فتبسم لها بخفوت ثم وضع قبلة على جبينتها، شعرت بدقات قلبها تتسارع بقوة حين وضع شفتيه على جبينتها ثم أبتعد عنها وهمس لها بحنان: -
- بحبك يافريدة وهفضل أحبك العمر كله.
نظرت لعيناه بهدوء مُبتسمة له بهيام شاردة في ملامحه معاً بعالم آخر لكن لحظته لم تدوم كثير فقطعها جرس الباب مرة آخر ولم تنتظر ثانية واحدة أو الأستئذان منه بل ركضت من بين ذراعيه للخارج دون الأهتمام به فعض شفتيه بأغتياظ راغباً بقتل من دق الباب خصيصاً لو كان أخاها، ضرب الحائط بقبضته ثم أستدار راسماً بسمة مزيفة لكن ملامحه ووجه العابث واضحان، خرج من الغرفة يقول بأغتياظ ويكز على أسنانه: -.
- نورتنا والله وشرفتونا
أقترب أيمن منه ضاحكاً وقال: -
- مبروك ياعريس صباحية مباركة
ثم عناقه وهمس بأذنيه يشاكسه ويثير غضبه: -
- شكلنا جينا في وقت مش مناسب وقطعنا عليك
أبعده عنه بضيق وقال: -
- نورت يا صقر والله
رمقه بنظره وفهم سبب غضبه فأبتسم له، أشاح نظره عنه فرأها تعانق جالان بأشتياق كطفلة صغيرة وكأنها تركتهم منذ زمن وليس ليلة واحدة فقط ضاحكة ثم أخذتها هي و قمر للداخل معاها وجلس هم معاً في الصالون...
في مكان آخر كان يجلس رجلاً في الخمسينات من عمره بغرفة مكتبه. يتحدث في الهاتف بعصبية شديدة ووجهه يشع غضب وشىر فصاح به بأغتياظ مُنفعلاً: -
- عملت أيه؟
- مش عارف أوصلها، مبتخرجش من البيت أبداً وجوزها ملازمها في كل خروجة
هكذا أجابه الطرف الثانى على الخط فضرب مكتبه بقبضته وقال بعصبية شديدة: -
- أتصرف مفيش حاجة هتكسر صقر غير مرأته، لازم تكون عندى بأى طريقة فاهم حتى لو هتدخل تجيبها من بيتها واضح.
تنحنح بهدوء وقلق من ما أمر به وقال بطاعة ناهية: -
- حاضر، حاضر...
وقف أمام المرآة يرتدي بدلته ويصفف شعره للذهاب إلى العمل، ألتف لكى يخرج فوقع نظره عليها وهي نائمة على الفراش وأقترب منها بهدوء حتى لا تستيقظ ثم وضع قبلة على جبينها وخرج من الغرفة..
شعرت بحركته بالغرفة منذ أن أستيقظ لكن آلم بطنها المنتفخة منعتها من القيام من الفراش ففتحت عيناها بتعب فحدثت طفلها بأستياء: -
- مش كفاية ضرب في مامى بقي، ماهو أكيد مش عاوز تخرج لسه بدرى، خلينا حبايب مع بعض ياواد متبقاش شقي وعنيد زى أبوك.
وقفت جالان من مكانها ثم خرجت إلى المرحاض تأخذ حمام دافئ على أمل أن تخف ألمها قليلاً فهى مازالت بمنتصف شهرها السابع وزال هناك وقت للولادة...
جلس بغرفة الأجتماعات مع مديرين شركته ومعه أيمن وهاتفه يدق كثير على مكتبه على وضع الصامت، أنهى أجتماعه وذهب إلى المكتب وخلفه أيمن
- بس أنا من رأي بقي نشوف شريك تانى غير الشركة دى
- متجلجش يا أيمن محدش هيأخد غير اللى إحنا عاوزين نديهوله وكدا كدا..
بتر حديثه رنين هاتفه فوجد أكتر من عشرين مكالمة منها فأستغرب وأجاب على المكالمة فصاحت به: -
- أنت فين يا صجر.
أندهش حين سمع صوت أخته العروس من هاتف زوجته فسألها بقلق: -
- فريدة؟، أنتى فين؟
- في المستشفي مرتك بتولد والداكتور بيجول وضعها خطر
قالتها بأستياء وغضب من تأخيره في الرد، وقعت كلماتها على مسمعه كالجمرة النارية فصاح بخوفوعليها وهو يقف من مكانه: -
- أنتى في مستشفي أيه؟ أنا جاي حالا.
خرج من مكتبه كالمجنون وخلفه أيمن كان خائفاً من حديث أخته فكيف وضعها خطر؟ وكيف تلد بشهرها السابع فمازال مبكراً على موعدها؟ وصل للمستشفي وركض كالمجنون أو سهم برق لم يشعر به أحد من سرعته وهو يلهث وحبيبات العرق تنبع من جبينه وظهرت عروقه من القلق حتى وصل لغرفة العمليات وظل أمامها ما يقرب لساعة حتى خرج الطبيب فركض نحوه يسأله عن محبوبته وزوجته: -
- خير يا داكتور طمنى؟
هتف الطبيب بوجه عابث دب القلق على قلبه من ملامحه الحزينة قائلاً: -
- مبارك جالك ولد يتربي في عزك
تنهد بأرتياح قليلاً فلما أخبروه بأن وضعها خطر وحمد ربه ثم سأله عنها ببسمة رسمت على وجهه: -
- الحمد لله ومرتى كيفها؟
صمت الطبيب لوهلة ناظراً للأسفل بحزن مُستحوذ على وجهه وقال بأسف: -
- رحمها الله...
وضع الهاتف على أذنه ثم قال مُبتسماً: -
- مبروك يا باشا تقدر تدعي لها بالرحمة وترتاح لأنتقامك المدام قابلت وجه كريم...
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثاني
- رحمها الله...
هكذا قال الطبيب له، لم يشعر بنفسه سوي وهو يمسك الطبيب من ملابسه بقوة ودفعه في الحائط بأهتياج وقال بقوة: -
- هي مين اللي رحمها الله؟، مرتى أنا؟!
أزدرد الطبيب لعابه بخوف منه ومن نظرات عيناه وقال بأرتباك وهلع منه: -
- يافندم دا قدر ربنا أنا ذنبي...
بتر حديثه حين وضع يده على فمه يكبت حديثه بداخل فمه قبل أن يقتله، كان يعتصر فك وجهه بين قبضته...
خرجت الممرضة بسعادة تحمل طفل رضيع وأسرعت إلى فريدة وقالت: -
- مبروك جالك ولد زى القمر شبه أمه ما شاء الله ربنا يقومهالكم بالسلامة
نظرت فريدة لها بحزن من حديث الطبيب ثم سألتها بأستغراب: -
- دا ولدها
- اه وهي في الأفاق ربع ساعة وتخرج لكم، فين حلاوتى بقي
قالتها بسعادة، ذهبت فريدة بانفعال لأخيها وقالت بحدة: -
- مش تبجي تتوكد الأول جبل ما تجول الدبش دا، تعال ياصجر مرتك بخير.
تركه بأغتياظ وذهب يحمل طفلهم بين كفيه بمجرد رؤيته له تحولت ملامحه من الغضب إلى ملامح السعادة ورسمت بسمة على وجهه، ظل يتأمله بحنان ويداعب أنامله بأصبعه السبابه وكأنه عاد لطفولته مع هذا الطفل فوضع قبله على جبينه برفق شديد ليسمع صوت طفله يبكي بعد أن داعبته لحية والده الخفيفة فضحك عليه بأرتياح أنتظر أيام وليالى كثيرة على أحر من الجمر فقط ليسمت صوته بأذنيه ويلمسه كما كان يشتاقه كلما كبرت بطنها أمامه فكان يشعر وكأنه يكبر أمام عيناه وليس بداخلها، أعطاه لأخته وذهب إلى غرفتها بسرعة جنونية ليطمئن عليها بعد أن شعر بالخوف عليها بحديث هذا الطبيب الوغد فكيف تجرأ على أخبره بأنه فقدها..
دلف إلى غرفتها بلهفة مُشتاق لها وكأنها تركته لعدة أيام وشهور وأخيراً سيلتقي بها، وجدها على فراشها مُنهكة من الولادة وبجوارها ممرضة تضع لها المحلول يعوض لها ما فقدته من دماء أقترب لها بسعادة كطفل صغير مُتناسي لوقاره وهيبته وفور أقتربه رحلت الممرضة بهدوء، أنحنى لها بسعادة واضعاً قبلة على جبينها فقالت بصوت مبحوح من البنج الذيةأصابها بالأحتقام: -
- صقر، شوفت ابننا عاوزة أشوفه..
- شوفته كيف الجمر زيكى، واحشتنى جوى
قالها وهو يمسح على رأسها بحنان، فهتفت بسعادة رغم تعبها الملحوظ قائلة: -
- مش مهم قمر ولا لا أنا عاوزة اشوفه ياحبيبى أستنيته كتير، هاتهولى عشان أربيه أزاى يضرب مامى الضرب دا كله.
قهقه من الضحك عليها فأى أم هذه تخرج من العلميات عابثة من طفلها وحركته بداخل أحشاءها كباقي الأطفال، تأملت وجهه الشاحب وسألته بخول عليه: -
- مالك ياصقر؟ أنت تعبان...
- لا ياحبيبتى دا الدكتور الله يخربيته قاله مراتك رحمها الله
أتاها صوت قمر وهي تدلف للغرفة حاملة طفلها الرضيع بين ذراعيها، نظرت لها بسعادة مُشتاقة لرؤية طفلها ضاحكة على زوجها العاشق، قالت قمر وهي تعطيها الطفل: -.
- ضربه وكأن على وشك قتله بس الممرضة لحقته، سمي ياحبيبتى
- بسم الله الرحمن الرحيم
قالتها وهي تضع قبلة على جبين طفلها، وضعته قمر بين ذراعيه في حضنها ولفت لها حجاب بسيط قائلة: -
- الناس عايزة تدخل ومعاهم أيمن ونبيل
دلف الجميع وهي في عالم آخر مع طفلها الباكي تداعب أنامله بسعادة فسألت فريدة بلهفة: -
- هتسميه أيه؟!
- مروان
هكذا نطقت وهي تنظر لوجهه فهتف نبيل قائلاً: -
- حلو مروان مبروك يابو مروان.
ثم أنحنى على أذنه زوجته وقال هامساً حتى لا يسمعه غيرها: -
- أنا عاوزة فريدة الصغننة
أحمرت وجنتيها من الخجل ونكزته في صدره دون أن تنظر له فصاح بها: -
- الله
وضعت يديها على فمه بهلع فغمز لها ثم قال بمرح وهو يقف ويمسك يدها: -
- حمدالله على سلامة المدام ياصقر، نستأذن بقي أنت طبعا عاذرنى عريس جديد بقي وكدة.
ضحكوا جميعاً عليه أم هي زادت حمرتها، رحلا أثنتهم وظل أيمن و قمر معاها طوال اليوم ثم أخبرتهم قمر بأنها ستبقي معاها الليلة فرحل أزواجهم...
صفعه صفعة قوية أسقطته أرضاً فحين أنه صاح بوجهه غاضباً: -
- ماتت ها وتدعيلها مش كدة، غبي ضيعت فرصة متتعوضش..
- ياباشا أنا كنت هخلص واللى منعنى أن الدكتور قال أنها ماتت أزاى عايشة بقي معرفش
قالها وهو على الأرض، فضربه بقدمه بأغتياظ وقال: -
- عشان متخلف وغبي، أعمل أيه أعمل أيه، معتمد على شوية أغبياء...
ظل يفكر بصمت ولم يجد شيء أمامه سوى حل واحد فأقترب منه وقال: -.
- دى آخر فرصة ليك ولو منفذتش تحضر كفنك...
وضع يده على عنقه وقال بحماس: -
- رقبتى ياباشا، قولى أعمل أيه وهجبلك خبرها المرة دى
رمقه بنظر شر وقال بمكر خبيث: -
- لا مش عاوز خبرها لوحدها أنا عاوز خبرها هي وابنها، تعمل اللى أقولك عليه بالحرف الواحد...
كان يمشي في ممر المستشفي مُتخفي في زى ممرض ناظراً حوله بأختلاس ثم ركب المصعد...
دخل المستشفي حاملاً بيديه عشاء لزوجته الضعيفة من الولادة و قمر معاها وبعض مستلزمات الطفل من شقتهم..
خرج من المصعد باحثاً عن رقم غرفتها حتى وصلها لها فنظر حوله بهدوء ثم فتح الباب ودلف للداخل وجد الغرفة مظلمة وهي على فراشها نائمة بتعب وطفلها بفراشه الصغير أقترب خطوات هادئة حتى لا تشعر به وتستيقظ وأخرج مسدس به كاتم للصوت وقطعه رؤية وسادة على الأريكة فأخذها ووضع مسدسه في جيبه وأقترب منها تأمل ملامحها بهدوء يتأكد بأنها زوجة هذا الصقر ثم وضع الوسادة على رأسها يكتم نفسها حتى تختنق فأستيقظت من قوته تحاول الصراخ وأبعده عنها بيديها وتحاول التخلص من يده مُلتقطة أنفاسها بصعوبة فأسقطت المحلول من مكانه...
كانت قمر بالمرحاض تتوضيء لكي تصلى ركعتين قبل النوم فسمعت صوت أرتطام شئ بالخارج فأخذت المنشفة بسرعة تعتقد بأن جالان أستيقظت وتريد شيء فلم تستطيع فعله وبطنها مفتوحة بعد ولادتها القيصرية...
