أخر الاخبار

رواية وعد البارت الثاني بقلم الكاتبه سلمي سمير حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات


رواية وعد البارت الثاني بقلم الكاتبه سلمي سمير حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


لم تصدق وعد أذنيها… هل حقًا عرض رجا عليها الزواج؟

رغم عشقها له، ورغم أمنياتها القديمة بأن تكمل حياتها شريكة له، إلا أن كبرياءها لم يسمح لها بقبول عرضٍ ظنّته شفقة، فقالت بصوت واهن ولكنه ثابت:

مفيش داعي يا باشمهندس… وفر شفقتك، أنا خلاص عرفت قيمتي عندك.

واجبي على نفسي إني أحافظ على كرامتي. آه، هفضل أحبك، وهعيش على أمل إنك تحس بيا يوم، وتفكر فيا علشاني… مش علشان شفقة، لكن مستحيل أقبل أتجوزك بالشكل ده.


ابتسم رجا بحنو، ومال نحوها، أمسك يدها، وطبع على أصابعها قبلة رقيقة وقال:

إنتي فوق راسي يا وعد… لأنك ست البنات. بس صدقيني، أنا مش قادر أكسر قلبك… اسمعيني وافهميني.جوازي منك مش شفقة، ولا فضل…

أنا بعرض عليكي الجواز علشان أرضيكي، وعلشان… أرضي نفسي كمان.


نظرت إليه بعيون غارقة في الحيرة، ودموعها تلمع تحت ضوء الغرفة، وقالت بحزن:

مش فاهمة… إزاي ترضيني وإنت مش عايز تتجوز أصلاً؟ وترضي نفسك بواحدة مش عايزها ليه؟

يبقى جوازك مني مش حب… ده شفقة… علشان العِشرة والجيرة، وعلشان اللي حصل خلاك تحس إنك مسؤول، وواجب عليك تنقذني من نفسي.


ضحك رجا بخجل، وانحنى نحوها، وضع كفه أسفل ذقنها ورفع وجهها إليه، ثم نظر إلى عينيها بتمعن وهمس:

لا يا وعد… مش شفقة. أنا عايز أرضيكي علشانك، لأنك تستحقي السعادة. لو شايفاها معايا، يبقى واجبي أحققها ليكي.

وعلشاني كمان… يمكن تقدري تمنحيني سلامي الداخلي، وتخليني أؤمن بالحب اللي عمري ما صدّقته. لو قدرتي تحبيني، وتخليني أحبك… ساعتها هنبقى سعيدين بجد....ها… يا وعد؟

عندك القدرة تخليني أحبك، وأصدق إن الحياة تحلى لما يبقى جنبك حد بيحبك بصدق؟

 ده هو مضمون ردي… ودي فرصتنا. قلت أيه


أقنعها… أو ربما لمس فيها نقطة تحدٍ لم تحتملها.

ابتسمت له بثقة وقالت:

 وأنا موافقة يا رجا.

وقبل ما السنة تخلص، إنت اللي هتعترف إن أحلى حاجة حصلتلك في دنيتك، مع حب صادق من القلب.

لإني قبل ما أوهبك قلبي، هوهبك روحي.


ربت على شعرها بحنان، وغامت عيناه بتأثر وقال مؤكدًا:

 اسمعيني كويس… مدام جوازنا هيبدأ من غير حب، فأظن العلاقة بينا لازم تبقى نقية… من غير ضغوط.

يعني هنعيش كزوجين… من غير علاقة زوجية.

لحد ما  الحب بينا  هو اللي يخلق العلاقة… مش العكس يعني… جوازنا هيكون على الورق بس.


نظرت إليه بدهشة… رجا، الذي كان من يومًا يعرض عليها علاقة لا ترضي الله، أصبح الآن يضع لها خطوطًا لا يمسّها فيها إلا بالاحترام!

تيقنت وقتها أنه كان يختبرها… وأنها نجحت، لأنها تمسكت بمبادئها. رفعت رأسها بكبرياء، وقالت بحزم:

وأنا موافقة يا رجا… يكفيني إني أهتم بتفاصيل حياتك… أحكي معاك من غير خوف. وأقرب منك…

بس ليّا طلب…أرجوك مترفضهوش، ووعد…

أي طلب تاني هطلبه، هيكون بعد جوازنا رسمي.


رفع طرف عينيه نحوها، وابتسم بمودة صافية، ثم قال بنبرة مطمئنة:

 قولي يا وعد، لو في مقدوري أوعدك أنفّذه، المهم تبقي مرتاحة ومبسوطة في حياتك معايا.


نَكَست رأسها، وتلعثمت الكلمات على لسانها، فتحدثت بخجل لم يُخفه صوتها الواهن:

مدام... مدام هكون مراتك... عايزة أنام في حـ...


