القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم تميمه نبيل حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم تميمه نبيل حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم تميمه نبيل حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

كانت تشعر بأنفاسه الدافئة على وجهها .. تستنشق رائحته الرجولية الرائعة .. شعرت بلمسات أصابعه على وجنتيها ...وهو يقترب بوجهه من وجهها ببطء ثم ....


أيقظها صوت رنين هاتفها لتفتح عينيها بحنق و هى تلعن من ايقظها من هذا الحلم الرائع .... الا أنها ما أن رأت الإسم الفذ أمامها حتى هبت جالسة فى فراشها وهى تلتقط نفسا عميقا ... ثم أجابت بصوتٍ يكاد يسحر قلوب أعتى الرجال ببحته المميزة


( نعم ...)


اجابها بصوته العميق النبرات دون مقدمات


( أمامك عشر دقائق و سأكون تحت بنايتك لأقلك معى ........)


هتفت بجذل


(عشر دقائق ؟!!!...... أنت تمزح )


رد عليها بحزم


(عشر دقائق سابين ..... ثم أصعد لآخذك كما أنتِ .....)


ضحكت بإغراء وهى تقول


( وقتها ستثير فضيحة فى العمل ........فقد أكون لا أزال ملتفة بالمنشفة )


شعرت بالسعادة العابثة وهى تسمع صدى أنفاسه المتحشرجة و التى وصلت سخونتها اليها عبر الهاتف .....ثم رد عليها أخيرا بصوتٍ أجش


(عشر دقائق سابين....)


ثم أغلق الخط دون أى كلمةٍ أخرى ....فقفزت سابين من فراشها فى لحظةٍ واحدة لتتسابق مع الزمن ... بينما الابتسامة العابثة الواسعة تغطى شفتيها الجميلتين .......


بعد عشر دقائق تماما سمعت رنين هاتفها لينبئها عن وصوله فالتقطتت حقيبتها و حذائها و انطلقت تجرى .......


أخذ ينظر اليها و هى قادمة نحوه وهى تقفز على قدمٍ واحده بينما تعدل حذاءها العالى الكعب فى قدمها الأخرى .....ما أجمل رشاقتها ...وقوامها ...إن ساقيها تذكرانه بساقى البيانو الموجود فى بيته...... وابتسامتها ..... ها هى تنظر اليه الآن ...و تبتسم ابتسامة قد تسحر قديس من روعتها .....


اخذ يراقبها تقترب منه بعد ان اعتدلت و هى تسير بطريقة عارضات الازياء ... بل و افضل منهن ايضا .... ليس من العدل ان تمتلك امراءة واحدة كل هذا القدر من السحر .......من حقها اذن ان تكون بكل هذا القدر من الأذى ......


كتم أفكاره حين فتحت الباب و جلست برشاقة بجواره ...... التقت عيناها بعينيه حاملة معها كل قدر الإغواء الذى تستطيعه .....ابتسمت و هى تشعر ببدء اقترابه منها فأغلقت عينيها مترقبة و هى ترفع رأسها قليلا لأعلى .......


(لقد اشتقت اليكِ جدا ......)


انطلقت هذه الجملة من خلفها فا نتفضت سابين شاهقة بصدمة فى نفس اللحظة التى قفزت فيها تالا مظهرة نفسها بعد ان كانت مختبئة .....


رمشت سابين عدة مرات تستوعب وجود تالا معه ....بينما كان احمد يراقبها مبتسما باستفزاز ثم قال اخيرا حين لم ترد سابين على تالا


(لقد اصرت تالا على تمضية اليوم كله معكِ فى العمل .... انها متحمسة للغاية )


لحظة ... لحظة ... ماذا ؟!!!! .... من سيمضى اليوم مع من ؟!!!.......لا.... لا .... بالـتأكيد لن يحدث .... انها لا تتحمل ان تكمل كلمتين مع اى طفل فكيف بقضاء يومٍ كامل معه .... وفى العمل أيضا ؟!!!.......


ظلت سابين صامتة تحاول التظاهر بالابتسام .... بينما هى بداخلها تغلى غضبا منه ..... انه اول يوم بعد عقد قرانهما ... كيف يفكر ؟!!!!


ابتسم بخبث ثم ادار وجهه لينطلق بالسيارة ....... بينما هى تتميز غيظا ....... و شوقا ......

.................................................. .................................................. ..............


تنهدت سما بعمق .... مغمضة عينيها ,جاثية على ركبتيها بينما تمسح برأسها على حجر ايثار والتى اخذت تمسد شعر سما بنعومة ....تنهدت سما مرة أخرى ثم همست 


(لقد اشتقت اليكِ يا أمى ..... اشتقت اليكِ جدا)


ابتسمت ايثار بسحرٍ رائع و هى تقول بدلال


(نعم اشتقتِ الي .... و الدليل انكِ منذ عدت ِ لم تأتي لزيارتي الا الآن وبعد ان طلبت انا منكِ )


اخذت سما تطبع قبلاتٍ حانية على ركبتي ايثار ... ثم همست بحزن


( انا آسفة ..... آسفة جدا أمى ..... كانت ظروفى .....صعبة قليلا )


قالت ايثار بصوتٍ اودعت به كل حزنها


( كنتِ دائما اكثر بناتى عطفا علي ..... الا انكِ تغيرتي منذ ان تزوجتِ من فارس )


ارتبكت سما ثم قالت وهى تهمس بحزنٍ عميق


(انتِ تعرفين ظروف فارس يا امى ..... انه يحتاج الى كل ما يمكننى من رعاية )


ثم تابعت بهمسٍ فيه ظل عتاب خجول


(لم تهاتفيني مرة واحدة أمى ..... كنت فى امس الحاجة اليكِ ... حاولت مكالمتك لكنك ....)


صمتت و قد اختنق صوتها بدموعها التى بدأت تترقرق فى عينيها ........ قالت ايثار بصوتٍ هامس


(هل كبرتِ يا سما و اصبحتِ تحاسبيننى ....)


اغمضت سما عينيها بعد ان سقطت منهما دمعة وحيدة على وجنتها ... وهى تحاول نسيان ايام كانت تظل ليلتها ساهرة تبكي من قسوة حبيبها عليها .... من وحدتها .... من غربتها .... و كانت وقتها فقط تهفو لكلمة من أمها .. او حتى ان تسمع صوتها حتى لا تشعر بمثل ما كانت تشعر به ...... لطالما كانت سابين هى القلب الذى تلجأ اليه دائما لكنها لم تستطع ابدا ان تستفيض فى اخبارها بما يحدث لها لمعرفتها بشدة سابين و بأنها لن تسكت على ما يصيبها فتبدأ باشعال الحرب على فارس ووالده الذى كان قادرا على سحق سابين لو عارضت مخططاته .... الوحيدة التى كانت تعلم هى امها .... وكانت تنتظرها يوما بعد يوم ليرق قلبها و تأتى اليها فى منفاها البعيد لتؤنس وحدتها .... كانت بحاجة اليها بشدة ...لكنها لم تأتِ ابدا ..... وقد كسر هذا قلبها كما كسره فارس مرارا ......


لكنها الآن ما أن ارتمت فى حضن أمها حتى شعرت بأنها قد نسيت كل آلامها و أحزانها ....


استمرت ايثار فى مداعبة شعر سما ثم قالت بصوتٍ خافت


(ان فارس يمنعك من رؤيتى اليس كذلك ؟....)


اسرعت سما بالنفى سريعا و هى لا تعلم انها لا تستطيع الكذب ابدا ..... فابتسمت ايثار برقة وهى تقول


(هل يعلم انكِ هنا الآن ؟.......)


رمشت سما بعينيها ..كما تفعل عندما تكذب دائما ....فابتسمت ايثار اكثر وقالت


(هذا ما كنت اظنه ......)


ارتبكت سما ثم قالت وهى تنظر الى ايثار


(انه لا يقصدك انتِ شخصيا .... لكنه لا يجعلنى اختلط بالناس كثيرا )


اتسعت ابتسامة ايثار و لمعت عيناها بشدة كالنجوم و هى تهمس بشرود


(يبدو انه متعلق بكِ بشدة ....)


لم ترد سما بينما شردت هى الاخرى بعيدا .... بعيدا عند حبيبها .... هل حقا هو متعلق بها بشدة .... هل باتت مهمة لديه ام انه مجرد امتلاك ...... هل يحتاجها هى ام يحتاج رعايتها .....


ظلت عيناها الجميلتان شاردتان بعيدا وهى لا ترى الابتسامة الظافرة لايثار التى تراقبها دون ان يفوتها اى تعبير خرج من قلب سما الصغيرة ....لطالما كنتِ المفضلة لدى يا سما .... لم اشعر ناحية حلا و سابين بما اشعر به ناحيتك ..... و بالتاكيد انتِ من ستنقذنى حبيبتى .....


ارتفع رنين هاتف سما لتنتفض من شرودها حين طالعها اسم فارس فارتجفت بشدة و هى تعلم عمق المصيبة التى ستلقى عليها ....ابتلعت ريقها ثم ردت عليه بهمسٍ


(ن...نعم فارس ...)


صرخ فيها من الجانب الآخر


(اين انت؟.....)


ارتجفت سما بشدة و قالت متلعثمة


(أ...أنا ....ك...كنت ....)


قاطعها صوت صراخه من جديد ليهز الهاتف فى يدها بذبذباته


(انتِ عندها اليس كذلك ؟...... اجيبينى عليكِ اللعنة .... ذهبتِ دون ان آذن لكِ ....خرجتِ دون ان اعلم ....حسابك سيكون عسيرا يا سما ...)


كانت دموعها قد بدأت فى رسم خطوطا بيضاء على وجهها و اخذت ترتعش بشدة و هى غافلة عن ايثار التى تراقبها بصمت هازىء


حاولت سما الكلام وهى تهمس


( فارس لم يحدث .....)


قاطعها كالمجنون دون ان يعطيها فرصة للكلام


(اصمتى ... دقائق و اجدك امامى ...هل تفهمين ....)


هدأت سما تماما و صمتت للحظاتٍ بينما جفت عيناها تماما ثم اخذت نفسا عميق و قد بدأت تحس باحساس غريب يسري فى عروقها ليبعث سخونة فى اعصابها .... دفعتها هذه السخونة الى القول بمنتهى الهدوء


( سأبقى ... فارس )


ساد صمتا قاتلا فى الجهه المقابلة و لم تسمع الا انفاسا هادرة تكاد تحرق اذنيها .... ثم بعد عدة لحظات سمعت صوته يأتى منذرا بهبوب عاصفة هوجاء


( ماذا قلتِ ؟......لم أسمعك جيدا ....)


ردت بمنتهى الهدوء


(قلت اننى سأبقى فارس .... أمى تحتاجنى الآن و سأعود بعد ان انتهى من مساعدتها )


ساد نفس الصمت القاتل للحظات ثم همس فجأة


(اذا لم تأتِ حالا فلا تزعجى نفسك و تأتِ ابدا .......)


صمتت هى و صمت هو ...... بعد ان القى قنبلته و التى اصابتها فى مقتل و لم تتحدث الا انفاسهما المصدومة


تمكنت اخيرا من النطق همسا


( حسنا اذن .... ان كان هذا هو قرارك )


لم يجبها .... لم يستطع .... لم يستطع ان يصدق انها سما التى تكلمت الآن ..... مالذى حدث ؟.... كيف استطاعت ان تنطقها ... ولما الآن ؟....


سنين وهو يجرحها و يدفعها دفعا لتركه ... الا انها كانت تقاتل بشراسة لتبقى بجواره مهما فعل .....فما الذى حدث الآن ؟؟.....من اول مرة ترى فيها ايثار .... تنقلب عليه لتتخلى عنه بمنتهى البساطة ....


نعم ... نعم .... ما كان يخاف منه قد حدث ... وها هى سما تتسرب من بين اصابعه .... بعد ان كانت تتشبث به كأمٍ تأبى التخلي عن طفلها .....


اغلق الهاتف دون ان ينطق بكلمة ثم اغمض عينيه و هو يشعر لأول مرة بألمٍ كاسر ينهش اعماقه .... الما فاق الالم الذى شعر به حين فقد بصره ... و الذى شعر به حين فقد حبيبته .... و اى الم شعر به يوما ما


فالتى فقدها الان هى..... سما .....


سقط الهاتف من يد سما وهى لا تشعر بنفسها الا وقد بدأت تشهق بعذابٍ لا يمكن وصفه .... اخذت تبكي وتبكي حتى سحبتها ايثار الى احضانها الناعمة و هى تمسد شعرها .... ثم همست فى اذنها


(لا تقلقى ...سيأتى اليكِ حبيبتى ... لن يستطيع الاستغناء عنكِ ..ومن ذا الذى يستطيع تركك ؟.....سيأتى بعد ان يكون عرف قيمتك فى حياته ......وحينها.......وحينها تستطيعين املاء شروطك )


الا ان سما لم تكن تسمع شىء الا صوت بكائها بعد ان انهارت فى احضان امها


.................................................. .................................................. ..................................


اخذت حلا تتسلل على اطراف اصابعها حتى وصلت الى السيدة اسراء و التى لم تشعر بوجودها بعد , الا حين شعرت بذراعين تلتفان حول اكتافها من الخلف و قبلة ناعمة انطبعت على وجنتها وصوت حلا الرقيق يهمس 


(صباح الخير سيدة اسراء )


ابتسمت السيدة اسراء ابتسامة صارمة يتخللها بعض الحنان ثم قالت


(صباح الخير سيدتى ...)


ابتسمت حلا و هى تلف حولها لتواجهها ثم قالت بصوتها الرقيق


(لقد قلت لكِ سيدة اسراء الف مرة لا احب كلمة سيدتى هذه ابدا ......انا حلا ...حلا فقط )


عبست السيدة اسراء بعدم اقتناع و هى تقول


(هذا لا يليق ابدا سيدتى ....)


تنهدت حلا بيأس من هذه السيدة التى اختارها ادهم لحمايتها .... لا تعلم من ماذا تحديدا ... فهى الآن تشعر بأنها فى احسن حالة ...لا ينقصها شىء ابدا .... تستطيع النسيان ..... بل ستعمل جاهدة على ان تنسى......


لكن اولا يجب عليها ان تجد طريقة للتعامل مع السجن الذى فرضه عليها ادهم .... و اول اركانه هو السيدة اسراء التى تعمل على استمالتها اليها منذ عدة ايام لكن باستجابة ضئيلة جدا من السيدة اسراء التى لا تعرف التهاون ابدا ...... اذن سيكون عليها التحايل ... ابتسمت بحزنٍ بداخلها .....وهى تتذكر اياما بعيدة جدا ... جدا .... كان التحايل هو لعبتها المفضلة ..... حين كانت تتحايل على سابين و تجعلها تركض ورائها فى اروقة هذا القصر و هى تصرخ من شدة غيظها .... حتى يأتى هو ..... لينقذها من مخالب سابين المتوحشة ....كان يكلم سابين دائما بلهجةٍ جافة و هو يخبرها انها هى الاكبر سننا فيجب عليها الا تخيفها بهذا الشكل ......


تذكرت مرة حين انصرفت سابين من أمامه بغضبٍ تضرب الارض بقدميها و هى تشتم بلسانها السليط ., وما ان اختفت حتى حاولت حلا الجرى هاربة من الوحش الضخم الذى يرهبها بالرغم من دفاعه عنها دائما .... الا انها شعرت به يمسكها فجأة ليرفعها عاليا حتى اصبحت عيناها تواجه عينيه .... اصابها الرعب و اخذت تتلوى لتنزل الا انه امسكها باحكام و هو ينظر اليها عاقدا حاجبيه ثم قال بقسوةٍ


(الن تكفى عن مقالبك .....) ظلت صامته مرعوبة منه بينما تابع هو بنفس القسوة (انا اعلم انكِ عبثتِ باشيائى الخاصة امس)


لا تزال تتذكر كيف اصابها الرعب وقتها و هى تواجهه العينين الرماديتين القاسيتين ...... عادت الى لحظاتها الحالية الى نفس العينان الرماديتان التى لازالت ترهبها لكن...... لكن ..... لكنها رهبة مختلفة .....اصبحتا قادرتين على اشعال النار بداخلها لتسيل دمائها كحممٍ بركانية داخل عروقها .... احمر وجهها بشدة حين تذكرت ليلتهما السابقة معا ......


عادت الى السيدة اسراء نافضة سطوته الحديثة على عقلها ......ثم ابتسمت بسحرٍ و قالت برقة


(ماذا تفعلين سيدة اسراء؟ .....)


اجابتها بأدب


( اسجل ما نحتاج اليه , و احدد مهمات زينب و أمل وهدى لأوزعها عليهم .. بينما ارى ما لم يتم انجازه بالامس لاعيد اضافته الى اعمال اليوم ....)


كادت حلا ان تتثاءب الا انها منعت نفسها فى آخر لحظة و هى تحاول التظاهر بالاهتمام مومئة برأسها ....وحين انتهت السيدة اسراء من سردها الطويل ..... نظرت الى حلا من فوق نظارتها بتركيز ثم قالت بحزم


(انتِ لم تستمعى لأي شىء مما قلته اليس كذلك ؟.... حسنا سيدة حلا انتِ تردين قول شيئا ما فما هو ؟...)


ابتسمت حلا بدلالٍ مقصود وهى تحاول استرجاع سحرها القديم وهى تقول باحراج


(آآآ.... أريد النزول الى الحديقة قليلا ...)


أومأت السيدة اسراء برأسها وهى تقول بينما تجمع اوراقها


(حالا سيدتى ....)


قالت حلا بسرعة وهى تحاول السيطرة على نفسها


( لا داعى لأن تتركى ما بيدك سيدة اسراء .... لن يحدث ما يسيء ثانية ... أعدك ...)


لكن حين رأت علامات الرفض التى بدأت فى الظهور على وجه السيدة اسراء المتصلب قالت بسرعة و هى تجلس على الكرسي المقابل لها


( سيدة اسراء ... انا اعلم ان لديكِ ابنة متزوجة من سنى .... ماذا سيكون شعورك حين ترين ابنتك مسجونة مثلي بهذا الشكل ...)


تجهمت السيدة اسراء قليلا ثم قالت بتذمر بعد لحظات


(انتِ لستِ مسجونة .... السيد ادهم قلق عليكِ فحسب ...)


حاولت حلا الابتسام الا ان ابتسامتها جاءت مرتجفة بينما قلبها يصرخ عاليا من القلق وهى تقول بتلعثم


( هل ... اخبر...هل قال لكِ ...اى ...)


قاطعتها السيدة اسراء قبل ان تكمل


(لم يقل سوى انه يخاف عليكِ بشدة ...)


ابتسمت حلا بضعف و هى تفكر فى هذا الوحش الرقيق الذى يأبى ان يطلق سراحها .... اصبحت الآن فى الخامسة و العشرين و سيظل هو كظلها دائما .... حتى دون ان يكون موجودا ........


همست حلا اخيرا بضعفٍ يمس القلب


(انت لن تدعيننى اخرج وحدى ابدا اليس كذلك ؟......)


تنهدت السيدة اسراء ثم قالت باستسلام


(اسبقينى انتِ .... حتى اذهب لاحضار الافطار للسيد فارس ..و الاطمئنان عليه كما طلبت منى السيدة سما قبل ان تغادر..... فهو لم يتوقف عن ركل الجدران منذ الصباح الباكر )


ابتسمت حلا بسعادة مشرقة للمرة الاولى منذ ان عرفتها السيدة اسراء ...ثم قامت من مكانها بسرعة لتطبع قبلة ثانية على وجنتها و ابتعدت تكاد تجرى الى الحديقة بسعادة جعلت السيدة اسراء تعبس و هى تتسائل ... هل رفقتها مملة الى هذا الحد ......


لكن بعد لحظة من عودتها لاوراقها رفعت رأسها و هى تفكر ..... لماذا لا أشعر بالارتياح ...... اشعر ان اعصارا على وشكِ الهبوب مطيحا بالاخضر و اليابس .....وانا قلبى لم يخذلنى من قبل ابدا .....


الفصل الثالث عشر (2) 


قتربت منه ببطءٍ و هى تكاد تضحك من منظره و هو يرقص نفس رقصته الغبية .... مغمضا عينيه واضعا السماعات باذنيه ,منعزلا عن العالم كله .... لكنها الآن وهى قربه انه لا يرقص فقط بل يغنى اغنية غربية ... بصوتٍ اقل ما يقال عنه ..... انه الصوت الاكثر نشازا من بين الاصوات ....