حاولت مراراً وتكراراً التخلص من الوسادة أو قبضته بقدر الإمكان لكنها لم تستطيع فأستسلمت لألتقاط آخر نفسه يدخل لرئتيها وسقطت يدها تاركة يده بجوارها، أبعد يديه عنها بعد أن تأكد بموتها وأستدار ليأخذ طفلها ويتمم مهمته وبتلك اللحظة خرجت قمر من المرحاض على عكس ما توقعه، أتسعت عيناها بصدمة من رؤيته ذلك الغريب وهو يحمل مروان بين ذراعيه وعلى وجه جالان الوسادة كما هي لتجمت شتت نفسها وصرخت بقوتها فركض هارباً للخارج ليصطدم بذلك الصقر ويسقط طفله من بين يديه على يد والده...
أتسعت عيناه بغضب من رؤيته ولم يفهم شيء لكنه أفاق على صوت صراخ قمر وهي تحاول أفاقتها مُجدداً مطالبة بطبيب ليفحصها، أعطي طفله للممرضة وقبل أن يقبض عليه فر هارباً، ولج للغرفة فوجدها جثة هادمة و قمر تصرخ بحالة يرثي بها، دلف الطبيب مسرعاً لها فأحقنها حقنة وأنعش قلبها بجهاز صدمات القلب الكهربائية محاولاً أعاد النبض له ولم يعود، حاول مرة آخرى ولم يعود..
كان ينظر لها بصدمة مُحتضن طفله بين ذراعيه وهو يصرخ باكياً كأنه يعلم بأن والدته رحلت وتركته...
أستدار الطبيب له بوجه عابث يخشي أن ينطقها مرة آخري فيقتله تلك المرة وقبل أن يفعل أنقذه صوت جهاز القلب يتوقف عن صفارته ويعود برسم خط معوج يدل على عودة نبضها وعودتها للحياة، أستدار لها بلهفة واضعها على جهاز الأكسچين..
ضم طفله بأرتياح وحمد ربه في حين أن قمر توقفت عن البكاء وظلت تحمد ربها وتشكره...
قهقه ضاحكاً وهو يرتشف كأس من الخمر ثم قال بسعادة: -
- مش مهم الواد نعوضها المهم أنها ماتت وصقر أتكسر، خد روش نفسك وأختفي عن الأنظار لن صقر مش هيسيبك وهيدور عليك
قالها وهو يلقي له الكثير من الأموال فأبتسم له وهو يأخذهما...
ظل طوال الليل معاها ويجري الكثير من الأتصالات حتى دلف صباحاً عليهم وقال بجدية: -
- خلصتوا
- أنا لبستها هي ومروان بس هي مش هتعرف تتحرك وتمشي بطنها مفتوحة والجرح لسه ملتوح ملمش
قالتها قمر بهدوء وهي تنظر له فدهشت حين أقترب منها بوجه حاد وحملها على ذراعيه ثم خرج بها من الغرفة، رمقته بنظرة تعب ثم قالت بضعف: -
- صقر...
بتر حديثها بحنان وهو يضغط بيديه عليها بمعنى لن يستطيع أحد الأقتراب منكِ مُجدداً فوضعت رأسها على كتفه بتعب مُنهكة وخلفه قمر تحمل حقيبتها وطفلهم..
وصل إلى شقته بها فوجدت عوض ورجاله أمام باب شقتها فعلمت بأنه أحضرهم لحمايتها، دلف بها إلى غرفتها ووضعها على الفراش وكاد أن يذهب فمسكت يده بحنان وأردفت بلهجة واهنة: -
- صقر، أنا كويسة الحمد لله.
نظر نحوها بوجه عابث فصاح بأغتياظ: -
- بس كنتى...
توقف عن حديثه فقالت بدفء تطمئن قلبه: -
- ياحبيبي خلاص متفكرش كتير في اللى حصل أنا معاك أهو الحمد لله خلي فرحتنا بمروان متبوظش.
جلس أمامها بحنان وجذبها لصدره بحنان يمسح على راسها وقال مُحدثاً نفسه: -
- أوعدك أجبلك حجك، مستحيل أسمح لحد أنه يأذيكى طول مانا عايش وبتنفس، أنا عارف هو مين ومهرحموش هو اللى طلب الجحيم لنفسه...
وضع قبله على جبينها بحنان ثم تركها وخرج ومعه عوض يتهامسا سراً.
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثالث
خرجت من المرحاض مُتكية على الحائط بذراعها والآخر أسفل بطنها مُتألمة من جرحها حتى وصلت إلى باب غرفتها فتحته ودلفت...
أنتفض من مكانه حين فتحت الباب مُسرعاً لها يقول بلهفة: -
- مش جولتلك تنادي عليا أساعدك
أخذ يدها فتبسمت له بدلال وقالت بعفوية تمازحه: -
- هتساعدنى أزاى، ضهرك موجعكش من الشيل
حاوط خصرها بذراعه الآخر وهو يخطو بها نحو الفراش لكى تجلس وهتف مُتمتمًا: -.
- أنا أتوجع منك ياجالان ياريت كل الوجع والتعب زى تعبك مكنتش حست بأى وجع طول حياتى.
جلست على الفراش برفق ثم تمسكت بيده قالت بخفوت ولهجة دافئة: -
- يا صقر أنت اللى شايل هموم ومبتبطلش تفكر في المشاكل وأنا بقلق لما بشوفك بتكلم عوض في الخفي.
أربت على يدها بحنان راسمًا قناع بأبتسامة مزيفة يخفي خلفها تلك المؤامرة التي يخفيها عنها وتشعر هي بها ثم أردف قائلاً: -
- متجلجيش ياجلب صجر مفيش حاجة من الكلام دا خالص
ضحكت بخفة له ثم قالت بثقة: -
- أنا عارفة أنك بتعمل حاجة بس أنا خايفة عليك المفروض قبل ما تعمل حاجة تفكر فيا أنا وابنك وأن مالناش غيرك.
- سلامتك من الخوف ياقلبي صدجينى مفيش الكلام دا خالص وأنا معنديش حاجة اهم منكم ولا عاوز غيرك
قالها بحنان وهو يمسح على رأسها بحنان، نظرت لعيناه بضعف ثم قالت بترجى: -
- طب أحلف أحلف أن مفيش حاجة
أدار وجهه عنها مُتحاشي النظر لعيناها فقالت بحزن مُستاءة من صمته: -
- شوفت بقي أن في حاجة أهو بتعملها
رمقها بنظره بعد أن مسك يدها بين قبضته ثم هتف مُتمتمًا: -
- حجك لازم أجيبه ياحبيبتى لازم أجيب حجك.
أقتربت منه قليلًا ثم قالت: -
- أنا مش عاوزة حقوق أنا هاوزك أنت بس
وضع قبلة على جبينها بحنان ثم نظر لعيناها وقال بحنان: -
- وأنا مش هتنازل عن حجك وأوعدك مش هأذي نفسي...
عانقته بخوف عليه فطوقها بذراعيه ثم أربت على ظهرها بحنان، أغمضت عيناها بأستسلام لخوفها من حديثه فقطعها صوت مروان يبكي يخبرها بأستيقاظه، أبتعدت عنه بأحراج وأستدارت برفق وأنحنت قليلاً على طفلها تربت على صدره بحنان ليهدأ ويتوقف عن البكاء ولم يصمت بل يزداد بكاء فحملته على ذراعيها..
هتف بهدوء وهو يقف ذاهبًا قائلاً: -
- أنا هسخنلك الأكل
- ماشي
قالتها وهي تهز طفلها بحنان ليصمت، خرج صقر للخارج ثم هتفت بحنان مُحدثة طفلها: -
- خلاص بقي ياحبيب مامى، طب أنت جعان
جلست ترضعه فصمت وهو يتشبث بأمه، ضحكت عليه باسمة وهو بين ذراعيها تتأمله وهو يغفو في نومه ثم وضعته على الفراش برفق وحذر حتى لايستيقظ، ولج صقر إلى الغرفة يحدثها: -
- سخنتلك الشوربة و...
بتر حديثه بأستياء تقول بهمس: -.
- هششششش هتصحيه
نظر على طفله وأشار إليها برأسه بنعم وأقترب لها بالطعام...
خرجت فريدة من المرحاض بعد أن أخذت حمامها مُرتدية روب الأستحمام وهلعت بفزع حين ظهر أمامها من العدم فنظرت له بخوف ثم ضربته على صدره بأغتياظ وتهتف بجدية قائلة: -
- أنت مش هتعجل أنا هجطع الخلف بسببك
- سلامتك ياقلبي
قالها بحنان وهو يقترب منها بغزل فدفعته بأغتياظ ثم ذهبت من أمامه فكز على أسنانه وذهب خلفها يناديها: -
- فريدة، فريدة أستنى بس عاوزك في موضوع
- خير عاوز ايه.
قالتها وهي تدخل الغرفة بلهجة قوية غاضبة منه فقال بأنتصار وغزل: -
- عاوزك في كلمة سر...
دلف خلفها وأغلق باب الغرفة بقدمه فضحكت عليه بعد أن تلاشي غضبها منه وتحول لضحكات ناعمة...
أربتت على كتفه بحنان بينما عينيها مُغمضتين تقاوم النوم وتقول بصوت مبحوح: -
- صقر أصحى عشان متتأخرش على الشغل
فتح عيناه بتعب وجسده مُنهك على صوتها في أذنيه، كاد أن يلتف بجسده لكنه تذكر طفله النائم بجواره في المنتصف فجلس على الفراش يفرك عينيه بتذمر ثم قام من فراشه ليستعد لذهاب إلى عمله ودلف إلى المرحاض يأخذ حمامه وحين خرج وجدها تكاد تفتح الباب فسألها بفضول: -
- أيه اللى قومك؟
- مروان عمل حمام هغيره.
قالتها وهي تحمل طفلها على ذراعها ثم دلفت إلى الدخل وخرج هو إلى المطبخ يجهز الفطار له ولها قبل ذهبه...
- إحنا مش هنعمل سبوع لمروان
قالتها وهي تأكل معه على الفراش بسبب جرحها فأجابها بعفوية: -
- هعمله أحلى سبوع بس تخفي أنتى الأول
تجهز من أجل ذهابه وقبل أن يخرج أستوقفه صوتها وهي تقول: -
- صقر خلى بالك من نفسك وبلاش اللى في دماغك
- متجلجيش ياحبيبتى خلى بالك أنتى من حالك أنتى ومروان
قالها ثم رحل، تنهدت بقلق ثم ألتقطت هاتفها وأجرت أتصال...
خرجت من المطبخ تحمل طبق سندوتشات لأطفالها وذهبت نحوهم للسفرة فصاحت بوجههم قائلة: -
- دى المذاكرة والواجب بتلونوا
رفع يوسف وجهه لها وقال ببراءة طفولية: -
- يامامي أنا عندى واجب رسم وهم بقلدونى
نظرت نحو ملك و مكة بأستفهام مُنتظرة جواب منهما فقالت ملك بأستعباط مُتحاشية النظر لها: -
- لا يامامى مش بنقلدوا أنا عندى واجب حساب أعد وألون
نظرت إلى الأوراق ثم قالت بأقتضاب: -.
- حساب ها، يعنى مش واجب رسم أمال أيه كراسات الرسم دى ياحلوة منك ليها
نظرا الأثنان إلى أمهما ثم وقفت مكة بخبث طفولى أنقضت على طبق السندوتشات وأردفت قائلة: -
- الأكل جه أخيراً.
رمقتهم بنظرها وهو ينقضوا على الطعام مُتجاهلين غضبها منهم، زفرت بضيق عليهم ثم أبتسمت وونظرت على بطنها المنتفخة وهل سيكون طفلها الآخر مشاكس مثلهم قطع فكرها صوت الهاتف تركتهم وذهبت إلى غرفتها ووجدت جالان فتح الخط واضعة الهاتف على أذنها تردف قائلة: -
- الو..
أتاها صوت جالان عبر الهاتف وهي تقول بهدوء: -
- أزيك ياقمر؟
- بخير ياحبيبتى وأنتى عاملة أيه دلوقتى؟ وأخبار مروان أيه؟
قالتها وهي تجلس على الفراش، فأجابتها بأستياء قائلة: -
- كويسين الحمد لله، أخبار ولادك أيه
أردفت بهدوء وهي تنتبه لصوتها المُستاء قائلة: -
- الحمد لله زى القرود، مالك صوتك بيقول في حاجة مضايقكى
تنهدت بأقتضاب وقالت بهدوء: -
- لا مفيش حاجة سلامتك
- هو أنا مش عارفكى ولا جديدة عليا دا أنا اللى مربيكي في ايه؟ صقر مزعلك؟
قالت بحنان، زفرت بتذمر على حديثها وأجابتها بأستياء: -.
- صقر مغلبنى مش مزعلنى، خايفة عليه أوى من اللى بيفكر فيه يا قمر
أردفت بحنان تخبرها مدى عناد زوجها قائلة: -
- جوزك راجل صعيدي ياجالان وأنتى أكتر واحدة عارفة أنه مش هيسمح لحد يأذيكى أنت وأبنه واللى يعمل كدة لازم يقتله.
زفرت بضيق شديد وقالت بأغتياظ سافر: -
- أنتى بتقلقينى ولا بتطمنينى
- مش بقلقلك بس دى الحقيقة ومتقلقيش على جوزك هو مش هيأذي نفسه لأنه عارف أنكم محتاجينه سيبها على الله
قالتها بلطف بينما تنظر على باب غرفتها و يوسف يدخل لها وقال: -
- مامي أنا جعان وملك ومكة أكله الأكل كله
- طب روحى شوفي ولادك وهكلمك تانى
قالتها جالان بهدوء ثم أغلقت الخط ونظرت لطفلها الصغير بحزن من أفعال والده...
