أخر الاخبار

رواية زواج في الظل الفصل السادس والعشرين حتى الفصل الحادي والثلاثون بقلم الكاتبه ياسمين عطيه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية زواج في الظل الفصل السادس والعشرين حتى الفصل الحادي والثلاثون بقلم الكاتبه ياسمين عطيه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

في غرفة المراقبة 

أركان دخل بسرعة، نظراته حادة، مشاعره متفجرة بس ملامحه متماسكة… في اللحظات اللي زي دي، الغضب ميأثرش عليه، بالعكس… بيخليه أشرس.

صلاح كان وراه، رجالة الأمن واقفين في حالة استعداد، الجو مشحون، والشاشة قدامهم كانت هي المفتاح.

رجل الأمن وهو بيشاور على الشاشة: "دي آخر لحظة ظهرت فيها هنيه."

أركان ركّز في الشاشة، عينه مثبتة على ليلى وهي خارجة من الأوضة، حركتها كانت بطيئة، ملامحها مش واضحة، لكنها كانت ماشية قدام شخص، شكله مريب… واضح إنه ماسك حاجة في إيده وبيهددها.

أسماء وهي تمسك دراع أركان بقلق: "مين ده؟ هي رايحة فين؟!"

أركان لف بسرعة ناحية أسماء، عقله بيجمع التفاصيل بسرعة.

أركان بنبرة حادة: "إنتِ كنتِ معاها، لما جيتوا من عند الدكتور… دخلتي معاها الأوضة؟"

أسماء بدموع وهي تهز رأسها: "لا… أنا طلعت عشان أغير هدومي للحفلة!"

أركان بعيون مشتعلة: "يبقى هو كان مستنيها جوه الأوضة."

في اللحظة دي، الغضب في عينه كان أخطر من أي سلاح.

أركان بصوت جامد مليان أمر: "زوّد السرعة، شوف بعدها حصل إيه."

الشاشة عرضت المشهد بوضوح… ليلى كانت ماشية قدامه وهي متوترة وخيفه، بتبعد عن الضوضاء، كأنها عارفة إنها مش في أمان… بعدها اختفت.

أسماء صرخت بفزع: "يا نهار أسود! حد خطفها!"

أركان كان ثابت في مكانه، ملامحه بقت حجر، بس عينه… كانت بركان، غضب صامت بيغلي، قلبه بيتحرك أسرع من عقله، بس عقله كان هو اللي بيوجهه دلوقتي.لكنه متكلمش… بس لما تكلم، صوته كان زي حد بيصدر حكم بالإعدام

أركان بصوت مخيف وبارد: "وقف الصورة هنا… زوّوم على وشه."

الرجل نفذ بسرعة، الصورة اتوضحت، لكنه كان لابس كاب، الظلمة كانت مخبية ملامحه… 

في اللحظة دي، مستناش أكتر. خرج بسرعة، جري في اتجاه المكان اللي اختفت فيه، عينه بتدور على أي حاجة، أي أثر، أي دليل يوصله ليها قبل ما تكون فات الأوان.

كل خطوة كانت بتغلي غضبه أكتر… ولو حصل لها أي حاجة، اللي عمل كده هيدفع التمن غالي جدًا.

ــــــ&ــــــ

دخلت ليلى الأوضة، وقبل ما تلحق تاخد نفسها، حسّت بإيد قوية بتتثبت على بقها، وجسم تقيل بيشدها للخلف، وسكينة بتضغط على جنبها.

صوت خشن قرب ودنها: "لو اتكلمتي… هفتحلك بطنك."

رجفت، جسدها تصلب، عينيها دموعها غرقت فيها، بس غريزتها كانت بتحركها… رفعت إيديها بهدوء على بطنها، ماسكة صورة الأشعة كأنها بتحمي أطفالها.

بخطوات بطيئة، خرجت قدامه، عيونها بتلمع بالرعب، أنفاسها مخنوقة، وكل خطوة بتاخدها كانت بتحسسها إنها ماشية ناحيه الموت.

لحد ما وصلت قدام باب البدروم… زحها لجوه، الباب اتقفل وراها بصوت مكتوم، ووقفت وسط الضلمة وهي بتحاول تستوعب اللي بيحصل.

ليلى بعيون مذعورة وهي تلف حولين نفسها: "في حد هنا؟!"

اترد عليها صوت ناعم… لكنه كان مليان شر.

نسرين بابتسامة باردة: "أهلًا يا هانم… هنية، تصدقي… لقيّة أوي."

ليلى بصوت مرتجف وهي تحاول تسيطر على خوفها: "إنتِ عايزة مني إيه؟!"

نسرين بعيون مليانة حقد: "عايزة حظك… نصيبك… تتجوزي واحد زي القمر، وتحملي في توأم؟! لا، مش هسيبك تعيشي السعادة اللي أنا اتحرمت منها… هحرمك من عيالك، وهخد جوزك!"

ليلى وهي بتحط إيديها على بطنها بحماية: "إنتِ… إنتِ الشيطان عَمى قلبك… فكري! جدك لو عرف، هيعمل إيه فيك؟!"

نسرين بضحكة مجنونة: "جدي؟! هيحبسني هنا؟ هيقتلني؟! أنا أصلا عايزة أموت، بس مش قبل ما أتأكد إنك مش هتخدي حاجة من اللي أنا نفسي فيه!"

ليلى وهي بترجع بظهرها لورا، تحاول تلاقي طريق للهروب: "إنتِ مش طبيعية… مفيش إنسان كده!"

نسرين بصوت مليان جنون: "وأنا عمرى ما كنت إنسانه، أنا كنت ضحية… بس دلوقتي، جاية أكون الجلاد!"

نسرين بصت لليلى بعيون مليانة حقد، قبل ما ترفع إيديها وتضربها بقوة…

"آه!"

صوت ليلى طلع مكتوم وهي بتقع على الأرض، جسمها ارتطم بالارضيه البارده، ووجع عنيف انتشر في ضهرها.

حاولت تتحرك، بس الألم شدها، نفسها كان متقطع، ودموعها غرقت عينيها وهي بتسحب نفسها للخلف بإيديها المرتعشة.

ليلى بصوت مكسور، وهي بتحط إيديها على بطنها بحماية: "حرام عليكي! خدي حقك مني… من جوزي… بس بلاش اللي في بطني، ذنبهم إيه؟ الأطفال دي ملهاش ذنب!"

نسرين ابتسمت… ابتسامة خلت القشعريرة تسرى في جسم ليلى.

نسرين بصوت بارد، وهي ترفع اديها : "ما هي دي البداية، هقتلهم … وبعد كده، هقتلك معرفتش اموتك المره اللى فاتت والطلقة جت في دراع سعيد بس المره دي مش هتفلتي مني… !"

ليلى شهقت بصدمه وخوف  قلبها كان بيدق بجنون، حاولت تتحرك، تقوم، تهرب… بس قبل ما تلحق، نسرين هجمت عليها تاني

نسرين كانت زي المجنونة، عيونها مليانة كره، وكل مرة رجلها كانت بتنزل على بطن ليلى، كانت بتصرخ وهي بتحاول تحمي أطفالها بإيديها المرتعشة.

"آه… بلاش… حرام عليكي…!"

كانت بتقاوم بكل ضعفها، بتمسك في رجل نسرين، بتحاول تبعدها… بس جسمها كان بيضعف مع كل ضربة، ومع كل شهقة ألم.

الدموع نزلت من عينيها ، مش على نفسها… على أطفالها، على الروح اللي جواها، اللي كانت عارفة إنها ممكن تضيع في أي لحظة.

نسرين بصوت متوحش: "هخلص عليكي! لا إنتي ولا العيال دول هيعيشوا!"

ليلى كانت بتحاول تصوت، تستنجد، يمكن حد يسمعها… بس صوت الأغاني العالي كان حابس صوتها، وكأن الدنيا كلها تخلّت عنها.

حست بجسمها بيرتخي… الوجع كان بيزيد… نفسها بيتقطع… بس رغم ده، فضلت ماسكة بطنها، بتحاول تدافع عنها لحد آخر نفس فيها.

ليلى حست بحاجة سخنة بتنزل منها، إحساس غريب، مرعب… رفعت راسها بضعف، عينيها مليانة دموع، وشافت الدم… دمها، وكانه حنفية اتفتحت، بينتشر بسرعة تحتها.

جسمها بقى تقيل، رعشة برد سرت في أوصالها، كانت بتحاول تستوعب، لكن الألم كان مسيطر، مخليها حتى مش قادرة تفكر.

"لا… مش كده… مش عيالي…"

همست بصوت ضعيف، مش سامعة حتى نفسها، كل اللي حاسة بيه هو الدموع اللي بتغرق وشها، والبرد اللي بدأ يتسلل لعظامها.

نسرين وقفت تتفرج عليها ببرود، كأن المشهد عاجبها، كأنها مستمتعة باللي شايفاه.

لكن قبل ما تكمل، الباب اتفتح :

"مدام نسرين .. سعيد جاي ناحيه هنا شكلهم عرفوا إن هنية هنا!!!"

نسرين بجنون وهي بتلف حوالين نفسها: "إزاي؟! مش المفروض أسماء وسعيد في الحفلة؟!"

الراجل اللي معاها بقلق وهو بيبص للباب: "معرفش، بس لازم نهرب بسرعة قبل ما يوصلوا!"

نسرين كانت واقفة مكانها، عينيها مليانة حقد وهي بتبص لليلى اللي كانت شبه فاقدة الوعي على الأرض، الدم حواليها بقى بحر، نفسَها بقى ضعيف، إيديها لسه مغطية بطنها كأنها بتحاول تحمي أطفالها حتى بعد ما راحت أرواحهم.

"مش قبل ما أخلص عليها… زي ما قتلت عيالها!" نسرين بصوتها المليان شر، وهي بتتحرك ناحية ليلى.

لكن الراجل شدها من إيدها بعنف: "مفيش وقت للجنان ده! لازم نمشي حالًا!"

سحبها بسرعة برا المكان، ونسرين وهي بتتبعه، كانت بتبص وراها بكره، عايزة تشوف آخر نفس في ليلى…

نسرين والراجل كانوا بيجروا بأقصى سرعتهم، خطواتهم بتخبط في الأرض بخوف، بيحاولوا يهربوا قبل ما أركان يدخل عليهم.

أما ليلى، فكانت بتحاول تتشبث بأي شيء… الألم كان قاتل، دمها بينزف، وكل نفس بتحاول تاخده كان بيحرقها. بس رغم ده، رفضت تستسلم… كانت عارفة إن أركان قريب، ولازم توصل له.

بصعوبة، سحبت نفسها على الأرض، كل حركة كانت بتقطع فيها، لحد ما وصلت عند الباب، حطت إيدها المرتعشة عليه وسندت نفسها، كأنها بتقاوم الموت.

خرجت برا البدروم وهي بتترنح، عينيها معتمة، الدنيا بقت ضباب قدامها، لكنها قدرت تشوف ضبابيًا صورة شخص بيجري ناحيتها…

أركان كان بيجري بجنون، عيناه بتدور على أي خيط، أي حاجة توصله ليها… فجأة، لمح حاجة على الأرض، حاجة شدت انتباهه بقوة…

صورة!

انحنى بسرعة وخدها في إيده، كانت صورة أشعة أطفالها، بس مش مجرد صورة… كانت متغرقة بدموعها، متوسخة بآثار صوابعها اللي كانت ماسكاها جامد، كأنها كانت بتتمسك بيها كآخر أمل لها.

عيناه اتحجرت على الصورة، عقله وقف للحظة… دي أول مرة يشوف عياله… أول مرة يعرف إنهم كانوا فعلاً حقيقة، مش مجرد فكرة في دماغه.

بس الفرحة دي، أو الإحساس ده، ما طولش ثانية… لأنه رفع عينه من على الصورة وشاف أسوأ حاجة ممكن يتخيلها.

ليلى…

كانت خارجة من البدروم، مدمرّة، هدومها مبلولة بدمها، خطواتها متلخبطة، كل نفس بتاخده واضح إنه غصب عنها… ورغم كل ده، كانت إيديها لسه على بطنها!

كأنها بتحمي الفراغ اللي جواتها… كأنها لسه بتتمسك بالأمل…

أركان حس بنار ولعت في قلبه، نار مش قادر يطفيها،بمجرد ما شافها، عينيه اتسعت بصدمة، لأول مرة في حياته يحس بالخوف بالشكل ده، جرى عليها بكل سرعته، ومد إيديه قبل ما تقع على الأرض…

"ليلى!!"

أركان كان واقف قدامها، مش قادر يصدق اللي شايفه… ليلى، اللي كانت دايمًا مليانة حياة، واقفة قدامه مدمرّة، الدم مغرق هدومها، جسمها بيرتعش، وعينيها—العين اللي كانت دايمًا بتلمع—بقت مطفية، مليانة وجع وخوف.

رفعت كف إيدها المرتعشة وحطّتها على وشه، لمسته كأنها بتتأكد إنه حقيقي، إنه واقف قدامها… شفايفها تحركت بصعوبة، صوتها كان ضعيف، أقرب للهمس منه للكلام…

"نسرين… أنقذ عيالنا…"

وبعدها، اختفى صوتها… جسمها ارتخى، وعينيها تقفلت ببطء وهي بتنهار في حضنه.

أركان حس بقلبه بيوقع من مكانه، مسكها قبل ما تقع، حضنها وهو بيهزها، صوته خارج بغضب وخوف: "ليلى! ليلى اصحي! متقفليش عيونك!"

بس ليلى ماردتش… جسمها كان بارد، أنفاسها ضعيفة… والدم، كان بينزل أكتر وأكتر.

الحفلة، الصفقات، نسرين، كل حاجة اختفت من دماغه في اللحظة دي… مفيش غير ليلى، ودمها اللي بيضيع بين إيديه.

كانت العربية بتجري بجنون في الشوارع، الكلاكسات بتدوي، والناس بتبعد بسرعة عن الطريق، بس أركان كان فاقد السيطرة على أي حاجة غير أنه يوصل المستشفى في أسرع وقت. ليلى بين إيديه، نفسَها بيضعف، ووجهها بيزيد شحوب.

أسماء كانت حاضناها وبتبكي بحرقة، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل، مش سامعة حاجة غير دقات قلبها اللي بتخبط في صدرها بخوف.

بإيده المرتعشة، طلع تليفونه واتصل على أبوه، صوته كان حاد، مشحون بالغضب:

"تعالى المستشفى حالًا، وهات معاك أم ليلى وأختها!"

عدلي، على الطرف التاني، حس بالخطر في صوت ابنه، سأله بخوف: "إيه اللي حصل؟"

أركان بعصبية، وهو بيضغط على دواسة البنزين أكتر: "كل حاجة انتهت، يا بابا!"

عدلي بصوت هادي، لكنه مليان توتر: "أركان، اهدا… متخليش الغضب يتحكم فيك!"

أركان صرخ بانفعال: "هما اللي استعجلوا نهايتهم! اللي عملوه مش هيفلتوا بيه!"

عدلي بحزم: "كل اللي عملته هيضيع لو سيبت غضبك يتحكم فيك!"

أركان، وعينيه مغرقة بالدموع اللي رفضت تنزل، رد بصوت ثابت، لكنه قاتل:

"بابا… اعمل اللي بقولك عليه."

وقف المكالمة، وعينيه كانت على ليلى… مش هيسيب حقها، وحق عياله، حتى لو كان التمن حياته.

أركان نزل من العربية وهو شايل ليلى بين إيديه، جري بيها جوه المستشفى وهو مش شايف أي حاجة غيرها، صوت أنفاسها الضعيفة كان بيموّت فيه جزء جزء.

أول ما الدكتور شافها،عرفها عنيه اتسعت بدهشة وقلق، وقبل حتى ما يسأل، قال بصوت عالي مليان استعجال:

الدكتور: "ترول بسرعة! دي حالة ولادة مستعجلة، ولسه في الشهر السابع، ممكن يكون في سقوط!"

الممرضين اتحركوا بسرعة، أخدوها من بين إيدين أركان، وهو حس إن روحه بتتسحب منه، وقف مكانه مش قادر يستوعب إن ليلي اللي كان المفروض يحميها فيها، انتهت بالشكل ده.

أسماء كانت وراه، عنيها مليانة دموع وخوف، وهي ماسكة دراعه بقوة، بتحاول تهديه:

أسماء بصوت مهزوز: "لازم نثق إنهم هيقدروا ينقذوها… هي والعيال."

بس هو كان واقف زي الصنم، عينيه مش بتتحرك عن باب غرفة العمليات، والوحيد اللي كان سامعه هو صوتها وهي بتنادي عليه قبل ما تفقد الوعي:

"أنقذ عيالنا، أركان..."

بعد لحظات أركان حس كأن الزمن وقف، عينيه اتجمدت على الورقة اللي في إيد الممرضة، وصوتها كان بيتردد في دماغه زي الصاعقة.

الممرضة: "حالة المريضة خطيرة جدًا، لازم تقرر هننقذ مين… الأم ولا الأولاد؟"

إحساس غريب ضرب صدره، كأن قلبه بيتسحب من مكانه، نظر للممرضة بعينين متجمدة، صوته طلع منه هادي، بس كان وراه بركان غضب وخوف:

أركان: "بتتكلمي عن إيه؟! أنا مش هختار… أنقذوا اللي اتنين!"

الممرضة بارتباك: "إحنا هنحاول، بس لو الأمور خرجت عن السيطرة، لازم ناخد قرار سريع…"

مدي إيده وخطف الورقة منها، بس بدل ما يبص عليها، بص للباب اللي وراها… الباب اللي جوه كان فيه ليلي مراته اللى ضحت كتير اللى بتحبوا وأولاده اللي لسه ما شافهمش.

أركان بصوت متحشرج، وكأنه بيحلف: "لو حصل لها حاجة… كلكم هتدفعوا التمن."

اتلفت بسرعة ناحية الممرضة، وعينيه كانت كلها تهديد:

أركان: "أخرجوا ليهم كل اللي عندكم… هتشوفوا يوم أسود لو خرجت من هنا من غيرهم."

الممرضة بلعت ريقها ورجعت خطوتين لورا، قبل ما تجري تدي التعليمات جوه العمليات.

أسماء وقفت جنبه، مسكت دراعه وهي بتحاول تسيطر على رعشة إيدها:

أسماء بصوت متقطع: "… هتبقى كويسة، صح؟ أنت مصدق إنها هتبقى كويسة، صح؟"

بس هو كان واقف في مكانه، مش بيرمش، مش بيتنفس… كل اللي كان قادر يعمله هو إنه يستنى، ويستعد لأي حاجة ممكن تحصل.

أركان كان واقف في مكانه، ملامحه حجر، لكن عينيه كانت بتفضح العاصفة اللي جواه.

فوزية دخلت وهي بتجري، ووراها أمير، الاتنين ملامحهم كانت كلها خوف ودموع.

فوزية بصوت مخنوق وهي بتقرب منه: "إيه اللي حصل يا ابني؟ ليلى كانت مكلماني الصبح وكانت كويسة!"

اميره وهي بتحاول تستوعب الصدمة: "إزاي بتولد؟ دي لسه في الشهر السابع! إيه اللي حصل؟"

أركان كان حاسس إنه مش قادر حتى يشرح، صدره كان مقبوض. بس أول ما لمح عدلي داخل وراهم، رفع عينه عليه وقال بصوت هادي لكنه كان مليان تعب:

أركان: "بابا… هيحكي لكم كل حاجة، أنا مش قادر."

لف على فوزية وأمير، نظر لهم للحظة وكأنه :

أركان: "أنا عايزكم تبقوا جنبها لما تفوق… خليها تحس إنها مش لوحدها."

عينه كانت بتلمع بلمعة غريبة، بين الغضب، الخوف، والتعب اللي كان بينهش روحه. بعد ما قال كده، لف وراح ناحية الباب، وقف قدامه، حط إيده على الحيطة وحاول يتمالك نفسه… بس قلبه كان متعلق جوا، مع ليلى، مع ولاده، مع كل حاجة ممكن تتسحب منه في لحظة.

الممرضة خرجت تاني، ملامحها كانت متوترة، وعينيها مليانة أسف وهي بتقول بصوت مرتبك:

"أنا آسفة… لازم نخلي مسؤوليتنا،خصوصا الامل ضعيف وحضرتك لازم تختار… الأم ولا الأولاد؟"

الوقت وقف…

كل العيون كانت متعلقة بأركان، حتى أنفاسهم كانت محبوسة، الكل مستني يسمع هو هيقول إيه.

فوزية حطت إيديها على صدرها وهي بتحاول تستوعب المصيبة: "يا رب استر!"

أمير بصوت متحشرج: "إزاي يعني يختار؟ إزاي؟"

أركان كان واقف في نص الممر، عينه على الممرضة، بس عقله كان في حتة تانية… كان سامع صوت ليلى وهي بتقوله "أنقذ عيالنا"، كان شايف دموعها، وإيديها وهي بتتحايل عليه.

لحظة…

إيده تشدت، عضلاته تصلبت، قلبه كان بيدق بجنون… مفيش اختيار.

رفع عينه ناحية الممرضة وقال بصوت ثابت لكنه كان مليان ألم:

"أنقذوا …"

رايكم هيفرحني ويهمني 

تفتكروا هيختار مين 

الكاتبه ياسمين عطيه 

البارت ال ٢٧

زواج في الظل 

رفع عينه ناحية الممرضة وقال بصوت ثابت لكنه كان مليان ألم:

"أنقذوا الولاد…"

سكت لحظة، وبص بعيد كأنه بيهرب من الحقيقة اللي لسه ناطقة على لسانه

الممرضة هزت رأسها بسرعة واندفعت جوه العمليات… وأركان وقف مكانه، صدره بيعلى وينزل بسرعة، بس قلبه كان بيتقطع… كان عارف إن مهما كان اختياره، الألم مش هيرحمه.

أميرة هجمت عليه وهي بتصرخ بصوت مليان غضب ودموع: "آه يا حيوان! أنا كنت عارفة… كنت عارفة إنك مش بتحبها! ازاي تعمل كده؟ ازاي تختارهم عليها؟"

أركان واقف مكانه، ملامحه جامدة، عينيه سابحة في ظلام عميق، لكنه ساكت، ما اتحركش ولا دافع عن نفسه.

فوزية بصوت مكسور وحسرة مالية قلبها: "ليه يا بني؟ دي بتحبك… كانت هتموت عشانك، وانت اختارت تسيبها تموت؟"

أسماء واقفة في النص، دموعها بتنزل وهي مش مستوعبة… ازاي؟ ازاي هو اللي من شوية كان بيجري بيها وهو مرعوب، فجأة اختار غيرها؟ عينيها بتدور في وشه، بتحاول تفهم، بس هو ساكت، وده بيخوفها أكتر.

الوحيد اللي كان واقف ساند ضهره للحائط وعارف الحقيقة هو عدلي… شايف أركان واقف وسط كل ده، شايف عناده وصمته، بس فاهمه أكتر من أي حد.

عدلي تنهد وهو بيبص لابنه بعيون الأب اللي عارف دماغ ابنه العنيدة:

"عملت كده مش عشانها، بل عشانها…"

بس هو… هو كان فاهم.

أركان ما اختارهش لأنه ما بيحبهاش، بالعكس… اختار كده علشان تكرهه.

علشان تقوم وتعرف إنه ما حبهاش، إنه اختار اللي بينهم مش هي. علشان تطلع من حياته من غير ما تبص وراها.

هو عايز يثبت لنفسه إنه مش بيحبها، بيعاند قلبه، بيكسر روحه بنفسه. بس الحقيقة؟ الحقيقة إنه قتل جزء منه لما اختار العيال. الحقيقة إنه أول ما شاف الدم بيغرقها، حس إنه هو اللي بينزف معاها.