ظلت واقفة خلفه تضحك و هو يروى الجزء الذى يقف فيه بالخرطوم و هويراقصه فى نفس الوقت .... ثم فجأة دار دورة سريعة و هو لا يزال يرقص مغمضا عينيه فاغرقتها المياه الباردة جاعلة اياها تشهق بصدمة عالية من برودة الماء ....فقفزت يمينا و يسارا لتتفادى الماء وهى تصرخ به ان يتوقف الى علا صوتها عن صوت الانغام الصاخبة فى اذنيه ..ففتح عينيه و احتاج لحظة ليستوعب ما فعله ..فترك الخرطوم على الفور و ازاح السماعات عن اذنيه ... وظل واقفا امامها لحظة لا يدرى ماذا يقول .... حتى انفجرت ضاحكة فجأة و هى تمسح الماء عن عينيها ....ابتسم من ضحكتها الرائعة وظل لحظاتٍ قليلة مستمتعا بهذه الضحكة الناعمة .... ثم قال اخيرا


(صباح الخير يا حلا ....)


توقف عن الضحك ببطء و هى لاتزال تشهق ثم تمكنت اخيرا من القول بعبوسٍ زائف


(صباح الخير يا هلال .... على فكرة انت احمق !!)


اتسعت ابتسامته ثم قال بسعادة


( انا اعتذر حقا ... لم اشعر بوجودك )


ابتسمت برقة تذيب القلب ثم قالت بهدوء


(هلال ... اردت ان اخبرك بشىء منذ فترة طويلة ............ انت ترقص بشكلٍ فاشل )


ضحك بخفة وهو يقول (اعلم هذا ..... انا لست اعد نفسي لمسابقة رقص )


قالت تبتسم (اذن لماذا ترقص ؟......)


اجابها بهدوء (لاننى احب ذلك ....)


قالت حلا (وهل تفعل كل ما تحب دون ان تهتم باحد ؟.......)


اجابها بخفة (ولما اهتم باى احد ؟......المهم ان افعل ما يرضيني )


خفضت عينيها تشعر بقرب دموعٍ آ تيه من اعماقها ... الا انها هزت رأسها قليلا و هى تهمس بداخلها ....سأنسى ...سأنسى ... حياتى رائعة و مكتملة ..... سأنسى ....سأنسى


راقبها وهو يشعر بتصارع غريبٍ للانفعالت على وجهها البرىء الذى لا يخفى شيئا مما بداخلها .....و لا يدرى لماذا يشعر بشعورٍ غريب يتملكه ... يريد ان يستحثها لتصرخ .... فقط ان تصرخ بصوتٍ عالى ....يشعر انها ستكون بخير ان فعلت هذا ...... لا يعلم لما يخبره احساسه بهذا ......


ظل ينظر الى شعرها الطويل المتطاير حولها بهمجية متناثرا فى كل مكان ...... يا الهى ما اجمله انه يلمع كالذهب رائحته الناعمة تصل الى انفه لتداعب قلبه .....


قال لها فجاة دون مقدمات (ماهو لون عينيكِ حقا ؟.....عسليتان ام خضراوان)


ارتفعت عينيها المتسعتين بدهشة اليه و هى لا تعلم ان كان من المناسب ان يسال مثل هذا السؤال ..... الا انها شعرت بداخلها انه يبدو شخصا لطيفا لا ضرر منه .....ظلت صامتة مترددة ... فقال هو بعد لحظات


(انهما مزيجٍ غريب بين اللونين ... لكن يتغير تمازجهما بتغير ما تشعرين به )


ظلت تنظر اليه فاغرة فمها قليلا .. ثم رمشت بعينيها و هى تقول محاولة تغيير مجرى الحديث بينما هى ترتجف قليلا


( لقد اخبرتني ان بامكانى زراعة ورودي الخاصة ....)


لمعت عينيه لحظة ثم قال (بالتاكيد تستطيعين ........ لكن اولا اذهبي لتغيير ملابسك المبتلة ....لا نريد ان تصابي بنوبة رئوية )


نظرت الى نفسها فذعرت من منظر ملابسها الملتصقة بها فاستدارت بسرعة لتجري و هى تقول


( لحظاتٍ و اعود لن اتاخر ....)


و انطلقت عائدة الى القصر و هى تتسابق مع الوقت لتعود الى حوض الورود الذى يكون لها فيه وردة باسمها قريبا ....


كانت تنزل درجات السلم بسرعة لتعود الى الحديقة بعد ان بدلت ملابسها .... لكنها اصطدمت بالسيدة اسراء فى طريقها ....فحاولت الكلام الا ان السيدة اسراء سبقتها الى الكلام وملامح القلق تبدو عليها


(السيد فارس .... فى حالة فظيعة لقد حطم كل ما بغرفته ...انه يبدوعلى وشكِ ارتكاب عملا متهورا ....)


لم تكد تكمل كلامها حتى وصلت الى اسماعهما صوت لعناتٍ و صراخ ... رفعت حلا و السيدة اسراء انظارهما الى اعلى السلم ليجدا فارس يحاول نزول السلم وهو فى حالة من الهمجية و الوحشية مما جعل منظره مرعبا بملابسه المشعثة و لحيته النامية اكثر من المعتاد و عيناه الحمراوان المتسعتان بوحشية تطل منهما ... نزل عدة درجاتٍ بتعثر فسارعت السيدة اسراء الى الصعود مرة اخرى حتى وصلت اليه لتحاول مساعدته الا انه دفعها حتى اوشكت على الوقوع ..... بينما هو يصرخ


( سأذهب لآتى بها ..... حتى لو اضطررت لأن اجرها من شعرها )


تمكن من نزول درجات السلم مرورا بحلا التى ما ان اقترب منها و هو بحالته الشرسة حتى صرخت مبتعدة عن طريقه دون ان تحاول مساعدته ....


لكنها استطاعت القفز جريا الى غرفتها لتتناول هاتفها و طلبت ادهم باصابعٍ ترتجف و ما ان اجابها حتى استطاعت بالكاد النطق ببعض الكلمات المتعثرة و هى ترتجف بشدة من الرعب الذى حاق بها منذ لحظات و تحاول فى نفس الوقت التقاط انفاسها بصعوبة و هى تشعر بالدوار يحيط بها و يجمع سحابة سوداء على ادراكها .....لكنها استطاعت سماع صوته الصارم و هو يتخلل الضباب المحيط بها ..


( حلا .... حلا ....استمعى الي جيدا .. حاولى اخذ نفسا عميق حالا ... لا داعى للذعر حبيبتى ... انا تحركت منذ ان تكلمتِ لحظات و سأكون عندك .... فقط خذى نفسا عميقا ببطء ....و لاتتحركى من مكانك ...ابقى مكانك يا حلا هل تسمعيننى حبيبتى ...)


ظلت ترتجف بشدة و هى تهمس بغير وعى


(سيقتلها... ستقفز من النافذة ... لو ...)


وصل اليها صوت ادهم و قد بدأ يعلو محاولا اقتحام الحواجز التى تبنيها بسرعة على حواف ادراكها


( حلا ... لا تخافى حبيبتى انا هاتفت حارس المدخل الآن و سيمنعه من الخروج الى اى مكان ..... خذى نفسا آخر و ابقي معى على الخط حتى اصل اليكم ...)


استمرت المكالمة بينهما ... من طرف ادهم فقط الذى اخذ يبعث اليها بكل الكلمات المهدئة التى تعلمها يوما .... اطمئن قليلا الى ان صوت انفاسها اخذ يهدأ تدريجيا بالرغم من انها لم تتكلم ... المهم الا تقوم بعملٍ متهور ...اللعنة يا فارس متى ستتعقل ...حتى الاطفال لا يتصرفون مثلك ....


وصل ادهم الى بوابة القصر ....لكنه لم يرى اى مما توقعه من قتالٍ بين فارس و حارس المدخل ... بل كان الهدوء المقلق يسود المكان ...ما ان دخل بسيارته حتى استقبله الحارس ... فسأله ادهم عن فارس ... اشار الحارس برأسه بعلامة ذات مغزى الى باب القصر فوجد ادهم فارس جالسا على السلالم الرخامية للمدخل بينما اغرق رأسه بين كفيه ...... فما كان من ادهم الا ان دخل بسرعة وهو يعيد الهاتف الى اذنه و يقول بهدوء


(لقد وصلت يا حلا .... فارس لا يزال هنا و لقد هدأ تماما ... اغلقى الخط الآن حبيبتى ... دقائق فقط و أكون عندك ....)


لم يغلق حتى سمع صوت تنهد ناعم من حلا ثم سمع همستها اخيرا


( الحمد لله ..اخيرا)


بالرغم من كل قلقة على فارس و كل الضغوط التى يعانيها ... الا ان همستها كانت لها تأثيرها عليه اشد من تأثير كل كلام الغرام الذى سمعه يوما ... ولم يشعر ان ظل ابتسامة ظهرت على شفتيه .....


وصل الى فارس ... الذى لم يرفع رأسه ... فجلس ادهم بجواره على السلالم و ناداه بهدوء ... الا ان فارس لم يرد و لم يرفع رأسه .. فمد ادهم يده ليربت على كتف فارس و هو يناديه مرة اخرى .... ظل فارس صامتا عدة لحظات ثم قال اخيرا بصوتٍ مهزوم


( لم استطع الوصول الى بوابة القصر يا أدهم ..... ظللت ادور و ادور و لم استطع الوصول اليها ....)


شعر ادهم بتمزق قلبه و لم يستطع الرد على فارس و هو يراه بمثل هذا الانكسار .... لحظاتٍ وصرخ فارس فجأة


(لما ستبقى معى ؟......اخبرنى يا ادهم ما الذى سيجعلها تبقى معى... )


رد عليه ادهم بصوتٍ هادىء واثق


( ستبقى لأنها تحبك ....)


ارتسم الألم بكل صوره على وجه فارس الذى اغمض عينيه ... ثم قال بعذاب


( تحب رجلا ... ظلت طوال معرفتها به تقوده من مكان لآخر ......)


قال له ادهم بعنف ( لا تكن اعمى يا فارس .... الا تستطيع ان ترى حبها لك ... ان كنت لا تراه فانت فعلا اعمى ...)


ظل فارس صامتا يحاول تصديق ما يراه الجميع و يشعر به فى داخله ..... لكن ان كانت تحبه فلما ليست هنا الآن بجانبه ....قال اخيرا لأدهم بعنف


( لقد اختارت البقاء مع ايثار يا ادهم ..... من أول مرة تذهب اليها .. اختارت البقاء معها ...الحقيرة التى لم تأتى مرة لزيارتها )


اقشعر جسد ادهم و نبض الغضب برأسه حين سمع الاسم الملعون .... الاسم الذى دمر حبيبته شر تدمير لا يعلم كيف يصلحه الى الآن


قال له ادهم يصرخ بصوتٍ خافت حتى لا يفقد اعصابه


( وهل ستتركها لها .... هل ستتركها يا فارس ... اياك ... هل تسمعنى ... اياك ان تقع فى نفس الخطأ الذى وقعت انا به حين تركت حلا ..... هل ترى كيف اصبحت حلا .... هل تتخيل ما الذى ممكن ان تفعله بسما ... والتى ستكون املها الوحيد الآن فستفعل كل ما فى وسعها لتستطيع السيطرة عليها ....)


صمت ادهم قليلا يحاول التقاط انفاسه بعد الغضب الاعمى الذى اطاح بعقله ... ثم قال بهدوءٍ صارم


( لقد قامت سما برعايتك طوال الفترة السابقة يا فارس ..... لقد آن الآوان لأن ترعاها انت الآن ... )


هدر فارس و قد انتقل غضب ادهم و خوفه اليه على سما الصغيرة


( هذا ما كنت انويه يا دهم ... كنت اريد الذهاب لآتى بها .... ولو بالقوة ...)


تنهد ادهم بنفاذ صبر وهو يقول حانقا


( لا تكن احمقا .... الا تتعلم ابدا ....سما لن تأتى بالقوة ابدا ....تغلب على ايثار يا فارس .. لا عطها الفرصة ابدا ...)


ظل فارس صامتا للحظات ثم قال اخيرا بتصميم


( ادهم هل تقلنى اليها ؟....)


ابتسم ادهم برفق وهو يقول


( بالتاكيد ... لن ندع سما لها ولو لليلة واحدة ....)


صمت لحظة وهو ينظر لاعلى ثم قال


( سأصعد لأطمئن على حلا قبلا .... لقد اثرت رعبها .... فارس سأحطم اسنانك لو اخفت حلا مرة اخرى ....)


ابتسم فارس شبح ابتسامة و هو يقول


( ومن الذى يجرؤ على الاقتراب من زوجة وحش آل مهران .....)


ابتسم ادهم و هو يصعد بسرعة الى حبيبته ... وهو يفكر .. فليفكر اى احد من الاقتراب من زوجة الوحش لينتهى عمره .......

.................................................................


رن جرس الباب فى شقة سابين ... فذهبت سما بتعب الى الباب و هى تتسائل ان كانت سابين قد نسيت مفتاحها .... لكن ما ان فتحت الباب حتى تسمرت مكانها و فتحت عينيها المتورمتين من شدة البكاء و نسي قلبها ان يخفق عدة مرات و هى ترى عشقها الوحيد وسبب عذابها واقفا امامها شامخا كفارسٍ مغوار اتى ليخطفها على حصانه ... ما هذه الابتسامة التى تغمر وجهه ... هل جاء ليجرحها ... هل جاء ليلقي الكلمة القاتلة ليغتالها بها بعد مافعلته صباحا ....هل جاء ل.... كيف جاء اصلا ؟.... قاطع صوته الهامس الحازم افكارها اللاهثة و هو يقول 


(ياسمينااا.....)


اصابها الاسم فى مقتل ليعيد تمزيق جروحها فصرخت و هى غير قادرة على التحمل اكثر


(انا لست ياسمينا يا فارس .... انا سما ... اسمى سماااا ... اذهب الى ياسمينتك.. هى ليست هنا )


انفجرت فى البكاء بعد انفجارها المجنون و الذى جعل عينيه تتسعان بدهشة من كلماتها المجنونة ثم تلمعان بشدة بينما انفاسه تتسابق للخروج من صدره فهمس اخيرا


( لكن انتِ هنا يا سما .... وانا لن اذهب بدونك ....)


توقفت عن البكاء تماما وهى ترى العزم على وجهه بينما عيناه تلمعان بشدة .. لكنها ابت ان تستسلم فقالت بهمس


( لكن انا مصممة على المجىء لمساعدة امى .....)


لم ينفعل لدهشتها و لم يظهر على وجهه اى تعبير حتى قال بهدوء


( لن امنعك عنها ... ستأتين لمساعدتها .... طالما ستعودين معى فى النهاية ...)


لم تصدق ما تسمعه ... ما الذى حدث له منذ الصباح الى الآن ... الا انها لم تستغرق سوى لحظة واحدة لتفكر فى الامر ثم قالت اخيرا


( دوما سأعود معك يا فارس .....)


تحرك الى الامام فى خطوة واحدة الى داخل الشقة دافعا سما للخلف بينما اغلق الباب خلفه ... ثم فى اللحظة التالية جذبها اليه مودعا كل انفعال هذا اليوم المجنون فى قبلته التى سحق بها شفتيها ......بينما طوق خصرها بذراعيه الحديديتين ليرفعها اليه قليلا ....... ارتفعت ذراعيها تلقائيا لتحاوطا عنقه بلهفة وهى تجاوب قبلته العنيفة بقبلاتها الناعمة حت كاد ان يفقد صوابه .....


(انا آسفة ..... انا آسفة ....) اخذت تهمسها بين شفتيه مرة بعد مرة حتى تأوه و هو يشدد من ضمها اليه ثم همس على بشرتها الناعمة


(هيا يا سما الآن حالا .... اريد ان اكون معكِ وحدنا ....)


(ما اجمل هذا .....) انطلقت هذه الجملة من خلفهما بصوتٍ مبحوح جعل ذراعى فارس تتصلبان حول سما فى حين تشنجت عضلاته وهو يرفع رأسه عن سما ببطء........


احمر وجه سما بشدة و حاولت التملص من بين ذراعى فارس الا انه كان كالقيد الحديدي حولها فأبى تركها مما ضاعف من احمرار وجهها فحاولت على قدر ما استطاعت ان تبتعد قليلا ثم قالت


( امى لقد جاء فارس ليأخذنى معه الآن ... لكننى سآتى اليكِ باستمرار )


قالت ايثار بصوتها الخافت الساحر


( اذن فقد رضى فارس عنى اخيرا ........رائع حبيبتى )


قال فارس لسما بهدوء محاولا عدم الانفعال


( اذهبى و جهزى نفسك يا سما لقد تأخرنا على ادهم هو ينتظرنا فى السيارة )


قالت سما بعد ان تركها فارس وهى قلقة من الجو المتوتر حولها


( فقط لحظة ... لن اتأخر ...)


وما ان اختفت حتى قالت ايثار بصوتها المخادع


(لقد مر وقت طويل منذ رأيتك آخر مرة يا فارس ....)


قال لها بسخرية ٍ حاقدة


(منذ يوم زواجنا انا و سما ....... كما لم تري سما من وقتها )


ردت عليه بهدوءٍ قاتل


( كنت مطمئنة من انها تحت رعايتك .....)


لم يفته تشديدها ال خفى على كلمة رعايتك .....الا ان ملامح وجهه المتصلبه لم تظهر اى شيء من حقده الدفين نحوها ثم قال اخيرا بهدوءٍ يماثل هدوءها


( على العموم ... سوف تجديننى امامك باستمرار .... فانا وسما لا نفترق طويلا ....)


ابتسمت ايثار ثم همست ( ان هذا يسعدنى بالتأكيد ......)


جاء صوت سما وهى تكاد تجرى من شدة لهفتها للعودة مع فارس ( انا جاهزة ..... )


مد فارس ذراعه فاتجهت سما اليه بتلقائية لتتعلق به و هى تقبل امها ثم ينطلقان معا ...... تاركين خلفهما عينين زرقاوين داكنتين تشتعلان نارا .....

.....................................................................

غمضت سابين عينيها و هى تحاول السيطرة على حنقها الشديد بينما تنقر بظهر قلمها على سطح مكتبها محاولة التركيز على الاوراق امامها .... الا ان صرخة اخرى من تالا جعلتها تزفر بغضب ثم قالت بحدة 


( تالا .... كفى لا استطيع التركيز ابدا )


ضحكت تالا بمرح ثم قالت


(الن تكفى عن هذا العمل الممل ....لن يغضب منكِ ابي ...هو اراد منكِ ان تجالسيننى , قال ان هذا سيكون عملك الاهم ...)


رفعت سابين رأسها تحاول ان تستوعب ما سمعته ... ثم قامت من مكانها ببطء و اتجهت الكرسي المقابل لمكتبها و جلست امام تالا لتسألها ببطءٍ خادع


( اعيدي الي ماذا قال والدك ؟........)


قالت تالا ببراءة وهى تؤرجح ساقيها بسعادة


(قال ان هدفك الاول سيكون الاعتناء بي ........ولن يشغلك عملك عنى ابدا ....)


لم تتغير تعابير وجه سابين و لم ترمش حتى بعينيها ثم حاولت استدراج تالا اكثر وهى تقول


( وماذا قال والدك عنى غير ذلك ؟..........)


ابتسمت تالا بخبث و ترددت مماجعل اعصاب سابين تحترق اكثر ... ثم قالت تالا


( حين قلت له انكِ تبدين ..... اقصد انكِ لستِ كصورة امى ....)


استحثتها سابين اكثر بابتسامة تسحر اى طفل


( ماذا قال تالا ؟........ سيكون هذا سرنا الخاص )


اتسعت ابتسامة تالا بسعادة و قد وقعت فى الفخ بسهولة فقالت


(قال ...انه ليست هناك من هى مثل امى ابدا .....)


رجعت سابين الى ظهر الكرسي ببطء بينما شعرت فجاة ببركانا من الغضب طاف فى اعماقها ... مالذى يحدث لها ؟..... كيف ان كلمة ساذجة من طفلة سخيفة تقلب كيانها الى هذا الحد ..... انها كلمة طبيعية منه لطفلة يتيمة نسيت امها ..... لكن لماذا هذه النيران المشتعلة فى اعماقها .....هل حقا هذا ما يراه ....