في عيادة دكتورة أمراض نساء دلفت فريدة إلى الداخل وجلست أمام الطبيبة فسألتها بهدوء: -
- مشكلتك أيه
- أنا متجوزة ومحصلش حمل
قالتها بتردد، فسألتها مرة آخري بفضول: -
- أنتى متجوزة بقالك قد ايه؟
نظرت لها بأستياء وحزن كبير على وجهها وقالت بأرتباك: -
- شهرين
- وجاية تكشفي عشان تأخر الحمل، ياحبيبتى أنتى متكشفيش عشان تأخر الحمل غير أقل حاجة تكونى متجوزة من سنة، شهرين دول طبيعي.
قالتها الطبيبة مُبتسمة لها، أردفت بأصرار شديدة قائلة: -
- معلش أكشفي عليا عشان أطمن
أومأت لها بنعم ووقفت قائلة: -
- حاضر أتفضلى معايا
بعد أن فصحتها خرجت من الغرفة إلى مكتبها وجلست على المقعد خلف مكتبها، خرجت فريدة خلفها وهي تنهدم من مظهرها وسألت بفضول: -
- خير يا دكتورة طمنينى؟
أبتسمت لها وقالت بلطف: -
- أطمنى ياحبيبتى أنتى بخير وسليمة وأن شاء الله الزيارة الجاية نبشرك بشرة خير
- يسمع منك ربنا، عن أذنك.
قالتها وخرجت سعيدة بعد أن أطمنئت على حالها وتمنت أن يرزقها الله بطفل يسعد قلبها وقلب حبيبها ويكسر هذا القلق الذي تعيش به...
جلسوا جميعاً في الصالون والأطفال يركضوا هنا وهناك بالفشار والشموع وأغاني السبوع تمليء الشقة، خرجت من غرفتها مُرتدية عباية أستقبال بيضاء اللون مطرز باللون الذهبي من حول العنق حتى الصدر كأنه عقد ذهبي لأحدي ملكات الفراعنة وتلف حجابها الأبيض وتحمل طفلها بين ذراعيه..
وقع نظره عليها مُنبرها بجمالها وكأنه يراها لمرته الأولى فكل مرة يراها يشعر بأنها الأولى كأن يتأملها وهي تضحك مُبتسمة وسط النساء والأطفال، قطع تأمله صوت نبيل وهو يقول: -
- يرتب في عزك ياصقر
أدار رأسه له بتذمر وقال بأقتضاب بينما يكز على أسنانه: -
- الله يخليك عقبال عوضك
أبتسم له وقال بتمنى: -
- يارب يسمعك منك ربنا.
وقف الجميع ينظروا عليها وهي تخطي من فوق طفلها السبع مرات مُبتسمة بسعادة كان يشعر بغيرة شديد منهم وهم ينظروا على زوجته كما يغار عليها من الجميع نساء ورجال، يغار من النساء تراها فيحقدون عليها أو يحسدونها ويغار من الرجال يروها فيعشقها أحد أو يغرم بها كما هو عشقها من نظرة واحدة فيريد أخفاءها بين ذراعيه داخل صدره وحده...
دلف من باب الشقة مساءًا فوجدها تضع الطعام على السفرة مُرتدية قميص نوم قصير وعليه روب طويل وتغلقه برباطه الخاص وشعرها مُسدول على ظهرها وكتفها الأيسر، أقترب باسمًا لها ويقول: -
- مساء الخير، دا أيه الدلع دا كله
رفعت نظرها له مُبتسمة أبتسامة تزيل تعب اليوم كله وتنير حياته وهمهمت بحنان ونبرة ناعمة: -
- مساء النور ياحبيبي، حمد الله بالسلامة.
- اه ياقلبي الصغير كيف لك بعشق هذه الفريدة وأنت صغير على عشقها الفريد
قالها يتغزل بها بينما يديه تحاوط خصرها فضحكت بسعادة تغمرها ونكزته في صدره بخجل وقالت: -
- أيه البال الرايج دا، خش غير خلجاتك وتعال جبل ما الأكل يبرد
وضع قبلة على جبينها وقال بغزل: -
- طب ما يبرد نبقي نسخنه ودتانى عادى ما أحسن ما القمر دا يبرد في الجو البرد دا وهو لابس خفيف.
- يا بكش مبأخدتش منك غير حديد وبس، خش بجي
قالتها وهي تتذمر عليه بدلال ودهشت حين حملها على ذراعيه بسرعة البرق وهو يحدثها بغزل: -
- خلي الحديد بقي ونأخد أفعال، أيه ياخواتى السكر دا
قهقهت ضاحكة بين ذراعيه وقالت بلطف ونبرة ناعمة تثير كيانه ورغبته بها: -
- وبعدين وياك بجى، أنت متعرفش حاجة في الحياة غير جلة الادب بس.
وضع قبلة على وجنتها اليسري فأحمرت وجنتيها وتوردا فضحك عليها بينما يتجه نحو الغرفة ويقول: -
- أموت أنا في حبة التوت دى...
قهقهت ضاحكة عليه فأسكتها بقبلة ناعمة...
ظل يبكى ويبكى وكلما كبر يوم يزيد بكاءه، وضعته على الفراش بحنان باكيًا وخرجت إلى المطبخ تسخن له الينسون ليهدأ من بكاءه وألم بطنه وبعد دقائق معدودة وضعته في الببرونه وخرجت ذاهبة إلى الغرفة وبمجرد دخولها للغرفة سقطت الببرونه من يدها أرضاً وأتسعت عيناها على مصراعيها من الصدمة فلم تجد طفلها مكانه ركضت إلى الفراش مُسرعة تبحث عن طفلها الصغير ولم تجده حقاً فركت عيناها غير مُصدقة هذا تعتقد بأن الخطأ بعيناها هي لكنه حقًا ليس موجود بحثت أسفل الفراش يكاد يكون سقط ولكنه بالفعل ليس موجود فقد أختفي طفلها ذات شهر واحد من عمره...
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الرابع
ظلت في صدمتها من أختفاء طفلها فوقفت مذعورة، فتح باب الغرفة ودلف منها يحمل مروان بين ذراعيه فركضت نحوه مُسرعة تأخذه منه وتغمغم هاتفة: -
- أنت جيت أمتى؟ وقعت قلبي
أجابها مُستغربًا خوفها ووجهها الشاحب قائلاً: -
- من شوية كان بيبكى خدته البلكونة.
وضعت مروان على الفراش وأستدارت له تضربه برفق جاهشة في البكاء وتزداد قوة ضربها له مع تزايد بكاءها فمسك يدها بحنان وقال مُستفهمًا عن سبب بكاءها وأنهيارها المُفاجىء: -
- مالك يا جالان؟ بتبكى ليه؟
همهمت بلهجة واهنة وسط بكاءها وضرباتها له تنفث به غضبها وخوفها قائلة: -
- مين قالك تأخده، خوفتنى عليه فكرتهم دخلوا هنا وأخدته منى، حرام عليكى قلبي كان هيقف.
جفف وجنتيها من دموعها الحارة التي لوثتهم ولوثت عيناها بأنامله مُتأملاً ملامحها وبداخله يتواعد لهؤلاء الأوغاد بالأنتقام على خوف مُحبوبتها الذي أصبحت تعيش به بسببهم، ضمها لصدره بحنان فتشبثت به بكلتا يديها تحاوط خصره بضعف وخوف يستحوذ عليها، هتف هامسًا لها بأذنها بينما يربت على ظهرها بيده والآخري يمسح على رأسها: -
- متخافيش ياحبيبتى محدش يجدر يجرب منكم تانى دا على جثتى.
كان يشعر بأنتفاض جسدها بصحبة بكاءها فأردفت لها بين شهقاتها بنبرة واهنة قائلة: -
- بعد الشر عليك ياحبيبى يارب هم
وضع سبابتها أسفل ذقنها ثم رفع رأسها له ناظرة لعيناها ثم قال بلطف: -
- متبكيش تانى ياجالان دموعك دى غالية جوى عندى.
ثم وضع قبلة على جبينها بحنان فأبتسمت له وسط بكاءها بخفوت، رأته يقترب نحوها بهدوء تام دون أن يتفوه بكلمة واحدة ثم شعرت بأنفاسه الدافئة تداعب ملامح وجهها ويده تلمس عنقها بنعومة، أغمضت عيناها تلقائبة حين أطبق شفتيه على عينها اليسري مُقبلاً حبيبات دموعها الدافئة ثم ضمها لصدره فطوقته بحنان...
أستيقظ بعد منتصف الليل وبحث عنها بجواره ولم يجدها فقام من فراشه خارجًا للخارج باحثًا عنها ووجدها جالسة على الأريكة تتألم من بطنها وتكتم صوت أنينها واضعة يدها على بطنها..
أقترب منها بخوف وقلق عليها نظرت نحوه نظرة واهنة ثم حاولت الوقوف تخفي عنه ألم فخرجت منها صرخة لا إرادية فأسرع نحوها يمسكها من ذراعها وجعلها تحاول الجلوس وهو يقول بحزم: -
- مصحتنيش ليه لما أنتى تعبانة كدة.
- محبتش أقلقك وأنت وراك شغل الصبح
قالتها بصعوبة وهي تكز على أسنانها، فصاح بوجهها خوفًا عليها: -
- ما يتحرق الشغل يا قمر، هو الشغل أهم من صحتك عندى، قومى غيري هدومك خلينى أوديكى المستشفي.
وقفت معه بصعوبة مُتكية على جسده وتقول بتلعثم من شدة ألمها: -
- روح صحى الولاد نأخدها معانا
فتح باب الغرفة وهو يقول مُستغربًا تفكيرها بصياح: -
- ولاد أيه هو أنا واخدك أفسحك ياقمر
صرخت به من شدة ألمها وهو يجادلها: -
- أمال هسيب عيال عمرهم 7 سنين لوحدهم في البيت يولعوا البوتاجاز ولا يحطوا فيشة الكهرباء.
- متقلقيش يوسف معاهم، ألبسي بس أجبلك عباية اسرع
أجابتها
قالها وهو يجعلها تجلس على الفراش ثم اتجه نحو الدولاب فأخبرته بأغتياظ منه هو وابنه الموجود في أحشاءها الذي يضربها بقوة ويؤلمها: -
- هو يوسف كبير أوى دا أشقي منهم اااااه
ركضت نحوها مُسرعاً حين تألمت بصراخ وجلس أمام قدمها أرضًا يساعدها في أرتدي عبايتها فصاحت به أكثر: -
- أجري صحيهم يا أيمن ابنك مش هيستنى أكتر من كدة اااااه قوم.
لا يعلم أى زوجة هذه تأخذ أطفالها معاها بينما هي ذاهبة للولادة، ركض مُسرعًا للخارج يُلبي طلبها فهو يعلم كما هي عنيدة ولم تتحرك خطوة للخارج بدونهم وليس لديه وقت للنقاش فطفله الآخر ينذرهم أن موعد خروجه حان الآن، أخذها هي والأطفال بسيارته ذاهبين للمستشفي وهي تصرخ بألم بينما حبيبات العرق تترقرق من جبينها في حين جفنيها أمتلئوا بالدموع و ملك و مكة يجلسوا بجوارها في الخلف يمسحوا لها دموعها مُربتين على كتفها بحنان، و يوسف جالسًا بالأمام مع والده ناظراً للخلف عليها وهو يربت على يدها فصرخت بألم تزداد أكثر: -.
- بسررررعة يا أيمن أنا بولد اااااه
- سوق بسرعة يابابا، أنتوا يا عربيات الوحوش أبعدوا عن الطريق
قالها مُحدثًا السيارات المارة أمامهم بينما ينظر من النافذة صارخًا بهم، فصرخت هي الأخرى به رغم ألمها قائلة: -
- أدخل يا واااااد جوا، دخله يا أيمن.
جذبه أيمن من تيشرته بأغتياظ فتوتره يزيد مع صرخها وقد نفذت قوته على الآخر، وصل للمستشفي وفتح الباب ليحملها على ذراعيه بينما أطفاله أنتشروا في المستشفي ركضًا يصرخوا بالجميع هاتفين: -
- دكتور، عاوزين دكتور مامى بتولد
مسك يوسف يد ممرض مار من جواره وقال بعصبية طفولية بينما يصطنع الرجولة كوالده: -
- أنت دكتور؟
جلس الممرض على قدمه بمستواه وسأله بلطف: -
- أنت عيان؟
صرخ بوجهه باغتياظ قائلاً: -
- مامي بتولد.
ونظر نحو الباب فوجده يدخل حاملها على ذراعه ويصرخ هو الآخر، أخذ كرسي متحرك وركض نحوه يأخذها منه ودفعها بينما أيمن يمسك أطفاله ويركض خلفها بحيرة وضعته بها أيجب أن ينتبه لها أم لأطفاله الذين أحضرتهم معها، أخذوها لغرفة العمليات بينما أستسلم للأمر الواقع بخوف منه حين يتصل ويزعج صقر لكن يجب أن يفعلها لتأتى له جالان أختها الوحيدة وبالتأكيد ستحتاج لها بعد الولادة، أجري أتصل عليه وبعد مرتين أجاب عليه بالثلاثة فأخبره بما حدث...
نزل من السيارة أمام المستشفي وهو يحمل طفله الرضيع وهي بجواره ثم ولجوا معا للداخل حتى غرفة العمليات وفور ظهورها ركضوا الأطفال نحوها بسعادة يعانقوها قائلين: -
- مامى جابت نونو، صغير قد كدة..
كان يشيروا لها ببراءة على حجم أخاهم الصغير بحجم كف يدهم فضحكت عليهم وأخذتها ذاهبة نحو أيمن، سأله عن حالها: -
- خير يا أيمن مرتك ولدت ولا لسه
- ولدت، تعالوا نروح لها.