عدلي بص لابنه بحسرة، عارف إن دماغه القاسية هي اللي حكمت، مش قلبه. وعارف إن أركان حكم على نفسه بالعذاب حتى لو محدش فاهمه دلوقتي. زفر نفس تقيل وقال بصوت واطي بس قاطع الهدوء اللي غرق المكان: 

"آه منك… ومن دماغك يا أركان لسه مش عارف إنك خسرت نفسك قبل ما تخسرها."

أركان ما ردش… كان واقف زي التمثال، عينه متسمرة على باب غرفة العمليات، أنفاسه تقيلة كأنه هو اللي بينزف مش هي.

أسماء قربت من أركان، كانت دموعها بتنزل بس صوتها كان هادي، مش فاهمة بس حاسة بحاجة:

– "انت ليه عملت كده؟ مش انت كنت هتموت علشان تلحقها؟ مش كنت شايلها في حضنك وجري بيها؟ ازاي تختار العيال وهي اللي كانت بتصرخ تحت رجليها؟"

أركان بص لها أخيرًا، عينه كانت فاضية، بس جواه نار مولعة، بصوت هادي لدرجة مخيفة قال:

– "أنا اخترت اللي كان المفروض أختاره."

أميرة كانت بتصرخ، بتحاول تهجم عليه تاني، بس فوزية مسكتها بإحكام، صوتها كان مليان وجع وهي بتحاول تهديها:

– "اهدي يا أميرة! اهدي بقى!"

أميرة وهي بتقاومها بدموع:

– "سامعاه يا ماما؟ سامعاه؟ بيقولك اختار اللي المفروض يختاره! بيضحي بليلى! ازاي؟ ازاي يعمل فيها كده؟"

فوزية وهي بتحاول تسيطر على رجفة صوتها:

– "مش وقته يا بنتي، مش وقت الكلام ده دلوقتي!"

فجأة، صوت الباب وهو بيتفتح خلاهم كلهم يلفوا بسرعة.

الدكتور خرج، عينه كانت مرهقة، ماسك الماسك بيده وكأنه بيحاول يجمع أنفاسه قبل ما يتكلم.

أمير بخوف: "طمني يا دكتور… هي عاملة إيه؟"

الدكتور خد نفس عميق قبل ما يقول بصوت هادي: "الولاد وصلوا الحضّانة، بس…" سكت لحظة، كل العيون عليه مستنية الكلمة اللي جاية، وبعدين كمل: "الأم… حالتها حرجة جداً."

أما أركان… متحركش. متكلمش. بس عنيه قالت كل حاجة.

الدكتور كمل بعد لحظة صمت:

– " فإحنا عملنا اللي علينا، بس هي بين الحياة والموت دلوقتي. النزيف كان شديد جدًا، وهنعرف خلال الساعات الجاية إذا كانت هتقدر تقوم منه ولا…" سكت للحظة، ثم كمل بصوت أهدى: "ادعوا لها."

الكلمات نزلت كالصاعقة، قلب أركان كان بيتفرم، بس وجهه كان حجر. لف ببطء وبص للباب اللي ورا الدكتور… ليلى جواه، بين الحياة والموت.

"اختارت الأطفال يا أركان؟ طب لو راحت… هتعيش بإيه بعدها مش هعرف 

اسامح نفسي لو حصل ليها حاجه ؟"

عدلي كان الوحيد اللي لسه مركز عليه، شايف اللي محدش شايفه… شايف رجفة صوابعه اللي بيحاول يخبيها في جيوبه، شايف النفس اللي بيحاول يسحبه بالعافية عشان ما ينهارش.

أركان اتحرك أخيرًا، قرب من الدكتور، وصوته خرج خافت لكنه حاسم:

– "ممكن أشوفها؟"

الدكتور أخد نفس عميق وقال بهدوء:

– "ممكن بس لدقايق… هي لسه ما فاقتش."

فجأة، أميرة هاجمت عليه وهي بتصرخ:

– "إنت عايز تدخل تقتلها؟!"

ضربته على صدره بكل قوتها، لكنه ما اتحركش، بس عينيه ارتجت للحظة…

أميرة بصوت مليان كره ودموع:

– "إنت مش هتدخل! ولو فكرت تقرب منها تاني، أنا هقتلك!"

فوزية مسكت أميرة وحاولت تهديها، بس أميرة كانت بتترجف من الغضب، عينيها مليانة دموع ووجع:

– "ليه عملت كده؟ ليه اخترت العيال وسِبتها تموت؟! هي كانت بتموت وإنت واقف تتفرج!"

أركان كان واقف مكانه، مش بيرد… مش قادر يبرر، ولا حتى عنده الشجاعة يقول الحقيقة.

أميرة بصوت متكسر:

– "هي كانت مستعدة تموت عشان عيالها وعشانك، وإنت كنت مستعد تسيبها تموت!"

فجأة، صوت عدلي جه قوي وهو بيدخل عليهم:

– "تعالي يا بنتي… عايز أتكلم معاكي إنتِ ومامتك."

نظرته كانت تقيلة، مش لأي حد، لكن لابنه… وكأنها بتقوله: "أنا الوحيد اللي فاهمك، بس ده مش معناه إني موافق على اللي عملته."

عدلي بص لفوزية وقال بهدوء:

– "تعالي معايا… لازم تعرفي الحقيقة."

فوزية نظرت له بعيون مليانة خوف ودموع، لكنها فهمت إن ورا كلامه حاجة كبيرة… حاجة لازم تتعرف.

أما أركان، ففضل واقف في مكانه، عينه لسه مثبتة على باب الأوضة… وكأنه مستني معجزة تحصل، وكأن قلبه لسه عندها… حتى لو هو نفسه مش عايز يعترف.

 دخل بخطوات تقيلة، وكأنه داخل يشوف مصيره بإيده… قلبه كان بيدق بعنف، لكن ملامحه متجمدة، ما بتوحيش بأي حاجة.

أول ما عينه وقعت عليها… حس إن روحه اتسحبت.

ليلى كانت نايمة على السرير، وشيها شاحب بشكل يخوف، جهاز التنفس الصناعي موصل بيها، دراعها متوصل بمحاليل وأجهزة، وبطنها ملفوفة بشاش أبيض كله دم.

حس بحاجة تخنقه… رجله مكانتش شايلة وزنه، قرب منها ببطء، إيده كانت عايزة تلمسها، بس وقف نفسه.

ليه؟ مش ده اللي عايزه؟ مش كنت بتقول إنك مش بتحبها؟

طب لو ما بتحبهاش، ليه قلبك بيوجعك كده؟

قعد جنب السرير، عينه مثبتة عليها، صوت الأجهزة الطبية حواليه، لكنه مش سامع حاجة… كل اللي شايفه هو ليلى، وهي ما بين الحياة والموت، بيحاول يخبّي ارتجاف إيده، لكنه فشل… إيده بردت وهو بيحطها على كفها البارد، حس إن الروح بتفلت من بين إيده، وكأنها بتنسحب بعيد عنه، بعيد أوي…

بص لوشها الشاحب وهمس بصوت متكسر:

– "مش هسامح نفسي لو حصلك حاجة… قومي عشان عيالك، متسبيهمش… مش لازم تبقي نهايتك كده، إنتِ مالكيش ذنب في أي حاجة، متبقيش ضحية لكل اللي هيحصل فيهم…"

كأن الكلام خرج من قلبه قبل عقله، كأن اللي جواه انفجر غصب عنه… لأول مرة مش قادر يتحكم في نفسه، لأول مرة مش قادر يخبي اللي جواه.

أخد نفس عميق، وحاول يثبت صوته، لكنه خرج أضعف، مليان رجاء خفي:

– "أنا اخترت الأولاد… عشان متتعلقيش بيا… لو قومتي وعرفتي إني اخترتك، كنتِ هتحبيني أكتر، وأنا… أنا مقدرش أذيكي… بس أنا عارف إنك قوية وهتقومي عشان ولادك…"

في اللحظة دي، دمعة نزلت من عينه… أول مرة من سنين، أول مرة ينهار قدام حد… بس الحد ده كان بين الحياة والموت، والحد ده كان ليلى.

قعد جنبها، مسك إيدها اللي كانت باردة بشكل مرعب، قرب وشه منها وهو بيحارب دموعه… مش أركان اللي ينهار، مش أركان اللي يسيب ضعفه يظهر، لكنه في اللحظة دي كان مجرد راجل خسر أكتر شخص قدر يلمس روحه.

مسح دمعته بسرعة، رفع راسه، وعينيه اتحولت لنار:

– "هجيب حقك… وحق ولادنا… حق الأيام اللي راحت، حق حياتنا اللي دفعناها لكل ده…"

عينه كانت بتوعد، صوته كان قرار… والقرار ده كان معناه إن اللي آذاها هيشوفوا جحيم عمرهم ما تخيلوه.

ــــــ&ـــــ

 في كافتيريا المستشفى

في جو مليان توتر، عدلي قعد قدام فوزية وأميرة وأسماء، عارف إن الكلام اللي هيقوله هيقلب حياتهم، بس كان لازم يعرفوا الحقيقة… الحقيقة اللي ليلى شايلها لوحدها طول الوقت.

عدلي بص لفوزية وقال بصوت هادي لكنه حاسم:

– "أنا مش عارف أبدأ منين ولا إزاي، بس عايزك تفهميني وتفهمي بنتك… ليلى بنت قوية، جميلة، وبتحبكم أوي. ضحت بنفسها واختارت طريق معين عشان تبقوا كويسين."

الكل كان بيسمعه في صدمة، لكنه كمل بدون تردد:

– "أركان ابني ظابط مخابرات سرية، وأنا رئيس أمن دولة."

الصمت خيم على المكان… العيون اتسعت، والنَفَس اتقطع… كأن حد شال الأرض من تحتهم.

عدلي كمل وهو شايف ملامح الصدمة في وشوشهم:

– "عارف إنكم مصدومين، سبوني أكمل للآخر… ليلى كانت عارفة كل حاجة، واتجوزت أركان بالاتفاق."

فوزية شهقت وبصت له بعين مليانة غضب ووجع:

– "اتفاق؟! فلوس؟! بنتي باعت نفسها ليك ولا لابنك؟!"

عدلي حرك رأسه بالنفي، حاسس بالذنب من نظرة الألم في عينها:

– "لا… متفهميش غلط، هي مكنتش مخيرة، كانت مجبرة. كان لازم تعمل كده، ولو فيه تمن خادته، فده كان مكافأة على اللي عملته ومجهودها… الاتفاق كان إنهم يقعدوا سنة كاملة متنكرين، يدخلوا وسط عصابة سلاح ومخدرات عشان نكشفهم ونقبض عليهم. بس اللي حصل دا مكانش في الحسبان، ومش عارفين الموضوع هينتهي على إيه بس ليلي دورها انتهي لحد كده وصدقيني بنت قويه وهتقوم بالسلامه إن شاء الله …"

أخد نفس عميق ومد إيده بالمفاتيح:

– "دول مفتاح بيتين… دي هدية ليلى ليكم."

فوزية فضلت تبص للمفاتيح بعين مليانة دموع قبل ما تنهار وتحط إيدها على قلبها، صوتها مليان وجع:

– "آه يا ليلى… آه بنتي… كل دا مخبية علينا؟! كل دا عملتيه ليه؟! ما احنا كنا عايشين مستورين!"

أميرة كانت بتعيط بصمت، كانت حسه إن فيه حاجة غلط طول الوقت، لكن مش مستوعبة إن الحقيقة تكون بالشكل ده.

أما أسماء، فكانت التوهة هي اللي مسيطرة عليها، دماغها مش قادرة تستوعب، صوتها طلع ضعيف وهي بتسأل:

– "يعني… هنية مش هنية؟! وسعيد مش سعيد؟! مفيش بواب وخدامة؟! طب وهي مين؟!"

عدلي بص لها وعينه تقرأ الحيرة والضياع اللي جواها، قرر يوضح قبل ما عقلها يتوه أكتر:

– "أركان قالي إنك أمان، وإنك مش ممكن تخوني … ليلى قالتله إنك مش شبههم أصلاً، وخالي بالك، صحبتك بتحبك أوي، وأظن إنك كمان كده."

اسماء فضلت تعيط 

نظر لكل الموجودين، صوته كان حازم:

– "اللي سمعتوه ده، محدش يعرفه… لحد ما أركان ينهي كل حاجة. ابني مش هينام غير لما يجيب حق ليلى… مش علشان ينفذ المهمة، لا… علشانها هي."

سكت لحظة، وبعدها بص لهم كلهم نظرة طويلة قبل ما يقول بهدوء:

– "عارف إنكم صعب تصدقوا، بس أركان بيحب ليلى… بس ابني عنيد، وصعب يعترف بسهولة… ادوله شوية وقت، وسيبوا ليلى براحتها… محدش يضغط عليهم، سيبوهم يختاروا حياتهم."

الصمت رجع يسيطر تاني… كل واحد كان بيحاول يهضم الحقيقة، لكن الحقيقة كانت أكبر من قدرتهم على التصديق.

ــــــــــ&ـــــــــ

أركان خرج من المستشفى وعينيه مش شايفة قدامه، كل اللي جواه غضب مشتعل، غضب كان بيزيد مع كل خطوة بيخطوها ناحية العربية. رجع الفيلا… لكن المرة دي مش عشان يكمّل المهمة، بل عشان ينهيها على طريقته.

دخل الأوضة اللي عاش فيها مع ليلى… بص حواليه، كل حاجة فيها ريحتها، ذكرياتها، ضحكتها اللي كانت بتملأ المكان… بس دلوقتي كل حاجة بقت باردة، ساكتة، كأنها شهادة على اللي حصل.

بدأ يجمع كل حاجة تخصها… هدومها، حاجات الأطفال، وحتى حاجته هو… حط كل حاجة في العربية، وهو بيحس كأنه بيشيل جزء من قلبه معاها، لكنه كان مصر إنه ينهي اللي بدأه.

كان طالع بالعربية، مستعد ينطلق، لكن فجأة صلاح ظهر قدامه، وقف قدام العربية ومد إيده عشان يمنعه.

صلاح بص له بريبة وسأله:

– "رايح فين كده يا سعيد؟ إحنا محتاجينك معانا بكرة!"

أركان ابتسم ابتسامة مصطنعة، تخفي ورائها كل اللي جواه، وقال بصوت هادي لكنه ثابت:

– "طبعًا معاكم بكرة… بس هنية ولدت، وكنت هودي ليها لبس للعيال."

صلاح ارتاح شوية وهز رأسه وهو بيقول:

– "كويس إنها بخير والعيال بخير… بعد ما نخلص العملية دي، ابقى روح ليها، وصدقني… أنا هجيب لك حقها من نسرين، أنا مكنتش متخيل إنها تعمل كل ده!"

كلمة "نسرين" لوحدها كانت كافية تخلي إيد أركان تتحرك لا إراديًا ناحية المسدس، لكن لسه وقتها مجاش. أخد نفس عميق وكتم غيظه، لكن قبل ما يتحرك، صلاح بص له بحدة وقال:

– "خلاص… انزل من العربية وتعالِ كمل شغل مع الرجالة… بكرة يوم طويل."

أركان وقف لحظة، عقله بيحسب كل حاجة… هو عارف إنهم مترقبينه، عارف إن أي حركة غلط هتفضحه، لازم يلعب لعبتهم لحد ما يجي وقته.

نزل من العربية بهدوء، رمى نظرة سريعة على شنط ليلى والأطفال، وبعدين مشي مع صلاح، عارف إن الليلة دي هتكون طويلة، لكن اللي بعد الليلة دي… هتكون دم.

ــــ&ـــــ

في المستشفي 

الليل عدى ببطء وكأنه بيتحداهم، وكل دقيقة كانت بتعدي بتزود القلق جوه المستشفى.

مع أول خيط نور للصباح، كان المستشفى كله في حالة ترقب.

كل العيون اتوجهت ناحية باب الغرفة أول ما الممرضة خرجت وقالت بصوت واضح:

– "المريضة فاقت…"

فوزية، أميرة، أسماء وحتى عدلي، كلهم طلعوا يجروا ناحية الغرفة، قلبهم متعلق بخوف مش مفهوم، مزيج بين الفرح إنها فاقت، والرعب من اللي جاي.

أول ما فتحوا الباب، صوت ليلي كان بيصرخ وهي بتحاول تقوم، لكن جسمها كان ضعيف، عينيها واسعة بخوف، ودموعها بتغرق وشها:

– "عيالي فين؟!"

كانت بتنهج، بتحاول تستوعب اللي حواليها، تحط إيديها على بطنها كأنها بتدور عليهم، كأنها مش مصدقة إنهم مش جواها.

فوزية وقعت على ركبتها جنب السرير، مسكت إيد بنتها ودموعها نازلة:

– "حبيبتي، هدي، عيالك بخير…"

بس ليلي كانت بتبص حواليها بذعر، مش قادرة تستوعب أي حاجة غير غريزة الأمومة اللي بتصرخ جواها، عنيها دورت على شخص معين، وعرفت إنه مش موجود.

بصت في وش عدلي، دموعها نازلة، صوتها متكسر:

– "هو فين؟ هو مشي وسابني؟"

عدلي خد نفس عميق، قرب منها وحط إيده على رأسها بحنية أبوية حقيقية، لكن صوته كان تقيل بالحقيقة:

– "هو خرج، بس هيجيبلك حقك يا ليلي، صدقيني…"

ليلى وهي بتدمع، صوتها كان ضعيف لكنه مليان إصرار:

– "عايزة أشوف عيالي… لو فعلًا مش بتكدبوا عليا، هاتوهم قدامي!"

عدلي قرب منها بهدوء، كان فاهم قد إيه اللحظة دي صعبة عليها، ومد إيده على كتفها بلطف:

– "هما في الحضانة يا بنتي، بس هجيبهم ليكي، بس اهدي شوية، صحتك لسه ما تسمحش بأي انفعال."

ليلى رفعت عينيها ليه، ملامحها كانت خليط ما بين الألم والخوف، كأنها مش قادرة تصدق غير لما تشوفهم بنفسها. كانت كل مشاعرها معلقة بلحظة واحدة… لحظة تشوف فيها ولادها بعينيها، وتحس إنهم لسه في الدنيا.

عدلي خرج من الحضانة وهو شايل الطفلين، وكل واحد فيهم كان متشال على دراعه بحنية غريبة عليه. أول ما حس بدفئهم بين إيديه، قلبه انقبض وانشرح في نفس اللحظة. دلوقتي بس، فهم معنى الجملة اللي كان بيسمعها دايمًا: "أعز الولد ولد الولد."

بص عليهم… كانوا نسخة طبق الأصل من أركان، نفس الملامح القوية، نفس تقاطيع الوش اللي بتقول إنهم من دمه. عنيه دمعت بفرحة حقيقية، فرحة إنه شايل حفيده بين إيديه، وإن ليلى نجت وعاشت عشان تشوف ولادها. خد نفس عميق ومسح دموعه بسرعة قبل ما يدخل ليها.

أول ما دخل عليها، ليلى كانت نايمة بس ملامحها شاحبة، لكن أول ما سمعت صوت البيبيهات، دموعها نزلت بغزارة، بس المرة دي دموع فرحة، مش وجع. كانت بتبتسم وهي بتعيط، إيديها بتترعش وهي بتمدها عشان تاخدهم في حضنها.

قبل ما تخدهم ليهم، ليلي لمحت عدلي بنظرة حزينة لكن فيها رجاء، وقالت بصوت مبحوح:

– "كبر في ودنهم، وسميهم مكان اركان…"

عدلي وقف للحظة، حس بقلبه بيدق أسرع، كأنه رجع سنين لورا، كأنه بيعيد ذكرى قديمة بطريقة جديدة

وقف وسط الغرفة، عيونه كانت معلقة بالطفلين الصغيرين اللي نايمين في حضنه، قلوبهم الصغيرة بتدق بسرعة، وملامحهم البريئة نسخة من أركان. لأول مرة من سنين، حس إنه ماسك نعمة عظيمة بين إيديه، نعمة كان فاكر إنه مستحيل يعيشها تاني

قرب الطفل الأول من شفايفه، وبدأ يهمس بصوت مليان رهبة وتأثر:

"الله أكبر، الله أكبر... أشهد أن لا إله إلا الله... أشهد أن محمدًا رسول الله..."

كلماته كانت بتخرج مع كل نفس، كأنه بيحط أمانة غالية في رقبة الزمن، كأنه بيوصي الدنيا تحفظهم ليلي، كأنه بيرجع روحه اللي كانت ضايعة فيهم.

شد الطفل التاني على صدره وهمس بخشوع، دموعه نزلت على خد الرضيع الصغير:

– "أسميك ريان… الاسم اللي كان أركان بيحلم يديه لابنه."


ثم قرب الطفلة الصغيرة وهمس بصوت مختنق:

– "وأنتِ… تاليا، اسمك نور، زي ما أركان كان شايف بنته في أحلامه."


رفع عيونه لليلي، والابتسامة بتشق وشه رغم الدموع:

– "أركان حتى لو مش هنا، أولاده شايلين اسمه، ودمه في عروقهم… وأنتِ يا ليلي، اللي هتحميهم وتربيهم زي الأسد اللي كنتِ عليه دايمًا."


ليلي مدت إيديها المرتعشة، شالت أطفالها لأول مرة، حضنتهم بقلب أم اتقطّع على عيالها. كانت بتبكي، لكن دي كانت دموع أم شافت نور الدنيا لأول مرة بعد ظلام طويل،أخيرًا شالتهم بين دراعها، حضنتهم بكل القوة اللي كانت فاكرة إنها فقدتها، وقلبها كان بيدق بجنون… دول ولادها، دمها وروحها، ومهما حصل، مش هتسمح لحد ياخدهم منها أبدا او يذيهم ً.

اقتربت أسماء من ليلي، ودموعها تلمع في عينيها، مدت يدها ببطء ولمست وجوه الأطفال الصغار بحنان كأنها تحاول تصديق أنهم حقيقيون، بصوت مختنق قالت:

– "جمال أوي يا هنية… يا ليلي…"

ابتسمت ليلي وسط دموعها، نظرتها مليانة حب وندم، بصوت هادي ومكسور همست:

– "متزعليش مني… غصب عني… معرفتش أقولك السر دا… حتى ماما وأمير مكنوش يعرفوا…"

حاولت فوزية السيطرة على مشاعرها، دموعها كانت بتلمع لكنها تماسكت، بصوت حازم لكنه دافيء قالت:

– "إحنا هنتكلم في الموضوع دا بعد ما تقومي لينا بالسلامة، إنتي وأولادك… أهم حاجة دلوقتي صحتك."

نظرت ليلي لمامتها، دموعها نزلت أكتر، قلبها كان بيوجعها من الإحساس بالذنب، همست بندم:

– "حقك عليا يا ماما… غصب عني…"

لم تستطع فوزية تمالك نفسها، مدت إيديها ولمست وش بنتها بحنان ومسحت دموعها، أميرها قربت منها، حست بضعف أختها رغم قوتها اللي كانت دايمًا شايفاها، بصوت دافيء مليان حب، قالت:

– "استريحي دلوقتي يا ليلي… ونتكلم بعدين، كل حاجة ملهاش لازمة غير إنك تبقي بخير."

في اللحظة دي، ليلي بصت لأولادها… حسّت لأول مرة إنهم بقوا بين إيديها فعلاً، قلبها دق بحب وخوف، حضنتهم بضعف وهي تهمس بصوت مهزوز:

– "إنتو حياتي… مش هسيبكم أبدًا…"

ــــــــ&ـــــــ

في مكان تحت الأرض، حيث يظنون أنهم في مأمن، وقف أركان بهدوء، يده مدسوسة في جيبه، وعيناه تراقب المشهد أمامه. كان كل من صلاح وأولاده وأحفاده والتجار الكبار في مصر، ومعهم الأمريكان وجيسي، يركضون كالفئران المذعورة، غير مدركين أن النهاية قد كُتبت بالفعل.

كان كل شيء تحت السيطرة، كل زاوية محكمة، كل خطوة محسوبة. لم يكن مجرد انتقام، بل كان تطفئة لنار ظلت مشتعلة داخله، نار لم تهدأ منذ أن رأى ليلى بين الحياة والموت، منذ أن رأى دموعها وضعفها لأول مرة.

أخذ نفسًا عميقًا، ثم أخرج مسدسه ببطء، وكأن الزمن توقف. ضغط على الزناد مرة واحدة… ثم انطلقت الفوضى.

رايكم هيفرحني 

اللهم قرّ عين أمي بكل خير، وأسعد قلبها، وبارك في عمرها، وارزقها الصحة والعافية. اللهم اجعلها من السعداء في الدنيا والآخرة، وحقق لها ما تتمنى، وأبعد عنها الهم والحزن. اللهم احفظها بحفظك، واكتب لها الراحة والرضا، واغفر لها وبارك في أعمالها ورزقها وعمرها ♥️


الكاتبه ياسمين عطيه 

البارت ال ٢٨

زواج في الظل 

ـــــ&

في اللحظة اللي افتكروا فيها إنهم في أمان، المكان اتقلب جحيم… أصوات عربيات الشرطة والمصفحات قطعت سكون الليل، أضواء الكشافات ضربت المكان، وحاصر العساكر المسلحين كل المخارج.

وقف أركان وسط المكان، عيونه مليانة غضب بارد، ملامحه جامدة كأنه صخر. الكل كان مرعوب، الفوضى حوالين المكان، ناس بتجري، ناس بتصرخ، وناس بتحاول تهرب بأي طريقة، لكن أبواب الجحيم كانت اتقفلت عليهم.

 مفيش هروب… الطلقات التحذيرية اتضربت في الهوى، وصوت مكبرات الصوت كان واضح وحاسم:

"كله يرمي سلاحه ويسلم نفسه! المكان كله محاصر!"

صلاح كان واقف متجمد في مكانه، مش قادر يصدق إن أركان هو اللي بيدير المشهد دا كله. حاول يتكلم، بس صوته طلع ضعيف:

"سعيد... أنت..."

أركان رفع إيده بإشارة صغيرة، في لحظة، رجاله كانوا محاصرين المكان، أسلحتهم موجهة لكل اللي موجودين. خطا ناحيته ببطء، كل خطوة كانت تقيلة، كأنها بتسحب أرواح اللي حواليه. وقف قدامه، عيونه غامقة مليانة غضب ، سحَب إيده من جيبه، رفع البطاقة العسكرية وبص له ببرود:

"أنا المقدم أركان عدلي… والمكان ده من النهارده تحت سيطرة الحكومة المصرية وانت تم القبض عليك ."

صلاح وقع على ركبته، دموع القهر في عيونه وقال بصدمه:

"إنت واحد منا، ليه بتعمل كده؟!"

أركان انحنى ناحيته، همس بصوت منخفض بس كان فيه وعيد:

"عمرك ما كنتوا مني، أنا كنت بينكم بس كنت بلعب لعبتي... واللعبة انتهت."

الصدمة خلت وش صلاح يصفَر، عينه جابت آخرها وهو بيبص حواليه، كأنه مش مصدق إن النهاية جات كده.

رجال الشرطة هجموا، الكلاب البوليسية بتنهش في الأرض، العساكر بيكبلوا المجرمين واحد ورا التاني، وجيسي كانت بتصرخ وهي بتتحاول تفلت من قبضة الضباط:

"مش معقول! مستحيل!"

أركان بص لها ببرود:

"المستحيل كان إنك تفكري إنك فوق القانون!"

صلاح اتشد من دراعه وهو بيقاوم، عينه في أركان والشر اللي فيها بيولع:

"انت دمرتني يا يا سعي أركان! دمرتني!"

أركان قرب منه وهمس بصوت بارد وهو يبص في عينه مباشرة:

"دي اقل حاجه … كان لازم أجيب حقها."

وهو بيقول كده، المكان كله كان بيتنضف، رجالته بيتسحبوا واحد ورا التاني في عربيات الترحيلات، وصفارات الشرطة كانت موسيقى النهاية اللي أركان مستني يسمعها من زمان.

ـــــ$ــــ

في عربية الترحيلات، الصمت كان يملأ المكان كأن الزمن توقف. الأجواء مشحونة بالدهشة، ولا أحد قادر على استيعاب ما يحدث. مروان، الذي كان في حالة من الجنون، وقف على أطراف أصابعه وهو يهتف:

"إيه اللى بيحصل ده؟!"

لكن الرد جاء سريعًا من طاهر بصوت منخفض لكنه مملوء بالصدمه:

"سعيد طلع ظابط؟!"

سليم، الذي كان يحاول فهم الموقف، سأل بصوت متهدج:

"طب يعني، كل حاجة حصلت وكل اللى فات كان كذب؟!"

عادل، الذي كان يشعر بمرارة النهاية، قال بصوت خافت لكن مليء بالحسرة:

"احنا كده وصلنا للنهاية خلاص، كده."

أما خليل، الذي كان دائمًا مشككًا في المواقف، همس متألمًا:

"كنت حاسس إن في حاجة غلط... مش قولتلك يا فؤاد؟ وانت تقولي... حتة واد بيعيش ليه يومين؟ شفت اليومين كانوا نتجتهم عاملين ازاى؟ هندفع تمنهم عمرنا كله في السجن."

فؤاد كان جالسًا، عيونه مفتوحة على آخرها، مش قادر يصدق اللى بيحصل. كان واضح إنه ما فيش حاجة تقدر ترده عن الواقع المرير. وفي تلك اللحظة، الستارة الوحيدة التي تغطيهم كانت بداية النهاية، التي لا مفر منها.

ـــــ&ـــــ

 في عربية أركان

عدلي بابتسامة فخر وهو ينظر إلى أركان: "رفعت راسي وراس جهاز الأمن الوطني كله النهارده."

أركان وهو يسند رأسه على الكرسي وينظر للطريق قدامه: "احنا تعبنا ونستاهل الفرحة دي."

عدلي بتساؤل: "عرفت إزاي مكان اللي بيصنعوا فيه؟ أنا كنت فاكر إن كل حاجة انتهت ومش هنعرف نوصل للمكان ده."

أركان بابتسامة جانبية وهو بيحرك عجلة القيادة: "أومال أنا بعمل إيه بقالى شهرين يا بابا؟ عرفت من صلاح ذات نفسه، في مرة كان سكران وبدأ يهلفط بالكلام، فهمت الشفرة واتأكدت بنفسي."

أركان ببرود: "جايب روس وأمريكان حبسهم في فيلا تحت الأرض، المدخل من الأوضة بتاعته في أسانسير بينزل تحت، غير الباب اللي بيتفتح من جهة الشارع العمومي… من بعيد تحلف إنه حيطه، وهو في الحقيقة باب سري."

عدلي وهو بيهز رأسه بدهشة: "جايب الدماغ دي منين بجد؟"

أركان بستهزاء: "مش دماغوا… حد بيخطط ليه."

عدلي وهو بياخد نفس عميق: "على العموم، القوة سبقتك على الفيلا عشان المصنع، وعمر مستنيك عشان اللي إنت عايزه."

أركان بنظرة غامضة وعينه بتلمع: "تمام يا بابا."

أركان (بصوت ثابت): إيه اللي حصل عندك يا بابا؟ طمني.

صوت عدلي جه من الناحية التانية، هادي بس فيه نبرة ارتياح.

عدلي: كله تمام، الحمد لله… ليلى كويسة، والعيال بخير.

أركان حس بصدره بيتحرك نفس أعمق من العادي

أركان (بصوت حاول يكون عادي): كويس… الدكتور قال إيه؟

عدلي: قال إنها عديت مرحلة الخطر خلاص، والعيال بخير، صحتهم كويسة.

أركان بص للأرض للحظة، الحروف كانت بتلعب في دماغه… ليلى كويسة… والعيال بخير.

جواه حاجة كانت عايزة تخليه يقوم يجري، يروح يشوفها، يسمع صوتها، يتأكد بنفسه، بس العقل كان أقوى… أو يمكن عناده.

أركان (بنفس النبرة المحايدة): تمام… خليك جنبها، لو احتاجت أي حاجة بلغني.

عدلي (بضحكة خفيفة): بلغك؟! ده أنت اللي المفروض تكون جنبها دلوقتي.

أركان سكت لحظة، عينه جات على صورة كان ناسيها  … صورة ليلى، بس قبل ما يوصل لها بإيده، زقها، كأنه بيخبيها حتى عن نفسه.

أركان (بنبرة أخف شوية، بس لسه متحكم في نفسه): هبقى أشوف الموضوع، مع السلامة.

قفل الخط ورمى الموبايل على المكتب، حاسس بحاجة غريبة في قلبه، حاجة مش قادر يسميها… أو يمكن مش عايز يسميها.

ــــــ&ـــ

كانت الشقة غارقة في الظلام، صوت أنفاسها المتوترة يملأ المكان. حاولت تهرب، لكنها سمعت صوت خطوات سريعة وثقيلة تقترب. الباب اندفع بقوة، وفي لحظة، وجدت نفسها وجهًا لوجه مع أركان.

وقف عند المدخل، نظراته باردة، حادة، مليانة غضب مكتوم. كان لابس بدلته الرسمية، شارة المخابرات بتمسك على كتفه، وعيناه مثبتة عليها كأنها فريسته الأخيرة.

نسرين بصوت مرتعش: "إنت... إنت جاي ليه؟ أنا معملتش حاجة!"

أركان قرب منها بخطوات تقيلة، مسك إيديها بعنف وقيدها قبل ما تقدر تتحرك. قرب وشه منها وهمس بصوت خافت لكنه مليان قوة:

"تم القبض عليكِ بتهمة الشروع في قتل ليلي وطفليها… وأنا هقبض عليكِ بصفتي المقدم أركان الجارحي."

نسرين بصوت مبحوح:

"ظابط؟ إنت ظابط؟!"

الصدمة كانت كأنها صاعقة نزلت عليها. دماغها بدأت تربط الأحداث ببعض.هنيّة … أو بالأصح "ليلي"، مش مجرد خادمة، مش مجرد واحدة هتروح لحالها…

نسرين بصرخة هستيرية وهي تتراجع للخلف:

"لااا! إنت بتكدب! هنيه مستحيل تكون عايشة! وعيالها… مستحيل!"

أركان قرب منها بخطوات تقيلة، سحبها من دراعها بكل برود وهو بيكلبشها، في اللحظة اللي كانت فيها صراخها بيملأ المكان.

نسرين وهي بتخبط في الأرض وتصرخ:

"إنتو بتكدبوا! أنا كنت ضامنة إنهم هيموتوا! مستحيييل!"

أركان شدها بقوة وهو بيقرب من وشها بهدوء قاتل:

"الغلط الوحيد اللي عملتيه إنك افتكرتِ نفسك أذكى مني… والنهارده جاي أخد حق مراتي وولادي، وكل واحد لازم هيدفع التمن غالي!"

نسرين فضلت تصرخ، تتوسل، لكنها كانت عارفة… النهاية وصلت، ومافيش هروب!

بإشارة واحدة من إيده، جرّوها رجال الشرطة، وصوت صراخها اختفى وسط هدير السيارات اللي بدأت تتحرك. أما هو، فوقف في مكانه، خد نفس عميق، ثم رفع رأسه للسماء… وأخيرًا، شعر لأول مرة إن نار جواه بدأت تهدى.

ــــ&ـــــ

فيلا صلاح  

صوت دوّي باب الفيلا وهو بيتفتح بعنف، رجال الشرطة بيقتحموا المكان بسرعة، أسلحتهم مرفوعة، والعساكر منتشرين في كل زاوية. صفيّة وقفت مكانها متجمدة، عنيها بتتنقل بينهم بصدمة، مش مستوعبة اللي بيحصل.

صفيّة (بذهول): إيه… إيه اللي بيحصل؟

رغدة (بابتسامة ساخرة وهي بتبص حوالينها): الظاهر إن نهايتهم جت… وطبعًا نهيتنا إحنا كمان جت معاهم.

صفيّة (بتشد شعرها بغضب): ياما قلت ليكم بلاش القرف اللي بتشتغلوا فيه! مالُه القرش الحلال؟ أهو إحنا اتاخدنا في الرجلين بسببكم!

صباح (بجنون وهي بتصرخ): اخرسي! اخرسي يا بنت منك ليها! مافيش نهاية ولا حاجة، إحنا هنطلع من هنا سلام!

لكن صوت الضباط كان أقوى من أي إنكار… في اللحظة دي، عساكر الشرطة بدأوا يطلعوا كميات كبيرة من السلاح والمخدرات، يحطوها قدام الظباط اللي بيكتبوا التقارير، ملامحهم كانت باردة، حاسمة.

عمر (وهو بيقرب من صباح بالكبشات): تم القبض عليكم بتهمة حيازة مخدرات وسلاح… انتهى اللعب.

نظرات الذهول والخوف كانت واضحة على وشوشهم، حتى صباح اللي كانت بتكابر، بقت عيونها متوسعة، مصدومة، وهي بتشوف ستار النهاية بينزل عليهم كلهم… بلا رجعة.

ـــــــ&-----

في الفيلا، وأركان داخل…

فريدة كانت واقفة في الصالة، قلبها بيدق بسرعة من التوتر والاشتياق. أول ما سمعت صوت الباب بيتفتح، دموعها نزلت من غير ما تحس. بقالها شهور ما شافتهوش، ابنها الوحيد،اللي رماه شغله في نار الخطر، واللي حتى جوازه كان مجرد جزء من مهمة.

أول ما دخل وشافها، وقف لحظة، ملامحه كانت جامدة زي العادة، بس عيونه فيها حاجة غريبة، حاجة مختلفة.

فريدة بصوت مختنق: "أركان…"

قبل ما تكمل، كانت بتجري عليه، حضنته بقوة وكأنها خايفة يختفي من بين إيديها. دموعها غطت وشها وهي بتقول بصوت متكسر:

"يا حبيبي… كنت هتجنن عليك… كنت بموت كل يوم وأنت بعيد…"

أركان حس بقلبه بيدق، حضنها بحنية نادرة منه، وهو بيهمس بصوت دافي:

"أنا رجعت يا أمي… سامحيني عالغُربة اللي فرضتها عليكي."

فريدة وهي تبعد عنه شوية، تمسك وشه بين إيديها بحب: "أنت بخير يا ابني؟ متعور؟ جرالك حاجة؟"

أركان بابتسامة خفيفة : "أنا كويس يا أمي، وكل حاجة خلصت خلاص."

عيونها لمعت بفرحة غامرة، وقفت لحظة تبص له بحنان:

"أركان… أنا فخورة بيك، يا حبيبي."

أركان وهو بيبوس راسها برفق، ضمها لحضنه بحنية نادرة وقال بصوت دافئ: "حبيبتي يا ماما."

(عمر داخل الفيلا بابتسامة ماكرة، وهو بيرفع إيده قدام فريدة ويهتف بمزاح)

عمر: "اقفش عندك! فعل فاضح في فيلا للواء عدلي!"

(فريدة ضربته على كتفه وهي بتضحك)

فريدة: "لم نفسك يا حيوان، أنت فاضيلي ولا إيه؟"

(عمر ضحك وهو بيبص لأركان اللي كان واقف بيتفرج عليهم بابتسامة خفيفة)

عمر: "عايز حضن زيك يا فوفو!"

(أركان مد إيده بضحك، سحب عمر في حضن سريع وهو يربّت على كتفه)

أركان: "تعالى يا اللي وحشتني"

(عمر رفع حواجبه بمرح وهو بيقف جنبه)

عمر: "حبيب قلب أخوك من جوا… مستعد للأخبار اللي هتطفي نارك؟"

(أركان اتكئ على الكنبة، وملامحه شدت وهو بيبصله)

أركان: "عملت إيه؟"

(عمر ابتسم ابتسامة نصر، وقعد جنبه وهو بيحرك إيده بحماس)

عمر: "كل اللي هناك اتمسكوا، حيازة مخدرات وسلاح والتستر عليهم، وكمان لقينا ملفات تودي في داهية، من ضمنهم فيديو لصلاح وهو بيقتل أم وأبو واحد مجنون اسمه محروس!"

(أركان شد حواجبه، وعمر كمل بحماس)

عمر: "الفيديو ده لوحده كفيل يخليه ينعدم… مش عارف هيتعدم كام مرة على كل البلاوي اللي عملها!"

(أركان سحب نفس عميق، لمعت عينه بنار الانتقام اللي أخيرًا اكتملت، بَصّ لعمر بابتسامة باردة وهو بيتمتم)

أركان: " جت نهايته… واللي جاي هيكون أسوأ ليه!"

عماد دخل بخطوات ثابتة، قرب من أركان وفتح دراعاته بحب وهو بيقول بصوت كله فخر:

"مبروك يا بطل… انت عملت المستحيل يا أركان، اللي معرفناش نعمله أنا وأبوك في سنين، انت عملته في شهور… برافو يا حبيبي."

أركان شدد قبضته في جيبه للحظة، وبعدين خرجها وحضن عمادل بقوة، وهو بيهمس بصوت واطي:

"انت مش زعلان مني على اللي حصل؟"

عماد بعد عنه شوية، بص في عيونه، ولمح الشرخ الصغير اللي مستخبي تحت نبرة صوته الجامدة، فقال بهدوء وهو يحط إيده على كتفه:

"أنا عارف إن ده كان غصب عنك، وبعدين كل حاجة نصيب… متفكرش في أي حاجة دلوقتي غير إنك تفرح، بكرة في تكريم كبير ليك في الجهاز."

أركان حاول يبتسم وهو بيقول بنبرة هاديه:

"مافيش داعي."

عادل شدد قبضته على كتفه وهو بيرد بجدية:

"لا، إزاي؟ دي أقل حاجة تتعمل لبطل زيك… ضحى بكل حاجة عشان شغله، عشان البلد، عشان المهمة تنجح."

ــــ&ـــ

في المستشفى

عدلي وهو واقف جنبها، عينيه مليانة حنية واطمئنان: "كل حاجة خلصت يا ليلي…"

ليلي ابتسمت لا إرادياً، فرحة مش مصدقة إن الكابوس اللي عاشته أخيراً انتهى. بس الفرحة ما كملتش، ابتسامتها اضمحلت، وضحكتها اللي كانت بتشق وشها اختفت ببطء. كل حاجة انتهت، بس معنى كده إن علاقتها بأركان كمان انتهت؟ مشفهاش، مشافش عياله حتى… هو فعلاً قرر يمحيها من حياته؟

عدلي وهو ملاحظ الحزن اللي سكن ملامحها: "الله أعلم بكرة مخبي ليكي إيه، بس متقلقيش يا بنتي… انتي وعيالك مسؤولين مني، متشليش هم أي حاجة. مصاريف عيالك علينا، مش هخليكي لا انتي ولا هما محتاجين أي حاجة."

بص لها بعمق، صوته بقى أهدى لكن أوضح: "أما علاقتك بأركان… دي هو اللي هيقررها."

كلماته سابت أثر في قلبها، مش عارفة تفرح إن كل حاجة انتهت، ولا تخاف من اللي جاي؟

عدلي وهو بيقرب منها بنبرة هادية لكن مليانة قرار: "انكتب لك خروج انتي والولاد خلاص… روحي عيشي في البيت الجديد، المنطقة هناك أمان وعشان يبقى مناسب للأولاد."

ليلي كانت بتسمعه، لكن عقلها كان في حتة تانية… قلبها بيوجعها بس مش عايزة تبينه، خبت مشاعرها وابتسمت ابتسامة باهتة وقالت بصوت ضعيف: "حاضر."

عدلي لاحظ الوجع اللي بتحاول تخفيه، لكنه قرر ما يضغطش عليها، ساب لها مساحة تفكر براحتها. فوزية قربت منها ولمست إيدها بحنية: "هتكوني كويسة يا بنتي، وهما هيكبروا في أمان."

ليلي بصتلها بامتنان، وبعد لحظة طويلة، بصت لأولادها اللي نايمين ببراءة، وخدت نفس عميق وهي بتحاول تهيئ نفسها للمرحلة الجديدة… حتى لو قلبها لسه متعلق بالماضي.

ـــــــــ&ــــــ

في البيت الجدبد

ليلي كانت حاسة إنها مستنزفة… مش بس جسديًا، لكن روحيًا كمان. تعبها، خوفها، صدمتها، كل حاجة كانت متجمعة جواها وبتخنقها. لما دخلت الأوضة، ما قدرتش حتى تبص حواليها أو تتأمل البيت الجديد، الحاجة الوحيدة اللي كانت عايزاها إنها ترتاح… ترتاح من التفكير، من الألم، من كل حاجة.

أسماء كانت شيلة تاليا، وأميرة كانت شايلة ريان، وفوزية كانت سنداها عشان تمشي. أول ما دخلت الأوضة، أول حاجة عملتها إنها شالت أولادها، حضنتهم وكأنها بتحاول تستمد منهم قوة تخليها تكمل. كانت تعبت، بجد تعبت، ومش قادرة تستحمل أكتر من كده.

بصت عليهم وهي بتحطهم جنبها، عينها مليانة دموع بس بتحاول تبتسم. بس جوها كان فاضي… كأنها فجأة فقدت حاجة كبيرة، كأنها فقدت نفسها.

رمت رأسها على المخدة، سحبت الغطاء عليها، وسابت دموعها تنزل في هدوء. محدش كان سامعها، بس الألم كان بيصرخ جواها.

كده خلاص؟…

مش هشوفه تاني؟ مش هشوف نظرة عيونه الباردة اللي كنت بعافر عشان أكسرها؟ مش هيجي يطمن على العيال؟

للدرجة دي أنا مش فارقة معاه؟!

كانت بتسأل نفسها بس الإجابة كانت واضحة… آه، مش فارقة معاه!

اختار ولاده… بس ما اختارهاش هي.

ودي كانت حاجة شايفاها صح، على قد ما كان قلبها وجعها إنه سبها للموت بس فرحانه انوا انقذ ولادهم 

غمضت عيونها وهي بتحاول تبعد أي تفكير عنه، بس صورته ما سبتهاش. أول مرة تحس إنه غريب عنها بالشكل ده، وإنها مهما حاولت، مستحيل ترجع زي ما كانت.

ــــ&ـــــ

أركان دخل أوضته، وقف في النص وهو حاسس بفراغ غريب. الأوضة اللي كانت دايمًا بتكون مصدر راحته، اللي كان بيحس فيها إنه نفسه، بقت دلوقتي مجرد أربع حيطان مخنوقين عليه. مفيش ليلى، مفيش صوتها، مفيش ضحكتها اللي كانت بتطلع حتى وهي زعلانة.

قعد على طرف السرير، سند كوعه على ركبته وحط راسه في إيده، خد نفس طويل وهو بيحاول يبعد عن دماغه أي أفكار، بس كل حاجة كانت راجعة له غصب عنه. كان ممكن يروح يشوفهم، بس منع نفسه… خايف لو قرب منهم مش يعرف يبعد تاني، خايف لو بص في عيونها يلاقي فيها الحقيقة اللي بيهرب منها، الحقيقة اللي بتقول إنه متعلق بيها وبعياله من أول لحظة.

مسح وشه بإيده، قام وفتح الدولاب، عيناه وقعت على حاجة صغيرة ملفوفة في قطعة قماش ناعمة، مد إيده وسحبها… كانت لعبة أطفال، حاجة بسيطة كان جايبها وهو مش حتى عارف ليه. بص لها لحظة، وبعدين شد نفسه ورماها على الكومودينو، وقف شوية قدام المراية، نظرته لنفسه كانت مختلفة… ده مش أركان اللي كان فاكره، ده واحد تاني، واحد قلبه بدأ يبقى مش ملكه، وده أكتر شيء كان بيخوفه.

أركان مقدرش يفضل واقف في مكانه، كأن رجليه بتجروه جري ناحية ليلى. غير هدومه بسرعة، وطلع على المستشفى وهو مش قادر يتحكم في دقات قلبه.