قالت سابين بنعومة ( اخبريني يا تالا هل أمك جميلة ؟........)


ردت عليها تالا بحماس ( انها رائعة الجمال .........)


شعرت سابين بالتحفز اكثر و اكثر ..... ثم قالت مرة اخرى و هى غير قادرة على التوقف


(و هل والدك ........)


( ماذا به والد تالا ؟.............)


انبعث هذا الصوت العميق الذى اعتاد ان يرسل الذبذبات الى اعماقها من باب مكتبها ..... راقبته سابين و هى ترفع حاجبها الايسر قليلا من منظره الضخم الرائع و هو يدخل الى المكتب كبطلٍ من الابطال بينما عيناه تجريان عليها بشغفٍ اثارها فى الحال


وصل اليهما بينما قفزت تالا لتتعلق به ....ثم قالت سابين بصوتٍ كصوت القطط الناعمة


؛(لقد وصلت اخيرا .....)


ابتسم احمد بخبث و هو ينظر اليها بشغف ثم قال


(هل تأخرت عليكما ......)


ردت سابين بابتسامة ساحرة زائفة وهى تهمس


( لا ....ابدا .... فقط اليوم كله تقريبا .....)


اجابها احمد و هو ينظر الى تالا المشعة من السعادة و المرح


( هل سببت تالا لكِ اى ازعاج ؟........)


نظرت تالا الى سابين منتظرة اجابتها .... بينما ظلت سابين صامتة عدة لحظات ثم اجابت


( لم يكن هناك ازعاج على الاطلاق ...... فهذا هدفى الاول ....)


نظر احمد الى تالا بعتابٍ مازح ثم قال اليها


(حسنا ايتها الواشية الصغيرة ....... يمكنك النزول للعب فى قسمك المفضل حتى نأتى و نصطحبك ....)


انطلقت تالا تجرى الى الباب و هى تلوح لسابين قائلة ( لا تتأخرا .....)


لوحت سابين الى تالا بصمت ثم قامت من مكانها لتعود الى كرسي مكتبها وتقول بعملية


( امامك القليل من الوقت لتنجز اعمال اليوم معي .....)


عبس احمد و هولا يزال مبتسما ثم سار حتى وصل الي سابين التى تتظاهر بتجميع اوراق العمل بينما كل اعصابها تلتهب من وجود هذا الكائن المفرط فى الرجولة و الذى يطل عليها من علو .... ثم لم يلبث ان انحنى عليها و همس فى اذنها


( يبدو ان الجميلة غاضبة مني .....)


لم يظهر اى انفعال على وجه سابين وهى ترد عليه ببرود


(ولما اغضب سيد احمد ......)


ضحك احمد ضحكة مغوية تغلغلت الى اعماقها لتقلبها رأسا على عقب ثم استقام و هو يقول


( حسنا آنسة سابين احضرى الاوراق و تعالي الى مكتبي ........)


ثم سار مبتعدا الى مكتبه وما ان اختفى حتى ابتسمت سابين ابتسامة ساحرة بينما قلبها ينتفض ثم سارعت الى لملمت بعض الأوراق دون ان تأخذ حاسبها .... فالعمل ليس فى تفكيرها حاليا ......وهما بالتاكيد لن يضيعا وقتهما فى شىء ممل مثل العمل .....


سارت الى مكتبه و دخلت بهدوء لتراه جالسا على كرسيه ..... شعرت باحساسٍ غريبٍ عليها من حنان لم تشعر به سوى تجاه شخص واحد فى حياتها و هى تراه يسند رأسه الى كفيه و قد بان عليه التعب ......


سارت بهدوء هى تعلم انه يسمع نغمة كعبي حذائيها العاليين .... التفت حول مكتبه ووضعت الأوراق عليه بلا مبالاة .... ثم دارت حول كرسيه لتصبح خلفه وهى تضع يديها على كتفيه و تبدأ فى تدليكهما ..... شعرت في البداية بعضلاته تتشنج تحت اصابعها ثم استرخى تماما وهو يتأوه بصوتٍ خافت ..... ظلت دقائق طويلة تمسد عضلات كتفيه و تصعد اصابعها الى عنقه .......بينما شعرت بأن صوت انفاسه بدأ يعلو قليلا مما جعلها تبتسم .......الا ان الابتسامة لم تلبث الا ان اختفت و حلت محلها الصدمة حين سمعت سؤاله الفظ دون حتى ان يرفع رأسه


( هل كنت ِ تفعلين ذلك مع مازن ؟.......)


تركت اصابعها اكاتفه فى لحظة ٍ و كأن نارا احرقتها بينما تصاعد الغضب فى داخلها كالاعصار .......ثم لم تلبث ان ابتعدت تنوي الخروج الا انه لم يسمح لها سوى بالتحرك خطوة واحدة قبل ان يرفع رأسه و يمد يديه الحديديتين ليمسك بها من خصرها و يجذبها الى حجره رغم مقاومتها الواهية


صرخت سابين به وهى تتلوى (اتركني احمد ......)


رد عليها بصرامة وهو يحكم امساكها (ليس قبل ن تجيبينني .....)


كفت عن المقاومة و هى تنظر اليه بشراسة ثم قالت بعنفٍ كنمرة ( لقد اتفقنا الا نذكر اسم مازن بيننا ابدا ......)


رد عليها بنفس الشراسة وهو يشدد على خصرها بيديه ( اجيبيني سابين ......)


اخذا يتنفسان بسرعةٍ كمصارعان فى الحلبة و عيناهما لا تحيدان عن بعضهما البعض .... ثم قالت سابين اخيرا


(وهل ستصدقني ........)


اجابها بكل ثقة ( نعم سأصدقك ......) اصابتها كلمته البسيطة فى الاعماق فهى تقريبا لم تسمعها من غيره قبلا .....


ردت عليه بعد عدة لحظات بمنتهى الوضوح ( لم يلمسني مازن يوما و لم المسه انا ايضا ......)


ظل ينظر الى اعماق عينيها دون ان يظهر عليه انه سمعها .... ارادت ان تعيد ما قالته الا انه لم يمهلها فمد يده و سحب نظارتها من على عينيها ليرميها على سطح مكتبه بإهمال .....ثم يمد نفس اليد ليجذبها من ذقنها اليه و يلتهم شفتيها بشفتيه .......غابت عنهما الدنيا .... وغاب عنهما مازن كأنه اصبح شخصا وهميا ......


نزلت اصابعه بعد عدة لحظات من الجنون الى عنقها تلامسه برقة ثم تابعت نزولها .... وما ان شعرت به يحاول العبث بأول ازرار قميصها حتى ابعدته بسرعة و هى تلهث .....ثم قالت بصوتٍ مرتجف


( لقد نسينا اين نحن .........)


رد عليها بصوتٍ عميق بينما صدره يعلو و يهبط ( لقد انسيتني نفسي......)


ابتسمت برقةٍ بينما تشعر بداخلها بأعاصير السعادة .... احمد مهران بنفسه يطلق هذه الجملة ... شعرت فى هذه اللحظة بأنها مدت يدها و استطاعت لمس نجوم السماء ..........


.................................................. .................................................. ............................


كانت خرافية ..... اسطورة .... اسطورة اغريقية قديمة ..... ساحرة خرجت من كتب الاساطير ... لم يكن هناك عروسا وجدت اكثر منها جمالا وسحرا .... خطفت اليها الأنظار و سبت القلوب بروعتها ....و تعالى الهمس من حولهما و هو يراقصها و هى بفستان زفافها .......كان المكان مظلما نوعا ما ... لا يضيئه الا انوارا ضعيفة اظهرت روعة العروسان وهما يرقصان على انغامٍ ناعمة


همس و فمه يلامس اذنها ؛( لا أصدق اننى امسك شيئا بهذه الروعة بين ذراعي .......)


رفعت نفسها لتلامس فكه الصلبة بأنفها و هى تستنشق رائحه التى اسكرتها.......بينما اخذ هو يضمها اليه اكثر غير مبالي بنظرات مئات المدعوين فى هذا الزفاف الأسطوري ....


بعد لحظاتٍ لا تعلم ان كانت طويلة ام قصيرة شعرت به يتصلب بين ذراعيها و هو يرفع رأسه و ينظر خلفها .... لكن قبل ان تستدير سمعته يقول بصوتٍ اجش ...


(اذن فقد تمكنتِ من الحضور ؟..........)


التفتت سابين تنظر خلفها لترى امرأة مهيبة ... وقورة تبدو عليها العظمة وآثار جمالا قديم ابى ان يفارقها .......ثم سمعتها تجيب بصوتٍ مهيبٍ خلاب تتذبذب فيه رقةٍ تأسر الروح


( لم اكن لافوت زفاف ابني الوحيد ......)


صدمت سابين تماما حين وجدت نفسها امام والدة احمد مهران و عمة ادهم وفارس .... كان هناك لهذه السيدة روعة خفية تجعل من يقف امامها يفقد القدرة على النطق او التحرك فى محرابها .......ثم همست السيدة المذهلة


( كما اننى كنت اتحرق شوقا لرؤية عروسك الجميلة ......)


اقتربت اكثر من سابين .... ثم مدت اصابعها لتتلمس وجه سابين بنعومة ٍ افقدتها القدرة على النطق و هى ترى ملامح السيدة المأسورة بها .......و التى همست اخيرا


(قال الجميع انكِ نسخة من أمك ....... الا اننى الآن ارى صلابة والدك تنبعث من داخل عينيكِ ......)


اتسعت عينا سابين و هى تهمس (أبي.......)


بينما لم ترى الملامح الشيطانية لأحمد من خلفها ...............................

الفصل الرابع عشر (1) 


كان اليوم منذ الصباح الباكر , يوما مشحونا متوترا لدى الجميع .... بل قد يكون يوما لمثار فضول و احاديث البلدة لها .... فاليوم زفاف احمد مهران من امراءة شديدة الجمال تدعى سابين الراشد ... لمن لا يعرفها ....

الجميع ينتظر حفلة الزفاف الأسطورية فى المساء ..... حفلا تم الاعداد له بمعجزة خلال ايام معدودة .... فستان زفاف تم طلبه من الخارج ليأتى للعروس على جناح السرعة ..... الوردود و الطعام تم توصيلهم صباحا من الخارج ايضا .....

الجميع على احر من الجمر يتنظرون حلول المساء لحضور هذا الحلم ... . من لا يعرفها يتسائل من هى وهل هى على هذا القدر من الجمال الذى يحكى عنها ..... ومن يعرفها يمط شفتيه ليتسائل كيف استطاعت ان تسقطه بهذه السرعة و السهولة وهى التى لا تحمل نفس الاصل و النسب .... مجرد موظفة فى مجموعته حتى وان كانت تملك سلطة اكبر من حجمها فى المجموعة فمهما كان ستظل موظفة و من عائلة الراشد .....

ومن يعرف انها ابنة ايثار الراشد تحديدا ...... يصدم صدمة عمره من قدرة الابنة على الايقاع بالمارد بعد ان اوقعت امها بالامبراطور .....و من يعرفهم جيد ... لا يندهش كثيرا ... فهذه هى الحلقة الناقصة فى سلسلة وقوع رجال مهران فى فخ ثلاث فتيات ... هن بنات زوجة الامبراطور .....

مشاعر مختلفة لدى قلوبٍ عديدة من اثارة... فضول..... غيرة ....و قد تكون حقد..... الان المشاعر الايجابية التى تحمل فرحا صادقا قد تكون منعدمة ..... اللهم الا صغيرة جميلة اسمها سما .... وطفلة لا تختلف عنها كثيرا اسمها تالا .......

و هذا الصباح....... فى قصر آل مهران كانت المشاعر المشحونة على أشدها ............

............. .................................................. ..................................

( لا أريد الذهاب يا ادهم ..... أرجوك )

خرج صوتها الرقيق يحمل نعومة ٍ محتالة.......تجعل قلبه يشتعل نارا وتثير فيه همجية الرجل البدائى الذى يرغب فى الانقضاض عليها و التهامها كلها دفعة واحدة ........

نظر اليها و هى مستلقية على صدره كقطةٍ بيضاء ناعمة ....... ما اجمل الاستيقاظ وهى بين ذراعيه ......لقد اغرقها ليلة امس فى بحر مشاعره الهوجاء مرارا ..... حتى خاف عليها اخيرا و قرر تركها ....

منذ ان استسلم لها و استسلمت له تلك الليلة و هو لا يكتفى منها ابدا ...... اصبحت تجري فى عروقه و تتداخل مع انفاسه ....الا ان هناك فى داخله همسا يطل برأسه القبيح ليسأله ان كان ما يفعله صحيحا او ان استسلامها المطلق له طبيعي .....

شعور من تأنيب الضمير يمزقه .... فهو ينهل من نبع السعادة معها...... او بالاصح منها , و يؤجل الأمر المحتوم الى ان يشبع منها ... الا ان الظاهر امامه انه لن يشبع منها ابدا .... فالى متى سيؤجل علاجها ........

لو كان الأمر يقتصر على كوبيسها ليلا .... وعلى الذعر الذى ينتابها فى الكثير من المواقف المخيفة بالنسبة اليها ..... لكان حاول ان يخدع نفسه ......

الا ان ما يقلقه هو انها أحيانا كثيرة تنسى بعض التفاصيل من الانهيارات التى تصيبها ..... احيانا اخرى تهذى بكلمة ٍ او بأخرى دون ان تدري .... كحين اتصلت به و هى فى حالة ذعر من غضب فارس ..... اعتقدت ان سما ستقفز من النافذة حين تواجهه غضبه ......لكن حين ذكرها بما قالته , انكرت تماما .......

لكم هو خائف عليها .... يذهب الى عمله كل يوم تاركا روحه بجانبها تحرسها من أشباحها ....... هل من الممكن ان تؤذى نفسها ؟...

لا يظهر عليها ذلك , فهى تبدو و كأنها تحاول استجماع قطع حياتها المكسورة تحاول جاهدة ان تعود لإشراقها القديم .... تحاول رسم ابتسامة ترميم على شفتيها باستمرار ....... تحاول ان تسعده .....آآآآآه ولكم تسعده .... لا .... انها تلقيه فى فوهة بركانٍ من البهجة و السعادة ...... لو مات من نوبة قلبية قريبا , فستكون هى السبب بالتأكيد ......

عاد يتطلع اليها مبتسما و هو يقول بحزمٍ يداخله الضعف من دلالها الماكر عليه 

( بل سنذهب يا حلا ...... لن يكون من اللائق ابدا الا نحضر زفاف احمد مهران )

اخذت حلا نفسا عميق و هى تحاول عدم الاستسلام 

( اذهب انت ...... فلست انا من يهم وجودى )

زفر ادهم و هو يقول بحزمٍ اكثر 

( اخبرتك اكثر من مرة يا حلا بما يتوجب عليكِ كزوجة ادهم مهران ......لقد آن الأوان لتتحملى المسؤلية )

انقبض قلبها و هى ترى الطرق تغلق امامها .... لن تستطيع ... لن تستطيع مواجهة هذا الجمع الضخم من البشر .... لن تستطيع و لاتريد .... لحظاتٍ وقالت مرة واحدة بصوتٍ متشنج عالى وصارم

(لن أذهب و هذا قراري النهائي ...)

نظر اليها بدهشةٍ وهو لا يصدق نبرتها التى خاطبته بها ..... يمكن للمرة الأولى , صمت قليلا و هو يشعر بانفعالين متناقضين احدهما الغيظ منها ومن جدالها فى امورٍ غير مقبولة على الإطلاق و الغضب من لهجتها الحادة التى لا يجرؤ احد على مخاطبته بها ...... وشعورٍ خفىٍ آخر نبع فى داخله فجأة بالسعادة من فورة الشجاعة المفاجئة التى واتتها لتواجهه بهذه النبرة ..... ...... 

كتم الشعور الثانى بداخله و قال بلهجةٍ حاول ان يودعها بعض الحسم 

( لا تخاطبينني بهذه اللهجة يا حلا .........)

زمت شفتيها و هى تعبس كالأطفال بينما شعر بقلبها يضرب بشدة تحت يده كأرنبٍ مذعور ......لم يستطع مقاومة حلاوتها و هى عابسةٍ ترفض النظر اليه ..... فانكب عليها فجأة بقبلةٍ جائعةٍ متوحشة قبل حتى ان تستطيع اخذ نفسا قبلها .... ظل يقبلها و هو يحرك شفتيه فوق شفتيها يمينا و يسارا حتى كادت ان تختنق بين ذراعيه فدفعته بضعف لتحاول التقاط انفاسها ......

تركها على مضض ليتنفس هو الآخر بصعوبة بينما استغلت هى الفرصة لتقفز من الفراش بسرعة و تلتقط روبها وترتدية تحت انظاره العابثة حتى جرت الى الحمام و اغلقت الباب خلفها .....الا ان بعد لحظةٍ واحدة سمعته من خلف الباب يقول بلهو 

( لا تتأخرى حلاى ....اريد ان ..... اهمس لكِ بشيءٍ سري )

ابتسمت بخجل و هى غير قادرة على التنفس بشكل طبيعي بعد... 

سمعت صوته الذى يزداد عبثا يقولبعد فترةٍ ليست بطويلة

( افتحى الباب يا حلا و الا فلا تلومى الا نفسك .......)

ضحكت ضحكة صغيرة خائفة قليلا وهى تعض على شفتها السفلى متخيلة بماذا يريد ان يهمس لها ..... اخيرا سمعته يقول بصوتٍ بان فيه الجفاء 

( حسنا ..... انا خارج ابقي انتِ كما تشائين )

ثم سمعت وقع اقدامه الغاضبة و هى تبتعد .... شعرت ان قلبها سقط بين قدميها .... لقد غضب مني... وسيذهب ....

فتحت الباب ببطء وخرجت و هى تشعر باحباط فظيع .... كانت تحاول ان تمزح معه فقط ....لكنها صرخت بشدة حين شعرت بذراعٍ حديدية تلتف حول خصرها و ترفعها لأعلى و صوته القوى يهمس فى أذنها

(اهدئى حبيبتى .... انه انا )

اخذت تتنفس بسرعة محاولة السيطرة على ضربات قلبها بينما اخذ هو يقبلها اسفل اذنها برقة ٍ حتى هدأت تماما و استسلمت له وهو يهدهدها بين ذراعيه ثم لم لبث ان ادارها لتواجهه و رفعها مرة أخرى بين ذراعيه لتصبح عينيها المشعتين تواجهه عينيه ظل صامتا عدة لحظات ينظر فى عمق عينيها بينما هى تبدو كالمنومة مغناطيسيا .... الى ان قال لها أخيرا 

(هل تثقين بي ؟.....)

أومأت برأسها بصمت .... فابتسم و السعادة ترفرف بداخله من هذه الايمائة الغالية عليه ثم قال بثقة 

( اذن سنذهب معا ... و سنواجهه العالم كله )

همست بصوتٍ مرتجف و هى مطرقة ٍ برأسها 

( لم اواجه احد منذ ما يقارب العامين ...... ان تعرف احدا علي الآن س .......)

قاطعها بحزم و هو يقول (لن يجرؤ احد على مس شعرة منكِ حبيبتي )

اقتربت بوجهها منه ببطء ثم اخذت تلامس ذقنه النامية بشفتيها الناعمتين ثم همست بإغواء تحاول اتقانه 

(ولما لا نبقى نحن الاثنين ......هنا وحدنا )

تأوه وهويضحك ضحكة صغيرة ...... مدركا ابعاد لعبتها و التى تحاول ان تلعبها هذه الايام كثيرا حين تريد شيئا ..... وهو ببساطة يريد الوقوع فى خداعها اللذيذ لأبعد الحدود ..... بطيب خاطر وهو مفتوح العينين .... الا انه قاوم نفسه و هو يأخذ نفسا عميقا ثم يقول 

( بل سنذهب ..... زوجة ادهم مهران لا يجب ان يخيفها اى شيء فى هذه الدنيا ..... وحتى ان لم اكن على قيد الحياه اريد ان تعدينني ان تظلى دائما ......)