أخذهم إلى غرفتها ودلفت جالان أولاً وخلفها، الأطفال، هندمت ملابسها ولفت لها حجاب بسيط لكى يدخل صقر أما الأطفال ركضوا نحو سرير أخاهم الصغير يداعبوه بضحكتهم بفرحة عارمة فكل واحد منهم لم يمر بتلك اللحظة سابقًا، كانوا يضحكون بسعادة تغمرهم لحضور طفل صغير مثله إلى عالمهم بينما يدخل يوسف يده الصغير من بين قبضان السرير ليداعب يد أخاه الذي لم يطلق له أسمًا حتى الأن، دلف صقر خلف أيمن فعانقها بسعادة واضعة قبلة على جبينها بينما قطعه صوت مكة تسألهما الأثنين بفضول: -.
- هو إحنا هنقوله يا أيه؟ يعنى أنا مكة ودى ملك ودا يوسف ودا أسمه أيه
تبسم أيمن وقال بحنان وفرحة تغمره: -
- سيف أسمه سيف
-سيفوو.
قالتها ملك بينما تلتف مرة آخري لأخاها الصغير ضاحكة عليه، حاولت الجلوس على الفراش فساعدها برفق وقبل أن يتركها أنقض يوسف على الفراش فوق قدمها يضحك صارخًا بهم بسعادة وبدأ يقفز مرارًا وتكرارًا فوق الفراش وهي تضحك رغم تعبها عليه، حاول أيمن السيطرة على طفله ولم يستجيب فصرخ به بحزم، رمقه يوسف نظرة شر وغضب ثم أجهش في البكاء فهو يعلم بأن أمه لن تتحمل بكاءه وستشاجر والده على أبكاه، تنهدت بتعب ثم فتح ذراعيها له بينما تقول بحنان: -.
- تعال يا يوسف، سيبه يا أيمن يلعب
أسرع لصدرها يقفز بين ذراعيه بسعادة فضمته لها باسمًا، نظر نحو والده في حين أبقي هو بين ذراعيها يطوقها كما تفعل هي الءخري وأبتسم له ثم أخرج لسانه له يعانده غيظً فكز أيمن على أسنانه وقال بغيظ سافر ونظرات تبث غضب: -
- شايفة الواد
نظرت نحو طفلها بينما هو مُستلقي بين ذراعيها مغمض العينين كملاك بريء لم يفعل شيء بوجه حزين من أثر البكاء، رفعت نظرها لزوجها وقالت بحدة له: -.
- مش هتبطل تعاند الولاد
ضحكت جالان على مشاكساتهم ثم نظرت لطفلها الذي تحمله بين ذراعيها تأمل أن يكبر سريعًا ويشاكسها مثلهم وتكون أسرة سعيدة تمتاز بالدفء والحنان ممزوج بالحب فقط خالية من المشاكل وحقد الآخرين على زوجها...
كانت تقف بالمرحاض بتوتر شديد وصوت أنفاسها يمليء المكان بأكمله ناظرة لأنعكاس صورتها بالمرآة بوجه شاحب وحبيبات عرق حول عنقها النحيل من شديد توترها فرفعت يدها للأعلى ترفع خصلات شعرها الكثيف للخلف ثم نظرت للأسفل على السطح المحيط بالحوض تحديدًا على ذلك الشيء الصغير الذي سيخبرها أما بخبر يسعدها ويجعلها قلبها يرفرف فرحًا وتتسرع نبضاته تمامًا كما هي الآن لكن ليس توتراً بل فرحاً أم سيخبرها بخبر يحزنها ويدخل الأستياء على قلبها، أخذت أختبار الحمل بين أناملها ورفعته أمام وجهها أكثر قربًا حتى أتسعت عيناها بصدمة ألجمتها من شدة فرحتها وكما أنتظرتها فحقاً ستصبح أم لا بل بداخلها روح تحمل بها قطعة من حبيبها لم تشعر بشيء سوى أنهمار دموعها الدافئة على وجنتيها وقدميها تركض خارجًا صارخة بأسمه تناديه: -.
- نبيل، نبيل، نبيل أنت فين
فتحت باب الغرفة وولجت وجدته يقف أمام الدولاب بصدر عاري ويرتدى تيشرته فركضت نحوه بسعادة دون أنذار وتعلقت بعنقه بسعادة بينما تلف قدميها حول خصره كطفلة صغيرة، أتسعت عيناه على مصراعيهم مُستغربًا فعلتها بينما ذراعيه مفتوحين إلى الأمام من الدهشة دون حركة ثم طوقها برفق يسألها مُستفهمًا عن سبب تصرفها: -
- في أيه يا فريدة مالك؟
عادت برأسها للخلف لكى تنظر إلى عيناه وقالت بسعادة مُبتسمة له: -
- أنا بحبك جوى جوى
بينما بدأت تقبل كل أنش في وجهه بسعادة جبينه وعيناه ثم وجنتيه وعادت لدفن رأسها في كتفه، فأعاد سؤاله مرة آخرى بصيغة مُختلفة بنبرة مُبهجة وسعادة تغمر قلبه لأجل فرحتها وبسمتها تلك: -
- حصل أيه؟ شكلك بيقول أن في حاجة حلوة حصلت؟ أيه؟
- أحلى حاجة ممكن تحصل ياحبيبي
قالتها بينماوتشد بيدها على عنقه، فقال بفضول شديد: -.
- طب مش هتنزلى وتعرفينى حصل أيه؟
- لا مش هنزل أنا مبسوطة وأنا فوق
قالتها بينما تعود بجسدها للخلف مُتشبثة بعنقه حتى لا تسقط وقالت ببراءة طفولية: -
- لف بيا يا نبيل دوخنى جامد، أجولك أدينى بوسة في رأسي، لالا أحضنى جامد جوى، لالا أغمزلى غمزة وعاكسنى.
ضحك عليها أى زوجة مجنونة مثلها، ثم نظر هائمًا في ملامحها السعيدة وفضوله يقتله لمعرفة ماذا حدث ليجعلها بتلك السعادة عكس حالتها الطبيعية وعكس حالتها في الأوان الآخيرة كانت حزينة في الغالب أو تبكي ليلاً بينما أكثر بكاءها كان في صلواتها وكأنها تشكى ما يؤلمها لخالقها وحده وسألها بحنان: -
- حصل أيه ياحبيبتى؟ فرحينى معاكى، وبعدها هلف واحضن وأبوس رجلك كمان مش رأسك بس، قوليلى.
نظرت لعيناه بفرحة بينما تنفست الصعداء مُنيهية بتنهيدة هادئة وقالت هامسة له بصوت مبحوح يكاد يخرج منها ونطقتها حرف حرف بدقة: -
- أ ن ا ح ام ل
نظر لها بدون حركة أو التفوه لكلمة واحدة فقط عيناه ترمش وقال بدهشة: -
- أنتى أيه؟
- حامل، حامل، حامل يا نبيل، هجيب نونو حاااامل.
قالتها بصرخ مرات متتالية وهي تنظر له وتبتسم بسعادة فضمها له بسعادة وبدأ يدور بها بالغرفة بفرحة عارمة ثم توقف مرة واحدة ورفعها مُغير وضعيتها حاملها على ذراعيه وأخذها إلى الفراش وقال بتحذير: -
- أدوخ أيه، أنتى تقعدى هنا متتحركيش حركة واحدة وأنا هعملك كل حاجة أستنى
تركها وخرج من الغرفة إلى المطبخ بسعادة وهو يحدث نفسه بينما يأخذ طبق الفاكهة من فوق الطاولة: -
- الفاكهة مهمة جدًا لصحة الحامل، اه اللبن.
فتح باب الثلاجة ليحضر لها الحليب فوقعت عيناه على العصير فقال: -
- اه العصير مفيد برضو معرفش في أيه بس مفيد أكيد، اااه الحلويات بقي أكيد النونو محتاج سكريات.
- لا وكمان في سلطة مفيدة
قالتها بينما هي تقف خلفه ضاحكة عليه وهو يأكد يفقد عقله من الفرحة، ألتف لها بعبث وقال بتحذير: -
- أيه اللى قومك من السرير، أنا قولت أيه، تعالى
ضحكت عليه وهو يأخذها بينما ذراعيه الأثنين أمتلئوا بالطعام لها فقالت: -
- أنت أتجننت ياحبيبى ولا لسه في شوية عقل عشان أطمن على ابنى بس.
لم يجيبها بينما حملها على ذراعيه بحب فصرخت بذهول من تصرفه حين سقط طبق الفاكهة الزجاج على الأرضية وتحول إلى جزئيات صغيرة متناثرة وحوله الفاكهة وزجاجة العصير قائلة: -
- كسرت الطبق يا نبيل دا مكتوب في القايمة يخربيتك، بتكسر جهازى يا نبيل والله لو...
أسكتها بقبلة ناعمة على شفتيها فتبسمت عليه...
دلف إلى أحد المصانع الخاص به فوجده مقيد على الأرض كالجرو الصغير وحوله رجال صقر ومعه عوض فقال بحزم بينما يرفع كمام قميصه إلى ساعده مُستعدًا لأعطاءه عقابه الذي يستحقه: -
- بجي كلب زيك أنت يتجرأ أنه يجرب من مرتى وأبنى..
جثو على ركبيته بينما وضع يده خلف رأس حاتم يجذبه له بغيظ وغضب ثم قال بعنف في حين يكز على أسنانه: -.
- عارف الشمس جابلنى لو شوفتها تانى في حياتك كلتها، أنت عارف ياواد أنت عليك كام جضية وواخد كام حكم من المحكمة، أنا بقي هأخد حجي منك ومهسيبش فيك حتة سليمة وبعدها البوليس اللى واجف برا دا هيأخدك يدفنك بقي، يسجنك، يوديك مستشفي تصلحك دا لو عرفت هو حر.
مسكه من قميصه وجعله يقف أمامه ثم أطرحه ضربًا لم يبقي بوجه أنش واحدة سليمة كسر معظم عظامه وضلوع صدره أمامه فقد بكاء حبيبته ونبرة صوت الطبيب وهو يخبره بوفاتها وسقوط طفله بين ذراعيه حين أخذه منها، لم يستطيع أحد أفلته من قبضته حتى دخلت الشرطة تأخذه منه بصعوبة وصدمة ألجمت الجميع فلم يترك بوجهه نقطة واحدة لم تسيل بيها الدماء، مسكه عوض بأحكام حتى تأخذه الشرطة وتخرج من أمام نظره...
- أنت بتعمل ايه يا بيه هتموته؟
قالها عوض بهدوء، فصاح بوجه غاضبًا: -
- مبجاش غير أبن شاكر كمان جايلى أخلص من ابوه عشان يجيلى هو كانت ناجصه أمه.
نفض ذراعيه بعيدًا عنه ثم خرج من المصنع وولج إلى سيارته يقودها إلى حيث حبيبته فتلك اللحظة لا يريد سواها يقفز بصدرها كطفل صغير يحتويه وتربت عليه تطمئنه أنها معه، دلف إلى شقته صامتًا بينما يبحث عنها بنظرها فسمع صوت بالمطبخ ذهب إلى الداخل فوجدتها تغسل الخضار بالحوض، أقترب منها وجذبها من معصمها معه للخارج فقالت مُستغربة: -
- صقر، أيه اللى رجعك بدرى من الشركة؟ حصل حاجة؟
أخذها بصمت دون أن يتفوه بكلمة واحدة حتى ولج إلى غرفتهم وأخذها نحو الفراش فقالت بهدوء: -
- صقر انا ورايا طبيخ مش وقته خالص أنا...
بتر حديثها حين جعلها تجلس على الفراش ومدّ جسده على الفراش بينما وضع رأسه على قدمها وأغمض عيناه وقال بخفوت شديد: -
- خليك اكدة شوية ياجالان.
تبسمت بخفوت رغم فضولها عن معرفة ما حدث له أو معه فرفعت يدها بحنان تغلغل أصابعها النحيلة بين خصلات شعره بينما يدها الآخري تربت على كتفه بحنان مُتأملة ملامحه بصمت دون كلمة واحدة...
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الخامس
جهزت الغداء وأطعمت طفلها الرضيع ثم ولجت إلى غرفة النوم لتقظه، أقتربت نحوه بهدوء وجلست على الفراش بجوارها تناديه بهدوء حتى لا يفزع من نومه: -
- صقر حبيبي.
أربتت على ذراعه بحنان بينما يدها الأخرى تداعب أنفه ضاحكة على تذمره من مداعبتها مُحركًا رأسه يمينًا ويسارًا، مسك يدها بضجر دون أن يفتح عينيه لها لكى تتوقف عن أزعاجه فتبسمت بخُبث طفولي ثم أدخلت نفسها بين ذراعيه تبسم مُغمضًا العينين وطوقها بذراعيه، حدقت بملامحه وهو لا يدرك ما تنوى له تلك الزوجة الطفلة تشبثت به بكلتا ذراعيها بقوة حتى لا يهرب منها بعد ما ستفعله وصرخت بأذنه بكل قوتها، فزع من مكانه وهو يدفعها بعيدًا واضعًا يده على أذنه..
صاح بها مُتذمرًا على فعلتها قائلاً: -
- أيه حركات العيال دى يا جالان، حد عاقل يعمل كدة
جلست على الفراش بوجه عابث وقالت مُصطنع الغضب منه: -
- في حد يرمي مراته كدة، عاوز تموتنى وأنا لسه والدة بترمي كدة ياصقر، أنا أصلاً عارفة انك بطلت تحبنى.
أزدرد لعابه بضيق حائرًا بها كيف توقف عن حبها بينما هو عاشقًا مجنونًا بها وهائمًا بحبها، أقترب نحوها بحنان ثم مسك ذراعها يجذبها نحوه وقال بدفء: -
- ياحبيبتى بحبك وبعشجك كمان بس محدش عاجل يعمل أكدة، خرمتى ودانى ياجالان
حدقت به بصمت بينما تصطنع له تعابير طفولية بوجهها تجعله يحن لها بدل من ان يغضب ويقسي، وضع قبلة على جبينها بحنان وهتف مُغمغمًا: -.
- حقك عليا ياحبيبتى، بس للعلم أنتى والدة بجالك شهرين مش أمبارح يعنى
رمقته بنظرة شر وأغتياظ فضحك عليها وهو يقرص وجنتها وتمتم لها بدلال: -
- براحتك ياروحى لسه والدة لسه والدة لو مولدتيش لسه عادى يعنى برضو.
قهقهت ضاحكة عليه بتلقائية وخجلت منه حين رأته يميل راسه يمينًا قليلاً بصمت متأمل ملامحها وضحكتها فتلاشت ضحكتها إلى بسمة رقيقة خاجلة من نظراته، ضمها إلى صدره برفق وأرتياح بعد أن تخلص من الخطر الذي يحيطها ويرعبها، تشبثت به بكلتا يديها بحب وقالت بنبرة دافئة هامسة له: -
- أنا بحبك أوى ياصقر
مسح على شعرها بيده وقال هائمًا: -
- وأنا بعشجك
أفلتت نفسها من حضنه ثم مسكت يده ووقفت تحدثه: -.
- قومي يللا عشان الغداء زمان الأكل برد
وقف معاها بعد أن أيقظته من نومه وخرجا معا وهو يشاكسها بعفوية...
دلفت إلى غرفتها بعد أستحمامها وصرخت حين وجدتهم الثلاثة فوق فراشها حول سيف وكل منهم يمسك بيده أو قدمه ويلعبوا بيه كأنه كُرة ام هو يصرخ باكيًا من تصرفات أخواته، ركضت نحوهم صارخة بهم: -
- بتعملوا أيه؟
تركه على الفراش بهلع من صرخها وركضوا خلف الفراش، حملت طفلها برفق وهو لم يتوقف عن البكاء والصراخ فصاحت بوجههم بأنفعال: -.
- أطلعوا برا، مشوفش وشكم تانى برا، حد يعمل كدة في اخوه الصغير، أنا قولت لملك، عامله كورة يا يوسف، دا اخوكى الصغير يا مكة هانم.
- يامامى هو كان بيعيط ومش عايز يسكت
قالتها مكة بطفولية، جلست على فراشها به تحاول أسكته عن البكاء بحنان، أقتربوا ثلاثتهم منها يصالحوها فقال يوسف: -
- مامى اسف مش هنعمل كدة تانى احنا كنا بنلعب معاه بس
لم تجيب عليه، تنحنحت ملك بخفوت وقالت برقة: -
- مامى أسفين خلاص مش هنعمل كدة تانى وهنجيب له شيكولاتة من بتاعت يوسف خلاص.
حدقت بهم بصمت فخرجوا ثلاثتهم فهم يعرفوها جيدًا ولن تغفر لهم وتسامحهم على خطأ حذرتهم منه سابقًا وفعلوا مجددًا، مسك يوسف الهاتف وبجواره تلك الأميرتين يغمزوا له بأن يفعل ذلك، أتصل بوالده بتوتر خوفًا من أن يغضب عليه هو الآخر وثواني معدودة واتاه صوت والده عبر الهاتف: -
- أيه ياحبيبتى..
أغلق الخط بوجهه بأرتباك فضحكوا عليه، أستغرب أيمن وأتصل هو تلك المرة وقفوا ثلاثتهم ناظرين لبعضهم على من يجيب وأجابت عليه مكة: -
- أيوة يا بابي
سمع صوتها مُندهشًا فأجابها مُستغربًا لأول مرة تفعلها: -
- مكة، في حاجة ياروح بابي
- إحنا كنا عاوزين نتكلم مع حضرتك
قالتها بهدوء وهي تنظر لأخواتها ويشيروا لها بنعم، سألها مُستفهمًا بأستعجال ليعود لعمله: -
- أنتوا مين؟ وتتكلموا في ايه؟ فين مامى؟
- أنا وأخواتى يابابي، من الآخر مزعلين مامى وعاوزينك تصالحها
قالتها بانفعال طفولي وصيغة امر، أجابها بأستنكار وافعالهم الدائمة: -
- وأنتوا تزعلوا وأنا أصالح وتزعلوها ليه؟ أنا مش قايل بلاش شقاوة
أخذ يوسف الهاتف منها وقال بتمرد: -
- أنت مش جوزها يبقي لازم تصالح الله، أيه الرجال دى ياختى يتجوزوا ويرموا علينا.
أتسعت عيناه بذهول من رد طفله وكأنه هو من أغضبها وليس هم، صاح بهم بأغتياظ: -
- يوسف خد اخواتك وأدخلوا ذاكروا ولما أجيلكم أشوف الموضوع دا أنا ورايا شغل..
- طب هات شيكولاتة ومصاصة وأنت جاي
قالها بأستياء، فهتف بأستعجال: -
- ماشي، سلام...
أغلق معاهم الخط ثم تنهد بأستسلام للأمر فثلاثتهم ماداموا معاً سيفعلون أكثر من ذلك وما عليه سوى القبول ف هم اطفاله..
خرجت من المطبخ حاملة بيدها صنية بها كأسين من المشرب الغازي بيبسي وطبق كيك ثم وضعتها على الطاولة وجلست على المقعد تقول: -
- وصجر عامل أيه؟
- كويس
قالتها وهي تطعم طفلها الرضيع ثم رفعت رأسها لها وسألتها بأهتمام: -
- أخبارك أنتى ايه، بلاش شغل الفرك ولف فىةالبيت زى الدبور، أقعدى أرتاحى خالص في الأول على ما الحمل يثبت.
ضحكت لها وقالت بسعادة: -
- متجلجيش نبيل مش سايبنى أعمل حاجة خالص
- والله لو عمل كل حاجة برضو لازم تفركي هو أنا تايهة عنك يافريدة
قالتها بثقة من حديثها، ضحكت فريدة بلطف ثم وقفت تجلس بجوارها على الأريكة تلعب مع مروان وتسألها عن حالها: -
- المهم أنتى زينة؟، لسه جلجانة كدة على صجر
تنهدت بهدوء ثم قالت بشك من أمره: -.
- صقر عمل حاجة يافريدة ومش عاوزة يقولى عليها، معرفش حاجة حلوة ولا لا بس عمل أنا عارفة جوزى كويس عمره ما رجع من الشغل قبل ميعاده و لا اترمي في حضنى بسكوت كدة كأنه بيستمد قوته منى غير قوته اللى نفذت بس عمل ايه معرفش.
أربتت على كتفها بحنان وقالت بطمأنينة: -
- متجلجيش صجر مبيعملش حاجة غلط ولا غير جانونية خالص وأفردى وشك النكدي دا لأحسن والله اجول لأخويا يتجوز عليكى فاهمة.
ضربتها على قدمها بأغتياظ وقالت بتهديد سافر ونظرة الشر تبث من عيناها: -
- مين دا اللى يتجوز عليا ياست هانم أنتى ها، اتقي شري يابت لأحسن أولدك دلوقتى.
قهقهت ضاحكة تغيظها فأخذت منها مروان وقالت بغيرة شديدة عليه: -
- ماشي مفيش لعب بقي، خليكى كدة لحد ما تولدى بعدها ألعبي براحتك، أنا ماشية أنا غلطانة أنى جت أزورك ياخرابة البيوت أنتى...
قهقهت ضاحكة عليها ووقفت خلفها تحاول منعها من الرحيل ولم تعري لها أنتباه او أهتمام...
ولج من باب الشقة حاملًا بيده باقة ورد حمراء وشنطة صغيرة بيده الآخري، ركضوا الأطفال نحوه بسرعة فجلس على ركبتيه لهم وقال: -
- عملتوا أيه؟ أحكولى
أخذ منه يوسف الورد وركضوا للداخل وهم يقولوا معاً: -
- بعدين بعدين...
كانت بالمطبخ تحضر العشاء من أجلهم، أستدارت تكمل ما تفعل فوجدتهم يقفوا ثلاثتهم خلفها مباشرة ويمسكوا باقة ورد وهو يقف هناك على الباب مُتكي عليه مُبتسمًا لها، نظر يوسف لهم وقالوا معًا بصوت واحد وهم يمدوا لها باقة الورد ومع كل منهم شيكولاتة: -
- أسفين مامى
نظرت لهم باسمة ثم لزوجها فضحك على أطفاله وأشار إليها بنعم، جلست على ركبتيها بهدوء وقالت بحنان: -.
- حبايب قلب مامى مفيش أم بتزعل من ولادها بس مينفعش اللى عملتوه في أخوكم دا أنتوا عاوزين بابي يدويه للدكتور ويأخد حقنة يعنى.
- لا يا مامى مش عاوزينه يتعب بس كمان مش بنحبوا يعيط وهو كان بيعيط فلعبنا معاه
قالتها مكة ببراءة وهي تحتضن أمها تبسمت لهم وقالت ضاحكة: -
- طب مش هتدونى الشيكولاتة
أحتضن كلا منهم حلوته بشدة وقالوا: -
- دى بتاعتنا إحنا خلى جوزك يجيبلك
ركضوا للخارج فوقفت واضعة يدها بخصرها بدلال مُصطنعة الغضب وقالت مُقلدة لهم: -
- خلى جوزك يجبلك ها
أقترب منها بسعادة واضعًا قبلةوعلى جبينها وقال بحب: -
- يجبلك ياقلبي.
أخرج شيكولاتة حجم أكبر من جيبه فنظرت له بحب وسعادة ثم رفعت يديها الأثنتين تمسك رأسه بحنان ثم جذبتها للأسفل نحوها قليلًا وأطبقت شفتيها على جبينها واضعة قبلة ناعمة عليها ثم أبتعدتوعنه وقالت بعفوية: -
- ياريت كل راجل يكون زيك ياأيمن ويعرف أن الكلمة الحلوة أو الشيكولاتة دى اللى بيقولها لمراته بتكون كفيلة بأنها تستحمل تعب الولاد والبيت وغيره طويل اليوم عشان تسمع كلمة حلوة منه في الأخر وأنه يطبطب عليها.
مسك يدها بين كفيه ثم نظر لعيناها وهتف هائمًا بها: -
- ياريت كل زوجة تكون زيك أنتى ياحبيبتى وتعرف أزاى تفرق بين الوقت اللى لازم تطبطب فيه والوقت اللى لازم تشتكى فيه وتزن وأزاى تطلب بطريقة حلوة مش خبط لزق واللى عندك أعمله لأن الراجل بيبقي طلع عيناه في الشغل حقيقي ومحتاج يرجع بيته يرتاح من صداع الشغل مش يرجع يلاقي صداعوكمان فىةالبيت والولاد عمله والبيت محتاج ومحتاج ومطلوب منه يقول حاضر وميتعصبش.
- ربنا ما يحرمنى منك ياحبيبي
قالتها بعفوية وهي تربت على ذراعه ثم أكملت حديثها قائلة: -
- أنا محضرلك الهدوم على السرير خد دوش سريع كدة وغير هدومك يكون الأكل خلص
وضع قبلة في قلب كفها باسمًا بوجهها وقال بحنان: -
- ماشي ياحبيبتى ربنا يخليكى ليا
خرج من المطبخ فأكملت ما تفعله حتى أنتهت من تجهيز الطعام ثم جاء أطفالها يساعدوها في أخرج الطعام إلى السفرة...
كانت تمشي معه بالشوارع واضعة يدها في ذراعه بسعادة تحدثه عن طفلهم الموجود في أحشاءها هاتفة: -
- حبيبي أنت نفسك في ولد ولا في بنت
نظر لها بغرور مُصطنع وقال بكبرياء: -
- مش هتفرق ياحبيبتى مادام هيطلع زى القمر كدة كيف ابوه
نزعت يدها من ذراعه وحدقت به بأغتياظ ثم هتفت مُتذمرة: -
- هو مين اللى جالك أن أبوه ككيف الجمر بجي.
نظر لها مُبتسمًا ثم وضع يديه على كتفها وأخذها نحو زجاج محل ووقوفا أمامه ثم نظر لها في الزجاج وقال: -
- لو ولد هيكون شبه أبوه كدة بصي مُز وحلو أزاى أهو البنات هتعكسه
أشاحت نظرها بعيدًا عنه غاضبة بتذمر طفولى فمسك رأسها وأدارها مُجددًا ثم قال: -
- لو بنت بقي هتبقي أميرة زى القمر برضو زى أبوه بصي حتى...
أخذ طرف حجابها ووضعه على شعره برفق ثم غمز لها بعينه في المرآة فضحكت عليه بطفولية مُتناسية غضبها، أعاد حجابها بعيدًا عنه ثم لف ذراعيه حول كتفه يجذبها إلى صدره هامسًا بأذنها بحنان: -
- فكلتا الحالتين بنت أو ولد هتبقي نعمة من ربنا ليا وكفاية عليا أنها منك ياروحى قلبي.
- نبيل أنا بحبك أوى.