وصل عند أوضتها، وقف برا الإزاز، عينه ما سابتش ملامحها.. كانت مرهقة، لكن عايشة.. قدامه.. بخير. كان عايز يدخل، يشيلها في حضنه، يطمنها، لكنه وقف مكانه، صارع نفسه.. هو مينفعش يبقى بالشكل ده، هو المفروض يكون أركان اللي محدش بيظهر عليه أي حاجة.

فضل يبص عليها لحظات طويلة، كل حاجة حواليه اختفت، مابقاش شايف غيرها.. حس لأول مرة إنه كان ممكن يخسرها للأبد، وإنه مش مستعد لده، أبدًا. شد نفسه واختفى بسرعة قبل ما حواسه تخونه.

راح على الحضانة، وقف قدام الزجاج، عينه وقعت على التوأم.. طفلين صغيرين بيناموا بهدوء كأنهم ملايكة. قلبه دق بقوة، حس بثقل غريب في صدره، نوع من المشاعر اللي هو مش متعود عليها.

"تاليا.. ريان.."

الأسماء اللي كان بيحبها وهو طفل.. بقت أسامي ولاده في الحقيقة. مش مصدق إنه بقى أب، مش مصدق إن الكائنات الصغيرة دي قطعة منه. مد إيده وحطها على الزجاج، كأنها لمسة خفيفة من بعيد، ابتسامة صغيرة قوي ظهرت على وشه، ابتسامة محدش شافها.. ولا حتى هو نفسه كان واعي بيها.

ـــــ&ـــــــ

 في الصالون

فريدة وهي متوترة، وقفت قدام عدلي وعينيها مليانة تساؤلات.

عدلي وهو بيحط إيده في جيبه وبيبص لها بهدوء: "ريحي نفسك، لو عايزة تروحي تشوفي عياله روحي. البنت محترمة وكويسة وهتفرح لما تشوفك، يمكن مروحك يخفف البواخة اللي ابنك عمالها مع البنت دي."

فريدة بحدة: "ابني ماعملش حاجة! هو ذنبه إيه؟ هو مش بيحبها، مش غصب عنه يبقى معاها!"

عدلي بابتسامة هادئة لكن نظرته حاسمة: "طفّيت عين ابنك دي معناها عندك إنه مش بيحبها؟"

فريدة بعصبية: "مش يمكن لأنه بعيد عن يارا؟ مش يمكن حياته كلها باظت بسبب الجوازة دي؟"

عدلي وهو بيهز راسه: "الأيام قدامنا، هتثبت مين الصح."

فريدة بصوت واطي مليان شوق وحب جده: "مش مصدقة يا عدلي إنه بقى أب! اركان كبر للدرجه دي نفسي اشوف عياله ؟"

عدلي بابتسامة ، وهو بيطلع الموبايل وبيوريها صورة الأطفال: "بصي بنفسك… نسخة من أركان وهو صغير."

فريدة وهي بتبص للصورة وعينيها بتلمع: "ما شاء الله… اللهم بارك! جمال أوي زيه … عيونهم زي عيون أركان بالظبط…"

عدلي وهو بيتأملها: "لما تشوفيهم وتحسي اللي أنا حسيته، هتفهمي ليه أركان عمل كده …  قلبك هيحن يا فريدة."

فريدة فضلت ساكتة، لكن الصورة فضلت ثابتة في عينيها… لأول مرة، حسّت بحاجة تتحرك جواها، إحساس غريب… يمكن حنين… يمكن خوف من الحقيقة اللي بدأت تظهر قدامها.

ــــ$ـــــ

في المساء 

كانت ليلي قاعدة على الكنبة في أوضتها، لابسة إسدال ، عيونها متعلقة بالشاشة، وإيديها بتضغط على مخدة في حضنها. صوت المذيع كان بيملأ المكان بحماس:

"وفي مهمة وصفت بالمستحيلة، نجح المقدم أركان عدلي في اختراق واحدة من أخطر العصابات المحلية، وتمكن من إسقاط شبكة تهريب السلاح والمخدرات التي كانت تهدد أمن البلاد. واليوم، يتم تكريمه بوسام الشجاعة من السيد رئيس الجمهورية تقديرًا لمجهوداته العظيمة في حماية الوطن."

الكاميرا جابت أركان وهو واقف على المنصة، وقف قدامها بهيبته المعتادة، البدلة السوداء مفصلة عليه بإتقان كأنها مصنوعة خصيصًا ليه، بتبرز عرض كتافه وقوامه الممشوق. القميص الأبيض تحت الجاكيت زاد ملامحه صرامة، وكرافاته السوداء مربوطة بإحكام، كأنها ختم رسمي لشخصيته اللي صعب اختراقها. عيونه الثابتة كانت بتراقبها بحدة، بينما إيده مستريحة في جيب البنطلون، لكن في أي لحظة ممكن تتحرك بثبات محسوب، زي ما تعود في شغله، بملامحه القوية اللي كانت واثقة لكن عيونه مخبية حاجة أعمق بكتير من الفرح… حاجة محدش حاسسها غير ليلي،حست بدموعها بتتجمع، مش عارفة هو وجع ولا فخر، هو كسرة قلب ولا إحساس بالخذلان. أركان كان هناك، بيتكرم قدام الدنيا كلها، بيلمع زي نجم في السماء، وهي هنا… قاعدة لوحدها، بعيدة عنه وعن كل حاجة تخصه.

شدت المخدة أكتر على صدرها، ابتلعت غصتها وهي تراقب اللحظة اللي كانت جزء منها لكنها مكنتش فيها. كان نفسها تبقي معاه 

في اللحظة اللي الكاميرا قربت على وشه وهو بيستلم الوسام،لحظة صمتت فيها الدنيا، وكأن اللي بينهم كان أكبر من المكان والزمان.

همست لنفسها بصوت مليان فرحه:

"مبروك يا أركان… كنت دايمًا تستاهل المجد."

"بينهم السما والأرض، هو فوق وهي تحت، هو الشرق وهي الغرب،… عالمين ضد بعض، بس يا ترى العكس ده هيفرقهم ولا هيقربهم أكتر؟"

رايكم هيفرحني ويهمني 

لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم 

اللهم إنك عفوا تحب العفو فاعف عني ❤️

صلوا على النبي ❤️


الكاتبه ياسمين عطيه

البارت ال ٢٩ 

زواج في الظل 

قاعة الاحتفال كانت مليانة ناس، كل العيون عليه، تصفيق حار، نظرات إعجاب وفخر، الأضواء كلها مسلطة على البطل اللي حقق المستحيل… أركان واقف وسطهم، وشه جامد كالعادة، لكنه كان حاسس بحاجة ناقصة، بحاجة مش مكملة الصورة…

أخد الوسام، ابتسم ابتسامة رسمية، سمع كلمات التقدير، لكن ولا لحظة حس إنه مبسوط بجد. الناس كلها موجودة… أبوه، أمه، غادة، عماد، جده، عمر، أصحابه، قادة البلد، حتى رئيس الجمهورية كان هناك… لكن قلبه كان فاضي.

في اللحظة دي، رفع عينه لا إراديًا، ولقاها داخلة.

يارا.

خطواتها كانت عادية، كأنها حد غريب عدى قدامه بالصدفة. مفيش حاجة جواه اتحركت، لا نبض أسرع، لا شعور بالحماس زي زمان. مفيش حاجة.

حاول يقنع نفسه إنه مش مركز، يمكن عشان عقله مشغول بليلى والعيال، يمكن لأنه مشاعره اتبدلت بسبب اللي حصل بينهم قبل كده. بس لا… مكنش ده السبب.

معقول؟

معقول يكون عمره ما حبها بجد؟ يكون كان متمسك بيها بس عشان العِشرة، عشان الصورة اللي رسمها ليها في خياله؟

 قعدت جنبه، بصت له بابتسامة هادية وقالت:

"مبروك."

رد بهدوء:

"الله يبارك فيكي."

سكتت لحظة، عيونها لفت حوالين المكان، وبعدها سألته بصوت هادي لكنه تقيل عليه:

"مراتك وأولادك فين؟"

ما ردش فورًا، كان عارف إن السؤال ده جاي، وعارف إن جوابه مش سهل، لكنها كملت قبل ما يقدر يقول حاجة:

"كنا دايمًا بنتخانق وإحنا صغيرين وأقولك مش هسمي عيالي تاليا وريان، بس أنت سميتهم فعلاً… من واحدة تانية."

جملة صغيرة، لكن وقعها عليه كان عنيف. قلبه اتهز، إحساسه كله اترج، بس ملامحه فضلت جامدة وهو يرد ببرود مصطنع:

"هي مبقتش في حياتي خلاص يا يارا."

سكتت، لكنه شاف في عيونها إنها مش مصدقة، كأنها شايفة اللي هو مش عايز يعترف بيه. بصت له بغموض وسألته:

"هتعمل إيه في اللي جاي؟"

زفر نفس تقيل وقال وهو يبص بعيد عنها:

"عايز أسافر يومين أرتب أفكاري وهرجع."

يارا ضيقت عيونها، كأنها بتفكر في حاجة، وبعدها قالت بهدوء مش مفهوم:

"بتحاول تهرب؟ من نفسك… منها… ولا مني؟"

أركان بص لها بحدة، لكن صوته فضل ثابت وهو يقول:

"أنا لا بهرب منك ولا منها، أنا لأول مرة حاسس إني عايز أرتاح… والفرصة جت وقتها دلوقتي."

يارا اتنهدت:

"لو حابب تتكلم، أنا موجودة… ومستنياك."

مشيت، سابته مع أفكاره، مع قلبه اللي مش عارف يلاقي له مخرج… ومع إحساسه اللي لأول مرة، بقى عاجز عن تحديد طريقه.

ـــ&ــــ

في الحفلة، الصحاب كانوا مبهورين بأركان، الكل كان بيهزر ويتكلم بحماس، وهو قاعد وسطهم، بس عقله كان في حتة تانية خالص.

أدهم وهو بيقرب منه بابتسامة:

"تصدق يا أركان، المهمة دي لو كان سعادة اللواء أبوك قال لأي حد غيرك يعملها، مستحيل كان حد يوافق! فحظه إنه أبوك، فغصب عليك، أهالينا دول."

ضحكوا كلهم، لكن نظرة أركان مكنتش بتضحك، كانت عينه ثابتة، فيها حاجة مش مفهومة.

عمر وهو بيرمي كلمة بضحكة:

"الصراحة، آه يعني، أنا لو جم قالولي اتجوز عشان شغل، هسيب الشغل!"

ضحكوا بصوت عالي، بس أركان كان ساكت، ماسك كوبايه في إيده وبيضغط عليها كأنه بيحاول يفرغ الغضب اللي جواه. كان في وسطهم، بس في الحقيقة كان بعيد، بعيد أوي…

 أركان واقف بهدوء، ملامحه جامدة بطريقة غير معتادة، حتى على شخصيته الجادة. فريده وقفت تراقبه من بعيد، قلبها كان حاسس إن في حاجة غلط. دا ابنها، وعمره ما بان عليه الضعف، بس النهارده… ملامحه مش مجرد برود، دي كأنها انكسار، كأن في حاجة من جواه ماتت.

عدلي كان واقف جنبها، حس بنظراتها، فهم من غير ما تسأل، بص ناحيته بحذر، وكأن عنده نفس التساؤل: "هو مالُه؟"

فريده همست لنفسها وهي تبص ناحية الباب لما شافت يارا داخلة، لابسة فستانها الفاخر، متألقة زي العادة…

"طب ما هي يارا أهي، جت عشانه، يبقى إيه اللي ناقص؟ ليه لسه مكسور؟"

عينها رجعت تاني على ابنها، بس لقيته مابصش ليارا حتى، كأنها مجرد شخص عادي مر قدامه. المرة دي قلبها اتقبض أكتر… يمكن بسبب ولاده؟ يمكن بسبب المهمة؟ ولا يمكن… بسبب ليلى؟

عدلي قرب منها شوية وهمس بصوت واطي:

"ابننا موجوع، ومش قادر يعترف."

فريده بصت له بحيرة، حسّت إنها خلاص فهمت… بس السؤال الحقيقي: "هيعترف إمتى؟"

ـــــ&ـــــ

 أوضة ليلي

دخلت أسماء وهي شايلة ابن أميرة على كتفها، بصت لليلي بضحكة وقالت:

"يا ليلي، الواد ابن أختك دا هاري تاليا بوس رايح جاي، وبيقولها يا تاليتي! صدق فعلاً إنه هيتجوزها بجد… ده لو هيزنها دهب مش هنجوزهالوا، معندناش بنات للجواز كده بالساهل!"

ليلي، اللي كانت عينيها لسه مبلولة بالدموع، مسحتها بسرعة عشان محدش ياخد باله.

أسماء لمحت نظرتها المشتتة وهي باصة للشاشة اللي قدامها، قامت على طول وطفت التلفزيون، وقعدت جنبها بحنية، محاولة تخفف التوتر اللي في الجو. قالت بمرح وهي بتقرصها في دراعها:

"لا بقولك إيه، إحنا هنعمل سبوع يكسر الدنيا عشان العيال، فرح رسمي بقى!"

ليلي حاولت تسايرها في الكلام، عايزة تهرب من دوامة التفكير، فردت بابتسامة خفيفة:

"طب جهزي كل حاجة بقى، وأنا هاجي على الجاهز… مش قادرة أعمل حاجة خالص."

أسماء ضربت كفها في كفها بتهريج وقالت بمرح:

"عنيا! الجوز وشفتري اللوز ، وإنتِ بس ريحي دماغك."

ليلي فضلت تضحك، وأخيرًا حسّت للحظة إنها بعيدة عن كل الوجع اللي عيشته.

في وسط ضحكهم ،أسر شد ليلي من كتفها وقال بزعل طفولي:

"يا خالتو، أسماء مش راضية تخليني أشيل تاليا، وبتقولي مش هتجوزها!"

ليلي ضحكت بحنية، وخدته في حضنها وهي تمسح على شعره:

"يا أول فرحتي، محدش يقدر ياخدها منك… متغلاش عليك، بس هي لسه صغيرة، استناها لما تكبر."

أسر وهو رافع تلات صوابع قدامها بعيون مليانة إصرار:

"استناها دول!"

ليلي ضحكت أكتر، وباست خدوده بحب:

"اللى انت شايفه."

أسماء وقفت جنبهم، وهي عاملة فيها جدية بس ضحكتها فضحاها:

"آه، استناها 30 سنة!"

أسر بص لها بعيون مستغربة وهو مفكرها بتتكلم بجد:

"هما تلات أيام بس، خالتو قالت!"

ضحكة ليلي علت وهي تبص له بحب، وأسماء زغدته على دراعه وهي بتضحك:

"اه يا شقي، ربنا يستر علينا منك بقى!"

ـــــــــــ&ـــــــــ

في فيلا الجارحي، وبعد انتهاء الحفلة، الكل كان متجمع بأمر الجد. الجو كان رسمي، لكن مشحون بتوتر غريب.

الجارحي بص لكل الحاضرين، صوته كان مليان حزم وثقة:

"أنا مجمعكم عشان الفرح يبقى فرحتين… بعد ما كل حاجة خلصت، واللي كنا مستنيينه يحصل من زمان، هيحصل أخيرًا. مفيش داعي نأجل فرح أركان ويارا."

الصدمة خيمت على الجميع.

أركان نفسه كان واقف بدون أي مشاعر واضحة، مش عارف يفرح ولا يزعل… عنيه مكنتش بتعبر عن حاجة، كأنه مش موجود أصلًا.

عدلي كان شايف إن الجوازة دي مستحيلة، وإن القرار ده متسرع جدًا.

أما فريدة، أول ما بصت لابنها وشافت الضياع اللي فيه، حسّت إنه مش جاهز، وإنه محتاج وقت عشان يعرف هو عايز إيه فعلًا، مش حد يفرض عليه قرارات تانية زي كل مرة.

على الناحية التانية، عماد كان مرحب بالفكرة، شايف إنها خطوة طبيعية بعد كل اللي حصل.

لكن غادة كان وضعها مختلف تمامًا… اتكلمت بصوت هادي لكنه مليان احترام وحزم في نفس الوقت:

"إحنا كلنا بنحترمك يا بابا، لكن الجوازة دي مستحيلة. أركان متجوز دلوقتي، وبقى أب… ولو حضرتك شايف إنه مش بيحبها، فهو لسه مطلقهاش. لما حياته معاها تنتهي وتستقر، ساعتها نفكر في حياته مع يارا. دا طبعًا لو يارا لسه عايزة تتجوزه بعد كل اللي حصل…"

الكل بص ليارا، مستني رد فعلها…

الجد بص ليها وسألها مباشرة:

"إنتِ موافقة يا حبيبتي؟"

يارا، بدون أي تردد، بصت له وردت بثبات:

"أيوه يا جدو… موافقة."

صمت قاتل نزل على المكان.

إزاي؟!

يارا اللي كانت قافلة موضوعها مع أركان نهائي، دلوقتي بتقول إنها موافقة تتجوزه؟!

نظرات الاستغراب والخضة كانت واضحة على وشوش الكل، لكن الجد كان واثق وهو بيكمل قراره:

"يبقى خلاص… هنعمل خطوبة مبدئية، لحد ما إجراءات الطلاق تخلص بسرعة."

الصدمة التانية كانت أقوى من الأولى…

الموضوع مش مجرد إعلان، دي خطة محكمة عشان يتم كل حاجة بسرعة… وكأن حد بيحاول يدفن كل اللي حصل، وينهي القصة قبل ما تبدأ من جديد.

ــــــ&ـــــــ

في جنينة فيلا الجارحي – ليلًا

(هدوء يخيّم على المكان، أصوات النسيم تتخلل الأشجار، وأضواء الفيلا تنعكس على العشب الأخضر.. يارا واقفة قدام أركان، عنيها بتدور في ملامحه كأنها بتحاول تقرأ اللي مش قادر يقوله، وهو واقف قدامها، إيده في جيب بنطلونه، وملامحه جامدة أكتر من اللازم.)

يارا وهي بتراقب تعابير وشه: "حاساك مش فرحان إننا هنتجوز."

(عين أركان تلمع للحظة قبل ما يشيح بنظره بعيد كأنه بيهرب، بياخد نفس بطيء، وبيتكلم بصوت هادي لكن جاف.)

أركان وهو بيعدل ياقة القميص: "لا.. خالص.. أنا بس تعبان من المهمة ودماغي مشغولة بأكتر من حاجة.. أهم حاجة، إنتِ فرحانة؟"

يارا بابتسامة خفيفة : "آه.. جدًا."

(أركان بيلاقي نفسه بيتفرج عليها وهي بتتكلم، حاجبه بيترفع بخفة وهو بيفكر في كلامها، بيفكر في آخر مرة اتكلموا مع بعض وإزاي كان كلامها مختلف تمامًا.)

أركان بصوت هادي لكنه محمل بشيء مش مفهوم: "غريبة.. آخر مرة اتكلمت معاكي، قلتيلي كلام غير ده."

(يارا بتتنفس ببطء، بتحرك شعرها الوردي ورا ودنها ، وبعدين بتقرب منه خطوة، عنيها بتلمع تحت ضوء الحديقة الخافت.)

يارا بصوت واثق  : "صدقتك.. عشان إنتَ ما بتكذبش.. طالما قولت اللي حصل بينك وبين ليلى غلطة، فهو فعلًا غلطة.. وإن كان على حملها، فهو غصب عن الكل.. ونصيب.. مش أنا فاهمة صح؟"

(أركان بيتجمد لثواني، بيشيح بنظره بعيد عنها بسرعة، كأنه بيهرب من مواجهة عينيها اللي بتحاول تفهم أكتر مما هو مستعد يقوله.. إيده بتتشابك مع بعضها بعصبية خفيفة، وبياخد نفس بطيء قبل ما يرد بصوت خافت.)

أركان وهو بيبلع ريقه وبيخفي حاجة في قلبه: "آه.."

(يارا بتلاحظ تردده، عنيها بتتضيق بخفة وهي بتميل بوجهها ناحيته تحاول تمسك نظراته...)

يارا بصوت أهدى لكنه حاد: "ليه حاسة عينك بتقول حاجة غير كده؟"

(الصمت بيستمر.. أركان مش قادر يرفع عينه ليها، كأنه لو بص فيها هتعرف كل اللي مش قادر يعترف بيه.. في اللحظة دي، يارا بتاخد خطوة صغيرة ناحيته، بتقرب كفاية لدرجة تقدر تلاحظ التوتر اللي ظهر في عينيه رغم كل محاولاته إنه يخفيه.)

أركان بصوت منخفض لكنه حاد: "إنتِ عايزة تسمعي مني إيه بالظبط، يارا؟"

يارا بابتسامة هادية : "مش عايزة أسمع حاجة .. عايزاك تكون مبسوط بس وإحنا مع بعض."

(أركان بيلف وشه لها ببطء، عنيه بتتأمل ملامحها.. كلامها كان المفروض يريّحه، يفرّحه.. يارا، حبيبته اللي كان بيحبها من سنين، لسه متماسكة بيه، بتحبه، وعايزة تكمل حياتها معاه، كل حاجة رجعت زي ما كانت.. المفروض يحس إنه مرتاح.. المفروض..)

(لكن هو مش مبسوط.. ليه؟ ليه كل حاجة في الحياة دي بقت تقيلة عليه؟ ليه كل حاجة كان بيتمناها زمان، بقت دلوقتي كأنها سجن عايز يهرب منه؟)

(بياخد نفس بطيء، إحساس الاختناق بيزيد، كأن الدنيا بتضيق عليه.. فجأة بيحس إنه عايز يهرب.. لكن يهرب على فين؟ أكيد مش عند ليلى.... مش عند الفوضى اللي جوه قلبه.. بس برضه، مش قادر يفضل هنا.)

(نظره بيتحرك بعيد، بعيد عنها، بعيد عن كل حاجة)

ـــــ&ــــ

 كانت فريدة واقفة قدام المرآة بتعدل طرحتها، وهي شايفة عدلي بيلبس. قربت منه وسألته بنبرة فضولية:

"رايح فين يا عدلي كده؟"

رد عليها وهو بيلبس ساعته:

"هروح سبوع ريان وتاليا."

رفعت حاجبها بدهشة:

"هو النهاردة؟"

عدلي بابتسامة خفيفة:

"آه، جدتهم اتصلت وعزمتني."

تقدمت خطوتين ناحيته وقالت بهدوء:

"طب هو أنا ينفع أجي؟"

بص لها عدلي للحظة، وبعدها هز رأسه بموافقة:

"آه ينفع، البسي وتعالي."

خرجوا سوا وركبوا العربية، وأثناء ما كانوا بيجهزوا للانطلاق، يارا كانت واقفة في الجنينة مع أركان، لمحتهم فسألت بنبرة مستغربة:

"رايحين على فين كده؟"

عدلي وهو بيركب العربية:

"سبوع ريان وتاليا."

اتسعت عيون يارا وخدت خطوة لقدام:

"أنا عايزة أجي معاكم."

قبل ما عدلي يرد، فريدة التفتت لها بحرج وقالت:

"لو الموضوع مش هيضايقك، تعالي."

هزت يارا رأسها بسرعة:

"لا خالص، أنا حابة أجي معاكم." ثم التفتت لأركان وقالت :

"ما تيجي انت كمان يا أركان؟"

أركان كان واقف ببرود، عيونه فيها لمعة غريبة، هز رأسه بمعنى "لا"، وقال بصوت هادي لكنه قاطع:

"روحوا انتوا."

فريده حست بحاجة غريبة في نبرته، كأنه بيهرب من حاجة جواه، لكنه قرر يدفنها بدل ما يواجهها...

ــــ&ــــ

 جنينة البيت الصغير عند ليلى.. الزينة البسيطة معلقة على الأشجار، أنوار ملونة خافتة بتدي المكان دفء، والترابيزات الصغيرة مليانة حلويات وأكياس السبوع التقليدية.. صوت زغاريد أم ليلى "فوزية" مالي الجو، والضحك منتشر في المكان.. الترابيزة في النص، وعليها سريرين صغيرين، واحد فيهم نايم فيه "ريان"، والتاني فيه "تاليا"، اللي بتحرك إيديها الصغيرين في الهواء.)

(ليلى واقفة جنب السريرين، لابسة جلابية بيت واسعة لكن شكلها أنيق،ووشها فيه إرهاق، لكن ملامحها مليانة رضا وفرحة.. عنيها بتتنقل بين التوأم وكأنها لسه مش مستوعبة إن دول ولادها.. قلبها بيدق بسرعة كل ما تبص عليهم.)

أسماء وهي بتضحك وتمد إيدها تداعب خد تاليا: "يا ناس على الجمال.. تاليا شعرها شبهك بالظبط يا ليلى!"

أميرة وهي تبص لريان: "بس الولد واخد من أبوه.. نفس النظرة اللي تخوف!"

(ليلى بتضحك بخفة، بس عنيها بتهرب بعيد للحظة، كأنها بتتجنب تفكر في كلام أميرة.. بتاخد نفس عميق، وترجع تبص لعيالها.)

فوزية وهي توزع الشربات بحماس: "صلوا على النبي، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد!"

(أصوات التهليل والتكبير بتملأ المكان، والكل بيتبسم، وفجأة "أسر"، ابن أخت ليلى، بيجري ناحيتها، ماسك شخشيخة، وعينيه بتلمع وهو يبص على تاليا.)

أسر بحماس وهو يشاور على الطفلة الصغيرة: "خالتو ليلى.. كده تاليا كبرت.. ينفع أتجوزها؟"

(ضحكة عالية بتنفجر من اللي حواليهم، وفوزية تمسك بطنها من الضحك، اميره تمسح دموع عينيها من كتر الضحك.. ليلى تنفجر في ضحكة هي كمان، تمسك خدوده وتقرصها بحنية.)

أميره وهي تضحك: "يا واد بقى، دي لسه مولودة!"

أسر بعناد وبراءة: "ما هو لما أكبر هتكون كبرت برضه!"

(الضحك يستمر، والمزيكا التقليدية تشتغل، وفوزية تبدأ ترقص بخفة وسط تصفيق وضحك الحاضرين.. ليلى تبص لولادها تاني، عنيها تمتلئ بمشاعر متلخبطة، بس بسرعة تهز رأسها كأنها بتطرد أي أفكار.. النهاردة يوم فرح، ولازم تفرح.)

وأثناء ما الجو مليان فرحة وضحك، فجأة الحركة بتهدى شوية لما الباب يفتح ويدخل عدلي ومعاه فريدة ويارا.. الحضور بيتلفتوا ناحيتهم، والهدوء بيسيطر للحظة، قبل ما فوزية تكسر الصمت .)

فوزية وهي تفرش ابتسامتها: "نورتوا.. اتفضلوا!"

(عدلي بيهز رأسه بابتسامة هادية وهو يبص على ليلى، عنيه بتمسح المكان بسرعة، كأنه بيتأكد إن كل حاجة تمام.. فريدة بتدخل ووقفتها فيها رهبة، ست عظيمة، شكلها بيفرض احترامها، لكن عنيها فيها لمعة مختلفة وهي تبص على السريرين الصغيرين.. بتاخد نفس عميق، وقلبها يدق بسرعة وهي تقرّب، كأنها بتحاول تخفي تأثرها.)

فريدة بصوت هادي لكنه مشدود: "دول.. تاليا وريان؟"

(ليلى بتبلع ريقها وهي تهز رأسها، عنيها بتتحرك بسرعة بين فريدة والتوأم.. كانت متوقعة نظرة استنكار أو برود، لكنها لقت حاجة تانية.. حاجة شبه الحنان.. فريدة بتمد إيديها بهدوء، تلمس خد تاليا بخفة، والأمومة اللي جواها بتطغى غصب عنها.)

فريدة وهي تهمس لنفسها: "سبحان الله.. نسخه من أركان .."

(ليلى بتراقبها في صمت، ملامح فريدة بتتغير، القسوة اختفت.. الحاجة الوحيدة اللي باينة في وشها هي الفرحه .. جواها صراع، بس الحب أقوى، وده ظاهر في طريقتها وهي تبص لريان اللي نايم بملامحه الهادية، نسخة من أبوه.)

(وسط المشهد ده، ليلى بتحس بحركة، فبتلف وشها، وعنيها بتقع على يارا.. لأول مرة تشوفها قدامها، مش مجرد اسم سمعته.. جميلة، مهندمة، كل حاجة فيها لايقة على أركان.. ليلى بتاخد نفس عميق، وتحس بحاجة غريبة.. إحساس بالخسارة.)

ليلى (في سرها): "عنده حق يحبها.."

(يارا بتاخد خطوة ناحيه ليلي، تبتسم بسمة ناعمة، وتقول بصوت ناعم بس قاطع.)

يارا: "على فكرة.. خطوبتي على أركان الخميس الجاي."

(الجملة بتقع على ودن ليلى تقيلة.. صوت الضحك اللي كان مالي المكان فجأة بيختفي بالنسبالها، وكأن كل الأصوات تلاشت.. بتحس بقلبها بينزل لتحت، حاجة بتوجعها جواها، حتى لو مش عايزة تعترف بده.. بتحاول تبتسم، تبان عادية، بس عنيها بتفضح كل حاجة.)

(بتاخد نفس، تهز رأسها، وتحاول ترد بهدوء، لكن صوتها بيطلع أوطى بكتير مما توقعت.)

ليلى: "مبروك.."

(يارا بتبتسم ، وعنيها بتفضل ثابتة على ليلى، كأنها مستنية تشوف رد فعلها.. لكن ليلى مش بتديها الفرصة، بتلف وشها ناحية التوأم، وتحاول تركز فيهم، كأنهم المنقذ الوحيد لها دلوقتي من المواجهة دي.)

(عدلي بيحس بالتوتر، فيحاول يغير الجو)

(فوزية، أم ليلى، واقفة في النص، ماسكة الغربال اللي هيتعمل فيه طقس التخطي.. عنيها بتلمع بفرحة وهي تنادي بأعلى صوتها.)

فوزية: "يلا يا جماعة، لازم تخطي فوق عيالك سبع مرات!" عدي يا ليلى عشان عيالك يبقوا رزقهم واسع وعمرهم طويل!"

(ليلى، بجلابيتها البيت المريحة، تضحك بخجل، لكنها ترفع راسها بحماس وتمسك فستانها بخفة، قبل ما تبدأ تخطي فوق الغربال اللي فيه التوأم، ووشها مشع بالسعادة. الحاضرين يصفقون، والزغاريد تملأ المكان.)

(بعد التخطي، صوت "دقوا الطبل.. دقوا الطار.. سبوع ابننا زين الأنوار!" بيشتغل، ويبدأوا طقس "دق التوم"، حيث تمسك فوزية فصين توم وتدقهم جنب ريان وتاليا وهي تقول بصوت عالي مليان بركة ودعوات.)

فوزية: "اللهم احفظهم من العين والحسد، واجعلهم من الصالحين يا رب!"

(بعدها تقول: "اسمع كلام أمك وكلام أبوك!")

(أسماء، صاحبة ليلى، تخطف الهون منها بضحكة وتقول بحماس وهي تهزها فوق رأس ريان.)

أسماء: "اسمع كلام أمك وما تسمعش كلام أبوك! خدها قاعدة يا واد!"

الناس ينفجرون في الضحك

(فوزية تضحك وهي تحط إيديها على كتف ليلى بحنان، بينما أميرة، أخت ليلى، تمد إيديها تاخد ريان وتهمس بحب.)

أميرة: "ربنا يحفظكم يا حبايبي، ويجعلكم قرة عين لأمكم."

(وسط الجو العائلي الدافئ، عدلي بيقف من بعيد، عينه بتتنقل بين ليلى والتوأم ،مش مصدق إن دي نتيجه المهمه انوا بقى جد، وفريدة واقفة جنبه، ملامحها متغيرة.. كانت رافضة الجوازة، لكن قدام المشهد ده، وقلبها اللي دق لما بصت لأحفادها، بتلاقي نفسها بتبتسم غصب عنها، وفي عيونها لمعة حنان ما كانتش متوقعة تحسها.)

(وسط الجو الفرِح، الأطفال الصغيرين يجرون حوالين الترابيزة، يلمّون أكياس السبوع المليانة حمص ومغات وفول سوداني

(وسط كل الفرح، ليلى بتاخد لحظة لوحدها، بتبص على ابنها وبنتها، عنيها بتتلين وهي تحس بمشاعر غريبة.. فرحة، خوف، مسؤولية.. وسؤال بيتكرر جواها، تهمس بيه لنفسها وهي توطي تحضنه بخفة.)

ليلى (بصوت خافت وهي تلمس خد ابنتها): "أبوكم لو كان هنا.. كان هيبقى فرحان ولا..؟"

(لكنها بسرعة بتمسح الفكرة من دماغها، بترجع تبص حواليها، بتقرر تستمتع باللحظة، بالناس اللي حواليها، وبالفرحة اللي أخيرًا داقت طعمها.. حتى لو كان ناقصها حاجة، أو حد..)

لكن وسط ده كله، هو كان واقف بعيد.. بعيد قوي، بس شايف كل حاجة.)

(عينيه كانت مثبتة عليها، على ليلى.. على التوأم اللي ملفوفين في بطانيات صغيرة، شكلهم بريء كانوا عياله، دمه، لحمه، لكنه لحد دلوقتي ما لمسهمش، ما شالهمش، ما بصش في عينيهم وهو عارف إنهم ليه..)

(صدره كان بيوجعه، مش عارف ده فرح ولا وجع، ولا اتنين مع بعض.. كان عايز يروح، يشيلهم في حضنه، يحس بيهم، يلمس إيديهم الصغيرة، يسمع صوتهم.. لكن رجليه مشلولة قلبه متلخبط، عقله بيحاول يقنعه بحاجة، لكن عقله بيقول حاجة تانية.

(ابتسامتها وهي بتبص لهم.. الطريقة اللي لمست خد بنتهم.. الهمسة اللي قالتهالو الهوى ووصلت له قبل ما يسمعها بأذنه، كانت كافية تهز كيانه.)

أركان (بهمس وهو عينه عليهم): "أنا هنا.. كنت هنا طول الوقت."

(يبلع ريقه بصعوبة، يحاول يسيطر على مشاعره، لكن فكرة واحدة بتزن في دماغه.. اللي كانت من شهور ماشية قدامه ببطنها الكبيرة، كانت شايلة حياته جوه، والنهاردة.. النهاردة بقت أم، هي كويسه قدامه ودي اكتر حاجه مفراحه .)

(عينه تنزل على رايان وتاليا.. بيقولوا شبهوا ، شايف نفسه فيهم رغم إنه ما لمسهمش، ما حضنهمش، ما نطقش باسمهم.. قلبه يتقبض، إيده تتحرك لا إراديًا كأنه هيقدم خطوة.. لكنه يتراجع، يعض شفايفه بحسرة)

  بيحس بوجود حد جنبه، يلتفت يلاقي عدلي واقف، نظراته هادية بس مليانة فهم لكل حاجة بتحصل جواه.)

عدلي (بهدوء وهو بيبص ليه): "مش عايز تشوف ولادك؟"

أركان (يزيح نظره بسرعة ويرجع يبص قدامه): "مالوش لازمة.. هي كويسة، العيال كويسين، وأنا.. أنا مكاني مش هنا."

عدلي (ساخرًا وهو يهز رأسه): "آه طبعًا.. مكانك مش هنا، بس واقف مرابط بقالك ساعة بتبص عليها وعلى عيالك!"

(أركان يضغط شفايفه بغضب مكبوت، ينقل نظره بعيد كأنه بيهرب، لكنه ما يقدرش ينكر الحقيقة اللي عدلي شايفها بوضوح.)

أركان (بصوت هادي لكنه مش ثابت): "أنا مش عايز أعلقها بيا.. ليلى دلوقتي عندها حياتها، وأنا عندي حياتي، مش عايز ألعب بمشاعرها، مش عايز أوهمها بحاجة مش موجودة."

عدلي (يبتسم بهدوء، نبرته مليانة يقين): "وأنت متأكد إن مشاعرك مش موجودة؟"

أركان (بعصبية وهو يعدل ياقة قميصه): "مش موضوعي دلوقتي يا بابا! هي تستحق حد يحبها بجد، حد يبقى واثق من مشاعره، مش حد زيي مش عارف هو عايز إيه.."

عدلي (يحط إيده على كتفه، صوته مليان جدية): "وهو أنت مش عارف فعلًا؟ ولا بتكابر؟"

(أركان ما يردش، يفضل ساكت، لكن تعابيره كلها صراع، كأنه بيحارب فكرة مش عايز يعترف بيها.. عدلي يتنهد، يشاور بعينه ناحية ليلى اللي بتضحك وهي بتلاعب تاليا، الفرحة واضحة في وشها، لكنه يقدر يلمح الحزن الخفيف اللي مستخبي في عيونها.)

عدلي (بهدوء): "بص عليها.. بص على الضحكة اللي لسه فيها غصة.. على الفرحة اللي ناقصها حاجة.. ناقصها حد."

(أركان ياخد نفس عميق، يحاول ما يركزش في كلامه، لكنه غصب عنه بيبص.. وبيحس، وكل حاجة جواه بتتهز.)

عدلي (بصوت هادي لكنه حاسم): "أنت بتحبها.. متعندش مع نفسك، كفاية اللي فات.. كفاية تضيع كل اللحظات الحلوة دي، اللي مش هترجع تاني."

(أركان يحس بكلماته تضرب جواه.. يعرف إنه مش سهل يعترف، مش سهل يواجه نفسه، بس الأكيد إنه مش قادر ياخد خطوة للوراء.. ومش متأكد لو كان عنده الشجاعة ياخد خطوة لقدام.)

(أركان يسيب أنفاسه ببطء، عيونه متعلقة بليلى والتوأم، كلام عدلي مش سهل، بيهزه، بيفتح جواه حاجات كان بيحاول يقفلها.. يحاول يهرب من الحوار، لكنه يحس بإيد عدلي بتضغط على كتفه، تجبره يفضل واقف في المواجهة.)

أركان (بصوت هادي لكنه مش ثابت): "أنا مش عايز أظلمها.. مش عايز أخليها تعيش على أمل مش موجود."

عدلي (يبتسم ابتسامة صغيرة وهو يهز راسه): "وأنت فاكر إنك مش ظالمها كده؟  أنت محسسها إنك مش موجود، بتكسر قلبها وهي بتحبك وانت كمان بتحبها بس بتكبر نفسك عشان مقتنع بفكره انه مستحيل يحصل بس حصل كان نصيبك تحبها وتعيش كل اللي عيشته معاها

(أركان يشد حواجبه، يحس بجملة عدلي بتخبط فيه بقوة.. هو فعلًا واقف في النص، لا قادر يبعد، ولا قادر يقرب، حابسها معاه في نفس الدائرة اللي مش عايز يعترف بوجودها.)

عدلي (بهدوء وهو بيحط إيده في جيبه): "بس خليني أقولك حاجة.. مش كل مرة هتلاقيها مستنياك، مش كل مرة هتبص في عيونها وتلاقيك أنت فيها.. في وقت، لو فضلت زي ما أنت، هتلف تلاقيها مشيت، وتأكد ساعتها إن الندم مش هينفع."

(أركان يحس بحرارة الكلام، يحاول يتمسك بجدار البرود اللي عامله لنفسه، لكنه ينهار شوية.. عيونه ترجع لليلى، تراقبها وهي بتهزر مع أسماء وأميره، تاليا في حضنها، ورايان مع فوزية.. شكلها بقى مختلف، أمومتها زادت في ملامحها، في نظرتها، بس حاجة واحدة لسه زي ما هي.. قلبها، اللي كان دايمًا مليان بيه.)

أركان (بصوت خافت، كأنه بيكلم نفسه): "وأنا.. وأنا هعرف أحبها بالشكل اللي تستحقه؟"

عدلي (بابتسامة صغيرة): "إنت أصلاً بتحبها، بس مش راضي تعترف.. والحب عمره ما كان له شكل ثابت، المهم إنك تكون عايزها، وإنك تحاول."

(أركان يبلع ريقه، أول مرة حد يواجهه بالحقيقة اللي كان بيهرب منها،  يسيب نظره على ليلي للحظات، قبل ما يبعده بسرعة، كأنه خايف يتورط أكتر، خايف يعترف، خايف يقرب..)

أركان (يحرك راسه بإصرار): "لسه مش قادر يا بابا.. مش قادر."

(عدلي يبتسم بحكمة، كأنه متوقع الرد، لكنه مش مستعجل، يربت على كتف أركان بخفة، ويهمس له بكلمة أخيرة  قبل ما يسيبه للدوامة اللي بيدور فيها لوحده.)

عدلي: "لما تبقى قادر، يا ترى هتلاقيها لسه مستنياك؟"

(أركان يحس بقلبه بيضرب أسرع، ما يعرفش الرد، لكن اللي يعرفه إنه لأول مرة، الفكرة دي تخوفه.. لأول مرة، يحس إنه لو سابها تروح، مش هيقدر يرجّعها تاني.)

ــــــ&ـــــ

بعد مرور يومين 

أركان واقف قدام البحر، الموج بيضرب في الصخور بصوت هادي لكنه مستمر، الهوا بيلعب في شعره، والبرد بيقرص في ملامحه، لكنه مش حاسس بحاجة.. غير اللي جواه.)

(يحط إيده في جيوبه، يبص للأفق البعيد، كأنه بيدور على إجابة وسط المية، بس البحر زي عقله.. مفيش حاجة واضحة، كله متشابك، كله غامض.)

أركان (بصوت داخلي، وهو بيشد نفس عميق): "البحر واسع، زي المسافة اللي كنت فاكر إني خلقتها بيني وبينها.. بس الحقيقة إن المسافة دي ما كانتش موجودة غير في خيالي، في قلبي.. أنا عمري ما بعدت فعليًا."

(يمسك حجر صغير، يرميه في المية، يتابع التموجات اللي انتشرت، بالظبط زي اللي حصل جواه.. ليلى كانت الحجر اللي اترمى في حياته، هز كل حاجة، وماسابش حاجة مكانها.)

أركان (بصوت خافت، وهو يغمض عينيه): "أنا بحبها؟ طب حصل إمتى؟ إزاي؟"

(يفتح عينيه بسرعة، كأنه بيرفض الاعتراف، يحرك راسه بضيق، ويتمتم لنفسه.)

أركان: "الحب ما بيجيش كده.. الحب لازم يكون ليه مقدمات، مشاعر بتكبر واحدة واحدة، حاجات متخططة، مش مجرد لحظة تغير كل حاجة."

(لكن عقله يرد عليه بصورة ليلى وهي بتضحك في السبوع، وهي شايلة تاليا ورايان، نظرتها لما كانت بتبص لولاده، نبرة صوتها لما قالت اسمه بحنية.. قلبه يضرب بسرعة، وكأنه بيكذّب كل محاولاته للإنكار.)

أركان (يهمس، وكأنه بيسأل البحر): "طب لو ما كانش حب.. كان إيه؟"

 حس بنفس الشعور اللي غلبه لما شاف ليلى نايمة في أوضتها، ضعيفة بس عايشة، أمانه لسه موجودة في الدنيا.

وقتها بس فهم… الحب مش فكرة، الحب مش اسم بنت كبر وهو فاكر إنه بيحبها. الحب كان جوه قلبه طول الوقت، بس مش مع يارا.

(الهوا يشتد شوية، الموج يعلى كأنه بيرد، لكن أركان يفضل واقف، يحس بقبضة غريبة في قلبه، إحساس إنه كان بيحارب حاجة، لكنه خلاص بقى عارف.. هو عايزها، بجد.. مش مجرد رغبة، مش مجرد تعلق.. هو محتاجها تكون في حياته.)

(ياخد نفس طويل، يبص حواليه، يحس إن الدنيا فاضية من غيرها.. لو كانت هنا، كانت هتقعد ترمي رمل عليه وتضحك، كانت هتقول حاجة تهزر بيها، كانت هتبص له بالبصة اللي كانت بتلخبطه.. بس هي مش هنا.)

**أركان (يتمتم لنفسه بابتسامة حزينة): "وحشتيني..

صوت البحر لسه في الخلفية، لكن صوته بدأ يختفي لما صوت الرنة العالية قطع تفكير أركان. بسرعة طلع الموبايل من جيبه، ولما شاف اسم جده " الجارحي"  أخد نفس ورد بصوت ثابت، لكنه اتغير لما سمع الجملة الجاية.)

 الجارحي (بصوت حازم وجاد): "يلا يا أركان، المأذون هنا، هتطلق ليلى وتكتب كتابك على يارا، مفيهاش نقاش."

اي اللى هيحصل واي رد فعل اركان تفتكروا هيطلق ليلي!!؟ انتظروا البارت ال ٣٠

صلوا على النبي 

كيف تريدينه؟

= أريده لله ذاكرًا، وللفجر محافظًا، ولليل قائمًا، وللقرآن قارئًا، ولأرحامه واصلًا، وبأهله رحيمًا، وللخير فاعلًا، وبقلبي مقيم، ولي عاشق، ولحبي مُآمن، هكذا أريده. ❤️

-ادعو الله أن يزوجني وبنات المسلمين بزوج كرسول الله صلي الله عليه وسلم وكيوسف رضي الله عنه وارضاه ❤️

الكاتبه ياسمين عطيه 

البارت ال ٣٠

زواج في الظل 

الجارحي (بصوت حازم وجاد): "يلا يا أركان، المأذون هنا، هتطلق ليلى وتكتب كتابك على يارا، مفيهاش نقاش."

**(الدنيا لفّت بيه، للحظة حس إنه مش سامع غير صدى الكلام في دماغه، كأن جده بينهي كل حاجة بكلمة.. يطلق ليلى؟ 

 لحظة صمت قاتلة، البحر اللي كان بيجاوبه على أسئلته بقى ساكت، الهوا اللي كان بيخبط في وشه بقى مالوش تأثير.. أركان واقف متجمد، الموبايل في إيده، والجملة الوحيدة اللي بتلف في دماغه: "هتطلق ليلى"

(الحاجة اللي كان هربان منها، اللي كان بيقنع نفسه بيها، اتحولت لحقيقة، مش مجرد فكرة بتيجي وتروح.. دلوقتي القرار في إيده، والوقت مش في صالحه.)

(قفل المكالمة بسرعة من غير ما يرد، مفيش وقت للكلام، أول حاجة عملها إنه جري نحية عربيته، فتح الباب بقوة، ركب وداس بنزين بكل سرعته، مش شايف الطريق، مش حاسس بالدنيا، هو بس عارف إنه لازم يوصل، لازم يلحق.. قبل ما كل حاجة تضيع منه.)

بص لنفسه، للملامح اللي حافظها كويس، بس النهاردة حاسس إنه مش عارفها. كأنه شخص تاني... شخص تايه.

همس بصوت واطي كأنه بيكلم نفسه:

"انا لو حبيت يارا بجد، مكنتش مشاعري اتحركت لليلى..."

الحروف طلعت من بُقه ببطء، كأنها اعتراف بيهزم كل اللي كان فاكر إنه عارفه. قلبه دق بسرعة، أسرع من الطبيعي، كأنه أول مرة يسمع الحقيقة بصوت عالي.

كمل كلامه، عينه بتلمع بشيء بين الخوف واليقين:

"مكنتش ازعل لفكرة إنها هتبعد عني..."

كتم أنفاسه لحظة، كأنه بيستوعب، كأنه كل تفصيلة صغيرة كان بيتجاهلها بتضرب في وشه دلوقتي. جسده كان متوتر، إيده شدت على حرف، صوابعه بيضغطوا بقوة كأنه بيتشبث بحاجة تمنعه من الانهيار.

"اللي عاشته مع ليلى مش هقدر أتخطاه بسهولة..."

كأنه قالها لأول مرة، كأنه دلوقتي بس فهم، حرك رأسه ببطء، عينيه كانت شاردة، بس عقله كان مليان بيها... ضحكتها، كلامها، لمستها ، نظرتها لما كانت بتتألم بسببه.

بلع ريقه، صدره ارتفع ونزل بنفس بطيء، لكنه حس إن حاجة تقيلة كانت قاعدة على قلبه، وبدأت تتفكك.

"مش هقدر أكمل حياتي عادي من غيرها..."

عقله كان بيرجع لكل لحظة عاشها معاها.

رفع إيده وحطها على صدره، كأنه بيحاول يحس بالفراغ اللي سابته، كأنه بيقيس المسافة اللي ما بينه وبينها، واللي رغم بعدها، كانت أقرب حاجة ليه.

بص لنفسه تاني في مراية العربيه، بعيون مليانة يقين. سأل نفسه، بس المرة دي كان عارف الجواب:

"تحب تكمل مع مين؟"

ولأول مرة، من غير أي تردد، عقله وقلبه جاوبوا بصوت واحد:

"ليلى."

وأخيرًا...

مكنش محتاج يقنع نفسه أكتر، مفيش جدال ولا صراع جواه، الحقيقة كانت واضحة زي الشمس... هو محبش غير ليلى من البداية، حتى لو أنكر، حتى لو حاول يهرب، قلبه وعقله أخيرًا اتفقوا—هي وحدها اللي ملكت روحه من الأول للآخر. ️

إيده كانت مشدودة على الدريكسيون، صوابعه بيضغطوا عليه بقوة كأنه لو سابه لحظة، الدنيا هتفلت منه، زي ما ليلى بتفلت من حياته دلوقتي.

العربية كانت بتجري في الشارع بسرعة جنونية، الكاوتشات بتصرخ مع كل لفة حادة بياخدها، بس مكنش فارق... أي حاجة تهون إلا إنها تضيع منه.

عينه كانت مسلطة على الطريق، بس عقله كان هناك... عندها. عند نظرتها الأخيرة ليه، عند الحزن اللي كان بيغرق عنيها، مش هيقدر يستحمل بعدها. قلبه كان بيدق بسرعة، أسرع حتى من سرعة العربية اللي بتشق الطريق.

"اطلقها؟" الكلمة لسه بتدوي في دماغه كأنها صفعة. كأنها سكين مغروس في صدره. جده ممكن يطلب اللي هو عايزه، الدنيا كلها ممكن تضغط عليه، بس مستحيل... مستحيل يسيبها.

نفسه كان تقيل، عينه بتلمع بالغضب والتصميم، داس على البنزين أكتر، كأن السرعة هي اللي هتوصله ليها قبل ما يفوت الأوان.

"استنيني يا ليلى... أنا جايلك."

الكباري، الشوارع، الإشارات، كل حاجة كانت بتعدي جنبه بسرعة، عقله مش شايف غير صورة واحدة... هي، وهي بتمشي بعيد عنه، وهي بتبعد، وهي بتختفي.

حس بحرارة في عينه، بغصة في حلقه، بألم في صدره مش عارف حتى يترجمه... كل اللي كان حاسه إنه لازم يوصل، لازم يلحقها، قبل ما تضيع منه للأبد.

عينيه كانت تعبانة، حمرا من قلة النوم والتفكير. نفس تقيل خرج منه، إيده رفعتها ومسحت وشه بعنف كأنه بيحاول يصحى من دوامة المشاعر اللي ساحباه لتحت. بس مهما حاول، الحقيقة كانت بتفرض نفسها عليه.

(على الجانب الآخر، في بيت ليلى، كل الناس متجمعة، الجو مش جو فرح، بالعكس.. هدوء غريب، نظرات حزينه متبادلة بين الكل، ليلى واقفة في النص، ماسكة نفسها بالعافية، عنيها بتلمع بس مش بتتكلم.. المأذون قاعد، الورق قدامه، الجارحي قاعد بملامح صارمة، جنبه عدلي وعماد، وفريده 

يارا واقفة جنب أمها غادة

(أميرة، أخت ليلى، كانت واقفة جنبها، حاسة بارتباك أختها، قربت منها ووشوشتها بخوف.)

أميرة (بهمس): "ليه ساكتة؟ قولي أي حاجة، رافضة، معترضة.. متسكتش كده."

(ليلى تبص لها نظرة قصيرة، وبعدين تنزل عينيها، إيديها مشدودة على بعضها، قلبها بيخبط في صدرها، لكن صوتها لما خرج، كان هادي بطريقة غريبة.)

ليلى (بهدوء حزين): "أنا ماليش رأي.. مش دي النهاية اللي كانت معروفة من الأول؟"

(فوزية، أم ليلى، كانت قاعدة على كرسي بعيد، ماسكة تاليا ورايان في حضنها، بتبص للي بيحصل بحزن، قلبها مقبوض، عايزة تقول حاجة، تعترض بس مافيش حاجه في ايديها)

(في اللحظة دي، صوت فرامل عربية جامد برا قطع الصمت، كل العيون اتوجهت ناحية الباب، وبعد لحظات.. الباب اتفتح بعنف، وظهر أركان.)

(واقف، صدره بيطلع وينزل بسرعة من الجري، عينيه بتلمع بشيء غريب، لكنه ما بصش لحد.. غير ليلى.)

(بينهم مسافة، لكن عنيهم قالت كل حاجة.. ليلى حست إنها أول مرة تتنفس من ساعة ما بدأ الموضوع، وأركان لأول مرة يلاقي إجابة لكل الأسئلة اللي كانت شغلاه.. الإجابة كانت قدامه، في عنيها، في رعشة شفايفها، في إحساسه لما لقاها على وشك إنها تخرج من حياته للأبد.)

الجارحي (بحدة وهو يرفع حاجبه): "اتأخرت، المأذون مستنيك، اقعد خلص الورق."

(لكن أركان، لأول مرة، ما سمعش كلام جده.. لأول مرة، ما فكرش في أي حاجة غير حاجة واحدة.. إنه مش هيمشي في الطريق ده، إنه مش هيسيبها، وإنه حتى لو مش مستعد يعترف لنفسه، فهو عارف إن القرار ده لازم يكون هو اللي ياخده.. مش حد غيره.)

(بخطوات واثقة، رغم التوتر اللي في قلبه، أركان اتحرك.. لكن مش نحية المأذون، اتحرك نحية ليلى.)

أركان (بصوت واضح، قوي رغم كل اللي حاسس بيه): "أنا مش هطلق."

(لكن صوته يختفي، إيده تتحرك لا إراديًا، وفجأة يقوم.. يقرب منها بخطوات سريعة قبل ما تفهم أي حاجة، يشدها في حضنه بقوة، يحضنها كأنه بيحميها من العالم كله، يبوس راسها وهو صوته بيهتز.)

أركان: "أنا مش هطلقها.. مش هسيبها.. مش هبعد عنها أبداً!"

(ليلى تتجمد، تحس بضربات قلبه السريعة على خدها، تشد نفسها من حضنه وهي مش مصدقة، تبص له بعينين واسعة، تحاول تقرأ اللي جوه عينيه.)

ليلى ( بصدمه): "بس ازاى إنت مش بتحبني ."

(أركان يتشنج، كأنه اتضرب في مقتل، يقرب منها خطوة، صوته يكون هادي لكنه مليان غليان جواه.)

أركان: "ومين قال لك إني ما بحبكيش؟"

(ليلى تتجمد، تتنفس بصعوبة، تضحك بسخرية حزينة، تلف تبص له عن قرب.)

ليلى (بمرارة): "بجد؟ طب قولها تاني.. قولها وأنت باصص في عيني، وقولها وإنت مصدقها، وإنت مش بتقولها عشان اي سبب غير انك.بتحبني بجد."

(أركان يفضل ساكت للحظة، لكنه يقرر إنه ميهربش، يقرب أكتر، يحط إيديه على وشها، يجبرها تبص له، وعينه تكون مليانة بكل اللي كان حابسه طول الوقت.)

أركان (بصوت متحشرج ومليان إحساس): "بحبك.. بحبك من قبل حتى ما أفهم إني بحبك، بحبك رغم إني ما كنتش عايز، رغم إني كنت بهرب، رغم كل حاجة، بس الحقيقة الوحيدة إني ما أقدرش أتخيل حياتي من غيرك."

أركان (ينظر لها بعيون مليانة إحساس لأول مرة من غير هروب): "بحبك.. بحبك يا ليلى، ومش مستعد أفقدك عشان أي حد في الدنيا!"

(المأذون يرفع حاجبه، وعدلي يبتسم بهدوء، كأنه كان مستني اللحظة دي تحصل من بدري، بينما ليلى تحس إن الأرض بتلف بيها.. أخيرًا سمعتها، أخيرًا اللي كانت مستنياه جه)

ليلى مش قادرة تستوعب، مش مصدقة اللي بيحصل. إمتى؟ إزاي؟ عمره ما قال، ولا حتى تصرفاته كانت بتوحي بكده. خوفها مسيطر عليها، خايفة تفرح، خايفة تصدق وتطلع مجرد وهم... لكنه مش وهم.

أركان سحب إيدها بحنان، باسها قدام الكل، بصوت مليان ندم ولهفة:

"حقك عليا لو كنت اتأخرت إني أقولها ليكي... بس أنا مكنتش أعرف يعني إيه حب، غير لما حسيت بيه معاكي. كان صعب عليا أميز، أفهم إن كان دا حب ولا لا، بس دلوقتي هقولك اللي عرفته عن الحب، وانتي احكمي... هتديني فرصة أعوض اللي فات ولا لا؟"

"الحب مالوش سبب، سألت نفسي مليون مرة بحبك ليه؟ ملقتش إجابة... وبيقولوا إن هو دا الحب، اللي ملوش سبب ولا تفسير، عشان لو كان له سبب، ممكن السبب يختفي، لكن أنا... عمر حبي ليكي ما كان له بداية عشان يكون له نهاية.

الحب مش عشان شكل، وانتي في عيني أحلى من القمر... مش عشان مظاهر وفلوس، رغم إني أغنى واحد في الدنيا، بس أنا فقير من غيرك. الحب عشان قلب... وأنا قلبي اختار قلبك، يا ست البنات، يا ملكة قلبي.

الحب هو إني مقدرش على بعدك، إني أتجنن لما تبعدي... الحب هو إن حياتي مش هتكمل غير بيكي ومعاكي. الحب هو انتي يا ليلى، يا عشقي الوحيد. بحبك، وعشقي ليكي عدى كل حدود الحب."

عينه كانت مليانة دموع، كانت رجفته واضحة، واقف قدامها زي مسجون مستني حكم البراءة منها، زي طفل مستني أمه تسمح له يعمل أكتر حاجة بيحبها، زي عاشق متقدم لحب عمره وخايف يترفض.

الدموع كانت مالية عنيها، وعين كل اللي واقفين... قبل ما تفكر، جريت عليه، رمت نفسها في حضنه، مش مصدقة، دا حلم، حلم أجمل من كل الأحلام، لكنه حقيقي، اللحظة دي حقيقية أكتر من أي حاجة عاشت فيها قبل كده.

أركان شالها قدام الكل، ضمها وكأنها أغلى حاجة عنده في الدنيا.

ليلى بكسوف، بصوت مخنوق:

"يا أركان... بس بيبصوا علينا!"

أركان، وهو عيونه بتلمع بحب وعشق:

"أحلى أركان سمعتها في حياتي كلها... وبعدين ما يبصوا! من النهاردة، مفيش كسوف... أنا لما بحب، مبكسفش أعبر عن حبي قدام حد. أنا مكنتش كده، بس معاكي انتي غير... مش عارف عملتي فيا إيه يا ليلتي."

ليلى احمرت خدودها أكتر، دفنت وشها في صدره، الأمان الوحيد اللي حست بيه في الدنيا كلها.

ضحك أركان على كسوف ليلى، لكن وهو بيضحك، عينه جت في عين يارا... والغريب إنها كانت بتضحك، عيونها مليانة فرحة وسعادة.

بص حواليه، لقى جده واقف فرحان، والمأذون كان مشي... إيه اللي بيحصل؟

ليلى خرجت من حضنه وهي بتستوعب وجود يارا، فجأة قلبها اتقبض، لأنها عارفة الإحساس ده كويس... شبه جربت الوجع ده قبل كده. الدنيا كانت بتنسحب من تحت رجليها يوم ما شافت حب عمرها مع حد تاني، فإزاي تسيب يارا تعيش نفس الألم؟!

بعدت وسابت مساحة لاركان...  اللي كان بينه وبين يارا كبيرة، وهو كان سيبها وهي خطيبته، واللى بينهم عشرة عمر، قرايب وصحاب من الطفولة، وقصة حب كانوا فاكرينها حقيقية.

كان في وعد بينهم، وعد بالرجوع، لكنه بقى مجرد ذكرى قديمة.

دلوقتي، هو ملزوم باعتذار، لازم يعتذر لها، سواء سامحته أو لأ.

مينفعش يسبها تعيش الوجع ده كله لوحدها،وتفتكر العيب فيها.

أركان قرب منها، وعينه مليانة أسف ووجع:

حقك عليا... أنا آسف، إنتِ كنتِ قايلة إن هيجي يوم أعتذرلك فيه، هو ده اليوم انا آسف..  بترجاكي، يا يارا، تسامحيني. قلوبنا مش بإيدينا، وأنا مقدرش أشوفك موجوعة بسببي وأنا عايش حياتي مبسوط.

بص لها بصدق، وحاول يلاقي أي أثر للحزن في عيونها:

شوفي عايزة إيه، وأنا هعمله. لو تحبي أخد مراتي ونبعد عن الفيلا، أنا موافق. لو عايزة أسيب المحافظة كلها، البلد كلها، أنا موافق.

المهم... متكونيش تعيسة بسببي.

عمر ضحك بصوت عالي:

كفاية كده يا يارا، حرام عليكي الواد!

يارا رمقته بنظرة جانبية وهي بتغمزله بمكر:

إنت شايف كده يا حبيبي؟

أركان وقف مصدوم... إيه؟!

بتضحك؟! مش زعلانة؟! مش موجوعة؟!

بص لها بذهول، بس الصدمة الأكبر لما سمعها بتنطقه بالكلمة اللي علقت في دماغه... "حبيبي"؟!

عقله ما استوعبش على طول، بس لما بص على عمر، شافه ماسك إيدها...

عمر ابتسم بمرح وقال كانوا بيردوها ليك:

 سامحني بقى يا صاحبي، قلوبنا مش في إيدينا.

يارا ابتسمت بحنان:

الفتره اللي غبتها يا أركان كانت كبيرة جدًا... حاجات كتير بانِت واستوعبتها. إحنا ما حبناش بعض، إحنا أجبرنا بعض على بعض عشان فتحنا عينينا على بعض من وإحنا صغيرين. فاتوهنا، ومشاعرنا تاهت معانا... مشاعر الإخوات اللي اتربوا مع بعض، مشاعر الصحاب، مشاعر إن كل واحد فينا ملوش غير التاني،كل دا دخل في بعض ومكناش عارفين إحنا إيه بالنسبة لبعض، الحب الحقيقي كان أبعد ما يكون عن اللي عشناه.

سكتت لحظة، وبصت لعمر بحب واضح:

أنا الحب الحقيقي عرفتُه على إيد عمر، وأنت كمان عِشت المشاعر دي مع ليلى. يمكن كل ده حصل عشان كل واحد يلاقي نصه الحقيقي... الحب اللي يكمله بجد.

أركان أخيرًا ابتسم بصدق، وقلبه كان مرتاح لأول مرة:

صحاب وإخوات لآخر العمر؟

يارا مدت إيدها وهي بتضحك:

صحاب وإخوات لآخر العمر!

أركان مد إيده بفرحة وراحة: "صحاب وإخوات لآخر العمر." بص لعمر بجدية مصطنعه: " الولد الواطي ده لو زعلك، تعالي ليا على طول... هطلع عينه."

عمر رفع إيده بمرح:

هو أنا كده الصاحب الخاين اللي حب حبيبة صاحبه ولا أنا  بريء؟!

أركان حاول يبقى جدي وهو بيكتم ضحكته:

حسابك معايا كبير، قوي! كل يوم بتكلمني، ومافيش مرة تحكيلي أي حاجة؟!

عمر رفع كتفه بمرح:

كنت حابب اقرطسك !

أركان كان هيجري وراه بس لقى عمر مستخبي ورا جده... وقف، وبص له بنظرة امتنان:

إنت عملت كل ده عشان تجمعني بيها؟

جده ابتسم بحنان:

البركة في أبوك! قعد يقولي إنت بتحبها قد إيه، وإن روحك فيها، بس لاول مره في عمرك بتكابر للدرجة دي... فاتفقنا نعمل كده عشان "الجبل يتحرك".

وكمل بضحك، ضحكة خلت أركان يحس إن الموضوع أكبر منه، بص له بجدية، لكن نبرة صوته كان فيها لمحة خفة دم نادرة.)

الجارحي: " عملنا خطة يا بني.. أنا وباباك اللي خططنا لكل ده، عشان تعترف وتعيش مبسوط مع مراتك اللي بتحبها، ومع أولادك اللي محتاجينك."

أركان حس قلبه بيضرب بقوة، ضحك وهو بيحضن جده بحب:

شكرًا يا حبيبي...

وبعدها راح ناحية عدلي، مسك إيده وباسها:

إنت أحسن أب في الدنيا... يا بختي بيك، يا حبيبي.

عدلي بص له بفرحة، وعينه لمعت بدموع الفرح:

ربنا ما يحرمني منك... يا سندي في الدنيا.

فريده بصت عليهم بضحك:

وأنا مليش نصيب من الأحضان والبوس ده؟!

أركان وعدلي شدوه لحضنهم هما الاتنين، وباسوا إيديه ورأسه.

فريدة بصت لليلى، وكانت الدموع في عينيها:

على قد ما كنت رافضة الجوازة دي... على قد ما شايفاك مبسوط للدرجة دي.

بصت لأركان اللي السعادة كانت بتنط من عينيه، رجعت تبص لليلى، وابتسمت:

طالما سعادتك في وجودها... يبقى مليون أهلاً وسهلاً بيها وسطنا.

ليلى بصت عليهم وهي فرحانة لدرجة إنها مش مصدقة... العالم كله صغير على فرحتها، اللحظة دي... هي أسعد واحدة في الدنيا.

لحظة بعد اعتراف أركان،  الكل ابتسم، الملامح اللي كانت متوترة اتحولت لراحة، واسماء كانت أول واحدة كسرت الصمت بزغروطة مدوية، وقالت بفرحه ومرح"ياه الجبل أخيراً نطق"

كلهم ضحكوا

أركان قرب من ليلى وسحبها في حضنه، وبعدها اتحرك ناحية فوزية، عينه مليانة أسف وصدق وهو بيقول:

– أول حاجة، أنا آسف على كل اللي عملته في ليلى، وعلى الوجع اللي سببته لها... ممكن تسامحيني؟

فوزية عنيها كانت مليانة فرحة، لكن الدموع غلبتها وهي بترد بحنية:

– مسامحاك يا حبيبي... انت يوم فرحك قولت لي إن ليلى في أمان، وكنت قد الوعد، حميتها بروحك وقلبت الدنيا لما تأذّت، وأنقذتها هي وأولادك... مش هلاقي لبنتي حد يحبها زيك.

وقفت قدامه، نظرتها كلها رجاء:

– أوعدني بس إنها تفضل فرحانة وكويسة، وخدها معاك وانت ماشي، وربنا يبارك لك فيها وتعمر بيتك بالخير والسعادة عليك وعلى أسرتك.

أركان مسك إيديها بحنية وقال:

– أنا متأكد من ده... ليلى بنت أصول، وتربية ست عظيمة زيك، فطبيعي إنها تكون زوجة وأم عظيمة... ليلى في أماني، في حضني، في قلبي، وفي عيني...لو الأرض مش هتشيلها، هشيلها أنا العمر كله.

فوزية ابتسمت بسعادة:

– ربنا يسعدكم يا بني ويبعد عنكم العين.

أميرة كانت واقفة بتراقب المشهد، لكن نظرتها الحادة خفت شوية وهي بتقول بتهديد مرِح:

– عارف لو زعلتها، هسيبك لخيالك تعرف أنا ممكن أعمل فيك إيه! ولو منعتها تيجي تشوفنا، أو احنا نشوفها... انت حر، بس هتشوف جناني، أنا مجنونة، خلي بالك!

أركان ضحك وقال بمزاح:

– واضح، واضح... على العموم، مفيش مهمات تاني، وليلى في بيتي، وقت ما تحبوا تشوفوها رنّوا عليا، وهبعت عربية تجيبكم لحد عندها، وهي كمان وقت ما تحب تيجي لكم، عربية هتجيبها لحد هنا.

أميرة رفعت حاجبها بتهكم:

– أهو كده! كان فين الشخص الجميل ده من زمان؟ كان لازم يعني نقولك طلقها؟

ليلى شدت أميرة من إيدها بإحراج:

– خلاص بقى، يا أميرة!

أسماء دخلت على الخط بابتسامة جانبية:

– سيبيها تطلع عليه القديم والجديد... الواد ده جنني، يعمل حاجة أقول بيكرهها، ملحقش ألف ألاقيه بيعمل حاجة تانية أقول بيعشقها!

نظرت لأركان بمكر:

– عارف ساعة ما سابك في المستشفى وقال "أنقذوا الأطفال"، فضل مستخبي على جنب لحد ما الدكتور قال إنكم إنتِ والأولاد بخير، ممشيش غير لما سمع الجملة دي، وبعدها جيه وقف بالساعات قدام أوضتك وحضانة الأولاد... فمنين مش عايزك وابعدي عني، وهو بيعمل كده؟ اعترف بقى!

أركان ضحك:

– عارفة لولا ليلى، كنت عملت فيكي إيه؟

أسماء تحدته بمكر:

– عملت إيه، يا سعيد؟ فاكرني هخاف؟

ليلى قربت من اسماء وهمست بمزاح:

– ده أركان، مش سعيد يعني... ظابط، ممكن يحبسك يومين كده في أمن الدولة، ومش هنقدر نوصل لكِ، عملها معايا قبل كده!

أسماء شهقت بدهشة وهي تهمس لليلى بمرح:

– بجااااااد؟!

ليلى بمرج هزت رأسها بتأكيد:

– بجــاااااااد

أسماء ضحكت بخجل وهي تؤدي التحية العسكرية لأركان بسخرية:

– إحنا آسفين يا حضرة الظابط!

أركان عدل ياقة قميصه بتفاخر مصطنع وقال بجدية ساخرة:

– أهو كده، اتظبطي!

فوزية ضحكت وقالت:

– كفاية بقى، يا أسماء انتي وأميرة! خد ليلى وعيالك، وابدوا حياتكم، وربنا يبارك لكم ويسعدكم.

أركان مال على فوزية وخد منها "ريان"، وأميرة قربت وادّته "تاليا"، كان واقف مصدوم، قلبه بيدق بسرعة، حاسس إنهم شايلين أغلى حاجة في الدنيا... كل فرحة في حياته كانت في اللحظة دي.كان واقف مصدوم، قلبه بيدق بسرعة. قال: "ليلى تيجي تشيلهم." وزنهم خفيف، أخف من الريشة، لكن بالنسباله كانوا شايل أغلى حاجة في الدنيا... كل فرحة فيها، كل لحظة سعادة عاشها.قوم وفرحته، وهو شايل حتة منها. قوم تاني، كان نفسه ياكلهم من حلوتهم. كل حاجة فيهم حلوة... كفاية إنهم من "ليليته ."

ليلى دخلت مع أسماء وأميرة وفوزية تلم هدومها وهدوم الأطفال، اللي أركان كان جابها من المهمة على بيت أهلها... دلوقتي هيروحوا لمكانهم الأصلي والدائم.

وهي بتلم حاجتها، بصت لأسماء بحب وقالت:

– أنا مديونة لكِ بألف شكر واعتذار واحد... حقك عليا إني خبيت عليكِ اسمي، بس كل حاجة كانت حقيقية. أنا بجد حبيتك، وحبي كان حقيقي، اعتبرتك أختي، وونسي، وأماني... عوضتيني عن غياب ماما. وأميرة، أنتِ نعمة ربنا رزقني بيها عشان تطبطب على قلبي.

أسماء دموعها نزلت وهي ترد بحب:

– وأنا مش عارفة هعمل إيه في حياتي من غيرك، مقدرش على بعدك يا ليلى... اعتبرتك أختي، وكل اللي ليا. اللي عدينا بيه مع بعض خلانا واحد مش اتنين.

ليلى بدموع:

– هنفضل مع بعض العمر كله، حتى لو مش جنب بعض. هتيجي لي دايمًا، وأنا هجيلك، ولو يوم معرفناش، فـهنتكلم"فيديو كول".

أسماء حضنتها بقوة:

– اتفقنا!

ليلى باسَتها من خدودها وهمست:

– اتفقنا.

ومع خروج ليلى، صوت عياط الأطفال ملأ المكان، أركان مسكهم وفضل يبوس فيهم ،ومش راضي يسبهم لحد  يهديهم ابدا.

ضحكت ليلى وهي بتاخدهم منه وقالت بمزاح:

– فضلت تبوس فيهم لحد ما زهقتهم منك، ليه يا أركان كده؟

أركان همس بجانب أذنها بمكر:

– مسكرين قوي يا ليلى، وريحتهم حلوة... أنا عايز آكلهم!

الكل انفجر ضحك، وليلى وشها احمر واتكسفت، فوزية ضحكت وقالت:

– خد مراتك وامشي بقى، يا بني!

أميرة بمزاح:

– آه والنبي، يلا، مش ناقصين جفاف عاطفي! أنا جوزي مسافر دبي، ومعانا واحدة "سنجل" هنا، وواحدة لسه هتتجوز!

أسماء ضحكت وقالت:

– يلا بقى، بدل ما نرزعكم عين، تفضلوا تدبّوا في بعض دلوقتي!

الكل ضحك، وليلى ودعتهم، وخرجت مع أركان، يبدأوا حياتهم الجديدة مع بعض.

ــــــ&ــــــ

في الفيلا، وتحديدًا في غرفة أركان، اللي لسه داخلها مع ليلي...

ليلي وهي بتبص حوالين الأوضة، حسّت بمشاعر متضاربة :"مكنتش متخيلة إنها هتيجي هنا تاني"

أركان بابتسامة دافئة:

"إنتي مش بس جيتي؟ إنتي هتعيشي هنا طول العمر معايا وفي حضني."

ثم أكمل بجدية:

"إحنا هنعيش هنا مؤقتًا، بس لو حابة نجيب شقة لينا لوحدنا، بكرة تكون جاهزة. كنت بجهّز فيلا أنا ويارا، بس أكيد مش هخليكي تعيشي في مكان حد تاني اختار كل حاجة فيه. فهنجهّز واحدة جديدة مع بعض."

ليلي حطت إيديها على خده بكسوف، صوتها كان ناعم وهي بتقول:

"حبيبي، أنا مش فارق معايا أوضة، أو شقة، أو حتى قصر... طالما معاك، الدنيا كلها جنة بالنسبالي. وأنا هستريح وهفرح لو عشت هنا وسط عيلتك، اللي بيحبوك وبيحبوا ولادنا، وهيحبوني ويكرموني عشانك. وبعدين، إنت ابنهم الوحيد، عايز تسيبهم وتحسسهم بالوحدة؟ أنا عن نفسي مش عايزة كده، وعايزة عيالي يكبروا وسط عيلة تحبهم وتحضنهم."

أركان وهو بيحضنها بحب:

"إنتي كنتي مستخبية فين مني؟ إيه الجمال والقلب الطيب ده؟"

ثم ابتسم بمكر:

"بس وبس على شفايفك، ولا شفايفك اللي بتقول كلام زي السكر؟"

ليلي ضحكت، وخرجت من حضنه بسرعة...

أركان ضحك:

"اهربي اهربي... بس هتروحي مني فين؟ مش هسيبك، هتلفي تلفي وترجعي لحضني مكانك."

غمز ليها، ودخل الحمام يغيّر هدومه. ليلي حطت إيديها على خدودها، حسّت بسخونة بتنتشر في جسمها، وتمتمت لنفسها بخجل:

"هو اتعلم قلة الأدب دي فين؟! لا لا، أنا عايزة التقيل البارد اللي بيتكسف... المحترم ده."

لكن افتكرت نسخته القديمة، وابتسمت بمرح:

"لأ، خلاص، مش عايزة... بس والله بحبه في كل حالاته."

ضحكت بهدوء على نفسها.

خرج أركان من الحمام، لقاها غيّرت للأولاد وبتُرضّعهم، فاقترب منها وقال بلطف:

"تحبي أجيب سرير للأطفال ونحطه هنا في الأوضة؟"

ليلي بحزم:

"لا، ماليش في الجو ده. عيالي يناموا جنبي في حضني، أنا أم مصرية تقليدية أصيلة."

ليلي ضحك:

"طيب، اتخيلي كده في عز الشتا، واحد فيهم صحي بيعيط... مين اللي هيقوم من تحت البطانية في التلج يجيبه؟"

اركان بابتسامة واثقة:

"أنا طبعًا."

ليلى بحب : "لا، برده ولادي يناموا في حضني."

أركان بضحك وزعل مصطنع:

"وأنا أنام في حضن مين بقى؟"

ليلي بكسوف، وبصوت بالكاد مسموع:

"في حضني برضه..."

أركان قرب منها، صوته بقى أهدى وأعمق:

"عايز أسمعها تاني..."

خدود ليلي احمرّت، وشاورت على حضنها بخجل:

"ده مكانك... إنت وريان وتاليا، دول حتة منك وأغلى حاجة عندي... وإنت حبيبي وكل اللي ليا."

أركان بص لها بحب:

"أنا مش قادر أستحمل، ونبي نجيب سرير للأطفال! مش هينفع يناموا بينا، زي خط بارليف كده! يعني بعدين هيبقى في أحضان، وبوس، وحاجات كده مش هينفع يشوفوها."

ضحكت ليلي بصوت ملأ الأوضة، وضربته على صدره بخفة:

"بطل قلة الأدب!"

أركان ضحك:

"بضحكتك دي لازم أجيب سرير أطفال، وانسي موضوع إني أبطل قلة الأدب، ده احنا لسه هنبدأ!"

خد الأطفال منها، نيمهم في عرباتهم، وقرب منها، باس إيدها بحب وقال بصوت دافئ:

"لسه زعلانة مني؟ أو بسببي؟"

ليلي هزت راسها بمعنى "لأ"، فقال أركان بألم:

"يوم ما اخترت الأولاد، صدقيني كل خلية فيا كانت مختاراك إنتِ..."

ليلي حطت إيديها على بوقه بلطف:

"أنا قلتلك أنقذهم، يا عيني أنا اللي طلبت منك... عارف لو كنت اخترتني أنا، عمري ما كنت هسامحك، وكنت هزعل منك بجد. أنا استحملت كل حاجة عشانهم، وكان حلم عمري أشوفهم منورين الدنيا... فالحمد لله إنك اخترتهم، والحمد لله إن ربنا كتبلي عمر جديد."

أركان بص لها بحب، وباس راسها بحنان:

"ربنا ما يحرمنيش منك، ويباركلي في عمرك وعمرهم، يا حبيبتي."

كلمة "حبيبتي" هزّت ليلي من جواها، خلتها تحس بحاجة غريبة. رفعت عينيها له بكسوف، وقالت بمرح:

"هو انت نزّلك تحديث جديد وأنا مش واخدة بالي؟! إيه الكلام الرومانسي ده؟ مش لايق عليك خالص!"

أركان وهو بيخلع التشيرت وبيدّعي الصدمة:

"مش لايق؟! يالهوي، إزاي؟! لا، ده موضوع كبير، تعالي نتأكد منه."

ليلي اتكسفت، وقالت بتحذير:

"أركان! بجد، أنا بتكسف..."

أركان بص لها بابتسامة ماكرة:

"حلو أوي الكلام ده! يعني إحنا لسه عرسان جداد، والعرسان الجدّاد بيتعودوا على بعض، صح؟"

قرب منها أكتر، همس عند ودنها:

"وأنا بقى ناوي أتعوّد عليكِ النهارده..."

أركان، صوته كان مليان شوق وهو بيهمس: "أنا مش هقدر أمنع نفسي أكتر من كده... رصيد المنع خلص عندي، منعت نفسي كتير عنك ومش قادر أستحمل. بس لو عايزاني أبعد، هعمل اللي أنتي عايزاه."

ليلى  قلبها كان هينفجر، ومع كل بوسة كان يسيبها على وشها، كانت بتحس إن كل مقاومتها بتنهار. دابت من لمسته وشفايفه، لكنها ما قدرتش تبعد، بالعكس، قربت أكتر، عايزة أكتر...كانت آخر حاجة ممكن تخليها تنطق بكلمة "لا"... دي روحها فيه، عايزاه، ومحتاجة قربه أكتر.

أركان بص في عينيها، سألها بهدوء لكنه مليان رغبة: "أبعد؟"

ليلى، بكسوف، هزّت راسها بمعنى "لا"...

سعادة الدنيا كلها مَلت قلبه، وضحكته كانت مليانة حب وهو بياخدها لعالمهم.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني.

"اللهم اغفر لأبي، وارحمه، وعافه، واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، واجمعنا به في جنتك يا أرحم الراحمين"

الكاتبه: ياسمين عطيه 

البارت ال ٣١

زواج في الظل 

في شرفة الفيلا بعيد عن الضوضاء، البحر قدامهم صافي وهادئ، بس جواهم كان في زلزال من المشاعر اللي استنت كتير عشان تتقال. ليلى واقفة قدامه، عنيها مليانة دموع مش قادرة تصدق، وإيده اللي ماسكة إيديها لأول مرة من غير تردد، لأول مرة كأنه مش ناوي يهرب.)

ليلى (بصوت مرتعش وهي تحاول تتنفس وسط المشاعر اللي خنقاها):

"أنا مش مصدقة.. إحنا مع بعض دلوقتي؟ هو أنت بجد؟"

(أركان بيبصلها بنظرة مختلفة، نظرة ما كانش يسمح لنفسه بيها قبل كده، كان دايمًا بيخبي، دايمًا بيبعد، بس خلاص.. مفيش حاجة تمنعه دلوقتي. قرب منها خطوة، وإيده الثانية مسحت دمعة هربت من عينيها.)

أركان (بصوت هادي لكنه مليان إحساس ):

"أنا أكتر واحد تعبك، وأكتر واحد خلى حياتك جحيم.. وأكتر واحد كان خايف يعترف إنه محتاجك. بس خلاص، مبقتش قادر أهرب، ولا قادر أعيش بعيد عنك."

**(ليلى حست بقلبها بيدق بسرعة، نفس الكلمات اللي كانت بتتمناها ، نفس الاعتراف اللي حلمت بيه، بس دلوقتي لما سمعته، كان إحساسه أكبر من مجرد كلام. رفعت وشها ليه، عنيها بتلمع بمشاعر كتير، إزاي القلب اللي قاومها، هو نفسه اللي دلوقتي بيقولها: أنا لكِ؟)

ليلى (بصوت مختنق):

"أنت عارف.. أنا كنت مستعدة أكمل حياتي وأنا بحبك في صمت، كنت مستعدة أعيش مجرد ذكرى في حياتك، بس.. مش مصدقة إنك أخيرًا.. أخيرًا اخترتني."

(أركان قرب أكتر، صوته كان أهدى بكتير من العاصفة اللي جواه،  كان سايب قلبه يتكلم ، سايب إحساسه ياخد زمام الأمور، وهو اللي طول عمره بيحسب كل خطوة بألف حساب.)

أركان (بنبرة دافية لكنه صريحة):

"أنا كنت غبي.. كنت فاكر إني أقدر أحط مشاعري في جيبي وأكمل كأن مفيش حاجة، بس إنتِ.. إنتِ كسرتي كل قواعدي، كل مخططاتي، كل حاجة كنت فاكرها صح. أنا ضيعت وقت كتير وأنا بقاومك، ضيعت شهور وأنا بخاف من اللي حسيته، بس دلوقتي.. لا ههرب، ولا هقاوم، ولا هكابر."

(ليلى حسّت بجسمها بيرتعش، يمكن من الفرحة، يمكن من وقع كلماته اللي طال انتظارها، يمكن من الإحساس اللي لأول مرة مش حكر عليها لوحدها.)

ليلى (بابتسامة صغيرة ودموعها بتنزل رغمًا عنها):

"وإيه اللي غيرك؟ إيه اللي خلاك تبطل تهرب؟"

(أركان تنهد، عينه كانت فيها حاجة مختلفة، مش بس حب، لكن راحة.. راحة الشخص اللي أخيرًا قرر يسيب نفسه للقدر اللي بيجري وراه .)

أركان (بهدوء):

"لما بعدت، افتكرت إن البُعد هو الحل، بس الحقيقة.. كنت بضيع أكتر. كنت بصحى كل يوم وأنا حاسس إن في جزء ناقص، جزء مش قادر أكمله بأي حاجة، لا بشغلي، ولا بحياتي، ولا حتى بعقلي اللي كنت فاكر إنه أقوى من أي مشاعر.. لحد ما استسلمت."

(قرب منها أكتر، بصوته الهادي لكن اللي مليان يقين، كأنه بيحلف على حقيقة اتأخر سنين عشان يعترف بيها.)

أركان:

"بحبك يا ليلى.. بحبك والحب دا ملوش سبب قلبي اختارك انتي ، كنت فاكر إن الحب اختيار، لكن أنتِ كنت قدري، قلبي اختارك "

(ليلى شهقت بخفة، عنيها نزلت للأرض للحظة كأنها بتحاول تستوعب الكلام، لكنها رفعتهم تاني ليه، بصوتها المرتعش همست.)

ليلى:

"قولها تاني.."

أركان (بابتسامة خفيفة وهو بيحضن وجهها بين إيديه):

"هقولها  وهفضل اقولها العمر كله بحبك يا ليلى.. وهفضل أحبك.. وهعوضك عن كل لحظة وجع."

(ماستحملتش أكتر، رمت نفسها في حضنه، حضنته بكل قوتها، كأنها بتأكد لنفسها إنه أخيرًا بقى ليها، وإنه مش هيرجع تاني للهرب، حضنها بدون تردد، بدون خوف، بدون قيود.)

(الليل كان شاهد، السماء كانت شاهد، والقدر اللي حاول يفرقهم زمان.. كان شاهد على النهاية اللي كان مقدر ليها تكون من البداية.)

ــــــ&ــــــ

 في السجن

 داخل زنزانة صلاح، الأضواء الخافتة تعكس ظله على الجدران، عيناه متسعتان بجنون، يلف في الزنزانة كالحيوان المحبوس، أنفاسه متلاحقة، يده ترتعش وهو يمررها على وجهه.

صلاح (بصوت مبحوح، غاضبًا على نفسه): مش أنا.. مش أنا اللي يتحبس! حتة عيل ضحك عليا؟! أنا الحاج صلاح.. أنا اللي كنت بحرك البلد دي على مزاجي! مش أنا اللي نهايتي تبقى كده..

يضرب الجدار بقبضته، عيناه تشتعل بجنون وهو يضحك ضحكة مجنونة، ثم يتحول ضحكه إلى بكاء هستيري.

صلاح (يهز رأسه بجنون): فلوسي راحت.. رجالتك فين يا صلاح؟ فين العز والسلطة؟ كنت سلطان زماني، دلوقتي مجرد مسجون زي الكلاب!

يمسك بشعره بعصبية، خطواته تتسارع وهو يبحث في الزنزانة عن أي شيء.. أي مخرج، لكن لا شيء.. الجدران تضيق عليه، وكأنها تسخر منه.

صلاح (ينظر إلى السقف ويهمس): مش هاستنى حد يقرر مصيري.. مش هاستنى حكمهم.. أنا اللي بحكم على نفسي!

عينيه تقع على الملاءة الملقاة على السرير، عقله يشتعل بفكرة مجنونة، يتنفس بعمق قبل أن يلفها بيدين ثابتتين، يربطها بالقضبان الحديدية، يلفها حول رقبته ببطء.. يتوقف للحظة، عيناه ممتلئتان بالدموع، لكنه يبتسم بسخرية.

صلاح (بهمس يائس مجنون): حتى النهاية.. أنا اللي اختارتها.

يقفز، تسقط الكاميرا على ظله وهو يتأرجح في الهواء، المشهد يخفت تدريجيًا، وصوت أنفاسه المتقطعة يتلاشى، حتى يحل الصمت القاتل... نهاية صلاح.

ــــــ$ـــــــ

 زنزانة مروان 

كانت الإضاءة خافتة، والرطوبة تزحف على جدران الزنزانة. مروان قاعد على سريره الحديدي، عينه شاردة، وعلامات الغضب مرسومة على وشه. 

لكن فجأة الباب فتح بقوة، ودخل عليه تلاتة من المساجين، ملامحهم شرسة، وعيونهم كلها غل وانتقام. واحد فيهم قرب منه وقال بصوت بارد وهو بيمسكه من قميصه:

المسجون: "مبروك يا مروان، أركان الجارحي باعت لك هدية... هدية تليق بمقامك!"

قبل ما يلحق يرد، كانت قبضة حديدية بتسدد له ضربة قوية في بطنه، وقع على الأرض يتلوى من الألم، لكن مفيش وقت للاستيعاب. ضربات متتالية نزلت عليه، كل ضربة فيها رسالة واضحة... ده جزاء اللي يمد إيده على حاجة تخص أركان الجارحي.

مروان وهو بيتألم بصوت متقطع: "استنوا... استنوا... خلاص... أنا غلطت، غلطت!!"

لكن مفيش حد كان سامع استغاثته، الركلات كانت شغالة، والضرب بيفكروا بكل لحظة تجرأ فيها على المساس بليلى.

أحد الرجال وهو بيركع قدامه بعد ما وقع على الأرض منهك: "هتشوف نارك على الأرض جزاء كل مره رفعت عينك بس على حاجه تخص المقدم اركان باشا ."

وبعدها سابوه على الأرض يتلوى من الوجع، وخرجوا من الزنزانة بنفس الهدوء اللي دخلوا بيه، سابوه غارق في ألمه، عارف إن حياته في السجن مش هتبقى مجرد حبس... دي هتبقى عقاب يومي.

ــ$

داخل زنزانة معزولة في السجن، المكان معتم ورائحة الرطوبة تملأ الجو، صوت صرخات بعيدة من مساجين آخرين تُسمع في الخلفية. نسرين مربوطة في الكرسي، رأسها منكّسة، وجسدها عليه آثار الضرب. الباب الحديدي يُفتح بصوت مزعج، يدخل أركان بخطوات هادئة لكن ثقيلة، عيونه مليانة غضب بارد.

أركان (بهدوء مرعب): عرفتِ أخيرًا طعم القهر يا نسرين؟ ده جزء بسيط من اللي استحقّيتيه.

نسرين (بضعف وخوف، تحاول ترفع رأسها): سعيد… انت مش فاهم… أنا…

(قبل ما تكمل كلامها، أركان فجأة بيخبط بإيده على الترابيزة الحديد قدامها، صوت الارتطام بيخلّيها تنتفض من مكانها.)

أركان (بصوت قاسي): فاكراني مش عارف إنك السبب في الطلقة اللي جات في دراعي؟ فاكراني مش عارف إنك كنتِ ورا كل محاولة قتل لليلى؟ المرة الأولى فشلتِ، والمرة التانية لما كانت حامل، عايزه تموتيها هي وولادي.

(عيون نسرين بتتوسع برعب، بتحاول تتكلم لكن أركان بيقاطعها.)

أركان (باحتقار): لما شُفتك النهاردة بتتسحلي هنا، حسيت لأول مرة إن العدالة بتفرح بجد. لسه اللي جيه أسوأ، لأنك هتعرفي معنى الجحيم على أصوله.

نسرين (تترجى، تحاول تتماسك): … أنا غلطت… بس كنت بحبك…

أركان (بضحكة ساخرة، عيونه فيها جمود قاتل): بتحبيني؟ الحب اللي يخليكي تحاولي تقتلي مراتي؟ تقتلي ابني وبنتي قبل حتى ما يشوفوا الدنيا؟ الحب اللي خلى دمك بارد وانتِ بتبعتي ناس ينهوا حياتي؟

(نسرين بتبلع ريقها، جسدها بيرتعش من نظراته.)

أركان (يقترب منها، يهمس عند أذنها): عقابك هيكون على قد جريمتك… والألم اللي هتشوفيه من النهاردة، مش هتتخيليه حتى في أسوأ كوابيسك.

(يوقف للحظة، يبص لها بنظرة استخفاف، وبعدها يتحرك للخروج، يدي أوامره للحراس بإشارة واحدة.)

أركان (ببرود قاتل): علموها يعني إيه تحاول تمد إيدها على حد يخصني.

(الباب بيُقفل، صوت صراخ نسرين بيبدأ يتعالى، وأركان بيكمل طريقه وهو مفيش على وشه أي تعبير… غير الرضا التام.)

ـــــ&ــــــ

(فلاش باك – منذ خمسة شهور في النادي)

كانت قاعدة على الترابيزة في النادي، تحاول تفضل متماسكة، لكن دموعها خذلتها، نزلت غصب عنها قبل ما تلحق تخبّيها. حست بقلبها بيدق بسرعة وهي تمسحها بسرعة، كأنها لو خلّتها تختفي محدش هيحس بالوجع اللي جواها.حاولت تمسحها بسرعة قبل ما حد يلاحظ، لكن لسوء حظها او لجماله، كان عمر قريب وشافها. قرب منها بمرح، وهو يميل برأسه بخفة:

عمر بابتسامة جانبية: الجميل بعيط ليه؟

حست بضيق يضغط على صدرها، عمر أكتر شخص سخيف بالنسبالها، وجوده نفسه عبء، وكلامه يزيدها توتر. رفعت عينيها ليه بحدة، صوتها كان مهزوز بس بتحاول تبان قوية:

يارا: مفيش يا عمر.

عمر مال برأسه شوية وهو يبص ليها بتركيز: أومال الدموع اللي بتمسحيها دي ايه؟ ميه؟

ضمت شفايفها بقهر، مش ناقصة سخافته دلوقتي، مش قادرة تتحمل استفزازه وهي أصلاً على حافة الانهيار.

يارا بحدة: مش ناقصة سخافتك يا عمر!

بس عمر كالعادة، ولا كأنه سامع نبرتها العصبية، ابتسامته فضلت مكانها وهو يقول بمرح :

عمر: والله ما بسخف، تعالي معايا.

يارا بصوت متوتر: أجي معاك فين؟ أنا وإنت وانا؟ دا إنت مجنون يا بني؟! وما انت عارف إني مش بطقّك.

عمر غمز لها وهو يقرب أكتر، صوته بقى أهدى: يمكن تطقّيني... أو تحبّيني؟ أيهم أقرب؟

حست بجسمها يتصلّب، جواها رغبة في الصراخ، في إنه يبعد عنها حالًا.

يارا بعصبية وهي تبعد وشها عنه: ابعد عني يا عمر، مش ناقصاك بصراحة!

لكنه كان أسرع منها، شدّها من إيديها فجأة،  خلت قلبها يضرب بقوة، حاولت تفلت لكن قبضته كانت حديد.

يارا بصوت عالي وهي تحاول تفلت: عمر! سيبني!

عمر بابتسامة ، صوته كان هادي : يلا يا بنتي، متتعبنيش، إنتي محتاجة تغيير جو، وأنا هبقى كريم ومش هحاسبك عليه.

الخوف بدأ يتسرّب لقلبها، عمر النهارده مش السخيف المعتاد، في حاجة مختلفة في نبرته… في حاجة غريبة في نظرته وهو يسحبها للعربية.

عمر كان سايق بسرعة وهو ساكت، مش مستفز زي الأول، مش بيتكلم كتير، بس باين على ملامحه إنه عنده خطة. هي في الأول كانت متوترة، بتحاول تفهم هو واخدها فين، لحد ما وقفت العربية قدام أكتر مكان بتحبه... الملاهي.

المكان اللي كانت بتتحايل على أركان يوديها ليه، وهو دايمًا مشغول، دايمًا مش فاضي، دايمًا عنده حاجة أهم. عمر نزل من العربية وفتح لها الباب وهو مبتسم:

عمر: يلا يا بنتي، عايزين نخرب الدنيا .

في الأول كانت مترددة، حاسة إنها مش قادرة تضحك أو تستمتع، بس مع أول لعبة دخلتها، مع أول صرخة طلعوها سوا، كل حاجة بدأت تتغير. نسيت الوجع، نسيت الحزن، نسيت الدنيا كلها. الضحكة ماليه وشها، الفرحة مالية عينيها، وقلبها لأول مرة من فترة طويلة حاسس بخفة، مفيش وجع، مفيش ضغط.

فضلت تلعب طول اليوم، وعمر كان معاها، مفيش استظراف، مفيش سخرية، بس ضحك وهزار وسعادة حقيقية. لما تعبوا، خدها مطعم، قعدوا يأكلوا وهو بيحكي نكت مضحكة، وهي تضحك من قلبها. اكتشفت ان دموا خفيف جدا ،وبعدها اشتروا آيس كريم ومشوا على النيل.

السكوت كان مالي المكان، بس كان مريح. عمر مكنش بيتكلم، وسابها تاخد هدنتها، تفصل خالص، تسيب الهوا يحكي ليها وهي تحكي ليه، من غير كلام. كان عارف إنها محتاجة لحظة زي دي، من غير أسئلة، من غير حد يلحّ عليها تقول إيه اللي مضايقها، بس مجرد وجوده كان كفاية.

لما وصلها البيت، كانت مرهقة بس لأول مرة مش مكسورة. دخلت، أخدت شور، ونامت على سريرها وهي حاسة إنها أخف. وفجأة، الموبايل رن برسالة. مدت إيدها بتكاسل وجابته، فتحتها.

"بقيتي أحسن؟"

بقيت أحسن؟ الحقيقة... آه. بقيت أحسن.

هو ما طلبش منها تحكي، ما سألهاش زي أهلها "إنتِ عايزة إيه عشان تبقي كويسة؟" لا، هو ببساطة عمل، من غير ما يطلب، من غير ما يسأل على حاجة، وده... فاد قلبها جدًا.

حست بحركة غريبة في قلبها، شعور مش طبيعي، كأن قلبها بيتحرك لوحده، كأن في حاجة جديدة. خبطت على صدرها بخفة وهي بتهمس لنفسها:

يارا: إيه التخلف ده؟ أول مرة أشوف قلب متخلف بالشكل ده!

بس مش ممكن يكون اللي في بالها... مش ممكن. هي طول عمرها شايفاه سخيف، رخم، مستفز، بس دلوقتي...؟ دلوقتي هي شايفاه حاجة تانية. نظرتها ليه اتغيرت.

يارا: يعني هو بقى... لذيذ؟! إيه "لذيذ" دي كمان؟ هو أكلة ولا إيه؟!

قبل ما تغرق أكتر في تفكيرها، رسالة تانية خطفتها:

"تعالي بكرة نروح مكان تاني مع بعض."

بلا وعي، لقت نفسها بتكتب بكل تلقائية:

"تمام، موافقة."

بمجرد ما بعتت الرسالة، رفعت عينيها لنفسها في المراية، وعلامات الصدمة على وشها.

يارا: موافقة؟! موافقة على إيه؟! إيه الجنان ده بجد؟!

مرت الأيام بسرعة، بسرعة مخيفة، كأنها بتجري وهما مش حاسين. كل يوم بيقابلوا بعض، كل مرة في مكان جديد، كل خروجة كانت مغامرة، كل لحظة كانت ذكرى بتتكتب.

ضحك، لعب، هزار، صور، كلام ما بيخلصش. كانوا بيشاركوا بعض كل حاجة، ماضيهم، حاضرهم، حتى خططهم للمستقبل. مكنش مجرد وقت بيعدي، كان وقت بيبني بينهم حاجة أكبر، أقوى، وأعمق من مجرد صداقة.

معاه، الكلام كان مريح. كانت بتحكي من غير ما يحسسها إنها مضطرة، بتتكلم في الوقت اللي هي عايزاه، مش اللي مفروض تتكلم فيه. وهو... كان بيسمع. مش بيواسيها بكلام مكرر، مش بيجبرها تتخطى وجعها قبل أوانه، لكنه كان بيطبطب بأفعاله، بأبسط تفاصيله.

بقى أقرب ليها من نفسها، من أهلها. بقى نصها التاني، اللي بيكملها من غير ما تحس.

وجيه اليوم اللي أخيرًا حست فيه إنها مطمنة ليه، مطمنة لدرجة تخليها تحكي عن أكتر وجع كسرها، أكتر جرح سيب فيها علامة. حكت عن الخذلان اللي حسته من أركان، عن الوجع اللي عيشته، عن نفسها اللي صعبت عليها. وكل ما كانت تحكي، كانت الدموع بتنزل أكتر، وكأنها لأول مرة بتسمح لنفسها تعيط بجد، من غير ما تحاول تمسك نفسها، من غير ما تداري ضعفها.

عمر فضل ساكت، مقلش ولا كلمة، بس عنيه كانت بتقول كل حاجة. فجأة، قام من مكانه، شالها بين إيده، وهي انصدمت. مش من تصرفه، لأنها بقت عارفاه، متوقعة منه دايمًا إنه يعمل حاجة مش متوقعة، لكنه دايمًا كان بياخدها لمكان جديد، وكل مرة كانت بتعرف السبب لما توصل.

ركبها العربية وانطلق بيها، مكنش بيتكلم، وهي كمان مكنتش قادرة تتكلم. الدموع كانت لسه خنقها، والمشاعر كانت متلخبطة جواها، لكنها كانت واثقة إنه هيعمل الصح، زي كل مرة.

وصل الزمالك، دخل بيها برج القاهرة، وطلعوا لفوق. كانت أول مرة تيجي هنا، وأول مرة تشوف القاهرة بالحجم ده، صغيرة، مليانة تفاصيل، لكنها ماشية، الحياة فيها مستمرة رغم كل حاجة.

عمر وقف جنبها، سابها تستوعب المكان، وبعدين بص قدامه وقال بصوت هادي لكنه مليان إحساس:

– بحب أجي هنا لما أبقى مخنوق، بحب أبص على الدنيا من فوق، وأشوف قد إيه هي صغيرة، وإن كل حاجة بتمشي، مهما كانت صعبة، مهما كانت وجعانا... الحياة مش هتقف على حزنك، ولا على حد. فإنتي قدامك طريقين: يا تمشي مع الدنيا وتعيشي وتكوني مبسوطة، وساعتها الأيام هتنسيكي، يا تقفي مكانك وتفضلي تعيطي، والدموع مش هتخلص، وهتعيشي في جحيم إنتي اللي اخترتيه.

يارا كانت ساكتة، بتسمع، بتحاول تستوعب كلامه. لكن اللي صدّمه إنها شافته لأول مرة بيتكلم عن نفسه، عن وجعه.

– أنا على نفسي، طول الوقت بمشي مع الدنيا، مبخليش حاجة توقفني. وزي ما انتي شايفة، طول الوقت هزار وضحك. مش لأني مش بحس، ولا لأني معنديش دم، بس لأني اخترت أعيش مبسوط، لأنه دا اللي كان هيبسط ماما الله يرحمها.

سكت لحظة، خدت بالها إن صوته اتهز وهو بيقول "ماما الله يرحمها"، وكأن مجرد ذكرها وجّعه.

– أنتي عارفة كانت إيه بالنسبالي؟ كانت دنيتي، كل حاجة ليا. فلما راحت، حسيت إن الدنيا كلها راحت من بين إيدي. لكن الحقيقة، الدنيا مرحتش، فضلت موجودة، وكملت.

بصّ ليها بنظرة عميقة، فيها حاجة مختلفة، حاجة خلت قلبها يدق بسرعة، وغمض عينه لحظة كأنه بيحاول يسيطر على حاجة جواه قبل ما يكمل كلامه تاني ويقول:

– ربنا بيعوضنا، في نفس موضع الفقد، بشكل مكنتيش تتخيليه...

يارا فضلت تبص له، قلبها بيتحرك لأول مرة بطريقة جديدة. وفضلت تسأل نفسها... هو كان يقصد إيه؟

جواها حاجة اتهزت جامد، والمره دي مقدرتش تنكر، مقدرتش تطنش أو تدي لنفسها مبررات. كان شعور جديد، مختلف، قوي بطريقة بتخوفها... لكنها مكنتش عايزة تهرب منه.

عمر مسك إيدها، سحبها وركبو مركب في النيل. المية كانت هادية، والهواء خفيف، بس جواها كانت عاصفة حقيقية. مكنش عارف هو عمل إيه فيها النهاردة، بس هي كانت حاسة إن اليوم دا غيّر حاجات كتير أوي جواها.

فضلوا يغنوا، يرقصوا، يضحكوا على كل الأغاني اللي بتحبها، كأنه حافظها أكتر منها. كل لحظة كانت بتمضي كانت بتحس إن المسافة بين قلبها وعمر بتقل أكتر وأكتر، وإنه من غير ما تحس، بقي جزء منها، بقي أقرب ليها من أي حد تاني.

اليوم دا كان نقطة تحول. من اليوم دا، عمر مابقاش مجرد شخص بيدخل الفرحة في حياتها، مابقاش مجرد حد بترتاح معاه. لا... بقى الأهم، بقى كل حاجة.

عمر كان مصدر الأمان اللي عمرها ما حسته قبل كده، حتى مع أركان. المشاعر اللي قلبها بدأ يحسها ناحيته، مكنتش نفس المشاعر اللي عاشتها قبل كده، كانت حاجة مختلفة تمامًا... حاجة حقيقية.

في يوم كانت مستنية رنته بلهفة، نص ساعة عدت، وبقت ساعة... ولسه مفيش. عمر عمره ما وعدها بحاجة ومعملهاش، وعمره ما غاب كده، مستحيل يكون نسي، ولو حتى نسي، ليه مش بيرد؟!

رنّت عليه مرة، واتنين، وعشرة... خمسين مرة، وكل مرة قلبها بينقبض أكتر. فكرة واحدة كانت بتخترق عقلها وتوجع قلبها: ممكن يكون حصل له حاجة!

إيديها كانت بتترعش وهي بتتصل بوالدها، صوتها كان مليان خوف وهي بتتكلم:

يارا بصوت مهزوز: بابا... هو عمر كويس؟ هو قالي إنه طالع مهمة وهيكلمني لما يخلص، ولحد دلوقتي مرنش!

عماد بحذر: هو... خد طلقة في كتفه، بس دلوقتي كويس، وبيفوق أهو.

يارا بصريخ وعياط: يلهوي!

ملحقتش تفكر، مسكت مفاتيح العربية، وخرجت تجري، صرخت في التليفون وهي بتقفل:

يارا بانهيار: اسم المستشفى بسرعة والنبي يا بابا!

عماد قالها اسم المستشفى باستغراب لحالتها، بس هي مكنتش سامعة، مكنش فارق غير إنها توصله، تشوفه بنفسها، تتأكد إنه كويس، إنه عايش!

وهي سايقة، كانت بتنهار أكتر، مش قادرة تتنفس، مش قادرة تستوعب فكرة إن عمر ممكن يبعد عنها. قلبها كان بيتقطع، دموعها مغرّقة وشها، وكل ثانية بتعدي كانت بتحس إنها بتموت بالبُطئ.

"يارب متحرمنيش من عمر... يارب مش هقدر..."

سألت نفسها وهي بتبكي، ليه الوجع ده؟ ليه الخوف ده؟

لما أركان بعد عنها زعلت، بس مكنش بالشكل ده، مكنش بالحجم ده! اللي هي حاساه دلوقتي حاجة تانية خالص، حاجة أعمق، أقوى، مؤلمة بشكل لا يحتمل...

"معقول أكون حبيت عمر بجد؟!"

الحقيقة ضربتها في لحظة: يبقى كده هي محبتش أركان أصلاً. الحب... الحب الحقيقي، اتعلمته على إيد عمر، عمر اللي غيرها، عمر اللي دلوقتي قلبها متعلق بيه بطريقة عمرها ما حستها مع حد غيره.

وصلت المستشفى وهي مش شايفة قدامها، كل اللي في عقلها إنها توصل لعمر، تشوفه بنفسها، تتأكد إنه بخير. جريت على الاستقبال، سألت عن غرفته، وبمجرد ما عرفت رقمها، طلعت بسرعة، فتحت الباب من غير ما تخبط، ماكانتش مستنية إذن، قلبها كان سابقها.

في اللحظة اللي عينيها وقعت عليه، وهي شايفاه نايم على السرير بوجه شاحب، كل مخاوفها تحولت لانفجار مشاعر. رمت نفسها في حضنه، حضنته بكل قوتها، دموعها كانت بتنزل بغزارة، مش قادرة تتحكم فيها، مش قادرة تتكلم، بس حضنها كان بيقول كل حاجة.

كل اللي في الغرفة وقفوا مذهولين، حتى والدها، اللي انسحب بهدوء ومعاه باقي الناس، وتركوا المساحة ليهم.

عمر وهو بيحاول يسيطر على وجعه: "اهدي يا حبيبتي، أنا كويس، قدامك أهو، مافيش حاجة لكل ده."

سمعت الكلمة، "حبيبتي"... خرجت من حضنه فجأة، بصت له بعيون مليانة دموع، بس المرة دي مش بس دموع خوف... كانت استغراب، دهشة، إحساس غريب بيهزها من جوا.

يارا بصدمة وهمس: "انت قلت إيه؟!"

عمر بابتسامة هادية: "قولت حبيبتي، وعمري، وروحي، وكل اللي ليا."

يارا بصوت مرتعش: "هو انت... بتحبني؟"

عمر وهو بيغمز لها: "يعني محستيش؟"

يارا باحراج وهي بتحاول تتماسك: "يعني... كنت حسه... ؟بس انت مقولتش ليه؟!"

عمر وهو بيبص لها بحنية: "كنت سايبك براحتك، مكنتش عايز اضغط عليكي عشان متهربيش مني ومن نفسك. لو كنت قولت لك قبل ما تكتشفي إنك بتحبيني "إن عمرك ما حبّيتي أركان"، كنتي هتدخلي في صدمة وصراع نفسي كبير، وأنا مبحبش أشوفك كده ،وبعدين انتي بتحبيني وبتكبري نفسك."

يارا وهي بتبعد عن حضنه بتوتر وحرج: "حب مين... أنا مش بحبك!"

عمر وهو بيقوم وراها، بصوت واثق: "طب أنا بحبك، وبعشقك. ممكن تسمحيلي اتقدم لك ونتجوز بسرعة؟ نفسي تبقي مراتي، وأم عيالي."

يارا حست إن قلبها هيخرج من مكانه، الفرحة كانت مالية روحها، بس مش قادرة تعترف بده، مش قادرة تفهم إزاي الكلام ده بيحصل فعلاً!

بس، فجأة، ومن غير تفكير، الكلمة طلعت من شفايفها بكل تلقائية، ومن غير ما تفهم هي قالتها إزاي...

"آه، موافقة!"

عمر وهو بيضحك بسعادة غامرة، عنيه بتلمع بحب: "يا فرحة عمر، ويبختي الحلو بيكي!"

يارا، من غير أي مقدمات، بصت له بعيون مليانة حب، قربت منه وهمست بخدود محمرة:

"على فكرة... أنا بحبك."

قبل ما يلحق يرد، لمح من الزجاج انعكاس شخص بيقتحم المكان بسرعة... كان عماد، اللي دخل بغضب وصوته بيعلى:

خلي يارا تستخبى بسرعه ورا عمر 

عمر من غير تفكير، حماها بذراعه، وقف قدامها كأنه درع بشري، وعينيه فيها قوة وتحدي.

عماد، بعصبية: "إيه اللي بيحصل هنا دا؟!"

عمر، بمرح مستفز وهو بيحاول يهدّي الجو: "عمي أنا هصحح غلطتي."

عماد، بحدة: "غلطة إيه يا حيوان؟ لمّ نفسك!"

عمر بمرح : "البنت والولد بيحبوا بعض، متحرمهمش من بعض."

عماد، بنظرة حادة لبنته: "حب إيه يا بنتي؟ قولي لا، قولي إنك مش عايزة تتجوزي الشخص دا، قولي إن دا مجرد تهريج!"

يارا، وهي بتطلع راسها من ورا ظهر عمر، بصوت واثق: "بحبّه يا بابا، وعايزة أتجوزه!"

عماد، مصدوم: "لا حول ولا قوة إلا بالله! هبلك وعبطك زيّه! يا حبيبتي، إنتي في كامل قواكي العقلية وإنتي بتقولي الكلام دا؟!"

يارا، وهي بتثبت موقفها بكل هدوء: "بابا، عمر حد جميل ومحترم ولذيذ."

عماد، وهو مش مصدق أذنه: "عمر؟ اللي واقف قدامنا دا؟!"

يارا، بابتسامة خفيفة: "آه، يا بابا."

عماد، وهو بيحاول يستوعب: "دا؟ حبيتِ فيه إيه؟ دا عنده ربع طائر!"

عمر، وهو بيرد بمرح مستفز: "هو انا هعملها زي مابعملكوا."

يارا، بحماس وهي بتدافع عنه: "يا بابا، دا مختلف خالص!"

عماد، بغيظ: "آه، لذيذ!"

عمر بصّ لها بضحكة جانبية وغمز:

"والله إنتي اللي لذيذة... ما تجيبي بوسة تاني؟"

وبكل جرأة، شاور على شفايفه وهو بيبتسم بخبث.

عماد، بانفجار غضب: "ولاااا! لمّ نفسك بدل ما أضربك بالنار في دراعك التاني!"

وبصّ لبنته بحدة:

"وأنتي! يلا قدامي! نشوف موضوع ‘بحبه يا بابا’ دا إيه بالظبط!"

يارا مشت مع أبوها، وهي قلبها بيتسحب منها، وكل خطوة بتبعدها عن عمر كانت بتحس إنها بتتقطع. بصّت له بعينين مليانين شوق، وغمغمت بصوت مرتعش:

"هجيلك تاني يا حبيبي."

عماد، وهو بيبص لها بغيظ: "يلا يا اخرة، صبري!"

عمر ضحك بخبث وهو بيغمز ليارا قبل ما تمشي، لكن قلبه كان مقبوض،وهي بتبعد عنه

وفي البيت، كان عماد الوحيد اللي هيتجنن من القهر، واقف متوتر وماسك راسه، بينما غادة كانت قاعدة مبتسمة وبتضحك، كأن الموضوع مش مستفزها خالص.

عماد، بانفعال: "إنتي عارفة كل حاجة ومخبيّة عني؟!"

غادة، وهي بتتكلم بهدوء وابتسامتها ما فارقتش وشها: "ولا كنت أعرف حاجة، إذا كانت بنتك ذات نفسها ماكنتش تعرف غير لما حست إنه في خطر وهيروح من إيديها."

عماد، وهو مش قادر يصدق: "عرفت إيه بقى، إن شاء الله؟!"

غادة، بعيون هادية: "عرفت إنها بتحبه... يا عماد."

عماد، باستغراب وصوت منخفض كأنه بيحاول يفهم: "طب... وأركان؟"

غادة، وهي بتتكلم وكأنها بتقول حاجة بديهية: "يارا وأركان عمرهم ما حبّوا بعض أصلاً."

عماد، وهو بيبص لها بصدمة: "يعني... يارا وعمر اللي حبّوا بعض؟!"

غادة، بنبرة هادية لكن حاسمة: "أيوه يا عماد، السعادة اللي على وش بنتك دي... أنا عمري ما شُفتها قبل كده في حياتها، وانت كمان ما تقدرش تنكر! مش لمجرد إنك عايز تجوّزها لابن أخوك، تكسر فرحتها!"

عماد، وهو بيتنفس بعمق وعلامات التوتر واضحة عليه: "بس..."

غادة، قاطعته بحزم: "مابسش أنا وانت عارفين إن أركان خلاص... بقى ليه حياته اللي مش هينفع يسيبها، ولا هو بيحب يارا، ولا يارا بتحبه! فليه نضيّع عليها فرصة تبقى مع حد بيحبها بجد؟!"

عماد، بحاجب معقود وصوت متردد: " الموضوع بدأ من إمتى؟"

غادة، بابتسامة خفيفة: "من خمس شهور، كنت فاكرهم مجرد أصحاب... بس لما لقيت بنتك كل يوم بتتنطط من الفرحة، عرفت إنهم مش مجرد أصحاب!"

عماد، وهو بيهز راسه بعدم اقتناع تام: "يعني إنتِ متأكدة إن يارا بتحبه بجد؟ مش مجرد بديل... مش بتحاول تنسى حد بيه؟"

غادة، بثقة: "متأكدة أكتر منك! قعدتها على الفون بالساعات، كلامها معاه طول الوقت، ضحكتها اللي مكنتش بتفارق وشها... وخوفها اللي إنت شُفته النهارده في عنيها لما عرفت إنه مصاب... ده مش مجرد أي شعور، ده حب حقيقي!"

غادة، وهي بتتكلم بنبرة تحدي: "وأهو عندك، اسألها بنفسك... وشوف ردها بعينك!"

يارا، وهي بتتكلم بثقة لكن بنبرة دافئة: "ماما قالت كل اللي كنت عايزة أقوله يا بابا... أنا كنت محتاجة شوية وقت أعترف بالحقيقة لنفسي من غير ضغط، والحمد لله عمر اداني الوقت ده... واللي حصل خلاني أستوعب كل حاجة."

عماد، وهو بيتنهد وبيبص لبنته بحنية قبل ما ياخدها في حضنه: "يا حبيبتي... أنا مش عايزك تتجوزي ابن أخويا ولا حاجة، زي ما مامتك بتقول... أنا كل اللي عايزه إنك تبقي مبسوطة وتتجوزي اللي بتحبيه."

يارا، بابتسامة واسعة وعيون مليانة سعادة: "وأنا هبقى مبسوطة لما أتجوز عمر، لأني بحبه يا بابا!"

عماد، وهو بيبوس إيدها باستسلام رغم الضيق اللي كان جواه: "رغم إني مش بحب الواد ده... بس طالما هو بيحبك، أنا موافق عليه... خلي ييجي يتقدم، وربنا يصبرني على الجنان بتاعه!"

يارا، وهي بتضحك وبضيق مصطنع : "يابابا!"

عماد، وهو بيضحك أخيرًا باستسلامه: "خلاص عرفت... ده لذيذ!"

ـــــ&ـــــ

مرت الأيام والسعادة كانت عنوان للجميع، الحب كبر وترسخ في قلوبهم، والنجاح كان بيتحقق خطوة بخطوة. كل واحد فيهم لقى نصيبه، اللي في الحب واللي في الشغل واللي في راحة البال. لكن النهارده يوم مختلف... يوم انتظره الكل بفارغ الصبر—يوم فرح يارا وعمر!

انتظروا البارت ال ٣٢ مش هطول عليكم في البارت دا 

صلوا على النبي وادعوا لوالدي بالرحمه والمغفره والعتق من النار

 

الفصل الثاني والثلاثون من هنا


بداية الروايه من هنا


❤️🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺


الروايات الكامله والحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات جديده هتعجبكم من هنا


أجدد وأحدث الروايات من هنا


روايات كامله وحصريه من هنا




وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close