رواية هوي الزيات الفصل الأول حتى الفصل الثامن بقلم الكاتبه ساره الحلفاوي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
جالسٌ في سيارتِه، عيناه لا تكاد تنزاح عن تلك التي تسير أمامُه تعبر الطريق بمُفردها بـ قِدها الأنثوي وخُصلاتها بـ لون حبات القهوة تتمايل يمينًا و يسارًا بعد أن عُقِصت بعُنفٍ على هيئة ذيل حصان، الأدرينالين بجسدُه يرتفع بعُنفٍ مُتأهبًا لمساعدتها .. فـ عيناه راكضة بينها و بين تلك السيارات التي تأتي مهرولةٌ غافلين عن أن محبوبتُه تمُر الطريق قلبُه مُتعلق بـ فِتنة عيناها، أطلق زفيرًا مُرتاحًا عندما مرت و دلفت إلى شركة تعمل بها، غندما إختفت عن أنظاره، أطلق نفسًا عميقاً ثُم عاد برأسه لمقعدُه و أناملة تطرق برتابة فوق مقود سيارته الفخمة، يتخيل إن كان مُديرها يزعجها بـ شيء .. هل يحاول التقرب منها؟ هل عيناه تلتهم جسدها بشهوةٍ بغيضة؟ تُرى على لامست يداها يدُه في سلامٍ من وجهة نظرها بريءٍ؟ هل أُعجب بعيناها البنية و ملامح وجهها التي يذوب بها و إن كان لم يراها من على مقرُبةٍ؟ إبيضت مفاصل كفُه على المقود من شدة قبضته عليه، و سرت قشعريرة في جسدُه من مُجرد التفكير بالأمر، ماذا ينتظر؟ سيذهب و يتقدم لخطبتها لينتهي هذا الأمر و تكُن زوجته و يراها يوميًا يستفيق على وجهها و ينام و هي بين أحضانُه!
صدح رنين هاتفُه فـ إلتقطُه بمللٍ من فوق تابلوه سيارته ثم ردّ بجمودٍ ظهر في نبرة صوته الرجولية:
- قول اللي عندك!
هتف الطرف الآخر بحماسةٍ تختلف كليًا عن فتور الآخر:
- عرفت كُل حاجه عنها يا فريد باشا، هي بنت بسيطة من بيت بسيط عايشة مع أمها و جوز أمها و بتشتغل في شركة تحت السلم كدا، بس اللي بيتقال عليها إنها شخصيتها قوية شويتين و محدش يقدر عليها!
إنزوى ثغرُه بإبتسامة لا تظهر إلا على سيرة إسمها، أتلك الملامح البريئة خلفها شجاعة مُهرة تحتاج إلى ترويضُه، هتف بعد لحظات صمتٍ يقول بهدوء:
- إسمها إيه؟ و عندها كام سنة؟
- إسمها نور الراوي، و عندها ستة و عشرين سنة!
- نور!
أعاد إسمها مجددًا على لسانه، متلذذًا بثلاثة أحرُف كان وَقعهم وِقع سمفونية موسيقية حالمة على أذنيه، أغلق مع الطرف الآخر الخط و وضع هاتفه جانبًا، ليضغط على زر السيارة ثم تحرك بها متجهًا إلى شركتُه التي تُعد من أضخم الشركات بفروعها المتعدده في أغلب فروع مِصر، إبتسم ساخرًا لا يصدق كون رجل أعمال مثلُه في منتصف الثلاثينات ينتظر فتاة لم تتخطى ربيعُها الثاني بقلبٍ مُتلهف يحسب بالدقيقة و الثانية ميعاد مغادرتها عملها ذلك!
عاد إلى نفس النُقطة التي يقف بها دائمًا ينتظر خروجها، تهتز قدمُه اليمين بتوترٍ ينظر في ساعته الثمينة المُحتضنه رسغُه، تأخر دقيقة و خمسة و أربعون ثانية .. ماذا تفعل!
تتفس الصُعداء عندما وجدها تخرُج من العمل و علامات الإرهاق بادية على وجهها الفاتن، إقتضبت مٍحياه بضيقٍ من ذلك الوهن الذي بدى عليها يتمنى لو بإستطاعته جرّها من يداه عنوةً ليريها كيف تكون الراحة، يُريح بدنها من عملٍ شاق لا يليق بـ عذوبتها
نظر إلى الشارع حولها و الذي كان في حارة لا يمر بها أحد، و يكاد يجزم أنه الوحيد الواقف في ذلك الشارع، عيناه تسير عليها و هي تسير بتعبٍ تتجه إلى الشارع الرئيسي، لـ تلمح عيناه شاب في يبدو في مِثل سنها يخرج من ذات البناية التي ولجت منها، يسير خلفها مسرعًا بملامح متوترة، ليزمجر فريد عندما وجده يقبض فوق ذراعها الغض يُديرها له يتمتم بكلمات لم يسمعها، إندلعت النيران من حدقتّ فريد و لأول مرة يشعر بـ حرائقٍ تشتغل في قلبُه بتلك الطريقة، همّ بالنزول و لأول مرة يجعلها تراه بعد أسبوع كامل من مراقبتها، لكن لم يترجل من سبارته عندما وجد وكأن وحشًا قد تلبّسها ليُمحى بوادر الإرهاق من على وجهها و يتبدل بـ شراسةٍ جعلتُه يبتسم و تلك من النوادر، وصل إليه صوتها و هي تنهر ذلك الشاب تبعد ذراعها عنه:
- ورحمة أبويا لو ما مشيت دلوقتي من وشي لـ أخلي اللي ميشتري يتفرج عليك!!
ظهر بعض الخوف على ملامح الشاب فإبتسم فريد و أسند مرفق ذراعه فوق مكان فتح الباب الداخلي و سبابته أمام شفتيه ينظر لذلك المشهد بإستمتاعٍ، فـ ها هي الشراسة يراها لأول مرة بعيناها، لكن ما هزّ قلبُه غضبًا إصرار ذلك الشاب على مُضايقتها و تعالي صوته يردف بـ نبرة لم يراها فريد سوى وضيعة:
- إنتِ فاكرة نفسك مين يا روح أمك! ده أنا هطلع عين أهلك دلوقتي!!
لم يتحمل فريد و لم ينتظر دة فعلها، ترجل من سيارتِه على وجه السرعة بـ بنيتُه الضخمة التي لم تكُن سوى عبارة عن عضلاتٍ عنيفة، و لأنه لم يكن يرتدي چاكت بذلته و إكتفى فقط بقميصٍ أسود إلتصق بجسدُه فجعلُه يتحكم أكتر بذراعيه، و في ثوانٍ كان يقبض بكفُه على تلابيب قميص الآخير يسدد له لكمة أوقعتهُ أرضًا و هو يهتف به بصوتٍ عالٍ:
- ده أنا اللي هـطـلـع مـيـتـيـن أهـلـك دلوقتي يا خـ**
شهقت الأخيرة بصدمةٍ وتراجعت و هي تراه قد أبرحهُ أرضًا حتى ترجاه الأخير أن يتركُه فهتفت فريد بلهجةٍ قاسية:
- لو شوفتك قربتلها تاني .. قول على نفسك يا رحمن يا رحيم!!
- حـ .. حاضر!!
دفعهُ فريد فـ زحف الأخير ليبتعد عن مرمى يداه حتى ذهب من أمامُه و هو يركض و كإنه يركض من جان يود أن يتلبسُه، إلتفت إلى تلك الواقفة على مقربة منه، لفظ بداخلُه "يا الله"! إن كانت ملامحها من بعدٍ فاتنةٍ، فهي من كثب باهية! وقف صامتًا يحاول السيطرة على نظرات عيناه التي سارت بدايةً من منبت خصلاتها البنية نزولًا لأعين حائرة من نفس لون خصلاتها، و تلك الشلاه المكتنزة الذي ودّ لو أن يتذوق حلاوة مذاقهمها، و عنقها المرمريّ الذي تمنّى لو بإستطاعته وصمُه بعلاماتٍ كـ صك ملكيته لها، و قبل أن يتنحدر عيناه لما هو أكثر من ذلك عبر صوتها العالٍ على أذنه يخرجه من شرودٍ كادت أن تجعلُه يجن، تردف بنبرةٍ حادة عنيفة:
- إنت مين!! و مين سمحلك تدّخل و تعمل اللي عملتُه ده أصلًا!
و لأول مرة تتلبسُه دهشةً من ردة فعل إحداهن، ألن تشكرُه و تخبره أن لولاه لكانت الآن بيد أيادي عديم الشرف ذاك؟ ألن تُخبره بأنها بالغة الإمتنان له؟ ألن تعطيه إبتسامة ودودة شاكرة؟
عادت تقول بحدة:
- إنت يا بني آدم! أنا بكلمك .. ولا الكلام مش واصل عندك فوق!
هتفت ساخرة من طوله مقابل قامتها التي كانت طويل بين أقرانها لتشعر الآن بأنها أمامه باتت قزمًا، حاول الإحتفاظ بهدوء أعصابه فـ قال بهدوء لم يكن سوى هدوء ظاهري:
- ده بدل ما تشكُريني؟ كان زمانك دلوقتي مهروسة منُه!!
شهقت بصدمة ليتعالى صوتها قائلة بحدة:
- نــعــم!!! مين دي اللي تتهرس يا أخينا ده إنت رحمتُه مني، ده أنا كنت هخليه يندم إنه عرفني في يوم من الأيام!!
- ششش!! مش عايز لَت كتير، تعالي إركبي هوصلك!!!
هتف و هو يشير بعيناه لسيارته ذات الباب المفتوح الذي لم يهتم بقفله بعدما رآى ما تتعرض هي له، نظرت لسيارته و بعنف صاحت به:
- رِكبك عفريت يا بعيد!!! إنت شكلك مجنون و عيلتك عارفة!! أركب مع مين إنت فاكرني واحدة من اللي بيتاخدوا ورا مصنع الكراسي ولا إيه ده أنا آآ!!
بتر عبارتها مصدومًا و لأول مرة من تصرفات فتاة أمامه يقول بحدة:
- إخرسي!! بكابورت زبالة إتفتح عليا ولا إيه!!! أنا غلطان إني إعتبرتك زي أختي و جيت أساعدك وىمش عابزك تمشي في إنصاص الليالي لوحدك، بس إنتِ متجيش ربع تربية أختي و لا أدبها، م هي اللي تخرج في إنصاص الليالي و تجّري الرجالة وراها تبقى زبالة و اللي بيتاخدوا ورا مصنع الكراسي أحسن منها!!!
و لأول مرة يشعر بأنه قد ندم على شيء، رأى عيناها تمتلئ بالعِبَرات المكتومة رافض كبريائها نزول دمعاتها، لتصمت للحظات ثم تقول و قد شعر بغّصتها:
- إنت بني آدم زبالة و مش محترم!
ثم إستدارت و تركتُه تذهب للشارع الرئيسي بخطواتٍ بطيئة، وقف مكانه ولم يتحرك خطوة واحدة، لِمَ الذهاب الآن؟ كيف تذهب هكذا و الدمعات مكتونة داخل عيناها لربما ستشوش عليها الرؤية، و لِمَ تلك الرغبة المقيتة في معانقتها و إخفاء جسدها داخل جسدُه لكي لا يرى نظرة الحزن تلك بعيناها، وقف بنظر لها حتى إستقلت ميكروباص و هي شاردة بالفراغ، فـ ءهب لسيارته ليضربةبقدمه بقسوة سيارته ثم إستقلها يذهب بأعلى سرعة لـ مكان بيتها حتى قبل ذهابها هي إليه، صف سيارته بعيد عنها قليلًا كي لا تراه، فـ وجدها تترجل من السياره تسير بعيناها قوّّة تحاول بها مداراة حزنٍ قد تغلغل بمقلتيها ليصل لقلبُه فينخر به كما ينخر السوس بالخشبِ، تنهد بإرتياحٍ عندما إطمئن من دخولها للمنزل، ليشعل محرك سيارته ثم غادر حارتها المتواضعة.
• • • • •
صورٌ مُختلفة بين يداه لها، يقلب بينهما بين كفيه و يقف عِند كل صورة و الأخرى ما يُقارب النصف ساعة، يتأمل كل إنش بها و يُمتَّع عيناه بمِحياها و ضحكتها و عبوسها و عنفوانها، سار إبهامُه فوق شفاهٍ يحلم بضمها بشفيه، و أكتفاٍ صغيرة يحلم بتخبئتهما بين ذراعيه، و خصرٍ يود لو أن يطوقه بذراعيه، أعين لا تنظر سوى إليه، و خصلاتٍ يدفن بها أنفه يستنشق عبقٍ لا يليق سوا بـها هي! لا .. لن يتحمل، سيذهب و يتزوجها الآن شائت أم أبت، نهض بالفعل يرتدي ثيابٍ رسمية تليق به، يصفف خصلاته و ينثر عطره ليترك ڤِلتُه و يترجل سيارتهةو في بضع دقائق كان يصف السيارة أمام بيتها ليثير بذلك تساؤلات الجيران عن ماهية ذلك الشخص، دلف للبناية ثم صعد الدور الثاني و رُفعت يدُه لكس يطرق الباب و لكن أوقفُه صرخاتٍ مكتومة جعلت قلبُه يرتَّج! لم يستطع تمييز إن كان صوتها أم لا لكن هنالك شعور يخبرها أنها هي، لم يطرق الباب، بل ضربُه بقدمُه عدة مرات حتى فُتح الباب الذي لم يتحمل إرتطام قدمُه القوية به، فوجد منظر لن ينساه طيلة حياتُه .. حبيبتُه .. الفتاة التي عاهد نفسه على جعلها ملكُه و بحمايته منذ أول مرةٍ رآها متكومة فوق الأرض و تآوهات مُتألمة تخرج من بين شفتيها، وجهها شديد الزُرقة وشفتيها بيضاء تشهق بين الحين و الآخر، تُنادي بصوتٍ مكتوم:
- مـ .. مـامـا!!!
لم ينتظر، لم يتردد حتى في الهرولة لها و الجلوس على مرفقيه عيناه تسير فوق وجهها و جسدها بقلقٍ يمسح فوق خصلاتها المتعرقة الملتصقة بجبينها يبعدها عن وجهها لكي يراه بوضوح هامسًا و القلق يأكل خلايا جسدُه:
- فيكِ إيه!!!!
لم ترُد عليها سوى بمناداتها لأمها بصوت ضعيف مكتوم، أسرع بوضع يداه أسفل ركبتيها و الأخر على ظهرها يحملها كالريشة بين يداه يغادر بها تلك الشقة يترجل بها من فوق السلم و لأول مرة يشعر بسرعة دقات قلبه حتى كادت تصُم أذنيه، أدخلها سيارتُه ثم قاد هو يتراجع ىلخلف لكي يخرج من تلك الحارة و يذهب لأكبر مستشفى في محافظة الأسكندرية متغاضيًا عن شهقات الجيران و تساؤلاتهم عندما وجدوه حاملًا نور
وصل بها للمشفى ليترجل من السيارة و صوت أنفاسه باتت عاليه من شدة خوفُه عليها، دلف بها للمشفى ليهتف إلى موظفة الإستقبال بحدة يقول:
- العناية فين؟!!!
أسرعت الأخيرة تقول في عجلةٍ و قد علمة هوية من أمامها:
- في الدور التاني ثواني هطلب لحضرتك سرير!!!
لم يستمع لباقي حديثها بل سار على قدميه حاملًا إياها ساخرًا من تلك التي تود أن تجعلها تنام بأحضان الفراش و ليس بأحضانه هو، صعد بها السلم دون أن يستخدم المصعد يحاول جاهدًا إبعاد عيناه عن وجهها، فـ وجهها الشاحب يُفزع قلبُه و يجعله يود أن يضمها لصدره حتى يشعر بإلتصاق عِظامها، وجد في آخر الرواق غرفة العناية فـ سار لها لتوقفه ممرضة قائلة برسمية:
- حضرتك واخد الهانم ورايح على فين يا فندم!!
- عايز أدخلها العناية، حالًا!!!
قال بأعيُن جامدة ينظر ألى الممرضة التي إرتابت من نظراته فـ أسرعت قائلة:
- طيب هجيب تروللي و آجي لحضرتك
- مش هتتحط على سراير، أنا هدخلها!
قال بهلهجةٍ عنيفة فـ هتفت الأخيرة بضيق:
- مينفعش يا فندم تدخل العناية، هي لوحدها لإننا بنلبسها لبس مُعين عشان تدخل!
- طيب بسرعة!!
قال بضيقٍ لا يود أبدًا إضاعة الوقت في تراهات على حساب حياتها، تركته الممرضة واثب في منتصف الرواق، لينظر لتلك المغشي عليها منذ أن حملها، تستند برأسها على صدرُه فـ يتغلغل إليه شعورٍ غريب لم يمر به بـ حياته، رفعها أكثر فـ باتت رأسها فوق مكتبه العريض و أنفاسها تضرب بشرة عنقُه، قاطع ذاك الشعور التروللي و هو يُجر بواسطة تلك الممرضة، وضعها فوقه برفق ثم أزاح خصلاتها من فوق جبينها ينظر لوجهها للحظات ثم تركها، لتلج داخل الغرفة المُجهزة، و يدلف ورائها أكثر من طبيب بعدما علموا أن المستشفى الخاصة بهم نالت شرف وجود فريد الزيات عِندهم، أوقف أحدهم يقول له بمُنتهى الهدوء:
- لو جرالها حاجه، هقفلكوا المستشفى دي! و إنت عارف فريد الزيات لما يدي كلمة و لو متعرفش .. أعرَّفك!
أومأ له الطبيب يقول في توترٍ:
- حاضر يا بيه، بإذن الله هنعمل كل حاجه عشان تبقى كويسة
أشار له بالمغادرة فـ أسرع، جلس فريد على ذلك المقعد الذي يشبه بروده برود المكان، يستند بـ ظهره بـ قلقٍ يحاول إخفاؤه، تُرى ما الذي حدث لها؟ و لمَ لم يكُن سواها في البيت؟ هل قام أحد بأذيتها و تركها وحدها تعاني .. هل زوج أمها من فعل!!
خفق قلبُه بعنف من تخيُل فكرة لو أنها تقطن من رجلٍ وضيع يحاول التقرب منها، قلبه لم يتحمل الأمر فـ نهض و سار ذهابًا و إيابًا في المشفى، و تلك الفكرة تكاد تُفجِّر راسُه، لم يستطع الصمود و خرج من المشفى يدفع لموظفة الإستقبال تلك ثم وقف بعيدًا عن مبنى المشفى يُدخن سيجارة تلي الأخرى يُخرج بها غضبُه و إضطراب تفكيرُه، يقسم لو حدث و كان ذلك الرجل السبب في أذيتها سيقتلُه و لن يتردد!! دخل للمشفى بعد ساعة ليصعد في المصعد ثم ذهب يجلس لثواني قبل أن يخرج الطبيب، فـ نهض يُردف بـ ثباتٍ:
- كويسة؟
هتف الطبيب بـ ضيق مما رأى:
- هي كويسة، بس آثار الضرب اللي على جسمها مهمِداها جدًا، هننقلها غرفة عادية عشان حضرتك تقدر تشوفها!
لم يستمع فريد لباقي حديثُه، فقد توقف عقله و صُمَّـت أُذنيه عندما إستمع لأول جملتُه، لتستوحش مِحياه .. أيَّة آثار ضربٍ؟ من تجرأ و فعل!! كيف بتلك الشخصية التي تمتلكها تقبل أن يضـ.ـربها أحد، من تجرأ على الإقتراب منها و مسّها بسوءٍ و هي تخصُه، أذيتها تعني أذيتُه، يقسم أنه فور ما سمع جملة آثار الضرب تلك و جسده أصبح يؤلمه و كأن جسدُه هو من ضُرب، رآها تخرج على الفراش و هي لازالت لم تستفيق، دلف خلفها الغرفة العادية، ثم مال يحملها ينقلها للفراش الآخر، فـ خرجت الممرضة من الغرفة تغلق الباب خلفها، سحب هو مقعد و جلس جوارها، عيناه تتفحص هيئتها يبحث عن تلك الآثار، لكن ذلك الرداء الطبي حجب كل شيء، زاح ذلك الغطاء الطبي من على خصلاتها فـ إنسابت جوارها، ربت فوق شعرها يحادثها بصوتٍ إمتلئ ضيقًا:
- مين .. مين اللي عمل فيكِ كدا و إتجرأ يقرّبلك؟ ميعرفوش إنك تخُصي فريد الزيات .. و إني مش بسيب حاجه تخصني!!
- مين ضربك .. و أنا أقطعلك إيدُه اللي إتمدت عليكِ!
يمسح فوق خصلاتها برفق يرى لون وجهها الطبيعي يعود شيئًا فـ شيئًا، ظل على هذا الحالة ساعة كاملة حتى همهمت بألم تستفيق و هي تتآوه:
- آآآه .. آه!!
تلك التآوهات التي تنبثق من بين شفتيها تؤلم قلبه، أبعد كفه عن خصلاتها كي لا تفزع منه، فوجدها تفتح عيناها تحاول الإستناد على مرفقيها تقول بـ وجع جسدي فائق:
- آآه .. أنا .. فين!!!
- إهدي .. إنتِ معايا!
قال بهدوء فـ إلتفتت له تنظر لملامحه بأعين ضاقت و هي موقِنة أنها رأت هذا الوجه من قبل، إعتصرت ذهنها فضربها الصداع أكثر فـ أنَّت لتغمغم و هي تعود برأسها للخلف-
- عايزة أمشي .. القسم .. عايزة أروح القسم!!!
قال بجدية:
- و تروحي ليه .. القسم كلُه ييجي لحد عندك!!!
لم تستوعب كلماته تحيط برأسها بألم رهيب، فـ تابعها بعيناه يقول بقلقٍ:
- راسك واجعاكِ؟
أومأت بأعين زائغة فـ ضغط على زر جوارها لتأتي المُمرضة فـ قال لها:
- هاتي حباية مُسكن، و فرخة مسلوقة بـ شُربتها بسُرعة!
- حاضر يا فريد باشا!
ثم غادرت، نهض فريد يجري إتصالاته جوارها التي ظلت تنظر أمامها بحسرةٍ تتذكر ما حدث فيتألم قلبها أكثر إنتهى من حديثه على هاتفه و نظر لها فوجدها على تلك الحالة ليجلس على المقعد يناظرها بهدوء مستندًا بظهره على ظهر الكرسيّ، لا يود أن يفتح معها ذات الموضوع رغم إحتراقُه لمعرفة ما حدث، طالعتُه هي و عندما تذكرت أين قابلتُه صُدمت، لتردف بصوت إهتز:
- إنت .. إنت مين؟ و إزاي وصلتلي و ليه جيبتني هنا؟
لم يجيبها بل ظل ينظر لها نظرات أربكتها، فـ أشاحت بعيناها عنه بضيق و قد علمت أنه لا يجيب، و بحركةٍ خاطئة نهضت بها نصف جلسة فجأة وفاجأت جسدها فـ شعرت و كأن ماء نارية سقطت على جروح ظهرها لتتآوه بصوتٍ عالٍ مغمضة عيناها:
- آآآآآه
إنتفض من فوق مقعدُه يجأر بها بغضب و هو يضع خلف ظهرها وساداتان:
- غـبـيـة!!!!
حاوط كتفيها و أراح ظهرها برفقٍ على الوسادات، فـ أسندت ظهرها تعود برأسها للوراء متمتمة بحدة و عي مغمضة عيناها:
- إنت اللي غبي .. و معندكش دم آآه!!
إبتسم يجلس مجددًا و هو يقول ببرود:
- لولا القطر اللي داس عليكي ده .. أنا كان زماني كملت عليكِ!!
كم كاذب هو، يُكمل على من؟ أيستطيع أذيتها! أيستطيع أن يمسها بسوء أو يُعنف جسدها الذي يتمنَّى أن يضمُه لجسدها و يمسح عليه بحنوٍ!!!
بللت شفيتها و تغاضت عما قال لتردف بـ ظمأ رهيب:
- عطشانة .. أوي!!
صب لها من الماء الموضوع على الكومود جوارها و نهض يقترب منها ليضع كف خلف رأسها و الآخر ممسك بالكوب يضعُه بين شفتيها لتشرب منه .. و كم حسد ذلك الكوب الذي إستطاع لمس شفتيها و إستشعار نعومتهما، إنتهت من الكوب فـ أبعده عنها ليرى قطرة تنزلق من شفتيها تركض مسرعة على ذقنها فـ أسرع يزيل تلك المتطفلة بإبهامة فوق جوار شفتيها، شهقت و نفضت يدُه بعنف فـ تبسّم بإستمتاع من نظراتها الشرسة التي عادت تنظر له بها، لتقول بصوتٍ حاد:
- إياك تلمسني، إنت مين عشان تجيبني هنا و تفضل قاعدة معايا و الأوضة مافيهاش غيرك و نقفول علينا باب، رد عليا مين إنت عشان تعمل كل ده!!
جلس واضعًا قدم فوق الأخرى و قال بمنتهى الجدية:
- جوزك .. المُستقبلي!!!
شهقت مصدومة من جرأة ما يتلفظ به، لتصرخ به بقوة:
- ده بُــــعــــدَك!!!
- هنشوف!
قالها بتحدٍ فـ إشتعلت عيناها أكثر و نظرت أمامها، راقبها هو عن كثب حتى أغمضت عيناها بتعبٍ لكن فُزعت عندما طرق الباب بعنفٍ و إنتفض جسدها كـ طفلة أوشكت على النوم فأتى طارقٌ مزعجٌ أقلق راحتها، إبتسم و همس دون أن تسمعُه:
- اسم الله عليكِ!!
نهض ليفتح الباب فوجد ضابط يجاورُه أكثر من أمين شرطى، رحب به الضابط بحراره فجلعه فريد يدلف، أسرعت هي تناظر الضابط بلهفةٍ تقول مُسرعة:
- بعد إذنك أنا عايزة أحرر محضر!!
- بإسم مين يا هانم!
قالها الضابط بإحترام فإستغربت اللقب الذي أطلقه عليها و لكن تغاضت عنه لتكمل:
- نور .. نور الراوي!!!
- طيب قوليلنا اللي حصل!
نظرت له بتوتر ثم نظرت إلى ذلك الغامض لتجده مستند بـ ذلك المنكب العريض فوق إطار الباب يُكتف ذراعيه بهدوء ينظر بترقب لما ستقول، همهمت نور إلى الظابط تُردف بضيق:
- ممكن يطلع برا؟
لم يسمع فريد ما قالت فـ إعتدل بـ وقفتِه ليلاحظ إرتباك الظابط يهمس لها مقربًا وجهه من وجهها فـ إشتعل قلب فريد ليضرب على إطار الباب صائحًا بهما:
- إنتوا هتفضلوا تتوشوشوا كدا كتير!!!! محاضر إيه دي اللي بتتعمل بالوشوشة!!
أسرعت نور هاتفه بإضطراب و عنف:
- لو سمحت تطلع برا، أنا مش حابة أحكي حاجه و إنت موجود!!!
طالعها بهدوء للحظات، ليقول بعدها بحدة:
- مش هطلع و أسيبكوا مع بعض، هقف بعيد!!