قالتها بصوت عاذب ونبرة دافئة فتبسم لها وأخذها إلى محل لمستلزمات الأطفال ووقف يتأملها وهي تعبث هنا وهناك مع البائعة بمسلتزمات الأطفال وبسمة جميلة تزين ملامحها وتنير دنياه، ظل يتأملها وهي تبحث في ملابس الأطفال وتضحك بطفولية على صغر حجمهم وأغراض الأطفال الأخرى تبسم لها وأشتري شيء بسيط الآن لطفلهم وأخبرها بأنه سيجلبها مرة أخرى حين يعلما بجنس الطفل ثم أخذها لمحل مثلجات وأشتري لها النكهة المفضلة ومنه إلى أحد الحدائق العامة بالطريق جلسا الأثنين معًا على مقعد خشبي، أبقي هو يتأملها وهي تأكل بسعادة وحين بدأ أكل المثلجات الخاصة به رأها تنظر له ببراءة كطفلة ترغب بما معه نظر لها ففتحت فمها له وتشير عليه تخبره بأنها تريد المزيد دون ان تتفوه بكلمة واحدة، تبسم لها ومَدّ يده لها بالمثلجات فضحكت عليه بسعادة وقالت بلهجة دافئة وترجى: -.
- ألف هنا ياحبيبي، أنا ينفع أسند عليك
أجابها برحب وهو يربت على كتفه يخبرها بأنها الوحيدة المسموحة لها بفعل ذلك: -
- أكيد طبعًا من غير ما تسألى.
وضعت رأسها على كتفه مُتكية عليه برفق ثم أغمضت عيناها شاردة بهذا الزوج الذي يتحمل الكثير من أجلها ومن أجل أسعادها قطع شرودها به حين شعرت بأنه يضع رأسه فوق رأسها بعد أن لف ذراعه حولها ويربت على كتفه بحنان فتبسمت بسعادة وحركت رأسها بخفوت فوق صدره ثم نظرت لعيناه فبادلها النظرة بحب يفيض من جفنيه لها وطالت نظرتهما وكأنهما لأول مرة تلتقي عيناهما معًا...
وضعت طفلها في سريره الصغير برفق شديد حتى لا يستيقظ بعد أن أرهقها بنومه فشعرت بذراعيه تطوقها من خصرها ثم تجذبها إلى صدره فأصطدم ظهرها بصدره فقالت بدلال: -
- بالك رايق النهاردة يا سي صقر
همس بأذنها بحنان بينما هي تشعر بأنفاسه الدافئة تداعب عنقها هاتفًا: -
- ميروجش ليه وحبيبتى هنا
نكزته بذراعها في صدره ثم قالت: -.
- يابكاش، بقيت اونطاجى ياصقر، أوعى كدة الواد لو صحي والله لأسيبهولك وأنام وأسهر أنت معاه بقي.
أفلتت نفسه من قبضته وكادت أن تذهب من أمامه حتى مسكها من معصمها يمنعها من الرحيل فأستدارت له بحب ثم نظرت لعيناه بحب وقالت: -
- أنت عاوز أيه
- أنا هأخد دوش وأجي أجولك أنا عاوز أيه
قالها وأسرع للخارج جلست علىةالفراش مبتسمة عليه وقطع بسمتها صوت رنين هاتفه يعلن عن أستلام رسالة ألتقطته بحُسن نية وأتسعت عيناها على مصراعيهما بصدمة ألجمتها وتجمعت دمعة حارة بجفنيها...
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل السادس
بعنوان مُشاجرة ••
خرج من المرحاض مُبتهج ويدندن بسعادة حتى ولج إلى الغرفة وجدتها تقف في منتصف الغرفة عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتحدق به بأستياء بينما دموعها تنهمر على وجنتيها وزاد أحمرار أنفها من البكاء، أقترب بهلع حيث تقف هي ومسكها من أكتافها بقلق يسأل مُستفهمًا عن سبب بكاءها: -
- حصل أيه؟ مالك؟
وضعت الهاتف أمام عيناه بغضب سافر فنظر له ووجد رسالة من عوض يخبره بالجديد في القضية وأن ذلك الرجل خرج من المستشفي، نظر لها بذهول وقال بتردد: -
- جالان أنتى فاهمة غلط
قذفت الهاتف بوجهه بقوة وقال بصوت مُرتفع يدل على غضبها وبراكين النار التي أشتعلت بداخلها: -.
- غلط أيه؟ أنا فاهمة حاجة واحدة بس أن أنا وابنك دا مش فارقين عندك ولا مهمين في حياتك، حذرتك يا صقر وحلفتك بحياتنا متعملش حاجة وتعرضنا للخطر ولا تعرض نفسك للخطر لأن مالناش غيرك لو جرالك حاجة هنموت وراك، مبتسمعش غير كلام نفسك وعقلك بس...
كانت تتحدث بصراخ شديد وهي تضربه على صدره بقبضتها بينما هو يقف صامتًا يرمقها بنظره ودموعها تنهمر بسببه هو فخرجت كلمة واحدة من فمه ألجمتها حتى شل لسانهاوعن الحديث وتوقف صوتها بداخل جنحرتها تأبي أحبالها الصوتية الحركة حتى أنهمرت دموعها كالفيضان أكثر من السابق، ظلت تحدق به بصدمة ولا تعلم ماذا تفعل بعد حديثه هذا أو ماذا يجب أن تقول...
- مامي كدة صح
قالتها ملك وهي تعطيها كتابها المدرسي، نظرت إلى الكتاب وقالت: -
- اه بس صغري خط شوية ياملوكة
كانت جالسة على السفرة مع أطفالها الثلاثة تُنهى معاهم واجباتهم المدرسية وبنفس الوقت تختلس النظر له من حين لآخر وهو جالسًا على الأريكة ينهي بعض أعماله على اللاب والقليل من الأوراق مُتناثرة على الطاولة أمامه حتى رأته يقف من مكانه فسألته وهي تعطي الكراسة ل يوسف: -
- عاوز حاجة يا أيمن أعملهالك؟
أجابها وهو يقترب نحوهم بلهجة هادئة: -
- هعمل نسكافيه خليكى مرتاحة..
واقفت مُسرعة وهي تقول: -
- خليك مرتاح أنا هعملك
أربت على يدها بدلال وغمغم هاتفًا: -
- خليكى مرتاحة أنتى ياحبيبتى ولادك كفاية عليكى الولاد أنا هعمل وبعدين دا كوباية نسكافيه مش مستاهلة يعنى.
أومأت له بنعم وهي تعود للجلوس مكانها ودلف إلى المطبخ، عادت لمذاكرة أطفالها وقطع تركيزها مع مكة وقوف يوسف من مكانه فسألته بنبرة جدية: -
- على فين يا يوسف باشا لسه واجب العربي
- هجيب مياه يامامى عطشان
قالها ببراءة اطفال وخبث تفهمه جيدًا فهو يهرب من المذاكرة، فقالت بتحذير شديد: -
- أقعد أنا هجيبلك مياه وأعملكم سندوتشات أقعد، كملى يا مكة كدة بخط حلو عشان تأخدي نجمة.
قالتها وهي تقوم من مكانها ثم دلفت إلى الداخل فوجدت يسكب المياه المغلية في المج، أتجهت نحو الثلاجة وفتحتها فشعرت بيده تحيط خصرها بدلال وحنان فهتفت باسمة عليه قائلة: -
- طب وأزاى الحال لو حد من ولادك دخل وشافك كدة
أدارها له لتتقابل عيونهما معًا فنظرة ناعمة يفيض من شوق والأشتياق كل منهما إلى الآخر وقال هامسًا بأذنيها وأنفاسه الدافئة تداعب وجهها وتثير دقات قلبها: -.
- طب أعمل أيه من يوم ما ولدتى مش عارف أتلم عليكى.
نكزته في بطنه بيدها بخجل مُبتسمة له فهى الأخر مُشتاقة له، تعلم بأنها أنشغلت عنه في الأونة الأخيرة بسبب أطفالها وطفلها الرضيع وأعمال المنزل، أقترب منها بحنان ناظرًا لعيناها بصمت تذيب قلبها العاشقة له بتلك النظرة الدافئة التي تفيض بالعشق والشوق معًا ثم وضع قبلة على وجنتها بقرب شفتيها فأغمضت عيناها مُستمتعة بتلك الوهلة حتى قطعهما صوت يوسف من الخلف وهو يقول: -.
- كل دى سندوتشات عملتيها يامامى أنا فطست من العطش الصراحة
دفعته بعيدًا عنها بهلع وخجل شديد من طفلهما الصغير وكاد أن يسقط من دفعتها القوية فقال يوسف ساخرًا: -
- على مهلك يابابي لأحسن تقع
وضع يده خلف رأسه بأحراج وخرج من المطبخ فناداه أبنه وهو يقول: -
- النسكافيه يابابي نسيته.
عاد مُرتبكًا وأخذه وفر هاربًا من نظرات طفلته المسلطة عليه، أستدارت هي تعطيه ظهرها وهي تعض شفتيها بأغتياظ من مجيء طفلها وبأحراج من رؤيته لهم عن قرب هكذا، ضحك يوسف بطريقة طفولية ثم خرج ركضًا إلى أخواته...
كاد أيمن أن يدخل إلى مكتبه حتى أوقفته السكرتارية تخبره بأنه لم يأتي اليوم ولم تستطيع الوصول له فحين هاتفه مغلق، أتصل به وكذلك هاتفه مغلق لأول مرة يغلق الهاتف دون أن يخبره سابقًا فتسلل القلق إلى صدره وخرج من الشركة مُتجهًا إلى منزله...
دق جرس الباب ففتح له بوجه شاحب وعيون حمراء ك كرة من الدم فأتسعت عيناه على مصراعيهما وسأله بفضول وقلق: -
- حصل أيه؟
دلف إلى الداخل وتركه على الباب، دخل خلفه يسأله وهو يلتزم الصمت لا ينطق بحرف واحد فنادها ليستفسر منها عن حال زوجها: -
- جالان، جالان...
بتر حديثه صوته المبحوح وهو يقول بلهجة واهنة تأبي الخروج من بين صدره: -
- أنا طلجتها...
أستدار له بهلع من الصدمة ولم ينطق بحرف واحد أثر الصدمة فقط عيناه ترمش ولا شيء آخر، فقال بتلعثم بدون تصديق ما يقوله: -
- طلقتها؟، هي مين دى؟!
- جالان طلجتها.
قالها بخفوت وهو يضع رأسه بين كفيه بخيبة أمل وألم مكتوم بداخله..
أقترب منه بذهول وفضول للسبب الذي جعله يطلقها بسهولة هكذا فسأله بهدوء: -
- حصل ايه يعنى عشان تطلقها؟
حدق بعيناه بصمت ثم قال بضعف عاجزًا عن أسعادها: -
- لما تنزل دموع مرتى وحبيبة جلبي من جوا وأكون أنا السبب في دا يبجي مستحجش أني أكون جوزها.
صاح به بأغتياظ سافر وهو يرغب بضربه وأن يبُرحه حتى ينزف: -
- طلقت مراتك وخربت البيت عشان عيطت بسببك يعنى مش عشان ضربتها أو خنتها أو قفشتك في شقة مع واحدة أنت عاوز تجنني ياصقر خراب البيوت بالساهل عندك يعنى.
ركل الطاولة بقدمه ثم وقف بإنفعال ينفث به ألم قلبه وهو يحاول منع نفسه من الذهاب لها أو اللاحق بها ويدهس قلبه على قدر الأمكان حتى لا تذرف الدمعة من عيناه وهتف صارخًا به: -
- أنت اللى هتجنن أمال أنا أيه؟ ألو حسيت باللي حسيته لما شوفت دموعها بتنزل بسببي ولا اللى حسيته وهي بتتهمنى بأنها مش مهمة في حياتي وابنى ولا حاجة عندى مش هتقول كدة.
وقف أيمن بهدوء وقال بأستفزاز ليثير غضبه: -
- مهما كان أحساسك عمره ما هيكون كافي أنك تفتحلها الباب تكون لحد غيرك وتحرم عليك أنت.
رمقه بنظرة شرانية تكاد تقتله ثم دلف إلى الغرفة يحاول أن يتمالك أعصابه ويسيطر على غضبه فحقًا لم يتحنل رؤية دموعها تنهمر بسببه فهو وعدها بالسعادة والفرح فقط..
كانت جالسة على الأريكة تضم قدميها إلى صدرها باكية وجسدها ينتفض مع بكاءها وشقهاتها المكبوتة بداخلها بينما طفلها الرضيع بجوارها ويبكى بقوة جائعًا، دق جرس الباب مرة وأخرى ولم تفتح في حين ظلت هي شاردة بذكرياتها معه وكيف نطقها وأخرجها من مملكته إلى عالم آخر لا تعرف فيه شيء حاملة طفلها على ذراعيها..
أخرجت قمر المفتاح من حقيبتها ثم فتحت الباب ودلفت، بحثت عنها بنظرها وهي تسمع صوت بكاء ابنها فذهبت بأتجاه ووجدتها جالسة كما هي ولا تعرى أهتمام لطفلها الرضيع وصراخه، أسرعت بخطواتها نحوه بشفقة على حالها مُستاءة من تصرفات أمه ووالده فحملته على ذراعها تحاول أسكته وقالت بأقتضاب: -
- جالان، خدى رضعى ابنك هو مالهوش ذنب في شغل المجانين بتاعتكم دا.
- مجانين أنا معملتش حاجة هو اللى طلقنى، صقر مبيعملش حاجة غير اللى هو عاوزه بس
قالتها بصوت مبحوح وهي تبكي وتأخذه منها، جلست قمر بجوارها وقالت بهدوء: -
- معلش يا حبيبتى، صقر عمل كدة عشان حس أنه ميستاهلكيش مادام دموعك نزلت عشانه
صرخت بوجهها بأغتياظ وانفعال فاقدة أعصابها: -.