انمحت باقي كلماته تحت صدمة شفتين ناعمتين انفرجتا برقةٍ على شفتيه ......... لكن قبل ان يذوب بها تماما سمعها تهمس بعذاب متوتر

(سأذهب .... طالما لن تتركنى )

همس بوحشية و هو يعتصرها اكثر بين ذراعيه ( ابدا .... ابدا يا حلا ...طالما فى صدري نفسا يتردد)

ثم همس بعنفٍ لها بعد لحظات من الشوق العاصف بينهما وهو يضع ذراعه تحت ركبتيها و يرفعها ليتجه بها الى الفراش 

( و الآن اخبريني ...... ماالذى كنتِ تنوين فعله ان بقينا هنا هذه الليلة )

تعلقت بعنقه وهي تعبس بشقاوة ثم تقول 

( هذا غش .....نحن لن نبقى )

مال بوجهه عليها بينما يده تعبث بربطة روبها ثم يقول بلهو 

(كان يجب ان تفكري مرتين قبل ان تعبثي مع الوحش ......)

ثم لم يعد هناك مكانا لأي كلام بينهما ..........

.................................................. .................................................. ...........................

وفى غرفة اخرى من غرف القصرتعالى هتافا حانقا نافذ الصبر 

(لن أذهب ..... لا أريد الذهاب لأكون التسلية الجديدة لهذا الوسط )

اقربت سما ببطء من خلف هذا الطفل الصعب المراس و هو ينظر من النافذة عاقدا حاجبيه زاما شفتيه بحنق .... فمدت ذراعيها لتحيط خصره و تسند خدها الى ظهره تتنهد بيأس ثم همست برقة 

( وهل سأهون عليك يا فارس لتتركني اذهب بمفردي ؟........)

اخذ يهز ساقه بعصبية و هو يعانى من صراعا بداخله ثم قال بعصبية 

( لا تذهبي .... ابقي معي )

رفعت سما رأسها بسرعة وهتفت بجزع 

( لا يا فارس ارجوك ..... انها سابين ... انه زفاف سابين , انا احترق لرؤيتها بفستان الزفاف .... )

وحين لم يرد زادت من ضم خصره اليها و هى تهتف 

( ارجوك يا فارس ..... ارجوك ....ارجووووووووك )

لم ترى وهى خلفه ابتسامته الحانية التى لا تظهر الا نادرا ...... ثم قال بصوتٍ اجش 

( الن تخجلى من مرافقة رجلا اعمى الى حفلا كهذا .........)

ادارته اليها و هى تنظر اليه بدهشة ثم قالت بقسوة 

( اخجل منك ؟!!! انت فارس مهران ..... اياك ان تنسى هذا ابدا ... انا لن اسمح لك بأن تنسى حتى و ان اردت انت ......)

ظل ينظر اليها و صوتها ينفذ الى اعماقه ليفجر ذكرى قديمة لفتاةٍ اعطاها قلبه و البسها خاتمه ...... كان صوتها حين سمعه لآخر مرةٍ يهمس بخجلٍ ( انا آسفة يا فارس ..... انا آسفة حقا .... لا استطيع مواجهه مجتمعي بزوجٍ اقل من المستوى الذى رسموه لي ....انا لست بهذه القوة ..... لكن سأظل احبك دائما ...) ثم شعر وقتها بأصابعها تلمس يده وتفتحها لتسقط فيها شيئا معدنيا باردا عرف انه خاتمه ....

و كان يظن ان قلبه تحطم وقتها ...... الا انه عندما ظن ان سما تركته و اختارت ايثار .....عرف حينها معنى الموت حيا ....صغيرته ..ملكه ... لن يتركها ابدا .....

مد يده الى وجهها الناعم و اخذ يتحسسه برفق ليرى الملامح التى حفظها بيده آلاف المرات.... ما اجملها .... الصغيرة المقاتلة ....

قال اخيرا و ظل ابتسامة يلوح لى شفتيه 

( ماذا ستدرتدين ؟...............)

نظرت اليه فاغرة فمها دهشة من استسلامه السريع ... و لحظة واحدة ثم استطالت لتتعلق بعنقه شاهقة و هى تقفز من السعادة بينما هو يضحك بخفة شاعرا ان كل مايحمله من هموم ٍ قد القى من على ظهره و لو مؤقتا ....... 

.................................................. .................................................. ..................................

؛( لا اصدق هذا ...... لا استطيع تصديق انك تمكنت من اقناعي باصطحابك معي!!!!.......)

نظر اليها فارس ببراءة و هو يقول 

( وما العيب فى ان يصطحب زوج زوجته لشراء فستان ..... الا يحق لى ان ابدي رأيي ؟.......)

نظرت اليه عابسة ثم تطلعت حولها لترى ان كان هناك من يراقبهما ...... ثم قالت هامسة بغضب 

( بهذه الطريقة ؟!!!!....... فارس ما تفعله غير لائق على الاطلاق .......)

ابتسم بخبث و هو يمرر يديه على طول جسدها ليستطيع رؤية الثوب الحريري الذى ترتديه .... الا انه اضطر ان يعيد ما يفعله للمرة الثالثة نظرا لأن الثوب هو آخر ما يفكر به ...... ماهذا القوام ؟.... متى كبرت بهذه الطريقة المتفجرة ؟...... هل يراها الجميع بهذه الأنوثة المتفجرة الا هو ...... شعر بالنار تشتعل فى اعماقه من كل عين نظرت اليها قبله .......كبت شعوره الخانق بداخله حتى لا يظهر على وجهه فيخرب فرحتها ......

لقد آن الأوان ..... لم يعد يطيق الإنتظار اكثر .... الليلة .... الليلة سيجعل منها زوجته , وما المانع فى ذلك ؟ .... انها تبدي نحوه استجابة تذيب الحجر ..... من الذى يستطيع مقاومة هذه المهرة الجامحة.......... 

لقد قضي الأمر و ستصبح ياسمينا ملكه الليلة ...... انها فى حالة عاطفية متوهجة بسبب زفاف سابين وهذا سيخدم هدفه ..... اخرجه من تفكيره صوتها الهامس و المختلط بضحكة خفية غاضبة و هى تقول 

( يا الهى لن اتعجب ان طردونا من المتجر الآن ......... لقد نظرت الينا سيدة رفيعة المستوى باشمئزاز للتو يا فارس )

اجابها بسرور ( دعكِ منها ...... انسيتي انك ِ مع فارس مهران .... استطيع جعل صاحبة المكان تطرد جميع الموجودين ..... وتغلق علينا المتجر ...... لأجعلك تقيسين كل ثوب موجود هنا )

احمر وجهها بشدة و هى تقول ؛( كفى عبثا يا فارس ..... لم اكن يوما بمثل هذه الصفاقة )

تظاهر بالتفكير لحظة ثم قال مبتسما بمكر 

( استطيع تذكر بعض المناسبات كنتِ فيها اكثر صفاقة بكثير ........)

اصبح وجهها الآن بلون الكرز و هى تعلم تماما اي المواقف يقصد ..... المخادع ....... تذكرت حين اقنعها بتغيير ثوب السباحة امامه .... كيف كانت بمثل هذا الغباء ففعلت ما طلب ..... فما ان انتهت من خلعه بصعوبة وتعثر تحت انظاره التى لا ترحم و المصوبة تجاهها بدقة السهم , حتى رأته برعبٍ يقترب منها ببطء و عينيه كعينا دبٍ مفترس ..... وقفت لحظة ذاهلة ثم صرخت 

( لم انتهى فارس عد الى مكانك ..... )

الا انه لم يعد بل ظل يقترب منها دون ان تختفى الابتسامة المفترسة من على شفتيه ..... تمكنت لحظتها من الجرى يمينا تبتعد عنه الا انه غير اتجاهه يلحق بها ..... فصرخت مرة اخرى ( فارس توقف هذا ليس مضحكا ......)

فضحك بعبثٍ و هو يتجه نحوها محددا اتجاهها بكل دقة ....... فجرت الى ناحية اخرى و هى تصرخ ( فارس .... لقد وثقت بك ) 

اجابها ضاحكا ( اذن فهى غلطتك ..... كيف تثقين فى رجل يرى امامه .....) 

لم يكمل كلامه ... بل اندفع مرة واحدة ليعتقلها بين ذراعيه وهو يضع يده تحت ركبتيها و يرفعها اليه مقبلا اياها بشغفٍ قاتل و هو يدور بها ..... يدور و يدور وقبلاته لا تتوقف ..... حتى ظنت انها فى دوامة وسط بحرٍ هائج ........ و هى التى كانت تظن انها فشلت فى اغواءه ......

لكن كالعادة تركها و هو يلهث مبتعدا عنها و هو يخبرها انه سينتظرها فى الخارج ........ بعد ان كادت تذوب به تماما ...... 

عادت من افكارها لتنظر اليه بغضبٍ يخالطه الاحباط ...... الى متى سيظل يتلاعب بها و يعطيها دروسا فى الحب غير مكتملة ..... 

ابعدت يديه عنها بحزمٍ وهى تقول بعد ان عاد اليها الاحباط ( توقف يا فارس...... لقد احرجتنى للغاية )

ابتعد عنها حين لاحظ تغير مزاجها ..... و هو يشعر تماما بمثل ما تشعر به , بل لا يقارن به اصلا .... لكن صبرا ياسمينا فالليلة ستكونين انتِ العروس صغيرتي .... ابتعد اكثر عند هذه النقطة حتى لا يفقد اعصابه هنا فى هذا المكان ........

قال اخيرا بصوتٍ اجش من العاطفة ( يبدو انكِ قد اخترتى الثوب اخيرا ......)

قالت عابسة ( لم اختره انا فهذا هو الوحيد الذى لم تبدي اعتراضك عليه ......)

سألها و هو يبدو مهتما ( صفيه لي ......)

قالت له ( اطمئن فكما تكفلت بنفسك و تأكدت .... هوحريري طويلا يصل الى الأرض لكن اكمامه شفافة قليلا تصل المرفقين و عليها تطريز رقيق .... هو ضيق حتى الوركين ثم يتسع اتساعا بسيطا الى اسفل .....)

سألها بهمس اضعفها ( ما لونه ؟............)

قالت له برقة و الابتسامة بدأت فى الظهور مرة اخرى على شفتيها من اهتمامه الجدى هذه المرة 

( انه مزيج بين الذهبي و الوردي ........ لون رائع لم أره من قبل )

قال بهمسٍ حزين مزق قلبها ( لابد انكِ تبدين كالحلم ...........)

اقتربت منه و هى تحاوط عنقه بذراعيها وتهمس فى اذنه 

( اذا كنت حلما فستستطيع و قتها ان ترانى ..........)

ضمها اليه مسندا ذقنه على رأسها يتنشق عطرها الناعم بينما تبدو هى بضغطها على صدره كالضماضة على جروحه الأزلية ........

.................................................. .................................................. .........................................

نظرت سابين الى صورتها فى المرآه .....لم تتخيل فستان زفاف ابدا بمثل هذه الروعه من قبل ...... لم يطرأ على بالها فستان زفاف ابدا ..... حتى مع مازن لم تتخيل نفسها ترتديه ابدا .......

لكنها حين تنظر اليه الآن تشعر انه صنع خصيصا لترتديه هى ........ كان فستان ملكة بحق ....

كان محكما تماما على نصفها العلوى و قد غطته الماسات اللامعة تماما حتى بات كالثريا من شدة لمعانه بينما ينزل من اسفل خصرها بقليل ليلتف قماشه الحريري حول وركيها باحكام ثم يتسع فى طبقاتٍ تظهر كل واحدة منها خلف الأخرى حتى تنتهى بالطبقة الأخيرة و التى يصل اتساعها الى درجة ان تغطى دائرة من الأرض حولها تتسع لشخصين معها ........بينما تم التوصية فى وقتٍ قياسي على سترة قصيرة تصل الى اسفل الكتفين فقط لتغطى الاكتاف المكشوفة للفستان بناءا على رغبة العريس الغيور للغاية ......

ابتسمت سابين و تتذكر صوته الصارم حين سألها ان كان فستانا يظهر منها اي شيء ...... ضحكت وقتها و هى تفكر بداخلها انه شخصا غريب يعيش فى عالم أغرب لم تعرفه من قبل ..... الا انه و ياللغرابة يشعرها بأنوثتها اكثر من اى عالم عاشته من قبل ......

تشعر انه يريد ان يخفيها عن اعين الناس التى تلتهمها ........ ابتسمت بعبث و هى تعاود النظر الى صورتها و تفكر ...... لا مانع لديها ابدا فى ان يخفيها عن اعين الناس فلنقل الشهر القادم على الأقل ............

الا انه بعدها عليه ان يتعلم العيش مع نظرات الناس اليها فهى ستعود الى حياتها الطبيعية المستقلة و عليه ان يتقبل ذلك ....... لكن بعد ان تكون قد اشبعت شوقها و جوعها اليه .......... فى شهر العسل الذى يعد سرا حربيا الى الآن يرفض البوح به ...........

قاطع رنين هاتفها افكارها فالتقطته من على طاولة الزينة لترى الاسم المثير يضيء ليضىء اعصابها معه , اشارت الى الفتاة التى تهتم بزينة وجهها ان تنتظر قليلا ......ثم ردت عليه باغوائها المعتاد هامسة 

( ماذا تريد الآن ؟...... الا تعلم اننا نسابق الزمن )

رد الصوت العميق عليها 

(اشتقت اليكِ ..... المكتب كان مظلما اليوم )

ارتفع حاجبيها بصدمة وهى تقول 

(هل ذهبت الى العمل اليوم ؟........)

ساد الصمت بينهما عدة لحظات ليقول أخيرا بتملق 

(كان لابد ان اذهب لأنهى آخر شيء ممكن ان يعطلني في شهر عسلنا .......)

احمر وجهها و هى تشعر بسخونة فى خديها من الصور المتلاحقة فى رأسها ........لتهمس أخيرا 

( لن اسمح بأى شيء يشغلك عنى ......سأكون انا فلكك الذى تدور به الشهر المقبل )

ساد الصمت مرة أخرى محرقا اعصابها لتسمع صوته يأتى اليها بارد و هو يردد كلماتها 

( ستكونين فلكى الذى ادور به الشهر المقبل .........)

صمتت وهى تتنهد بصمتٍ ثم قالت بعد لحظة بصوتٍ ساحر 

( دعنى الآن لأنتهى ...... و سأراك قريبا )

همس بصوتٍ أجش ( بالتاكيد سترينني قريبا .... قريبا جدا )

اغلقت الهاتف و هى تعض على شفتها من الاثارة ...... هل يمكن ان تكون الحياة اجمل من هذا ....

بينما العريس كان واقفا هو الآخر ينظر الى نفسه فى المرآة لكن بوجهٍ متجهم و عينين قاسيتين ...... كم شخصا سيدمر فى طريقه ؟..... لم يبالى بأي احد .... الا صغيرته تالا التى تبدو وكأنها تعلقت بسابين لدرجةٍ مقلقة .....لم يكن يتصور ان تحبها تالا ابدا .... ماهذا السحر فيكي يا سابين اليس هناك شخصا على وجه الأرض لا تسبينه بسحرك .......

ارتفع رنين هاتفه لينظر اليه و هولا يزال بيده فقطب جبينه حين نظر الى الاسم ...... رد بهدوء بعد ان اخذ نفسا عميقا 

(كيف حالك أمى ......)

وصله الصوت الناعم الذى عشقه من صغره 

( كيف حالك حبيبي .....هل لازلت عند قرارك ؟)

زفر بغضب ثم قال و هويحاول السيطرة على صوته 

(أمى انا الآن ارتدى بدلة العرس ........ باقي وقتٍ معدود على حفل الزفاف )

سمع تنهدها المرتجف ثم صوتها الحزين و هى تقول 

(فكر قليلا يا احمد .... ليس من العدل ان تحاسبها هى على مافعلت انا فى الماضى .......)

قاطعها احمد بحزمٍ وهو لا يريد الاستماع لأى شيءٍ من الماضى المؤذى 

( أمى انا لن احاسب احدا ...... انا اتزوج الم تكن هذه هى امنيتك منذ ان رحلت .......)

لم يستطع نطق اسم حبيبته الغالية فشعر بغصةٍ فى حلقه تمنعه الكلام ...........

تكلمت أمه بصوتٍ تخالطه الدموع الصامته و هى تشعر بحزنه المتجدد والذى لم يندمل بعد .......

( انا الآن فى طريقي اليك حبيبي ........اتمنى ان استطيع الوصول قبل انتهاء الحفل )

اخذ احمد نفسا عميقا و هو يشعر بحلول كارثه لدى حضور أمه الى الحفل الا انه لا يستطيع منعها .......فليحدث ما يحدث .......


الفصل الرابع عشر (2) 


(واااااااو ...... لا اصدق هذا , عفوا سيدتى الجميلة , لكنك تشبهين فتاة صغيرة حملتها و عمرها عامان اسمها سما ..... الا انك سيدتى تبدين كملكة من ملكات الجمال ..... فلا يعقل ان تكونى انتِ سما الصغيرة يبدو اننى اخطأت ......)

ضحكت سما بخجل من غزل ادهم الرقيق لها وهم يقفون فى مدخل القصر مستعدين للتوجه الى حفلة الزفاف ثم قالت باحراج

( هل ابدو جميلة حقا يا ادهم ...... لا تمزح )

قال لها ادهم بدهشة ضاحكا ( الم تنظري الى نفسك فى المرآة سيدتى الجميلة ؟....... ستحطمين ثقة كل المدعوات الليلة ... وقد يغطى جمالك على جمال سابين ..... لكن احذري من مخالبها )

اخذت سما تضحك و هى تتصور منظر سابين ان سمعت كلام ادهم .......

( الن نكف عن هذا العبث ....... انا اصلا اقنعت نفسي بالكاد ان اذهب ..... لاجد نفسي وافقا استمع الى احاديثٍ سخيفة )

انطلق صوت فارس متجهم حانق كطفلٍ مدلل يريد احد اخذ لعبته منه ..... فابتسم ادهم بخبث و هو يغمز بعينه الى سما التى احمرت خجلا ..... لكن حين استدار ليلتقط يد حلا فوجىء بها تنظر اليه عابسة هى الاخرى وهى تميل برأسها قليلا كأنها لا تصدق ما سمعته فارتفع حاجبيه من ردة فعلها الغريبة التى تبديها للمرة الأولى لكنه رفض ان يصدق املا زائفا انطلق بداخله ..........

مد يده ليأخذ يدها بين يديه و يرفعها الى شفتيه يقبلها بنهم و هو يكلم سما دون ان يرفع عينه عن عيني حلا

( لكن اعذريني سما ..... فحلا الليلة فاقتكما جمالا بلا منازع ......)

ضحكت سما بسرور و هى تقول ( لا مانع عندي على الاطلاق ...... لطالما كانت حلا الأحلى كما كان يقول الجميع سابقا .....)

استمر ادهم فى النظر الى حلا و هو يقول بهدوءٍ صلب

( كان هذا سابقا ...... فليجرؤ احد على قول هذا الآن عنها .... لتكون آخر حياته )

ابتسمت حلا قليلا و هى تخفض عينيها بينما احمر وجهها بشدة ...... تطلع ادهم اليها بشغف و هو يراجع نفسه فى الذهاب بها و هى على هذا الشكل الرائع ...... فقد كانت ترتدى ثوبا كثوب الأميرات بلون السماء الشاحبة الزرقة ....خصره مرتفعا الى اسفل صدرها بشريطٍ حريري ثم يهبط مسترسلا هفهافا الى كاحليها يتطاير حول ساقيها بنعومة كلما تحركت ..... بينما تركت شعرها الطويل مسترسلا براقا بنعومة على ظهرها بعد ان رفعت بعض خصل من جانبي وجهها بمشبكين ماسيين اضاءا و جهها .......

اقترب منها ببطء و هو يرفع شالها الذى سقط عن كتفيها بنعومة ....ليعيده مكانه ثم ابقى يديه على كتفيها و هو يقول بصوتٍ منخفض ( احرصي ان يظل هذا مكانه و الا ساجعلك ترتدين سترتي طوال الحفل .....)

اومأت برأسها بكل أدب ووداعة مما جعله يرغب فى اكلها دفعة واحدة ...... تنحنح يجلي حلقه ثم قال بهدوء

( هيا حتى لا نتأخر .........)

ثم امسك يدها الصغيرة و التى كانت باردة كالثلج و هى ترتجف .... فقبضت بأصابعها على يده تتشبث بها و هى غير قادرة على التحرك من مكانها و قد تصلبت ساقيها فنظر ادهم الى و جهها و همس فى اذنها دون ان يسمعه فارس و سما

( الا تثقين بي ...... لن اتركك لحظة واحدة )

أومأت على مضض بينما قلبها يرتجف من الخوف و الذى ظهر جليا بعينيها ثم مدت يدها الأخرى لتتعلق بذراعه ..... ثم يتجهون جميعا الى السيارة ...... فى رهبةٍ لا يعلم احد سببها ......

.................................................. .................................................. ...................................

كان ادهم يراقص حلا تحت الأضواء الخافته و هى مستندة برأسها على كتفه ... مغمضة عينيها تحاول ايهام نفسها بأنهما معا فى القصر ..... وحدهما ....لا يراقبهما هذا الجمع الغفير من البشر بينما ادهم يتمايل معها مسندا ذقنه على قمة رأسها و هو يفكر فى هذه السعادة التى اهدت له دون ان يدري ............

وكذلك سما كانت متعلقة بعنق فارس الذى بدا و كأنه يحترق من شوقه لإنتهاء هذه الليلة ليحمل عروسه بعيدا ... بعيدا جدا.......لتصبح له بعد عذاب السنوات السابقة .....قاطع تفكيره صوت سما المشع و هى تهمس بأذنه فجأة

( ما اجملها يا فارس ..... لن تستطيع ان تتخيل مدى روعة سابين فى فستان الزفاف .....و الحفل ايضا ... الورود و الشموع ....كل شيء رائعا يا فارس ..... عروسا كسابين تستحق كل هذا )

شعر و كأن احدا قد غرز خنجرا مسموما بصدره فجأة ..... انسحبت ذاكرته الى الصوت الطفولى الذى ابدى موافقته على عقد القران منذ ثلاث سنوات فى مكتب والده لينسحب بعدها خارجا تاركا الجميع خلفه بمن فيهم الزوجة الطفلة التى سميت باسمه للتو .....

ولاول مرة منذ سنواتٍ عديدة حدثت معجزة ان تبللت عينيه بدمعةٍ لم تسقط منها ابدا و لم يشعر بها غيره ...... همس لها بصوتٍ مختنق

(صفى لي شكل سابين .....)

نظرت اليه بدهشة تتعجب من نبرة الألم فى صوته و من اهتمامه المفاجىء بسابين .... لكنها اخذت تصفها له بصوتها الناعم الذى ينافس فى نعومته نعومة الأنغام التى يتمايلان عليها .........

كان ادهم يتحدث الى احد رجال الاعمال بينما تقف حلا بجواره صامتة متعلقة بيده لا تتركها ابدا و هى تعد اللحظات ليعودا الى القصر .... ملجأها الآمن .......

فجأة شعر بمخالبٍ كمخالب قطةٍ صغيرة تتشبث بكفه حتى جرحتها من شدة ضغطها عليه .... فنظر بسرعةٍ اليها فهاله شحوب و جهها الذى بدا كالقطن الأبيض و هى تنظر مرعوبة أمامها ......

فنظر تلقائيا الى ما ارعبها الى هذا الحد فوجد رجلا يقف فى زاوية بعيدة من القاعة و هو ينظر اليها ايضا لكنه ادار وجهه بسرعة ما ان لمح نظرات ادهم المتوحشة اليه ...... لحظاتٍ قليلة بعدها و كان اسم هذا الرجل لديه ....... فالتقط هاتفه فى غفلةٍ وحيدة من حلا و هو يقول لمحدثه ( الاسم الذى سأمليه عليك ..... اريد عنه كل المعلومات الممكنة , و فى اسرع وقت )........

ثم اخذ يبحث عن حلا بسرعة فهاله الا يجدها فى اي مكان اخذ يدور فى القاعة بهياج يبحث عنها حتى وجد فارس يقف وحيدا فاتجه اليه على الفور و سأله عن حلا فاخبره فارس بقلق انها منذ لحظات اخبرت سما بشعورها بغثيان فذهبت سما معها على الفور الى حمام السيدات .......

تركه ادهم حتى قبل ان يكمل كلامه و هو يسرع الخطى الى حمام السيدات ففتح الباب دون استئذان و دخل يبحث عنها و هو يسمع الصرخات المستاءة من السيدات دون ان يبالي بها , حتى وصل الى الحجرة الصغيرة المفتوحة فى النهاية حيث تقف سما مرعوبة وهى تحاول مساعدة حلا الجاثية على ركبتيها و هى تتقيأ فى المرحاض امامها بشكلٍ افزع الموجودات اقترب ادهم منها بسرعة و جلس القرفصاء بجانبها و هو يضعط على ظهرها مبعدا شعرها عن وجهها برفق بيده الأخرى .......

بينما اخذت سما تعتذر للسيدات عن وجود ادهم نظرا لحالةٍ طارئة ..............و بعد لحظات كان ادهم يوقف حلا على قدميها و يغسل لها و جهها و هى لا تتوقف عن الارتجاف ..... وما ان انتهى ادهم حتى اخذها بين ذراعيه و هو يهمس بأذنها ( لقد تكفلت بكل شىء .... لا تخافى ).........

اغمضت حلا عينيها وهى تدفن وجهها بصره , لا تريد ان تنفصل عنه ابدا ........ الماضى ... الماضى ... سيظل يلاحقها الى ان تموت .... لن تجد منه مهربا ابدا ......

خرج ادهم من حجرة السيدات و هو ممسكا بحلا التى تحاول جاهدة السيطرة على نفسها و هى تحاول الا تنظر حولها حتى لا تجده أمامها ......

همس ادهم فى اذنها ( هيا لننصرف يا حلا ......)

ظلت صامتة عدة لحظات ثم قالت بارتجاف

( لقد وعدتك يا أدهم ....... و سأبقى )

لم يصدق تلك القوة التى تحاول التمسك بها ...... فامسك وجهها بين كفيه يرفعه اليه وهو ينظر فى عمق عينيها المعذبتين قائلا

(الم اخبركِ قبلا كم انتِ رائعة ....... وكم انا فخور بكِ )

ابتسمت قليلا و هى تنظر الى وحش آل مهران .... وحشها المغوار ....وهى تتسائل متى سيتركها , هى و كل ماضيها بكل سواده .....

وصلت سما اليهما و هى تحتضن حلا بشدة و تقول

( الحمد لله انك بخير يا حلا ..... لقد ارتعبت )

ابتسمت حلا و هى تربت على شعر سما قائلة بضعف

( لا تخافي سما ...... هذه المواقف تحدث لي كثيرا )

دمعت عينا سما و هى تشدد من احتضان حلا التى بدت مثالا للعذاب و الألم ........وصلت اليهما اصوات الموسيقى الناعمة لتخرجهم من جوهم الحزين فانتهز ادهم الفرصة ليقول مبتسما

( اعذرينا الآن يا سما .....سآخذ هذه الجميلة لأرقص معها )

لكن حلا قالت بضعف ( لن استطيع الآن يا ادهم حقا .......)

لكن قبل ان يرد عليها سمع سما تسأله ( ادهم من هذه السيدة التى تحدث سابين ؟.........)

التفت ادهم لينظر الى احمد وسابين .....و السيدة التى تقف معهما فقال بدهشة وهو غير مصدق ( عمتى ؟!!......)

لينبعث صوتي سما و حلا فى وقتٍ واحد هاتفتين بدهشة اكبر ( أمى ؟!!.......)

.................................................. .................................................. ........................................

همست سابين تسأل السيدة الجميلة الواقفة امامها ...... والدة زوجها ....تلك الهالة الناعمة البيضاء التى تجلت أمامها فجأة كالملكة الأم

( هل قابلتِ أبي قبلا ؟...........)

بان حزنا دفينا فى اعماق عينيها الرماديتين الحانيتين والتى شردتا بعيدا .... بعيدا عنها و عن احمد الذى كادت نظراته ان تقتلهما معا الا ان سابين لم تكن تنظر اليه ..... كانت تنظر الى والدته مبهورة و التى تبدو و كأنها فتنتها........... تماما كما فتنت هى تالا الصغيرة.....

لكن قبل ان تسمع جوابها سمعت صوتا مبحوحا ساحرا بنعومة الافاعي جعل جسمها يقشعر غضبا يقول

(بالتاكيد قابلته حبيبتي ........ فهى كانت السبب فى ترك والدك لنا و الذهاب للموت فى احضانها )

اغمضت سابين عينيها من هول ماقالته تلك المرأة التى لن تتوقف عن اذيتها ابدا .... لكن ان تتجرأ و تأتى الى زفافها لتهين والدة احمد امامه بأكاذيبها الفجة ..... لقد اتت لتفسد زفافها و قد تأكد لها هذا حين سمعت صوت احمد يقول من خلفها بنبرة خافته جعلت الدماء تتجمد فى عروقها

؛( ان لم تحترمى من هم أعلى منكِ شأنا , فمن الافضل ان تغادري حالا ....... و الا فلا تلومي غير نفسك )

التفتت والدة احمد ببطء دون ان تهتز منها شعرة واحدة لتقابل بعينيها الرماديتين الصافيتين , عينا ايثار ذات اللهب الازرق الحاقد .....

ثم قالت بكل هدوء ووقار ( لن تتغيري ابدا ايثار ..... ستظل روحك الحاقدة تحرقك الى ان تقضي عليكِ فى النهاية )

قالت ايثار بهمسها الأجش ( تماما كما قضيتِ انتى على والد بناتى .......)

اندفع احمد هادرا بغضب صاعق ( هذا يكفي .... اخرجي من هنا حالا ......)

كاد ان يمسك بذراعها ليلقي بها خارجا .... الا ان سابين تشبثت به بقوة ٍ تقول ( ارجوك يا احمد لا اريدها ان تخرج بهذه الطريقة .........)

نظرة احمد اليها ارعبتها و سمرتها مكانها .... لكن من يلومه فايثار الليلة لم تكن لتفعل احقر من هذا ابدا ......لكنها بالرغم من ذلك تتكلم بثقةٍ و كأنها تحكي الحقيقة ....... ما الذي يحدث هنا ......شعرت سابين بالدوار من هذا الكابوس الذى تعيشه خاصة و ان معظم المدعوين الآن قد لفت نظرهم ما يحدث من فضائح العائلة الكريمة .......و اخذت اضواء الكاميرات تغمرهم حتى كادت ان تغشي عينيها ......

وصل اليها صوت ادهم الحانق المتوحش من خلفهم وهو يقول

( كيف تجرأت على الظهور هنا .... قسما بالله ان لم تخرجي حالا فلسوف القي بكِ خارجا بنفسي )

هذا ما كان ينقصني همست سابين فى داخلها بغضب ...ان يتدخل ادهم الآن ليفسد الموضوع اكثر و اكثر ..... لكنها التفتت اليه و قد فجرت كلماته الغضب الذى تحاول كبته فهتفت به

( ادهم لا تخاطبها بهذه الطريقة .... )

وصلت سما الي ايثار و اخذت تجذبها من ذراعها و هى تهمس بتضرع من شدة رعبها من الخراب الذى احدثته من حولها

(أمي ارجوكِ اخرجى معي الآن ...... ارجوكِ )

الا ان ايثار و والدة احمد ظلتا تنظران الى بعضهما و الماضي الأسود يندفع من بينهما ليعود بكل شروره مدمرا كل من حوله .......

قال ادهم مرة اخرى محاولا السيطرة على غضبه من تلك الأفعى التى ذبحته فيما مضى

( اخرجي الآن ايثار بما تبقى لكِ من كرامة .......)

و جاء صوت احمد و هو يقول بقسوة ( سيأتى من يصحبك خارجا الآن ثم سيقلك حتى باب بيتك .........)

ظلت ايثار واقفة مكانها و لحظاتٍ قليلة الى استسلمت جاذبة ذراعها بقسوة من يد سما لتندفع خارجة تلحقها شياطينها الحاقدة ......

تساقطت دموع سما مما حدث لايثار امامها بينما ظلت سابين متسمرةٍ مكانها تظر الى الارض وهي تقبض عل تنورة ثوبها بشدة حتى ابيضت مفاصل اصابعها و قد انحنت كتفيها من هول ماحدث لها فى هذا اليوم ...... ما الذى يمكن ان يحدث اسوأ من ذلك ......

وصل نادلا قلقا متوترا الى ادهم الذى لا يزال و اقفا قرب عمته بعد انصراف ايثار ليهمس فى اذنه

( سيدي .... السيد شقيقك يمسك بعنق مدعوٍ من المدعوين و يكاد يزهق روحه )

التفت ادهم اليه مصعوقا يسأله (اين ؟.....)

اجابه النادل بقلق ( فى الحمام سيدي .....)

نظر ادهم الى السماء وهو يتسائل بغضب ..... متى سينتهي هذا الزفاف المشؤوم ......

اخذ ادهم يدفع الجمع المتجمهر امام باب الحمام الى ان استطاع اخيرا ان يدخل ليفاجأ بفارس جاثما على شخصٍ ملقى على الأرض و هو يمسك بعنقه لا يريد افلاته بينما اثنين من الأمن يحاولان سحب فارس و تخليص الرجل من قبضته دون جدوى ..... اتجه ادهم اليه بسرعة و هو يمسك به من ثيابه ليشده و هو يصرخ

( كفى فارس ...... كفى ستقتله )

تمكن ادهم بمساعدة الامن من خليص الشاب بأعجوبة من يدي فارس ...... و الذى ما ان تحرر حتى قفز واقفا وهو يمسح الدم من زاوية شفتيه و هو يهدد ان والده سيدمر العالم من حولهم .......

اشتعل فارس مرة اخرى و هو يحاول الوصول اليه لكن ادهم و الحارسين امسكا به بشدة ......و صرخ ادهم

؛( ماذا فعل يا فارس ليستحق كل هذا .......)

هتف فارس الذى بدا فى هذه اللحظة كحيوانٍ مفترس همجى

(كان الحقير يتحدث هو و آخر عن سما ..... لقد سمعتهما وانا بالداخل )

صرخ به الشاب يستفزه من خلف ادهم ( انا اتكلم عن من تحلو لي ايها الأعمى ......)

حاول فارس الهجوم عليه مرة اخرى و هو يصرخ الا ان ادهم و الحارسين تشبثوا به مرة اخرى بكل قوتهم و صرخ ادهم

( كفى فارس ..... لا تنزل الى مستواه )

ثم لم يلبث ان استدار بسرعة ليلكم الشاب لكمة اسقطته ارضا و هو يكمل لاهثا

(دعني انا انزل بالنيابة عنك .......)

اندفع ادهم خارجا و هو يسحب فارس معه الى الخارج امام الأعين المذهولة بينما يتعالى من خلفهما صراخ الشاب الأحمق الذى اوقعه غبائه بين براثن اثنين من آل مهران ......

قال ادهم لفارس بغضب ( من اين علمت انه يتحدث عن سما نفسها .......)

قال فارس بصوتٍ لاهثٍ خافت ( كان يسأل صديقه ان كان رأى الشعلة الأنثوية التى تجر الأعمى خلفها .......)

صمت ادهم لحظاتٍ ثم قال له ( هيا بنا لنرحل .... لم اعد اطيق ان اظل هنا لحظة واحدة ......كان يجب ان اتوقع كم المآسي التى ستحدث فى زفاف الكارثة المسماة سابين ....)

وصلا الى سما التى صرخت حين شاهدت وجه فارس المكدوم الا ان ادهم اشار اليها لتصمت حاليا ثم اتجه الى حلا التى كانت الدموع تغطي و جهها راسمةٍ خطوطٍ سوداء على وجنتيها فأخذها بين ذراعيه و هو يهمس

( لقد انتهت الليلة حبيبتي ......انا آسف لأننى عرضتك لكل هذا )

دفنت و جهها فى صدره و هى تبكي ثم سمعها تقول

؛( لماذا لم تكتب السعادة لأي منا يا أدهم ......)

اندفع الألم حادا فى اعماقه وهو يتسائل.......الم تجدي سعادتك بعد يا حلا ؟.....

.................................................. .................................................. .....................................

كان يقود السيارة و لا يضيء وجهه الا الانوار الضعيفة الآتية من الليل الممتد حولهما ... فلم تستطع ان تتبين ملامح وجهه جيدا ....

الا انها كانت متأكدة ان ايثار نجحت فى مسعاها بكل اقتدار ...... يالها من ليلة ... ويالها من فضيحة ستظل الأجيال تتحدث عنها .... الا انها لم تكن تهتم لكل هذا .... فقط تتمنى ان تدخل الى عقله الآن لتعرف فيما يفكر....و كيف يشعر تجاهها الآن .....

عادت اليها كلمات ايثار التى القتها كالقنبلة الليلة ..... ماذا كانت تعنى بانها السبب فى ترك والدها لهن .... وأنه مات فى احضانها ....

كيف هذا ؟..... هناك فرق فى العمر بين والدة احمد وبين ايثار ...... هذا يبدو جليا , فايثار تبدو وكأنها لازالت شابة فكيف تعرفان بعضهما ....وما علاقة والدها بكل هذا ........

نظرت الى احمد مرة اخرى .... لقد بدا الليلة و كأنه كان يعلم عما قالته ايثار ........و لكنها لم تكن لتجرؤ على سؤاله الآن ......

وحين شعرت انها لن تستطيع احتمال الصمت اكثر همست بصوتٍ ساحر حتى فى حزنه

( اخبرني على الأقل الى اين نتجه ؟............)

التفت اليها الا ان ملامحه ظلت مختبئه فى الظلام ...... ثم قال اخيرا بصوته العميق

( ستعرفين حالا ..... اتمنى ان تعجبك مفاجاتي )

ابتسمت بدلال ٍ وقد ارتفعت روحها قليلا ثم مدت يدها ووضعتها على فخذه بنعومة و هي تهمس مبتسمة

(بالتأكيد ستعجبني ما دمت معى ....)

التقط يدها بيده و رفعها الي شفتيه و هو يهمس

(دوما سأظل معكٍ .....من هذه اللحظة وحتى آخر عمري سابين )

القت راسها على كتفه و هي تتنهد بارتياح بعد هذه الكلمات الآسرة التى سحبتها معها الى عالم الاحلام بعد هذا اليوم القاتل......

شعرت بأصابع حانية تتجول على و جنتها ثم تلتها ملمس شفتين رقيقتين اخذتا تمسحان شفتيها برفقٍ لتوقظها من نومها العميق ......صوته يخرج هامسا بين شفتيها

( سابين استيقظي ...... لقد وصلنا )

اخذت تتمطى بين ذراعيه التى اشتدتا عليها .... ثم ارتفع جفنيها ببطء لتطالعها عيناه اللامعتان المفترستان والتى جعلت قلبها يتفجر بألعابٍ نارية و مفرقعات ........

همست له بنعومة ( مرحبا .....)

رد عليها يهمس و هو يلامس شفتها السفلى بسبابته (مرحبا ......)

ظلا ينظران الى بعضهما و قد ابتلعهما الظلام من حولهما تماما سامحا لهما فقط بالنظر لأعين بعضهما .........

اخيرا همس احمد مرة اخرى ( لقد وصلنا .....)

انتبهت للمرة الأولى انه توقف بالفعل ..... فاستقامت بقدر ما سمحت لها ذراعاه ...... تنظر حولها , الا انها لم ترى سوى خيالات مبنى ضخم مغرق فى الظلام .....شعرت بالخوف فجأة لا تعلم ما سببه....... فهمست مرتجفة

(اين نحن؟..............)

نظر الى نظرة الخوف التى لم يراها فى عينيها مطلقا من قبل ..... كم بدت جميلة و ناعمة و صغيرة ..... كطفلة تقريبا بالرغم من انها فى السابعة و العشرين .....الا انها تصغره بتسع سنوات كاملة ........

كتم شعورا بالانقباض بداخله و رسم ابتسامة رقيقة على شفتيه .......ثم قال بهمسٍ اجش

(لقد احضرتك لقلعة الوحش ...... لالتهمك بمفردي )

احمر و جهها بشدة و اسبلت جفنيها ....شعر وقتها انه على وشك ارتكاب عملا احمقا , فتركها بسرعة لينزل من السيارة و يدور حولها ليفتح الباب المجاور لها , ثم مد يده يلتقط يدها و يسحبها اليه .....

و قفت سابين تحاول تبين المكان المظلم من حولها .... الا انها لم ترى سوى منزلا ضخما فى منطقةٍ منعزلة لم تتعرفها ......