قالها بضيقٍ ثم وقف في شرفة الغرفة ينظر لهما و هي تتحدث لذلك الضابط عما حدث، يود أن يسمع و لكن صوتها خافت، أعطاهما ظهره يضرب بكفُه فوق سور الشُرفة، حتى مرت نصف ساعة، لينتهي الضابط ينظر لـ فريد قائلًا برسمية:
- المحضر إتسجل يا فريد باشا، ادو الإجراءات اللازمة هتتاخد!!
نظر فريد إلى الممرضة التي إنشغلت بها نور، ليخرج مع الضابط قائلًا بهدوء:
- هات المحضر يا رياض!!
نظر له الضابط بتردد ليغمغم:
- بس آآآ
صمت و شعر بلسانه قد تكبّل عندما وجد نظرة من فريد جعلتُه يمد له المحضر، فهو يعلم فريد الزيات و يعلم أن أقل فِعل لا يروق له سوف يكلفه حياتُه، هو أخطر بكثير مما يتخيل أي أحد!
قرأ فريد كلماتها ليُغمض عيناه و قد تأكد ظنُه، هو من فعل ذلك، تعرّض لها، و ضـ.ـربها حتى أدمـ.ـى جسدها، لم تستطع الدفاع عن نفسها لأنه قام بربط كفيها ليستطيع ضـ.ـربها! و لولا صراخها و فرُه هاربًا لكان تطاول عليها أكثر!!
و بجمودٍ ظاهريّ، مزق ورقة المحضر أمام نظرات الضابط الذي صُدم من ردة فعله و وقف أمامه مشدوهًا، ليقول الأخير بهدوء محتفظًا بـ بقايا الورق في جيب بنطالُه:
- آسفين على الإزعاج يا رياض، إعتبر إن المحضر ده متكتبش و اللي إتقالك ده .. إنت مسمعتوش!!
- لـيـه!!
هتف رياض و هو بات موقنًا من أن ردود أفعال فريد الزيات ليست أبدًا متوقعة، لم يُجيبُه فريد بل ضرب على جانب كتفُه بهدوء ثم قال:
- متهيألي إنت سمعت اللي قولتُه .. و متهيألي بردو إنك عارف إن فريد الزيات مبيكررش كلامُه!
ثم تركُه و دلف للغرفة دون أن يطرق الباب، فـ شهقت نور التي كانت ترتدي كنزتها بمساعدة الممرضة، فورما رأتُه أنزلت الكنزة فورًا على معدتها تحمد ربها أنها كانت نصف مُرتدية إياها، غفلت عن أعين فريد التي إلتقطت ذلك الجزء من معدتها الذي ظهر منها، نظر للمرضة التي أخذت تلملم ما كانت ترتديه نور لتلقيه، فـ رماها بنظرات ضائقة من كونها قد سُمِح لها رؤية جسدها ببساطة، أشار لها بالخروج فـ فعلت، لينظر لـ نور التي طالعتُه بتلك الأعين المُشتعلة تقول له بضيق:
- متشكرة أوي لخدماتك لحد هنا، مش عايزه أشوف وشك تاني بقى!!!
أخذ خطوات هادئة نحوها فـ وقفت صلبه في مواجهته و لم تتقهقر، ليقف أمامها مباشرةً و هتف بإبتسامة بسيطة لا تنكر أنها أخافتها:
- إنتِ عارفة لو لسان حد غيرك اللي نطق الجملة دي أنا كُنت عملت فيه إيه!!
كتّفت ذراعيها و هتفت مُبتسمة إبتسامة إستفزازية:
- وريني هتعمل إيه!
- أنا فعلًا هوريكِ .. بس لما أتجوزك!!
هتف يحاول قدر الإمكان ضبط أعصابه، فـ صرخت نور به بحدة:
- تـ إيـــه!!! تتجوز مين يا جدع إنت!! إنت شكلك مجنون و جاي تطلع جنانك ده عليا! بقولك إيه!! روح يلا شوف طريقك و سيبني!!!
و في لحظة كان ممسكًا بذراعها بقسوة ليجُرها خلفُه، صرخت نور تحاول نزع قبضته تصرخ به كي يتركها و هي ترى نفسها مُنساقة خلفُه يمروا في ممر المشفى، ليقف بها أمام المصعد حتى إنفتح وسط صرخاتها، لم يشعر فريد بنفسه و هو يدفعها ضد حائط المصعد و لأول مرة تنفلت أعصابُه أمام شخص يصرخ بها بعنف:
- إخــــرســي!!! نفَسِك مش عـايـز أسمعُه!!!
الفصل الثاني
- إخــــرســي!!! نفَسِك مش عـايـز أسمعُه!!!
كان قريبًا منها لدرجة خطِرة على قلبُه، ينظر لملامح وجهها المفزوعة منه، فـ هو يحاصرها الحائط خلفها و جسده الذي يعد بمثابة حائط آخر، ينظر لعيناها المُرتعبة من هيئته التي بالتأكيد أخافتها .. و أنفها الصغير مع شفتيها المتفرقة بخوفٍ ليراها ترتعش و هي تتمتم:
- إبـ .. ـعد عنـ .. ـي!!!
أغمض عيناه لينتفض جسدها عندما ضـ.ـرب الحائط جوارها و ضغط على الزر كي يجعلُه ينزل للطابق الأرضي و إبتعد عنها، فـ وقفت تُلملم شتاتها لا تسيطر على رعشة جسدها، حتى شعرت به يسحب رسغها مجددًا فـ حاولت نزع ذراعها تتلوى بجسدها لكنُه جذبها بعـ.ـنف أكثر حتى تآوهت بألم، و لا تعلم كيف و متى وجدت نفسها بسيارته تجاورُه، أخذت تضـ.ـرب الزجاج بهيستيرية تصرخ به حتى إنتبح صوتها:
- نـــزلــنــي .. نـــزلــنــي بقــولـك!!!!
أسرع بالسيارة حتى إرتدت نور للخلف فـ نظرت له تلتقط أكمام قميصه من عند أكتافه تحاول شدها بعنف صائحة بهيستيرية به:
- نـزلـنـي إنت بني آدم حـيـوان!!!! نــزلـني!!!
قبض على عضدها يهتف بقسوة يبدل نظراته بين و بين الطريق:
- بدل ما تعملي الشويتين دول عليا .. كُنتِ إعمليها على اللي ضـ.ـربك و مرمطك!!
طالعتُه بصدمة من كلماته التي نغزت قلبها و تركتُه تنظر أمامها مندفسة في المقعد و كلماته أعادت أمامها مشهد زوج أمها و هو يوسـ.ـعها ضـ.ـربًا و ليس بيدُه، بل بـ حــ.ـزامٍ جلديّ غليظ، أغمضت عيناها و دقات قلبها تتسارع تجزم على أن تخبر والدتها بكل ما حدث و تثأر لكرامتها التي أُهدرت!
وجدت نفسها أمام منزلها، فـ ترجلت من السيارة لتجد أمها واقفة تبحث بعيناها عنها تسأل المارَّة، أسرعت نور ناحيتها و هو خلفها ترى نظرات المرء حولها تتسائل و البعض يتشدق بكلماتٍ خافتة و بالتأكيد عن علاقتها بذلك الواثب خلفها، ما إن رأتها والدتها حتى جذبتها تصرخ بوجهها بجزعٍ:
- كنتِ فين يا نور!!! إيـه اللي خرّجك من البيت!!!
همت نور بالحديث و لكن نظرات أمها لذلك الواثب خلفها و تساؤلها أوقفها:
- مين الأفندي!!
كادت نور أن ترد مجددًا لتبتلع الكلمات بجوفها عندما هتف هو بجمودٍ:
- أنا فريد الزيات، و عايز أتجوز بنتك!!!
نظرت له والدة نور و نظرت إلى نور مصدومةٍ، و بدون مقدمات رفعت كفها لتصفـ.ـعها على وجنتها بلطـ.ـمةٍ جعلت نور تتراجع للخلف من شدة الصـ.ـفعة فـ أصبحت شِبه بين ذراعيه .. واضعة كفها فوق وجنتها التي تخدرت، شعرت بذراعيه حول كتفيها قابضة بقوة، فـ قد شعر فريد بـ إنتفاخ أوداجُه يود أن يفتك بتلك السيدة الواقفة أمامه، حاول ضبط غضبُه و هتف بحدة:
- أنا بقولك عـايـز أتجوزها!! مش عايز أمشي معاها في الحرام عشان تضربيها القلم ده!!!
أغمضت نور عيناها بألمٍ لتشعر بأمها تجذبها من ملابسها بعنــ.ـفٍ تصيح بوجهها:
- غـلـطـتي معاه يا بـت!!! هـربـتي معاه!!!
لم ترُد نور التي شعرت بلسانها قد إلتف حول نفسُه، لتسمع صوته من خلفها يجأر:
- شوفي جوزك عمل فيها إيه خلاها تهرب يا .. يا حجَّة!!!
لطـ.ـمـت نادية فوق وجهها و على صدرها تصرخ بهم:
- عـمـل إيـه!!! عمل إيه يا بـت ردي!!!!
تلملمت المارة حولها تتهامس و تتراشق كلماتٍ وقحة لتقول إحداهن بـ نبرةٍ شامتة:
- جوزيها يا نادية للراجل .. ده شكلُه أٌبَّهة و زغلل عين بنتك!!!
أسرعت نادية صارخة بها:
- بس يا ولية إنتِ و إتجري على بيتك!!!
هتفت الأخرى بعنف:
- روحي ياختي لمي بنتك اللي دايرة مع الرجالة هنا و هناك، إشحال ما إحنا شوفناه بعينينا و هو طالع الشقة فوق و شايلها قدام الحارة كلها!!
جحظت نور التي باتت لا تعلم أهذا صحيحٌ أم خطأ!، فهي لا تتذكر بالضبط ما حدث و كيف ذهبت معه للمشفى، إلتفتت له فوجدته يطالعها بأعين جامدة لا روح فيها، لتسأله بصوت يرتجف:
- الكلام ده .. حصل؟
أسرعت ذات السيدة تقول:
- إستعبطي أوي ياختي إستعبطي!! ده إنتِ كُنتِ مرمية في حضنُه!!!
لم تتحمل نور كلماتها و لم تشعر بنفسها سوى و هي تركض عليها تجذبها من حجاب رأسها صارخة بها بجنون:
- والله لأنـتـ.ـفـلك شعــرك يا ولــيــة يا زبـالة!!!
صدحت صرخات السيدة و هي تحاول النيل منها و ضـ.ـربها فـ أسرع فريد نحوها و قبض فوق خصرها و حملها بذراعٍ واحد بعيد عن تلك السيدة التي أخذت تسُبها و تسُب شرفها، فـ مدت نور ذراعيها تحاول الوصول لها صارخة بـ فريد:
- ســيــبـني!!!! سيبني عـلـيـها!!!!
تحرّكت نادية التي كانت واقفة متسمرة في مكانها و كأنهم دقوا في قدميها مسامير، ثم جذبتها من خصلاتها تصرخ بها:
- بــس!!! بــس بلاش فضايح إخـرسـي!!!
- أنا معملتش حاجه يا أمي والله العظيم و رحمة أبويا معملتش حاجه!!!
هدرت نور بها و الدموع قد ملئت عيناها، فـ شعر بذات الغصة في حلقها تملأ جوفُه، أمسك هو بـ كف نادية يبعدها عن خصلات نور يقول بحدة:
- سيبيها!!!
دفعتها نادية ثم وجَّهت الكلمات له قائلة بحزم:
- إبعت هات مأذون، و شوية و جوزي جاي و هيتوكلها عشان تتجوزها، بس أنا ليا طلب!!!
طالعتها نور مصدومة و قد بُهت وجهها، و تصاعدت صدمتها عندما قالت بقسوة:
- الدُخلة تبقى في الشقة التانية فوق، و دليل براءتها و شرفها ينزل هنا للناس كلها .. قولت إيه؟!!!!
- المأذون دقايق و يبقى هنا!!!
قالها ببساطةٍ غافلًا عن تلك التي وقفت أمام أمها لا ذرة حياة بوجهها و قد هربت الدماء بأكملها من لون بشرتها، شعرت بالدوار فـ أمسكت بها نادية تهزها بعنف:
- مدام إنتِ بريئة زي ما بتقولي .. يبقى الحارة كلها تعرف إنك بريئة!!!
- ده لو طلعت بريئة فعلًا!!!
هتفت بها تلك السيدة و هي تضبط حجابها بعدما تبعثر بين يدي نور، ناظرتها نادية بعنف ثم أخذت إبنتها و صعدت لشقتهم، بينما وقف هو يحادث مأذون في الهاتف لكي يأتي!!!
• • • • • •
- يعني إيه هتتجوز يا نادية!! يعني أنا أغيب ساعتين آجي ألاقي بنتك هتتجوز!!!
- اللي حصل بقى يا مُنذر!! البت لو متجوزتش الجدع ده محدش هيقبل يبُص حتى في وشها!!!
قالتها نادية بضيق و هي تضرب على فخذيها بحسرة، و نور جالسة لا تسمع سوى تهشيم قلبها لـ فُتاتٍ، لينظر منذر لها بإرتباكٍ فـ هدوئها ذلك يشعر بأن هنالك رياح سوف تأتي لتعصف به، إنتفضت نور عندما سمعت طرقات فوق الشقة، ليفتح منذر فوجدتُه هو و خلفه المأذون، طالع فريد ذلك الرجُل بأعين أخرجت حمائم نيرانية و هو يود لو أن يفـ.ـصل رأسه عن جسدُه، أغمض عيناه و حاول التحلي بالهدوء إلى حين يتزوجها، و بعدها سيُحاسب كل من تسبب لها في أذى و لن يرحم أحدًا!!
أفسح المجال للمأذون الذي ألقى تحية السلام، و خلفه رجلان ليكونا شاهدين على تلك الزيجة، ثم دلف فريد، طالعتُه نور تنفي برأسها بهيستيرية تردد بـ صوتٍ خافت جعل قلبُه يعتصر:
- لاء مش .. مش عايزه أتجوزُه! مش عايزه!!
تآوهت عندما قبضت نادية فوق ذراعها تهمس لها:
- و رحمة أبوكي لو ما إتجوزتي الراجل ده لكون دافناكِ حيَّة النهاردة يا بنت بطني!!!
هتف المأذون بريبة:
- هي العروسة مش موافقة؟
أسرعت نادية تقول بإبتسامة صفراء:
- مين قال كدا يا شيخنا، ده بس كسوف بنات مش أكتر!
هتفت نور بإهتزاز نبرةٍ:
- أنا مش .. موافقة!!!
قال المأذون بضيق:
- باين عليها مش موافقة .. و لو كتبنا و العروسة مش موافقة يبقى جوازهم باطل!!
- عايز أتكلم معاها شوية لوحدنا!!
قالها فريد بحدة، فـ أسرعت نادية تدفعها لكي تنهض علُه يقنعها تقول:
- قومي .. قومي يا نور!!
نهضت نور لتخرج من الشقة يقفا في مدخلها، وقف أمامها يتأمل مظهرها الرث و عيناها التائهة و تلك الشفاه التي ترتعش .. و التي ستكون بعد دقائق بأحضان شفتيه، تنهد ثم هتف بهدوء:
- الجوازة دي في مصلحتك من كُل الجهات، أولهم إن كرامتك اللي إتبعترت تحت هتتردلك .. شرفك اللي شككوا فيه هيتأكدوا منُه، و كون إنك حرم فريد الزيات يبقى محدش يقدر يقرب منك و لا يمسِك بس بأذى، هتترحمي من جوز أمك اللي طمعان فيكِ لإنه لو بس بصلك بصة معجبتنيش بعد جوازنا .. هحسّر أمك عليه!!
أغمضت عيناها و كلماته تتردد في أذنها، لتنظر له بعيناها الامعة بدموعٍ مقهورة، ثم لم يصدر منها سوى إيماءة صغيرة جعلتُه يزفر براحة، دلفت للشقة ثم قال بجسدٍ يرتجف:
- أنا .. موافقة!!!
كُتب الكتاب، و كُتبت على إسمهُ، و أصبحت زوجته و الآن يحق له كل شيء، يحق له أن يضمها لصدرُه، يمتلك جسدها و يصكُه بإسمه هو فقط! طالعُه مُنذر بحقدٍ مُتقع، ثم قال بإبتسامة صفراء:
- ألف مبروك .. تتهنوا ببعض!!!
هتفت نادية بهدوء توجه حديثها لـ فريد:
- الشقة فوق متوضبة يا بني وكل حاجة فيها جاهزة، خد مراتك و إطلع .. و متنساش إتفاقنا!!!! المفتاح أهو .ظ
لم يرد عليها و أخذ منها المفتاح ثم قبض فوق ذراع نور و أخذها و صعدا و هي خلفه كالدمية المتحركة، كانت تصعد معه الدرجات بشرود تام حتى تعثَّرت فكادت أن تقع لولا ذراعه الذي أحاط بـ خصرها فـ رغمًا عنها تمسّكت بـ تلابيب قميصُه تشعر بدوارٍ غريب، نظر لها ليهمس أمام شفتيها:
- إنتِ كويسة؟
لم تُجيبه، فـ حملها بدون مقدماتٍ بين ذراعيه، لتركل الهواء بقدميها تنهره بصوتٍ بالكاد يخرج:
- لاء .. نزلني .. نزلني!!!!
صعد بها للشقة و لم يلتفت لحديثها و حاول فتح الشقة و هو يحملها ونجح، ليدلف للشقة التي كانت رغم تواضعها نظيفة، أغلق الباب بقدمه فـ إنتابتها حالة هيستيرية تصرُخ به تضرب كتفيه:
- نـزلني ... بقولك نزلني!!!!
دلف بها لغرفة النوم، ثم أنزلها على الأرض يحاوط كتفيها فتتلوى بين ذراعيه ليهزها بحدة صائحًا بها:
- إهــدي!!!
صرخت به تنفي برأسها بجنون:
- مش ههدى .. مش هتلمسني مش هسيبك تقرّبلي!!!
- نـــور!!!
صرخ بإسمها لأول مرة يُناديها محاوطًا وجهها و خصلاتها يرفع وجهها لعيناه الحادة، فـ صمتت تطالعُه و هي تنظر داخل عيناه التي باتت تخيف قلبها، إنحدر بمقلتيه لشفتيها، سيُضمهما، و لكن ليحاول تهدأتها أولًا .. حاول إزاحة رغبته المتفاقمة جانبًا لينظر لعيناها يقترب بوجهه من وجهها يهمس و قد لان قلبُه لحالتها الهلِعة:
- إهدي .. جسمك بيترعش!!!
طالعتُه برجفة و أنفاسها المتضاربة تصفع وجهه، و كم تلذذ بفكرة أنه يتتفس أنفاسها، برفق حرر خصلاتها من تلك الربطة، ثم غلغل أناملُه بها فـ أنَّت بألم من أثر قبضة أمها على خصلاتها، فـ دلّك فروة رأسها برفق يطالعها بـ هدوء، لتنحدر مقلتيه لشفتيها و عيناه لا تهدف سوى تلك الشفاه، و ببطئ إقترب منها و فعلها، و أخيرًا .. و أخيرًا فعل و ضم شفتيها بشفتيه، شعر بقشعريرية سارت في جسدها فـ مسح فوق وجنتها بإبهامِه، بينما هي لا تعلم كيف تركتُه ينتهك عُـ.ـذرية شفتيها، ثوانٍ مرت تحارب بهم شعور لأول مرة ينتابها لتبتعد عنه عدة خطوات للخلف تنفي برأسها و كأنها تنفي لنفسها قبلُه عن شيء بالنسبة لها مُحال أن يحدُث، فهي لا تطيق قرب رجل منذ ما حدث مع زوج أمها، أغمض عيناه بضيقٍ فهي للتو قد أخرجته من جِنان إغرورقت بعسلٍ كان يستمتع بتذوقُه، طالعها فوجدها تجلس على الفراش .. ترفع قدميها و تزحف لآخرُه منزوية على ذاتها تهمس بهمساتٍ هيستيرية قد سمعها:
- لاء .. لاء مش هتقربلي، محدش هييجي جنبي!!!
أدرك لتوُه أنها ليست فقط كارهة له، هي خائفة قرب أي رجل، إنهالت السيناريوهات السوداوية فوق رأسُه، ليأخذ خطوات ناحيتها و جلس مباشرة أمامها، ثم مسح فوق خصلاتها يقول برفق يحاول أن يُخرِس شيطانه بأنها قد تركت نفسها لزوج أمها:
- نور .. الراجل الـو** جوز أمك لمسك؟ قرَّبلك؟
أسرعت تنفي برأسها و قد إشمئزت تعابير وجهها من مجرد تخيل الأمر، فـ حاوط وجهها يزفر براحة مستندًا بـ جبينه فوق جبينها يهمس:
- مكانش هيطلع عليه نهار!!!!
أغمضت عيناها فـ نظر لها ليبتسم يُقبل جوار ثغرها بعمقٍ فـ حاولت إبعاده بخوف ليقول بـ لين:
- ششش .. إهدي!!!
ثم تركها، و خرج من الغرفة يجلب سكـ.ّين حاد ثم أخرج ملاءة بيضاء من الخزانة، راقبت تصرفاتُه بصدمة لتجدُه يرفع أكمامه ثم يُمرر السـ.ـكين فوق ذراعه لتشهق هي من ماهية ما يفعل تقول:
- بتعمل إيه!!!
لم يجيبها، أخذ خط الد.ماء ذلك فوق الملاءة ثم مسح بقية الدماء بمناديلٍ و وضعها في جيب بنطاله، أنزل كم قميصُه و فتح أول ثلاثة أزرار بقميصه ثم أخرجُه من بنطالُه، لـ يلملم الملاءة ثم خرج و تركها، سمعت بعدها صوت غلق الباب بعنف فـ إنتفض جسدها
• •••••• •
- بنتك شريفة .. حُطيها في عين التخين!!!
قال و هو يلقي بالملاءة أرضًا أمام أنظار نادية التي أطلقت زغرودة فرٍحة ثم خرجت من شقتها و صاحت بالجميع:
- بنتي طلعت أشرف بت في المنطقة يا حارة عِرة!!!!
صدحت الزغاريد و المباركات لـ نادية، ليتركها فريد و يصعد لتلك التي سلبت قلبه، دلف للشقة و من ثم لغرفتهما ليجد نامت على حالها ساندة برأسها فوق ظهر الفراش، تنهد و إقترب منها ثم حاوط خصرها بحذرٍ و أنزلها على الفراش لكي تنام بوضعيةٍ مُريحة، ظل جوارها يتأمل وجهها و أناملُه تسير على بشرتها، يقسم أنه يجاهد لكي لا يأخذها الآن، يحاول إماتة شعورُه في إمتلاكها في تلك اللحظة، تنهد ثم تركها و غادر الغرفة بأكملها ليجلس على الأريكة ينزع عن جسدُه قميصه لا يتحمل أن يكون معها في نفس الغرفة دون أن يأخذها بين ذراعيه! إذًا هو لا يشتهيها فقط! و هو الذي ظن أن إعجابُه بها رغبة ليس أكثر، لو كان الأمر كذلك لكان ضرب بـ رفضها و مشاعرها عرض الحائط و أخذ منها ما يُريد!!! أغمض عيناه يحاول أن ينام حتى فعل بعد عناءٍ!!!
الفصل الثالث
إستفاقت من نومها تبحث عن شربة ماء تروي بها ظمأها، فوجدته نائم و هو جالس على الأريكة لتطالعُه بضيقٍ ثم دلفت للمطبخ لتشرب، دلفت للمرحاض بعدها تغتسل بعد أن حادثت والدتها أن تجلب لها بعض الملابس، خرجت من المرحاض تلف منشفة حول جسدها بتوتر من أن يراها، خرجت من المرحاض جالسة على الفراش قدميها تهتز بعجلةٍ هامسة:
- إتأخرتي يامَّا!!!
وضعت كفها فوق المنشقة و أسرعت تنهضت و لكنها توقفت مصدومةً عندما وجدتُه يدلف الغُرفة، تراجعت خطوتان من سهام عينيه التي ضربت جسدها و هي تتأملُه بصمت، حاولت إرتداء قناع الشجاعة و مرت من جواره لتخرج و هي تقسم أن قدميها يهتزان، لكنها وجدت من يقبض فوق ذراعها ليدفعها للحائط يهمس أمام شفتيها:
- رايحة فين .. بمنظرك ده!!!
أسرعت نور تضع كفها فوق صدرُه تدفعه لكي يبتعد قائلة بـ توتر أكل قلبها:
- ر .. رايحة أخد من أمي لبس!!
نظر لخُصلاتها الطويلة المبتلة و هي تنهمر فوق كتفيها، نزلت عيناه لوجهها الذي تمنى تقبيل كل إنشٍ صغير به، ثم إلى عنقها ليجد قطرة من المياة تتسحب لتدلف إلى صدرٍ تغطّى بالمنشفة، فأسرع يقطع طريقها و هو يقول بهدوء يعاكس نبرته التحذيرية:
- ممم .. يعني طالعة لأمك على السلم بفوطة، و طبعًا أمك مش هتديكِ اللبس بس .. هتقولك عملتوا إيه و حكاوي النسوان اللي بتبقى في الصباحية دي، و لو حد طالع ولا نازل هيشوفك، هيشوف مرات الزيات واقفة بفوطة على السلم!!!
لم تستطع الرد، إرتجف قلبها عندما مال بأنفه لـ عنقها يستنشق تلك الرائحة التي أذهبت بعقلُه، رائحة جسدها أُختُلِطت بـ رائحة صابون منعشة، أغمضت عيناها و إزدردت ريقها ثم همست:
- أنا .. أنا مكنتش هقف معاها على السلم، كُنت هدخل آآآ
صمتت و كإنها إبتلعت لسانها الذي كانت تتحدث به عندما وجدته طبع قبلة فوق عظمة الترقوة الخاصة بها، ثم قال بهدوء:
- سكتي ليه!
- إبعد عني!!!
هتفت بضيقٍ من الفوضى الذي أحدثها بها من مجرد قبلة، أخذت تتمسك بتلك المنشفة، فـ رفع شفتيه لـ شامة في وسط عن عنقها يُقبلها، أغمضت هي عيناها تشعر بحرارة جسدها ترتفع أكثر، إبتعد عنها فجأة ثم نظر لها بجمودٍ صفعها، ليقول بثباتٍ زائف:
- دخّليها وأنا أصلًا ماشي، بس هرجع بعد ساعتين تكوني لبستي فيهم عشان نروح ڤيلتي!!!
- أنا مش عايزه أمشي من هنا!! مش هروح معاك في حتة إنت فاهم!!!
صرخت بها بإندفاعٍ في وجهه تشير بـ إصبعها أمام عيناه، نظر لها و لإصبعها ثم أمسك به، كانت تظنُه سيُشدد عليه لكنُه أنزلهُ محتفظًا به بـ أحضان كفُه، يقول ينفس الهدوء:
- صوتك ميعلاش يا نور!!!
ثم تابع ينظر لإرتباك عيناها:
- و إنتِ هتروحي مع جوزك في أي مكان هو فيه!
- إنت بتعمل ليه كدا!!
قالتها بدهشةٍ تطالعُه بحيرة، فـ رمقها بهدوء ثم هتف بإبتسامة خفيفة:
- بعمل إيه؟
كادت تتحدث لكن قاطعها صوت رنين جرس الشقة، فأسرعت تكاد تذهب من أمامه لكنها شهقت عندما حاوط ذراعيها مقربها له يهدر بها:
- إياكِ تتحركي برا الأوضة دي!!!
ثم تركها تبتلع بصدمتها بمرارة، خرج فريد ليفتح الباب لوالدتها التي أطلقت زغرودة ما إن رأتُه! تقول بصوتٍ عالٍ فرِح:
- ألف ألف مبروك يابني!!!
لكن شهقت عندما وجدته يرتدي نفس ملابس البارحة فهتفت بحيرة:
- يوه!!! إنت لسه بلبسك ليه؟
قال فريد بمكرٍ:
- هو في عريس بردو هيفضل بلبسُه في ليلة دخلتُه يا حجّة، أنا لبست نفس اللبس عشان ماشي، و قولت لـ نور إني هاجي كمان ساعتين و هاخدها عشان نقعد في ڤيلتي!!
إبتسمت نادية بفرحةٍ و غمغمت:
- ربنا يسعدكوا يابني، روح إنت شوف مصالحك عقبال هي ما تجهز و تلبس!!!
أعطاها إيماءة خفيفة ثم ذهب بالفعل، دلفت نادية إلى نور فوجدتها جالسة على الفراش شاردة أمامها لتجلس جوارها تقول بحنان:
- مبروك يا نور!!!
نظرت لها نور بحدة ثم صرخت في وجهها:
- مبروك!!! جوزتيني لشخص معرفوش و لا طايقاه و بتقوليلي مبروك!!!!
إحتدت نبرة نادية لتهدر بعنف:
- أنا عملت اللي فيه مصلحتك .. ولا ةكُنتي حابة الناس يتكلموا عليكِ و يمرمغوا بشرفك الأراضي!!!!
- إنتِ اللي سمحتيلهم بكدا ياما!!!
هتفت و لأول مرة يحمل صوتها ذلك الجرح، لتذرف دموعًا أليمة تصرخ بها بصوتٍ قد بُحَّ:
- إنتِ اللي شكيتي في شرفي قبلهم .. مع إنك أكتر واحدة عارفاني و مربياني و عارفة إني محبِش الحال المايل و لا العوَجان!!!
طالعتها نادية ببعضِ الندم و لم تجيبها، لتكمل نور بألمٍ:
- ليه ياما .. ليه رميتيني الرمية دي!!!
صاحت بها نادية بإحتجاجٍ:
- رمية!!! رمية إيه يا بنت بطني!!!! ده إنتِ متجوزة راجل أُبهة معاه شيء و شويات و لو مشي على الفلوس كدا متخلصش، إنتِ مش شايفة عربيته!!! و بعدين ده مش راجل مكحكح كبير في السن .. ده شاب أهو و في عز شبابُه يعني مافيهوش عيب .. و بسم الله ما شاء الله عليه زي القمر و ستات و بنات الحارة إمبارح كانوا هيتجننوا عليه و مالهمش سيرة إلا هو!!! فـ متقوليليش رمية يا روح أمك إنتِ متجوزة جوازة مكُنتيش تحلمي بيها!!!
- و أنــا!!! هو أنا مش في حساباتك خــالـص!!! إنتِ أُم إزاي رُدي عليا، رفعتي على أبويا خلع زمان و سيبتيه بحسرتُه و منعتيه يشوفني و مات لوحدُه في شقتُه بعد ما حسرتيه بجوازك من راجل زبالة بَص لبنتك و طِمع فيها و إنتِ عاملة نفسك مش واخدة بالك عشان بيتك ميتخربش!!!!
نظرت لها نادية مصدومةً، و لم تكبح غضبها فـ تلقت نور صفعة منها جعلتها تصمتت للحظات واضعة كفها فوق وجنتها، لتلتفت بوجهها لها تقول بـ قهرٍ:
- أنا مش مسامحاكِ، و أنا فعلًا همشي مع جوزي و مش هتعرفي عني أي حاجه تاني!!!!
ألقت نادية الملابس في وجهها و صرخت بها:
- في ستين داهية تاخدك و تغوري من حياتي!!!
ثم غادرت، لم تؤلمها صفعتها بقدر ما ألمتها كلماتها التي بصقتها في وجهها و ذهبت، و كأنها ليست فلذة كبدها .. بل كأنها بالأساس لا تمُت لها بصِلة، إرتمت نور على الأرض تاركة العنان لصرخات بُكائها التي كتمتها منذ سنوات رافضة ذرف دمعة واحدة، بكت و صرخت حتى شعرت بأحبال صوتها تتقطع لتضرب فوق الأرضية بكلتا كفيها و خصلاتها تنسدل على وجهها، دخل جسدها في حالة من الرجفة تمقتها، فـ هي كُلما حزنت حُزنًا شديدًا يفوق طاقتها الذهنية و الجدية ترتجف كـ طفلٍ يقف وحدُه في ليالي قارصة البرد و الأمطار تنهمر فوق رأسه، ظلت تبكي و ترتجف لأكثر من ساعة نائمة على الأرضية في وضعٍ جنينيّ لا يصدُر منها سوى همهماتٍ هافتة بـ:
- بـ .. بابا!!
لم تعي دخول فريد الغرفة، الذي إرتسمت الصدمة على مِحياه و هو يراها على تلك الحالة، خطى نحوها لينزل لمستواها يميل بجسدُه عليها يُبعد خصلاتها المُلتصقة بجبينها من شدة تعرُقها، ينظر لوجهها شديد الإحمرار و إلى شهقات بُكائها النابعة منها، نزلت عيناه لجسدها الذي يرتجف بـلا رحمة أسفل تلك المنشفة، و في لحظاتٍ كان حملها بين ذراعيه ليُريح جسدها فوق الفراش، نظر لـ علامات الأصابع التي تركت أثرًا بغيضًا على وجهها فـ إشتعلت عيناه و بدون وعيًا منه أطاح بمزهرية كانت تجاور الفراش فسقطت أرضًا، لينتفض جسدها من ذلك الصوت العالي الذي إقتحم أذنها، جلس جوارها ليحاوط وجهها بكفيه يُردف:
- سامعاني يا نور؟
أومأت و لازالت الدمعات تُذرف من عيناها المُغمضة، فـ همس برفقٍ:
- طب إفتحي عينيكِ .. بُصيلي!
أظهر عن عيناهت و ليتها لم تفعل، فـ مجرد النظر لـ بُنيتها الدامعة تجعل قلبه يُعتصر، أعاد خصلاتها للخلف و قال بهدوء:
- أمك اللي ضربتك؟
أومأت مجددًا لتزداد وتيرة إرتجافها فـ نامت على جنبها تضم قدميها لصدرها في محاولة بائسة لتهدئة جسدها، مسح فوق خصلاتها بحنان لأول مرة يظهر في تصرفاتُه معها، إنزاحت المنشفة قليلًا من على جسدها ولم تنتبه، فـ جلب بذراعه الطويل ملابسها المعلقة على الأرض بعد أن مال على الأرضية قليلًا، ثم دفع كتفها برفق لكي تنام على ظهرها، تنهد و همّ بـ القبض على تلك المنشفة و إزاحتها بعيدًا لكنها قالت برُعب تضم المنشفة لصدرها:
- إنت هتعمل .. إيه!!!
- هلَبسك يا نور!!!
هتف هو بهدوء لكن أسرعت هي نافية بفزع:
- لالالالا ... سيبني .. أنا هلبس سيبني!!
- هتقدري؟
قال و هو يراها تعتدل في جسدها تحاول بيأسٍ سحب المنشفة لأسفل لكي تخفي فخذيها تومئ مسرعةً، لم ينتوي الضغط على أعصابها أكثر من ذلك فتركها و خرج من الغرفة، لتخرج هي الأخرى بعد دقائق ما إن إرتدت ثيابها، نظر لعيناها التي شردت في نقطة فارغة ليقف أمامها، رفع ذقنها بإبهامه و سبابته معًا يسألها و عيناه تتشرب مِحياها:
- إنتِ كويسة؟
إبتسمت ساخرة، فهي تُقسم أن طيلة سنوات حياتها لم يسألها أحد ما إن كانت بخير أم لا، أجابتُه بإبتسامة فاضت ألمًا:
- مش هتفرق!
سحب كفها بـ كفُه ليغادرا بصمتٍ، ترجلا من الدرج ليخرج منذر من الشقة في ذات الوقت، طالعتُه نور بـ مقتٍ ليصع فريد كفه فوق خصرها و يخفيها وراءُه، أراد الآخر إستفزاز فريد فـ قال بـ خبثٍ:
- هتوحشيني .. قصدي هتوحشينا يا نور!!!
لم يتحمل فريد الذي كان ينتظر أقل خطأ من ذلك الرجل لكي يُريه من هو فريد الزيات، إندفع نحوه وسط صـ.ـرخات نور المصدومة ليسدد له لكـ.ـمات في وجهه أوقعتُه أرضًا، مال فوقه و أمسك تلابيب قميصه ليرفعُه من فوق الأرض ثلاثة سنتيمتر ثم أنزلهُ بقسـ.ـوة ليصرخ الآخر بألمٍ من فقرات ظهره التي شعر بها تهـ.ـشمت و كلمات فريد تقتحم أذنيه:
- يا إبن الـكـ** يا نِجس!!!!
إندفعت نور نحو فريد تمسك بكتفُه قائلة برجاء:
- خلاص خلاص سيبُه لو سمحت!!!
خرجت نادية من شقتها لتشهق فورما رأت ذلك المشهد أمامها، ركت جوا زوجها تتمسك برأسه و هي تراه يكاد يغشى عليه تصرخ به:
- مـنـذر!!! حبيبي قوم!!!
نهض فريد عنه و صدرُه يعلو و يهبط بيننا نور تتمسك بذراعه لكي لا يفعل شيء آخر، لترفع نادية وجهها لهم تصرخ بهم بإنفعال:
- إنت غـبـي!!! إيه اللي إنت هببتُه ده!!!!!
كاد أن يندفع بجسدُه لها لولا كفي نور التي تشبثت بذراعُه مُقربة جسدها منه ترجوه بهمس:
- خلاص يا فريد!!!
يكاد يجزم أنه وسط ما يحدث يود أن يتلفت لها و يخبرها أن تعيد إسمه مرارًا و تكرارًا على شفتيها، فـ هو لأول مرة يشعر أن إسمه في غاية الجمال هكذا، نظر لجسدها القريب من ذراعه العضليّ، لينظر إلى نادية التي تحاول إفاقة منذر و هو يتوعد لها هي الأخرى، يقول بحدة:
- و إنـتِ لولا إنك مَــرا أنا كنت مديت إيدي عليكِ، بس عقابك إني هحرمك من بنتك و مش هخليكِ تشوفيها لو حصل إيــه!!
صرخت به بغِلظة قلب:
- أنــا أصلًا مش عايزه أشوف وشـها!! أنا مصدّقت إرتحت منها و من قرفها!!
تهدّلا كتفي نور و نظرت أرضًا و كفيها ينحدرا من فوق ذراعه بـ بُطئ لكنه أسرع يحيط ظهر كفها بـ باطن كفُه يثبته فوق ذراعه يقول لـ تلك التي نُزعت من قلبها جل معاني الأمومة:
- أنا هخليكِ تتمنشي تشوفي ضُفرها .. و مش هطوليه!!!
ثم جذب زوجته خلفه و خرجت من تلك العمارة، سارت نور وراءُه تشعر بـ إن قلبها تهشّـ.ـم بقسوةٍ، فتح لها باب سيارتُه و وضع كفُه فوق ظهرها يحُثها على الولوج فـ فعلت، ليجاورها يقود السياره و ذهنه كلُه مع تلك الجالسة جواره بصمتِ أحزنُه، إلتقط كفها من حِجرها ليأخذ على قدمُه مُغلغلًا أصابعه في فراغات أصابعها، طالعتُه للحظاتٍ دون حديث، ثم نظرت أمامها لدقائق لتهمس بعدها بلا وعي:
- هي ليه مبتحبنيش؟
- تعالي!!
قالها فاردًا ذراعه لها فـ نظرت له بتردد حسمهُ هو عندما جذبها من كتفها لصدرُه فـ أغمضت عيناها و إنهمرت الدموع فوق وجنتيها تهمس بصوت جعلُه يشدد أكثر على عناقها:
- يعني ليه رافضاني؟ .. ليه عُمرها ما طيبت خاطري بكلمة؟
و بدون وعي منها تشبثت في قميصه المفتوح أول ثلاثة أزرار منه، فـ لامست أناملها الباردة صدرُه الدافئ فـ إبتسم رغم حُزنه على حالتها، إستنشق عبير خُصلاتها ليمرر كفُه فوق كتفها يقول بهدوء حاول إصطناعه:
- أمك كانت عارفة باللي النجس ده بيعملُه؟
- لـ .. لاء!!
همهمت بحزن، فـ قال بهدوء:
- أكيد حسِت بنظراتُه ليكِ .. و ده خلاها كارهاكِ و عايزة تبعدك عنها عشان بيتها .. ميتخربش!!!
أغمضت عيناها و هي تشعر بأن كلماته مئة بالمئة صحيح، ضمت جسدها لصدرُه أكثر تهمس برجفةٍ:
- يعني هو .. أهم منها عندي صح؟
- نَفْسها أهم منكوا إنتوا الإتنين!
قال بهدوءٍ فـ صمتت تُفكر في تحليله للأمر لكن صُدمت عندما أخبرها بهدوء:
- و إنتِ عندي .. أهم من أي حد!!
رفعت وجهها تنظر له بصدمةٍ مما سمعت، إبتعدت عنها تنظر خارج النافذة بإرتباك، لتشرد بكُل ما مرت به حتى وجدت نفسها أمام ڤيلا يدلف لها من خلال بوابة فُتحت تلقائيًا فورما وجدت سيارته، نظرت حولها بإنبهارٍ و ترجلت من السيارة لا تصدق ما تراه عيناها، فتحت باب السيارة عندما توقفت و ترجلت منها، رفعت رأسها لضخامة المبنى، وقف جوارها فـ نظرت له قائلة:
- كلها بتاعتك؟
- آه
قالها بهدوء و هو ينظر لها، فـ سألت بدهشة:
- حد عايش فيها معاك؟
- لاء!
إزدادت دهشتها لتسأل مجددًا:
- فين باباك و مامتك؟
- ميتين!
هتف و التأثر لا يظهر البتة على وجهه، فـ غمغمت بهدوء:
- الله يرحمهم!!
نظرت لذلك المسبح و تلك الورود المزروعة في جانب بمفردها و من الواضح أنها تحظى بإهتمامٍ كبير، لفحها الهواء فـ ضمت نفسها بذراعيها و إتجهت ناحية باب الڤيلا و هو يسير خلفها، وقف مباشرةً خلصها و وضع كفه الأيسر فوق خصرها يزيحها قليلًا لكي يفتح الباب بالمفتاح، حمحمت بحرجٍ من لمستُه و دلفت، أعتلت الصدمة مِحياها تنظر حولها و لم تكن تظن بحياتها أن مثل هذا الترف موجود بتلك الحياة، أخرجها من شرودها عندما وجدتُه يمسك بكفها يسير بها إلى الدرج، فـ توقفت تقول بضيق:
- رايح فين، و بطّل بتجُرني كدا!!!
- رايحين أوضة النوم، و أجُرك أحسن ما أشيلك .. ولا عايزاني أشيلك؟
قال بخبثٍ ظهر في نبرتُه فـ أبعد كفها عن مرمى كفه و قالت بحدة:
- لا ده و لا ده!!
ثم همست بتوتر:
- سيبني أتفرج على الڤيلا شوية!!!
شعر بالصُداع يفتك رأسه، ليجلس على الأريكة يعطيها ظهره الذي أراحة على ظهر أريكتُه الوثيرة، يقول عائدًا برأسه مغمضًا عيناه يشعر و كأن شخص يضرب بمطرقة فوق رأسه:
- إتفرجي يا نور!
زفرت براحة و دلفت إلى ما إتضح أنه مطبخ، كادت تشهق من جمالُه لتفتح الثلاجة و ترى فيها كل ما لذ و طاب، إلتقطت تفاحة لتتذكر أنها كانت ظائمًا تستأذن أمها لتأكل شيء من الثلاجة و تسمح لها أو لا، وقفت على مدخل المطبخ و قالت بهدوء:
- ينفع أكُل تفاحة؟
رغم ألم رأسه إلا أنه فتح عيناه و نظر لها ساخرًا يقول:
- بتستأذني عشان تاكلي في بيت جوزك؟!!
أخفت مِحياها الخزينة و دلفت إلى المطبخ مجددًا و هي تقضم التفاحة بجوعٍ، فهي لم تأكل منذ البارحة، رفعت صوتهاة ليصل له تقول مستفسرةً:
- مين بيساعدك في الهلُمة دي كُلها!!!
جائها صوته هادئ كعادتُه:
- الخدامين!!!
شهقت من كلمته لتتجه له تقول ببراءة وضحت له في نبرتها:
- مش بنقول عليهم خدامين!!! ممكن نقول مساعدين أو أي حاجه تانية!!!
إبتسم رغمًا عنه ينظر لعيناه، يريد أن ينهال بقبلاته فوق تلك الجفون التي تحاوط أجمل عينان قد رآها بحياتُه، صمت و لم يرد فـ سألت و هي تقضم من التفاحة و عيناها تلُف الڤيلا:
- هُما فين بقى!!!
- في أجازة!
قال بهدوء، فـ هتفت بدهشة:
- ليه .. بمناسبة إيه يعني؟
- بمناسبة إنهم مينفعش يبقوا موجودين في ليلة دُخلتنا يا نور!!
قال و هو ينهض واقفًا أمامها يطالعها بأعين خبيثة، صُدمت مما قال لتقف قطعة التفاحة في حلقها فـ أخذت تسعل تميل برأسها للأمام واضعة كفها على صدرها، أسرع يصُب لها كأس من الماء كان موضوع على المنضدة، ليحاوط ظهرها يُقرب الكوب من شفتيها هامسًا بقلق نهش قلبُه:
- اسم الله عليكِ .. إشربي!!!
شربت من المياه مسرعةً بعطش، و عندما أنهتها وضعها جانبًا، ليعود يتفرس وجهها بقلقٍ عليها، فـ إذا مسَّه السوء مسُه، مسح على خصلاتها يسألها بهدوء منافي لنيران قلبُه:
- إنتِ كويسة؟
أومأت برأسها و هي تربت على صدرها مغمضة عيناها، إبتسم ليدرك سبب سعلتها المُفاجئ:
- كل ده عشان قولتلك دُخلتنا!
عادت تنظر له بتوتر، تنظر لذلك القرب بينهما لتجحظ عيناها له بصدمة عندما قال بمكرٍ:
- إنتِ ليه مُتخيلة إني هاكلك؟ هو أنا هاكلك فعلًا بس مش بالصورة اللي إنتِ مُتخيلاها!
- إنت .. إنت بتقول إيه بجد!!!
هتفت مصدومة، فـ مال يحملها بين ذراعيه لتشهق تتمسك في قميصُه تركل الهواء بقدميها تصرخ بخوف شديد:
- نزلني!!! رايح فين بيا بقول نزلني!!!!!
صعد الدرج بها وسط قولُه بضيق:
- نور .. أنا صبري نفَد، و عايز أتمم جوازنا قُدام ربنا!!!
نفت برأسها بهيستيرية تقول برُعبٍ:
- لاء .. لاء!!!!
تنهد و دلف بها الغرفة ثم أنزلها في وسَطها، وقبل أن تركُض منه و بالفعل كادت تفعل حاوط خصرها بغضبٍ جليّ يهدر بوجهها:
- إيه شغل العيال ده! بتـجـري مـني!!!
ظلت تضربُه على صدرُه تصيح به بعنف:
- و هقتـ.ـلك كمان لو فكرت تقربلي و لا تلمس مني شعرة!!!
أغمض عيناه و عاد برأسه للخلف يحاول التحكم في شيطان غضبُه لكي لا يقسو عليها، و لكن غلبُه إنفعالُه و قبض فوق خصرها بعنـ.ـف شديد يقربها منه حتى تآوهت هي و هي تبعد وجهها عن وجهه، تمسّكت بقميصه تحاول خلق مسافة بينهما هادرة بوجهه:
- إبعد عني!! آآه!!
تآوهت من قوة قبضته على جسدها فـ خفف يدُه و رمى قسوة كلماتُه بوجهها بحدة:
- شُغل عيال و دلع مش عايز يا نور!!!
نزعت كفُه دلّكت مكان قبضتُه و الألم يغزو تلك المنطقة من خصرها و ظهرها بالكامل تشعر بجروحه التي لم تطيب تفتّحت بفعلِ قسوته، طالعتُه بمقتٍ لتتحول لنظراتِ مصعوقة عندما و بكل جرأة رفع كنزتها قليلًا ليرى مكان أصابعهُ تارك أثار عنيـ.ـفة، حاولت دفع يده و ستر جسدها إلا أنها فشلت فـ قد صرخ بوجهها حتى إنتفضت مخضوضةً:
- بــــس فـــرك بـقـى!!!
- إنـت إزاي بتزعقلي كدا!!!
صاحت به بمِثل غضبه فـ همس و هو ينظر لتلك التي ستُكدم حتمًا:
- ده أنا هديكِ بالجـ.ـزمة!!!
- إنت قليل الأدب!!!
قالتها بغلٍ، فـ إبتسم يرفع عيناه لها:
- بلاش تخليني أوريكِ قلة الأدب اللي بجد!!!
حاولت خداعه بمحاولة دفعه خارج الغرفة حتى تغلق الباب ترجوه بحزن زائف:
- طب ممكن بس تخرج أستحمى و أغيَّر!!!
أعتدل بوقفته ينظر لها بمكر:
- الحمام عندك إدخلي إستحمي .. و غيّري هدومك في الأوضة دي، فيها لبس ليكِ و كل حاجه ممكن تحتاجيها
أشار بعيناه لغرفة تبديل الملابس، فـ لم تجد حلًا سوى حبس نفسها بتلك الغرفة، تركتُه و دلفت للمرحاض لتغلقه جيدًا على نفسها تنزع ثيابها لتنظر لجسدها بحزن، إلتفتت تنظر لظهرها لتشهق بحسرة على حالة ظهرها الذي إمتلأ بآثارٍ حمراء غليظة تؤلمها، لا تعلم لِم تخشى إشمئزازُه منها، فهو رجل مُكتمل الرجولة لا ينقصهُ شيئًا، رُبما إن رآها بتلك الحالة سيُطلقها و يعيدها إلى أمها و زوجها، شهقت من مجرد الفكرة و تساقطت دمعاتها لتختلط بالمياة الساخنة التي هدرت فوق جروح ظهرها فألهبتها أكثر تاركة إياها تتآوه و تإن من شدة الألم، تذكرت عندما ضر.به بلا رحمة فـ شفى به غليلها، فهي إن كانت طلبت منه يتوقف عن ضر.بُه لإنه فقط كاد يموت بين يداه، و رغم ما فعلته أمها فهي لا تريد تركها وحيدة بدونه حتى و إن كان حقيرًا، ما دام لم يؤذي أمها بشيء! نظّفت جسدها قليلًا ثم خرجت من المرحاض لتنظر لـ العطور و الكريمات المرطبة الأنثوية المتراصة فوق الرخام أمام المرآة، طالعتهم بحيرة و قالت:
- هو جايبهم ليا؟ و لا كان في حد هنا قبلي؟!!
تغاضت عن الفكرة و بدأت في ترطيب جسدها و تعطيرُه، ثم إرتدت ذلك البشكير الذي ستر جسدها أكثر من مجرد منشفة، و خرجت لتجدُه واقف في الشرفة يوليها ظهره و الظاهر أنه ينفث دخان لُفافة تبغُه، أسرعت داخل غرفة تبديل الملابس لكن صُدمت عندما وجدتها بدون مفتاح، لا تدري ماذا ستفعل، أتضع شيئا خلف الباب؟ ولكن ماذا ستضع و لا يوجد شيء تستطيع تحريكه، فالغرفة لا يوجد بها سوى خزانات زجاجية فخمة، و مزينة من نفس الهيئة، تساقطت عبراتٍ من مقلتيها و أغلقت الباب عليها ثم بحثت في الخزانة التي قد إمتلئت بثياب نوم فاضحة جعلتها تهق من صدمتها، إنتقت أكثرهم إحتشامًا و كان عبارة عن قميص أسود بحمالات مفتوح الصدر يصل لمنتصف فخذها و فوقه روب وسط إلى ركبتيها، إرتدته بضيق تحادث نفسها:
- إزاي مافيش بيچامة واحدة!!! كل اللي جايبُه سافل زيُه!!!
نظرت لنفسها في المرآة و قد ضاهى سواد القميص بياضها، إبتسمت و هي تُسدل خصلاتها البُنية المبللة، وجدت مجفف كهربائي رأته كثيرًا في الأفلام، فـ أمسكت به و حاولت تجفيف خصلاتها بحذر، حتى تجففت بالفعل، جلست على أريكة موجودة بالغرفة و همست لنفسها:
- شكلُه نسيني! يارب يكون نام!!
أغمضت عيناها لكن إنتفضت عندما سمعت طرقات على الباب، فـ صرخت به بعنف:
- عـايز إيـه!!!!
إنفتح الباب بقسوة حتى إرتطم بالحائط خلفُه لينكمش جسدها بخوف من فعلتُه لاسيما عندما وجدت مِحياه الغاضبة، رأته يتجه نحوها فـ إرتجف جسدها ليقبض على ذراعيها يُنهضها قائلًا بعنف:
- و رحمة أبويا صوتك لو عِلي بالشكل ده تاني هخليكِ تندمي ندم عمرك يا بنت الراوي!!!!
نظرت له بتوجس لا تنكر خوفها، غضبُه أعماه عما ترتديه، فكاد يبُخ بها غضبُه لولا عيناه التي إلتقطت كُتلة الأنوثة المتجسده بها و الموجودة بين يداه، أغمض عيناه يحاول التحكم في رغبتُه الجامحة بها، دفعها بضيق يوليها ظهرُه يهمس لنفسه كيف ترتدي الأسود!! ألم تجد سوى اللون الذي طالما عشقُه عليها، يكاد يجزم أن لولا عِلمُه بشخصيتها لكان ظن بها أنها تعرض نفسها عليه، إلتفت لها و هي تقف مشدوهة لا تعلم ماذا يحدث له ليصيح بها بحدةٍ:
- إيه اللي لبسك قميص نوم إسود!!! ما ترُدي!!!
لم تجيبه بل نظرت له حائرة من أمرُه، لتهمس بعد ثوانٍ:
- مش .. مش فاهمة، أنا لبستُه عشان محترم شوية!!!
تعالت نبرتها تقول بحدة:
- كل اللي في الدولاب حاجات سافلة و قليلة الأدب و آآآ
بتر كلماتها عندما وجدته يندفع نحوها يحاوط وجهها و هو يستند بجبينُه فوق جبينها يهمس بـ صوتٍ خافت:
- إستحملي اللي هيجرالك بقى يا نور!
- إنت .. آآ أنا آآآ
بـ ماذا ستنطق؟ و من أين ستأتي بحروفٍ لـ تُركبها و أنفاسُه الحارة تضرب بشرتها ، أغمضت عيناها و لم تحسب حساب إستسلامها بين يداه، لم تظُن أبدًا أن تأثير كلماته، و لمساته ستكُن بهذا القدر على قلبها، هي التي كانت تجزم و تقسم بأنها لم و لن تترك نفسها له، لن تتركه ينولها مهما حدث و لن تكُن لُقمة سائغة بين فكيه، و ها هي الآن كالحمقاء تتجاوب معُه و تستجيب لِم يفعل، و تم الأمر .. و أصبحت زوجته قولًا و فعلًا، و أصبحت بين يداه كما تمنى، لكن لِم يشعر أنه ليس راضٍ بعد؟ لِم يشعر بأن هنالك ما ينقصُه، كان يظُن أن لا شيء سيصل له بعد أن وصل لـها، لكن لماذا يشعر أن هنالك الكثير بعد .. و أن وِجهته لم تكُن لغَرض جسدها فقط! رغم سعادته التي لم يشعر بها من قبل و هي بين ذراعيه، و رغم تلك الليلة التي ستظل محفورة بقلبه طيلة حياته .. إلا أن الضيق تلبّس قلبُه، فـ دثّرها بالغطاء ونهض يقف في الشرفة صافعًا بابها خلفُه، تاركًا إياها مصدمة من الأمر برمته، من إستسلامها له و من ردة فعلُه، شعرت بقلبها تهشّم ظنًا منها أنها لم تلقَ إستحسانه، بالتأكيد أثار الضرب على ظهرها أثارت إشمئزازُه، لم تتحمل كومة النيران التي إشتعلت في وسط صدرها، إرتدت روبها و نهضت و هي تتوعد له، ستثأر لكرامتها التي بعثرها على الأراضي، فتحت الشرفة ليضربها الهواء بقسوة، إلتفت لها بإستغراب ليجدها إقتربت منه و وقفت أمامه تردف بحدةٍ و دموع القهر ملئت عيناها:
- أنا بـكـرهـك!!!
- في إيه!!
قالها بدهشةٍ و إهتمام حقيقي، هل أذاها؟هل لتلك الدرجة تألمت بسببه؟ هل كان عنيفًا معها بفعل رغبتُه القاتلة بها!
لم تتحكم في عيناها الخائنة لتُملأ بالدمعات تضربه على صدرُه بقبضة عنيفة صارخة بوجهه بصوت شعر بالألم بـ طياته:
- لو أنا معجبتكش للدرجة دي كان مُمكن على الأقل تنام جنبي!! مش تقوم من جنبي!!!!
ثم إنهالت دمعاتها فوق وجنتيها تصرخ بوجهه فيستشعر دمعاتها
و كأنها سوط يسقط على جسدُه:
- مدام قرفت من العلامات اللي على ضهري كُنت طلقتني و خدناها من قصيرها!
- عـلامـات!!!
أعاد الكلمة مرة أخرى على لسانه لا يُصدق ما نطقت به، و في لحظة كان يدفعها للداخل يغلق الشرفة جيدًا ثم إلتفت لها يقبض على ذراعيها يغمغم مصدومًا:
- علامات إيه اللي على ضهرك، لفي!!!
تلوت بين ذراعيه تهدر ببكاء:
- إبعد عني!!
- لــفـــي بـقـول!!!
صرخ بها وقد إستوحشت عيناه من شدة غضبُه يدفعها من كتفها لكي تستدير و توليه ظهرها، فعلت فـ فتح ذلك الروب لتشهق بخجل و هي تراه يُنزع ذلك الروب من فوق جسدها فـ سقط لتضُم ذراعيها لصدرها بخجلٍ رهيب، نظر لتلك العلامات مصدومًا، علامات ضرب حمراء بارزة عن الجلد نفسه بقليل، رفع إبهامُه يتلمس تلك الآثار فـ إرتجف جسدها، لينطق بصعوبة بعد أن شعر بلسانة مُكبلًا:
- مين عمل فيكِ .. كدا؟
- جوزها!!!
قالت تصُم كفيها لصدرها، لتنتفض عندما وجدته يضرب فوق باب الشرفة ضربة تلي الغرفة فـ أسرعت تخفي جسدها بالروب تلتقطه لترتديه و هي تتراجع للخلف من تلك الحالة المصعورة التي هو عليها، أخذ يضرب باب الشرفة و يزيح كل مقتنياته من فوق المزينة و يزيح تلك المزهرية المسكينة التي سقطت أرضًا متهشمة لشظايا زجاج، أغمضت عيناها بثباتٍ لا تدري ماذا عليها أن تفعل، لتفتح عيناها عندما وجدتُه يتنفس بسُرعة و كأنه للتو خرج رابحًا من سباق الماراثون، وجدته يختطف هاتفه يغضط على شاشته و ترى صدرُه العاري يعلو و يهبط، لتحده يضعه على أذنه يصرخ به بعنف:
- ديــاب!!! تقوم حالًا تجيبي واحد و** إسمه منذر ساكن في عين شمس عُمارة *** الدور الأولاني!!!
شهقت لتركض ناحيته تقف أمام تضع كفيها على صدرُه ترجوه و لأول مرة:
- لاء لاء و حياة أغلى حاجه عندك متعملش كدا!!! أمي تموت فيها والله تموت!!!
نظر لها للحظات ثم تابع حديثُه يقول بحدة:
- مش عايز الساعة دي تعدي إلا و هو في المخزن يا دياب!!!
كتمت شهقتها بكفيها ليغلق الهاتف معه يصرخ بها بعنف:
- أنـــا مـــش عــايــز أسـمـعـلـك صوت!!!!!!!
- ماما كدا هيحرالها حاجه!!!
قالت و هي تنظر له بصدمة و لم تسمع لما قال، فـ أمسك بكتفيها يصرخ بوجهها:
- فـي سـتين داهـية!!!! مجرالهاش حاجه عليكِ هيجرالها على النجس ده!!
ليتابع بشراسةً:
- مقولتيليش لـيـه من بدري!!! لــيــه!!!!
تركته و ذهبت جالسة على الفراش واضعة رأسها بين كفيها بألم، أخذ دقائق يحاول تهدئة نفسه، حتى أنطلق للكومود اليدذي يجاور الفراش ثم أخرج منه مرهم للجروح، ألقى به على الكومود ثم إتجه ناحيتها، ليُميل عليها يحملها بين ذراعيه، تعلّقت برقبته تقول بخضة:
- بتعمل إيه!!
وضعها على بداية الفراش ليجعلها تستلقي، يضع ذراعُه خلف ظهرها، يميل بجسده عليها فـ وضعت كفيها فوق صدرُه تنظر له بعدم فهم، أخذ كفّها ثم قبّل باطنُه لتُصدم، همس بحنان ينبع من صوتُه لأول مرة:
- هغطيكِ .. و هتديني ضهرك عشان أحطلك مرهم على اللي في ضهرك ده!!!!
جحظت بعيناها تُسرع قائلة:
- لاء لاء! أنا هبقى أعمل كدا!!!
أغمض عيناه ليستند بـ جبينه فوق مقدمة رأسها يقول بوهنٍ:
- نور .. مش عايز مُناهدة و عِند، أنا فيا اللي مكفيني صدقيني!
إبتعد عنها ثم قال بهدوء:
- يلا .. و أنا هغطيكِ عشان متتكسفيش!!
تنهدت بحُزن و إلتفتت بالفعل تعطي ظهرها له، سحب الغطاء على جسدها من آخر ظهرها ململمًا خصلاتها و برفقٍ أبعد ذلك المئزر عن جسدها ليرى ظهرها الأبيض تشـ.وّه بتلك العلامات القاسية على قلبُه قبل أن تكون على جسدها،و أخذ عبوة الكريم و هو يشعر بتمـ.زُق قلبُه، ثُم أفرغ القليل بين أصابعه، و أدفأ برودته بين مقدمة أنامله ثم وضع القليل على الجرح الذي إشتد إحمرارُه، سمع تآوهاتها فأغمض عيناه يبعد أناملُه عن ظهرها، ثم عاد يضعها مجددًا برفق شديد، ترك أثر و إتجه للآخر، حتى أنهى جميع جروحها، مال بشفتيه و نفث الهواء على الكريم لكي يجف، غلغل أناملُه بخُصلاتها فوجدها قد نامت، إبتسم و ظل يمسح فوق شعرها يقول متوعدًا:
- عهد عليا ما هسيب حقك، و هنسل أوسخ حزام عندي على جتتُه و هخليه يجيلك راكع يطلب منك تسامحيه!!!
ظل جوارها حتى إمتص جلدها المرهم، سقط بشفتيه يُقبل كُل جرح صغير طُبع على ظهرها، ينثر قبلات بطيئة حنونة مُتألمة على ظهرها، ثم دثرها جيدًا، و إرتدى ملابسه و غادر منتويًا على ما خطط له!!!
الفصل الرابع
رُبِـ.ـط في كُرسيّ حديديّ، رسغيه إزرقَّا من قوة الحبل السميك المربـ.ـوط به، أغمض عيناه يشعر بالد.ماء تسيل من كُل إنش بجسدُه بعد أن تم جـ.ـلدُه على يد فريد الزيات حوالي مئة جـ.لدة دون توقف، يأخذ أنفاسه بالكاد، حتى إستمع إلى خطوات أقدام تأتي نحوه، رفع عيناه يحاول تميزز مِحيا القادم، حتى وجده فريد، يشعل ضوء ذلك المخزن المتهالك، ثم يجلس أمامه و يشعل سيجارة أمام عيناه، أسرع مُنذر يرجوه قائلًا:
- أبوس رجلك يا بيه سيبني أمشي، و أنا و ربنا ما هتعرضلها تاني، بس سيبني أرجع لبيتي و مراتي!!!
إنزوت شفتيه يقول بمكرٍ:
- هسيبك ترجع طبعًا .. عشان إنت و مراتك تتحسر على حالك!!
أسرع ينظر له بلهفةٍ يذرف الدمعات، أشاء فريد لرجالُه لكي يحرروه من ذلك الحبل، ثم أمرهم بحدة:
- تاخدوه و ترموه قدام باب بيته بعد مـ تروّقوه شوية!!!
صرخ منذر برعب:
- لاء يا بيه أبوس إيديك كفاية أنا إتروقت بما فيه الكفاية!!!
جذبوه رجال فريد يجروه جرًا كالشاه، ف نهض هو يلقي بـ لُفافة تبغُه ثم يخطو فوقها، ليقرر الذهب لها، لـ ملاذُه و عشقُه الأوحد، لـ طفلتُه التي يعلم بهشاشتها رغم تلك القوة التي تدّعي وجودها، طفلتُه التي وطأوا فوق قلبها و دهسوه، كيف تحملت سقـ.ـوط حزام فوق جسدها؟ كيف تحمل أن يسمع صراخها و بكائها و بالتأكيد توسلاتها له أن يكِف و لم يفعل! ركض بالسيارة لـ بيتُه بأقصى سرعة لديه، ثم ترجل منها ليدخل الڤيلا و يصعد لغرفتهم، فوجدها قد إستفاقت و يبدو أنها تحممت، ترتدي بيچامة مُكونة من سروال قصير يصل لمُنتصف فخذها و كنزة بحمالات رفيعة تظهر بداية نهديها، توقف في مكانُه يأكل بعيناه تفاصيلها و هي تأتي الغرفة ذهابًا و إيابًا قبل أن تراه فتركض ناحيتُه و يركض معها خصلاتها المُبتلة و رائحة جسدها التي غمرت أنفُه، تقف على مقربٍ منه تقبض فوق قميصُه و القلق يحتل عيناها قائلة:
- عملت إيه؟!!!
نظر لها كالثمل، ليُردف و عيناه تسير على ملامح وجهها:
- فـ إيه؟
تناسى تمامًا ما فعل، تناسى من هو و كيف أتى و كيف أصبحت بين ليلة و ضُحاها جليسة غُرفته لا تبرح منها و سينام لترى عيناه ملامحها قبل أن تُغمض، و تُفتح على بداعة وجهها، ناظرته بذات القلق ثم أسبلت عيناها لجسدُه تتفحص إن كان بخير أم تأذى مثلًا، لتردف بلهفةٍ:
- فـ جوز أمي!!
رفع كفيه و حاوط وجنتيها يُمرر فوقهما إبهاميه يقول بهدوءٍ:
- متجيبيش سيرتُه على لسانك .. تاني!
إرتبكت من قربُه فـ همس بلُطفٍ و عيناه تتعلق بشفتيها بعدما راجع كلماتها:
- إزاي دماغك جابتك .. إني ممكن أكون قرفت منك؟
لم تُجيبه بل لنظرت لعيناه واضعة كفيها فوق كفاّه المُثبتان على وجنتيها فـ أردف بذات النبرة التي إمتلأت رفقًا:
- ده أنا قضيت معاكٍ ليلة مكُنتش أتخيل إنها تبقى بالجمال ده، حتى خيالي مجبش الجمال .. ده!!
إحمرار وجهها الخجول جعلهُ يبتسم، ليُميل مُقبلًا وجنتها الحمراء ثم عاد ينظر لها، أسرعت تبتعد عنه لتجلس على الفراش تفرك أناملها بتوترٍ، لم ييأس و إتجه لها جالسًا أمامها يُردف بهدوءٍ:
- بتهربي مني ليه؟
- مش بهرب!!
قالتها بضيقٍ رافضة فكرة الهروب التي تبتعد عن سِمات شخصيتها تمامًا، لتجدُه ينطق فجأة بـ:
- نور .. قولي فريد!
نظرت له بإستغراب، ثم قالتها بعفوية:
- فريد!!
إبتسم و لم يُعلق، لكن إختفت إبتسامتُه عندما غمغمت:
- كُنت .. يعني عايزة أقولك حاجة!!!
نظر لها بقلق ثم قال:
- قولي أربعة .. في إيه؟
- عايزة أشتغل!!
هتفت بهدوء زيّفته و هي تنظر داخل عيناه، رفع حاجبيه مشدوهًا من طلبها، ثم صمت لدقيقة .. دقيقتان حتى وصلا لـ خمس دقائق من الصمت التام، لا هي أضافت شيئًا و لا هو إستجاب لطلبها و لو بإيماءة!
- نور .. إنتِ عارفة أنا مين صح؟
هتفت بضيق:
- عارفة! و عارفة إن شغلي هيأثر على برستيچ سيادتك، و عارفة إن مينفعش مرات فريد الزيات تبقى بتشتغل!!!
- قبل كُل ده! أنا راجل دمُه حر، مقبلش يبقى مراتي فوقيها مُدير بيديها أوامر و هي بتقوله سمعًا و طاعًا، الفكرة بالنسبالي مش مُتاحة أصلًا، و بعدين إنتِ عايزة تشتغلي ليه! أنا هعملك حساب في البنك و هحطلك فيه المبلغ اللي تطلبيه .. فلوسي كلها تحت رجلك يبقى ليه الشغل يا نور؟
قال بمُنتهى المنطق، فـ نظرت له بدهشة، و سألته بنفس الدهشة:
- إنت ليه بتعمل معايا كل ده؟
ثم تابعت بحيرة:
- يعني أنا بنت عادية أوي، حتى شكلًا أنا مش ملكة جمال .. بنت عادية ملامحي مقبولة! ليه واحد زيك يتجوزني ؟
- إنتِ جميلة!!
قالها بتلقائية ليسترسل:
- شكلًا و موضوعًا، و بالنسبالك شايفة نفسك بنت عادية، بس أنا شايف فيكِ البنت اللي فيها كل صفات الست التي تصلُح تبقى مراتي!
جذبها من ذراعها برفق، و دفع رأسها تجاه صدرُه بحنو فـ أراحت رأسها عليه دون أن تبتعد عنهُ، أغمضت عيناها تشعر براحةٍ غريبة بين ذراعيه، ذلك العناق يذكرها بعناق أبيها، لا تعلم كيف حاوطت خصره و دفعت برأسها في أحضانُه تستنشق تلك الرائحة النابعة من ملابسه تُنعش بها رئتيها، و لا يستطيع هو وصف سعادتُه من ذلك العناق، فهو لأول مرة يشعر بها تبادلُه عناقه، مسح فوق خصلاتها مُقبلًا جبينها بهدوء، ليسمعها تغمفم بـ براءة تلمّسها في نبرتها:
- إنت كمان جميل!!!
إبتسم على براءة جملتها، ثم هتف:
- تعالي نخرج نتعشى برا!!!
قفزت من حضنه و صرخت بحماس:
- يلا بينا!!! هروح ألبس!!!
- ماشي!!!
قال و الإبتسامة مرسومة على ثغره يتابع ركضها لغرفة تبديل الملابس، تنهد و نهض لكي يستحم ثم يرتدي هو الآخر عاهدًا أن يجعلها في مُنتهى السعادة و لو كلّفُه ذلك عُمرهُ!!
• • • • •
جالسًا فوق الأريكة الوثيرة ينتظر خروجها، حتى خرجت و أخيرًا بـ ثوبٍ باللون الروز الباهت إنعكس على بشرتها فـ أظهر جمالها، كان بأكمام مُختشم إلا أنه تهدّل فوق جسدها فـ رسم تفاصيلُه بحرفية، مُظهرًا خصرها الإعوجاجي، و تناسق جسدها المميت لـ رزانتُه و هدوءُه، خصلاتها الناعمة إنهمرت فوق كتفيها و ظهرها مع لونهم البني الذي لاق لبشرتها وللون الثوب، و بعض من مساحيق التجميل برزت مِحياها، نهض و كان هو الآخر يرتدي بذلة مئزرها فوق معصمُه، وقف أمامها بعد أن تأملها، لينظر لها عندما أخذت خكوات بعيدة عنه تقول بفرحةٍ:
- بُص كدا .. حلوة؟
- زيادة عن اللزوم!!
إبتسم و هو يُصرح بحُب ظهر في عيناه! لم إمتعضت محياه عندما تذكر أن أُناس سيروها، و بالتأكيد ستتشبث عيناهم بـها، فـ قال بضيق ظهر في صوته:
- بس مينفعكيش!
طالعتُه بصدمة و ظنت أنه يقصد أن ذلك الثوب الذي يوحي بـ غلاء ثمنه و قيمته لا يليق بفتاة مثلها .. فـ رددت الكلمة على لسانها تشعر بوَقعها كـ وقع دلوٍ بارد فوق رأسها:
- مينفعنيش؟
هتف بحدة:
- أبدًا!!! ضيق و راسم جسمك! مينفعش!
زفرت براحة عندما فهمت مقصدُه، إبتسمت لتقترب منه تتشبث في قميصُه المفتوح أولهُ قائلة برجاء:
- لاء ده جميل أوي والله!!
- م أنا عارف إنه زفت جميل!
هتف بنفس الضيق، ثم أمسك بكفها ليوقفها أمام المرآه و هو خلفها كفُه مُثبت على خصرها:
- شايفة أد إيه ضيق؟ إنتِ فاكرة إني هسمحلك تنزلي كدا؟
نظرت لنفسها تتأمل الثوب على جسدها، لتلتفت له قائلة بلُطف:
- بس أحنا هننزل نركب العربية و ننزل من العربية للمطعم، محدش هيشوفني!!
أخذ كفها و سار بها لغرفة تبديل الملابس يقول بحدة:
- على أساس إن اللي قاعدين في المطعم دول فضائيين!!
ضحكت و سارت معُه حتى توقفا عِند خزانتها، أخرج لها مئزر جوخ طويل، وضعه على كتفها يقيس طول عليها وسط صدمتها و هي تردف:
- إنت بتعمل إيه!! إحنا في الصيف و ده بالطو!!!
- مش مهم!!!
هتف و هو يلقي بـ چاكيته لكي يجعلها ترتديه يُلبسها هو إياه، و بالفعل أغلقُه جيدًا و هي تتذمر بين يداه، صعدت عيناه لخصلاتها يهتف بحدة:
- و مسيِّبة شعرك!!!
ثم إلتقط مشبك شعر على شكل فراشة، و لفّها يلملم خصلاتها حتى عقصهم بقوة يثبتهم بذلك المشبك، إلتفتت له و قد إحمرّ وجهها غضبّا:
- حرام عليك يا فريد، شكلي بقى عرّه!!! حاسة إني صبي صنايعي!!!
ضحك حتى عاد برأسه للوراء، ثم نظر لها يقول بخبث:
- هو في صبي صنايعي بالحلاوة دي! ده أنا هاين عليا أقلّعك الفستان خالص و نقعد بلا عشا بلا بتاع!!!
شهقت بصدمة لتقول بغضب:
- آه أومال إيه .. م هو ده اللي ناقص!!
أمسكت كفُه تقول بضيق:
- يلا بقى قبل ما تعمل كدا بجد!!!
إلتقطت چاكيت بذلتُه و سار معها، لا يُصدق أن فريد الزيات ينساق خلف امرأة بمزاجه كُليًا!
• • • • • •
سحب لها المقعد لتجلس و الغضب يأكل ملامحه، فقد لاحظ نظرات النادل لها و لولا نظرتُه لها لكان الآن بين عداد الموتى بين يداه!! جلس أمامها يعود بظهره للخلف و لم يتحمل أن يجلس دون أن يشعل لُفافة التبغ، و فعل فـ طالعتُه بإستغراب، تأملت ضيقُه لتقترب بجزعها العلوي منه، جاذبة تلك السيجارة من بين شفتيه، وضعتها في المطفأة تقول بهدوء:
- إيه اللي مدايقك؟
- إيه اللي عملتيه ده؟
قال و عيناه إشتعلت كإشتعال تلك السيجارة قبل أن تُطفأ، لم تجيبه ليسترسل بعنف:
- مين سمحلك؟!
- أنا اللي سمحت لنفسي!!!
هتفت بجُرأة تستند برأسها للخلف هاتفة بثقة:
- أنا مبطِقش ريحة الدُخان!
أغمض عيناه يتحكم في غضبُه، ليردف بحدة:
- تتعودي يا نور!
- إنت اللي تتعود متشربهاش قُدامي!
هتفت بنفس الضيق، ثم لفّت وجهها تشيح به بعيدًا عنه من ضيقها، طرق فوق الطاولة بحواف أناملُه، ينظر لملامحها الجميلة التي بُهتت بضيق، كاد أن ينطق لولا أنه لمح ذلك النادل يقترب منهم لكي يأخذ طلبهم، زفر الأخير بضيق ثم أملى عليه طلبه لكي يُغادر و لم يسألها عما تُريد، عندما إبتعد النادل ناظرته بصدمة قائلة:
- إنت مسألتنيش هاكُل إيه!!
- عشان عارف ذوقك!!
قال بجمودٍ فـ إنفعلت و إحتدت نبرتها و هي تقول:
- عارف ذوقي منين!! أنا أصلًا مبحبش الجمبري!
- وطي صوتك!!!
قال بهدوء إستفزها أكثر، لتدفع بظهرها للمقعد تضم ذراعيها لصدرها تنظر أمامها بحُزن ظهر على عيناها، تنهد و نهض ليجلس جوارها، إلتقط ذقنها يلف وجهها له يقول بحنوٍ:
- عايزة تاكلي إيه و أنا أروح بنفسي أطلبهولك؟
- مش عايزه شكرًا!!
قالت دون أن تنظر له، تبعد كفه من على ذقنها، لكن فجأة وجدته يسحب مقعدها لمقعدُه واضعًا كفُه على خصرها، نظرت له بصدمةٍ فـ إبتسم و مال مُلتقطًا قبلة سريعة من شفتيها المنفرجة، شهقت و أسرعت تبعد وجهها عنه تقول بصعوق:
- إيه اللي عملتُه ده!!! في ناس حوالينا!!!
ثم أخذت تنظر لمن حولها و لكن لم تجد أحد ملتفتًا لهما فـ حمدت ربها، طالعته بغضب شديد ثم هتفت:
- إنت .. اللي عملته ده ميصحش قدام الناس!
- أنا أعمل اللي أنا عايزُه في أي وقت!!
قال بخبث، ثم هتف بمكرٍ:
- و والله لو ما قولتي دلوقتي أطلبلك إيه هبوسك بوسة بجد مش الزغزغة اللي عملتها من شوية دي!!!
لم تتحمل و ضربت فوق صدرُه من شدة خجلها، ثم قال بإرتباك رهيب:
- لاء لاء خلاص .. أنا عايزه رز و فراخ!!
ثم فكرت قليلًا لتردف مسرعة:
- و عايزه محشي ورق عنب!!!
إبتسم و قال و هو ينظر لشفتيها:
- أطلبي حاجه تانية ..
لم تلاحظ نظراته فـ قالت:
- شوية ملوخية!
- عنيا!!
قال و قبّل جبينها ثم نهض، جلست ترتب خصلاتها بتوتر و حيرة، ثم همست بإبتسامة:
- والله مجنون .. بس قمر يخربيت جمال أمه!!!
ثم ضحكت تخفي فمها الذي نطق بالذي لو سمعه لكان قتلها!، تنحنحت تعيد ذاتها الوقورة إليها، و شردت .. تحدث نفسها:
- ليه حاسة جنبُه بإحساس غريب أول مرة أحسُه مع حد؟ ليه حاسة إني في أمان طول ما هو قريب مني؟! ليه قلبي بيدُق بالشكل ده لما بكون في حضنه أو معاه .. بس أنا مش فاهماه! ساعات بيبقى حنين و ساعات قاسي، ساعات بيبقى عصبي و ساعات هدوءه بيستفزني، حاسة إنه بيحبني و في نفس الوقت مش طايقني! أقل حاجه مني بتعصبُه!
حاوط مقدمة رأسها تشعر بصداعٍ من كثرة الأفكار المتضاربة بـ ذهنها، حتى وجدته أتى و جلس جوارها، يقول و هو يميل برأسها لأسفل لكي يرر وجهها الذي تخفّى أسفل كفيها:
- مالك في إيه؟
همست بهدوء:
- مافيش .. دماغي واجعاني شوية!!!
مسح على خصلاتها و قال بقلقٍ:
- نروح لدكتور؟
نظرت له بإستغرابٍ، مجرد ألم رأسها جعله يقلق و يطلب منها الذهاب إلى الطبيب؟ و هي التي كانت تموت أمام أعين أمها من ألم معدتها عندما أتتها الدورة الشهرية لأول مرة و ترجوها أن تذهب بها لطبيبة لكن لم تفعل متحججة بأن ذلك الألم سينتهي و لن يطول! إبتسمت و نظرت لذلك القلق المرتسم في مقلتيه و لم تجيبُه، فـ قال بنفس الرهبة:
- مبترُديش ليه؟
قالت بهدوء و إبتسامة:
- شوية صداع يا فريد .. هيروحوا على طول!
قال برفق:
- طيب .. بعد م ناكل .. لو لسه الصداع موجود هنروح لدكتور!!
أومأت له و لم تجيبُه، فأتى الطعام على يد نادل آخر و وضع الطعام أمامهم فـ بدأت نور تأكل يـ جوعٍ، ثم نظرت إلى فريد الذي جلس يراقبها، لتلتقط إصبع من أصابع المحشي الملفوفة تلك و قال بلُطف:
- إفتح بؤك!
فتح فمه قليلّا و ذراعه مسنود على ظهر مقعده، أطعمته و قبل أن تبعد إصبعها عن مرمى شفتيها كان مُمسكًا بـ كفها يُقبل ذلك الإصبع قبلة تلي الأخرى أخجلتها، إبتسم ثم قال يحرر إنملها من بين أصابعه:
- عايز تاني!!
هتفت بلهفةٍ:
- حاضر!!
ثم جلست تُطعمة مُتناسية تمامًا جوعها، حتى نظر لها و لم يتحمل براءتها و نقاء قلبها، ليحاوط وجهها يُقبل وجنتها اليُمنى يتنفس رائحة بشرتها، إبتسمت لتنظر له عندما رفع وجهه يقول بحنان:
- يلا يا نور كملي أكلك!!
إلتفتت تكمل طعامها بالفعل حتى أكلت الكثير لتستند بظهرها للخلف تقول تشعر بالإمتلاء:
- حاسة إني إتنفخت!!
- لسه مصدعة؟
سألها بإهتملم فـ قالت:
- لاء الحمدلله راح!
جلسا معًا يتبادلا أطراف الحديث حول اللاشيء، ليتمر ساعتان فـ حاسب النادل و نهضا، خرجا من المطعم لتشهق عندما وجدت أمكار غزيرة تنهمر فوق رأسها، ضحكت ضحكات طفولية و هي تمد كفيها للأمام لتتلقى تلك القطرات التي تسقط على باطني كفيها كالورود المنثورة، ضحكت من قلبها فهي لأول مرة تمر بتلك التجربة، حاول فريد سحبها بضيق قائلًا:
- يلا يا نور نركب العربية!!
أسرعت تبعد كفها عن مرمى يدُه قائلة بسعادةٍ غامرة .. تشبه تلك الأمطار التي غمرت جسدها:
- لاء لاء عربية إيه ده أنا هفضل هنا لحد ما المطرة تخلص!!!
لتجذبه هي من ذراعه تجعله يقف أمامها قائلة بغبطةٍ:
- غمض عينيك كدا و حس بالميا و هي بتنزل على جسمك!!
هتف بهدوء:
- مبحبش المطر أصلًا!!!
صدمت صارخة بسعادة:
- مبتحبش المطر!! في إنسان طبيعي ميحبش المطر!!!
وجدها تفرد ذراعيها على جانبيها ترفع وجهها للسماء مغمضة عبناها، فـ صرخ بها بحدة:
- نـور!!! يلا عشان متبرديش!!!
- لاء لاء!!
قالت مسرعة تبتعد عنه خطوات عدة فـ إنفلتت أعصابه لاسيما عندما ترجته قائلة:
- و حياتي إستنى شوية!!!
أمسكت بكفه تصرخ بـ براءة:
- يلا نجري!!!
- إنتِ كدا لسعتي بجد!! إحنا هنجري فعلًا على للمستشفى بعد ما يجيلك إلتهاب رئوي و يطلعلك زور في إحتقانك مش إحتقان في زورك!!!
ضحكت من قلبها لتذهب معه عنوةً بعد أن تبللت ملابسها و خصلاتها لتدلف للسيارة تجلس جواره، إحتفظ بـ كفها بـين يدُه و القلق ينهش قلبه عليها، خائفًا من تبعات ما فعلت أو أن تمرض، و مجرد فكرة فقدانها تقتلُه و تجعلُه يود أن يموت في الحال، عندما وصلا .. ترجل هو أولًا بينما هي تثاقلت جفنيها بنعاسٍ، ليفتح الباب و يميل و في ثوانٍ كان يحملها بين يداه، تشبثت بـ عنقه بنعاسٍ تدفن أنفها في رقبت فـ تُدغدغ رجولتُه، سار بها للڤيلا و قبل أن يفتح كان الباب يُفتح ليجد عمتهُ تبتسم له بإصفرارٍ، دُهش من وجودها ليقول بإستغراب:
- عمتي!! إيه الزيارة المُفاجأة دي؟
رفعت نور عيناها لتنظر لتلك الواقفة بحرجٍ من وضعيتها بين ذراعيّ زوجها، لكنها طالعت هيئتها تلاحظ الغل قد تشكّل بعيناها قائلة بضيق حاولت إخفاءه:
- يارب بس تمون عجبتك يا فريد!
دلف فريد قائلًا بإبتسامة زائفة و هو يتجه للدرج ليصعد به:
- طبعًا يا عمتي، هطلّع مراتي و آجي نقعد مع بعض شوية!!!
تمسّكت نور بـ عنقه تنظر لتلك الواقفة و لم تجيبه بـ توجسٍ، فنظراتها التي كالرصاص نحوها جعلتها تهابها و تنكمش أكثر بين أحضان مأمنها الوحيد، دلف لغرفتهم ثم إلى غرفة تبديل الملابس ينزع عن جسدها ذلك المئزر، ثم لفّها و بخفة كان يفتح زمام ثوبها بينما هي مُنشغلة في التفكير في تلك السيدة، أبعد طرفي الثوي عن ظهرها ليُغمض عيناه يشعر بتلك الندوب على قلبُه هو، يُميل ليُقبلهما بلُطفٍ فـ إقشعّر جسدها و أغمضت عيناها تردف بإرتباكٍ:
- فريد!
حاولت الإبتعاد لكنه كان قابض فوق خصرها، ليقترب من أذنها هامسًا بها:
- مش لازم تخافي و ترتجفي كدا .. أنا مش هعملك حاجة، لإني عارف إنك تعبانة و مُرهقة النهاردة!
إلتفتت له و قبض فوق تلابيب قميُصه بينما هو تاركًا الحرية لأناملُه بالعبث فوق ظهرها يسير بطوله بأصابعه عليه، فـ تمتمت بحرجٍ:
- هي اللي تحت دي عمتك؟
غمغم بهدوءٍ:
- مممم
تابعت بحرجٍ:
- طب و هو يعني كان ينفع تشوفك شايلني كدا زي العيال الصغيرة، كان المفروض تنزلني أسلم عليها!! بس أنا الغلطانة .. لساني إتلجم لما لقيتها واقفة و بصراحة بصاتها مريحتنيش!!
تنهد ثم قال بإبتسامة:
- مش شايف فيها عيب لحد جاي من برا شايل مراته، و بالنسبة لبصاتها فـ أنا مش عايزك تخافي من حاجه و أنا معاكِ!
ثم حاوط وجنتيها المغطان بخصلاتها يقول بحنان:
- يلا أنا هطلع .. و إنتِ غيّري هدومك و نامي!!
ثم همّ بالذهاب فـ تشبثت بقميصه كـ طفلة لا تريد أبيها أن يبتعد عنها، تسألُه بـ براءة:
- هتغيب تحت يعني؟
مال طابعًا قبلة جوار شفتيها بالضبط فإبتسمت و لأول مرة لا تخجل قربُه، بل باتت تعشق وجوده بالقرب منها هكذا، إبتعد عنها ثم قال ينظر لعيناها اللامعة:
- كُنت هغيب، بس بعد الجملة دي رُبع ساعة بالظبط و هطلعلك!!!
إبتسمت ملء ثغرها ثم قالت:
- ماشي!!!
قبّل مقدمة رأسها و ذهب، فـ ضربتها برودة غريبة فور إبتعادُه عنها، زمت شفتيها بحزن عندما أدركت تأثير وجوده عليها، نزعت ذلك الثوب و إرتدت منامية نوم مريحة تتكون من قميص بلون الروز أيضًا قصير معه المئزر الذي إمتلأ بريشٍ رقيق، إبتسمت لنفسها و جففت خصلاتها ثم خرجت، تسطّحت فوق الفراش البارد و إنتظرت دخوله في أيّة لحظة، لن تنام سوى عندما يأتي و يضمها لأحضانه فـ تدفن وجهها بصدرُه و هُنا فقط تستطيع النوم بـ سلام! بعد دقائق وجدته قد دلف و الضيق يحتل ملامحه، إعتدلت في جلستها تنظر له بترقب لتجده ينزع عنه قميصه و يلقي به أرضًا فـ ظل عاري الصدر، ذهب نحوها لتتفاجأ به ينام على معدتُه جوارها لكنه أسند رأسه فوق صدرها محاوطًا خصرها، إبتلعت شهقاتها الخجولة و لم تقُل شيئًا، بل وجدت نفسها تحيط رأسه و تغلغل أنامله داخل خصلاته الناعمة الكثيفة و يدها الأخرى تمسح فوق ظهره، ثم همست بحنو ينبع منها لأول مرة:
- مالك طيب؟ قالتلك حاجه دايقتك!!!
أغمض عيناها يتذكر حديثها الذي أشعل نيرانٍ بقلبه عن ماهية الفتاة التي تزوج منها، و كيف أنها بحثت عن عائلتها فلم تجد لها إسمٍ ولا أصلٍ و لا فصلٍ، و وبّختُه لأنه تزوج منها و ءسماها على إسمه، تذكر كيف حاول ضبط أعصابُه لكي لا ينفعل على من هي بعمر أمهِ، أغمض عيناه و أسند أذنيه فوق موقع قلبها يقول بهدوء لا يضاهي إنفعاله:
- لاء يا نور مقالتليش حاجه!
ثم تابع:
- أنا بس حاسس إني مُرهق شوية، و عايز أنام هنا .. في حُضنك!!
رُغم خجلها من ذلك الوضع إلا إنها حاوطت رأسُه تناديه بهدوء:
- فريد!
- نعم!
قالها متلذذًا بسماع صوتها من ثغرها، فـ غمفمت بحيرة:
- هو إنت ممكن تندم إنك إتجوزتني؟
- ليه بتقولي كدا؟
قال و هو يُفاجأها بـ أن قبض على خصرها يُزيحها لأسفل لتكُن في مواجهته، شهقت و وضعت كفيها على صدرُه، فـ ثبّت كفّها فوق صدره و قال و هو يتفرس ملامحها بعيناه:
- اللي بتقوليه ده هبل! أنا متجوزك بإرادتي .. و أنا مُستحيل أندم على حاجه عملتها بإرادتي و مزاجي!!
أسرعت تبعد وجهها عنها لتعطس تفرك أنفها تحمد ربها على عدم توقف قلبها في تلك العطسة، فـ إبتسم ولكنه ناظرها بقلق و مسح فوق خصلاتها وجبينها يقول:
- أكيد خدتي برد
نفت برأسها تقول بـ هدوء:
- خلينا بس في اللي كُنا بنقولُه!
تابعت و أناملها تعبث بـ زر قميصُه بإرتباكٍ:
- إنت .. إنت إتجوزتني ليه يا فريد!
- كُنت عايزك!
قالها ببساطة، فـ توقفت عن العبث بـ زر قميصُه و نظرت لعيناه بصدمة:
- عايزني!! بس؟
فكر في سؤالها لثوانٍ، ليثبت لها و لنفسه حتمية ذلك الأمر بقوله:
- آه بس!!
- معنى كلامك .. إن جوازنا مؤقت، هينتهي بإبنتهاء رغبتك دي فيا!!!
قالت مصدومة مما يقول، تأمل كلماتها يفكر به مليًا، هل ما تقولُه صحيح؟! مُحال هو أن يتركها، كيف له أن يبتعد عنها بعدما ذاق لذة قُربها، بعدما جرّب حُضنها و إستشعر دفء قُربها و وجودها بحياته، كيف له أن يحيى دونها؟ دون ضحكتها و دون عيناها! كيف سيخطو هذا الفراش الذي تلذذ بنومها فوقه من دونها؟ يُجزم أن ذلك الفراش سيتحول من جناتٍ نعيم إلى جحيم مُضجر إذا لم تكُن فوقه و جواره و بأحضانه!
و لأنه فريد الزيات الذي لن يُصرح بتلك الأشياء أبدًا، نظر لها بهدوء و قال:
- معرفش الله أعلم!!
- كُنت فاكراك بتحبني!
هتفت بخذلان ظهر في صوتها، تنهّد و قال بضيق:
- أنا بكرَه الحُب!!
إنفعلت تعابير وجهها و ضربت فوق صدرُه بغضب رهيب:
- و أنا بكرهك!! أنا كُنت فاكراك بتحبني!! طب ليه عشمتني .. ليه دافعت عني و خوفت عليا و إدتني أمان و في لحظة سرقتُه مني!!!
لم تجد تعبير واحد على وجهه، ليعلو صدرها و يهبط من جهدها في ضربه فوق صدره، لتخاف عندما وجدته يقبض فوق كفيها يظفعهما على الفراش جوار رأسها بعنفٍ يثبتهما بكفيه بحدة، رغم هدوء وجهه و عيناه إلا أن ذلك الهدوء أخافها أكثر، تآوهت بألم تغمغم:
- آآه .. إيدي!!!
- هقطعهالك .. لو فكرتي ترفعيها عليا تاني!!!
قال بحدة و قد تملّك الغضب منه فشدد أكثر و أكثر فوق ذراعيها مما جعلها تعود برأسها للخلف تتآوه بألمٍ أكبر:
- آه آه فريد!!!
نهض من فوقها نافضًا ذراعيها من كفيه، ثم دلف للمرحاض و صفع بابه خلفه، فـ ضمت هي ذراعيها لصدرها بألم و هي تإن من شدة وجعها، أغمضت عيناها لتعطش مرة أخرى و هي ترتجف من شدة البرودة التي تضرب جسدها فورما يبتعد عنها و يتركها، دثرت جسدها جيدًا و أغمضت عيناها بإرهاقٍ حتى نامت بالفعل، خرج من المِرحاض بعدما تحمم مرتدي بنطال قطني و صدره عاري، وجدها نامت فـ أغلق الأنوار ليغط هو الآخر في نومٍ عميق!!
• • • • • •
فتح عيناه على ضوء الشمس الذي تخلل غرفته و قبع بها، فـ فتح عيناه بضيق ثم نهض يغلق أبواب تلك الشرفة و عاد للفراش، بكنه للحظ من نصف فتحة عيناه إرتجاف جسدها و همهماتها و العرق يتصبب من وجهها! فرك عيناه و أسرع ناحيتها يجلس جوارها بالضبط يمسد على جبينها فوجده مُلتهبًا، إتسعت عيناه بصدمةٍ ليميل فوق جسدها و يده تسير على ذراعيها العاريان و على رقبتها ليجد كامل جسدها ساخنًا، أسرع واقفًا لا يعلم ماذا سيفعل، إتجه ناحية الثلاجة الموجودة في غرفتهم ليخرج منها مكعبات ثلج ثم سكبها في الطبق و صبّ فوقها مياه شديدة البرودة، أغرق بها قماشة نظيفة ليأخذ الصحن و ذهب لها، وضعه على الكومود و إعتصر القماشة جيدًا ليضعها فوق جبينها .. و من ثم رقبتها و صدرها، رفع ذراعها ليضعها على إبطها و هو يعلم جيدًا أن ذلك المكان يمتص البرودة، مال و مسح فوق وجنتها و همس بـ قلقٍ رهيب:
- نور .. حبيبتي سامعاني؟
لم يتلقى منها سوى همهماتٍ بسيطة تقول فيها بصوتٍ خافت بالكاد سمعه:
- جسمي .. سُخن أوي .. و باردانة أوي أوي!
أبعد تلك القماشة عنها و غمسها في المياه مجددًا ثم إعتصرها و وضعها فوق صدرها و رقبتها ثم مسح فوق خصلاتها بحنو يقول:
- عشان تبقي تُقفي تحت المطر كويس!!!
أنت بألم تهمس بنفس النبرة الخافتة:
- إيدي كمان .. و .. واجعاني أوي
إلتقط رسغيها و رفعهما لـ شفتيه يبادل القبلات بينهما بحنوٍ و هو يرى أثار أنامله فوق كفيها قائلًا:
- حقك عليا!
لم يتلقى منها حرفٍ، يراها تإن بألم فـ أبعد تلك القماشة ثم نهض يميل عليها يحملها بين ذراعيه يردف:
- مبِدهاش بقى!!!
تمسّكت بعنقُه تقول بخوفٍ و وهن:
- فين .. رايح!!!
- هنستحمى!!!
قالها بإبتسامة فـ أسندت رأسها فوق صدرها بعدما شعرت بثقلها، صعد بها لمكان الإستحمام و الذي كان عبارة عن مكان زجاجي مُلحق بـ باب و صنبور الدُش يعلوهما، فتح الصنبور فـ إنهمرت المياه فوقهما لتتمسك هي برقبته تشهق من برودة المياه ترجوه:
- لاء لاء .. بتعمل إيه نزلني!!!
- مش هتخفي غير كدا!!
قال و هو يقربها لصدرها يوجه جسدها للمياه بالضبط، فـ أخفت وجهها بصدرُه العاري تقولبرجفةٍ:
- فريد!!
فورما تنطق إسمه يشعر بقلبه ضعيفًا أمامها، أغمض عيناه و أنزلها على قدميها فـ أسرعت تلقي بجسدها بأحضانُه تقول و كل خلية بجسدها ترتجف من شدة برودة المياه:
- خلينا نطلع يا فريد .. أنا بردانة أوي!!!
تلقى جسدها بين ذراعيه ليحاوطها يمسح فوق خصلاتها يرفع وجهها الأحمر له، ثم ألصق وجنته بوجنتها فوجد حرارتها قد إنخفضت، أغلق الصنبور و خرج من ذلك المستطيل العامودي الزجاجي فـ قالت برجفةٍ:
- هتروح فين!!
- هجيبلك فوطة!!
قال و هو يبحث عن منشفتها فـ لم يجدها ليلتقط منشفتُه و ذهب لها، حاوط جسدها بتلك المنشفة، حملها بين ذراعيه مجددًا ثم ضمها لصدره مقبلًا جبينها، دلف بها لغرفة تبديل الملابس ثم أنزلها، أخرج لها بيچامة ذات أكمام من النوع القيطفي المخملي، أبعد تلك المنشفة عن جسدها و بجرأة أزاح حمالة قميصها فـ تشبثت به تبتعد عنه قائلة بتعبٍ:
- بـ .. بتعمل إيه!!!
- هلبِسك يا نور .. متتكسفيش مني!!!
قال بلُطف، فـ نفت برأسها تقول بضيق:
- متشكرة، أنا مش عايزة حاجه منك!!! إنت فاكر إني ناسية كلامك إمبارح؟ و لا ناسية إيدي اللي طلّعت ضيقك كله فيها!!! لو سمحت يا فريد إطلع برا!!
نظر لها للحظات ثم قال بجدية:
- تنسي أو متنسيش دي مش مشكلتي،أنا هطلع و إنتِ إعملي اللي إنتِ عايزاه!!!
الفصل الخامس
- بـ .. بتعمل إيه!!!
- هلبِسك يا نور .. متتكسفيش مني!!!
قال بلُطف، فـ نفت برأسها تقول بضيق:
- متشكرة، أنا مش عايزة حاجه منك!!! إنت فاكر إني ناسية كلامك إمبارح؟ و لا ناسية إيدي اللي طلّعت ضيقك كله فيها!!! لو سمحت يا فريد إطلع برا!!
نظر لها للحظات ثم قال بجدية:
- تنسي أو متنسيش دي مش مشكلتي،أنا هطلع و إنتِ إعملي اللي إنتِ عايزاه!!!
تركها تقف وحيدة ترتعد من البرودة، لتجلس على الأريكة تفكر في كلماته التي ألقاها بوجهها البارحة و التي لم و لن تقتنع بها، فإن كان زواجه منها ليس إلا رغبةً لكان أجبرها في أول يوم على إمتلاكها، وقفت عازمة على إثبات كذبه لنفسها، لتخرج من الغرفة تبحث عنه فوجدته جالس على الأريكة، ترددت لكن حسمت أمرها هامسة:
- فريد!!!
- يا نعم!!
هتف بضيق و هو ينظر لهاتفه، فـ قال مُصطنعة التعب:
- جسمي مش قادرة أحركُه .. ينفع .. يعني تيجي إنت تلبسني!!!
- قولنا كدا!!
قالها ساخرًا لينهض يسير خلفها، سارت هي أمامه تتمنى لو أن الأرض إنشقّت و إبتلعتها بجوفها، وقفت أمامه كالطفلة التي تنتظر عقاب والدها، و هو كان عقابًا لها بالفعل، بدأ في نزع ذلك القميص عن جسدها، أغمضت عيناها من شدة الخجل و هو لم يتوانى عن نز.ع حتى ملابسها الداخلية، فتحت عيناها لترى عيناه تُظلم برغبةٍ لكنه بهدوء ألبسها المنامية الثقيلة دون حتى أن يقترب منها، أغمضت عيناها و إقتربت منه ترفع ذراعيها له قائلة بتعب:
- وديني السرير!!
حملها بين ذراعيه فإلتصقت به مصدومة أنه لم يقترب منها و في نفس الوقت فرِحة للغاية، وضعها على الفراش ثم تركها و جلس على الأريكة فقالت بهدوء:
- مش هتنام؟
- هخلص حاجه و هنام!!
قالها متحاشيًا النظر لها، فهو يريدها و لكن لا يريد أن يكُن أنانيًا كعادته مع أي شخص سواها، لا يريد أن يرهقها فوق إرهاقها حتى لو كان سيـ.مُت إن لم تكُن بأحضانه، فيـ.ـمُت و لكن لا يُرهق روحها! سمعها تقول بوهن:
- طيب ممكن تيجي ثانية يا فريد!!
نهض و إتجه نحوها فـ حاوطت عنقه تجذبُه عليها قائلة بتعب:
- مش عارفة مالي .. حاسة وشي و جسمي سخنوا تاني!! إلمس وشي بـ خدك و شفايـ.ـفك كدا!!!
تنهد و فعل فـ إبتسمت بمكرٍ و هي تستشعر شفتيه فوق جبينها نزولًا لـ وجنتها، جلس جوارها و همس بهدوء أمام شفتيها:
- حرارتك نزلت عن الأول كتير!!
- أومال طيب!!
همست بحُزن زائف كل الزيف، و عيناها مثبتة على عيناه، تنهد و قال بهدوء:
- هطلبلك دكتورة تيجي تشوفك!
أسرعت تتمسك بعنقه قائلة بـ براءة:
- لاء متمشيش، خليك جنبي!!
نظر لها بإستغراب ثم قال ساخرًا:
- سبحان مغير الأحوال .. إنتِ كدا سخنة بجد!!
تنحنحت بحرجٍ و غمغمت:
- خلاص لو عايز تقوم قوم .. بس متطلبش دكاترة أنا هبقى كويسة!!!
- لاء مش هقوم!
قال و هو يمرر إبهامُه فوق وجنتها، شعرت بقلبها سيتوقف تتمنى ألا يفعل و يبدأ في القرب منها .. فـ هُنا ستتأكد من أنها بـ كينونتها لا تشكل فارقًا أمام رغباتُه، حاولت أن تدغدغ ضميرُه عندما همست بوهن:
- أنا تعبانة أوي يا فريد .. حاسَّة كإني بموت!!
إنقبض قلبه و نظر لعيناها موبخًا إياها:
- بعد الشر إيه الجنان ده!! شوية سخونية و هيروحوا على طول!!
ثم دفن أنفه في عنقها قائلًا بهدوء:
- و لولا إني عارف إنك تعبانة .. كان زماني عاقبتك بطريقتي على جملة زي دي!
رفع عيناه لعيناها التي برقت و قد تأكد حدسها:
- أنا رغم إني عايزك دلوقتي و مش عايز غيرك .. بس مقدرش أقربلك طول م إنتِ تعبانة!!
أسرعت تسألُه و الإبتسامة تزين ثغرها:
- ليه؟
قال و هو يلف خصلة من خصلاتها البنية حول سبابته:
- مش عارف .. يمكن مقدرش أبقى مبسوط و إنتِ تعبانة!
إبتسمت ملء فِيّها ولم تُعلق، فـ أراح جسده جوارها و أغلق الأنوام بذلك الجهاز المتحكم المتنقل، ثم جذبها من ذراعها لتقبع بأحضانه فـ فعلت، و لم تكُ تتوقع أنه لن يتقرب منها هكذا، ظنت أنه لربما سيحاول و يتراجع لكنه لم يفعل البتة، من فرحتها لم تنام، إنتظت نومه بلهفة و تأكد من سُباته ثم إنهالت على وجهه بقبلاتٍ بريئة فرحة تُمتم بسعادة:
- يا كداب مطلعتش متجوزني عشان الغرض الدنيء ده .. يا كـداب!!!
حاوطت عنقه تتنهد و لأول مرة تشعر بفراشاتٍ تحلق في معدتها و بقلبها ينبض بتلك القوة، أغمضت عيناها تدفن وجهها بعنقه قبل أن تنهض و تخرج من غرفتهما لكي ترتشف شربة ماء، ترجلت من الدرج فوجدت عمته جالسة تقرأ كتاب واضعة قدمٍ فوق أخرى بغطرسةٍ، فـ إتجهت لها نور تردف بهدوء:
- إزي حضرتك؟
نظرت لها عمته من فوق نظارتها الطبية و قالت بضيق:
- كنت كويسة .. بعد ما شوفتك إتغميت!
نظرت لها بدهشة، لكن تداركت الأمر فـ جلست أمامها على المقعد بظهرٍ مفرود لتقول ببرود:
- ليه بس كدا كفى الله الشر ربنا ما يجيب غم!!!
ألقت نرجس بالكتاب و هدرت بها:
- أنا مش فاهمة ابن أخويا راح جابك من أنهي داهية!! لا عيلة ولا مستوى ولا حتى تعليم!!! أكيد دبستيه و نم.تي معاه عشان تعرفي تتجوزيه .. م إنتِ تربية حواري!
طالعتها نور بغضب ناريّ لتنهض واقفة أمامها تشير بإصبعها في وجهها:
- إسمعي يا ست إنتِ .. متخلينيش أطلع وش تربية الحواري عليكِ و أخليكِ متنطقيش كلمة، أنا لحد دلوقتي عاملالك حساب إنك عمة جوزي اللي بحبُه و بموت فيه، و لـ أجل عيونه تكرم ألف عين، لكن قسمًا بربي لو فكرتي بس مجرد تفكير توجهي أي إهانة ليا أو لأهلي أنا مش هعمل حساب لحد أبدًا!!!
ثم تعالى صوتها تقول بعصبية شديدة:
- و البيت ده ميدخلهوش غير المحترمين، و مش مسموح لأي حد أيًا كان مين يتعامل فيه بعدم إحترام!!!
ثم تركتها و ذهبت دون أن تنتظر ردها، أخذ صدرها يعلو و يهبط من شدة الجهد الذي بذلتُه في حديثها معها، أغمضت عيناها و إستندت على رخامة المطبخ متناسية تمامًا لِما أتت بالأصل، جلست تحاول تهدئة قلبها الذي إنغصّ بتلك الإتهامات الباطلة التي أُلقيت عليها، سمعت خكوات تأتي من خلفها لتجدها هي، تقول بإبتسامة ساخرة و بكل برود:
- إنت مُغفلة!! فاكرة إنه بيحبك .. و هو لسه مطلع فيكِ بلاوي من كام ساعة بس!! تحبي تسمعي بودنك يا .. يا نور!!!
نظرت بها بعدم إستفهام، لتعشر بقلبها توقف عن النبض عندما سمعت ضوته من هاتفها يقول بضيق:
- أنا مش عايزها يا عمتي! أنا و إنتِ عارفين إني متجوزها مؤقتًا و هطلقها في أقرب وقت ..فـ ياريت منفتحش مع بعض السيرة دي تاني!!
طالعت الهاتف بـ نظرة خاوية شعرت بها أن قلبها قد أُميتَ، قد توقف تمامًا عن النبض! أغمضت عيناها و شعرت بدوار يفتك رأسها، لتسمعها تقول بـ شماتةٍ:
- لو لسه عندك ذرة كرامة إمشي من هنا! ملكيش مكان مع فريد الزيات .. و نصيحة مني بعد كدا بُصي على أدك عشان رقبتك .. متتكـ.ـسرش!!!
ثم تركتها ببساطة و ذهبت، حاولت هي السيطرة على دقات قلبها الجنونية و كإنها آخر دقات له، الدماء تنسحب تدريجيًا من جسدها حتى إنهارت فوق الكرسي واضعة كفها فوق رأسها، ظلت هكذا دقائق حاولت بهم لملمة شتاتها و جمع ما تبقَّى من كرامتها التي بعثر بها الأراضي، صعدت لـ غرفتهم و حمدت ربها أنها وجدته نائم نومًا عميقًا، أخذت هاتفها البسيط و إرتدت ثيابها التي أتت بها، و لأن الفجر كان يؤذن فإنتظرت قليلًا حتى أشرقت الشمس، ثم أسرعت تخرج من ذلك المكان الذي كانت تظن أنها ستقضي به أجمل أيام حياتها، أسرعت بخطواتها لتستقل سيارة أجرة حمدت ربها أنها وجدتها في هذا المكان النائي، جلست تفكر ماذا ستقول له و إلى أين من المفترض أن يقلها، حتى وجدت نفسها تصف لها ما يطلق عليه بالبانسيون الصغير الذي يكفي ليلتان بالمال الذي بحوزتها، عندما وصل ترجلت و هي تحاول إيقاف الدمعات التي ملأت عيناها تشعر بقلبها يحتـ.ـرق بنيرانٍ موقدة، دلفت لمن تستقبل الزائرين لذلك البانسيون و أخبرتها أنها ستقضي ليلتان و أعطتها بطاقتها، سلّمت المال لها فـ أعطتها الأخرى مفتاح غرفتها، ذهبت لها و عندما دلفت لتلك الغرفة البسيطة إرتمت على الأرض تبكي بحُرقة قلبٍ ملكوم، مرارة حلقها لا تنفك تُمرر حياتها، نامت مكانها من شظة تعبها و الدموع على مسامات بشرته رافضة أن تجف مربتة على وجنتيّ قد لُطخا بالألمِ
• • • •
- نــــور!!!!
نادى عليها بصوتٍ عالٍ حتى شعر بأحباله الصوتية تتـ.ـقطّع، منذ إستفاقته و هو يدور عليها بالأرجاءِ عندما لم يجدها جواره، سأل عليها عمته التي نفت رؤيتها بالأصل، فـ لم يتوانى عن الذهاب لأمها علها قد ذهبت إلى هناك، لكن قول أمها الجاف إستوقفُه:
- مشوفتهاش .. روح دوّر عليها بعيد عننا!!!
ثم تابعت:
- و إتأكد إنها لو جات أنا اللي هتصل بيك تيجي تاخدها من هنا، كفاية اللي حصل لـ مُنذر من ورا راسكوا!!
ذهب بعد أن جاهد لكي يحافظ على ثباتُه الإنفعالي و ألا يُخرِج شحنات غضبه بأكملها على تلك التي نُزعَت الرحمة من فؤادها، هاتف رياض يصرخ به أن يجدها قبل أن تغرب الشمس، و هو الآخر بحث عن إسمها بجميع المستشفيات و بكن لم يجده مقيد بأي منهم، توقف للحظة يلعن غباءه الذي أنساه أن يهاتفها على هاتفها، و فعل و لكن وجده مُغلق فـ ألقى بهاتفه فوق تابلوه السياره و هو يشعر بقلبه سيتوقف من خوفه عليها، أعاد رأسه للخلف يطرق بحوافِ أناملُه فوق مقود السيارة و هو لا يستطيع وصف شعورُه كيف لها أن تتركُه بتلك البساطة و تذهب، ما الذي ضايقها؟ ما الذي دفع بـ عشقُه الأوحد أن تذهب و تتركه وحيدًا ملكومًا لا يعلم عنها شيء! كيف لها أن تركُل قلبُه و تندفع بعيدًا غير مُبالية بـ شيء ولا حتى .. به!
• • •• • •
يومان عصيبان مرّا عليه كمرور شاحنة فوق قلبُه، يومان مرّا دون أن يرى مقلتيها الذابحتان، دون أن يشتمّ عبير رائحتها، دون أن تجلجل ضحكتها الجميلة في أذنيه فـ تنعش روحه، دون أن يسمع صوتها الأنثوي المُسكر، لا يعلم ماذا حدث لها و إن كانت بخير أم أصابها مكروهٍ!
خرجت هي بعد اليومان من الفندق عازمة على الذهاب لأمها، فهي لن تتركها تُبيت في الشوارع بالتأكيد، واقفة أمام باب ذلك المنزل الذي ذاقت فيه العذاب الوانٍ، ذلك المكان الذي لم تكُن تتخيل أنها ستعود له بقدميه و لكن تلك مرارة قدرها، وجهها شاحب بالكاد تتنفس، رفعت كفها و طرقت فوق الباب راجية أن تفتح لها أمها و تتلقاها بين ذراعيها، فُتح الباب بعد ثوانٍ، لتجد أمها تقف أمام بذات الملامح القاسية التي تتمنى لو تلين لثوانٍ فقط، نطقت نور بـ وهنٍ:
- ماما!!
- جاية بيتي ليه؟!
قالتها بحدةٍ جرحت قلبها و أنزفته، فـ قالت بألم:
- جاية هنا عشان مقعدش في الشارع
- لاء أقعدي في الشارع يا بنت بطني!!
هتفت بها بقسوةٍ تجرّعتها حتى فاضت منها، ثم صفعت الباب بوجهها، نظرت للفراغ الذي تركتُه و قد تجمع بقلبها خذلان لا حصر له، أُغلقت جميع الأبواب في وجهها، لم تدري ماذا تفعل فـ جلست على عتبة الباب تنظر لذلك الهاتف الذي أغلقته بمحض إرادته، فتحته لكي تبحث لها عن أيّ عمل يأويها، فـ مرت إحداهن من كبار السن تقول بعد إن شهقت بصدمة:
- نـور!! مالك يا بنتي قاعدة كدا ليه!!!
رفعت نور رأسها لها و قال بهدوء:
- مافيش حاجة يا خالة فتحية!!
أمسكت بذراعها تقول برفق:
- طب قومي يا ضنايا، قومي أقعدي معايا شوية و فطّميني على اللي حصل!
نهضت معها بالفعل لتذهب لبيتها، ربتت فتحية على ظهرها و هي تقول بحنان أموي:
- أقعدي يا حبيبتي و أنا هروح أعملك لقمتين تاكليهم!! أكيد مكلتيش حاجه من الصبح!!
إبتسمت بشخرية مريرة، لا ليس من هذا الصبح لم تأكل، بل من صباح اليوم الذي غادرت به، أخرجها من شرودها رنين هاتفها .. قطبت حاجبيه بإستغراب فـ من الذي سيهاتفها .. فتحت الخط و قالت بهدوء:
- ألو؟
أتاها صوت تعلمه عن ظهر قلب، صارخًا به صيحةً جعلتها تنتفض:
- إنـــتِ فــيـن!!!!
أغمضت عيناها و شعرت بقلبها يهتز، بينما هو كاد يجن و هو جالس في مقعد سيارته كم جلس فوق الجمر يهتز بعنف ضاربًا بقبضته المقود، بل خرج من سيارته بأكملها و قال بنبرةٍ لا تضاهيها عنفٌ:
- رُدي .. ردي عـــلــيــا!!!!
لم يستمع سوى لـ شهقة تنذر ببكائها فـ إنفجرت بالبكاء بالفعل، وقف للحظة و أسوأ السيناريوهات تدور بذهنه، فـ قال بـ توجسٍ:
- بتعيطي ليه؟ حد عملك حاجه؟!
لم تُجبيه و إستمرت في بكاءٍ خفيف، فـ قال و قد لان قلبُه:
- نور .. قوليلي إنتِ فين و نقعد نتكلم و بعدها هعملك اللي إنتِ عايزاه .. و لو عايزه تطلقي هطلقك بس قوليلي إنتِ فين الأول!
وجدها تنطق بصوتٍ مهزوز:
- أنا .. أنا هنا عند جيراني، أمي .. مرضيتش تدخلني!
إستقلّ السيارة و قد إسودت عيناه وليردف و هو يقود بسرعةٍ كبيرةٍ:
- خمس دقايق و هتلاقيني قُدامك!! متتحركيش من مكانك!
أغلق معها و بالفعل في دقائق معدودة كان يصف سيارته في شارعها، و ترجل منها يبحث عنها كالمجنون .. كـ من ضلّ سبيله، حتى وجدها تخرج من البيت المُطل على الشارع مباشرةً، تنظر له بعيناها التي إشتاق لها إلى حدٍ لا حد له، خطى بخطواتٍ عنيفة ناحيتها فـ تراجعت إلا أن كفيه الذان أحاط بهما كتفيها أوقفوها، يطالعها بغضبٍ و حنين إمتزجا معًا، يريد أن يصفعها و في نفس الوقت يعانقها حتى يمزق جسدها، و لم يتوانى عن فعل ذلك، بعنفٍ جذبها لصدره رافعًا ذراعيها لـ عنقه يميل قليلًا لكي يصل لمستواها ضاغطًا على ظهرها و خصرها ضد صدرُه مغمضًا عيناه و لأول مرة منذ اليومان يهدأ قلبُه، قبض على خصلاتها المنسابة محاوطًا خلف عنقها بكفُه و لا يقول غيرَ جملة واحدة:
- ليه عملتي فيا كدا .. ليه!!!
أغمضت عيناها و هي لا تنكر إشتياقها له، لا تنكر كم كانت بحاجة ذلك العناق، لن تناقشُه في أنها بالفعل أحبته لكن لم يفعل هو، لم تجد كلماتٍ على لسانها سوى:
- إحنا في الشارع .. لو سمحت إبعد عني!!!
و على عكس ما توقعت وجدته يحاوط خصرها بذراعه المفتول ليرفع جسدها به و بالآخر يضمها له، شهقت و حاولت دفع كتفه لكي يجعل قدميها تلمس الأرض إلا أنه لم يفعل سوى بعد دقائق، وقفت أمامه تنظر له و هو يحاوط عيناه بإبهامه و سبابته مستندًا بكفه الآخر على إطار الباب خلفها مُباشرةً، ثم مسح على خصلاته و قال و قد عادت عيناه الغاضبة:
- هندخل دلوقتي و تعرفيني ليه .. مشيتي، سـامـعـة!!!!
إنتفض جسدها من صراخُه العالٍ، ليدفعها للداخل فوجدت نور فتحيه تقول بـ خضة:
- مين ده يا بنتي!!!
- ده .. ده جوزي يا حجّة!
قال نور بضيقٍ، فأسرعت فتحية ترحب به بلُطف هاتفه بحُزنٍ:
- أهلًا و سهلًا يابني نورت، والله جيت في وقتك ده أنا يا حبة عيني جايباها من على الرصيق قدام بيت نادية ربنا ينتقم منها!!
نظر لتلك السيدة التي ظهرت الطيبة على ملامحها ثم حوّل أنظاره إلى نور التي كانت ضاردة في حديثها، كم ألّمه قلبه عليها، طالع تلك السيدة و هي تقول بـ هدوء:
- هسيبكوا مع بعض يابني تحلوا الخلاف اللي بينكوا!
ثم تركت طبق بها شُربة و صدر دجاج قائلة برجاء:
- بالله عليك يابني تأكلها، أكيد مكالتش حاجه من الصبح!!
أومأ لها بهدوء و قال:
- حاضر يا حجّة .. تسلم إيدك!
إبتسمت برفق و تركته و ذهبت، فـ جلست نور تحاوط كتفيها تنظر للخواء بشرود إنقطع عندما سألها بحدة:
- كُنتِ فين اليومين دول؟!!
- متزعقليش!
قالتها بحدةٍ و هي تنظر له، فـ صاح بها بقسوةٍ:
- إحمدي ربنا أوي إني بزعّق بس، أنا هاين عليا أطلّع روحك في إيدي دلوقتي!!
نهضت متخلية عن صمتها تقف في وجهه هادرة به:
- إنت!!! إنت اللي عايز تطلع روحي في إيدك!! أومال أنا أعمل فيك إيه بعد ماسمعتك بتقول بعضمة لسانك لعمتك إنك مش عايزني و إن جوازنا مؤقت!!!
طالعها مصدومًا و قال:
- إيه؟! أنا قولت كدا!!
إمتلئت عيناها بالدموع صارخة بوجهه:
- بطّل كدب!! أنا شبعت من كدبك كفاية!!!
طالعها بضياعٍ ليحاوط وجهها بكفيه يقول برفق:
- طب إهدي .. إهدي و فهميني لإني و رحمة أمي ما فاهم!!!
نظرت له قائلة بألمٍ:
- أفهمك إيه!! روح لعمتك و هي تفهمك!!
ثم تابعت بحُزن:
- كنت قول ليا أنا، ليه قولتلها كدا و فرّحتها فيا و إنت عارف إنها مش طايقاني!!
- نـور!! أنا عابزك تحكيلي بالحرف اللي حصل بعد ما سبتك و نمت!!!
قال و قد تملّك الغضب منه، لتقُص على مسامعه ما حدث بالتفاصيل، نظر لها مصدومًا مدركًا عما تتحدث، تركها و أدار ظهره لها يمسح فوق وجهه بعنف، ثم صمت و كانت هي تموت في لحظات صمته تلك و كأنه يؤكد لها صحة ما قال، وجدته يلتفت لها و يقول بثباتٍ ظاهريّ:
- الكلام ده مش عليكِ .. الكلام ده كان على بنتها .. مراتي!!!
الفصل السادس
- إنت متجوز!!!
قالت بعد ما حاولت فك لجام لسانها، إلى أن نطقت بها، تبعد كفيه عن وجهها تقول و الصدمة تعتلي وجهها الشاحب:
- متجوز؟ .. متجوز غيري؟
- نور مش زي ما إنتِ فاهمة!
قال في محاولة لتهدأتها، لكنها صرخت به تضرب صدره و من شدة صراخها شعرت بتقطُع أحبالها الصوتي:
- بــس إسكت!!! إسـكـت خــالــص!!!
ظلت تضرب بصدره حتى إنهارت بأحضانه مغمضة عيناها تشعر بدوارٍ غريب يحتل جسدها، لتجد نفسها تُبتلع في بقعة سوداء مظلمة بين ذراعيه!!!
• • • • • •
إستفاقت تنظر حولها فوجدت نفسها في غرفتهم على فراشه، إنتفضت و كأنها نائمة فوق جمرٍ، فوجدته جالس أمامها و القلق ساكن عيناه، نظرت له تتذكر ما سمعته منه قبل أن يُغشى عليها، تعالى صدرها من أنفاسها المُبعثرة و كامل جسدها يرتجف، نهض يقف أمامها يقول راجيًا لأول مرة:
- مُمكن تهدي؟ إهدي و إسمعيني!!!
- شششش!!!! مــش عــايــزة أســمــع مــنـك حـــرف!!!
صاحت بكُل ألم تطبق فوق أذنيها مغمضة عيناها، فـ إنتفض قلبها لحالتها المُنهارة، عادت تنظر له و بكل غلٍ ضر.بت قلبُه بكفيها تصيح بوجهه:
- إنت غشاش!!! عارف يعني إيه غـشـاش!!!!
ثم إلتطقت تلابيب قميصُه تصرخ بوجهه:
- لما إنت متجوز بنت عمتك إتجوزتني ليه!!! عملت فيا كدا ليه رُد عليا!!!
إنهارت و إمتلئت عيناها بالدمعات تقول بقهر:
- لما إنت معاك واحدة .. لما إنت بتنام في حضـ.ـن واحده إتجوزتني ليه؟ لما.. لما إنت بتحب واحدة .. و متجوزها ليه دخلت حياتي؟!!!
ثم إقتربت منه و قد خانتها دمعاتها و إنهمرت بغزارة فوق وجنتيها، تضع كفيها فوق عنقه و وجهه تهمس بـ حُرقة ظهرت جلبة في نبرتها:
- متجوز واحدة .. بتقرب منك .. بتحضنك و بتشم ريحتك و نفسك بيبقى في نفسها صح؟ يعني .. يعني أنا .. أنا مش أول واحدة تعمل كدا، يعني أنا مش أول واحدة تقربلك .. مش أول واحدة تحضنك، يعني حُضنك ده مش بتاعي لوحدي!
رفع رأسه للخلف فظهرت تفاحة آدم خاصتُه، ثم عاد ينظر لها محاوطًا وجنتيها يقول بحنوٍ:
- و غلاوتك عندي الكلام ده محصلش، أنا ملمستش غيرك .. و محضنتش غيرك، محدش قرّب مني غير نور الراوي، محدش إتجرأ يبقى نفسُه في نفَسي غيرك يا نور!!
ثم مال يمسح دمعاتها بشفتيه، يُقبل عيناها و كل إنش في وجهها، ثم يستند بجبينه فوق جبينها هامسًا أمام مُعذبة قلبه:
- معملتش اللي بعملُه ده دلوقتي غير ليكِ!!
ثم إلتقط شفتيها في قـ.ـبلةٍ مُشتاقة لها دامت لكثير من الوقت حتى أبعدتُه تشعر بإستكانة جسدها جراء لمساته، فـ قال بتلعثم أثر نهيج قلبُه:
- شفا.يفي ملمستش غير شفا.يف نور الراوي!!
أغمضت عيناها تقول بـ صوتٍ يرتجف:
- ليه إتجوزتها؟
رفع كفيها لشِفاه ليُقبلهما كأنها صغيرتُه، يقول بهدوء:
- هفهمك!!
دفعها برفق لتجلس على الفراش، ثم جلس جوارها يقول و هو يرفع وجهها له محاوطًا وجنتيها برقبتها:
- غلطت مع واحد .. و سابها، أمها جات وطت تبوس رجلي عشان أتجوزها، و عشان هي من دمي وافقت .. إتجوزتها من حوالي شهرين، أنا مبطيقهاش يا نور، مبروحلهاش أصلًا عشان اللي بتقوليه ده يحصل، و لو بروحلها مباجيش جنبها لإني قرفان منها!! و أنا أصلًا كلها شهر و لا شهرين و هطلقها لإن كدا مهمتي خلصت!!!
طالعت حديثه بصدمة، ثم قالت:
- ليه مقولتليش ده كلُه؟!!!
- عشان مخسركيش!!
قال يميل مُقبلًا جبينها بعُمق و كأنه يتنفسها، ثم تابع و قد إنحدرت شفتيه لـ تجويف عنقها هامسًا بحنو:
- عشان أنا مستعد أخسر أي حد و أي حاجة .. و مخسركيش!!
طبع عدة قبلات فوق عنقها جعلتها تغمض عيناها و قد سارت رجفة بـ جسدها، وضعت كفيها فوق كتفه تحاول دفعه لكنها توقفت عندما شدد فوق خصرها قائلًا و قد لمست الألم في صوته:
- إزاي تسيبيني و تمشي؟
قبّل عظمة الترقوة خاصتها متابعًا بـ نفس النبرة:
- إزاي تعملي معايا كدا؟
دفعها برفق فـ إستلقت، لـ يلقي برأسه بأحضانها محاوطًا خصرها لجسده يهمس:
- كُنتِ فين يا نور؟
- في فندق!
أجابته و هي بالكاد تحاول لملمة شتاتها مما يفعل، أغمضت عيناها و إنكمش جسدها بخجلٍ عندما قبّل بـ شفتيه موضع قلبها أسفل ما كان يستند عليه، و في لحظة كان يجذبها لأسفل له، يغمغم و هو ينظر لشفتيها:
- دي أول .. و آخر مرة تمشي فيها من غير إذني، لو كُنتِ واجهتيني باللي حصل، مكنش زمانك بتتعاقبي مني دلوقتي!!
همهمت بـ خوفٍ:
- أ .. أتعاقب؟
تفاجأت به ينتـ.ـهك عُذرية شفتيها، لا يترك المجال لها لتُضيف شيء، لا يتوانى عن إشباع رغبته الناجمة عن إشتياقه لها، و عشقه لـ كل إنش بها، يُثبت لها أنها الأولى و الأخيرة، و أنها غبية و ساذجة إن قادها عقلها أنها تأتي في المرتبة الثانية، هي أولُه .. و قبلُه هو، و قلبُه، كان يهمس لها وسط قبلاته كم تعذّب في غيابها، كم كان يجوب الطرقات و الزقات بحثًا عن ظلها، يخبرها أن مثلما هي ملكُه بكُل ما بها، فـ هو ملكها بكل ما فيه، ولا يجرؤ أن يجعل فتاة دونها تقترب منه، و هي لا تنكر هدوء قلبها بعدما أخبرها بذلك، و لن تنكر إستكانة روحها في كُل ثانية يثبت لها بها أنها الوحيدة التي وهب لها صلاحيات لم يهبها لأخرى!
• • • • • • • •
إستفاق قبلها، وجدها لازالت نائمة، فطلّ عليها بمكنبُه العريض يستند بمرفق ذراعه جوار رأسها، ينظر لملامح وجهها التي يعشقها، و أناملُه تسير على وجنتها الناعمة و إبهامه يسير فوق شفتيها المُنتفخة أثر قُبلاته، إبتسم و هو يرفع الراية البيضاء و يتحدى كبرياءه وعلن أنه لا يحبها فقط، بل هو عاشقٍ مُتيَّم بها حد النُخاع، أمسك كفها الصغير يحتضنُه بكفه، يُقبل باطنُه .. و يطبع قبلات حنونة فوق أناملها، همهمت هي بعدما فتحت عيناها نصف فتحةً، فوجدته يُقبل باطن كفها و ظهره، غمغمت بتلقائية:
- فريد!!!
رفع عيناه لها ثم همس بحنوٍ:
- روح قلب فريد!!
إستغربت ردُه لكن لم تُعلق، حرّكت جسدها قليلًا لتتآوه فـ جزعت ملامحه عليها هامسًا:
- اسم الله عليكِ!!
قالت و قد تغلغل الألم نبرة صوتها:
- آآه .. جسمي واجعني أوي!!!
مسح على وجنتها بـ باطن إبهامُه يقول بلُطف:
- حبيبتي!!!
ثم تابع بخبث:
- بس إنتِ متتخيليش أد إيه كُنتِ واحشاني!!!
توَّرد وجهها بخجلٍ و إنكمشت تسحب الغطاء لجسدها، فـ نظر لفعلتها و أمسك بكفها القابض فوق الغطاء يترك قبلة فوق رسغها، ثم سألها و هو يُبحر في أنهار القهوة القابعة بعيناها:
- لسه بتتكسفي مني؟
- أنا .. أنا عايزة أقوم!!
قالت مُغيرة مجرى الحديث، فـ تنهد يظفن أنفه بعنقها هامسًا بأذنها:
- بس أنا لسة مشبعتش منك!
شهقت خائفة من تكرار الكرة مرةً أخرى فـ جسدها كأن قد مرت فوقه شاحنة، فـ إبتسم عندما قالت ببراءة:
- لاء مش .. مش هينفع!!!
طبع قبلة فوق عنقها ثم هتف بخفوت:
- أنا لا بشبع .. ولا هشبع منك، حتى و إنتِ في حُضني بحِس إني لسه مشبعتش!!
شعرت بكلماته كالبلسم على أوجاعها، تناست البارحة بما حدث به، تناست زواجه و ذبحها على يدِ خبر لم يكُن بحُسبانُها، أغمضت عيناها و رفعت كفيها لوجهه لتبعده عن رقَبَتِها تحاوط وجنتيه هامسة بحُزن غزى نبرتها:
- فريد!
- روح فريد!
قال بثمالةٍ أمام صوتها و لمسة يدها، فـ همست بألم وكأنها تتوقع إجابته النافية:
- بتحبني؟
أمسك بكفها يُقبل باطنُه قائلًا بحنو:
- جدًا!!
شهقت عندما خالف توقعاتها، فـ إبتسم و هو ينظر لشفتيها اللواتي تفرّقا، ليميل يلتقط قبلة من السُفلى فـ أبعدته تقول بدهشةٍ:
- بجد؟
- بجد طبعًا!!
قال بلُطفٍ فـ إبتسمت إبتسامة خفيفة جعلته هو الآخر يبتسم، ثم ساره بسبابته فوق عنقها يهمس بهدوء:
- و إنتِ؟
هتفت بـ عشقٍ جارف:
- أنا بحبك أوي!!
إبتسم من ردَّها التلقائي، لكن أسرع قائلًا و هو يرى عيناها الدامعة:
- و ليه الدموع؟
حاوطت عنقه و ضمت جسدها له فـ عانقها و كفه أسفل ظهرها العاري يتلمّس دفئه بـ أنانله الباردة، يسمعها تقول و هي تدفن وجهها قي عنقه:
- عشان بحبك .. عشان مستحملتش فكرة إن في واحدة غيري قرّبت منك!!
ثم حاوطت عنقه بأقوى ما لديها فـ وضع كفه الآخر على أعلى ذراعها يمسح فوق نعومته، يُقبل كتفها العاري يُردف:
- ولا حد يقدر .. غيرك!!
أغمضت عيناها و إبتعدت عنه فـ مسح دمعاتها بأناملُه، ثم نهض فجأة ليهم بإبعاد ذلك الغطاء الذي يحجب رؤية جسدها عن عيناه إلا أنها فُزعت و صمت الغطاء لصدرها قائلة:
- بتعمل إيه!!
لفّها بذلك الغطاء ثم حملها بين ذراعيه يقول بهدوء:
- هناخد شاور!!
تشبثت بعنقه قائلة بصدمة:
- نـ إيه؟ ناخد!!!
قال بمكر و هو ينظر لها:
- عندك إعتراض؟
- طبعًا!!
صاحت به لينزلها على قدميها يضبط المياه فتنهمر على حوض الإستحمام الكبير، وضع چل الإستحمام و كرات فوّارة لها رائحة جميلة، وقفت هي تراقبه بدهشةٍ حتى إنتهى، إلتفت لها و أمسك حرف الغطاء عِند صدرها فـ إرتعدت و عادت للخلف تقول بحدة:
- فريد بـس!!!
هتف بضيق:
- بلاش هبل و سيبي الغطا اللي حاضنة فيه ده!!
- مستحيل .. إنسى!!!
هتفت بعِناد تعود للخلف أكثر حتى إلتصقت بالحائط، فـ أخذ نفسًا عميقًا و ذهب لها، ليقول بحنو زائف:
- نور .. إنتِ جسمك متكسر و مش هيفكُه غير شاور دافي، يلا يا حبيبتي سيبي الزفت ده!
ثم تابع بهدوء:
- أنا كدا كدا شايف كل حاجه قبل كدا، مافيش جديد هشوفُه منك!!!
قالت بترددٍ:
- طيب بُص .. لف كدا و أنا هشيل الغطا و هنزل البانيو، و هو كله رغاوي مش هتشوفني .. إيه رأيك!!!
زفر بضيق و إلتفت بالفعل فـ أسرعت تنزع الغطا ثم تدلف لـ حوض الإستحمام و تخفي جسدها بتلك الرغاوي، إلتفت فوجدها فعلت بالفعل، إبتسم و ذهب ناحيتها و جلس على حرف الحوض، ثم أمسك بـ زجاجة الشامبو، وضع كمية منه فوق باطن راحة يده، ثم دلّك فروة رأسها برفق فإبتسمت مغمضة عيناها بإستمتاعٍ تقول ببراءة:
- الله!!
نظف لها خصلاتها جيدًا، ليأخذ صنبور الدُش بيدُه يمم رأسها يزيل بقايا الشامبو من فوق رأسها يمسح بكفه على خصلاتها الطويلة، حتى تأكد من أن خصلاتها نظف جيدًا، أخذ لوف الإستحمام ملئها بـ چل الإستحمام، ثم أخذ كفها المُبلل .. ليرفع بأطنُه لـ شفتيه يُقبله فـ إبتسمت تتنهد مُعلنة هيامها بذلك الرجل، سار باللوف فوق ذراعها، مرورًا برقبتها، غزى الإحمرار وجهها عندما أكمل باقي جسدها و هي تهمهم بإعتراضٍ خفيف:
- هكمل أنا يا فريد!!
قال بهدوء:
- أنا مش شايف حاجه يا روح فريد!
تنهدت و تركت نفسها له، و عندما إنتهى إلتقط ذقنها يقول بحُب:
- همشي أنا عشان تعرفي تقومي و تغسلي جسمك!!
أومأت له على الفور مبستمة بحُب مماثل، ثم رمت له قبلة على الهواء فـ إبتسم و ذهب مبتعدًا عنها يخرج من المرحاض بإكمله، نهضت هي بالفعل و حممت جسدها تغتسل، ثم خرجت من الحوض و لفّت جسدها على الفور بالمنشفة، خرجت من المرحاض و الإبتسامة تعلو وجهها، فـ ها هي قد إكتشفت به جانبًا حنون، تنهدت و جلست على المقعد أمام المزينة ترطب جسدها ببعض الكريمات المرطبة، لكن قاطعها من يطرق على باب غرفتها فـ قطَّبت حاجبيها بدهشةٍ، فهو بالتأكيد لن يطرق، ظنت أنها عمتُه فنهضت مقررة بداخلها التعامل معها ببرودٍ و إستفزاز حتى تُخرجها عن أعصابها و تنتقم منها على التشتُت الذي أحدثتنه بعقلها، نهض و خرجت من الغرفة لتفتح الباب، قطّبت حاجبيها عندما وجدت فتاة ذات خصلات قصيرة سوداء بجسد ممشوق ترتدي بنطال من الجينز إلتصق بساقيها و كنزة تظهر جزء بسيط من معدتها البيضاء، تناظرها بنظراتٍ غريبة، لتنطق بعد لحزات من الصمت:
- فريد فين؟
- إنتِ مين؟!
قالتها نور بدهشةٍ، فهتفت الأخيرة:
- أنا مراتُه .. نيِّرة!!!
الفصل السابع
- أنا مراتُه .. نيِّرة!!!
حملقت بها بصدمةٍ، لم تكُن تتوقع مجيئها إلى هنا، دلفت بكل وقاحةٍ للغرفة تنظر إلى نور من أسفل إلى أعلى قائلة بإحتقارٍ:
- ذوقُه بقى بايخ!!!
لم تتحمل نور فـ إنفلتت أعصابها و هتفت بحدة:
- إطـلـعـي بـرا!!!
نهضت الأخيرة من فوق الفراش و قالت ُمستنكرة:
- هطلع متزعقيش!!
ثم قالت بـ خبث:
- بس قبل ما أطلع، أنا مراتُه زي ما إنتِ مراتُه .. يعني هنقسِّم الأيام بينا!!
- ده إنتِ هطلة بقى!!!
صرخت بها نور فـ قالت الأخيرة بضحكة مُستهزءة:
- أنا قولتلك اللي عندي! و فريد موافق على فكرة أنا لسه جاية من عندُه، واحدة زيي متتسابش أصلًا!!
لم تلتقط أذنيها سوى أن فريد يعلم بتلك التراهات، فـ غمغمت بصدمةٍ:
- فريد عارف؟!!!
أومأت لها نيّرة لترمي لها قبلة بالهواء ثم خرجت، جلست الأخيرة على الفراش تُلملم بعثرة أحاسيسها، ظلت على وضعها بـ المنشفة حتى دلف هو يجفف خصلاتُه بـ منشفتُه عاري الصدر لا يرتدي سوى بنطال أزرق قاتم رياضي قطني، أنعقد ما بين حاجبيه عندما وجدها على هذا الحال، ذهب لها و رفع ذقنها له يقول بتوجسٍ:
- مالك يا نور؟
حاولت نور التظاهر بالشجاعة، لتنهض واقفة أمامُه تقول بـ جمودٍ تلبّس نبرتها:
- مراتك كانت هنا .. و بتقول إنها عايزه تقسم الأيام بينا و إنك عارف .. و موافق على ده!!!
- نيّرة جات هنا!!
قالها بحدةٍ، لينظر لعيناها يقول بضيق:
- كل اللي قالتُه ده هبل .. و لا كإنك سمعتيه!!!
قالت نور تشعر بدمائها تحترق بنيرانٍ موقدة:
- عادي يا فريد .. ده حقها و حقك بردو!!
- إنت هبلة و لا شكلك كدا؟
هتف بعنفٍ حتى إنتفض جسدها، ثم قال بقسوة:
- أنا نفَسها مبطيقهوش تقوليلي حقها .. كَسْر حُقها!!!
ذهب من أمامها دون أن ينتظر ردها، فـ تهاوت على الفراش تكتم دمعاتها تشعر بنيران تتأجج بصدرها، شعور الغيرة مُميت، يشبه سكب مياة نارية تكوي قلبك، أغمضت عيناها واضعة كفها فوق قلبها، عاد بعد دقائق ممسكًا بـ رسغ نيرة وسط إعتراضاتها، أوقفها أمامه و كفُه فوق عضدها، لم تنتبه نور سوى لـ لمسة يده لـ جسدها، لترفع عيناها له و هو يزجرها بعنف:
- قسمًا بربي لو عتبتي الأوضة دي تاني لكون مطلقك وقتي، إعتذري منها حالًا!!!!
هتفت نيّرة بخوف و هي تطالعها:
- أنا .. أنا أسفة!!
ثم إلتفتت إلى فريد تقول و هي تذرف الدمعات:
- حلو كدا؟ مش هتحِن عليا بقى يا فريد و تعتبرني مراتك و لو ليوم واحد!!
- ده بُعدِك!!!
قالها ببرود فـ كانت قاصدة الإقتراب منه أمام أعين نور و محاوطة عنقُه تقول بـ صوتٍ يضعف أمامه أعتى الرجال:
- بس كدا حرام .. أنا عايزاك!!!
أغمضت نور عيناها و كفها قابض فوق ملاءة الفراش تكورها بيدها، لتفتح عيناها على دفعة فريد إلى نيرة و جرُه لها تاركًا الغرفة، سمحت لدمعاتها بالنزول و بدأ جسدها في الإرتعاش بـ حُزن عجزت السيطرة عليه، رفعت رأسها للخلف تحاول التنفس بشكلٍ طبيعي، حتى وجدته يدلف مجددًا و الغضب بادٍ على وجهه، طالعتُه بنظرات لا حياة بها، و غمغمت بهدوء لا يماثل ما بقلبها:
- أنا مش هقدر أستحمل وجودها في البيت .. يا أنا يا هي!!
- إنتِ حاطة نفسك في مقارنة معاها إزاي؟
قالها بحدة، فنهضت صارخة بإنفعال:
- جربوعة مين دي اللي أحط نفسي في مقارنة معاها! أنا بقولك مش هقدر أستحمل إنها تبقى هنا في نفس المكان اللي أنا عايشة فيه مع جوزي!!
- همّشيها قُريب!!
قال محاولًا إمتصاص غضبها، فـ هتفت بنبرةٍ عنيفةٍ:
- مـش هتقـعد هنـا يـوم واحـد!!!
إنفلت زمام صبرُه فـ هدر بها بنبرةٍ أكثر عنفوانًا:
- وطـــي صـوتـك!!!!
إنتفضت من صوته الذي يلج الرعب بداخلها، فـ جلست كاتمة عبراتها من السقوط، مسح هو فوق وجهه بـ عصبيةٍ، و لان قلبُه عندما وجدها تكتم شهقات بكائها تفرك بأناملها بقسوةٍ حتى غزاهم الإحمرار، جلس أمام قدميها كالقرفصاء فـ ناظرتُه بصدمةٍ، لم تكُ تتوقع جلوسه أمامها و هو الذي يسقط أمام قدميه أعتى الرجال، جالس بـ هيبتُه الكبيرة و رجولته الصارخة أمام قدميها ضاربًا بكُل هذا عرض الحائط، أمسك كفيها، ثم قبل مكان فركها العنيف يقول بهدوءٍ:
- مُضطر على وجودها اليومين دول، إستحمليهم و بعدين همشيها من حياتي خالص مش بس من هنا .. إتفقنا؟
سمحت لـ شهقاتها بالخروج فـ خرجت كالأطفال اللواتي يبكين على عقابٍ تلقوه من أبائهم، إبتسم و مسح دمعاتها بإبهامه محاوطًا خدها الأيمن، ناظرًا لتلك الشفاه التي ترتجف و هي تُتمتم:
- إنت .. لـ .. ليه مش قادر تفهم إني بغير عـ .. عليك!! دي إتجرأت و حطت .. إيديها حوالين رقبتك و لـ .. لمستك!!
رفع حاجبيه مصدومًا محافظًا على إبتسامته، فـ كلماتها أدخل السرور إلى قلبُه و أنعشت روحه متيقنًا الآن كم تحبُه هي .. تحبه إلى الحد الذي يجعلها تبكي من قوة الغيرة على قلبها، نهض و جلس جوارها ليستطيع تخبأتها بأحضانه فـ فعل فورًا يمسح فوق تلك المنشفة التي تخفي عن ناظريه جسدها، تشبثت هي بخصرُه و كأنها صغيرتُه تغمغم بـ براءةٍ مُحببة إلى قلبه:
- إزاي تجيلها الجُرأه تقول إنها .. عايزاك!! أزاي يا فريد رُد عليا أنا حاسة إن فيه نار قايدة جوايا!!!
- متاخديش على كلامها يا روح قلب فريد!!
قال مُقبلًا جبينها، فـ رفعت عيناها له تقول بألمٍ:
- فريد!
مسح فوق وجنتها قائلًا بحنو:
- قـلـبُه!!
تنهدت و أراحت رأسها فوق صدرُه دون أن تنطق، فهي تثق به ثقةً عمياء و موقنة بأنه لن يخونها مهما حدث و لكن رغم ذلك تشتعل من دواخلها، أغمضت عيناها فـ قال بلُطفٍ:
- يلا يا حبيبتي قومي إلبسي عشان متاخديش برد، و أنا هلبس عشان أروح شغلي، عندي meetings كتير النهاردة!!
إبتعدت عنه و قال بهدوء ظاهريّ:
- ماشي يا حبيبي!!
ثم نهضت تجُر قدميها من شدة ألم قلبها، و إرتدت ثيابها ثم خرجت فوجدته ينثر عطرُه و يصفف خصلاته، ذهبت له و إحتضنت ظهرُه بعشقٍ قد تملّكها، لا تعلم متى و لكن رُبما منذ أن وجدتُه كـ حائطٍ منيع أمام كل ما يُمثل خطر بالنسبة لها، نظر لها في المرآه ليرفع كفها يُقبله قائلًا بهدوء:
- هتوحشيني!!
لفّته لها ثم قالت بوله:
- و إنت كمان هتوحشني أوي أوي
مالُ يلتقط قبلة من وجنتها الشهيّة، حتى تحولت لقُبلات عديدة ضحكت على أثرها، فـ إبتعدت عنه تقول محاوطة عنقه:
- كفاية!!
دفن أنفه في عنقها يُقرب خصرها منه قائلًا:
- كفاية إيه بس .. أنا لا بكتفي ولا بشبع، حاسس إني عايز أخبيكٍ جوايا عشان متبعديش عني لحظة!!
• • • • • •
- يا ماما إنتِ مُتأكدة من اللي هنعملُه ده؟
قالتها نيرة بقلبٍ متوجس من خطة والدتها التي لم تخطر على بالك الأبالسة، فقالت الأخير بـ قلبٍ ليس به ذرة رحمة:
- أنا مبعملش حاجه غير و أنا مُتأكدة منها، البت دي لازم نخليها تغور من حياة فريد بأي تمن، أنا خلاص إتفقت مع الزفت جوز أمها ده اللي قدرت أوصلُه بالعافية، و هندخله من الباب الوراني و الـ guards مش هيحسوا بينا، أهم حاجه نخلي حد من الخدم يطلعلها العصير اللي فيه المنوم عشان تنام و متعملناش مُصيبة!!!
إرتجف بدن الأخيرة و قالت برُعب:
- فـ .. فريد لو عرف مش هيكفيه فينا عُمرنا يا ماما!
- عقبال ما يعرف .. هتكون هي في خبر كان، و محدش هيدرى إن إحنا اللي عملنا كدا أصلًا!!!
هتفت نرجس بـ برود أعصاب، و كأنها لا تخطط الآن إلى زهق روح إنسان بل و تسليمُه للهاوية بيديه، أخرجت من جيب ردائها المنزلي علبة إسطوانية بها بودرة، ثم سلمتها إلى نيرة التي إلتقطتها بترددٍ، فـ قالت نرجس:
- هتروحي تحطيها في العصير و تقولي لحد من الخدم يطلعه ومعاه صينية فطار عشان متشُكش في حاجه، و أنا هكلم مُنذر!!
- ماشي يا ماما
غمغمت نيِّرة ثم ذهبت للمطبخ لتخرج تلك البودرة البيضاء ثم أذابت القليل منها في الكوب، و لإرتعاشة يدها من الخوف وقعت فـ إنكسرت منها مُتبعثرة لأشلاء، إلتفت الخدم لها بإستغرابٍ لكنها سرعان ما إنحنت تلملم الزجاج تلعن غباءها، جذبت خرقة قماش ثم مسحت بها بقايا البودرة، فأتت إحدى الخادمات تقول بإحترام:
- أنا هلم اللي إتكسر يا نيرة هانم!!
هتفت نيّرة بضيق:
- خلاص .. لميتُه!
ثم نهضت تُقلب العصير جيدًا و تقول بهدوء حاولت الحفاظ عليه:
- خُدي الفطار ده لـ نور!!
و شهبت من أمامها، فـ قلّبت الأخيرة كفيها قائلة بدهشة:
- بتحضرلها الفطار .. ضراير آخر زمن!!
• • • • • •
جلست نور أمام التلفاز تحتسي العصير و تقضم من تلك الشطيرة الشهية، تنطلق منها ضحكاتٍ أنثوية أثر إحدى المسرحيات التي تعشقها، أسندت رأسها فوق ظهر كفها ثم ثبتته على يد الأريكة، لتمُر دقائق و تشعر بـ ثقل رأسها، و إنسدال جفونها ببطء، و تراخي جسدها بشكلٍ غريب، قطبت حاجبيها لتحاول النهوض مستغربة حالتها، فهي قد إستفاقت من نومها قبل قليل .. كيف يُخيم النعاس على قسماتها بذلك الشكل، لم تستطع التحكم في نفسها و فور نهوضها سقطت أرضًا و كأنها أُغشي عليها، ظلت على هذا الحال بين أيادي الأرض الباردة، حتى فُتح باب غرفتها، بحذر، دلفت نيّرة فوجدتها على هذا الحال لتشير لمنذر على الفور لكي يدلف، دلف الأخير لينزوي جانب شفتيه بخبثٍ شيطاني ثم حملها بين ذراعيه و يداه تتسلل لبعض المناطق بجسدها لا يصدق أنها باتت بين يداه، نظرت نيّرة لما يفعل بإشمئزاز، ثم ضربتُه على كتفُه قائلة بحدة:
- إنت يا جدع إنت .. الوساخة دي إعملها بعيد عن هنا!! خلاص يعني مش قادر تمسك نفسك!!!
تنحنح منذر بحرجٍ و قال بـ طريقتُه الفجة:
- أعذريني يا ست هانم .. كان نفسي في البت من زمان!!
ثم غادر و سبقته نيّرة ترى إن كان أحد يراهم من الخدم أو غيرُه، لكن الجميع منشغل بما بين يداه، فأشارت له أن يتقدم للخارج فـ فعل و خرج من الباب الخلفي، كانت هنالك سيارة في إنتظارُه فـ صعد بها بالخلف على الفور، آخذًا نور الغائبة عن وعيها على قدمه، عيناه تنهش جسدها أسفل بيچامتها السوداء التي كانت بـأكمامٍ طويلة و لحسن حظها كانت محتشمة، لكن نظراته كانت تُعري جسدها، لهثت أنفاسه يحاوط وجنتيها قائلًا بـ شهوةٍ بغيضة:
- أخيرًا .. أخيرًا يا بنت الكلب!! الجمال ده كلُه مينفعش غير إنه يكون ليا .. الجسم اللي البيه واخدُه ليه لوحدُه، النهاردة هيبقى بتاعي!!
مرر كفُه فوق جسدها برغبةٍ، ليغمض عيناه بتلذذٍ ثم حاول التحكم بأنفاسه المُستثارة حتى قال لنفسه بإبتسامة أظهرت عن أسنانه التي أكلتها سجائرُه:
- إهدى يا مُنذر، كلها دقايق و تبقى بتاعتك!!!
وصلوا بالفعل لـ بيت في منطقة نائية، حملها و سار بها ناحية البيت يسمع مكابح السيارة خلفه تغادر، دلف للمنزل و أغلقه ثم دلف لغرفة كانت حالتها معقولة، تصلُع فقط للمهمة التي سيؤديها ولا تصلح للحياة بها، ألقى بجسدها على الفراش .. ثم أسرع بأنامل متلهفة يحرر أزرار قميصه و عيناه ثابتة على جسدها، نزع عن القميص و بقي عاري الصدر، هم بالإنقضاض عليها بكن قاطعُه هاتفه المحمول، فنظر به بضيق لكنه وجده ذلك الرجل الذي داينهُ بعض المال، فـ هتف بنزقٍ:
- أرُد عليه بدل ما يعمل مصيبة ده راجل لاسع!
خرج من المخزن يجيب على الهاتف، إستغرق أكثر من نصف ساعة في إقناع ذلك الرجل أن المال سيكون عنده الليلة بينما الأخير يهدر به أن تلك كذبة جديدة أضافها لقائمة كذباته، بينما نور .. إستفاقت و عيناها ثقيلة، تنظر حولها بـ حاجبي تقطبا و أعين ملئتها علامات الخوف عندما أدركت أنها ليست بغرفتها، ولا على فراشه، إنتفضت من فوق الفراش و كامل جسدها يرتجف بصدمةٍ تنظر حولها، حتى إستمعت لصوتِ تعلمُه جيدًا ذلك ااصوت الذي لطالما أسمعها فُحش الكلمات و أثار غضبها بـ تلميحاتٍ لا تمُت إلا للدناءة، سقط قلبها أرضًا و إرتعدت فرائها لا سيما عندما وجدته يدلف ليصدم من أنها إستفاقت، لكنه سرعان ما قال بمكرٍ:
- صحيتي .. طب كويس!! أنا بصراحة كنت عايزك فايقالي!!
إقترب منها و قال بقسوةٍ:
- عايز أسمع صوتك صريخك و أمتّع وداني بيه!
إبتعدت عنه بـ رجفةٍ فوجدته يقبض فوق خصلاتها وسط صرخاتها و يلقي بها فوق الفراش يصرخ بوجهها:
- صرّخي .. صرّخي و إترعشي كمان!!! لسه الرعش جاي!!!!
ظلت تصرخ و تحاول مقاومته بأظافرها و قدمها و هو يعلوها، ضربت ركبتها في معدته و أسفلها و إستطاعت بصعوبة تحرير كفيها فـ قبضت على خصلاته بعنف لـ تصدح صرخاته في المكان، لا تعلم القوة التي تلبستها و جعلتها تنهض تكيل له لكمات بـ وجهه و بطنه تشدد فوق خصلاته بعنف صارخة بوجهها:
- أنا هخليك ترعش ولا صافينار دلوقتي يا ابن الكــلــب!!!!
أمسكت بـ إحدى الفازات و سقطت بها فوق رأسُه فـ سقط مغشيًا عليه و الدماء تنهمر من رأسه، نظرت له بإرتعادٍ من أن تكون قتلته، فـ ركضت خارج المنزل لتجد نفسها في وسط مكان يبعُد عن البشر، ظلت تركُض و هي تبكي بألم حتى وجدت الشارع الرئيسي، و لأنها في وضح النهار توقفت لها سيارة ترجلت منها فتاة في مثل سنها ترتدي مئزر أسود جلدي و بنطال من خامة الجينز، نزعت عن عيناها نظارة الشمس و إقتربت من نور التي كانت منهارة في بكائها تقول بقلق:
- إيه ده في إيه!!! بتعيطي كدا ليه .. قوليلي لو محتاجة مُساعدة!!!
نظرت لها نور لتمسك بذراعيها ترجوها:
- لو سمحتي أنا .. أنا عايزة أعمل تليفون من عندك ضروري!!!
- حاضر!!
هتفت الأخيرة بلهفة ثم أسندتها تقول برفق:
- طب تعالي .. تعالي إركبي العربية بدل وقفتك كدا بالبيچامة!!!
و بالفعل صعدت السيارة معها تحاول أخذ أنفاسها اللاهثة، ناولتها الفتاة هاتفها ذو الطراز الحديث و قالت بهدوء:
- خُدي رني على اللي عايزاه!!!
إلتقطت منها الهاتف و أسرعت تضرب أرقام هاتفُه التي حفظتها مؤخرًا عن ظهر قلب، وضعت الهاتف على أذنها تضم كفها الآخر لصدرها لا تستطيع التحكم بدقات قلبها التي تزداد مع إزدياد الرنين الي يطن بأذنيها، حتى أجاب تستمع لصوته الرجولي:
- ألو ..
إنفجرت في البكاء تشهق بقوة و هي تقول بتقطُعٍ:
- فـ .. فريد!!! تعالى خُدني يا فريد!!!
- نــــور!!
إنتفض من فوق مقعدُه الجلديّ، أسرع من خلف المكتب يغادره تمامًا يصرخ بها و كل خلية بجسده تنتفض:
- في إيــه!!! إنتِ مش في البيت؟!!
بكت أكثر تحتضن الهاتف بكفيها تقول و الدمعات أغرقت وجهها:
- فريد .. أنا .. جوز أمي!!!!
حملق بالفراغ أمامه بعدما توقف أمام سيارتُه، كاد أن يسقط الهاتف من يدُه و أسوأ السيناريوهات في عقلُه، صعد بالسيارة يقول بصوتٍ لا يحمل سوى الجمود:
- إنت فين؟!
نظرت حولها تقول بحيرة:
- مش عارفة .. مش عارفة أنا فين أنا آآآ!!!
قاطعتها الفتاة تقول و هي تربت على كتفها:
- قوليله إننا على طريق المُقطّم!!!
أسرعت نور بلهفةٍ تقول ببكاء:
- أنا على طريق المُقطم يا فريد .. متتأخرش يا فريد بالله عليك!!!
ثم أغلقت الهاتف فـ أغمض عيناه و ضرب المقود بكفُه مرتان متتاليتان من شده الألم الذي فطر قلبُه من صوتها، سار بالسيارة على سرعة مائتان لكي يصل لها، بينما جلست نور تخفي وجهها بين كفيها، فـ ناظرتها المدعوة دُنيا بـ شفقة على حالها، ربتت على كتفها تقول بلُطف:
- إهدي .. بإذن الله هييجي على طول!! هو جوزك ولا أخوكِ!
قالت وسط شهقات تلت بكائها:
- جـ .. جوزي!!!
تنهدت و قالت بحنان:
- طيب إهدي لو سمحتِ ..
ثم قالت بإبتسامةٍ تحاول التخفيف عنها:
- والله لو فضلتي تعيطي كدا هقعد أعيط جنبك و أنا أصلًا دمعتي قُريبة!
نظرت لها نور و إبتسمت قائلة بهدوء:
- أنا مش عارفة أشكُرك إزاي!!
- أشكريني بإنك تضحكي يا ستي!
همهمت بها بإبتسامة صافية، فـ أسندت نور جبينها فوق كفها، حتى رنّ هاتف دنيا فأسرعت تعطيه إلى نور التي أجابت مُسرعةً:
- إنت فين!!!
ترجل من سيارتُه و قال و هو يلتفت حولُه:
- أنا ع الطرق، شايفاني من بعيد حتى؟
نظرت حولها فـ وجدته منتصبًا مرتديًا نظارتُه يبحث بكل لهفةٍ عليها، إنطلقت منها ضحكة إختلطت ببكاءٍ عارم و هي تفتح باب السيارة و تركض نحوه، نزع نظارتُه عندما وجدها تركض لكي تصل له بـ بيچامة بيتية جعلت الدماء تغلي بعروقها، شعرها مُشعث و هيئتها شاحبة، ركضت هي بكُل ما تملك من قوة لتسقط بأحضانه بوهنٍ فـ تلقاها هو بذراعيه يسندها ثم يحتضنها، يضمها بكل ما أوتي لصدرُه و قلبُه ينفطر على شهقاتها الباكية، يمسد فوق خصلاتها بلهفةٍ فأعاد ترتيبُه، ظلّا هكذا مُدة حتى أبعدها و هو لايستطيع التحكم في خيالاته السوداوية يقول محاوطًا وجنتيها:
- أذاكِ؟ .. لمسك؟!!
حاولت التحدُث وسط شهقاتها، فـ كان هو يهز رأسه يحثها على تجمعة حروفٍ مُشتتة كحالها بالضبط، يضغط بأنامله فوق وجنتيها، فـ قالت بحروفٍ تقطّعت:
- لـ .. لاء لاء .. لاء معملش حاجه ملحقش يعمل .. أنا .. أنا ضربتُه بـ فازة، لو .. لو مكُنتش عملتكدا أنا كان زماني ..!!!
لم تستطع إيجاد كلمة مناسبة .. لربما كانت الآن ميتة .. أو كانت مجرد جسد دنّسُه هو بدنائتُه، ضم رأسها لصدرُه يمسح على ظهرها صعودًا و هبوطًا يهمهم:
- ششش .. بس .. بس يا حبيبتي خلاص!!
أغمضت عيناها تتشبث في قميصُه الله وحدُه يعلم حجم الألم الذي قد إختلج قلبُه، أبعدها عنه بعد قليل، ينزع عنه چاكت بذلته ثم يحاوطها به، يدفعها برفق إلى السيارة فـ إستقلتها تقول برجاء:
- البنت اللي واقفة بالعربية الحمرا دي هي اللي كلمتك من عندها، عايزه أشكرها يا فريد!!
نظر حيث تشير ليومأ لها بهدوء:
- كل اللي إنت عايزاه هعملهولك .. إرتاحي يا حبيبي!!
أسندت رأسها للخلف و دمعاتها تهطل بصمت، إستقل جوارها و ذهب إلى تلك السيارة فوجد صاحبتها بها، إبتسم لها و قال:
- متشكر على اللي عملتيه مع مراتي!!
إبتسمت دُنيا بهظوء و قالت:
- أنا معملتش حاجه .. أي حد مكاني كان هيعمل كدا! أهم حاجه إنها بخير دلوقتي!!
نظرت لها نور بإمتنان حقيقي، و أشارت لها فـ أرسلت لها الأخيرة قبلة في الهواء و غادرت، أغمصت نور عيناها بتعبٍ، و سار هو بالسيارة يحاول جاهدًا أن ينظم أنفاسه التي تبعثرت، طالعها ثم ضم رأسها له، و همس لها بـ كل هدوء:
- نور ..
- نـ .. نعم!!
قالت تتشبث بقميصُه دافنة رأسها بـ عنقه، فـ هتف بنفس النبرة:
- عايزك تركزي أوي معايا و تحاولي توصفيلي المكان اللي كُنتِ فيه!! قوليلي مشيتي إزاي!!
رفعت رأسها تنظر حولها، و بصعوبة إستجمعت نفسها و أشارت له على أحد الطرقات حتى وصلا إلى ذاك البيت، إنتفضت فورما رأته و صرخت بوجعٍ تغلغل قلبُه هو قبلها:
- ده .. هو ده يا فريد!!!
- طيب يا روح قلب فريد!!
هتف محاولًا تهدأتها، ثم قبّل كفها الذي يرتجف و هو يهمس برفقٍ:
- عايزك تهدي .. و أنا هنزل إشوف الو** ده و راجعلك!!!
شهقت و تشبثت بـ تلابيبه تقول مصدومة:
- إيه!!! لاء إوعى .. و حياتي يا فريد لاء متسيبنيش، أنا عايزاك مش عايزه أخسرك .. بلاش توسخ إيدك بدمُه!! البوليس لو خدك أن هيجرالي حاجه يا فـ..!
قاطع حديثها عندما أنهال على وجهها بالقُبلات و بين كل قبلة و الأخرى يهمس لها بحنوٍ:
- وَلا تخافي .. أنا عُمري ما هسيبك!
فتح كفها يُقبل باطنُه هامسًا:
- متتحركيش من العربية يا حبيبتي .. و أنا مش هتأخر صدقيني!!
أومأت له بإستسلام، فهي على يقين أنه لن يترُك الأمر يذهب سُدى، و بالفعل ترجّل ليدلف لذلك البيت!! دلف و قد إستوحشت ملامحه تختلف كليًا عن محياه و هو معها، الدماء تغلي بعروقُه و قدميه تطوي الإرض أسفلهما، إبتيم و الشرر يتصاعد من عيناه عندما وجدُه يحاول أن يستفيق ممسكًا برأسه يتآوه بألم، و بحركةٍ لم تكُن متوقعه ضربَه فريد بـ قدمه في معدته فـ ثرخ الأخير و سط أرضًا يبصق الدماء و الرؤية مشوشة أمامه لا يعلم ممن يُضرب، و قبل أن يتدارك الضربة الأولى و جد الضربات تتابع فوق معدته و جزءُه السفلي، حتى أغشي عليه، مال عليه فريد يتفحص نبضُه فوجده ضعيف لكن موجود، زمجر بضيق ليأخذ مسدسه و يسحب زنادُه بجمودٍ فتنطلق طلقة رصاصية إستقرت بصدر الأخير، وضع المسدس بـ جيب بنطاله الخلفي مجددًا و غادر يشعر بالقليل من الإرتياح في قلبُه سـ يكتمل فورما يعلم من نصب هذا الفخ لـ أغلى شخص بحياته، عاد لها فوجدها ترتجف من شدة خوفها، بالتأكيد وصل لأذنيها صوت تلك الطلقة، صعد جوارها فـ إلتفتت له تقول ببكاء رهيب:
- ليه .. ليه عملت كدا!! أنا مش هقدر أعيش من غيرك!!
ضرب على المقود بعنف و صرخ بها من شدة غضبُه من الأمر برمته:
- لـيـه عـمـلت كــدا!!! مستنية مني إيه و أنا لاقيت مراتي كانت في بيت مع راجل ابن **** لوحدهم و لولا ستر ربنا كان زمانُه ضيّعك و ضيّعني؟! أعمل إيه بعد ما لقتك جاية بتجري عليا بـ بيچامة بـيـت!!! و طبعًا إنتِ كان مُغمى عليكِ .. يعني ال***** ده قدر يلمس جسمك و إنتِ مش واعية!!! عندك فـكـرة باللي حاصل جوايا دلوقتي؟!!! عُمرك ما هتحسي بالنار اللي جوايا فـ متقوليليش عملت كدا ليه!!
إندفست في المقعد و إزدادت و تيرة بُكائها، أغمضت عيناها تستمع لكلماته التي تذبح روحها، تستمع لـ صوت أنفاسه العالية، تفتح عيناها لترى أنامله التي ترتعش و ملامحه التي باتت مُخيفة و لـ نفور عروقه من جبينه فـ تُغمضها مُجددًا خائفة من منظرُه، تسمع مجددًا يستطرد بقسوةٍ:
- حــالًا .. تحكيلي اللي حصل بعد ما مشيت!!
حاولت إستجماع شتاتها، تفرك بـ طرف مئزر بذلتُه بعنفٍ تجمع الحروف لترتبها مكونة جملتين بسيطتين:
- مش .. قادرة أتكلم .. في حاجه دلوقتي!!!
إنتفض جسدها و إرتعش بدنها عندما وجدته يصيح بصوتٍ مُخيف:
- مـــش إيـــه؟!!!! لاء م أنا مش هـسـتـنـى لـمـا سيادتك تِـروقـي عشان تـتـكلـمي!! مـتسـيبينيش لـدماغـي أنـا مـش ناقص!!
أغمضت عيناها و مالت برأسها للأمام تحاوط رإسها تحاول تهدئة خفقات قلبها التي صمّت أذنيها من خوفها منه و من الموقف برمتُه، تحاول أخذ أنفاسها بصعوبة، حتى شعرت بـ كل شيء حولها يطبق على أنفاسها، أسندت كفها فوق الزجاج تغمغم بصعوبةٍ:
- نزلني .. نزلني حاسة إني هتخنق!!!
نظر لها و كأنه قد عُمي عن وضعها، فـ لم يلقي بالًا لما تقول، و واصل سيرُه دون الإلتفات لها، وضعت هي كفها فوق صدرها تغمض عيناها و أنفاسها بالفعل لا تدلف رئتيها مهما حاولت إلتقاطها، أغمضت عيناها و إزرقّت شفتيها فـ همست بخفوت سمعه:
- فريد!!
الفصل الثامن
نزلني .. نزلني حاسة إني هتخنق!!!
نظر لها و كأنه قد عُمي عن وضعها، فـ لم يلقي بالًا لما تقول، و واصل سيرُه دون الإلتفات لها، وضعت هي كفها فوق صدرها تغمض عيناها و أنفاسها بالفعل لا تدلف رئتيها مهما حاولت إلتقاطها، أغمضت عيناها و إزرقّت شفتيها فـ همست بخفوت سمعه:
- فريد!!
نظر لها و هم بالعدول عنها محدقًا أمامه، لكنه أوقف السيارة بعنفٍ ضاغطًا على المكابح بقوة عندما وجدها على تلك الحالة، أسرع يصف السيارة جانبًا فـ فتحت الباب على الفور دون أن تنتظر، ترجلت من السيارة تستند عليها تميل برأسها و خصلاتها تتساقط جوارها تحاول أخذ أنفاسها و بالكاد تفعل، ترجل هو خلفها فورًا يركض ناحيتها، الخوف ملأ قلبه عليها، وقف جوارها يرفع وجهها له يقول و عيناه تسير على شحوب وجهها:
- نور .. حاسة بإيه يا حبيبتي؟!!
- روحي .. هتطلع!!!
قالتها تتمسك بقميصُه تكاد تنهار أرضًا لولا أنه إمسك بـ خصرها قابضًا عليه بذراعه الأيسر و الذراع الآخر يحيط به رأسها خلف عنقها يتمعن قسمات وجهها، يتمعن في جملتها أيضًا التي ألتقتها على مسامعه و لا تدري عمّا أحدثت به من خراب داخله، ضم وجهها بكفيه يقول بـ صوتِ أهتز أثر كلماتها:
- بُصيلي .. خُدي نفسك ورايا .. يلا إعملي زي م أنا بعمل!!
نظرت له بأعين زائغة و إرتجافة بدن، تحاوب أن تفعل مثله و تتنفس أنفاس عميقة، أدمعت عيناها و هي تنظر له حتى إمتلأت رئتيها بالهواء، تنفس هو براحة يلصق جبينه بـ جبينها المُتعرق، ثم ضم رأسها لصدرُه مربتًا فوق ظهرها ماسحًا عليه يغمض عيناه و يرتجف قلبُه من أثر خوفه عليها، أبعدها عنه ثم مال يُقبل جفونها الدامعة و وجنتيها اللتين تلطّخا بالدمعات، يهمس بـ ألم:
- حقك عليا .. بس أنا جوايا بركان بيغلي يا نور!
طالعتُه و هي تشعر بـ ألم ينهش في روحها، تحدثت بعد معاناه في محاولة إخراج صوتها الذي بُحّ:
- يعني أنا اللي عادي؟ أنا إتاخدت من نُص بيتي معرفش إزاي ولا إمتى ولا مين عمل كدا!!
إلتقط أنفاسه و هو لازال يكوِّب وجهها قائلًا بـ لين:
- هعرفُه .. و هدفعُه التمن غالي أوي!!!
ثم أجلسها في مقعدها، و استقر هو في مقعده ليقود السيارة و هو عازم على معرفة من الفاعل بل و تسويته بالأراضي و لو كان الثمن هو!
• • • • •
دلف ڤيلتُه يضم كتفيها و مئزرُه يحاوط جزعها العلوي، و فور ولوجهما وجدا نرجس جالسة تتبادل الضحكات مع إبنتها ظنًا منهما أن خطتهما نجحت نجاحًا باهرًا لكن الصدمة إعتلت وجوهما عندما وجدا نور لازالت حيّة و بين ذراعيّ فريد الجامدة مِحياه، إنتفضت نيرة من فوق المقعد و عجزت نرجس عن الحديث، ردة فعلهُما كانت أكبر دليل على فعلتهما بالنسبة إلى فريد الذي إنزوت شفتيه بنصف إبتسامةٍ مُتيقنًا الآن بـ أنهم الفاعلين، نادى فجأة بصوتٍ جهوري:
- يا حجّة يُسرية!!!
أتت من تشرف على الخدم فورًا فورما سمعت إسمها يُنادى منه، وقفت أمامه تقول بتهذيبٍ:
- تؤمر يا بيه!!
- خُدي نور إعمليلها حاجه تاكُلها و خليكِ معاه!!
قالها بهدوء ثم قبّل رأس نور بحنان، لتستند نور على تلك السيدة و يذهبا، وقف هو واضعًا كفُه في جيبُه قائلًا ببرود قارس:
- مراتي غايبة من الصبح، و إنتواىقاعدين هنا مقضينها ضحك و مرقعة؟
أسرعت نرجس تفك شباك لسانها و تتمتم بتوتر ظهر رغمًا عنها في صوتها:
- غايبة إزاي يابني، إحنا مكُناش نعرف هي دايمًا مبتخرجش من الأوضة أصلًا!
رفع حاجبيه بدهشةٍ مُصطنعة و غمغم بـ :
- ممم .. و الله؟
ليتابع و هو يقترب خطوات وئيدة من نيِّرة:
- ويا ترى كنتوا بتضحكوا على إيه .. ضحكوني معاكوا!!
هتفت نيِّرة التي بدأت بأخذ خطوات للخلف تقول بصوتٍ مُهتزّ:
- أبدًا يا .. يا فريد أنا آآ!!!
و في لحظةٍ كان يجذب خصلاتها النفىود بين قبضته يرفع كفُه عاليًا و ينزل به على وجنتها يلطمها بعنف كاد أن يجعلها تفقد توازنها و تسقط لولا كفه القابض على شعراتها يهزها بعنف و قد إستوحشت عيناه و هو يصرخ به بصوتٍ جعلها ترتعد و وسط صرخات نرجس و لطمها على وجهها بـ رعبٍ على إبنتها و على نفسها:
- أنا هعلِّمك تضحكي إزاي يا زبالة!!!
صرخت نيرة ترجوه أن يترك خصلاتها التي تجزم على أنهم تمزّقا بين يداه و لكنه لم يرحم صرخاتها، أمامه صورة نور و هي تعاني بين يدا ذلك الحقير فـ يعود و يصفع نيرة مرةً أخرى مرة تلي الأخرى و صفعة على وجنتها اليُمنى و اليُسرى بكفٍ واحد مرة بباطن كفه و الأخرى بظهرُه!! أمسكت نرجس بكتفه تتوسل له أن يتوقف لكنه نظر لها بأعين حمراء أرعبت قلبها:
- إبــعـدي!!! إنــتِ دورك لسه جاي!!!!
خرجت نور من الغرفة تنزل على الدرج حتى توقفت بصدمةٍ مما يحدث أمام عيناها، ترى زوجها في حالة إهتياج تراها لأول مرة يُكيل لـ نيِّرة الصفعات حتى كادت روحها أن تزهق بين يداه، لا تعلم لِم و لكن كلماته التي ألقاها في وجه نيّرة جعلتها تفهم سبب ما يفعل:
- بتعُضي الإيدك اللي إتمدتلك يا بنت الـ****!!! بتسلِّمي مراتي يا *****
أغمض نور عيناها و صرخات نيّرة تصدح في أذنها، حتى فتحت عيناها على نرجس التي مالت على قدمُه. تتمسك بـ بنطاله راجية إياه بدمعاتٍ أغرقت وجهها:
- كفاية يابني إبوس رجلك كفاية يا فريد!!!
نظر لها يبعد قدمه عنها يقول بقسوةٍ رهيبة:
- هو أنا لسه عملت حاجه!!
ثم تابع بحدة:
- قوليلي عملتوها إزاي!!!
صرخت به نرجس وسط بكائها:
- معملناش حاجة!!!
- طب حلو أوي!!
قال مُبتسمًا ثم إلتفت إلى نيّرة ليجدها بالكاد تقف على قدميها، فـ رفع يده مجددًا و هوى بها على وجنته مرة تلي الأخرى فـ إنهارت نرجس تقول بـ توسلٍ حقيقي:
- كفاية كفاية سيبها و أنا هقولك بس سيبها و رحمة أبوك!!
دفعها بعنف فـ سقطت أرضًا تحاوط وجهها الذي إرتفعت حرارته أثر ضرباته و تزيل خط الدماء ذاك الذي ينهمر من شفتيها، زحفت نرجس إلى إبنتها و ضمتها لصدرها، فـ قال فريد و هو يجلس على المقعد يشعل سيجارته و هو يقول:
- هـا .. أنا سامع!!!
قالت نرجس و هي ترتجف:
- خليت حد .. يعرفلي كل حاجه عنها، و عرفت إن جوز أمها كان طمعان فيها، جبت رقمُه بنفس الطريقة اللي جيبت بيها المعلومات عنه، و إتفقت معاه إني هخليه ييجي ياخدها مُقابل إنه .. يعني يعمل فيها اللي هو عايزه و بعدين يموتها بأي شكل، و إتفقنا على مبلغ هياخدُه لما يقتلها و بعدها هسفّرُه بمركب لأي بلد أجنبية!!!
سقطت نور جالسة على الدرج تستمع لكلماتها و دمعاتها تنهمر فوق وجنتيها، تنظر إلى فريد الذي حافظ على هدوء ناظرًا لـ نرجس يحثها على إكمال حديثها، فـ قالت بخوف:
- خليت نيرة .. تحطلها منوم في العصير، و قدرنا ندخله من الباب الوراني و لما جه الجناح .. خدها و هي نايمة و مشي!!!
إبتسم و الله وحده يعلم ما خلف إبتسامتُه من غضبٍ وصل عنان السماء، أخذ هاتفُه من جيب بنطالُه، و ضرب فوق شاشته فنظرت له نرجس بإستغراب لكنها شهفت عندما وضعه على أذنه و هو يقول:
- النجدة معايا؟
نهضت نرجس تاركة إبنتها تقترب منه صارخة به بصدمةٍ:
- هتبلغ عني يا فريد!!!
نظر لها فريد و قال ببرود:
- عايز أبلغ عن إتنين كانوا عايزين يقتلوا مراتي .. آه شروع في قتل!!
لم تصدق نرجس أذنيها، عندما أغلق معهم بكت و أنهارت و ترجته تمسك بيدُه تقبلها بذلٍ حقيقي:
- لاء يا فريد متعملش فينا كدا! أنا عمتك و نيّرة مراتك حرام عليك!!!
نظر لها ليبعد يده عن مرمى كفيها يضحك ساخرًا و يهتف بـ صوت لا يوجد به ذرة من المرح:
- عمتي اللي حاولت تدمرني عن طريق مراتي؟ أنا معرفكيش ولا يشفرني تبقي عمة ليا!! و بالنسبة لمراتي ..
ثم تابع ناظرًا لتلك التي مفترشة الأرضية مغمضة عيناها، و قال بجدية:
- نيّرة .. إنتِ طالق!!!
أطبقت فوق جفونها لا تجرؤ على رفع عيناها بـه بعدما حدث لها، ترتجف و تشعر بتخدُر حقيقي في وجهها و روحها، صاحت به نرجس بعنفٍ:
- إنــت إيــه!!! جايب منين الجبروت ده كلُه!!! ده أبوك بجلالة قدرُه ميجيش فيك حاجة!!! طايح في الكل ليه!!! إنت فاكر إن مجرد ما هتقولهم هييجوا ياخدوني يعني!! إنت دليل واحد مش معاك عليا!!!
أخرج السيجار من فمُه يقول بإبتسامة:
- يــاه .. تاهت عني إزاي دي!! هو أنا مقولتلكيش يا عمتي إني كنت بسجلِّك، شكلك مخدتيش بالك و إنتِ بتحكي إني شغلت التسجيل على تليفوني و بدأت أسجل وساختك .. يلا معلش يا عمتي الكَبر .. والخرَف بيعملوا أكتر من كدا!!!
لطمت على وجهها تنظر له مصدومة، لتلتفت حول نفسها لا تعلم ماذا ستفعل، حتى ركضت ناحبة نور التي كانت جالسة على الدرج بشرودٍ، تمسّكت بكتفيها تقول راجية إياها:
- نور!!! أبوس إبدك يا بنتي قوليلُه حاجه!!
نظرت لها نور دون أن تتحدث، لتتابع نرجس بنبرة حاولت بها جذب عاطفتها:
- و حياة أغلى حلجة عندك قوليله بلاش السجن!!!
- السجن هيبقى أرحم عليكِ من اللي ممكن أعملُه فيكِ!!!
قالتها نور بكل هدوءٍ، فـ إبتسم هو على تلك التي لا تضعف و لا تخضع و لا تترك حقها يذهب هدرًا، بينما صرخت بها نرجس:
- حتى إنتِ يا زبالة!!! ده لمِك من الشوارع و جابك تعيشي هنا و تبرطعي في بيتُه يا لمامة الشارع يا عِرة البنات!!!
ظلت نور تناظرها ببرودٍ و لكن إبتسامة أغاظت نرجس أكثر ظهرت على وجهها، لم يتحكم فريد في أعصابه فنهض متجهًا لها يسحبها من ذراعها بعنف بعيدًا عن نور، صوت سرينة الشرطة أوقفتهم جميعًا، فـ هاتف حُراسه يخبرهم أن يسمحوا للشرطة بالدخول، و بالفعل دلفوا للڤيلا فـ ترك هو نرجس و إتجه لهم يُجري معهم محادثة قصيرة عن طبيعة الوضع يخبرهم بـ هويتُه، فقال الضابط على الفور:
- تحت أمرك يا فريد بيه!!! هاتوهم!
و في ثوانٍ كان يجذبهم العساكر وسط صرخات نرجس و نيرة التي لازالت لا تصدق ما يحدث لها، أخبره الضابط بعد خروجهم:
- هنحتاج سيادتك تيجي القسم عشان نعمل المحضر، هنتحفظ عليهم النهاردة لكن بكرة وجود حضرتك هيبقى مهم جدًا!!
- أكيد بإذن الله بكرة هبقى عندكوا!!
قال فريد بهدوءٍ، ثم ظل معه حتى غادر و عاد إلى نور، التي ظلت على حالها جالسة على الدرج تنظر بشرودٍ غريب أمامها، إتجه ناحيتها مقتربًا منها، ثم مال عليها و حملها بين ذراعيه يقول بصوته العالي:
- جهزوا أكل و طلّعوه جناحي!!!
تشبثت بعنقه تريح رأسها على صدرُه مغمضة عيناها بإرهاقٍ، دلف بها للجناح و أغلق الباب خلفه، و من ثم لـ الغرفة، وضعها على الفراش ثم همّ بالإعتدال و تركها لكنها أمسكت بـ تلابيب قميصُه تهمس بوهن:
- خليك معايا!!
- تعالى!
قالتها و هي تبتعد لتترك له مساحة لكي يجلس، فعل هو و جلس جوارها دون نقاشٍ، فـ نامت أعلى فخذُه الأيسر تحاوط قدمه مُغمضة عيناها مسح فوق خصلاتها بحنان، ثم مسح فوق كتفها المُغطى بـ منامية أخرى شتوية بعد أن إستحمت، ثم يعود و يغلغل أنامله بخصلاتها بلُطفٍ، فتحت عيناها التي أخذت تذرف الدمعات، لتغمغم بخفوتٍ و صوتٍ ظهر بالكاد:
- شكرًا .. إنك موجود!
تابعت تتشبث بقدمه أكثر بألم ظهر في بحّة صوتها:
- كُنت هعمل إيه لو مكُنتش في حياتي!!
ثم نهض تثني ركبتيها أسفلها تقول بـ حُزن و هو يبعد خصلاتها عن وجهها لكي يرى ملامحها التي تأسرُه:
- أنا بحبك أوي! مقدرش أعيش من غيرك!!
ألقت بنفسها بأحضانُه تحاوط عنقه بقوةٍ تضم جسدها على جسدُه شبه جالسة فوق قدمُه، تقول وسط نحيب بكائها الخفيف:
- متسيبنيش يا فريد!! متتخلّاش عني أبدًا زي ما كلُه عمل!
ضمها لصدرُه يغمض عيناه يستنشق عبير خصلاتها و رائحة جسدها الفاتنة يُهدئ من روعها مُربتًا فوق ظهرها يقول بعشقٍ:
- و أنا بموت فيكِ!! و عُمري ما هسيبك بلاش هبل! إنتِ نَفسي و نفَسي .. أسيبك و أروح فين؟
عانقته أكثر تسند رأسها موضع أذنها فوق كتفُه تمسح على آخر خُصلاته من الخلف، ثم إبتعدت عنه بعد دقائق، حاوطت وجنتيه تتأمل ملامحُه التي باتت هائمة بها، عجزت عن التعبير فـ ألصقت جبينها بـ جبينه تتنهد فقط فـ تدخل أنفاسها لرئتيه، إبتسم يسمح بدخول أنفاسها العطرة لـ قفصُه الصدري .. و لو كان بإمكانه لـ شقّ صدرُه و أدخلها به يجعلها بداخلُه للأبد، إبتعدت عنه ثم قالت بـ رجاءٍ:
- نام جنبي .. هتقوم تروح فين؟
مسح بكفيه فوق خصلاتها الساقطة على وجنتيها يقول:
- هغير هدومي و آجي يا عُمري كلُه!!!
حررت أزرار قميصُه واحدًا تلو الآخر، ثم نزعته عن جسدُه تقول ببراءة:
- و آدي القميص و قلعتُه، نام بالبنطلون مش مهم!!
إبتسم و قال و هو يجذبها لأحضانه، يضمها لصدره و يستلقى فـ تريح رأسها على صدرُه، أغلق أنوار الغرفة بـ جهاز التحكم و أخذ يمسح على خصلاتها حتى نامت، لكن هو لم يغمض له جفنًا، ظل مُستفيقًا لا يستطيع أن ينام، أسند رأسها على الوسادة و طلّ عليها بمنكبيه، مال يلتقط قُبلة من وجنتها، يدفن أنفُه في عنقها هامسًا بصوته الرجولي و لكن بخفوتٍ:
- مش قادر أنسى و لا أتخطى فكرة إن كُل ده إتعمل فيكِ، حاسس بحجر على قلبي كُل ما بتخيلك بتحاول تدافعي عن نفسك من كل القرف اللي شوفتيه من أول أمك اللي متستاهلش يبقى عندها بنت زيك .. في حد يبقى عندُه بنت زيك و يفرط فيها؟ في حد عاقل تبقي إنتِ بنتُه و يرميكِ يا روح قلب فريد!
و الو** التاني اللي كان معيِّشك في عذاب .. أكيد كُنتِ خايفة طول الوقت رغم إنك كُنتِ في بيتك، أكيد كنت بتبقي مرعوبة لَيدخل عليكِ كإنك قاعدة في الشارع، كُنت بتقفلي على نفسك أوضتك عشان ميدخلش عليكِ و إنتِ نايمة .. يا حبيبتي .. عيشتي كُل ده لوحدك، جيتي هنا و بردو مسلِمتيش من شر اللي المفروض تبقى عمتي، أنا أسف .. مش بس بالنيابة عنها، ده أنا أسف على كل جرح و وجع في قلبك أيًا كان مين سببُه، و أوعدك إني بنفسي هعالج جروحك .. و هطيب وجعك و محدش هيقدر يلمس منك شعرة و لا يإذيكِ بكلمة واحدة!!
قبّل عُنقها و نهض ليستحم و يبدل ثيابُه، ثم عاد جوارها يأخذها بين ذراعيه و ينام بعد عناء!
• • • • •
فُتحت عيناه قبل إستفاقتها، فجدها تختبئ داخل أحضانُه كطفلة صغيرة، قبّل جبينها يُتمتم بحُب:
- أسيبك إزاي و أقوم أنا دلوقتي!!
همّ بالنهوض لولا ذلك الصوت الذي وصل لمسامعُه ينوح يـ:
- يــا نـــور!!! جـــوزي فــيــن يا نــور!!!!
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
متخرجوش واتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