- ليه يا قمر ليه أنا أطلق، ليه كل مرة اتجوز واحد يطلقنى هو التنازل عنى سهل كدة، صقر عمل زى حسام بالظبط كلهم زى بعض هم الأتنين محدش فيهم حبنى بجد وصقر محبنيش زى ما أنا حبيته لو كان حبنى بجد من قلبه مكنش قدر يطلقنى ولا ينطقها بس...
أتاها صوته من الأمام بلهجة دافئة وحنان يقول: -
- والله بحبك ياجالان وحبي لكى هو اللى خلنى مقدرش لحظة واحدة أشوف دموعك ولا تكون بسببى، أنا وعدتك أكون سبب سعادتك وفرحتك بس مش دموعك.
رفعت نظرها له بعيناها الحمرواتين وأنفها المنتفخة من البكاء، حدقت به بضعف مُشتاقة له وغاضبة حد الجنون منه، مُستاءة منه لكن قلبها يريده..
أعطت مروان ل قمر وقالت غاضبة: -
- أنت محبتنيش ياصقر
أقترب منها مُسرعًا ثم جلس على ركبتيه أمام قدمها وقال بندم أسفًا وهو يملك يدها بين كفيه يربت عليه: -
- أسف، سامحينى ياجالان بس فكرة أنى سبب في دموعك بتقتلنى.
حدقت به بصمت دون ان تتفوه بكلمة تتأمله بحنان فرأت دموعه تنهمر من جفنه ف رق قلبها له ثم رفعت يدها ببطيء شديد تجفف له دموعه وقالت بحب: -
- أنت عارف ياصقر أنى على طول مسامحاك على طول
تبسم لها ثم وضع قبلة في كف يدها فظهرت بسمة على وجهها تنير دنياه من جديد بادلها البسمة بهدوء، غمز أيمن إلى زوجته لتتركهما وحدهما فتبسمت له ثم ذهبت نحوه...
خرجت من المرحاض بعد أستفرغت كل ما بمعدتها ثم دلفت إلى غرفتها بتعب واضعة يدها أسفل بطنها بألم ووجدت يبحث عن شيء في دولاب الملابس ويبدو عليه الضيق فسألته بهدوء: -
- بدور على أيه يا نبيل؟
أجابها وهو يخرج الملابس من الدولاب ويلقي بها على الفراش والأرضية بنبرة حادة: -
- قميصي الأسود فين؟
وقفت من مكانها مُتجهة نحوه بتعب من ألم بطنها وأردفت بهدوء حتى لا تثير غضبه أكثر: -
- اه دا في الغسالة ألبس قميص غيره.
أستدار لها مُصدومًا ووجهه يشع غضب ناري زاد من أحمرار وجهه وهتف بأقتضاب: -
- في الغسالة، مين أمتى وبدالى والقمصان بتتغسل في الغسالة يافريدة
أربتت على كتفه بلطف وقالت بأسف مُتألمة من ألم بطنها التي تزيد شيئًا فشيء: -
- معلش ياحبيبي مقدرتش أنزلهم للمكوجي والله أنا مغسلتش غير القمصان
صرخ بها بإنفعال وهو يبعد يدها عنه قائلًا: -.
- ومين قالك تتنيلى تنزلى أتصلي بيه ياهانم هيجى لحد عندك، أنتى الحمل أثر عليكى يافريدة، يخربيت دى عيشة ياشيخة مهملة في كل حاجة كدة...
تركها وخرج من الغرفة مُصدومة بصراخه عليها وقسوة حديثه، خرجت خلفه ببطيء مُقوسة ظهرها للأمام من ألم بطنها تناديه لكنه لم يجيب عليها ورحل للخارج تاركها وحيدة مُتألمة دون أن يهتم بها، دلفت لغرفتها باكية حيث بدأت دموعها تنهمر من جفنيها ترسم طريقها على وجنتيها، بدأت ترتب الغرفة وتعيد الملابس لأماكنها حتى شعرت بنغزات متتالية أسفل بطنها تزيد من الألم وسقطت على الفراش مُتألمة، حاول التماسك أكثر حتى وصلت لهاتفها وألتقطته ثم أجرت أتصال لها مرة وآخرى والعديدة ولم يجيبها فأتصلت بأخيها...
رواية صقر الصعيد الجزء الثاني للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل السابع والأخير
وصل إلى المستشفي ركضًا دون أن يعرف سبب وجدها فظل طيلة الطريق يلعن نفسه ويسب عقله الذي أغضبها وصرخ بها، كان عقله يُخيل له بأنها جاءت إلى هنا بسببه وبسبب شجارهما، وصل إلى غرفتها يلهث بتعب من الركض يكاد يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة فولج بسرعة البرق ووجدها على الفراش صامتة ودموعها تتجمع في جفنها وتحبسهم بأحكام، أسرع نحوها يتفحصها بخوف عليها وما أصابها ويحدثها هاتفًا: -.
- حصل أيه؟ كدة يا فريدة تخضينى عليكى، أنتى كويسة صح؟ مفيش حاجة بتوجعك؟
كانت تنظر له بصمت وهو يتحدث بلهفة عليها ولم يذكر طفلها أحقًا يقلق عليها هي وليس طفلهما، أكمل حديثه بأسف وهي يملك يدها: -
- كدة يافريدة عشان زعقت شوية تخضينى كدة، بتعاقبينى عشان أتخنقت معاكى شوية..
وقفت جالان من مكانها بهدوء وأخذت زوجها من يده لكى تخرج وتتركهما معا، صرخ صقر بها بأغتياظ قائلًا: -
- شوفتى أنا كنت عارف أن فريدة مهتتعبش كدة لحالها، طلع متخانق معاها
- مالناش دعوة ياصقر كل واحد حر في مراته
قالتها بهدوء وهي تأخذه من معصمه إلى المقاعد الحديدية لكى يجلسا فقال: -
- مراته يعنى أيه، يتخانق براحته مش فاهم، دا لازم اقفله عشان ميقررهاش تانى.
صاحت به بضيق من أصراره قائلة: -
- في ايه ياصقر تقفله ليه هو ضربها ولا قتلها، دا لو ضربها مش من حقك تتدخل غير لو أختك أشتكتلك فاهم، مانت بتزعقلى كتير فيها ايه، ياصقر ياحبيبى كل واحد بيكون تعبان ومخنوق مفيهاش حاجة لما زعق شوية مقتلهاش يعنى تلاقيه كان مضايق شوية البيوت كلها فيها من دا وعايشين عادى لو كل واحد اتخانق مع مراته أهلها أدخلوا كل البيوت هتخرب، قوم خلينا نروح.
- وأسيبها لوحدها
قالها بحدة بينما يحدق بها بحزم، فوقفت بأصرار وهي تقول: -
- هي مش لوحدها جوزها معاها، قوم ياصقر
أخذته من يده بالقوة ورحلت من المستشفي به...
مسح على رأسها بحنان وهو يقول بحنان وأسف: -
- أنا أسف ياحبيبتى حقك عليا..
تركت العنان لدموعها وكامل الحرية لها لكى تنهمر من جفنيها وهتفت بلهجة واهنة وصوت مبحبوح: -
- أنا اللى أسفة يا نبيل أنا اللى بقيت مهملة فيك وفي حاجاتك الغلط عندى أنا
وضع قبلة على جبينها بحنان ودفء وقطعهما دخول الطبيب يسأل بفضول: -
- حضرتك جوزها؟
أومأ إليه بنعم فهتف بجدية وصرام: -.
- طيب أنا بقولك أهو قدامها، الحمل بتاع المدام صعب ومحتاجة تفضل في السرير طول فترة الحمل وبعدين عن كلام الدكاترة وتقولك دا كل الدكاترة بتقول كدة وعادى لا المدام عندها مشاكل في الرحم يعنى أقل حركة ممكن الحمل ميكملش وتهتم بالتغذية كويس جدًا جدًا.
نظر لها بحذر ثم سأله مُستفهمًا: -
- حاضر يادكتور، تعبناك معانا، بس هي ممكن تخرج أمتى؟
أجابه الطبيب بحذر مُبتسمًا له: -
- ممكن دلوقتى لو حبيت بس تسمع الكلام ومتتعبش نفسها
أجابته بعفوية وهي تجلس على الفراش وتمسك في يد زوجها كطفلة صغيرة: -
- حاضر هسمع الكلام ومش هتحرك خالص
أجابها بتحذير من حديث النساء: -
- مفيش زهقت من السرير والقعدة
أومأت له بسعادة برأسها وقالت بعفوية: -
- مفيش.
أومأ لها بإيجاب ثم خرج من الغرفة تاركهما، رمقها بهدوء يخفي خلفه قلقه عليها فهى لم تستطيع الجلوس بدون شقاوتها المعتادة التي تمليء أى مكان تكون به، تبسمت له بطفولية هي تحرك يدها بنعومة على بطمها وكأنها تخبره بتصرفها بأنها هي وطفله بأمان لكر تطمئنه فتبسم عليها جاذبًا رأسها إلى صدره بدلال...
نزلت جالان الدرج بتذمر من طفلها ذات العشرة أشهر حامله على ذراعيها وهي يداعب وجهها يشاكسها ووجدت نبيل يجلس بجوار زوجته ببطنها المنتفخة وفي شهورها الآخيرة من الحمل فهتفت فريدة بدلال وهي تتشبث بيد زوجها قائلة: -
- كان نفسي أنزل أسلم عليكى بس تحكمات حبظلم أبنى بقي...
صعدت إلى السيارة ووجدت أطفال قمر يحتلوا الأريكة الآخيرة وحدهم فحدقت بزوجها بتذمر وهي تقول: -.
- عجبك كدة مصر كلها قاعدة جنب مراتاتها وسيادتك عاوز تقعد جنب السواق وتسيب مرات.
ضحكت قمر عليها وهي تضع راسها على كتف زوجها لتزيد من غضبها فصرخت به قائلة: -
- طب أيه قولك أن مفيش كراسي جنب السواق ولو قعدت جنبه ياصقر هنزل ومش رايحة في حتة.
ضحكوا جميعًا عليها وأولهم زوجها فجلس بجوارها لتتشبث بذراعه بدلال ورأسها على كتفه فتبسم عليها وهو يربت على يدها بحنان وجلس عوض بجوار السائق وزوجته في الخلف مع الأطفال وأنطلقوا جميعًا إلى العين السخنة ووصول إلى الشاليه يطل على البحر مباشرة في شاطيء هاديء غير مزدحم وذهبت ا جالان و قمر إلى المطبخ ليجهزا الطعام بينما جلست زوجة عوض على الشاطيء بجوار الأطفال وعلى بُعد جلست فريدة على أحد المقاعد مُمددة جسدها بأسترخاء واضعة يدها على بطنها المنتفخة، في حين ذهب الرجال ثلاثتهم إلى البحر ليسبحوا قليلًا، كانا يراقبهم من خلال نافذة المطبخ وهم يسبحوا في البحر وظل يتهامسان عليهم ثم تركوا الطعام وأغلقا النار عنه وخرج لهم ذاهبون نحو فريدة وظل يتهامسان معاها بمكر نساء ولامحهم أيمن فقال: -.
- أنا مبرتاحش لما بيتجمعوا وربنا
نظر كلا من صقر و نبيل نحوه وتوقفوا عن السباحة فهتف نبيل بتذمر: -
- مش وقت هزارهم على فكرة البت على وش ولادة هتولد مننا
- تعالوا أقولكم هنعمل أيه...
قالها صقر بمكر وخُبث ثم أخبرهم بخطته فحدق به أيمن بأستغراب ثم سأله مُستفهمًا لكى يطمن على حاله: -
- أنت متأكد أن جالان مش هتطلقك فيها
- سابها على ربك المهم تعملوا زى ما قولتلكم...
قالها بخُبث وهو يرمقها عن بُعد باسمًا على ما سيفعله به...
- فهمتى هتعملى أيه؟
سألتها جالان بهدوء فأومأت لها بنعم بوجه طفولي شرس ثم وقفت من مكانها بينما تضع يدها على بطنها وحدثت طفلها بلهجة ماكرة: -
- مش كدة يا كوكو إحنا هننفخ بابي ياروحى عشان يحرم ينزل البحر من غيرنا، لنستعد بس عاوزاك تكون حنين على مامي ماشي..
أستداروا ثلاثتهم لكى ينفذوا مَقلبهم وصعقوا حين وجدوا نبيل و أيمن يحملوا صقر وهو فاقد الوعى فركضوا لهم حين وضعوا على الرمال وبدأ أيمن يصنع لها أنعاش للقلب والرئة فسألتهم بهلع: -
- حصل أيه؟
- معرفش هوكان بيعمل مسابقة غطس مع نبيل و غطس ومطلعش نزلنا ندور عليه لاقينا غرق، وما أن أنهى جملته حتى تلقي ضربة قوية منها على ظهره وهي تقول: -
- بعد الشر عنه، غور من وشي.
دفعته بعيدًا عنه وهي تجلس بجواره وقد بدأت في البكاء بخفة وقلق مُنادياه: -
- صقر، صقر حبيبي رد عليا، صقر والنبي متسبنيش لوحدى، طب عشان خاطر مروان بلاش عشانى.
جهشت في البكاء بأنهيار وهي جالسة بجواره فغمز نبيل ل أيمن فأبعدها عنه وهو يقول بجدية وحزم: -
- أنتى هتقعدى تعيطى خلينا نودي المستشفي
- لا مستشفى أيه شله معايا نطلعه الأوضة وأتصل بالدكتور
قالها أيمن بأقتضاب ثم حملوا معانا وصعدوا به إلى غرفتها وهي خلفهم تبكي بشدة وأنيهار حتى سقط حجابها البسيط مرتين وأعادته، وضعوا على السرير ثم خرجا معاً فحدثه أيمن بشر وقال: -
- روح أتصل بالدكتور بسرعة.
غمز له بسرعة ثم ذهب...
جلست بجواره فوق الفراش وهي تحاول إفاقته باكية بأنيهار وقد وشكت على عدم الرؤية بسبب دموعها التي تتلألأ في عينها وتحدثه بخوف: -
- صقر حبيبى متسبنيش لوحدى، طب والله مش هعمل فيك مقالب خالص بس قوم، وعد والله مش هعمل حاجة خالص وهسمع الكلام ومش هتخانق معاك تانى، طب أنت بتزعل منى عشان بروح الشغل وأسيب مروان خلاص مش هروح الشغل بس خليك معايا متسبنيش.
كانت تحدثه بتلعثم شديد وصوت شهقاتها يمليء المكان بأكمله باكية بطريقة هسترية فرفعت رأسها ويدها للأعلى لتدعو ربها بصوت مسموع قائلة: -
- يارب قومهولى وأنا مش هزعله تانى وعد والله، ولا هعمل مقالب فيه تانى وأنت شاهد يارب، بس أنت أكتر حد عارف أن ماليش غيره في الدنيا كلها، يارب أنا ماليش غيرك يقف معايا...
خفضت رأسها بأستياء ووجع أمتلك قلبها فوجدته يفتح عيناه ببطيء شديد مُبتسمًا لها فحدثته بسعادة وسط بكاء: -
- صقر حبيبي، أنت كويس في حاجة بتوجعك؟
جلس على الفراش وهو يمتلك وجهها بين كفيه ويمسح دموعها بأبهامه بلطف ثم أردف بحنان قائلًا: -
- أنتِ بتحبنى أوى كدة؟
لم تجيبه بلسانها وحديثها بل أجابته بعناقها له بقوة وهي تتشبث بها بقوة حتى لا يهرب منها أبدًا فضحك عليها بحنان وهو يطوقها بذراعيه ويمسح على رأسها بلطف حتى سقط حجابها عن رأسها فأردفت بخوف بينما تدفن رأسها في عنقه وكتفه: -
- متسبنيش ياصقر أوعى تعملها وحياتى عندك أنا ممكن يجرالى حاجة لو سبتنى
همس بأذنيها بنبرة دافئة هاتفًا: -
- متخافيش ياحبيبتى أنا عمرى ما هسيبك.
ثم وضع قبلة رقيقة على رأسها فهتفت بسذاجة تقول: -
- كنت هتسبنى دلوقتى ياصقر جالك قلبك تسبنى
أجابه بدون وعى وهو يطوقها بذراعيه ويربت على ظهرها ليطمئنها دون أن ينتبه لكلماته: -
- لا ياقلبي مهونتش وعمرك ماهتهونى عليا دا مقلب صغير بس...
توقف عن حديثه بصدمة، أتسعت عيناها على مصراعيها بصدمة ثم نزعت نفسها من حضنه وتقول بحدة وصراخ: -
- مقلب، كنت هتوقف قلبي وتقول مقلب أنت أتجننت ياصقر.
- أتجننت أنت لسه قايلة مش هزعلك ولا هتخانق معاك
قالها ليذكرها بحديثها فصرخت بوجه بأقتضاب وجدية: -
- وهو أنت كنت بتموت ما بُنى على باطل فهو باطل، دا مقلب تعمله ياصقر، والله ياصقر أنت أتجننت بجد...
قالتها وهي تنزل من الفراش ذاهبة للخارج فأسرع لها وهو يقول بلهفة: -
- أنتى رايحة فين أستنى مينفعش تخرجى
قالها وهو يقف خلف الباب يمنعها من الخروج فحدقت به نظرة غضب تشع نار فحملها على ذراعيه بالقوة وهي تصرخ به وتحاول النزول فحدثها بجدية بينما يشد عليها بذراعيه: -
- جالان.
نظرت له بهدوء وتوقفت عن الحركة فرأته يقترب برأسه نحوها ثم وضع قبلة على جبينها بحنان ثم نظر بعيناها بشغف وشوق وأقترب نحوها أكثر فأغمضت عيناها بأستسلام له...
- أستعجل الدكتور يا أيمن ولا تعال نودى المستشفي
قالتها بقلق وهي تمسك يده بذراعها فأربت على ذراعها وكان على وشك أن يتحدث لكن قطعه صوت زوجة عوض وهي تقول بصراخ: -
- الحجينى ياست قمر، أنا ملاجيش يوسف
أستدارت لها بذهول وسألتها بأستفهام: -
- مش لاقيه يعنى أيه، تلاقي بيلعب هنا ولا هناك مع أخواته
- لا لا دورت في كل مكان ملهوش أثر.
قالتها وهي تبدأ تمثل في البكاء فهلعت إلى الخارج بقلب أم مخطوف تبحث عن طفلها على الشاطيء ولم تجد له أثر وهو خلفها فأستدارت له تبكى وجسدها ينتفض من الرعشة قائلة: -
- أيمن، ابنى فين؟ أنا عاوزة ابنى يا أيمن..
تركته وظلت تركض على الشاطيء تناديه بقلب تنهشه الألم وتقول: -
- يوسف، يوسف حبيبى أنا ماما، يوسف.
ركض خلفها بسرعة حين سقطت على الأرض باكية وتضرب بقبضته فوق قلبها فجلس خلفها بهدوء وهو يطوقها بذراعيه فهتفت بإستياء وحسرة: -
- قوم دور عليه دا ابننا يا أيمن
هتف بأذنها هامسًا بحنان: -
- متخافيش ياحبيبتى يوسف بخير، دا هزار والله أهدى ياروحى
أستدارت له بغضب نارى حين سمعت حديثه وضربته على صدره بقوة فطوقها بقوة حتى يسيطر على حركتها بين إحضانه حتى شعر بجسدها يستريخ بين ذراعيها وهدأ صوت بكاءها فقال بلطف: -.
- أنا بحبك أوى يا قمر أوى أكتر من أى حد
سألته بنبرة هادئة وهي تجفف دموعها بأصابعها الناعمة: -
- وصقر كمان هزار صح؟ مفيش غريق بيدخل الأوضة بدل ما يروح المستشفي
أومأ إليها بنعم ثم هتف بهدوء حتى لا يثير غضبها: -
- اه هزار، بس والله تفكير صقر مش إحنا
نكزته في ظهره بأغتياظ وقالت بجدية: -
- أنتوا مجانين، وهتعملوا أيه في فريدة
أجابها وهي يدفن رأسه في كتفها بنبرة ناعمة: -.
- لا فريدة على وش ولادة نبيل مش راضي يقرب منها لتولد مننا
سألته بخفوت وهي تضع يدها فوق يده بحنان: -
- وهان عليك تخضنى الخضة دى على ولادى يا أيمن، هزر في أى حاجة بس مش ولادى يا أيمن.
وضع يده بجانب عنقها يُدير رأسها له لكى تتقابل عيناهما معًا بنظرة دافئة تفيض بمشاعره لها مُتأملها بعفوية وحجابها يتطاير مع نسمات الهواء الباردة تشبه الوردة الناضرة في بستان حياته ثم وضع قبلة على جبيبنها بدلال وخاطبها بنبرة هادئة: -
- متهونيش عليا يا قمر ولا يهون عليا دموعك دى مقدرش أشوفها بتقتلنى والله وبحس بخنجر أتغرس في قلبي مع نزولها.
فوضعت يدها فوق قلبه تلامسه بعذوبة ثم هتفت: -
- سلامة قلبك ياقلبى
أرخت رأسها فوق صدره وتشابكت أصابعهم معاً ناظرين للبحر وأمواجه الهادئة..
صرخت بوجه بأنفعال بينما تدفعه في صدره بقوة: -
- أبعد عنى يا نبيل خلينى اروح أطمن على أخويا
- والله صقر كويس أهدى بس عشان متتعبيش، دا هزار
قالها بلطف وهي يشير له بيده بأن تهدأ حتى لا يؤثر عليها بالسلب والتعب على حملها، فصرخت بأقتضاب منه ونبرة أعلى: -
- أنت بتكدب عليا، صقر اخويا، لالا مش ممكن يحصله حاجة
أقترب نحوها بدلال وهو يمتلك وجهها بين كفيه وقالت بعذوبة: -.
- أطمنى والله هو كويس دا مقلب عامله في جالان، هو كويس وبخير
حدقت به ببراءة وضعف ثم سألته للتأكيد: -
- بجد أنت مبتكدبش عليا، هو كويس صح؟
أومأ إليها بنعم برأسه فوضعت رأسها على صدره بأرتياح وهي تتنفس الصعداء فطوقها بذراعيه وقال يشاكسها: -
- فريدة أنتى تخنتى أوى مش ناوية تفسى بقي أنا مش عارف أحضن ولا أعمل أى حاجة
ضربته بقبضته برفق وهي واضعة رأسها على صدره وقالت: -.
- هو التخن بسببى كله بسبب ابنك هو السبب وأنت السبب
قهقه ضاحكًا عليها وأجابها بمرح: -
- أنا السبب مش أنتى اللى قعدتى تعيطى عاوزة نونو وتبقي ماما
أجابته بدلال وهي تلف ذراعيها حولها خصره بقلب عاشقة تعشق رائحة عطره وألتصقها به قائلة: -
- يعنى أنت مش عاوز نونو، أنا عاوزة حتة منك
أنزل يده اليمنى عن ظهرها واضعة أسفل رأسها مداعبًا ذقنها ورفعها للأعلى لتلتقي عيناهما وقال بهيام: -
- أنا عاوز التورتة كلها..
تبسمت له بدلال وعادت برأسها إلى الأسفل بعناقه مُستلسمة إلى تلك الوهلة التي جمعتها بحبيبها وقد تساوي العمر كله لديهما...
تذمروا ثلاثتهم على رجالهم راغبون بالنزول إلى البحر والأستمتاع بالمياه بالباردة ومع تذمرهم وأصرارهم وافقوا بنزولهم، ونزل كل منهم بزوجته بعيدًا عن الآخرين وكان صقر يسبح بها وهي تتشبث بذراعه باسمة له ببراءة طفولية وهكذا أيمن وزوجته كانا هذان الزوجين يعيشان لحظات رومانسية دافئة بقلوبهما ومشاعرهما العاذبة بقدسيتها حتى انتبه لصراخ فريدة فنظروا إليهما وسبحوا نحوهما، كان يسألها بقلق وذهول: -.
- مالك يافريدة؟ انتى يابت
- اااه اوووف اااوف أنا بولادة يا نبيل ااااااه ودينى للدكتور بسرعة اااااه..
قالتها وهي تصرخ مُتألمة من بطنها وكان هو مُندهشًا لأول مرة يري امرأة تلد بالبحر فأخذوها للخارج وهي تصرخ به وتتضربه بقوة مُحدثه: -
- ابنك غبي جاي يخرج دلوقتى اااااه أووووف اااوووف بطنننى
هتفت قمر بجدية وهم يجلسوها على المقعد برفق بينما هي لا تتوقف عن الصراخ: -
- إحنا هنغير هدومنا بسرعة.
صاح نبيل بها وهو يمسك بيد زوجته قائلًا: -
- مفيش وقت ياماما البت بتولد أستن لما الواد يخرج هنا
أجابته بجدية وهي تقول: -
- متقلقش اللى بيجيلها الطلق مبتولدش في ساعتها مش معقول هنروح المستشفي مبلولين يعنى..
أثناء حديثهم كانت جالان ولجت إلى الداخل أرتدت عبايتها فوق ملابسها المبلوله وغيرت حجابها في حين غير صقر و نبيل تيشرتهم المبلول بتيشرت آخر موضوع على الطاولة على الشاطيء وهكذا أيمن، أحضرت جالان لها عباية مفتوحة وساعدتها في أرتداها حتى غيرت قمر ملابسها سريعًا وأخذوها بالسيارة وهي تصرخ بهم وتسبهم جميعًا على بطئهم معاها فهم لا يشعرون بألمها وكانت تتفوه بكلمات دون وعي من ألمها: -.
- ااااااه ااااوووووف مش قادرة أكتر من كدة، أستحمل ياكوكو متبقاش رخم زى أبوك، اااااه أنت كدة غبي زى خالك، ااااااه اااااوووووف أسمع الكلام بقي ياواد أنت طالع عنيد لمين اااااه مش قادرررة هموت.
كانوا يسمعوا حديثها وينظروا لها بينما أيمن يضحك عليهم وهي تسبهم ولم تذكروا في موشحها فأجاب على حديثها نبيل: -
- عنيد لأمه أم دماغ جومة ولسان عايز قصه ااااه
لم ينهى حديثه الحادة بسخرية عليها حتى أجابته بعضة قوية في ذراعه تسكته عن التذمر عليها، وصلوا إلى المستشفي ووضعها على الكرسي المتحرك وركضوا بها إلى الداخل فأوقفتها الطبيبة وهي تسأل الممرضة: -
- دى حالة ولادة.
صاحت بها فريدة وهي تجلس على الكرسي وتتألم فتكز على أسنانها: -
- أمال بلعب معاكى كورة ولا خالعة ضرسي أنتى مبتشوفيش ياولية، اااااه خلصوووونى بقي مش قادرة اااووووف.
أخذوها إلى غرفة العمليات وظلوا جميعًا في الخارج ينتظروها حتى خرجت الممرضة تُبشرهم بأنها أنجبت ولد جميل وأن حالتها الصحية بخير فغمرت السعادة قلوبهم وعانقت قمر زوجها بفرحة بينما ضم صقر زوجته إلى صدره ببهجة أما نبيل فوضع يده فوق وجهه يشكر ربه ويحمده على أتمام نعمته عليه ورزقه بطفل جميل كأمه يحمل عنادها وبراءتها في حين يحمل ملامح والده...
تمت