قال لها احمد بغموض

( اعرف انكِ تشعرين بالاحباط ...... فربما كنتِ تودين السفر الى احد المتنجعات الراقية )

رفعت نظرها اليه و اهدته اشد الابتسامات سحرا و هى تهمس

( بل افضل تماما ان نكون وحدنا ,,,,,,)

شعرت فجأة باختفاء الأرض من تحتها حين مد ذراعيه و حملها بسرعة.....فشهقت ضاحكة و هي تقول

( احمد ...هذا الفستان يحتاج الى اربعة اشخاص ليتمكنوا من حملي .......)

ضحك احمد ثم قام بقذفها لأعلا لعدة سانتيمترات ثم التقطها مرة اخرى و هى تصرخ ضاحكة ............ثم اتجه بها اخيرا لتلك القلعة الغامضة ......

حين دخل احمد وسابين .......اخذت تنظر الى ذلك المنزل الضخم الذى يفوح منه رائحة الماضي المثيرة ..... بتصميمه الاثري و اثاثه القديم لكن فى نفس الوقت رائع ..... اللوحات الزيتية الضخمة .... الثريات الفخمة المتدلية ...... السجاد العتيق و الوانه التى يتداخل بها الأحمر الياقوتي الدافىء

صعد بها احمد مباشرة على السلالم الرخامية الى الطابق العلوي .... بينما اخذ قلبها يصرخ بشدة مما ينتظرها ........

دخل بها الى غرفة نوم ضخمة .... ذات فراشٍ ضخم يعتبر تحفة فنية فى حد ذاته بالستائر الشفافة التى تحيط به من كل جوانبه ......

انزلها على قدميها ..... فاخذت تدور حول نفسها مغمضة عينيها فاتحة ذراعيها ....... لا تصدق السحر الذى تعيشه ......اخذت تدور وتدور .... الى ان شعرت بذراعيه يعتقلان خصرها بشدة ...فارتفعت اقدامها عن الارض قليلا و فمه يلتهم فمها بقسوةٍ بينما اخذ يكمل الدوران هو وهويحملها .....وظلت سابين مغمضة عينيها لتعيش كل لحظةٍ من هذا الحلم .........

لحظاتٍ بعدها و كانت قدميها تقفان على الارض مرة اخرى بينما يده تمتد لتنتزع ترحة الزفاف و تلقيها بعيدا ...... لتشعر بعد ذلك بسحاب ثوبها يهبط ببطءٍ كاد ان يحرقها ...........

و بعد صراعٍ مع هذه الكومة الضخمة من الحرير ..... حملها اخيرا الى الفراش و القاها عليه .......ثم هجم عليها ليقضى على عذاب الأيام التى عرفها فيها ..... بينما ضاعا تماما و ضاع الماضى و المستقبل و كل شيء الاهما و اللحظات التى يعيشونها.....

فتحت سابين عينيها على صوتٍ اخترق نومها الهش لينتزعها من احلامها الرائعة ..... فقفزت جالسة و هى تحاول التأكد من الصوت الذى سمعته ...... وحين نظرت الى الجانب الخالي بجوارها ..... قفزت من الفراش و هى تجر اغطيته اليها لتلف بها نفسها ثم جرت الى النافذة و هى تحاول التبين من الظلام الذى لا زال يسود الدنيا بالخارج ........الا ان ما لم تخطئه ابدا ......هو سيارة احمد الذى انطلقت بسرعة ٍ محدثة صوتا عنيفا و مخلفة و رائها الرماد الهائج ......... وعروسا تقف فى النافذة مذهولة و هى لاتزال ملتفة بغطاء الفراش ......................................

الفصل الخامس عشر (1) 


كان شعاع الضوء الشاحب يتسلل من بين الستائر العتيقة ليرسل بعض الأمل الى الغرفة الصامتة المهيبة والتى تجعل من يدخلها يشعر بأنه دخل الى زمن العصور الوسطى .....بستائرها المخملية الداكنة الحمرة و المرايا ذات الاطارات المذهبة و السجاد البارز رسومه

والفراش الضخم بأعمدته النحاسية المزخرفة و ظهره المغطى بلوحةٍ مشغولة على الحرير ..... و الستائر الشفافة المتطايرة تحيط بهذه الاعمدة .......

وكانت اغطيته وو ساداته المبعثرة فى كل مكان هى الدليل الوحيد على وجود حياة فى هذه الغرفة ..... وعلى المعركةِ الطاحنة التى دارت به منذ ساعاتٍ قليلة ........

بينما فى ركن من اركان هذه الغرفة الاسطورية و لتكتمل لوحتها الخيالية .... كانت تجلس على الارض امراءة رائعة الجمال , ملتفة بغطاء حريري رافعة ركبتيها الى صدرها ......و شعرها الاسود الهمجي ينساب متموجا على اكتافها وظهرها حتى كاد ان يلامس الارض التى تجلس عليها ......

لا تتحرك ..... لا ترمش , بعيناها التى تشبه الاحجار الكريمة ليس فقط فى لونها بل ايضا فى صلابتها و هى تنظر امامها بلا اى تعبير يدل على انها حية تتنفس ............

مشاعر ميته .... فراغ .... فراغ هائل بداخلها يجعلها لا تكاد ترى ما حولها .......

"لا تخبرينى ان واحدة فى ذكائك قد وقعت فى فخ عرض الزواج الزائف هذا ...." عادت هذه الجملة تطل بصوتِ الافاعي الناعم الى عقلها ...... كما ظلت تتسرب اليها طيلة الايام السابقة و هى تحاول اخمادها و ابعادها عن ذهنها بكل غباء .........

كيف فعل ما فعله ؟................ هنا تركها وحيده فى هذا المنفى .......بعد الليلة السابقة , كيف استطاع ان يكون معها بكل هذه الروعة و الصبر حتى حررها من كل حواجزها لتدخل عاصفته المهلكة و تذوب منه وفيه ..... كيف نجح فى منحها هذه السعادة بينما كان ينوي تركها على هذا النحو ........

ماهى ابعاد خطته الجهنمية ..... هل ظهور ايثار بالامس هو السبب .... ام كلامها البشع .... ام ان يكون قد خطط لانتقامه منذ وقتٍ ابعد ..... انقاذا لزواج دراين مثلا ؟........ هل وصل به الغباء لهذه الدرجة السوداء ؟..........

متى سيظهر ؟...... هل ينوي تركها هنا لتموت ؟........ ابتسمت ابتسامة مريرة و هى لا تتعجب ان فعلها ....... فانتقامه كان اسوأ من القتل الف مرة .....

حين نظرت اليه من النافذة و هو يطير مبتعدا ...... جرت فى لحظة تبحث عن هاتفها الا انها تذكرت انها تركته فى السيارة , فجرت تجر غطاء الفراش خلفها لتخرج من الغرفة و تهبط السلالم جريا و هي تبحث عن اي هاتف حتى و جدت هاتفا لا تتذكر انها رأت مثله الا فى الأفلام القديمة لكن حين رفعته الى اذنها بلهفة لم يواجهها الا الصمت المطبق الذى كاد ان يخرق طبلة اذنها ...... فانزلت السماعة عن اذنها ببطءٍ شديد و هى تنظر امامها و هى تشعر بالفخ الذى ُنسج لها ......... فاخذت نفسا عميقا تحاول تهدئة نفسها ثم صعدت السلالم مرة اخرى متجهة الى الغرفة ثم فتحت الدواليب الضخمة بعنف .... فلم تفاجأ كثيرا بانها فارغة تماما تنبعث منها رائحة ماضي غريب ......اغلقتها بعنفٍ وهى تصرخ بصرخةٍ شرسة تردد صداها فى ارجاء هذا المنزل العملاق ..........

لقد اخذ حقيبة ملابسها التى كانت اعدتها لقضاء شهر العسل و تركتها بسيارته .......... تركها وحيدة عارية فى مكانٍ مجهول بلا اى وسيلة مواصلات , ما كل هذا الكره الذى كان يحمله بداخله تجاهها ليفعل بها هذا ..... كيف استطاع ان يرغبها مع كل هذا السواد بداخله ..... استندت بظهرها الى الحائط و نزلت ببطء تجلس على الارض غير قادرة على التحرك بعد ان تكسرت الى الف شظية ..... ومن وقتها و هى تجلس بهذه الحالة ... حتى تسرب الشعاع الفضي من النافذة .........

.................................................. .................................................. ...........................................

كان مستلقيا على فراشه و اضعا ذراعه على عينيه كأنه يحاول محو الصور المتلاحقة لسابيةٍ همجيةٍ آتيةٍ من العصور السحيقة ......

تحاوط عنقه بذراعيها.... تتأوه و تتنهد بدفء ..... شعرها الأسود الهمجي يتناثر من حوله كستارة حريرية مظلمة تلقى على وجهه لتسحب منه و هى تلسع بشرته بنعومتها .......

كان يظن نفسه دائما من النوع المتزن المسيطر على نفسه ..... لا تهزمه مشاعر او رغبات ..... كل شىء كان يقوم به باعتدال الى ان عرفها .....

كما لم يظن ان تكون ناعمة الى هذه الدرجة المجنونة ................ و لا ان يكون بداخلها هذا النبع من البراءة التى ظهرت عليها لتجعلها تتجمد قليلا و تظهر عليها معالم عدم الثقة وهى تنظر اليه بعينين متسعتين فى رهبة بينما كان وجهها احمرمثل الورود الحمراء

لكن ما ان اخذ يهدئها حتى استسلمت بين ذراعية و ذابت معه فى عاصفة مجنونة اطاحت بهما معا .......

رفع ذراعه عن عينيه ببطء ليقوم و يجلس على حافة الفراش ....... ثم التقط الصورة الغالية الموضوعة بجوار الفراش ....... اخذ ينظر اليها طويلا .............حبيبتى اشتقت لعينيكِ الحنونتين ..... اشتقت ليديك التي كانت تمسح تعبي ...... صوتك ..... ابتسامتك ........

اخفض رأسه حتى لامس الصورة بجبهته ...... ثم همس

(سامحيني يا ليال .......... سامحيني حبيبتي )

وضع الصورة مكانها ....... ثم اخذ نفسا عميقا و مسح وجهه بيديه لتعود القسوة و البأس الى ملامحه ........ ثم نظر الى ساعة يده لحظة قال بعدها بهمسٍ شرس

(لازل اليوم امامك طويلا يا زوجتي ....... فانعمي بوحدتك قبل ان اصل اليكِ ايتها الشرسة )

.................................................. .................................................. .........................................

في نفس الوقت من الصباح الباكر الذى يتسلل شعاعه الفضى على غرفة اخرى حيث كانت تلاعب خصله شارد من شعره و هي مستلقية بجواره تستند على مرفقها و تنظر الي وجهه المجروح المتجهم .........همست له اخيرا

( تكلم معي يا فارس ....... مالذى يغضبك الى هذه الدرجة ؟....)

ظل مستلقيا على ظهره ناظرا امامه و ملامحه متصلبة لا يظهر عليها اي تعبير سوى القسوة ...... حاولت سما الكلام معه مرة اخرى فاقتربت منه و قبلته برقة على جبهته و هى تهمس

( لماذا لا تكلمني هل فعلت ما يغضبك ؟.............)

ارتجفت عضلة بجانب فكه الا انه لم يتحرك او يتكلم معها فقالت فى اسى

( اذا كنت قد اغضبتك فانا اسفة ......اصرخ بي كما تشاء لكن لا تصمت هكذا )

انسابت دموعها بنعومة على وجهها وهى لا تدري لها سببا .....بلى تدري ..... تدري اسبابا عديدة لدموعها.....انها كانت تظن انهما اقتربا من بعضهما كثيرا فى الايام السابقة ..... اقتربا كثيرا جدا ليطلعها على كل شىء يؤلمه .........

تبكي لانها كانت شبه لانها لا تتحمل رؤيته يعود الى انعزاله و يعاود الالم للظهور بعينيه من جديد ...... بعد ان كانت بدأت ترى ابتساماته و ضحكاته ...............

تبكي لأنها تغار من حلا ومن سابين .............. شهقت شهقة صامته و هى تغص بدموعها حتى لا يسمعها ...........

الليلة و هي تنظر الى كلا من حلا و سابين ..... كانت تشعر بالغيرة ..... ترى كيف ينظر ادهم الى حلا .... كيف يتشوق الى ان يقبل وجهها ..... كيف يبتسم لها .......كيف يتحين الفرص ليحيط خصرها بذراعه ......... و منذ يومين كانت واقفة فى الحديقة فى الظلام فى ركنٍ لا يراها احدا منه فشاهدت حلا واقفة فى شرفتها تستند بكفيها على سور الشرفة و هى تتأمل المنظر من امامها ...... ليأتي ادهم من خلفها ليفاجئها ثم اخذ يضاحكها .... الى ان حملها بين ذراعيه و دخل بها الى غرفتهما ...... ظلت تنظر الى شرفتهما طويلا و هى تشعر بتسارع دقات قلبها و سخونة فى خديها .....بينما اخذ الاشتياق ينهش اعماقها الى هذا الوحش الغبي بجوارها الذى يأبى ان يحرر انوثتها الى الآن ..... يذيقها حبه مراتٍ ومرات ثم يبتعد عنها ليتركها تحترق فى نار حبه التى اشعلها ...... لماذا يفعل بها هذا ......الازال يكرهها ...... هل يراها اقل من ان تصبح زوجة فارس مهران ......

سقطت دمعة من على وجهها بنعومة على وجهه ..... رمش بعينه مرتين ثم مد يده ببطء الى وجنتها يتلمسها و هو عاقدا حاجبيه ثم قال اخيرا بصوتٍ اجش

(لماذا تبكين ؟.......)

ابتلعت ريقها و هى تصدر صوت بكاءٍ منخفض بينما لم تستطع النطق .... فما كان منه الا ان ازداد عبوسا و جذبها بذراعه لتسقط على صدره ........ فلم تستطع ان تتحمل اكثر فاخذت تشهق باكية و هو يزيد من ضمها اليه دون ان يحاول تهدئتها ....... كيف يهدئها و هو لا يستطيع تهدئة نفسه .........

بعد ان بكت على صدره كثيرا تنهدت تنهيده كبيرة بعد ان هدأت قليلا من الاعصار المؤلم الذى اصابها ..... ثم رفعت نفسها بعد لحظات لتستند على مرفقها مرة اخرى وتعود الى النظر اليه ......... وحين شعرت ان قدرتها على الصبر نفذت اقتربت ببطء من وجهه لتلمس شفتيه بشفتيها الناعمتين برقة فشعرت به يتجاوب معها بخفة فتشجعت اكثر لتعمق قبلتها ..... شعرت به بعد لحظاتٍ يتشنج ثم امسك وجهها بكلتا يديه ليبعدها عنه و هو يلهث , فتجهمت لا تصدق انه يبعدها عنه .... حتى قبلاتها اصبح لا يريدها ؟........همست بتحشرج

( فارس ....لماذا تبعدني عنك ؟....)

صمت لحظة و انفاسه الغاضبة الساخنة تضرب وجهها بقسوة ثم قال لها بصعوبة

(انا لا ابعدك .......)

مدت يديها لتبعد كفيه عن وجهها ثم همست بجرأة

(اريد ان اقبلك .......)

ابتلع ريقه كأنه يسيطر على نفسه بمعجزة ولم يستطع النطق ..... فاقتربت من وجهه مرة اخرى لتقبل كل جزء من وجهه ..... وجنتيه ....عينيه ..... ذقنه .....لتنتهى بشفتيه مرة اخرى ...... هذه المرة جذبها اليه بشدة فوقه ليُسقِطها على الجهة الأخرى من الفراش و يميل فوقها وهو يغرقها بقبلاته الحارقة التى انسابت على عنقها و شفتيها ........و احاطت هى عنقه بذراعيها تتنهد بشوق و تحرك وجهها برقة يمينا و يسارا بتناغم مع وجهه ......... و بعد ان غابت تماما فى دوامه المشاعر التى تجمعهما , لم تشعر بنفسها وهى تهمس

( احبك .....احبك ........يا الهى كم احبك )

تجمد في مكانه فجأة , ما ان وصلت هذه الهمسات الملتاعة الى اذنيه ........رفع وجهه ببطء وهو ينظر اليها مذهولا ثم قال اخيرا

(ماذا قلتِ؟!!......)

نظرت اليه برعب وهى لا تصدق ان الكلمات التى قالتها فى قلبها آلاف المرات قد تحررت منها اخيرا و غادرت شفتيها ليسمعها هو .....قالت له مذعورة بتلعثم

( لم اق.....لم اقل شيئا.....)

مد يده ليقبض على ذقنها و اقترب منها بوجهه و همس بعنف ولوعة

( ماذا قلتِ يا سما ؟.....اريد ان اسمعها مرة اخرى )

ظلت صامته ترتجف و هى لا تعلم ان كان غاضبا ام سعيدا ...... وان كانت تستطيع ان تعيدها لاذنيه ام تسكت حفاظا على حياتها

اقترب ابهامه و سبابته من شفتيها فضغط عليهما برفق و اقترب منهما وهو يهمس مرة اخرى

(قوليها يا سما ......قوليها)

همست بدون وعي (احبك ....)

تأوه بعنف ثم وضع شفتيه على شفتيها المفتوحتين و همس فيهما ( قوليها ....)

همست بتحشرج لتخرج همساتها الى شفتيه مباشرة ( احبك ..... احبك .....احبك.....احب.. )

التهم كلمتها الأخيرة قبل ان تكملها ........وكاد ان يلتهمها هى كلها بينما يدور بها مرة اخرى الى الجانب الآخر دون ان يترك شفتيها ....مرت الدقائق المشتعلة بينهما و هو يدور بها من جانب لآخر حتى كاد قلبيهما ان يتوقفا من شدة صراعهما ...... وحين ظنا ان هذه هى نقطة اتحادهما اخيرا ....بعد عذابِ السنوات الفائتة ........

ارتفع صوت طرق صارم على باب الغرفة , ليأتي بعده صوت اكثر صرامة

(سيدتي .....السيد ادهم و السيدة حلا ينتظراكما على مائدة الافطار .......)

رفع رأسه عنها قليلا و هو يرتجف ثم اخذ يشتم بعنف بينما اخذت سما تعيد اكتاف ثوبها الى مكانها ثم وضعت اصابعها المرتجفة بسرعة على فمه لتكتم شتائمه البذيئة وهمست بسرعة وهى غير قادرة على التقاط انفاسها بعد

(اصمت يا فارس ستسمعك ......)

قال وهو يلهث تحت يدها المرتجفة (دعكِ منهما .....لن ننزل )

ثم عاد يقبلها بعنف يحاول استعادة اللحظات المجنونة بينهما , الا ان سما قالت وهى تتملص من تحته و تحاول الابتعاد عن مرمى شفتيه.......ثم استطاعت الهمس اخيرا

( ان لم ننزل سيعرفان ماذا نفعل ......)

ضحك فارس ضحكة صغيرة و همس وهو يهجم عليها مرة اخرى

(و ماذا نفعل ؟.........)

احمر وجهها و قالت تترجاه و تحاول الابتعاد عنه ( فارس ... ارجوك سيصعد ادهم ليطمئن عليك بالتأكيد ان لم ننزل )

قال لها بعنف وهو يزفر( الا يوجد اي خصوصية فى هذا المكان ؟........ )

قالت له سما فجأة بجرأة وعنفٍ يكاد يماثل عنفه (لقد كنت موجودة بجوارك طوال الليل .......بل كنت موجودة طيلة ثلاث سنوات فماذا كنت تنتظر .....)

نظر اليها مذهولا مما سمعه بينما ادركت هي ما نطقت به .........فساد بينهما صمتا مطبقا قاتلا للحظات طويلة , انهاها فارس حين همس

(هل تريدين ان تصبحي زوجتي يا سما ..... زوجتي بالفعل )

احمر وجهها بشدة الا انها قالت بعنف (غبي.......)

ثم قفزت من الفراش بسرعة وهربت الى الحمام بينما ظل هو بالفراش يبدو عليه الذهول من السرعة التي انتزع بها كل الاعترافات التى يريد منها .........ظهرت على شفتيه ظل ابتسامة اخذت تتسع تدريجيا حتى شملت وجهه باكمله , ثم همس لنفسه

(ستضطرين للانتظار لفترة اخرة يا سيدة سما ....... فترة بائسة قصيرة......... قصيرة جدا )

نظرت سما الى نفسها فى مرآة الحمام ...... ماهذا الذى قالته لفارس ....... كيف استطاعت ان تكون وقحة الى هذه الدرجة ......لقد ادى الكبت بها الى حافة الانهيار ...... ترى هل يشعر الآن بالنفور منها لأنها اعترفت له بهذه البساطة عما تريده ...... لكنه كان يعرف قبلا ان هذا ما كانت تنتظره ..... والا فلما كانت تسمح له بالاقتراب منها الى هذه الدرجة ........ الا اذا ...... الا اذا كان يتسلى بها فقط ...لا يريد التزاما ........لا .... لا .....فارس يريدها ..... هى تعلم بذلك .......حتى وان كان هو لا يعلم بعد انه يريدها زوجة ...... واما لاولاده ........

ابتسمت برقة و هى تتخيل اطفالا صغارا ...بنين وبنات .... يشبهون فارس ..... بكل جماله وروعته ........

آآآآه يا ادهم ..... هل كان من الضروري ان ترسل فى طلبنا الآن ..................تنهدت باسى ....... ثم عاودت الابتسام وهى تفكر

انت لى يا فارس ........ مهما طال الوقت انت لي .........

.................................................. .................................................. .............................................

كانت تجلس ممددة على الاريكة ينساب شعرها الاسود الناعم على اكتافها تتخلله بعض الشعيرات الفضية ......الدليل الوحيد على مرور السنين على هذا الشعر الرائع .....بعض الخطوط الدقيقة تشق هذه البشرة الرائعة التى تهافت الرجال للمسها يوما ...... عيناها ذات اللهب الازرق و التى لم تظهر سوى الحقد و الاغواء ..... هما فقط ما عرفتهما طوال عمرها .........

اخذت تنظر الى الصور القديمة بين يديها ......تنظر الى ابتسامته...... لعينيه ...... كم مرت السنوات بسرعة على فراقهما ........ سنواتٍ هى من عمر سما تماما .... احدى وعشرون عاما .....

كان وسيما جدا ..... رجلا بحق بالرغم من فرق العمر بينهما .....الا انه كان وسيما رجوليا... جذابا لاقصى حد ......

ابن عمها ....عماد ..... كان فخر عائلة الراشد , اكثرهم طموحا و مثابرة .... اكثرهم بأسا وصلابة ......كانت جميع فتيات الراشد تتمناه ....... الا انه فى النهاية اصبح من نصيبها هى .......يوم زفافهما كانت تشعر بانها ملكة و هى تسير متعلقة بذراعه وهى تنظر الى نظرات الغيرة العمياء من كل الفتيات من عمرها و الاكبرعمرا ايضا ........

لقد تزوجته وهى من عمر سما حين تزوجت فارس .......فى السابعة عشر ...... بينما كان هو في السابعة والثلاثين .... الا انها لم تكن لتهتم بفارق العمر بينهما ......ففى عائلة الراشد لم يكن هناك اي رجل يوازيه فى المكانة .......

لقد تعبت كثيرا وهى فى هذه السن الصغيرة لكي تلفت نظره وتوقعه فى حبائلها .......الا انها لم تيأس ابدا .....الى ان استطاعت اخيرا جره الى فخ الزواج ....... وقد حدث هذا بعد ان تعمدت افتعال فضيحة كبيرة , اجتمع بعدها رجال العائلة و ارغموه على الزواج من ابنه عمه المراهقة التى اغراها بدون اى ضمير ........

الا ان الحقيقة كانت انها ظلت تلاحقه و تلاحقه وهو لا يلقي بها بالا ابدا .........بالرغم انها اعتادت منذ ان بدأت تشب عن الطوق على ان يقع الرجال أسرى لسحرها الفتاك .........و كان كلما اهملها , ازدادت شراسة فى ملاحقته و اغواءه .......الى ان حانت اللحظة الحاسمة حين بدأت تشعر اكثر من مرة ببدء استسلام رجولته تجاه حرب الإغواء القاتلة التى شنتها عليه , فتعمدت حينها الاختفاء لفترة قصيرة عنه حتى اصبح كالمجنون ....... وحين ظهرت له فجأة بكل ما استطاعت جمعه من اسلحة الأنوثة و مقوماتها .......حتى لم يتمالك نفسه , ليهجم عليها محاولا اشباع القليل من جوعه الرجولي الذى ظلت تنميه طوال هذه الفترة .........ليفاجأ بعدها .....بهجوم عائلي حوله من كل جهة .........ودموع التماسيح و الافاعي تسقط من عينيها الزرقاوين لتسترحمه و تستجديه ......

و حين اجتمع رجال العائلة لمواجهته و سؤاله عن نيته .......رد ردا قاطعا لا يقبل النقاش بأنه سيتزوجها ......يومها .......يومها نالت ايثار الراشد حلمها الأول ...... وعرفت من وقتها ان طريق تحقيق الأحلام المستحيلة ليس صعبا .......ليس صعبا ابدا ...........

فلقد تغلبت على ارادة عماد الراشد........ وتغلبت فى لحظة على حبه القديم الذى استمر لمدة عشر سنوات قبل ذلك .......... والذى انتهى بفضيحة كبيرة لعائلة مهران .......فضيحة لم يغفرها ابدا آل مهران و كانت على وشك اراقة الدماء بسببها بين العائلتين ......

وقد انتهت بتحطم قلب عماد ليعيش على ذكرى اميرته الحبيبة لمدة عشر سنوات كاملة ....... الى ان ظهرت ايثار بكل انوثتها الفجة و اسقطته بعد كفاح مرير .......

و حين انجبا فتاة صغير ذات عيونٍ فيروزية كالاحجار الكريمة .........كانت الاميرة اصبح لديها ولدا فى التاسعة من عمره .......

رفعت ايثار عينيها من الصور القديمة و قد اشعل الحقد الاسود اللهب الأزرق فى عينيها لتطل النظرة المخيفة منهما ...... نظرة من يعرفها , يدرك ان هناك من سيتأذى أذى شديد .........

ليلة الأمس قررت انها لن تكون الخاسرة الوحيدة فى هذه الصفقة .... فتأنقت و اصبحت من الجمال بما يوازي جمال بناتها الثلاث .....و ذهبت بكل عزم الى زفاف سابين ...... لكن ما ان رأت أميرة القصة القديمة حتى احرقتها نيران الغضب الأعمى و لم تستطع تمالك نفسها فدخلت تلك الدخلة المسرحية التى افسدت كل شىء .......

لم تكن تتصور ان الأميرة ستظهر فى زفاف السابية التى سبت زوج ابنتها الوحيدة ...... كانت تظن انها ستظل بعيدة تتحسر على سقوط ابنها الوحيد فى نفس الفخ الذى سقط فيه زوج ابنتها ....... و اقد ارضاها هذا الاعتقاد , ارضاها تماما , بالرغم من انها لن تستفيد شيئا من هذه الصفقة عكس ما كانت ستحصل عليه من زواج سابين بمازن ........ الا ان مجرد تخيل الاميرة القديمة تبكي وتتحسر و تحاول اقناع ابنها بالعدول عن هذا الزواج ..... ارضاها تماما و جلب الى نفسها سعادة وحشية ........

لكن حين رأت الأميرة بكل سيطرتها وهيبتها وطلتها الملكية .......وهى تتلمس وجه سابين بتأمل و كأنها تستعيد الماضى منه ........حتى اشتعلت ايثار و اندفعت لتلقي قنبلتها الموقوتة كما فعلت , لتخسر المارد الى الأبد .......

التقطت هاتفها و طلبت رقما ثم اتاها الرد المقتضب ......فسألته بصوتٍ خافت مخادع

( كيف حالها ؟....... انت لم تكلمني منذ فترة )

لم تغفل اذنها عن صوت تأفف خافت من الطرف الآخر .... ثم ساد الصمت قليلا ليأتى الصوت البارد ليقول

( انها بخير ...... لا تطورات حتى الآن , ان حدث أى شىء سأخبرك )

اغلقت الهاتف وهى تبتسم بسخرية ...... الأحمق , يبدو انه سقط فى حبها كما كنت اتوقع تماما .......ومن يعرفها عن قرب ولا يحبها ؟.........

لكن هذا يخدم كل مخططاتها ..... فليحبها اذن كما يشاء , لكن عليه الا يأمل كثيرا فهى ابعد اليه من النجوم .......لكن ماذا ان احبته هى ؟........ ستكون هذه هى الكارثة...... لا..... بالتاكيد لا .......لا داعي للقلق ......

تنهدت بسخط وهى تتطلع حولها ......جميع بناتى اصبحن يسكن القصور و انا هنا فى هذا الجحر .........كتفت ذراعيها و اخذت تتلمسهما بكفيها وهى تتطلع حولها مرة اخرى ....... الصمت يخيفها ..... ها هي قد اصبحت وحيدة ...... الصغيرات لا يردنها فى حياتهن .........لكن ليس الامر بهذه البساطة .......هى السبب فى ما هن فيه الآن ..... هى من ادخلتهن الى مملكة آل مهران ......هى السبب فى انهن تربين فى القصور منذ صغرهن ...... و الآن يدرن ظهرهن اليها ........ لقد رحلت سابين دون تلقى بالا بها ...... تركت لها من المال ما تنفقه فى شهرٍ واحد فقط .......سما لم تأتي لخدمتها منذ فترة ...... الغبية ....تسلم دفتها الى فارس بشكلٍ ميؤوسٍ منه ....... لم تاخذ سما منها اي شىء ......انها ضعيفة للغاية .... تتحمل وتتحمل دون مقابل ..... لكن لن يظل الوضع هكذا طويلا ......ستدفع ديونك يا فارس .....لقد اخذت اغلاهن لدي .... ويجب ان تدفع ثمنها .......لقد دفعت قديما ثمن الطفلة التى حصلت عليها لترعاك ...اما الآن ......فقد حان الوقت لتدفع ثمن المرأة الدافئة التى تقدم اليك سببا لتحيا من اجله .........

ارجعت رأسها الى الوراء و هى تهمس ...... لابد انكِ تعيشين حلما اسطوريا الآن يا سابين .....لقد حظيتِ بكل ما تمنيتِه .....قد تكونين بالفعل اذكى منى ..... فأين انتِ و اين انا الآن ........

ظلت مكانها طوال اليوم تتحسر على أيامٍ ضاعت منها ..... على الرجل الأول فى حياتها و الذى تركها ...... على الامبراطور الذى لفظها بعد مماته من مملكته .......

وبعد وقتٍ طويل غفت مكانها على الأريكة التى لم تتحرك من عليها طوال اليوم ......... والصور القديمة مستقرة بين أحضانها ....

.................................................. .................................................. .............................................

مضى اليوم سريعا وانتشر الظلام مرة اخرى ليحيط بقلعة المارد ليحيطها بجوٍ رهيب من الخيالات و الظلال التى تشبه الأشباح و الصمت الذى لا تتخلله الا أصوات الحشرات الليلية .........

ثم فجأة انطلق صوت إطارات سيارة تقترب بسرعة جهنمية من باب القلعة , لتقف مرة واحدة مصدرة صريرا صارخا ....

صوت باب السيارة يفتح ثم يصفق بعنف ..........صوت باب القلعة الضخم يفتح مصدرا صوت مزلاقه القديم من الصدأ ....... ثم صوته وهو يغلق ليهز ارجاء المكان........

أقدامٍ سريعة تصعد الدرج ...درجتين ..درجتين .....تقترب وتقترب الى ان توقفت امام باب الغرفة لعدة لحظات ..... مقبض الباب يدور فى مكانه ببطء..... ليفتح الباب .....

سمعت صوت الأقدام تقترب منها بصمت على السجاد السميك ...... حتى وقفت هاتين القدمين أمامها مباشرة و هى لا تزال جالسة على الأرض ملتفة بغطاء الفراش ..... ناظرة أمامها بصلابة كتمثالٍ من الرخام .........

( كيف حال عروسي الساحرة ......)

انطلق صوته الذى تغير من الهمس العاشق ليلة أمس الى سخريةٍ هازئة ٍ الآن نفذت الى اعماقها لتطعنها فى صميم قلبها .......

ارتفع رأسها ببطء لتنظر اليه من مكانها دون ان تتحرك و دون ان تهتز عضلة واحدة بوجهها ..... ظلت عيناها الفيروزيتان تسبران عمق عينيه البنيتين الصلبتين .......ثم أخيرا همست بصوتٍ لا تعبير له

( لماذا تزوجتني ؟.........)

نظر اليها من علو ..... وسكت لا يملك الا الإعجاب بشدة بأسها و صلابتها .....لا يصدق انه لا يرى عينيها الجميلتين متورمتين من البكاء كما تخيلهما ........أى فتاة تستطيع ان تمر برعب الساعات السابقة وتظل بهذه الصلابة ؟................

لا انهيار .... لا حالات هيستيرية .... فقط سؤالا باردا مسلما به ...دون ان تحاول ان توهم نفسها بآمالٍ زائفة ........رغما عنه اعترف بأن هذه المقاتلة الشرسة , خصما لا يستهان به .......

انحنى ليجلس القرفصاء أمامها ..... ثم مد يده ليقبض على ذقنها ويرفع وجهها اليه ... ثم قال بعد لحظة بكل وضوح

(تزوجتك .... لأننى أردتك ان تكونى زوجتي )

جذبت ذقنها من يده بعنف و شراسة ثم قالت بغضبٍ أعمى

( دعك من التلاعب بالألفاظ و أخبرني عن خطتك الجهنمية ......... ماذا تريد منى ؟...)

نهض على قدميه ثم انحنى ليسحبها بعنفٍ من ذراعيها لتقف أمامه بينما ظلت تتلوى بشراسة كالنمرة بين يديه الى ان قال يتهجى كلماته ببطْء أمام وجهها

(أريد ان اطهرك ......)

سكنت تماما بين يديه لتنظر اليه بذهول محاولة استيعاب ما قاله للتو...... وحين وجدت أنه لا يمزح من الجدية المرتسمة على وجهه قالت تتأكد بصوتٍ خافت

( ماذا قلت ؟.......)

اجابها بنفس الوضوح وهو يشدد قبضته على ذراعيها

( لقد سمِعتِني.......سأطهرك من كل الافعال السوداء التي قمتي بها فى حياتك المسمومة )

ظلت صامته لعدة لحظات ...... ثم فجأة و كأن بركانا من الغضب انفجر بعد كل هذا التماسك الصلب خلال الساعات السابقة ...... لتصرخ صرخة عالية دوت كصوت الرصاص ....... بينما اخذت تتلوي وتضربه بأقصى قوتها بقبضتيها على صدره .... ثم اخذت تصرخ به بكلماتٍ بالكاد فهمها و هو يحاول السيطرة على مقاومتها الوحشية

( ايها النذل .... ايها المتوحش ..... من تظن نفسك لتحاكمني بهذه الطريقة ......)

ظلت تصرخ وتصرخ حتى بدأ صوتها فى التحشرج مهددا بجرحِ حنجرتها ........فاخذت تسعل قليلا وهى تقاوم ذراعيه بضعفٍ بدأ فى التسلل اليها حتى و قفت تماما تحاول التقاط انفاسها بصعوبة .....رفعت عينيها المجروحتين اليه و التى لا تزال الشراسة بهما تهدد بقتله ......وقف هو الآخر ينظر الى آثار الدمار الذى تسبب به ليحطم كيانها , لكنه لم يشعربأى نوع من أنواع الإنتصار ....بل على العكس الجرح الذى شاهده فى عينيها شتت عزمه ..... تماما كما حدث الليلة الماضية .... الا انه الآن لن يستسلم .....سيمضى معها الى نهاية الطريق .....قالت له اخيرا كفريسةٍ مجروحة

( ماذا تعلم عن حياتي لتقرر ان تحاسبني بهذه القسوة ؟..........)

شد على ذراعيها مرة أخرى و هو ينظر فى عمق عينيها ... ثم قال هامسا بشراسة

( انتِ ستخبرينني .........)

عقدت حاجبيها و هى تحاول الفهم الذى بات مستحيلا مع شدة التعب التى حلت بها ..... ثم همست تقول

( أخبرك بماذا ................)

تركت إحدى يديه ذراعيها لتقبض على فكها بقسوة و هو يصرخ بها بغضب

( ستخبريني بكل ذنبا ارتكبته يوما ....... كم رجلا اوقعتي فى حبائلك .... كم اسرة دمرتِ بعبثك .....كم رجلا ذاب فى حبك و اوهمتيه بأنك تبادلينه الحب بينما انتِ تتسلين به........كم لعبة اغواء مارستها لتتقدمي في عملك و تصلي الى المكانة التى انتِ فيها الآن ...... ستخبريني بكل هديةٍ ثمينة تلقيتها فى حياتك و ما كان المقابل )

كانت تنظر اليه مشدوهة من صراخه بهذا الكلام البشع .... لكن الأبشع ان الكثير منه كان صحيحا و هو يريد قائمة بكل التفاصيل الدنيئة لم يمهلها لتنطق حرفا واحدا فاخذ يكمل بوحشية

( ستخبريني بكل تفاصيل اللعبة المحكمة التى لعِبتها انتِ و أمك لتدمرا دارين .......او بالأصح تدمرا أمى تصفية لحسابات الماضي ....وفى نفس الوقت الحصول على الصيد الثمين الذى سيؤمن لكما المستقبل .... بالطبع من يكون غير مازن مهران )

صمت قليلا هو يحاول التقاط انفاسه ثم همس أخيرا

(لن تخرجي من هنا يا سابين الا بعد ان تعترفي بكل ما اقترفته من جرائم فى حق البشر فى سبيل مصلحتك الشخصية ........ و بعد ان تعترفي بها كلها .... سنجد الوسيلة التى تكفري بها عن جميع أخطائك المخجلة .......)

ظلت تنظر اليه برعب ٍ مما يطلبه وما يعتقده..... غير قادرة على الكلام ..... لم تكن تظن انه يحمل كل هذا القدر من الضغائن لها..... لم يكن الأمر مجرد زواج دارين ..... ان الامور معقدة اكثر مما تخيلت يوما .......استطاعت أخيرا الهمس بتحشرج وهى تنظر اليه بجرحٍ عميق

( طالما ان هذه هى مخططاتك فلماذا الليلة الماضية ..........)

لم تستطع ان تكمل كلماتها ....... بينما ظل هو صامتا و لم يجبها ......ففسرت صمته على الفور بالطريقة الوحيدة التى أوحت بها تصرفاته القاسية ..... فهتفت فجأة برعب ٍ تسأله و هى تجيب قبل ان تسأل

(كنت تريد ان تتأكد .... اليس كذلك .... كنت تريد ان تتأكد ان المرأة الحقيرة التى تزوجتها لم يمسها غيرك ........اليس كذلك ؟....)

اخذت تنشج بضعف دون ان تسمح بسقوط دمعة واحدة من عينيها .......ثم صرخت بضعف

( أيها المنافق ......تتصور أنك حامي الفضيلة .... بينما انت مناااااافق .... لست اكثر من منااااافق )

شدها من ذراعيها و صرخ بها ( الزمي حدودك يا سابين ......لن اسمح لكِ ابدا فى تخطي الخطوط التى وضعتها بيننا ....)

ظلت تقاومه و هى تصرخ ( لقد شهدت امام الله ان تكون زوجى ...... بينما فى ضميرك كنت تخطط لانتقامك القذر ..... الا تعلم ان هذا نفاقا أيها الفاضل ..... هل تخدع الله أم تخدع نفسك )

قال لها بهدوء بعد ان سمعها للنهاية ( لا نفاق يا سابين ..... انتِ زوجتى ولا نية لدي للانفصال عنكِ .... لقد تعهدت بحمايتك , و سأحميكِ حتى من نفسك ......)

ترك ذراعيها ثم ابتعد عنها و هو يقول

( سأتركك الآن لتفكري فيما قلته لكِ ....... فانا كنت اتكلم بجدية )

استدار ليبتعد ...الا انه لم يلبث ان استدار مرة أخرى و هو يقول بهدوء

( يجب أن تكوني شاكرة يا سابين .....فلكل انسان مهما بلغ شره الحق فى الحصول على فرصة ......فان اضاعها.. حُكِم عليه ان يعيش مع شره للنهاية ........ وانا اقدم لكِ هذه الفرصة فلا تضيعيها )

سار عدة خطوات الا انها هجمت عليه كالنمرة لتحاول خدش وجهه بمخالبها و هى تصرخ.....الا انه كان اسرع منها فامسك بها بشدة ليحملها بوحشية .... ثم سار الى الفراش وهى تقاومه بكل قوتها , وما لبث ان القاها بكل قوته لتطير عبر ستائر الفراش الشفافة لتسقط عليه بعنف ..... و ما ان حاولت الجلوس حتى خرج هو مندفعا من الغرفة ..........

قامت من الفراش و هى تحمل بيديها اطراف الغطاء الذى يلفها .......ثم جرت خلفه و هى تصرخ

( احمد ..... احمد .....)

كان هو بنهاية السلالم .... و هي تجرى خلفه و الغطاء الحريري و شعرها الهمجي الطويل يتطايران خلفها ..... اخذت تصرخ

( احمد لا يمكنك تركي هنا مرة أخرى ......... احمد )

وصل الى الباب فى نفس اللحظة التى وصلت فيها اليه ..... فجذبته من ذراعه بشدة و هى تكمل صراخها

؛( لن تخرج ..... اسمعتني .....لن تخرج و تتركني هنا )

ظلت تتشبث به بعنف وهو يحاول التخلص منها ....... الى ان حملها فى النهاية بذراعه من خصرها ليلقي بها بعيدا ..... فسقطت على الأرض تتأوه بضعف .....

قال لها اخيرا وهو يعدل سترته

( لا تنسي ان تأكلي شيئا ..... المطبخ مليء بالطعام ......وها هى حقيبة ملابسك بجوارك .......تصرفي بحرية فهذا بيتك ايضا )

ثم خرج دون ان يسمح لها بالنطق و هو يوصد الباب الضخم خلفه بصوتٍ زلزل أعماقها ..............


الفصل الخامس عشر (2) 


كانو جميعا يجلسون الى مائدة الأفطار صباحا .....يسودهم الصمت و الوجوم و كأنهم لم يتعافوا بعد من أثارحفل الزفاف بمهاذله .....فقد كان ادهم و فارس متجهمين بشدة .... وحلا تعلو ملامحها الصدمة ...... أما سما فقد كانت تجلس متألمة و هى تمسك فى يدها مجلة من المجلات العديدة الموضوعة أمامها .... تنظر الى الصور العديدة التى التقطت لهم فى مواقف متعددة من حفل الزفاف ..... ثم همست و قد تساقطت دمعة على و جنتها

( يا الهى لقد شوهوا الحقائق تماما ............)

اكملت وهى تختار بعض المقاطع من المجلة ( حفل الزفاف الأسطوري يتحول الى مهزلة .........شجارخفي بين والدتي العريس و العروس ينتهي برحيل والدة العروس دون حضور باقي الحفل ...........فارس مهران يضرب رجلا خلال حفل الزفاف ......ومن المواقف التى اذهلت المدعوات .. اقتحام ادهم مهران لحمام السيدات ......حيث فوجئت بعض المدعوات بوجود ادهم مهران مع زوجته داخل حمام السيدات ..........)

سكتت سما غير قادرة على المتابعة من شدة صدمتها ......... و ظل الصمت مخيما عليهم عدة لحظات ...... الى ان انفجر فارس فجأة بالضحك , رفعت كلا من سما وحلا رأسيهما اليه وهما تعبسان من مزاحه فى مثل هذا الموقف ثم قالت سما بحنق

( فارس ..هذا ليس مضحكا )

لم يستطع فارس السيطرة على نفسه و ظل يضحك بصوتٍ عالى حتى دمعت عيناه و هو يقول من خلال ضحكه

( كان هذا رائعا ....... اقصد اقتحام ادهم لحمام السيدات , سيظل هذا الخبر يلاحقه لسنين عديدة )

انطلقت ضحكة ادهم تعقب ضحكات فارس بشدة ........فهتفت حلا به

( أتضحك الآن يا ادهم ..... بعد تلك الفضيحة التى تسببت بها ..... لهذا لجأت الى سما عين شعرت بالتعب .... كنت اعلم انك ستقوم بعملٍ متهور )

ظل ادهم وفارس يضحكان بينما كلا من حلا و سما تنظران اليهما بغضب .... الى ان قال ادهم و هو يضحك

( الموقف الحقيقي ليس مضحكا .... لكنهم صورره و كأني حاصرتك فى الحمام ......و كأننا لم نستطع الصمود ضد اشواقنا )

احمر وجه حلا بشدة و هى تصرخ بينما علت ضحكات فارس اكثر

( ادهم ........توقف )

التققط ادهم يدها برقة يقبلها وهو لايزال يضحك ثم قال

( و الحقيقة اننى اقتربت كثيرا من فعل هذا لولا تعبك .........)

سحبت حلا يدها بسرعة و هى تهتف حانقة ( ادهم إن لم تتوقف ..... فسوف أغادر الآن )

ظل ادهم يضحك بشدة ثم جذب مقعدها ليجره اليه بكل سهولة وهى جالسة عليه حتى اصبحت ملاصقة له ....ثم احاط كتفيها بذراعه وجذبها اليه ليقبل زاوية فمها بكل رقة الى ان ذابت تماما و همست

( ادهم توقف نحن لسنا وحدنا .........)

همس لها فى اذنها دون ان يسمعهما فارس وسما ( ما رأيك ان تسبقينني الى الحمام لنحصل على الخصوصية التى نريدها .......فلقد اغرتني الفكرة تماما )

احمر وجهها بشدة حتى اصبح بلون الكرز الشديد الحمرة فأدارت وجهها وهى تحاول الإبتعاد عنه قليلا هامسة

( ادهم ارجوك .....توقف )

الا أن ادهم لم يتركها وهمس مرة أخرى فى أذنها بصوتٍ اكثر انخفاضا و اكثر دفئا لتدخل أنفاسه الساخنة الى أذنها مباشرة

(للأسف أنا مضطر الآن للذهاب الى العمل ...... لكن حين أعود ...... لن نخرج من الحمام الى صباح اليوم القادم )

شهقت حلا آخذة نفسا عميقا وهى تكاد تسقط تحت المائدة من مشاعرها الهوجاء التى اشعلها ادهم بكلماته الخارجة عن إطار الأدب .....

كانت سما تراقب ادهم وهو يتهامس مع حلا بينما اصبح وجه حلا على وشك الأنفجار من شدة احمراره .... فتشوشت الرؤية أمامها فجاة بسبب غمامة الدموع التى غطت عينيها .......و هى تتذكر فارس الذى ما ان صعدا الى غرفتهما الليلة الماضية ..... حتى انقلب على جانبه موليا ظهره اليها وهو يتمنى لها ليلة سعيدة !!!........

كان يجب ان تتوقع هذا .........لقد أفزعته باعترافها الأحمق بحبها له , انه الآن بالتأكيد يشعر بها حملا ثقيلا على أكتافه , لا يريد ان يلتزم به .........الى متى ستظل تتعذب بقربه منها على هذا النحو ......

( بماذا شردتِ ؟........)

نظرت سما الى فارس الذى همس لها بهذا السؤال .... فقالت بصوتٍ منخفض بعد لحظة صمت

( كيف عرفت اننى كنت شاردة ؟.......)

قال لها بابتسامة رائعة سحرت عينيها

( انكِ تتشبثين بكفي .........)

اخفضت نظرها بسرعة لتفاجأ بأنها تمسك بيده الموضوعة على المائدة أمامها و هى غارزة اظافرها القصيرة فى باطن كفه بشدة دون ان تدري ......

تركت يده على الفور و كأنها لسعتها .......ثم ابتلعت ريقها وهى تقول بجفاء ٍ لم يخف على أذنه الحساسة

( كنت شاردة فى ........ لا يهم ..... شيئا لا أهمية له ......لا تهتم )

ابتسم و قد لمعت عيناه ببريقٍ مشتعل وهمس بداخله ...... صبرا ياسمينا ....صبرا .....

اقترب منها وهمس فى اذنها .......( يبدو انكِ غاضبة من شيءٍ ما ........ان ظللتِ غاضبة لن اخبرك بالمفاجأة التى أعددتها لكِ )

التفتت اليه بسرعة و هى تهتف بتوهج ( أي مفاجأة ؟.........)

ارتفع رأسي ادهم وحلا ينظران الى سما التى هتفت بسؤالها بصوتٍ عالى دون ان تدرك .......فاحمر وجهها بشدة و صمتت تماما

فقال فارس مبتسما ( لقد كنت اخبر سما عن المفاجأة التي حضرتها لها الليلة .........)

فابتسم ادهم وهو يقول بغموض ( حقا ........ )

أوما فارس برأسه مبتسما ثم التفت الى سما يقول ( الليلة ....... سنذهب لتناول العشاء في الخارج مع أدهم و حلا )

شحبت سما و بهتت ابتسامتها ... وظلت تنظر اليه طويلا و هى تشعر أنه القى عليها دلوا من الماء المثلج ...... المتبلد ... عديم الإحساس ....عشاء ؟!!!!...... ومع ادهم و حلا ؟!!!!!....... هل هذه هى المفاجأة التى اتعب نفسه فى تحضيرها ؟.........

بالطبع بالنسبة له يعتبر هذا عملا بطوليا و تضحيةٍ لا مثيل لها ..........فهو منذ اكثر من ثلاث سنوات تقترب من الأربع حتى الآن ....لم يخرج معها الى أي مكان ........لذا فهو الآن يعتبر نفسه قد قدم اليها نجمة من نجوم السماء ..........

لم تشعر يوما بنفسها حانقة عليه كما تشعر الآن ............تريد ان ترفض ..... لكن نظرات ادهم و حلا المسلطتان عليها منعتاها من التفوه بكلمة ........

الا انه بدا وكأنه يريد أن يثير غضبها اكثر و اكثر ........فقال بتلهف ساذج

( الست سعيدة ؟...........كنت اظنك ستقفزين كما تفعلين دائما حين تتحمسين لشىء ........)

قال كلمته الأخيرة بصوتٍ اكثر خفوتا و دفئا فاحمر وجهها بشدة حين تذكرت الأيام التى كانت تقفز فيها بأحضانه و هما وسط الأمواج الى ان يكبلها بذراعيه فيسقطا معا فى الماء ........

عديم الإحساس ....... عديم الاحساس ......يذكرها دون خجل بتلك الأيام التى اعطاها فيها دروسا غير كاملة فى الحب ليتركها تتلهف اليه اكثر واكثر ........

قالت ببرودٍ غير قادرة على إخفائه ( انا سعيدة ...... سعيدة للغاية ...... اكاد اطير من البهجة )

عبس فارس وهو يقول بعتاب ( انا اشتم رائحة السخرية فى كلامك .......هل هذه هى المكافأة التى احصل عليها فى النهاية ؟......)

مكافأة ؟!!!.........مكافأة ؟!!!!.........هل يعتبر اناء العصير الثقيل هذا خطيرا اذا كسرته على رأسه ؟.........

اخذت نفسا عميقا و هى تحاول تهدئة نفسها ...... تُردد بصمت .....اهدئى .... انه فارس حبيبك .....يكفي انه يحاول ابهاجك حتى وان كان بشىءٍ بسيط ...... الا تتذكرين اياما كنتِ تتمنين فيها وردة او حتى ابتسامة من شفتيه ......يكفي انه بجوارك ....... انه حبيبك فارس يكفي انه بجوارك لا يهم أي شيئا آخر .........لا يهم .......

التفتت تنظر اليه بعينين مجروحتين .... ثم ابتسمت اخيرا برقة حقيقية و هى تقترب لتقبل وجنته قائلة

( انا آسفة ...... لم أقصد اغضابك , انا حقا سعيدة .....شكرا لأنك فكرت بي )

مد يده ليغرز أصابعه في شعرها و هو يجذبها اليه ثم يطبع قبله قوية على خدها كادت ان توشمه من شدة قوتها ..... ثم قال اخيرا

(أنتِ تستحقين الأفضل ...........)

لم تفهم ماذا يقصد .....و ما هو الأفضل ؟..........لكنها رفعت يدها لتلامس قبلته المطبوعة على خدها و التي كان تأثيرها يضاهى تأثير أشد قبلات الغرام ..................

.................................................. .................................................. .................................

دخل ادهم مهران بكل هيبته و عنفوانه الى المكان .... فتوتر الجميع رهبة منه , تقدم الى الفتاة الجالسة على المكتب و التى رفعت رأسها اليه مشدوهة من جاذبيته الخارقة ........وصلها صوته الرجولي العميق يسأل

( هل السيد أيمن وحده ؟.......)

اجابت الفتاة بتلعثم (نعم وحده سيدى .... من نخبره ....)

الا انها لم تكمل سؤالها حيث فوجئت بأدهم يتقدم مباشرة الى المكتب المقابل بكل ثقة .... اندفعت الفتاة خلفه لتقول

(سيدي يجب ان تحدد موعد أولا ........سيدي لا يمكنك الدخول دون أن اخبر السيد أيمن )

كان ادهم قد فتح الباب بالفعل ودخل قبل ان تستطيع ايقافه ........اتجه ادهم الى الرجل المذهول الجالس خلف المكتب.....ووقف امامه ينظر اليه نظرة اثارت الهلع في نفسه من شدة بأسها ........

قال ادهم بكل ثقة وهدوء (اعتقد انه من الأفضل ان نتكلم بمفردنا......)

اشار الرجل المصدوم الى الفتاة بأن تخرج و تغلق الباب خلفها ..... و ما ان خرجت حتى قام الرجل من مكانه ليلف حول المكتب و يتقدم مادا يده ليصافح ادهم وهو يقول بتلعثم

( سيد أدهم ..... انه شرف كبير ان تأتي بنفسك الى مكتبي )

تجاهل ادهم يده الممدودة ......و قال بصوتٍ صلب

( اجلس...... هناك حديث بيننا و قد يطول )

جلس الرجل على احد الكرسيين امام المكتب بينما جلس ادهم على الآخر مستندا بظهره , واضعا ساقا فوق الأخرى بكل عظمة ......ظل ينظرلحظاتٍ قليلة الى الرجل المرتبك الجالس أمامه يتهرب من عينيه ....... ثم قال أخيرا بكل حزم

( دون أي مقدمات ..... أريد جوابا مباشرا على سؤالي .......من أين تعرف زوجتي ؟.....)

اتسعت عينا الرجل و ارتبك اكثر واكثر ثم قال يتلعثم اكثر من الأول

( زو....زوجتك ؟!!...... انا لا اعرف ..... انا لا اعرف زوجتك سيدي )

تظاهر ادهم بالنظر الى سترته بلا مبالاة .... ثم قال بصوتٍ اكثر هدوءا

( فلنجرب بطريقة ٍ اخرى ........)

فجأة انزل ساقه و هجم على الرجل الجالس امامه بسرعةٍ لم يتداركها .... ليجذبه بعنف ٍ اليه من أعلى ربطة عنقه ليضيق الخناق على عنقه اكثر و اكثر حتى كاد الرجل ان يختنق و قد اتسعت عيناه على اقصى مدى .......فقال ادهم بنفس الهدوء

( حسنا الآن ......هل سأحصل على اجابة أم اثير فضيحة هنا انت فى غنى عنها ؟.......)

أوما الرجل برأسه رعبا ..... فتركه ادهم بشدة ليسقط على كرسيه مرة اخرى ......... تحرك الرجل من مكانه يريد ان يستدعي الأمن الا ان صوت ادهم انطلق قاصفا

( اياك ان تفكر في التحرك من مكانك لأنك لن تستطيع الوصول سليما الى اي مكان...... كما احب ان اعلمك بأن لدي ملفا قد يودي بك خلف القضبان لسنين عديدة.... بالتأكيد انت اعلم بهذا الملف اكثر مني ..... فانا أحبائي كثيرين وقد سرهم للغاية ان يخدمونني في هذا الموضوع )

عاد الرجل الى الاعتدال فى مكانه محاولا التقاط انفاسه ثم قال اخيرا بخوف

( ماذا تريد ان تعرف ؟....... لكن يجب ان تعطيني الأمان اولا...... فما ستسمعه لن يعجبك )

كتم ادهم الشعور المقبض بداخله ....... وظل وجه صارما بلا اي تعبير بينما اعماقه تغلي من التوجس وهو يقول

(اعطيتك الأمان ..... تكلم )

قال الرجل و هو يحاول السيطرة على نفسه متحاشيا النظر الى عيني ادهم المتوحشتين

( لا أعرفها حقا ..... فقط قابلتها مرة فى حفل منذ عدة سنوات...... حفلا كان يقام كل فترة .....لم اكن اعرف وقتها من تكون , كنت اظنها ......)

ابتلع ريقه وهو يخشى على حياته من الوحش الجالس أمامه و المستعد للإنقضاض عليه في أي لحظة ..... فماذا ان سمع الباقي ؟......

اكمل يرتجف وهو لا يملك سوى ان يصل للنهاية

(حاولت ان اكلمها و قتها ......حين وجدتها تقف وحيدة , الا انها قامت بصدي بشدة ...... حينها اقترب مني احد أصدقاءنا وجرني بعيدا .... ليسألني ان كنت مجنونا لأتجرأ وأكلمها هي بالذات ...... فسألته عمن تكون اذا كانت موجوده فى مكانٍ كهذا ......)

ابتلع ادهم ريقه وهو يقول بصوتٍ خافت مرعب

( أي حفلا كان هذا ؟.......)

اخفض الرجل رأسه غير قادر على الرد مرتعبا من هول ما سيحدث بعدها ......لكن حين شاهد ادهم يتحرك قال بسرعةٍ بلا تفكير

( حفلا ..... من الحفلات التي .....)

لم يجرؤ على الإكمال و هو ينظر يمينه و يساره بتوتر ......لكن ادهم فهم ....فهم و اصابته الحقيقة فى مقتل .... الا انه سأل محاولا الا يتحشرج صوته .....

( مع من كانت ؟..........)

قال الرجل و أعماقه تتآكل من الخوف

( لم اكن اعرف وقتها ..........الا ان صديقي الذى سحبني من جوارها قال ....... قال .....انها ملك لرجل من رجال عصابات كان يحضر مثل هذه الحفلات دائما وكنا نراه كل حفل مع امراءة مختلفة ....ومعظمهن من سيدات المجتمع , الا ان هذه الحفلات كانت تتسم بالسرية ..... وفي هذا الحفل تحديدا كان المقربون منه يعرفون انه جاء لينال هدفه اخيرا من سيدة شهيرة ..... زوجة رجل أعمال فى امبراطورية ضخمة ......و قد جاء معها زوجها ...... فهذه الحفلات ..... انت تعرف .....)

سكت وهو يعلم انه أعطى للرجل الجالس أمامه السلاح الذى سيقتله به ........ثم قال ادهم اخيرا دون أي تعبير

(وما الذى حدث بعد ذلك ........)

قال له الرجل بسرعة ( أنا لا أعلم حقا باقي التفاصيل ...... فأنا ما أن سمعت اسم رجل العصابات هذا .. حتى ابتعدت عنها على الفور .....فهو كان رجلا لا يرحم ...... ولا يتوانى عن سحق من يقترب من ممتلكاته ......وقد انصرفت على الفور مبتعدا عن مشاكل انا فى غنى عنها .......لكن ما سمعته بعدها ........ان هذا الحفل انتهى بنهايةٍ مأساوية ..... بسقوطها من النافذة !!!......وقد ارعبني هذا , ان المرأة التى كنت أكلمها منذ عدة ساعات ... سقطت من النافذة !!!...... وقد دارت في خلدي كل القصص المحتملة من ان يكون سقوطها متعمدا أو تم القاؤها من النافذة ........كنت أظنها ماتت طيلة هذه السنوات ...... لذا فقد صعقت حين رأيتها مرة أخرى ..... ولم أخطئها ... فوجهها لا يُنسى بسهولة .......)

سقطتت من النافذة ..... سقطت من النافذة ...... لا لم تسقط .. لقد قفزت من النافذة ..... لقد نطقت بها حلا أمامه .... و هو اعتقدها تهذي ..... قام من كرسيه ببطء فقام الرجل خلفه لا يصدق بقاؤه على قيد الحياة حتى هذه اللحظة ...... كان خلف ادهم مباشرة حين استدار ادهم بسرعة ليقبض بكلتا يديه على عنق الرجل الذى جحظت عيناه بشدة ...... ثم قال ادهم بشراسة و قد تحول فى لحظةٍ الى شيطان

( ان انتشرت كلمة واحدة مما سمعت الآن ...... فستكون من عداد الموتى أ?


الفصل السادس عشر من هنا


بداية الروايه من هنا


🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS