رواية الصمت المعذب الحلقة الثانية والثالثة بقلم نورهان ناصر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
{ أَلَيس اللَّهُ بِكافٍ عَبدَهُ }
اِسْتفْهام يُورثك الرَّاحة والْهدوء والطُّمأْنينة، فَاَللَّه جلَّ وَعلَا سَيكفِيك همُّك وحزْنك ووجعك وألمك، مَهمَا كان عظيمًا وصعْبًا وقويًّا، فقدْرُ اللَّه نَافِذ لََا مَحالَة، فاطْمَئنَّ وأتْرك اَلأُمور لِبارِّيهَا، لِمُجْريهَا ومُرْسيهَا، لِلرَّحِيم اَلحلِيم اَلعظِيم، الواحد الجبَّار، مُدبِّر اللَّيْل والنَّهار.
♥ أذكروا الله ♥
_______________________
كانت تنظر لها بحزن شديد ، بينما هي تستند برأسها على الوسادة خلفها ودموعها تنهمر بقوة ، وبدون أن تستدير صوبها قالت ببسمة ونبرة تتخللها غصاتها :
_ خلاص يا نعمه بطلي تبصي لي كدا لو سمحتي .
اتجهت نعمه صوبها وجلست أسفل فراشها وهي تمسك بيديها تضغط عليهما وهي تقول بدموع على حالها :
_ هتندمي يا ملك صدقيني ، وبعدين أنتِ استعجلتي في خطوة كتب الكتاب دي ...
قاطعتها ملك وهي تبتسم بسمة موجوعه ودموعها على خدها :
_ لا ما استعجلتش كان لازم أعمل كدا من زمان ، عمومًا أنا قولتلك مش عايزه افتح الموضوع ده تاني ، أنا شايفه خطوة كتب الكتاب هاتقرب بيني وبين حسان ، يمكن أنا مش عارفه اتصرف معاه بحرية وكدا ، فلما أكتب الكتاب أكيد ده هايتغير وهو هينسيني ، أكيد هنساه هاخلص لجوزي وهنساه .
بكت نعمه على بكائها واندفعت تحتضنها وهي داخلها تعلم أن ذلك لن يحدث ، حب بتلك القوة لن يمحى بالسهولة ، التي تتحدث بها ملك ولاشك أن حسان سيعاني كثيرًا في تلك العلاقة ولكن ما باليد حيلة .
صوت لطرقات على باب الغرفة قاطع موجة بكائهم ليبتعدن عن بعضهن ، دخلت والدتها الغرفة تنظر لهم باستغراب وهي ترى الطعام كما هو ، مسحت ملك دموعها سريعًا وهي تميل بوجهها حتى انتهت ثم أردفت بحزن وهي تنظر لوالدتها :
_ ماما أنا كلمت حسان قولتله إني عايزه أكتب الكتاب ، بس خايفه هادي يزعل إني اتكلمت في الموضوع ده مع حسان ، يعني من دون علمه أصل الخطوبة دي طولت وأنا زهقت منها .
ضيقت والدتها عينيها وهي تتحدث باستنكار :
_ طولت إيه ؟؟ ده كلهم شهرين بتهزري يا ملك ؟؟
رسمت ملك بسمة زائفة بلا أي معنى وهي تقول :
_ أنا كدا هرتاح أكتر في التعامل معاه معلش يا أمي ، زائد هو بيسافر كتير ،وأنا عايزه يبقى ليا حق أكون معاه في ظروفه دي واساعده .
تنهدت والدتها بهدوء ثم قالت :
_ تمام يا ملك ، هبلغ هادي عن رغبتك ده إذا مكنش حسان بلغه أصلًا .
ابتسمت ملك بصمت وهي تتحاشى النظر لعيني نعمه ثم قالت بنبرة بها ضعف شديد :
_ أنا محتاجه أخرج شويه حاسه إني مخنوقه ...
نظرت لها والدتها باستنكار وهي تقول بنبرة بها شيء من الحدة :
_ تخرجي تروحي فين ؟ الطرق متبهدلة من المطر وغير ده أنتِ تعبانه ، اقعدي يا نعمه واكليها شكلها مش عاجبني ، خالتك أم حسان جايه تشوفك وتتطمن عليك أنا مش عارفه أصلا أنتِ إيه اللي مشقلب حالك كدا ؟ .
تحدثت نعمه ببسمة صغيرة وهي تحاول إلهاء حماتها عن ملك التي انخرطت في البكاء وهي تستلقي على الفراش تسحب الغطاء حتى رأسها :
_ ولا فيها أي حاجه ده هما شوية برد وهيروحوا لحالهم أنا عملتلها شوية شربة خضار وهاتبقى زي الفل .
استدارت والدتها للخروج بعد أن حركت عينيها بصمت لنعمه تقول وهي تضرب كفي يديها ببعضهما :
_ يا مخلفه البنات يا شايله الهم للممات ، ده غلب إيه ده ؟؟ ولا حد بقى فاهم حاجه في البيت ده .
*****
بعد مرور بضعة أيام ...
كان يقف بثبات يلقي تعليماته بحزم على الفرق الجديدة يدور بعينيه على ملامحهم وهو يقول بنبرة حادة :
_ طبعا عارفين أنتم مقبلين على إيه ؟ أنتم من الدقيقه اللي قررتوا فيها تدخلوا الكلية الحربية وأنتم شهداء في انتظار ميعاد الشهادة ، اللي خايف على حياته يتراجع وأنا بنفسي هاكلم الوزير واتابع تعيينه في أي مكتب حكومي وبلاش ينزل للميدان وبالمرتبات كويسه .
كان حسان يقف بجواره ، يضع يديه حول صدره ، ثم نظر صوب الجنود يردد بصوت حاسم :
_ ها قررتوا إيه ؟؟.
صرخ الجميع في صوت واحد قوي :
_ هدفنا حماية تراب الوطن ده بدمنا ومكافأتنا الشهادة إن شاء الرحمن .
ابتسم حسان وأحمد لهم بهدوء ، ثم أشار حسان إلى محمد ليتقدم منهم ، والذي لبى النداء على الفور وبعد أن أدى تحيته العسكرية قال بهدوء :
_ أوامر ما عليك يا باشا .
ابتسم حسان بفخر ووضع يده على كتفه يقول :
_ الأمر لله ، ابدأ معاهم بالتدريبات يا محمد ومش هاوصيك الرحمه ...
ردد محمد بحزم وجدية :
_ للضعفاء فقط .
تنفس حسان بصوت مرتفع ثم اتجه إلى أحمد الشارد منذ أيام ، كانوا يسيرون متجاورين ، أحمد يضع يديه في جيبي بنطاله يراقب تدرب الجنود بفتور شديد ، وحسان الذي ينظر له بتهكم وبعد لحظة صمت قال وهو يضع يده على كتفه :
_ وبعدين يا أحمد ؟؟ هتفضل ساكت كدا ؟؟ مالك احكي لي إحنا مش صحاب ولا إيه ؟؟ بقالك أيام ساكت وأنا احترمت سكوتك ومرضتش اضغط عليك وقولت أكيد هياجي ونتكلم بس لا حياة لمن تنادي .
زفر أحمد الهواء بقوة ، وهو يركل الحجارة أسفله ليقول حسان بعينين ضيقة:
_ للدرجه دي مهموم ؟؟.
وأيضًا لم يرد أحمد بل بقى فقط يركل الحجارة وأعينه شارده ، فكر حسان قليلًا ثم قال بصوت مرتفع بعض الشيء بعد تذكره لأمرٍ ما كان غائبًا عن عقله:
_ آه صحيح عملت إيه في حبك الصامت ده ؟ ما اتكلمتش مع أهل البنت ؟؟ .
وأخيرًا حصل حسان على استجابة منه فقد رفع أحمد رأسه ونظر له بعينين خاويتين وهو يقول بجمود :
_ اتأخرت أوي لأني غبي ضيعتها من أيدي ، بس أنا مش قادر أنسى عبد العزيز الله يرحمه ، يا حسان ومن وقت ما خسرناه في المداهمة وأنا دخلت في دور اكتئاب والهواجس سيطرت عليا ، عبد العزيز كان عريس مكملش عشرين يوم وقصة حبه أنت عارفها ، كان بيحب عايده قد إيه وبعد سنوات من الحرمان أخيرًا باباها وافق عليه .
تنهد أحمد مطولًا ثم تحدث بحزن شديد وبرزت الدموع في عينيه :
_ عشر سنين مستني اليوم اللي يجمعهم سوا ، مات بعد فرحه بعشرين يوم مراته اللي ملحقش أصلا يقعد معاها ولا يشبع منها ، عايده أصلا فقدت عقلها واهي في المستشفى من يومها فات سنه على وفاته وهي على حالها وأهلها مش عارفين يخرجوها من اللي هي فيه ، لأنها كانت مهووسه بيه بتحبه أوي .
صمت أحمد بضعة دقائق وهو يبتعد عن حسان يمسح على وجهه دموعه ، في حين كان حسان يستمع له بصمت ، وفاة صديقهم عبد العزيز أثرت عليهم كثيرًا ، وكان أكتر المتأثرين أحمد الذي كان أقرب له منه ، عاد أحمد يهتف بنبرة ضعيفة :
_كل ده شوش تفكيري وخلاني أبعد أنا مقدرش أعيشها في الخوف ده ، مقدرتش أنا مش ضامن نفسي ولا عارف هموت ايمتى ؟ وعارف إنها بتعشقني بس مش لازم أبقى أناني ، عندي اقولها إني بكرهها ولا إني أعذبها بعد وفاتي الفراق صعب أوي وهي مش هتتحمله ، حرام صغيره لسه على إنها تاخد لقب أرملة وبعدين أهي اتخطبت لشخص تاني يمكن ينسيها.
صمت أحمد وخرج حسان عن صمته يقول بنبرة هادئة:
_ عذابها في بعدك هايبقى أسوأ من إنك ميت يا أحمد لأنها عارفه إنك عايش لسه ، أنت كدا تفكيرك غلط آه منكرش إن مهنتنا صعبه وبنبقى طالعين مش عارفين هنرجع أو لا ومتفهم إحساسك ، لأني كدا بردو أمي في كل مرة تبكي عليا وتفضل تبص لي جامد .
تنهد حسان بقوة متذكرًا والدته الحبيبه يقول بتأثر :
_مش بتشوف وشي إلا أما تقعد تعيط واقولها يا حجه ما أنا قدامك أهو حي أرزق تعيط زيادة وتقولي سيبني أشبع منك يا عالم دي آخر مرة هاشوفك أو لأ فأنا فاهمك كويس بس سلمها لله يا أحمد الأعمار بايده ، واللي بيموت منا ده عمره حتى لو مش دي مهنته فأنت تفكيرك غلط ، حرام تضيع عمرك وحبك بالتفكير ده استغفر ربك وأهدى شويه .
ابتسم أحمد بحزن وهو ينظر صوب السماء شاردًا:
_ يمكن زي ما بتقول ، بس فات أوان التراجع هي اتخطبت خلاص وأنا في آخر لقاء بينا بوظت كل حاجه وما اعتقدش هاتحب تشوف وشي تاني ، لأني خذلتها وجرحتها ، أنا أصلا مش ناوي أرجع أنا بعت أمي عند أختي في السعودية هناك هاطمن عليها أكتر ، حسان اقولك على حاجه يمكن ما قولتهاش لحد بس أنا حاسس إن عمري خلاص وما هي إلا مسألة وقت بس مش بيقولوا الانسان بيحس بنفسه أنا عارف إن يومي قرب علشان كدا بعدت أهو حتى تنساني وتكون اتعودت على غيابي .
طالعه حسان متنهدًا من طريقة تفكيره وإصراره على موقفه ثم ردد بمرح وهو يلف ذراعه حول كتفه:
_ يا سيدي بعد الشر عنك لا أنت حالتك ميؤوس منها ، بس أتمنى تفوق من اللي أنت فيه ده ، وبلاش تشاؤم يا أخي طب قدر إني عريس وبكرا كتب كتابي حزنتني على عمري مش عارف ياض إيه برميل النكد اللي طفح عليك ده هلاقيها منك ولا من أمي .
ضحك أحمد بخفوت ليعانقه حسان بقوة وهو يبتسم يقبل جبهته :
_ سيادتك هاتيجي معايا فاهم ولا لأ.
ربت أحمد على ظهره وهو يقول :
_ سيبها بظروفها .
ضربه حسان على مؤخرة رأسه يقول بحاجب مرفوع:
_ بلا ظروفها بلا نيله أنا مش هانزل إلا و رجلي على رجلك .
ابتعد عنه أحمد يقول وهو يدخل أصابعه في شعره يرجعه للخلف بعد أن نزع قبعته :
_ ما تضغطش عليا لسه ورايا كام حاجه المفروض إني هاقف مكانك لحد ما تيجي ، بس أنت انزل وانبسط وافرح من قلبك افرح بالنيابة عني وعن حبيبتي أنا هاكون مبسوط أكتر يمكن الغباء اللي عندي ده يروح لما أشوفك ناجح في زواجك ومبسوط ، وأنا إن شاء الله هحاول أخلص اللي ورايا وانزل وراك .
رفع حسان قبضة يده ليرفع أحمد قبضته بالمقابل تصادمت القبضتان ليضحك الرفيقين ويقول حسان ببسمة سعيدة :
_ هاستناك ، إيه اليوم الطويل ده ايمتى الليل ياجي ؟؟.
ضحك أحمد بخفوت وهو يغمز له :
_ هانت أهي خلاص الشمس غابت وكلها دقايق روح جهز نفسك وانا هكمل بدالك عد الجمايل .
_ عددها متقلقش تتردلك مع ...
صمت حسان ثم قال فجأة :
_ أنت ولا مرة قولتلي اسمها.
زفر أحمد الهواء بقوة وهو يرى طيف ابتسامتها أمام عينيه وبعد صمت لثواني ردد بحنين:
_ ملك .
طالعه حسان بعينين متسعتين يقول بدهشة :
_ نفس اسم خطيبتي ، سبحان الله .
_ آه فعلا بس شتان ما بينا وبينكم أحمد وملك قصتهم خلصت ، إنما حسان وملك دول قصتهم بدأت ومكمله طول العمر إن شاء الله ، مبروك يا صاحبي .
*****
وها قد أتى اليوم المنتظر ، كانت تجلس بين الفتيات أعينها شارده والتعاسة والبؤس في ملامحها ، في حين كانت الضحكات وأصوات الأغاني تصدح بقوة ، والفتيات يتراقصن بمرح أمامها ، دارت بأعينها في الوجوه من حولها الكل يبتسم وسعيد بينما هي التعاسة والحزن هما أنيسها الوحيد .
أفاقت من شرودها الحزين على محاولة إحدى الفتيات جذبها من ذراعها لترقص معهم ، لكنها أبت أنا تفارق موضعها ، أصرت الفتاة بشدة وهي تبتسم بلطف ، بينما بدى الضيق على عيني ملك وقبل أن يتأذم الوضع أسرعت صوبها نعمه تبعد الفتاة برفق وهي تقول :
_ معلش يا جنى بس ملك بتتكسف شويه .
ابتسمت جنى بتفهم ثم عادت للفتيات تتبادل معهن الرقصات وكأنهن في مسابقة ما ، زفرت نعمه الهواء وهي تحدق بملك بغيظ شديد قبل أن تنحني تهمس لها :
_ وبعدين يا ملك ، افردي وشك شويه الناس بدأت تتكلم وتلاحظ عليك ، لو سمحتي أنا اتكلمت معاك وقولتلك مش هاتقدري ....
قاطعتها ملك وهي تنهض من موضعها تتجه صوب الفتيات اللاتي يتراقصن بسلاسة ، ابتسمت في وجوههن ابتسامات مصطنعة، بينما تعالت التصفيقات لمشاركة العروس لهم ، كانت ملك تتحرك معهن جسد بلا روح ، برقت عينيها بالدموع رفعت يدها تضعها على موضع قلبها الذي تشعر بألم شديد به ، أغمضت عينيها تواري دمعاتها واختفت الأصوات من حولها ، فتحت عينيها الدامعتين والصدمه هي التعبير الذي طغى على ملامح وجهها ، حين رأته يتقدم نحوها والفتيات يهللن بمرح ، انحنى هو على ركبتيه يقول لها ببسمة صغيرة :
_ مبروك لقلبي وجودك رسمي فيه .
فتحت ملك عينيها بصدمه وهي تنظر له مطولًا بصمتٍ وبعد دقيقة همست بنبرة بها شوق كبير كأنها أخيرًا أدركت وجوده هنا :
_ أحمد ؟؟.
مد أحمد يده ليمسك بخاصتها رفعها عند شفتيه مقبلًا بلطف وهو يقول بعينين لامعتين من السعادة :
_ قلب أحمد وكل ما ليه.
شعرت ملك بأن الدنيا لا تسعها من السعادة ، كانت دقات قلبها عالية فعادت تهتف باسمه مرة أخرى وسمحت لدموعها بالانهمار ، انحنت تجلس مثله وهي تلمس وجنته بتوتر شديد:
_ أحمد أنت بجد هنا ؟؟.
ابتسم هو بسمة واسعه وهو يهز برأسه مؤكدًا ثم نهض وجعلها تنهض معه ، أفلت يدها وقبل أن تستوعب أي شيء كان أحمد يميل عليها يحتضنها بقوة يتشبث بها بكلا يديه أسندت هي رأسها على كتفه ودموعها تسقط بقوة وهي تنتفض بشهقات خافته ، ابتسم هامسًا وهو يشعر بها :
_ أنا دايما هنا ، هنا في قلبك وعقلك ، أنا بحبك يا ملك.
عانقته ملك بقوة وهي تبكي بشدة بين أحضانه تهمس بصوت مختنق بالدموع :
_ وأنا أنا بعشقك مش بس بحبك .
أنزلها أحمد برفق وهو يضع يديه على كتفيها ، يتنفس بصوت مرتفع وهو يقبل رأسها بمحبة بينما هي أغمضت عينيها تستمتع بقربه منها لا تريد من هذه اللحظه أن تمضي .
_ مبروك يا أجمل ملك في العالم .
فتحت ملك عينيها بصدمه وهي تبتعد عنه تدور بعينيها بحثًا عن معذب فؤادها ، بينما حسان كان يمسك بيدها يقبلها بابتسامة صافية والفتيات يصفقن بسعادة لهم ، سعادة أبعد ما تكون عنها ملك الآن سعادة لم تستشعر طعمها سوا معه ، معه هو فقط ، يا الله ستبكي بانهيار أين هو لقد كان معها ، كان هنا .
كانت نعمه تلاحظ نظرات عينيها التائهه والتي تدور في المكان بحثًا عنه بلا شك ، لم تشعر بنفسها ودموعها تنهمر أمام وجهها لينظر هادي لها باستغراب وهو يميل عليها قائلًا :
_ مالك يا نعمه ؟؟ .
مسحت نعمه دموعها تقول بنبرة ضعيفه:
_ أنا بس اتأثرت وافتكرت يوم كتب كتابنا .
ابتسم هادي بحب وهو يرفع يديه يضم زوجته ومحبوبته إلى صدره وهو يميل على رأسها مقبلًا:
_ كان يوم ما يتنسيش اليوم اللي قدرت أمسك فيه إيدك واقول للعالم كله إن حبيبتي بقت على اسمي وأقدر اعبرلها عن مشاعري ، بحبك يا أم رزان .
ابتسمت نعمه بعشق وهي تقول:
_ وأنا بموت فيك يا عيون قلب أم رزان.
قبلها مرة أخرى على جبهتها ثم همس لها بشيء وخرج من المنزل ليحضر الهدية التي جهزها لأخته.
بينما عند ملك التي كانت تحدق بحسان بدموع وكأنها أفاقت أخيرًا من أحلامها الوردية لتسقط على واقع مرير وهو زواجها من شخص آخر ، لم تشعر بذاتها وهي ترتمي على الأرض فاقدة للوعي ،لتتوقف الضحكات والتصفيقات ويتعالى أصوات الصراخ من سقوط العروس فجأة ، مال حسان عليها يرفعها عن الأرض وتتقدمه نعمه تشير له إلى إحدى الغرف ليضعها فيها ، سطحها حسان على فراشها وجلس بقربها وهو يمسك بيدها بخوف شديد ينظر لنعمه قائلًا :
_ هي مالها ؟؟ فيها حاجه ؟؟ .
ابتسمت نعمه بتوتر شديد وهي تقول :
_ لا هي بس طول اليوم واقفه على رجلها وماكلتش حاجه تلاقي بس ضغطها وطي متقلقش توتر عروسه بقى ، اطلع أنت وأنا هاهتم بيها .
وقف حسان بتوتر يقول وأعينه عليها :
_ بس .. أنا ..
_ متقلقش بس مش هاينفع وجودك هنا دلوقت ..وزي ما أنت شايف في ناس كتير برا .
قال حسان بنبرة متهكمه رغمًا عنه:
_ أنا جوزها وكلام الناس ميفرقش معايا .
ابتسمت نعمه باصفرار:
_ عارفه بس أنا دلوقت هغيرلها هدومها وهاهتم بيها فلوسمحت اتفضل دلوقت .
أومأ حسان بصمت وقال وهو يتجه للخارج:
_ نص ساعه وهاجي تاني معلش اتفهميني أنتِ متعرفيش أنا بحبها قد إيه؟.
شعرت نعمه بالشفقة عليه لتبتسم في وجهه قائلة :
_ ولا يهمك متقلقش هي في عيوني .
خرج حسان من الغرفة ، لتطلق نعمه تنهيدة قوية وهي تجلس بقرب ملك تنظر لها بحزن شديد حينما بدأت تهزي في نومها وهي تبكي بقوة.
_ أحمد .... ماتسبنيش وتمشي .
عضت نعمه على شفتيها كي تمنع شهقاتها من الخروج ، ثم ابتسمت بهدوء وهي تربت بلطف على وجهها :
_ اصحي يا ملك ، أحمد مش موجود فوقي .
فتحت ملك عينيها المحمره من الدموع تطالع وجه نعمه ثم انفجرت بالبكاء لتعلو شهقاتها وهي تردف بنبرة ضعيفه :
_ مش قادره ، مش قادره حاسه إني بموت يا نعمه ، ليه يعمل فيا كدا ؟؟ ليه ؟ قلبي ...قلبي حاسه بنار فيه يا نعمه ؟؟ ليه هونت عليه ؟؟ إزاي يسيبني ويمشي ؟ ليه محاربش علشاني ؟ خايف يموت ويسبني طب ما أنا بموت أهو أنا بموت يا أحمد سامعني .
تساقطت دموع نعمه أكثر لدرجة شعرت بنغزه حاده في قلبها وهي تحتضنها بصمت ، ثم قالت بحزن وهي تمسكها من خدها بلطف :
_ ملك أنتِ خلاص اتجوزتِ .
وكأنها أخيرًا استوعبت تلك الحقيقه لتبكي بانفطارٍ ، ونعمه تشاركها البكاء فقط ، ظلوا على حالهم بضعة دقائق حتى شعرت نعمه بأنفاسها تثقل لتعلم بأنها غفت ، سطحتها بهدوء شديد ثم نزعت عنها حجابها لتستطيع النوم بأريحية ومالت عليها تقبل خدها وهي تقول بينما تكتم صوت بكائها:
_ مش عارفه ادعي عليك ولا ادعيلك على اللي عملته فيها بس روح ربنا يحرق قلبك زي ما حرقت قلبها .
استدارت نعمه للخروج من باب الغرفة حينما تقابلت مع حماتها وحماة ملك وحسان أيضًا الذي يقف على أعصابه من التوتر والخوف ، تقدمت حماتها تمسك بيدها وهي تقول بدموع :
_ ملك فيها إيه ؟؟؟ طمنيني يا نعمه بنتي مالها ؟؟؟.
ربتت نعمه على يدي حماتها تقول ببسمة مقهورة وملامح يغلفها الحزن:
_ هاتبقى كويسه متقلقيش ، هي فاقت بس نامت تاني أنا هروح افضي الليلة دي خليها ترتاح .
تحدثت والدة حسان وهي تربت على كتف ابنها :
_ خلاص يا حسان اجمد كدا ، مراتك مفيهاش حاجه.
نظرت له والدة ملك بعيون باكيه وهي تقول :
_ أنا سلمتك بنتي أوعى في يوم تزعلها ، بنتي ما تستاهلش تزعل حاول تسعدها.
أمسك حسان بيد حماته يقول بصدق :
_ بنتك في قلبي يا أم هادي ، ممكن أفضل معاها شوي حابب اطمن أكتر وبعدين هي نامت وما اكلتش حاجه .
قالت نعمه بدموع وهي لا تنظر صوبهم حتى لا يرى أحدهم أنها تبكي :
_ أنا هجهزلك صنية علشان تتعشوا يمكن ترضى تاكل معاك .
*****
بعد مرور بعض الوقت ....
كان حسان يجلس بقربها تحديدًا على طرف فراشها ينظر لملامحها بحرية وعينين يملأهما الشوق ، شعر بها تتململ في أثناء نومها وبعد لحظات فتحت عينيها كانت الرؤية مشوشه فلم تتبين ملامح وجهه وبعد ثواني صرخت فجأة بخوف وهي تتراجع لآخر الفراش :
_ أنت ... أنت بتعمل إيه هنا ؟؟.
اقترب منها حسان وهو يبتسم بلطف يقول وهو يمسك بيدها:
_ اهدي يا ملك متخافيش مني .
كانت ملك تحاول سحب يدها من يده وجسدها ينتفض بقوة ، تتنفس بصوت مرتفع ، بينما حسان ينظر صوبها بعيون حانيه وهو يردد بنبرة هادئة:
_ تعرفي إن شعرك جميل أوي.
وكأن كلمته ذكرتها أنها لا ترتدي حجابها لتهلع وهي تشد يدها من يده تبحث عن حجابها وهي تقول بنبرة طغى عليها الغضب :
_ أنت بتعمل ايه هنا وازاي تدخل عندي ؟ فين حجابي اتفضل اطلع برا .
ضحك حسان بقوة تحت استغراب ملك التي حدقته بحاجب مرفوع وعلامة استنكار واضحه على ملامحها ، ليقول حسان وهو يمد يده يلتقط يدها الصغيره بين يديه :
_ أنتِ شكلك لسه نايمه ، بصي كدا على ابهامك!.
ضيقت ملك عينيها بضيق ثم نظرت إلى إصبعها الملطخ بالحبر الأزرق وقبل أن تفتح فمها قال حسان:
_ احنا كتبنا الكتاب يا حبيبتي ، أنا جوزك دلوقت .
وكلمة " حبيبتي " التي قالها أشعرتها بالنفور الشديد ، ليست حبيبته من تخدع ، أغمضت عينيها بقوة تحاول أن تستجمع شتات نفسها ، وأن تهدأ قلبها لكن بالله كيف تهدأ وهي تراه في كل مكان من حولها ، ماذا ستفعل الآن في هذه الورطة التي أوقعت نفسها بها ؟؟ الموضوع أضحى أخيرًا أصعب مما تتخيل ، مجرد الكلام معه لا تطيقه كيف وهي زوجته الآن ؟؟.
شعرت فجأة بيديه تحاوطها لتبتعد عنه بحدة ، نظر هو لها بتعجب شديد ، توترت هي بالمقابل لقد دفعت زوجها لأنه فقط أراد احتضانها ، أخفضت بصرها كي لا ترى نظراته المذهولة أو حتى تستمع لعتابه تقول ببسمة متوترة والدموع طفت على سطح عينيها:
_ حسان أنا آسفه متزعلش مني بس أنا لسه مش مدركه للتغيير ده ومحتاجه شويه وقت ، أنا عمري ما حد حضني غير أخويا آسفه إني عملت كدا بس اتمنى تتفهمني .
رفع حسان الحرج عنها وقال بهدوء وهو مقدر لكل ذلك :
_ ولا يهمك وأنا مزعلتش ، معاكِ كل الوقت .
منحته ملك ابتسامة صغيرة وداخلها تشعر بالذنب الشديد .
*****
كان يسير أمامه يضع كلا يديه في جيب بنطاله وهو لا ينظر له ولا يبالي بركضه خلفه وهو ينادي عليه ، عقله كان مشغول بشيء بدأ يؤرقه أو تراه كان غافلًا عنه منذ البداية ، لا يدري بات تفكيره مشوشًا ، لا يعلم لما يشعر أنها مجبرة عليه ولا تبدو سعيدة كباقي الفتيات ، تنهد بصوت مرتفع مهموم وهو يتذكر حينما ذهب لمنزلها لتوديعها فقط رددت له بضع كلمات مع ابتسامه صغيره وحين اقترب هو منها لتوديعها فرت هاربة من أمامه متعللة بأنها مريضة وربما تنقل له العدوى .
خرج من دوامة تفكيره على ذلك الذي يتنفس بصوت مرتفع غاضب وهو يضع يديه على ركبتيه من كثرة ركضه خلفه ، يقول بنبرة متهكمه :
_ ايه يا حسان بقالي ساعه بناديلك وأنت في عالم تاني ، ليه سيبت التدريبات فجأة ؟ انت لسه زعلان مني صدقني معرفتش اجي كنت في عملية مداهمة و .....
رفع حسان يده يضعها على كتف أحمد وهو يقول بهدوء :
_ ولا يهمك أنا عرفت محمد قالي .
تنفس أحمد براحه من أنه لم يحزن فهو يحبه كثيرًا ، ابتسم بسمة صغيرة وهو يقول له بمرح يرسم على وجهه صورة الشاب المبتسم وداخله لا يعلم به سوى خالقه :
_ أنت من أولها وشارد كدا ، لحقت توحشك ؟ .
طالعه حسان بنظرة هادئة وهو يقول بحب ظاهر :
_ هي على طول واحشاني .
دعى لهما أحمد بالخير ثم ابتسم وهو يعبث بشعره يقول:
_ وريني صورتك وأنت عريس وبالمرة اشوف اللي مجنناك كدا .
أخرج حسان هاتفه بالفعل وهو يبتسم بسمة صافية ناوله الهاتف يشير إلى صورة معينة مد أحمد يده ليأخذ الهاتف وقبل أن يرى شيئًا انطفأ هاتفه ليزفر أحمد حانقًا :
_ شوفت وشي فقر تلفونك فصل حطه على الشاحن وتعالى نكمل شغلنا ، شكل مش مكتوب لي أشوفك عريس.
ضحك حسان بقوة حتى أدمعت عينيه وهو يرى عبوس ملامحه ليقول متنهدًا بحزن هو يشعر به :
_ كفاية يا أحمد تمثيل ، أنت فاكرني مش حاسس بيك كل ليلة بسمعك بتعيط من قلبك ، طب ليه تعمل في نفسك كدا ؟.
كسى الحزن معالم وجهه ثم قال ببسمة مقتضبة :
_ لأني مملكش غير العياط دلوقت ، كنت بكلم أخوها من فترة كدا وعرفت إنها اتجوزت خلاص .
مع آخر كلمه قالها غزت الدموع عيونه وتحشرج صوته ، من دون مقدمات سحبه حسان إلى صدره يربت على ظهره وهنا سمح أحمد لذاته بالانهيار:
_ كنت غبي ...غبي وما زلت ... ضيعتها من ايدي ، أنا بلعن نفسي كل يوم ألف مرة ، اترجتني علشان ابقى ومامشيش ، لسه بعشقها اقوى من الأول حاولت كتير أنساها واقول إنها بقت على ذمة راجل وحرام افكر فيها بس مش قادر أنا ضعيف قدامها ، قدامها أنا ضعيف بس في آخر مرة كنت قاسي ورغم إنها قالتلي هافسخ الخطوبة إلا أني كنت غبي وخذلتها أنا استاهل حرقة القلب استاهل الوجع .
صمت لثواني حينما خفت صوته من شدة البكاء ومنعته غصه مؤلمة عن الكلام ، قبل أن يتابع بألم شديد :
_ طلعت بحب العذاب ، أنا من سنيين وأنا بحبها وساكت مقدرتش انطق كنت كل ما أعرف إن في حد طالبها كنت بموت وأفضل ادعي إنها ترفض ، حبيتها بقوة ولساها في قلبي وعمراها ما هتخرج منه ، أنا فوقت يا حسان الثانية في بعدها عني أسوأ من إني ميت بس مش معاها أنا أصلا عايز أموت وأنا في حضنها هي تبقى آخر شخص شوفته ، بس يا خسارة دايما بنندم بعد فوات الأوان ، قولي أعمل إيه ؟؟ قلبي بيتحرق ومش قادر اطفي ناره .
ابتعد عنه أحمد وأخذ يمسح دموعه بقسوة ، جلس على الأرض بثقل وهو يبكي بانهيار أخرج سلاحه ونظر له مطولًا وفي لحظة عدم إدراك وضعه على رأسه بينما حسان كان يقف خلفه وهو يوليه ظهره يمسح دموعه هو الآخر ، هو الآخر داخله عذاب صامت يحب زوجته وهناك هواجس تطارد عقله بأنها لا تبادله الشيء ذاته ، بأنها غير سعيدة .
تحدث أحمد بدموع وهو ينظر صوب السماء بضعف ، أصابعه فوق الزناد :
_ سامحني يا رب بس مش قادر أعيش خلاص .
استدار له حسان وهو يمسح على عينيه يقول :
_ أحمد أنت ..
صرخ فجأة بهلع وهو يركض صوبه يرفع يده عاليًا في السماء لتمتلأ السماء بصوت الطلقة التي يتردد صداها بقوة كبيرة .
كان الوضع كالتالي أحمد يجلس على الأرض وحسان يرفع يده وهو يحدق به بغير تصديق ، سحب السلاح من يده وبلا أي مقدمات لكمه على وجهه بقوة وهو يتنفس بصوت مرتفع وهو يقول باستنكار:
_ أنت اتجننت عايز تموت كافر ، هتنتحر يا أحمد ؟.
نبس أحمد بصوت ضعيف :
_ سيبني يا حسان كدا كدا أنا ميت .
أمسك حسان بمقدمه ملابسه وهو يهزه بعنف يصرخ بانفعالٍ:
_ اسيبك تضيع .
ضحك أحمد بسخرية :
_ أنا ضايع من زمان .
_ أهدى واسمعني مش نهاية الكون هيا ، عارف إن صعب تنسى بس هاتعدي وأنت دلوقت لازم متفكرش فيها دي ست متزوجه ، أوعى تضيع مبادئك وتربيتك وتسيبها للشياطين ، وعلى رأيك فات أوان الندم والعتاب والتقطيم ملوش أي تلاتين لازمه ، قوم يالا روح صلي وادعي ربنا يخرجها من جواك وادعي لها بالخير مع جوزها .
*****
مرت الأيام مثل بعضها ليل يطويه نهار ونهار يطويه ليل ، و ملك على حالها تتجاهل حديث نعمه لها ، تشهد وسادتها على بكائها كل ليلة حتى فاض بها ، الجميع يرى حالتها والدتها وأخيها الذي لا يعجبه حالها لكن ما بيده حيلة ورفضت هي الحديث بشكل قاطع ، بدأت ترسم ضحكات وابتسامات زائفة أمامهم ولكنها لم تخفى عليهم .
والآن قبل يومين من موعد الزفاف ، كانت تجهز حقيبتها بفتور شديد ورغمًا عنها تتساقط دموعها بقوة ، أصوات كثيرة في رأسها تصرخ مع بعضها عقلها وقلبها وروحها ونفسها الجميع يطلب منها أشياء كثيرة وهي لا تريد من كل ذلك سوى شيء واحد هو فقط .
وعلى فراشها كانت نعمه تنظر لها بشفقه وحزن شديد ، خرجت عن صمتها تقول بدموع شديدة:
_ يا ملك ...
رفعت ملك رأسها تنظر لها بعينين باردتين رغم احمرارهما من كثرة البكاء ولكن نظراتها كانت خاوية:
_ ولا كلمه يا نعمه ، حسان مش وحش وطيب وبيحبني وأنا هحبه.
_ بتضحكِ على مين ؟؟ فوقي بقى من اللي أنتِ فيه .
خرجت ملك من الغرفة تاركة نعمه خلفها تبكي على حالها ، بينما هي خرجت إلى حيث التقت به آخر مرة ، جلست على التراب تبكي من أعماق قلبها ، أحيانًا تشتمه وتصرخ بأنها تكرهه وما تلبث أن تنفي ذلك وهي تقول بأنها لا زالت تحبه .
*****
أتى اليوم الذي ينتظره حسان بفارغ الصبر اليوم الذي سيجمعه مع حبيبته تحت سقف واحد ، كان هو يقف في غرفته يتجهز وبجواره أصدقائه الأعزاء ، يتبادل الضحكات معهم ، وهنا في آخر الغرفة كان أحمد يقف شاردًا في عينيه دمعات أبت النزول ، شعر فجأة بالاختناق لم يكن يعلم بأن زوجة حسان في نفس المدينة الذي بها ملك مجرد التنفس في تلك المدينة يشعره بها ، وبطيفها ونظراتها تلاحقانه ، اتجه صوبه يرسم بسمة على شفتيه وهو يقول :
_ ألف مبروك يا صاحبي .
نظر له حسان من المرآة يقول ببسمة واسعه :
_ الله يبارك فيك يا غالي.
استغل أحمد انشغال حسان مع رفاقه وانسحب من بينهم ، ظل يركض بأقصى سرعة يمتلكها وأصوات بكائها وتوسلاتها له بالبقاء تتردد على أذنه ك طنين النحل ، وصلت به قدميه إلى حيث التقاها لأول مرة بلا رقيب من أحد سوى المولى عز وجل ، جلس على التراب يغترف منه بيده وتسبقه دموعه بقوة وهو يردد بصوت حزين خرج من داخله معبأ بجراحه:
_ يا ترى عامله إيه يا ملك ؟ قدرتي تنساني ، مبسوطه مع جوزك ، أنا آسف سامحيني على غبائي ، سامحيني بس أنا مستهلكيش ، وغبي أنتِ خساره فيا ، سامحيني ولو لسه في قلبك هدعيلك تنساني سامحيني إني عذبتك معايا أنا آسف ليكِ.
نظر إلى السماء وبصوت ضعيف قال :
_ يارب ...مش قادر أدعي وأقول خرجها من قلبي ، وفي نفس الوقت حاسس بالذنب لأني حقير بفكر في واحده متجوزة ، دلني على الطريق الصحيح وخفف عني يا رحمن يا رحيم .
وهناك حيث مكان الزفاف ، كان كل شيء يسير على أكمل وجه رأت السعادة في وجوه الجميع والتعاسة وحدها من تسكن ملامحها ما إن تبصر أحدهم حتى تغتصب ابتسامة عريضة على ثغرها ، وحينما تقدم منها حسان وأخذ يعبر عن سعادته بهذا اليوم كانت تنظر له بملامح خاوية تجاهل هو إحساسه الذي حدثه بمدى رفضها وتجاهلت عينيه ما رآه في عيونها .
وقد كان وها هم الآن في شقة منزلها الجديد ، برفقتها نعمه التي تنظر لها بغضب شديد ووالدتها التي توصي حسان بابنتها بينما ينتظرهم هادي بالأسفل.
ابتسم حسان يقول بنبرة هادئة:
_ هي في عيني وقلبي متخافيش يا ست الكل.
بادلته والدتها البسمة وهي تربت على كتفه ، وبداخل غرفة النوم كانت نعمه تتحدث مع ملك التي تبدو شاردة تمامًا ولما لم تجد منها رد غادرت الغرفة وهي تبتسم حينما تقابلت مع حسان وحماتها وبعد رحيلهم ، أفاقت ملك من غيبوبتها تنظر لأرجاء الغرفة بخوف شديد ، كانت الغرفة جميلة مجهزة لاستقبال عروسين ألوانها هادئة والقرآن يصدح بقوة في المكان .
رفعت عينيها تنظر له بدهشه ورغمًا عنها نهضت ، أغرقت دموعها صفحة وجهها ، وضعت يدها على فمها وهي تتراجع للخلف لا شك أنها تحلم كالمرة السابقة ، ما الذي سيأتي بأحمد هنا ؟ أفيقِ يا ملك ، كفاكِ انتظارٍ كفاكِ أملًا .
لكن مهلًا هو بالفعل هنا ، هي تراه تراه بأم عينها يبتسم لها ، بل ويتقدم منها ها هو أضحى أمامها مباشرة يحدق بعينيها بافتتانٍ ظاهر.
تراجعت هي أكثر حتى التصقت بالحائط خلفها وقلبها تتسابق دقاته كالمطرقة ، همس هو ببحه عذبه .
_ ملك ؟؟.
وهنا ولم تستطع ملك الصمود أكثر ألقت نفسها بين أحضانه تجهش في البكاء بقوة وهي تتشبث بملابسه ، بينما كان حسان يقف أمامها مندهشًا لا يفهم لما البكاء بكل تلك الحرقة ، لكنه لم يملك سوى أن يضمها بحنان وهو يردد بصوت هادئ:
_ اهدي يا ملك ، في إيه بس للعياط ده كله؟؟
فجأة اخترق صوت غير مألوف عقلها نعم فهي لا تسمع ولا ترى إلا أحمد فقط ، لتفتح عينيها بجحوظ عندما أدركت ما حدث ، يا الله ستعيش حياتها في أوهام ، شعرت بنفور شديد جعل ردة فعلها عنيفة بعض الشيء لتدفعه بكل قوتها بعيدًا عنها ، ثم انزوت في زاوية الغرفة تبكي وتشهق بصوت مرتفع.
وحسان يقف أمامها مبهوت الوجه لا يفهم أي شيء ، مسح على وجهه وهو يحاول الهدوء ، بينما ملك كانت تبكي بشده من ذلك الإحساس بالخيانة الذي غمرها ، بين احضان زوجها ولكن عقلها وقلبها مع شخص آخر وإن حدث واقتربت لا تراه هو بل ترى معذب فؤادها.
ما تلك الكارثة التي أوقعت نفسها بها ؟؟ وماذا ستقول له الآن ؟؟ كانت واهمه كانت تعتقد بأنها قوية وبأنها إن تزوجت حسان ستنسى الآخر وستخلص لزوجها .
بعد بضع دقائق هتفت بنفس متثاقل وهي لا تنظر له :
_ حسان انا آسفه سامحني ، أنا عقلي مشوش ومتوترة .
وحسان كان يقف أمامها بملامح جامدة والهواجس تطارد عقله ، أخيرًا استطاع إخراج صوته يردف بنبرة بها حزن شديد:
_ ملك هو أنتِ مجبرة تبقي معايا ؟؟ أنتِ محبتنيش ؟؟.
عضت ملك على شفتيها وهي تفرك في أصابع يديها بتوتر شديد وندم وحزن عميق طفى على عينيها ، ولم تنطق بحرف واحد ، عاد حسان يقول بنبرة ضعيفه :
_ ردي يا ملك ، أنتِ محبتنيش؟؟ طب ليه كملتي ؟؟ ليه تكسري قلبي كدا ؟؟
ابتسمت ملك بتوتر واتجهت صوبه أمسكت بوجهه وهي ترتعش :
_ حسان أنا أنا بحبك على فكرة بس محتاجه شوية وقت منك .
أبعد حسان يديها عن وجهه يقول متهكمًا :
_ مش باين حبك ده ، صبرت عليك كتير وأوقات كنت بشوف نظراتك واكدب عيني ، قولي الحقيقه .
_ الحقيقه قولتها ومعنديش غيرها .
أمسكها حسان من كتفيها يهزها وهو يقول بضيق:
_ كفايه كدب بقى ، أنتِ حتى مش قادره تبصي في عيوني ، حرام عليكِ بجد ليه العذاب ده ؟؟ أنا كنت عملتلك إيه ؟؟ علشان تحرقي قلبي كدا ، في حد غيري في حياتك صح ؟؟.
أفلتها حسان وقال وهو يضحك بسخرية يعطيها ظهره:
_ خليني اخمن كدا ، هو سابك فقولتي تحرقي قلبه واخدتيني كبري علشان تتخطيه وتردي كرامتك قولتي يالا أهو غلبان وبيحبني ويمكن أشفق عليه وأحبه .
استدار لها يقول بحدة :
_ مش كدا يا هانم ؟؟ ردي انطقي.
انتفضت ملك من صوته العالي وقالت بخوف شديد:
_ حسان اهدى لو سمحت ، وخرج الكلام الفارغ ده من رأسك.
_ أخرجه يبقى تديني حقي اثبتي لي إنك بتحبيني وإني ظالمك بشكوكِ.
حركت ملك رأسها بقوة ترفض ذلك ثم قالت بخزي بعد ما لم يعد أمامها طريق إلا قول الحقيقه .
_ مقدرش ، مقدرش افهمني بقى .
_ ليه ما تقدريش ؟؟ أنا مش جوزك ولا إيه ؟؟ فيك إيه انطقي؟.
همست ملك بضعف شديد لا تريد جرحه أكثر من ذلك :
_ بلاش يا حسان ، أنا مش قادره أتكلم لو سمحت .
وصدمته بحديثها فاقت ما لم ترد إخباره به ، ألهذه الدرجة كان أعمى ؟؟ وفضل تجاهل أحاسيسه.
تراجع للخلف حتى ارتمى على الفراش المزين بالورود يجلس على رأسه الطير مصدومًا موجوعًا وشعوره لا يضاهيه شعور ، برقت عينه بالدموع و شعر بالشفقة على نفسه ، بينما هي ظلت تبكي بشدة وهي نادمة حقا نادمة لم تملك كلمات لقولها له بالأساس ماذا عساها تفعل كلماتها ؟؟ أتخفف من جرحه ؟؟
كلا ، فكما قال الشاعر جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان ، زحفت على قدميها واتجهت صوبه ، جلست أسفل فراشه تمسك بيديه وهي تبكي بقوة مرددة كلمات عديدة لم يتبين حسان منها أي معنى .
وبعد مرور عدة ساعات قضتهم ملك بالبكاء وهي تضع رأسها على قدمه ، فتح حسان فمه أخيرًا وبملامح خاوية رفع رأسها لتنظر في عينيه مباشرة يقول ببرود :
_ احكي لي مين هو ؟؟.
ابتلعت ملك لعابها وشعرت بأن حلقها قد جف تمامًا ، ثم ابتعدت عنه وقالت بدموع شديدة وهي توليه ظهرها:
_ هو حد ملوش معنى ولا ليه قيمه ولا اسم ، إنسان خسارة فيه أي حاجه ، وخسارة حبي ليه .
أغمض حسان عينيه بألم وهو يشعر بضربة حادة أصابت قلبه من اعترافها ، إلا أنه تمالك نفسه بالقدر المستطاع وقال بحزن شديد:
_ بس بتحبيه مع كل ده ، قدر يكسب حبك وده زاده قيمه.
التفت له ملك تقول والدموع تنهمر أمام وجهها:
_ هانساه يا حسان أنت أفضل منه بكتير ، أنت بس اديني شوية وقت .
تنهد حسان بحزن وقال وهو ينظر بعينيها يستشعر صدق كلماتها ، ليرى في عينيها التالي استحالة نسيانه أعينها تبرق فقط لأنها تتحدث عنه مجرد ذكره على عقلها يجعل قلبها ينبض بقوة وعلى ذكر النبض ، من دون تفكير مد حسان يده يضعها على قلبها ليشعر به هائجًا أسفل يده ، اجفلت هي من حركته تلك وقبل أن تنبس بحرف ابتعد عنها حسان وهو يمسح على وجهه يبكي بصوت صامت لكن أنينه وصلها .
استجمعت شجاعتها وقالت وهي تمسح دموعها:
_ ها يا حسان قولت إيه ؟؟، أنا بقولك اديني فرصة .
_ فرصة لإيه ؟؟ لحرب خسرانه ، احكي لي الحكاية كلها من الأول وليه وافقتِ عليا ؟.
******
بعد مرور ثلاثة أشهر......
كانت تجلس على الأريكة تتناول بعض الحلوى وبجوارها يجلس حسان الذي شارد الذهن على غير العادة ، وضعت الطبق أعلى الطاولة ونظرت له تقول مبتسمة بهدوء :
_ في إيه مالك مهموم كدا ؟؟ حصل حاجه في الشغل ؟؟.
زفر حسان الهواء بقوة ثم استدار صوبها يقول بلا مقدمات :
_ فات تلت شهور وزيادة ، الهانم هتفضل كدا لايمتى ؟؟ جو الأخوات ده مش عاجبني .
حدقت به ملك بفتور شديد وهي تقول بينما تنهض متجهة إلى غرفة الأطفال حيث تنام :
_ يووه بقى أنت مبتزهقش من السيرة دي ، قولتلك مش جاهزة مش مستعدة هاتجبرني أنا مش عايزه
نهض حسان واتجه صوبها أمسك بذراعها قبل أن تدخل إلى الغرفة يقول متهكمًا :
_ ولايمتى ؟؟ طلبتي فرصة للعلاقة دي ووافقت بس شايف إني بحاول أنقذ سفينة غرقانة كدا كدا ، مبتحوليش تعملي أي حاجه ، فسح وفسحتك طلباتك وبنفذهالك قبل ما تطلبي حتى مش مقصر معاكِ ، أنا اللي بحاول أكسب قلبك وأنت مبتعمليش أي حاجه داخلين على الشهر الرابع وأنتِ حتى ايدك مش بتخليني أمسكها ؟؟ حتى قعاد معايا بتقعدي ساكته دي مبقتش عيشه دي ، حرام عليك اللي بتعمليه ده أنتِ كدا بتعصي ربك مش بس بتعصيني أنا.
حاولت ملك التملص من يده التي يضغط عليها ثم هتفت بعصبية شديدة :
_ مش قادره ، مش قادره افهمني ، محتاجه وقت انا حبيته في عشر سنين مش هنساه في كام شهر ، وأنت وافقت تديني وقتي ، فمتلومنيش بقى ، لأني لسه بحبـ ...
صفعها حسان بقوة يقول غاضبًا :
_ أنتِ قليلة أدب ومش متربية .
وضعت ملك يدها على خدها وهي تنظر له بذهول شديد ، انهمرت دموعها بقوة وصرخت بحرقة:
_ طلقني ، طلقني مش عايزه أعيش معاك أنا بكرهك سيبني بقى ، حاولت أحبك معرفتش قلبي مش راضي مش بأيدي حاولت أقرب منك مش زي ما بتقول إني مبحاولش لا حاولت كذا مرة وأنت نايم قولت يمكن لأني مكسوفه منك لسه ، بس مقدرتش مقدرتش مش بإيدي ، أنا نفسي أنساه بس هو عايش جوايا أنا آسفه على كلامي بس مش عارفه.
وكان الرد على حديثها صفعات توالت على خديها ، جلست ملك على الأرض وقالت ببكاء شديد وهي تستشعر طعم الدماء مخلوطة بدموعها في فمها :
_ اضربني كمان يمكن أنسى اعمل اللي تعمله مبقتش فارقه معايا ، اقتلني حتى .
تنفس حسان الصعداء وحاول تهدئة ذاته فتح عينيه ينظر إلى ملامح وجهها النازف بأسف شديد ، وكأنه أخيرًا آفاق من موجة غضبه وذهب عنه شيطانه اقترب منها يمسك بوجهها بأيدٍ ترتعش في حين التصقت ملك بالجدار خلفها وهي تنظر له بخوف تحدث هو بأسف شديد :
_ أنا آسف يا ملك ، أنا معرفتش اسيطر على أعصابي بس أنتِ جننتيني مفيش واحده تقف قدام جوزها وتقول اللي قولتيه بردو .
ابتعدت ملك عنه وهمست بدموع :
_ طلقني .
اسودت عيني حسان بالغضب وقال بتهكم:
_ ده بعدك مش هيحصل مش بعد الصبر ده كله واني مستحملك تيجي تقولي طلقني ، مشاعري عندك ملهاش أي قيمه ، لتاني مرة بتجربي فيا ، أول مرة علشان تجرحيه وتنسيه وتاني مرة لما طلبتي فرصة تانيه وكل ده كل ده كان بيديني أمل إنك هتحبيني أو على الأقل يبقى بينا احترام ومودة زي أي زوجين في الدنيا ، أصلا ربنا عز وجل قال "وجعل بينكم مودة ورحمه " مذكرش الحب في الموضوع ومع ذلك أنا بحبك وما وافقتش إلا لأني بحبك وعايزك جنبي بأي وضع .
غص حلقها بالبكاء وفاض كيلها فوجدت ملك نفسها تهتف بنبرة حادة:
_ وأنا تعبت ، محدش اتعذب قدي حاولت وفشلت مش ذنبي ، طلقني أفضل وربنا هيرزقك باللي تحبك .
نهض حسان واتجه إلى غرفته وقبل ذلك قال بنبرة لا تقبل النقاش :
_ آسف طلاق مبطلقش وبعد رجوعي إن شاء الله جوازنا هيكون حقيقي واتمنى الفترة اللي هغيبها دي تكون كافيه علشان ترجعي لعقلك بقى .
*****
بالفعل سافر حسان إلى وحدته العسكرية دفن نفسه في العمل والتدريبات الشاقة ، كان يشارك الجنود تدريباتهم ، ليجيء الليل ويلقي بجسده على الفراش متعبًا ، كل ذلك وأحمد يراقبه بصمت لا يدري ما به ، وبعد مرور عدة أيام خرج أحمد عن صمته واتجه له وهو عازم على معرفة ما به .
رآه يجلس فوق كومة من الرمال يحرك عصا بيده بشرود لدرجة لم ينتبه لوقوف أحمد فوق رأسه ، تحدث أحمد بلا مقدمات وهو يجلس بجواره :
_ شايف ناس بتقلدني ؟؟ .
سخر حسان رغمًا عنه وبدى ذلك واضحًا على تعابير وجهه وحديثه :
_ لا ده مش تقليد ده الواقع بعيد عنك ، سيبك مني أي الدنيا معاك ؟ الفترة الأخيرة كنت مشغول شوية اعذرني .
ابتسم أحمد بهدوء وقال بعد تنهيدة قوية:
_ زي ما أنا ، المهم أنا كنت جاي أودعك .
نظر له حسان وهو يجعد جبينه مستغربًا ، ما بال الجميع يريدون الابتعاد عنه فجأة :
_ تودعني ؟؟ .
استرخى أحمد على الرمال، وهو ينظر صوب السماء شاردًا ، لمعت عينيه بالدموع حينما برزت صورتها أمام عينيه تبتسم بصفاء ، مسح دمعه خانته لتهبط على وجهه :
_ ايوه أودعك أصلي قررت أروح غزة هانضم للجيش هناك هحاول أعمل أي حاجه لمساعدتهم ، هناك مكان الشهادة قلبي بيقولي كدا ، وآه كمان لأني مش قادر أعيش في الدنيا دي زيادة عن كدا خلاص فاض بيا وبقلبي ، تعبت يا حسان .
توقع أحمد أن ينهره حسان ويرفض ذهابه ولكن الصدمه حين قال فجأة :
_ أنا جاي معاك .
استوى أحمد جالسًا وقال بعيون متسعة:
_ تيجي معايا فين ؟؟ أنت أكيد جرى لعقلك حاجه ، أنت عريس جديد لسه و ...
تنهد حسان بقوة وقاطع حديثه وهو يربت على كتفه يقول بنبرة هادئة:
_ بلا جديد بلا قديم كله محصل بعضه ، أنا قررت وانتهى الموضوع لو رجعت من هناك عايش هابتدي حياة جديدة ، ولو لأ فأنا عايزك تنفذ وصية ليا .
أبعد أحمد يده عن كتفه ونهض يحدق به برفض شديد :
_ اسكت يا حسان ، مش هتروح أنت فاهم ، حرام عليك تسيب مراتك وابنك اللي جي .
هنا ولم يتمالك حسان دموعه وقهقه عاليًا وهو يتحدث بسخرية لاذعه:
_ ابني ؟؟ ومراتي؟؟
ضيق أحمد عينيه بصدمه وهو يقول :
_ ولآ أنت شارب حاجه ؟؟ في إيه اللي بيضحك في اللي قولته ؟؟.
تحدث حسان بدموع شديدة:
_ هو فين ابني ده ؟؟ ولا حتى مراتي ، أنا كدبت عليكم مراتي لا يمكن تكون حامل يا أحمد.
_ مش بتخلف قصدك ، وعلشان كدا عايز ترمي نفسك في التهلكه وخلاص ، الطب اتقدم كتير يا حسان وبعدين انتوا لسه قدامكم العمر ده يدوب أربع شهور و ...
اصمته حسان حين صرخ بانفعالٍ شديد ووجه أحمر من الغضب :
_ لا يمكن تكون حامل لأني أصلا ملمستهاش سامع وقبل ما دماغك تودي وتجيب أنا مفييش حاجه هي اللي رافضه لأنها ببساطه مش بتحبني واخداني كبري علشان تنسى حبيبها وياريتها نسته .
التزم أحمد بالصمت وهو ينظر له بعيون متسعة بصدمه ، انتبه على حسان يردد بصوت ضعيف :
_ حرقت قلبي وكسرت فرحتي ، لو كانت صارحتني من الأول كنت بعدت قبل ما قلبي يتعلق بيها كدا ، ليه تكويني بالنار اللي ذاقتها ؟ وزي ما اتحرمت من حبيبها تحرمني منها ، ليه ذنبي إيه أنا ؟؟ .
ببسمة حزينة أردف أحمد وهو يجذبه صوب صدره ، سبحان مغير الأحوال بعد أن كان حسان هو من يواسيه تبدلت الآية وهو الآن يجلس معه ليواسيه :
_ يظهر إن الحب مناسبناش يا حسان وإن الاتنين مش بس بيشتركوا في الاسم لا في كله ، حكتلك عنه طيب أو تعرف مين هو ؟؟.
ضم حسان قبضة يده بقوة وهو يضغط عليها بينما رأسه أعلى كتف أحمد وقبضته على ظهره :
_ لا معرفش مين هو رفضت تحكي لي عنه ، كل اللي قالته شوية كلام أهبل كدا ورفضت تقول اسمه او مين هو ، عرفت رفضت تقول ليه بعدين لأنها خافت عليه مني ، خافت أعمله حاجه بحكم رتبتي .
ابتعد حسان عنه يمسح دموعه بقسوة ثم نظر لأحمد وقال له شيئًا جعل أعين أحمد تتسع بقوة وصدمه بذات الوقت.
الحلقة الثالثة • الــصــمــت الــمُــعــذِب• بقلمي نورهان ناصر.
اللهم اجعل كل مادعيناه لك سرًا وجهرًا تكتبه لنا واقعًا ،تُفرح به قلوبنا إنك أنت الكريم الرحيم.
♥ صلوا على الحبيب المصطفى ♥
_________________________
كانت تجلس على الأريكة تضم وسادة متوسطة الحجم إلى صدرها وهي منهمرة في البكاء ، وكأن ما عاد بإمكانها فعل أي شيء سوى البكاء والبكاء والبكاء ليلًا ونهارًا ، تعالت أصوات شهقاتها وهي تقول ببسمة موجوعه وجراح قلب دائم الحسراتِ :
_ واحشني كتير ، مش قادره أنساه ، مش عارفه أخرجه من قلبي .
أخفضت نعمه رأسها للأرض وهي تغمض عينيها تجاهد دموعها ، ما تفعله ملك خطأ كبير وبدلًا من أن تشاركها البكاء عليها نُصحها ، لذا بعد أن أخذت عدة أنفاس رفعت رأسها ونظرت لها بملامح غاضبه وهي تقول بينما تقبض على يدها:
_ كفاية بجد ، حرام يا ملك اللي بتعمليه ده حرام ، أنتِ ست متزوجة ، وقولتلك بدل المرة ألف مش هتقدري ، أنتِ حِمل الإثم ده ؟؟ أنتِ كدا ناشز والملايكة بتلعنك ومش عايزه اقولك الكلمة التانية لشعورك ده .
طالعتها ملك بشفاه مرتجفه وجسدها كله ينتفض تردف بنبرة ضعيفه :
_ أنا فعلا مش هقدر ، أحمد هايفضل جوايا واقف بيني وبين حسان ، أنا بشوفه في كل مكان ، عارفه كل ده مش محتاجه تقولي ، حاولت وفشلت كتير ، مش طايقه لمسته ولا طايقه أشوفه ، أنا من غير أحمد ولا حاجه .
صمتت لثواني تتنفس بصوت مرتفع قبل أن تقول بحزن شديد وهي تشير جهة قلبها :
_أنا بعشقه افهموني بقى ، ده بيحبه بيحبه بيحبه ، أنا بموت فيه ، حبه في قلبي بيزيد مش بيقل وأنا مش عايزه غيره ....
صفعتها نعمه بقوة على وجهها وهي تحدقها بعيون يملأها الغضب رغم الدموع فيها الحزينة عليها ، ابتسمت ملك بقهر وهي تقول بينما تنظر لها بعينين لامعتين من الدموع :
_ اضربيني زيه مش هتخرجوه من جوايا ، أنا بتخيله مكانه متخيله أنا وصلت لإيه ؟؟ أنا عايشه في وهم ، أنا خاينه أنا واحدة حقيرة ومحدش حاسس بالنار اللي جوايا ، أنا كل مرة قربت فيها من حسان لأني مش بشوفه حسان أنا بشوفه أحمد ، أحمد وبس عمري ما اعتبرت حسان زوج أبدًا ، أنا قلبي وعقلي وكلي ملك لشخص واحد بس هو أحمد فاهمه و ......
ومنعها عن التكملة كف آخر التحم في خدها لتنفجر ملك بالبكاء بصوت مرتفع وهي تضع يدها على خدها ، بينما نعمه تقبض على يدها بحزن ، وهنا سمحت لدموعها بالخروج ، وانفلتت شهقاتها التي جاهدت لحبسها حتى لا تضعف من حديث ملك ولكن حالتها يلين لها الحجر ، بكت نعمه بصوت مرتفع وهي تنهض من جوارها توليها ظهرها ، بينما ملك استلقت على الأريكة تبكي بهذيان .
أخيرًا استطاعت نعمه النطق فاستدارت لها تقول وهي تمسح دموعها:
_ أنتِ هتفوقي من اللي أنتِ فيه ده ، أحمد خلاص مبقاش موجود ، كفايه ذنوب ضميرك مش بيأنبك على حسان المسكين ، ذنبه إيه ؟؟ ليه كملتي ؟ ميت مرة قولتلك مش هتقدري يا ملك ، مرضتيش تسمعيني قولتلك هتظلميه معاك بردو كملتي.
صرخت ملك بحرقة ودموعها على خدها لم تنضب :
_ أنا بموت في كل دقيقه وأنا عارفه إني مذنبه في حقه ، ولأنه بيحبني قولت هدي لنفسي وليه فرصة يمكن أحبه ، وهو وافق بس أنا فشلت فشل ذريع ، مقدرتش مجرد إني مقدرتش ارحموني بقى .
خفت صوتها مع آخر كلمة ، أطلقت زفيرًا قويًا وهي تنتفض بشهقات عالية تردد بقهر :
_كلكم عايزين تخرجوه وهو ساكن في قلبي ، مش هيخرج حتى بموتي ، أنا طلبت الطلاق بس سيادته رافض أنا مش عايزه أكون خاينه ولا عايزه ذنوب ولا أنا حمل ذنب زي النشوز بس لكل إنسان مقدره وأنا مش قادره ، حتى لو سلمته نفسي قلبي وعقلي مش معاه كياني كله مع أحمد إيه الفرق ؟؟ كدا مش هابقى في نظر نفسي خاينه مثلا ؟؟ أنا تعبت ، بحاول أكفر عن ذنوبي وادعي كل يوم ربنا يغفر لي ويعجل بموتي علشان ارتاح واريحكم كلكم.
ختمت حديثها وهي تركض إلى غرفة الأطفال ، أغلقت الباب خلفها بالمفتاح ، وجلست على الأرض تتابع البكاء بحرقة شديدة ، حتى ما عاد يخرج صوتها من شدة البكاء ، وبخارج الغرفة تقف نعمه بعينيها المليئة بالدموع ، عاجزة تمامًا عن فعل أي شيء .
أجبرت قدميها على السير باتجاه غرفة ملك وجلست على الأرض تضع يدها على الباب وهي تقول بدموع شديدة وخوف لما اختفى صوتها :
_ ملك ؟ ملك أنتِ كويسه ؟؟ .
وأيضًا ما من رد ، ظلت نعمه تطرق على الباب بقوة وهي تبكي بهيسترية:
_ ملك افتحي الباب ، ملك اوعي تعملي في نفسك حاجه ، ملك افتحي لي وهاقعد ساكته مش هانطق مش هلومك مش هقولك حاجه تزعلك بس أبوس ايدك افتحي الباب.
ومجددًا لم تتلقى نعمه أي رد على ندائها ، نهضت مثل المجنونة تضغط على مقبض الباب تحاول فتح باب الغرفة وعبثًا فعلت ، خرجت من باب الشقة تهرول إلى شقة حماة ملك التي قابلتها عند السلالم حيث خرجت على أصواتهم العالية ، تقول بدموع شديدة وخوف كسى ملامح وجهها:
_ ابني حسان فيه حاجه ؟؟ ملك ..ملك عرفت حاجه عنه ؟؟.
توقفت نعمه ودموعها على وجهها تقول بصوت خرج من داخلها مرتجفًا وهي تبتلع لعابها الذي جف :
_ ها لا ..لا حسان كويس يا خالتي ، ده ملك بس مفتقداه وكانت بتفضفض معايا ودلوقت دخلت أوضة الاطفال وقفلت عليها الباب ومش راضيه تفتح خايفه تعمل في نفسها حاجه .
ضربت السيدة والدة حسان على صدرها تقول بفزع:
_ يا مصيبتي ، استر يا رب ، حسان كان عاطيني النسخة الثانية من المفاتيح علشان أبقى اطلع اطمن عليها لو نايمه أو حاجه ومفتحتليش.
تحدثت نعمه بلهفة شديدة وهي تحثها على جلب تلك المفاتيح :
_ طيب بسرعه يا خالتي هاتي المفاتيح .
نزلت السيدة السلالم واتجهت إلى شقتها تحضر نسخة المفاتيح وما إن أحضرتها حتى انتشلتها نعمه من يدها وأسرعت إلى شقة ملك وهي تكاد تقع أكثر من مرة نتيجة رؤيتها المشوشة من الدموع في عينيها .
دلفت أخيرًا إلى الشقة واتجهت بسرعة صوب غرفة الأطفال ، بأيدي ترتجف كانت تضع المفاتيح بشكل عشوائي حتى انفتح الباب ، شهقت بقوة وهي تركض صوب ملك المسطحة على الأرض فاقدة للوعي ، انحنت تجلس على مقدمة ركبتيها وهي ترفع رأسها تضعها على حجرها وهي تربت على وجنتيها بضربات خفيفه ، أثناء مناداتها لها بدموع شديدة تتساقط على وجهها :
_ ملك ...ملك ردي عليا.
وضعت نعمه يدها بتوتر على رقبتها لتجحظ عينيها وهي تستشعر ضعف نبضها يكاد يكون معدومًا ، أتت في تلك الأثناء والدة حسان التي كانت تنهج بقوة تقول بخوف :
_ مالها يا بنتي ؟؟.
همست نعمه بعينين جاحظتين من الصدمه:
_ ملك ..ملك ...بتموت ...نبضها ضعيف أوي.
شهقت السيدة والدة حسان وهي تضرب على صدرها بجزع :
_ يا لهوي أقول إيه لابني لما يرجع ؟.
نظرت لها نعمه بسخط ونظرتها تقول" أهذا كل ما يشغل بالك أيتها المرأة ؟؟ ".
أخرجت نعمه هاتفها تهاتف زوجها مرت ثواني حتى استمعت لصوته وقبل أن يكمل أخبرته بدموع شديدة أن يأتي لشقة أخته بصحبة رجال الإسعاف .
أغلقت نعمه معه ثم سطحت ملك أرضًا وبدأت بعمل إنعاش لها وضعت يديها فوق بعضهما على موضع قلبها ثم بدأت تضغط عليه بقوة وهي تناديها بدموع شديدة وبلا فائدة ، أسندت رأسها على قلبها وهي تصرخ ببكاء مفجع تهمس بجانب أذنها بصوت منخفض حتى لا يصل حديثها إلى حماة ملك :
_ ملك ..ملك أحمد هنا قومي وفتحي عيونك هساعدك تتطلقي هاجبهولك لحد عندك بس قومي أبوس ايدك .
مرت عدة دقائق أخرى كانوا كالجحيم على رأس نعمه التي ما انضبت دموعها حتى استمعت لصوت سيارة الإسعاف ، وتلاه صوت هادي المرتجف بالخوف الشديد على أخته ، رفعت نعمه رأسها تقول :
_ بسرعه يا هادي يالا شيلها .
أومأ هادي بدون كلمه وانحنى يحمل أخته متجهًا إلى سيارة الإسعاف وهو يلعن المصعد الكهربائي الذي تعطل على سوء حظهم ، كان يقفز على درجات السلم وهو يتنفس بصوت مرتفع ودموعه لمعت في عينيه ، يرى وجه أخته الشاحب شحوب الأموات ، حتى وصل أخيرًا إلى سيارة الإسعاف والتقطها منه المسعفين صعد معها ، تشبثت نعمه بذراعه والتي تبكي بقوة لرفض المسعفين وجودها معللين بأنه يسمح بمرافق واحد فقط ، نظر لها هادي قائلًا :
_ نعمه هاتي خالتي أم حسان والحقونا مفيش وقت هانطلع على المستشفى اللي على أول الطريق يالا .
*****
نظر لهم لحظات ثم عاد ببصره صوب الأوراق التي بيده وبعد قراءتها ، وضعها بهدوء على سطح مكتبه وشبك يديه ببعضهما يقول بنبرة هادئة:
_ أنتم متأكدين من قراركم ده يا أحمد ؟؟
تبادل أحمد وحسان النظرات ، رأى حسان التردد في عيني أحمد من ذهابه برفقته ، ليتجاهل نظراته تلك ثم عاد ببصره صوب الوزير يقول بنبرة جادة:
_ متأكدين معاليك .
تحدث الوزير وهو يرمق حسان بقلق :
_ يا ابني أنت لسه عريس جديد وسمعت إنك مستني ابنك.
عبست ملامح وجه حسان ثم اغتصب ابتسامه صفراء يقول بنبرة هادئة في ظاهرها :
_ شغلنا مفهوش عواطف وأنا عايز اتطوع واقدملهم الدعم وإن مُت فابني هايكون فخور بأبوه.
تنهد الوزير ثم نظر صوب أحمد الذي يلتزم الصمت:
_ وأنت يا أحمد ؟؟.
ضحك أحمد بخفوت يقول مبتسمًا:
_ وأنا ايه يا فندم ؟ لا زوجه ولا أولاد ولا أي حاجه أنا واثق من قراري ، بس ياريت تمنع ..
ضغط حسان على ذراعه بغضب شديد فأكمل أحمد بلا اكتراث بنظراته :
_ تمنع حسان من السفر ، لأنه عنده بيته ومراته ، أما أنا فـ زي ما بيقولوا على الله حكايتي وكفايه اللي عيشته لانهارده أنا عايز الشهاده يا فندم .
مط الوزير شفتيه يردد بصوت هادئ مشتحًا بقلق عليهما فهما من أكفأ ضباط الجيش لديه وخسارتهم فادحة كبيرة :
_ والله إن جيت للحق أنا رافض إنكم تروحوا لوحدكم كدا وأنتم وراكم مسؤوليات كبيرة وأهل بلاش توجعوا قلوبهم عليكم ، أنت يا أحمد عندك أم نفسها تفرج بيك وحياة قدامك لسه ، وأنت يا حسان فأنت مصيبتك أكبر زوجه وابن وام وأهل هتحرق قلوبهم ، وعلشان كدا مرواحكم انتم الاتنين مرفوض .
ختم حديثه وهو يحمل شيء ما في يده ومال بجزعه العلوي ليطبع الرفض على ذهابهم في الأوراق التي قدموها وقبل أن يلامس الختم للأوراق انتزعها حسان يقول بنبرة جادة وبإصرار غريب ملأ عينيه :
_مع احترامي لقرارك يا سيادة الوزير بس أنا مُصر .
_ حسان اللي بتعمله ده غلط ، دي عملية انتحارية ومش هشارك فيها ودلوقت رجع الورق مكانه وعلى شغلك .
أنهى الوزير حديثه ثم نظر لأحمد يقول بجدية:
_ عقل صاحبك يا أحمد.
وقبل أن يفتح أحمد فمه للحديث ، قال حسان بثبات وهدوء غريب:
_ يا فندم الأعمار بيد الله ودي طبيعة شغلنا أصلًا ، ما جايز ما اروحش واموت بردو الله عز وجل يقول في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ وأنا عايز ثواب الآخرة وما أراده الله كان .
صمت الوزير متنهدًا بصوت مرتفع ، ابتسم حسان بسمة واسعه ثم تقدم منه ووضع الأوراق على مكتبه يقول بمرح :
_ هاعتبر إن سكوتك هو علامة الرضا زي ما بيقولوا ، شرفنا بتوقيعك يا باشا وادعي لنا نقدر نعمل حاجه ليهم ده دورنا أصلًا نقف معاهم ونساعدهم.
وافقه أحمد في الرأي وهذا ما كان يسعى إليه إلا أنه داخله خوف مبهم على صديق عمره ، آفاق من أفكاره على حسان يسحب الأوراق من أمام الوزير بعد أن حصل على توقيعه .
وبعد مُضي بعد الوقت كانوا يسيرون متجاورين أحمد يضع يده في جيب بنطاله ، وحسان يحمل الأوراق وينظر إلى تلاميذه بفخر واعتزاز وهم يتدربون بكل قوة ، أتى إليهم محمد يقول وهو ينظر لهما بغضب :
_ عايزين تروحوا لوحدكم طب وأنا هاتسبوني لمين يا اندال ؟؟.
ابتسم أحمد مرددًا بنبرة هادئة وهو يربت على كتفه :
_ أنت لسه قدامك مشوار طويل وفرح بتجهزله ، روح افرح يا محمد ومتوجعش قلوبهم عليك .
طالعه محمد متهكمًا وهو يقول بضيق:
_ والله شوف مين بينصحني ؟؟ الاستاذ اللي رايح برجله للموت واهلك مفكرتش فيهم وأنت يا استاذ حسان ، طب أحمد والحب لحس عقله خلاص وما دام خسر حبيبته يبقى يقتل نفسه ، وأنت يا حسان عندك زوجه بتحبك ومستني ابنك وأم وأخوات مش عارف عقلك فين ؟؟؟ .
أطلق حسان تنهيدة قوية ثم أولاهما ظهره وقال ببسمة صغيرة:
_ هقولك زي ما قولت لسيادة الوزير ، لكل إنسان أجل لا ينقص ولا يزيد ، بعدين انتوا خلاص عرفتوا إني هموت ما يمكن أرجع.
توقف فجأة واستدار لهما يقول ضاحكًا :
_ بطلوا تفولوا عليا عيال واطيه ، جرى إيه يا ببلاوي أنت وهو أنتم ماشيين مع ميت ادفنوني وريحوني كاتكم القرف عيال كئيبة .
قال حديثه وتركهم ورحل ، نظر أحمد لمحمد بيأس وهو يقول :
_ بحاول أقنع فيه مافيش فايده منشف دماغه ، وعلى رأيه يا محمد العمر لا بيزيد ولا بينقص اللي ربك رايده نافذ في آية جميلة جدًا بتمثل اللي حسان بيعمله ربنا سبحانه وتعالى بيقول ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ سلمها لله مفيش مهرب من الموت .
نظر محمد إلى أثر حسان الذي ابتعد عنهم كثيرًا يقول ببسمة واسعه:
_ ونعم بالله.
*****
كانوا يقفون أمام باب الغرفة منذ وصولهم ولا أحد يخرج ليطمئنهم ، زفر هادي بخوف وهو يراهم منكبين على البكاء ، ليقول حانقًا:
_ خلاص عرفتوا أنها ماتت وقعدتوا تعيطوا ارحموني بقى واسكتوا شويه ، ملك قوية وعايشه ولسه فيها النبض .
صاحت والدته ببكاء وقلب أم مكلوم على ابنتها :
_ عايشه ؟؟ أختك ميته من زمان واحنا اللي مش حاسين بيها ، كفايه بقى فتحوا عيونكم بنتي ميته اللي جوه دي مش بنتي ، بنتي ماتت من زمان ، الانسانه الضعيفة دي اللي بتصارع الموت جوه مش ملك ، ملك راحت منا ، راحت بنتي ماتت ، ماتت ضحكتها ماتت أحلامها ماتت فرحتها السعادة مبقتش تعرفلها طريق خلاص ، سيبني اعيط براحتي على بنتي ، بنتي اللي مكنتش الضحكه بتفارق وشها بنتي اللي كانت شقيه وعامله دوشه في البيت إنما الساكته دي على طول اللي عيونها تايهه مش بنتي ، مش بنتي هاتولي بنتي .
أدمعت عيونهم من تأثير كلماتها حتى العاملين في المشفى ، اجهشت نعمه في البكاء هي أكثر من شاهدت موتها أمام عينيها ، ضيقت والدة حسان أعينها بضيق شديد من فحوى كلمات السيدة والدة ملك ماذا تقصد بكلماتها تلك ؟؟ أن ابنها مصدر تعاستها ؟؟ لولا الموقف الذي هم فيه لكانت صاحت في وجهها ولكنها أم وتقدر حالتها لذا التزمت الصمت غصبًا.
خرج في تلك الأثناء الطبيب يحدق في وجوههم بضيق شديد ، تسارعت دقات قلب هادي من ملامح الطبيب العابسه :
_ في إيه يا دكتور ؟؟ أختي مالها ؟؟
نزع الطبيب كمامته يقول بنبرة بها شيء من الحدة :
_ أنتم ازاي بالاهمال ده ؟؟ البنت تعرضت لنوبة قلبية مفاجئة من كتر الضغط اللي عليها ، في حاجه قوية مقصرة على نفسيتها هموم وحزن كبير ، ومبتاكلش أصلا ولا جسمها فيه أي تغذية ، ده أنتم لو بتعذبوها مش هاتبقى دي حالتها ، في جفاف في جسمها لا بتاكل ولا بتشرب مش فاهم خايفين عليها بالشكل ده وأنتم شايفينها بتموت قدامكم بالبطيء وساكتين ؟؟.
نزلت كلماته على رؤوسهم مثل الصاعقة نوبة قلبية ؟؟ جفاف وإهمال تغذية ؟؟ ما هذه الكلمات الكبيرة ؟؟ كل ذلك أخته تعانيه ولا يعلم عنه شيء ، انفجرت نعمه بالبكاء والشهقات وهي تخفي وجهها بيديها ، تقدم هادي من الطبيب يجر قدمه جرًا ، وهو يقول بنبرة ضعيفه وهو بلا وعي أمسك الطبيب من مقدمة الرداء الطبي خاصته يهزه بعنف :
_ هي كويسه صح ؟ قولي إنها كويسه ؟؟ قولي إنها هاترجع زي الأول .
حاول الطبيب ابعاد يديه عنه وهو يقول :
_ اهدى لو سمحت ، هي حاليًا كويسه وقدرنا نسيطر على النوبة بس مانضمنش المرة الجايه هتلحقوها أو لأ علشان كدا لازمها رعاية خاصة وابعدوها عن التوتر وأي شيء يسببلها الحزن .
ارتمت والدتها على الأرض فاقدة للوعي ، هرع هادي صوبها يصرخ بانفعالٍ شديد ، في حين هتفت نعمه تستعجل بعض الممرضين لأخذها إلى إحدى الغرف ، ذهب هادي معها بينما بقت نعمه هي ووالدة حسان.
قال الطبيب بهدوء شديد:
_ هي متزوجه صح ؟؟.
أكدت السيدة والدة حسان:
_ ايوه هي حزينة علشان ابني مش معاها بحكم شغله هو ظابط في الجيش وبيغبب كتير وشكل ده مأثر عليها .
_ طيب ما تكلموه يرجع ياخد إجازة وجود شخص بيحبها وبتحبه هيخليها تتمسك بالحياة وتقاوم اللي هي فيه .
بصوت ضعيف للغاية ، قالت نعمه :
_ ممكن أشوفها .
نظر الطبيب إلى ساعته يردد بصوت هادئ:
_ هي حاليًا نايمه ركبنالها محاليل علشان نعوض سوء التغذية وبعد ما تفوق تقدري تشوفيها ، بعد اذنكم وحمد لله على سلامتها بس رجاءًا اهتموا بيها أكتر من كدا .
شكرته نعمه ثم اتجهت لرؤية حماتها ، حينما أوقفتها والدة حسان بقولها الذي ليس في وقته :
_ هي ملك مش مبسوطه مع ابني ولا إيه ؟؟
_ ها لا طبعا مين قال كدا ؟ اومال حالتها دي إيه لو....
قاطعتها بحديثها الذي يعتريه الضيق ليس فقط في ملامح وجهها :
_ بلاش لف ودوران يا نعمه كلام حماتك معجبنيش زي ما يكون ابني سبب تعاستها ، ده أنا اللي على طول شايفه ابني مسهم وحزين وأنا ساكته ومتكلمتش ، لا شوفت فرحته بفرحه زي أي عريس ، وحطيته في بطني وسكت ، تيجي دلوقت حماتك وتلقح على ابني أنا لما مقدره حالتها كان هايبقى في كلام تاني .
ابتسمت نعمه بسمة صغيرة وهي تقول:
_ يا ست الكل مفيش حاجه من اللي في دماغك وهي أم بقى ومعرفتش هي بتقول إيه ؟ عن اذنك هروح اشوف حماتي .
تنهدت هي بضجر ثم جلست أمام الغرفة التي توجد بها ملك ، وهي تفكر في شيءٍ ما ، مرت من أمامها إحدى الممرضات اوقفتها من فورها تقول ببسمة صغيرة:
_ بقولك إيه يا بنتي ، مفيش هنا دكتورة نسا ؟؟.
_ في طبعًا يا حجه دكتورة منى اؤمري.
اتسعت ابتسامتها أكثر وقالت بهدوء :
_ الأمر لله يا بنتي ، طب ممكن تاخديني عندها .
رحبت الممرضة ببسمة صغيرة وهي تشير لها أن ترافقها :
_ طبعا تعالي معايا يارب بس نلحقها قبل ما تمشي .
*****
بعد مرور بعض الوقت ...
فتحت ملك عينيها تنظر إلى السقف بتشوش ، دارت بعينيها في الغرفة باستغراب شديد ، جعدت جبينها بألم ثم نظرت عن يمينها رأت إحدى الممرضات تضبط لها المحلول المغذي ، تحدثت بإعياء شديد و دموعها طفت على السطح ، وهي ما بين الصحوة والغفوة :
_ أحمد .... آه أنا فين ؟؟ أنا عايزه أحمد ، حد قالي إنه هنا .
نظرت لها الممرضة مبتسمة ببشاشة تقول وهي تزيح حبات العرق عن جبينها :
_ حمد لله على سلامتك يا قمر ، ثواني وهشوف حد من أهلك برا .
عادت ملك تهمس بدموع شديدة:
_ هاتيلي أحمد لو سمحتي ، مش عايزه غيره.
أومأت الممرضة بهدوء ثم ذهبت ، وقعت عينها على السيدة أم حسان تجلس على إحدى المقاعد ، اقتربت منها تقول ببسمة صغيرة:
_ المريضة فاقت وبتقول إنها عايزه تشوف
أتت في تلك الأثناء نعمه بعد اطمئنانها على حماتها ، بينما ذهب هادي ليحضر لهم بعض الأطعمة والمشروبات ، تقطع عليها حديثها وهي تلهث لتوقعها شيء كهذا ، ابتسمت بتكلف تقول :
_ تمام أنا هدخل اشوفها الأول.
قالت الممرضة باستغراب :
_ بس هي طالبه تشوف...
ومجددًا قاطعتها نعمه وهي تقول بنزق:
_ خلاص بقى ما هو مش هنا ده مسافر مش أنتِ قصدك تشوف جوزها مش كدا يا خالتي ؟.
قالت والدة حسان بتأكيد :
_ أيوه هو مسافر .
طالعتهم الممرضة باستغراب شديد وحدسها انبأها بأن من طلبت رؤيته ليس زوجها كما يدعيان ، لكنها لم تملك سوى أن تومأ برأسها بصمت ، ثم ذهبت من أمامهم بعدما أوصتهم بألا يجهداها.
نظرت نعمه للسيدة والدة حسان :
_ طيب يا خالتي أنا هدخل اطمن عليها ولو هادي سأل عني قوليله إن ملك فاقت .
_ لا خليه يستنى شويه أما الدكتورة تمشي وقتها يبقى يدخل يشوفها .
ضيقت نعمه عينيها تقول بشك وهي من داخلها تتمنى ألا يكون ما خطر على بالها صحيحًا:
_ دكتورة إيه دي ؟؟
ابتسمت في وجهها باصفرار وهي تقول :
_ دكتورة نسا وتوليد.
أغمضت نعمه عينيها حدث ما كانت تخشاه ، رفعت يدها تحك جانب جبهتها وهي تقول ببسمة مغتاظة:
_ اممم وهو ده وقته يا خالتي .
خفت صوتها وهي تقول بدموع وغصه تشكلت في حلقها:
_ وقته ونصه ادينا في المستشفى نطمن زيادة بقوا داخلين على الشهر الخامس ومفيش حمل ، وأنا أم وعايزه اطمن على ابني ، قدري حالتي أنا هموت على حفيد يا نعمه ، حسان هايسبني أنا حاسه وعايزه أثر منه يا بنتي ، كل ليلة بدعي إنها تكون حامل كل ليلة بودعه كأنها الليلة الأخيرة وكل أملي يبقى ليه حس في الدنيا دي .
عضت نعمه على وجنتها من الداخل وهي تنظر لها بعينين دامعتين وبلا مقدمات أخذتها في حضنها لتجهش في البكاء أكثر وهي تقول :
_ شوفت له رؤية في وقت صلاة الفجر كأنه بيودعني أنا قلبي حاسسني والله ، إنها آخر مرة هشوفه.
انتفضت نعمه من شدة البكاء ، تربت على ظهرها بلطف وهي تغمض عينيها ولسان حالها يقول :
_ وآخرة الصمت ده إيه ؟؟ ايه هيحصل تاني ، قلبي بيتقطع عليكم كلكم مش عارفه ألوم مين وكلكم مظلومين .
ابتعدت عنها السيدة أم حسان تمسح دموعها وهي تقول :
_ بصي أنتِ ادخلي اطمني عليها وأنا هروح استعجل الدكتورة كانت في أيدها مريضه .
تبسمت نعمه في وجهها وهي ترفع يدها تزيل دموعها المستمرة الهطول ، ثم ذهبت إلى ملك ، فتحت الباب وقفت خلفه تستند عليه بظهرها وهي تعض على يدها لتكتم أصوات بكائها ، فتحت ملك عينيها ببطء وهي تستمع لصوت أنين باكي ، لتقع عينيها على نعمه المنفطرة من البكاء ، حاولت ملك الاعتدال وهي تقول بنفس متثاقل:
_ نعمه ...نعمه أحمد هنا ؟ .
صرخت نعمه بتهكم شديد لأول مرة متجاهلة وضع ملك الصحي رامية بكلام الطبيب عُرض الحائط :
_ داهيه تاخده علشان نرتاح ، كفايه بقى هنعذب مين تاني معانا في سكوتنا ده ؟ الست الغلبانه اللي برا دي اللي أمنية حياتها يبقى ليها حفيد يعوضها عن ابنها ،ولا حسان اللي اخدتيه سلم علشان تعدي وتخرجي من هوسك ؟؟ هنظلم مين تاني بسبب حبك المريض ده ؟؟ ، أحمد مشي يا ملك ، هو محبكيش ، هو خذلك واتخلى عنك ، أحمد مات خلاص فوقي بقى وكفايه تعبتي نفسك وتعبتي اللي حواليكِ .
شهقت ملك بقوة وهي تحاول التقاط أنفاسها بينما غامت عيونها بالدموع ، تقدمت نعمه منها وهي تتابع حديثها والرؤية مشوشة في عينيها فلم تلحظ صعوبة تنفسها:
_ حماتك راحت تجيب لك دكتورة تكشف عليك تشوف ليه ما حملتيش ؟؟ هتقوليلها ايه ؟؟ انطقي ياما قولتلك ابعدي هتندمي صدقيني ، ماسمعتنيش عاندتي وشوفي نتيجة عِندك إيه ؟؟ دمرتينا يا ملك دمرتي أم مغلوبه على أمرها ، كل ثانية عايشاها في قلق وخوف واللي مصبرها تكوني حامل هتعملي إيه دلوقت ؟؟؟ ماتسكتيش سكوتك بيعذبنا لايمتى هانفضل ساكتين لايمتى هتفضلي ساكته ؟؟؟.
كانت ملك مستمرة بالشهقات وأصوات تنفسها هي الطاغية ، تنظر إلى نعمه بدموع وهي تحاول الحديث :
_ نـ ...عـمـ....
تنبهت الأخيرة على حالتها لتصرخ بخوف شديد وهي تنادي على الأطباء ، دلفت الممرضة وبرفقتها الطبيب ، بينما نعمه التصقت بجدار الغرفة مصعوقة مصدومة لقد قتلتها ، وضع الطبيب جهاز الأكسجين على وجه ملك ، التي غابت عن الدنيا وصوت حاد بات هو المسيطر على الغرفة صوت انبأهم بتوقف قلبها ، ظل الطبيب يصعقها بالصدمات الكهربائية مرة تتلوها مرة ومع كل انتفاضة لجسدها تزداد نعمه بكاءًا وهي تدعي بصوت مرتفع والممرضة تحاول إخراجها من الغرفة بصعوبة .
******
بعد مرور أسبوع.......
كانت تلازم فراشها كعادتها منذ أسبوع ترعاها خير رعاية ، كل ثانية وأختها تمسك بيدها تقبلها وهي تقول ببسمة صغيرة والدموع في عينيها :
_ حبيبتي أنا آسفه آسفه كتير ، عارفه إنه مش ذنبك بس سامحيني لأني انفعلت عليك كدا ، افتحي عيونك يا ملك .
ربت هادي على كتف نعمه وقال وهو يكبت دموعه فمنذ أسبوع وهي تستيقظ تتطلع لهم بشرود للحظات ثم تغيب عن الوعي :
_ كفاية يا نعمه أهلكت نفسك ، هاتبقى كويسه إن شاء الله.
طالعته نعمه بعيون حمراء من البكاء:
_ أنا كنت هموتها مراعتش حالتها الصحية انفعلت عليها أوي يا هادي أنا آسفه آسفه كتير.
تنهد هادي وهو يضمها إلى صدره :
_ اهدي الدكتور قال ممنوع التوتر هنا وإلا هيخرجنا ، أنا مش فاهم لحد دلوقتي ليه عملتي كدا ؟
بتوتر شديد قالت نعمه وهي تستغفر الله في داخلها ، باتت كاذبة محترفة :
_ كنت ...كنت بعاتبها على إهمالها في نفسها وإنها محكتلناش تعبها وكدا ، أنت عارف بحبها إزاي وبعتبرها أختي الصغيرة وحصل اللي حصل .
ضمها هادي له أكثر وأردف وهو ينظر لأخته بحزن :
_ ربنا يخليكم لبعض يا حبيبتي ، أنا هروح اطمن على أمي واجيلك.
أومأت نعمه وابتعدت عنه ، خرج هادي وهو يمسح على وجهه حينما وقعت عينه على والدة حسان تجلس على إحدى المقاعد وهي تبكي بصمت ، رق قلبه لحالها ووجد نفسه يسير باتجاهها قال بعد أن جلس بجانبها :
_ مالك يا ست الكل ؟ هاتبقى كويسه وزي القط معلش بقى الحب وسنينه وهي جوزها واحشها ، أنا حاولت كتير أتواصل معاه مش عارف تلفونه خارج التغطية .
بدموع وصوت ضعيف قالت :
_ ابني راح يا هادي ، راح للموت برجله .
ضيق هادي عينيه يقول باستغراب :
_ مش فاهم يعني إيه ؟؟ .
_ سافر بقاله أكتر من اسبوع هناك عند اللي ما يتسموا دول ، علشان يساعد أهل غزة اتطوع هو وواحد صاحبه وراحوا والأخبار ما تطمنش شغالين قصف فيهم .
أغمض هادي عينيه وهو لا يدري ما يقول ؟ إن سمعت أخته بهكذا خبر فلن تنهض بعده ، فكما يرى هو من وجهة نظر أن ما تعانيه أخته بسبب تلك الزيجة وسفر حسان المقارب على الشهرين.
لدرجة أنه فكر بمجرد أن تتعافى يطلقها منه ، يكفيها توترًا وخوفًا فليذهب هذا الحب المهم أن تبقى معه وتعود لها ابتسامتها .
*****
بعد مرور شهر ......
وهناك حيث الأصوات المكلومة والجثث المنتشرة في كل مكان والمنازل المحطمة ، كانوا يتخفون أسفل الركام ملابسهم كساها التراب والدماء ، أدمعت أعينهم من تلك المجازر التي يرتكبها الكيان الملعون في كل أرض وكل سماء ، وكل كتاب أنزله الله عز وجل ، تساقطت دموع أحمد بقوة وهو يرى أصدقائه أو الباقي منهم حيث تنتشر أشلائهم في كل مكان ، ردد بصوت مرتفع يناشد الرحمن .
_ لطفك يا رب .
خرج من مكان تخفيه يحاول التغطية على زملائه ريثما يعبرون للجهة الأخرى حيث من المفترض مهمتهم إخراج النساء المخطوفات والأطفال.
كان يعرج بقوة وهو يسير أمامهم بلا خوف يحمل سلاحه في يده يطلق عليهم ودموعه على خده ، نفذت الذخيرة منه وقام أحد الجنود الإسرائيليين بضربه بشدة على قدمه فوقع على الأرض يرفض الصراخ وإظهار ضعفه لهم ، لم يجعله يرى منه سوى ابتسامه واسعه حينما رأى ملاكه تبتسم له وبيدها الناعمة تمسح له دموعه ، همس هو لها بعد أن تلا الشهادة بصوت مرتفع :
_ بحبك يا ملك سامحيني .
ثم أغمض عينيه مُرحبًا بالموت ، ثانية ثانيتين ولم يشعر بشيء فتح عينيه مصعوقًا وهو يرى حسان يقف أمامه متلقيًا تلك الطلقات بنفسٍ راضية بعد أن قتل ذلك الصهيوني النجس .
نهض أحمد يصرخ بانفعالٍ صرخة شقت جدران المنازل ودموعه تهبط بقوة ، يلتقط جسده بين أحضانه وهو يفتح فمه على آخره يصرخ صرخات متتالية وهو يجر جسده صوب أحد المنازل المهشمة يردد باستنكار:
_ ليه عملت كدا ؟؟ كنت بأمنلك المخرج رجعت ليه ؟؟ اخدت الشهادة مني يا حسان ؟؟؟ ليه ؟؟ .
سعل حسان بقوة وقال وهو يبتسم بسمة واسعه :
_ كنت عايزني اسيبك يا أحمد أنا أول ما خرجت الجنود ووصلنا للسجن وخرجناهم وملقتكش عرفت إنك رايحلهم وأول ما لقيت النجس ده هيقتلك ، كنت عايزني أغمض عيني وامشي ، لو أنا مكانك كنت هاتسيبني يا أحمد ؟؟ شايفني ندل للدرجة دي ؟؟ .
مسح أحمد على وجه حسان وهو يبكي بقوة يقول :
_ ايوه كنت خليك ندل وامشي ، امشي أنا قولتلك أنا ميت من زمان يا حسان ، لكن أنت.....
قاطعه حسان وهو يسعل قائلًا بنفس متثاقل :
_ وأنا بردو طلعت ميت محدش أحسن من حد ، متزعلش ده عمري يا أحمد والحمد لله إني هموت هنا وهموت موته شريفه هدخل الجنه من غير حساب ...
صمت لثواني ثم أكمل وهو يحاول الضحك :
_ ده أنا كنت عامل بلاوي يالا ربك ستر واديني هدخل الجنة شهيد ، مفيش أفضل من كدا ، ولا أحسن من دي خاتمه ، ما تخلكش حقود ياض أنت وافرح لي من قلبك .
أسند أحمد رأسه على رأس حسان يبكي بقوة وهو يضم جسده إليه ويده تضغط على مكان الطلقة :
_ لا لا أنت مش هتموت أنت هتعيش يا حسان هنروح الجنه سوا أنا مش هاسيبك تسبقني .