خنقتها الكلمات، ولم تستطع أن تُكمل، فطأطأت رأسها أكثر، وقد غلبها الخجل.

لكنه فهم مقصدها دون حاجة للشرح، فابتسم برقة وقال:

 موافق يا وعد، بس خليكِ على وعدك معايا… علشان متخسريش حضني.

إحنا اتفقنا… جوازنا على ورق لحد ما حبك يملأ قلبي… ويبقى العشق بينا متبادل تمام.


هزّت رأسها بابتسامة خجولة توردت معها وجنتاها بحمرة الحياء، فمدّ يده برفق، وربت على رأسها وقبّل جبينها قائلاً:

ربنا يباركلي فيكي… يا عشرة عمري وطفولتي.


ازدادت ابتسامتها اتساعًا، وازدانت ملامحها بنور الفرح الطفولي، فنهض رجا وفتح الباب، ثم نادى على والدتها بنبرة حازمة لكنها دافئة:

 خالتي سناء… أنا طالب إيد وعد، وعايز جوازنا يبقى الأسبوع الجاي إن شاء الله.

إحنا لوحدنا في البيت، ومش حابب الناس تتكلم علينا ولا تظن بينا السوء… عايز كل حاجة تبقى في النور.


ارتمت سناء في حضنه بسعادة غامرة، ودموع الفرحة تترقرق في عينيها، ثم نظرت إلى ابنتها التي غمرتها السعادة، وقالت بحرارة:

وأنا موافقة… مش هلاقي لبنتي أحسن منك، يخاف عليها ويصونها. ربنا يتمملكم على خير… أحمدك يا رب، دعوة دعيتها وربنا قبلها. ألف مبروك يا حبيبي.


تقدمت "نِعمات" والدة رجا، وعانقت وعد بكل حب:

ألف مبروك يا وعد… يا فرحة قلبي إنك هتبقي مرات ابني.اسمعي بقى… إنتِ هتعيشي مع رجا في شقتنا، وأنا هعيش مع خالتك سناء، عشرتي من سنين، في شقتكم. إيه رأيك؟


ردت سناء بسعادة عفوية:

 وأنا موافقة… بس يا رب ما تعمليش فيها حما على بنتي!


ضحك رجا بحرارة، واحتضنهما معًا وقال:

 نعمومة المسكّرة دي حما؟! يا رب إنتِ اللي ما تبقيش حما عليا! وإنتي يا ست وعد… شدي حيلك، عايزين نفرح بيكي. ولا تحبي نأجل شهر ولا شهرين لحد ما تخفّي وتِقومي بالسلامة؟


هزّت رأسها بحماس وحاولت النهوض قائلة بلهفة:

 لاء… أنا خفيت خلاص، حتى شوف!


لكن قدماها خذلتها، وكادت أن تقع، فسارع رجا بسندها إلى صدره، يحيطها بذراعيه، ونظر في عينيها وابتسم قائلاً:

 الصبر يا عروستي… كلها كام يوم، ويبقى الحضن… وصاحب الحضن من حقك إنتِ وبس.


أعادها إلى الفراش برفق، ثم التفت إلى والدتها قائلاً بحزم:

 أنا هروح أجهز الشقة علشان أستقبل العروسة، وأول ما تخرج بالسلامة نجيب الشبكة ونكتب الكتاب… ونخلي آخر الأسبوع الليلة الكبيرة… اتفقنا؟


أومأت له والدتها بالموافقة، بينما تهللت أسارير "وعد" التي لم تكن تصدق مقدار الفرح الذي أقبل عليها فجأة.

كانت تتمنى أن تنهض الآن، لتُعلن خطبتها في الحال… فما عادت تحتمل الانتظار.

ــــــــــــ

استأذن رجا، وخرجت خلفه والدته، وما إن ابتعدا عن المستشفى حتى قالت له بنبرة حنق ممزوجة بالوجع:

ليه يا رجا تظلمها معاك؟ طيب قولتلها على مرضك؟


أمسك يدها، وضغط عليها بحنان، ثم كفكف دموعها التي سالت دون أن تدري، ورد بهدوء فيه وجع:

 لاء يا ماما… أوعي تقولي لها حاجة. "وعد" لازم تعيش السعادة اللي تستحقها… محاولة انتحارها دمرتني…اتخيلت لو كانت ماتت؟

مفيش بينّا ذكرى واحدة… غير الطفولة والجيرة!

عشان كده أنا هتجوزها… نفسي أسيب لها ذكرى تفضل عايشة معاها بعدي… حاجة حلوة تعيش بيها، تعوضها عن موتي وفراقي.


ارتجفت شفاه  نعمات  وهي تحاول كتمان نحيبها، ثم قالت بصوت مخنوق بالأمل:

 ربنا يباركلك فيها يا ابني… ويديها طفل منك… يحيي ذكراك… هو ده اللي هيبرد قلبي لو فارقتنا… يا ضي عيني.


هزّ رجا رأسه رافضًا، وقال بتأكيد قاطع:

مستحيل يا ماما… مستحيل أسمح إنها تحمل مني.

أنا معرفش مرضي  يتورث ولا لأ…

وكمان جوازنا على ورق… ومش عايز أسيب في حياتها حاجة تخلّيها متعلقة بيا بعد موتي.

عايزها تبقى حرة، تختار، وتعيش… ولما تتجوز بعدي ما يكونش في ضغينة جواها إنها كانت لحد قبله…

عارفة إن الحكاية دي بتفرق… وبتوجع… وبتخلّي الست مش قادرة تبدأ. حياتها مع جوزها


القت  أمه نفسها  في حضنه، وعانقته بقوة، ونحيبها يعلو:

يا رب… يا رب باركلي فيها، وانجيه يا رب…

رجا ابن نعمات… اللي بيدوّر على سعادة الناس قبل نفسه…يا رب طول في عمره، وارزقه سعادة الدنيا والآخرة…  قادر يا كريم.

****************

مرّت الأيّام سريعًا...

خرجت وعد من المستشفى، وتمّت خطبتها وكتب الكتاب كما أراد قلبها.

أما  رجا ، فظلّ منشغلًا بتجهيز شقّته لاستقبال عروسه. ورغم تهالك البيت الذي صَدرت له قرارات إزالة عدّة، لم يسمح له الوقت ولا الظرف بتهيئة الشقّة كما ينبغي، فاكتفى بتجهيز الضروريات.


ثم أتى يوم الزفاف.

أقام لها رجا فرحًا كبيرًا بين أهله، في نفس الشارع الذي كبرا فيه سويًا، وسط الجيران الذين كانوا شاهدين على طفولتهما ومراهقتهما… "عِشرة العمر".

نُصِب شادر كبير أمام البيت، وتزيّنت الحارة بألوان الفرح، وزغاريد النسوة صدحت من كل جهة…

كل من في الشارع كان من المعازيم، الكل فرحان… والكل بيدعي من قلبه.


لكن في وسط الأهازيج والمزيكا، فُتح الطريق لوجه ما يكن في الحسبان…

ظهر فجأة  كيشا… بلطجي معروف، قضى عامين في السجن بعد أن تسبّب في عاهة مستديمة لأحد جيرانه. الذي قام بمعاكسة  فطعته 

عاد اليوم ليكمل ما بدأه… فقد كان قد تقدم لخطبة وعد من قبل، ورفضته.


دخوله كان كالصاعقة.

سكتت الموسيقى، وخفَتَ الضحك، وجحظت العيون.


اقترب من رجا ونظر إليه بحدّة.

أما "رجا" فابتسم بتهكّم وقال بصوت عالٍ:

 حمدالله  يا شاكر… ولاّ أقولك يا أُسطى كيشا؟

كفارة يا راجل .......


لكيشا لم يردّ كيشا التحية، بل أخرج سلاحًا أبيض من طيّ ملابسه وأشهره في وجه رجا، وصاح بغضب:

وعد دي بتاعتي… قوم من جنبها لا أجيبك نُصّين!

واسمع… لو فكرت تتحداني، تبقى إنت الجاني على روحك!


ارتفعت شهقات الحاضرين، وساد التوتر.

لكن رجا لم يهتز، وبعينين ثابتتين ردّ عليه بتحدٍ:

انت اتجننت؟! وعد مراتي، والليلة دخلتنا… يا تبارك وتفرح معانا، يا تغور وتمشي ويادار ما دخلك شر!


اشتعل وجه كيشا غضبًا، ودفع كرسيًا أمامه ليصطدم بزينة  الفرح، فهرعت النساء خائفات، خاصة أن رجا لم يُعرَف عنه الشجار يومًا…

شاب هادئ، مهذّب، محبوب من كل الجيران.


تقدّم كيشا أكثر، وصوّب سلاحه الأبيض إلى رقبة رجا  قائلًا:

وماله يا عريس؟!  يبقي تطلّقها؟!

لاما  أموتك… وتبقى أرملتها… وبرضه هتجوزها!

ها؟ قلت إيه يا باشمهندس؟!


ضحك رجا بسخرية وهو يرفع رأسه بثقة:

 مش هطلّقها…وأنت هتغور من هنا دلوقتي أحسنلك لـــ…


لكنه لم يكمل الجملة.الكلمة علِقت في حلقه.

الدم اندفع فجأة من فمه… بغزارة!


صرخت وعد صرخة مزّقت سكون الليل…

وانفجر الفرح إلى فوضى…تطايرت الصرخات من أفواه الحاضرين، وانقلبت رقصة الفرح إلى هرج ومرج هلع علي الجسد الساقط ارضًا…

**********

يتبع.


بداية الروايه من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close