رفع حسان رأسه للسماء يردد ببسمة واسعه:
_ الحمد لله يارب الحمد لله ، قول لأمي متزعلش وتفتخر بيا ، سلام يا صاحبي .
صمت لثواني وهو يشعر بثقل في لسانه :
_ ماتـ..الوصية يا أحمد ...الوصية كاميـر .....
صرخ أحمد بأعلى صوته وهو يراه يردد الشهاده يشهق بقوة :
_ أشهد أن .... لا إله ....إلا الله ....وحده لا شريك له ... واشهد أن محمد ...... عبده ..... ورسوله .
تزامن ذلك مع دخول قوة عسكرية كبيرة أغلبهم من الضباط المصريين الذين أرسلهم الوزير لمساعدتهم ليبكي أحمد بكل طاقته وهو ينظر لوجه حسان الذي أغمض عينيه للأبد وعلى محياه ابتسامة عريضة :
_ في الجنة ونعيمها يا صاحبي ، ربنا يرحمك يا حسان .
*****
في مصر ...بعد مرور يومين
وتحديدًا في شقة حسان _ رحمه الله _
كانوا يجلسون في الصالة الرئيسية وملك تجلس معهم جسد بلا روح استأذنت منهم ودخلت إلى غرفتها هي وحسان ، ثواني ولحقت بها نعمه قالت بعد أن أغلقت الباب خلفها:
_ حماتك مصره على رأيها هنعمل إيه ؟ الفترة اللي فاتت وأنتِ كنت تعبانه فاسكتت لكن فات شهر أهو الوليه نفسها تطمن .
جلست ملك على الفراش تقول بتعب:
_ كفايه سكوت وكدب بقى أنا بعد ما يرجع حسان هطلب الطلاق مش هقدر وإحساس الخيانة ده خانقني.
تنهدت نعمه بصوت مرتفع ثم قالت باندفاع ناسية أن ملك لا تعلم أنه تطوع لمساندة الجيش الفلسطيني :
_ ملك حسان مش هيرجع دلوقت من غزة ويا عالم هيرجع أو لأ.
توسعت عيني ملك بصدمه :
_ غزة ؟ مين قالك إنه مسافر غزة ، حسان في سينا بطلي هزار بقى .
أغمضت نعمه عيونها وعضت على شفتيها تقول :
_ أنا آسفه إني مقولتلكيش بس هو بعد ما مشي من عندك سافر على غزة والأوضاع هناك مش مستقرة ربنا يستر بقى .
شهقت ملك بدموع شديدة:
_ أنتِ بتقولي إيه ؟؟
فجأة وصل إلى مسامعهم أصوات بكاء حادة ، خرجوا من الغرفة مصعوقين وهم يرون حماتها السيدة أم حسان تسجد على الأرض مرددة بصبر واحتساب:
_ ألف حمد وشكر يارب ، ابني مات شهيد يا جماعه ابني مات شهيد وهو بيدافع عن الحق .
كانت تزيد وتعيد في نفس الكلمات وهي تبكي بشدة ، في مشهد جعل الجميع يبكي بقوة حتى الوزير نفسه الذي أتى خصيصًا لتعزيتها وأخذها للمستشفى العسكري وبعدها حضور الجنازة العسكرية في اليوم التالي.
وقعت ملك على الأرض مغشي عليها من الصدمه ، هرعوا جميعًا صوبها والكل ينادي عليها بخوف شديد أن تصاب بالنوبة مجددًا ، وتحدث الوزير بقلق :
_ براحه يا جماعه عليها ابعدوا عنها خلوها تتنفس هي واللي في بطنها .
التفت الرؤوس صوبه وأول من خرج من صدمته كانت السيدة أم حسان:
_ هي حامل ؟؟؟
أكد الوزير والضابط محمد الذي يبكي بصمت يقول بنبرة ضعيفة:
_ حسان مقالش ليكم ولا إيه ؟؟؟
هزت والدته رأسها تقول :
_ لا مقالش .
نظرت صوب ملك تبتسم بسمة صغيرة وهي تبكي :
_ ولا هي قالت أصل كانت تعبانه الشهرين اللي فاتوا دول ، يالا الحمد لله ربنا كرمني باللي هيعوضني عن ابني ، ده أنا ابني مات شهيد ، انتم بتعيطوا ليه ؟ ده شهيد .
كانت تتحدث وهي منفطرة من البكاء ، بينما نعمه تنظر بعدم تصديق إلى ملك الغائبة عن الوعي بين أحضان أخيها.
******
بعد مرور عدة ساعات
في المستشفى العسكري .....
اتجه الوزير إلى المشرحة حيث أحمد الذي يحتضن جسد حسان يبكي بقوة وهو يستند برأسه عليه ، منذ أن أتوا من غزة وهو لا يفارقه ولا استطاع أحد إخراجه ، يقول له وهو يكبت دموعه :
_ أحمد امسك نفسك شوي ، ادعي له بالرحمه والمغفره وتعالى علشان تفتتح ال ...
قاطعه أحمد يردف بنبرة خافته :
_ مش هقدر ، أنا مش مصدق إنه مات وسابني ، سبوني في حالي ، حسان .. قوم رد عليا يا حسان ما تسبنيش لوحدي اتخبط بدونك ، مين هايفضل جنبي ؟ وينصحني مين هيخاف عليا زيك ؟؟ مين هيحبني ويفديني بحياته ، قوم يا حسان بطل رخامه ، قوم رد عليا أبوس إيدك ، ما اتفقناش على كدا مااتفقناش تسيبني وتمشي ، خدني معاك يا حسان أنا ماليش حد هنا خدني معاك يا صاحبي .
تساقطت دموع الوزير وسحبه من ذراعه بالقوة بينما أحمد يتشبث بجسده بكل قوته وهو يبكي وصوت بكائه قطع نياط القلوب :
_ حــــــــســـــــــان لا سيبوني معاه هو مماتش ، بيهزر معايا هو بيهزر هايفتح عيونه دلوقت وهتشوفوا قوم يا صاحبي ، قوم طمني ورد عليا !.
من شدة تمسك أحمد بجسد حسان ، كشف عنه الغطاء حتى منتصف معدته لتقع عينيه على تلك الجروح مكان الطلقات ، انهار أحمد أكثر يضع رأسه على صدر حسان ، أغرقت دموعه جسده يصرخ بقوة ، وبجواره الوزير يحاول ابعاده وهو يصرخ بانفعالٍ ليفيق أحمد:
_ اهدى يا أحمد بقولك ، حرام اللي بتعمله ده ، وقوم اطلع معايا أهله عايزين يشوفوه ، صاحبك مات شهيد وبشرف متعذبوش بعمايلك دي امسك نفسك شويه .
همس أحمد بوجع شديد يرفع رأسه لينظر إلى وجه حسان المشرق بالبياض وتلك الابتسامة تزين محياه ليبتسم بألم شديد ، يقبل جبهته بدموع شديدة:
_ هاجيلك مش هتخلص مني ، استناني أنا هاجيلك على طول ، طول عمرك بتخاف من الوحدة ، هدفن معاك في نفس القبر مش هتخلص مني يا حسان ، هانشكي همومنا لبعض ونضحك على حظنا مع الحب ، هتوحشني كتير قلبي واجعني على فراقك ومش مصدق نفسي إنك سبتني ومشيت .
هنا وأخرجه الوزير بصعوبة شديدة لم يعد يقدر على سماع حديثه أكثر ، وهو يجره جرًا وما إن خرج أحمد من بوابة المشرحة ركض بكل قوته وهو لا يرى أمامه من الدموع لدرجة اصطدم بأحدهم واوقعه أرضًا لكنه لم يتوقف حتى ليرى هل هو بخير أو يساعده ؟ انحنى هادي يمسك بيد أخته المصدومه _ لم ترى أحمد بالطبع ولا هو لاحظها _ يرفعها عن الأرض وبجواره حماتها التي أخذت تقول بقلق شديد:
_ حصلك حاجه يا ملك ؟؟ حاسه بأيه ؟؟.
لتنفجر ملك في البكاء بصوت مرتفع من إحساسها بالذنب ، ضمها أخيها بقوة وهو يربت على حجابها :
_ اهدي يا ملك علشان اللي في بطنك اهدي يا حبيبتي دي آخر أمانة من حسان ولازم تحافظي عليها .
ببسمة موجوعه قالت حماتها وهي تؤكد على حديث هادي :
_ ايوه يا ملك أنتِ دلوقت معاكِ أمانة ولازم تحافظي عليها لحد ما تسلميهاني ، ودلوقت قولي لي حاسه بحاجه ؟؟.
هزت ملك رأسها بعنف وهي تخفي رأسها في صدر أخيها.
وصلوا أخيرًا إلى بوابة المشرحة دخلت والدته أولًا ، تجلدت بالصبر أمامهم ولكنها هنا مع ابنها انفجرت بالبكاء والصراخ ، أخذت تقبل كل إنش في وجهه وهي تضمه إلى صدرها تحاوط عليه وهي تقول :
_ حبيبي يا ابني ياريتني موت ولا شوفتك كدا يا حسان ، بردان يا ضي عيوني ، أمك هتدفيك ، متخافش ابنك في عيوني هيتربى معايا في حضني هو ده اللي هيعوضني عن غيابك ، في الجنة يا نور عيني في الجنة إن شاء الله ، أنا مش بعيط أنا فرحتلك من قلبي .
ضمته إلى حضنها وأخذت تشم رائحته وهي تبكي بقوة ، ظلت على هذه الحال بضع دقائق أخرى ، تارة تقبله وتضمه وتارة تبكي على صدره ، وهي تردد ببحه صوت ضعيفه:
_ قتلوك الانجاس دول ، ربك مش هايسيبهم هاينتقم منهم أنا واثقه ، هتوحشني كتير يا قلب أمك ، مش هنساك أبدًا ، هاجيلك على طول ، مع السلامه يا حبيبي سلملي على أبوك لحد ما اجيلكم.
دخل في تلك الأثناء أخوات حسان منفطرين من البكاء خرجت والدتهم واستندت على الحائط وهي تكبت دموعها .
وعلى مقربة منهم كانت ملك تجلس على الأرض منفطرة بالبكاء كيف ستقابله بأي وجه ؟
بعد مدة خرج أخواته وجلسوا بقرب والدتهم التي أخذتهم في حضنها وتابعوا بكائهم ، وقفت ملك توليهم ظهرها وهي تقول بدموع :
_ لا مش هقدر أشوفه.
أتى إليها هادي حيث ذهب ليحضر لها بعض العصير فوجدها تتجه له وهي تبكي وتهز برأسها تقول :
_ مش هقدر أشوفه مش هقدر آه يا قلبي .
مسح هادي على وجهه بلطف يقول :
_ معلش يا ملك ادخلي ودعيه عارف الموضوع صعب عليك بس دي آخر مرة هتشوفيه فيها راجعي نفسك .
حركت ملك رأسها برفض وهي تبكي بقوة:
_ لا مش عايزه مش عايزه .
كانت خائفة من الدخول ورؤيته شعور الذنب يقتلها.
وبعد خمس دقائق ....
نجدها تقف أمامه ترتعش وتبكي بصوت مرتفع ، وهي تتمسك بيد أخيها هادي ، اتجهت صوبه تقول بنبرة ضعيفه وهي تهمس بأذنه كلمات غير مترابطه:
_ حسان أنا آسفه آسفه كتير سامحني ، الله يخليك سامحني ، أنا حبيتك على فكره يمكن مش زي ما أنت بتحبني بس مكنتش بكرهك ، أتمنى تسامحني ، عارفه إني زعلتك كتير وموت وأنت مضايق مني ويمكن بقيت تكرهني ، سامحني أبوس إيدك ، اغفر لي غلطي في حقك وسامحني آه يا وجع قلبي عليك .
ختمت حديثها وهي تقبل جبهته بدموع ثم اتجهت إلى حضن أخيها منهارة في البكاء .
******
اليوم التالي .......
تم عمل جنازة عسكرية تليق بالشهيد حسان _ رحمه الله _ وحضر الجنازة جميع الضباط والجنود الذين تولى تدريبهم والقيادات العليا في البلد ، تقدم الوزير
يلقي كلمته وهو يتحدث عن إنجازات حسان ونزاهته وتفانيه في العمل وعن تضحيته النبيلة لإنقاذ زميل له من بين براثن العدو ، مظهرًا بسالة وشرف وشجاعة قوية وتمكنه من قتله في النهاية حتى وإن خسر حياته في المقابل .
ختم حديثه وهو يقول :
_ ادعوا له بالرحمه والمغفره.
تم تقديم وسام الشرف للسيدة أم حسان بحضور رئيس الجمهورية ، وحينما أرادوا تقديم وسام لزوجته رفضت ملك الحصول عليه فهي لا تستحقه حتى الآن لا تصدق بأنه مات نزلت دموعها بقوة وشعور بالذنب يقتلها ، مات حسان وتركها مع كذبة وأمل زائف لا تدري كيف تخرج منه ؟؟.
لعلكم تتسألون عن أحمد ، كان يجلس بجوار التابوت الموضوع فيه حسان يتحدث معه وكأنه ما زال على قيد الحياة ، وبجواره محمد ذا العيون الحمراء وضع يده على كتفه :
_ اهدى يا أحمد وأمسك نفسك صاحبك مات بطل ، اعتقد خلصوا يالا علشان صلاة الجنازة .
*******
بعد مرور شهرين على وفاة حسان ......
كان أحمد يجلس في المسجد وأمامه إمام المسجد الذي ينتظر ما سيقوله ؟ ولما طال الصمت قال هو وهو ينظر إلى ساعة يده :
_ ها يا ابني هتفضل ساكت كدا؟ ورايا كتب كتاب ، ومناقشة في المؤتمر .
ابتلع أحمد ريقه يقول بنبرة هادئة:
_ هي وصية الميت حكمها إيه ؟؟.
_ واجبة التنفيذ طبعًا .
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق