لم يدعُها إلى الجحيم...
بل هي من ذهبت بـ كامل إرادتها...
زفرت بـ ضيق عدة مرات وهى تترجل من سيارة الأجرة وبقت تُحدق بـ تلك المدينة التي لطالما كرهتهت على الرغم من عدم زيارتها لها مُسبقًا ولكن يكفي ما تداوله الأقاويل عنها "مدينة الموتى" هذا ما وصلها عنها
لأول مرة بـ حياتها تكره اسمها..مجرد حرف صغير أودى بها إلى هُنا..لم يكن عليها أن تكون هُنا بل بجوار والدها القعيد ولكن أخطأ أحدهم ما بين حرفي "اللام والدال" فـ أُستبدلت بـ زميلها
إنتبهت على صوت السائق وهو يقول
-نزلتلك الشُنط يا ست العرايس
-مُتشكرة...
قالتها وهي تمد يدها بـ بضع ورقات نقدية ليأخذهم السائق ثم رحل
بقت هي تلعن سوء حظها فـ هي فتاة لم تتجاوز السادسة والعشرين من عُمرها تعمل كـ جراحة بـ إحدى المشافي الحكومية التابعة لمدينتها ولكن شاء القدر أن يتم نقلها إلى تلك المدينة نظرًا لما تُعانيه من عجز بـ طاقم العمل
وضعت نظارتها الشمسية على عينيها الزرقاوين بـ لون السماء الصافي
تنهدت حاملة لحقائبها ثم توجهت إلى بوابة المدينة..كانت الساعة لا تزال مُبكرة على خلاء الطُرق بـ هذه الطريقة المُثيرة للريية..إبتلعت ريقها بـ توجس ولكنها تشجعت وأكملت طريقها
بـ سيرها بقت تُشاهد معالم المدينة الساكنة..المِحال مُغلقة ولا ترى بشري واحد..داهمتها أحد مشاهد الأفلام الأجنبية التي تُشاهدها..تكون المدينة فارغة ومن ثم يبدأ القاتل بـ مُطاردتها..ضحكت على سذاجتها بل بـ الواقع هذا ما تنتظره..فـ المدينة هي مسقط رأس الخارقين عن القانون بـ كل أنواعهم وأجنساهم فـ لا ريب أن الجميع يهرب من تلك المدينة النائية
وفي ظل السكون والرياح هي المؤنس الوحيد..وجت أحد المِحال مفتوحة..تهللت أساريرها وإتجهت إليه سريعًا..ولكنها توقفت وعينيها تتسع بـ هلع فـ لم يكن هذا المحل سوى لمتاجرة السلاح..إبتعلت ريقها وقررت العودة دون أن ينتبه لها من بـ الداخل
تجمدت هي على صوت ليس بـ الغليظ ولا بـ الرفيع وهو يهدر
-مش حظر التجوال بدأ!!..ماشية ليه يا ست أنتِ!!...
إبتعلت ريقها وقد تجلدت كل عضلات جسدها فـ عجزت عن الحراك وظلت تُتمتم بـ حسرة
-منك لله يا سليم..رقبتي هطير بسببك...
إستدارت بـ إنتفاضة على صوته وهو يزعق..لترفع النظارة فوق خُصلاتها البُنية مُمتزجة بـ الشقار الإصطناعي..عاينها الرجل من رأسها حتى أخمص قدميها ثم نظر إلى حقائبها ليحك ذقنه قائلًا
-شكلك لسه جديدة!..مش كدا يا ست !
-أومأت بـ تردد قائلة بـ خفوت:أيوة..أنا دكتورة..إتنقلت جديد هنا...
لمحت إبتسامة خبيثة ترتسم وهى تراه يُعاين جسدها المُغري بـ وقاحة..لتضرب بـ كعب حذائها الأرض بـ صرامة جعلته يرفع حاجبيه بـ إعجاب قبل أن يردف بـ نبرة لا تقل خُبثًا عن إبتسامته
-نورتي يا ست الدكاترة كلهم...
نظرت إليه بـ إشمئزاز قبل أن تتشدق بـ جمود ونبرة خشنة
-طب أنا عاوزة أروح المستشفى
-ليرد هو بـ عبث:طب مش تروحي تريحي يا ست الدكتورة من تعب السفر!..في مُكنة تروحيها ولا تحبي أوديكِ بـ نفسي
-إتسعت عيناها بـ صدمة ولكنها هدرت:أفندم!!..أنت بتقول إيه يا راجل أنت؟!...
قهقه الرجل بـ قوة حتى إهتز كتفيه وبقت هي تُحدق به بـ غضب..ليقول بعدما فرغ من ضحكاته
-متتزرزريش كدا..القانون هنا بيقول..إعمل كل حاجة إلا إنك تقرب من ست أه..دا سيف على رقبة أي راجل هنا..فـ متخافيش عشان أنا هخاف أكتر منك لو فكرت أأقربلك..دا مبيرحمش...
إنتبهت حواسها لتلك العبارة الأخيرة لتسأله بـ إهتمام
-مين دا!!...
رفع منكبيه وصمت لتزفر بـ ضيق وعادت تسأله
-مين دا اللي مبيرحمش؟
-إلتوى شدقه بـ سخرية وقال:مفيش داعي تسألي..أنتِ هتعرفي لوحدك...
وها هو لُغزً جديد يُلقى بـ طريقها بـ تلك المدينة..ألا يكفي الرُعب الذي إجتاح أوصالها..حظر تجوال ثم مِحل أسلحة غير مُرخص مفتوح بـ ذلك الحظر وأخيرًا من لا يرحم الذي لا تعرفه بعد..ولكن ثمة هاجس بـ عقلها أخبرها أنها لا يجب أن تعرفه..لا يجب..لا يجب أبدًا
إرتفعت أنظارها إليه وهو يقول بـ جدية
-بصي يا ست الدكتورة..شوية قوانين هتعرفيها بس مش دلوقتي..أنا هوصلك لسكن حُنين كدا عليكِ بتاع واحدة أعرفها..ومحدش هيقربلك..زي ما قولتلك مفيش حد يقدر يكسر القانون دا وإلا حياته هتكون هي التمن...
أمن المُفترض ما قاله يُطمأنها؟..بل على العكس أضفى المزيد من الرُعب لرُعبها الحالي..ضمت قبضتيها تُخفي إرتجافتها وهي تستمع إلى صاحب المحل يُخبر من بـ الداخل أنه سيقضي مصلحةً ما ثم يعود..أشار بـ يده وقال
-إتفضلي يا ست الدكتورة..ألا الدكتورة اسمها إيه!
-تحركت بـجواره وهمست:سديم
-حك ذقنه ثم قال بـ إبتسامة واسعة:الله..اسم حلو أوي..لأ ولايق عليكِ...
إمتعضت ملامحها..يُحادثها وكأنه يعرفها مُنذ زمن..وكأنه من الطبيعي أن يُحادثها ..وكأن كل هذا طبيعيًا أن يحدث
ظلت تسير بجواره والرجل يتحدث بلا إنقطاع ولا تنكر أنه يتمتع بـ حس فُكاهي رائع ولكنه لم يتطرق إلى ما يخص تلك المدينة بل حياته الشخصية و زوجاته الأربع الاتي لا يقدر عليهن بل ويُفكر بـ قتلهن والهروب
************************************
توقفا أمام بناية ليست بـ حديثة الطُراز ولكنها تفي بـ الغرض..طلب منها صاحب المحل أن تنتظره بـ الأسفل..أومأت بـ موافقة ليصعد هو
بعد عدة دقائق ظهر هو ومعه فتاة تبدو في الثلاثين من عُمرها تبتسم بـ وجهها المشوه بـ حرق بـ وجنتها اليُسرى ولكنه لم يُخفِ ملامحها الجميلة
إبتسمت تلك الفتاة ثم رفعت عباءتها السوداء لتقول بـ حبور وهي تتقدم من سديم
-هي دي الداكتورة!..يا ألف أهلًا وسهلًا..خطوة عزيزة يا ست الكُل
-ردت سديم بـ إقتضاب:شكرًا
-تولى الرجل الحديث:دي سُمية طليقتي!!...
إرتفع حاجبيها بـ ذهول..أهو مُتزوج لأربعة وأخرى طلقها!..لا تُصدق تلك الحميمية بـ تعاملهما..طليقته ولكنها تتحاور معه الآن وكأنه جارها
-لازم تشليها فـ عينيكِ يا سُمية..دي من طرفي
-أشارت إلى عينها اليُسرى ثم اليُمنى وقالت:أنت تؤمر والقمر تستريح...
إستدارت سُمية إلى سديم الذي عقد الإنشداه لسانها ثم أردفت وهى تُمسك مرفقها بـ حركة عفوية
-أنا عندي ليكِ مُكنة هتعجبك..صحيح مش كبيرة أوي..بس أنتِ ست لوحدك مش هتحتاجي أكتر من كدا...
ثم عادت تلتفت إلى صاحب المِحل وقالت بـ نبرتها العالية ضاربة على صدرها عدة مرات
-دي بقت فـ حمايتي يا حج..مش هخليها تحتاج أيتوها حاجة
-أصلية يا بت..إبقي تعالي...
أردف عبارته بـ مكر وهو يضربها بـ مرفقه بـ خاصتها..لتضحك سُمية بـ غنج وهي تومئ بـ تأكيد..كانت سديم تُتابعا ما يحدث بـ أعين جاحظة لا تُصدق..بيئتها الطاهرة التي نشأت بها تلوثت بـ شخصين أغرب من الكائنات الفضائية
إنتبهت على صوت سُمية وهى تقول بـ صوتها الرنان
-معلش يا ست الداكتورة مفيش هنا أسانسير فـ هتطلعي على رجلك...
ثم صمتت دون أن تُكمل لتقول بـ عفوية وإنبهار
-بسم الله الله أكبر..عينكِ لونهم حلو و واسعين...
ثم ضحكت لتقول وهي تصعد
-أنا مبحسدش..بس عينيكِ لونهم حلو ومبنشفهوش كتير
-أومأت سديم قائلة بـ إبتسامة تظهر لأول مرة:شكرًا..أنتِ كمان جميلة أوي
-ضحكت سُمية مرةً أخرى ثم أردفت:تسلمي يا غالية...
وصلتا إلى الطابق الخامس لتقول سديم بـ إنهاك
-السلم مُتعب أوي
-معلش يا ست الداكتورة..البيت قديم شوية..بس مرة فـ مرة هتتعودي...
كانت بـ مُقابل شقتها أُخرى ألقت عليها نظرة خاطفة ولكنها لم تُعيرها أدنى إهتمام..فتحت سُمية الباب ودلفت وسديم خلفها
الشقة مساحتها متوسطة..صالة وساحة إستقبال صغيرة..تحتوي الأولى على أريكتين عصريتين مُتقابلتين وتلفاز موضوع بـ مسافة ليست ببعيدة عن الاريكيتين..والثانية بها صالون عتيق ولكنه أنيق..وشُرفة طولها لا يتعدى الخمس أمتار ولكن عرضها واسع..بها طاولة مُستديرة وحولها مقعدين خشبيين من اللون الأبيض
وغُرفتين إحداهما واسعة وأُخرى ضيقة..المطبخ معزول قليلًا ومساحتة ليست بـ الهينة وكذلك المرحاض
أُعجبت سديم بـ الشقة ولكنها قالت بـ مرح
-كل دي وصغيرة!..أومال لو كبيرة كانت هتبقى أد إيه؟!
-ضحكت سُمية وقالت:أومال لو شوفتي الشقة اللي قصادك!..دي كلها متجيش حمام جنبها..والله يا ست سديم لولا إنها متسكنة مكنتش تتعز عليكِ
-نفت سديم قائلة:لالا..دي حلوة أوي
-معلش بقى هي مش نضيفة..هبعتلك كام بت كدة يقوموا بـ الواجب
-عادت تنفي:لا ملوش لزوم..أنا هقوم بـ الواجب..قوليلي بقى الإيجار كام!
-تحولت معالم سُمية بـ ضيق وقالت:عيب كدا أنتِ بتشتميني يا عروسة ولا إيه!..أنتِ جاية من طرف المعلم وميصحش اللي بتقوليه
-أصرت سديم قائلة:وبرضو ميصحش أقعد من غير فلوس
-ربتت سُمية على ذراعها وقالت:مش هنختلف..بس نتفق بعدين..السفر أكيد تعبك..يلا فُتك بـ عافية...
عدلت من وضع وشاح رأسها الذي يظهر منه مقدمة خُصلاتها الشقراء ثم رحلت
أمسكت سديم بـ حقائها وجرتها إلى الغُرفة لتنتقي بعض الثياب المُلائمة لعملية التنظيف ولكن بعد تناول وجبة خفيفة كانت قد إبتاعتها أثناء السفر
*************************************
خرج من المرحاض بعدما أخذ حمامًا هادئ..دلك مُؤخرة عنقه لإزالة تلك التشنجات..إلتقط الفُرشاة وبدأ بـ تمشيط خُصلاته السوداء ثم وضعها وإتجه إلى المطبخ لإعداد كوبًا من الشاي الأسود
وضع الماء الساخن بـ الكوب..إسترعى إنتباهه تلك الإضاءة الآتية من المطبخ المُقابل لخاصته..أمسك الكوب وإتجه إلى النافذة ليجد بعض الحركة التي تدب هُناك..يبدو أنه سيُصبح جارًا لآخر ولا يستبعد أن يكون أربعيني لزج
لوى شدقه بـ عدم إكتراث ثم إتجه إلى الصالة..إلتقط هاتفه عندما صدح بـ نغمته ليضعه على أُذنه و يقول بـ صوتٍ عميق
-خير!!
-أتاه صوتًا من الجانب الآخر:إيه يا بني أنت فين!
-أجاب دون إكتراث وهو يتجه إلى الشُرفة:كنت باخد دُش..لسه راجع من القسم دلوقتي
-طيب عمتن هتعمل إيه؟!
-جلس على المقعد الأسود وقال:فـ إيه!!
-زفر الآخر وقال:يا بني ركز..في دكتورة جاية عندك ولازم تخلي بالك منها هي منقولة غلط أصلًا
-ضرب على سطح الطاولة وهدر بـ غضب:قولت ستات لأ..مفيش ست تدخل المكان دا ولا هو عِند وخلاص
-عِند إيه بس!..قولتلك جت غلط أصلًا..المفروض واحد اسمه سليم يجي بدالها بس حصل لَبس فـ الموضوع فـ لبست هي...
حك جبهته بـ عُنف وقال من بين أسنانه
-والمفروض بكل اللي بيحصل هنا..أبقى مسئول عن واحدة ست كمان صح!
-أتاه صوت الآخر يقول بـ تهدئة:معلش يا قُصي..تعالَ على نفسك كام شهر لحد أما المستشفى هنا تتصرف
-زفر بـ حنق قائلًا:أوووف..طيب..يلا أقفل...
أغلق الهاتف ثم ألقاه بـ غضب فوق الطاولة ليحك خُصلاته السوداء التي تصل إلى عنقه ليُتمتم بـ حنق
-ناقص أنا ستات وقرف...
إرتشف من كوبه الساخن ليستمتع بـ نسمات الهواء الهادئة عند الغروب قبل أن يتجه إلى نومه حتى يتجه إلى عمله صباحًا
وعلى الجانب الآخر كانت سديم قد إتجهت إلى الشُرفة لتفتحها ثم وقفت بها تتطلع بها..إبتسمت بـ إعجاب فـ هي تُشبه شرفة منزلهم بـ مدينتها..مدينة الإسماعيلية
إلتفتت حولها تُشاهد الطريق الساكن وقد حلّ المساء..دون قصد إلتفتت إلى الشُرفة الخاصة بـ الشقة المُقابلها لخاصتها ولكنها شهقت بـ صوتٍ مكتوم وهي ترى جارها الوقح..يجلس مُعطيًا إياها ظهره العاري لا يرتدي سوى منشفة تُحيط خصره وساقيه حتى رُكبته
تضرجت وجنتيها بـ خجل لترتبك وتعود أدراجها ولكن بعد أنا أثارت الفوضى وشق السكون صوت تخبطها بـ أثاث الشُرفة
إلتفت قُصي على صوت الذي أقتحم خلوته بـ غضب ولكنه لم يجد سوى أثاث مُبعثر وصوت باب الشُرفة يُغلق..ليُتمتم بـ غضب وفد تقلصت عضلات وجهه بـ إمتعاض
-كمان مبيحترمش الجيرة والهدوء...
***********************************
وقفت تلك الخادمة أمام الغُرفة المُحرمة..مُترددة بـ الطرق..لا أحد يقترب..لا أحد يجوز له بـ الإقتراب..لا أحد ينجو من بطشه
لا تعلم ماذا عليها أن تفعل ولكن الأمر هام..و زوجته المريضة تطلبه وتتألم..إبتلعت ريقها بـ تردد وهى تقول بـ داخلها
-أهي موتة والسلام...
طرقت بـ خفة ولسان حالها يُردد الشهادتين..دقائق وسمعت صوت خطواته تقترب..إستشعرت غضبه وإستشعرت نهايتها تلوح لها من بعيد
فُتح الباب على مصرعيه لترتد عدة خطوات والرُعب يجتاح جسدها فـ إرتعشت..عيناه السوداء تُرسل نظرات تُخبرها "ألم أُحذر بـ الإقتراب!"
إبتلعت ريقها الجاف وأردفت بـ تلعثم وكل عضلة بـ جسدها ترتعد
-آآ..آسفة..بس..بس...
توقف لسانها عن التحرك وتقطعت أحبالها الصوتية وهي ترى عيناه تشتد قسوة ولكنها أردفت سريعًا عندما شعرت بـ قدرتها على تحريك لسانها
-الست هانم تعبانة وطلبت تشوف حضرتك...
ما أردفت به..شفع لها..فـ قد تركها وتحرك سريعًا إلى غُرفة زوجته دون أن ينظر إلى الخادمة التي وضعت يدها على صدرها تتنفس بـ إرتياح فـ قد ظنت أن رئتيها إنكمشتا وفقدت القدرة على إدخال الأكسجين وإخراج ثاني أكسيد الكربون..لتركض بعدها إلى الأسفل فـ قد كُتب لها الحياة
************************************
إرتدى بنطاله الأسود وعليه كنزته البيضاء وإضجع فوق الفراش..حاول النوم عبثًا وتلك الأصوات الصادرة عن الشقة المقابلة له تُقلق راحته
زفر بـ ضيق ليستدير على جانبه الأيسر ليضع الوسادة فوق رأسه ولكن صوت تحريك الأثاث يُصدر إحتكاك قوي يخترق أُذنيه
إنتفض جالسًا على الفراش يسب ويلعن ذلك الجار المُزعج..هز ساقه بـ عصبية و هو يتكئ بـ مرفقه على رُكبتيه..يتسول النوم بعد يومًا طويل من العمل الشاق والمُرهق وذلك الأربعيني اللزج يسرق راحته
إنتظر طويلًا حتى هدأت الأصوات ليتأفف بـ ضيق هامسًا من بين أسنانه
-حسبي الله ونعم الوكيل..الله يسامحك يا سُمية على مجايبك اللي تكفر...
عاد يضجع فوق الفراش..يضع يده فوق عينيه وأغلق الإضاءة
دقائق..فقط دقائق قبل أن يعود وتصدح الأصوات بـ شكل أعنف..فـ نافذة غُرفته تطل على الغُرفة المقابلة للشقة الأُخرى..وصوت الإحتكاك يصله بـ وضوح بل يكاد يشعر أنه يحدث بـ غُرفته
إنتفض بـ عُنف هادرًا
-لأ بقى دي قلة ذوق...
إرتدى خُفه المنزلي وفتح باب غُرفته..خطواته تكاد تلتهم الأرض..وصل إلى باب شقته ليفتحه بـ قوة تاركًا إياه مفتوح على مصرعيه
إتجه إلى الباب المقابل له وبدأ الطرق بـ عُنف..يد تطرق الباب وأُخرى تدق الجرس..والعُنف يجتاح أوصاله
وبـ الداخل إنتفضت سديم لتسقط من يدها القنينة مُلوثة الأرضية بـ سائل التنظيف..زفرت بـ غضب وألقت القطعة القُماشية البالية بـ عُنف أكبر وهى تُتمتم بـ غيظ
-مين عديم الذوق اللي بره دا!...
فتحت هي الأُخرى بابها بـ عُنف ليهدر الأثنان بـ غضب بـ الوقت ذاته
-إيه قلة الذوق دي!
-خلي عندك شوية دم الناس مش عارفة تنام!!...
والدهشة تعتلي الإثنين..فـ الجار لم يكن سوى فتاة جميلة ترتدي ثياب بالية ولكنها لم تُخفي جسدها المغوي..و وشاح رأس بسيط على هيئة مُثلث تعقد به خُصلاتها حتى تستطيع العمل..وعينين زرقاوين صافيتين تُطالعه بـ غضب شديد فـ جعلت عينيها تلمع كـ قطة شرسة..وهذا بعيد كل البُعد عن جار أربعيني لزج
وهو لم يكن سوى جارها الوقح صاحب المنشفة القصيرة..تعالت أنفاسها وهى ترى ملامحه الرجولية الغاضبة..عينين سوداوتين عميقتين كـ عُمق المُحيط..و لحية تُحيط فكه القوي ، المُتشنج
أشاحت بـ نظرها عن تُفاحة آدم الظاهرة بـ وضوح لتعقد ذراعيها أمام صدرها مُغمغمة بـ حدة
-أفندم!!...
إستفاق قُصي من تحديقه المذهول بها ليُحمحم بـ ضيق ثم أردف
-مش عارف أنام
-إرتفع حاجبها الأيسر بـ ذهول مُتشدقة:أفندم!
-زفر بـ غيظ وزعق:صوت تحريك العفش مش مخليني عارف أنام..إحترمي جيرانك شوية
-أردفت بـ برود:طب وأنا أعمل إيه!..أنا زي زيك عاوزة أنام ومقدرش أنام والشقة مليانة تراب
-قابلها بـ برود ثلجي رهيب:ودي برضو مش مُشكلتي..الصبح بعد أما أمشي تقدري تعملي اللي أنتِ عاوزاه...
حلت ذراعيها عن صدرها و أنزلتها على جانبيها لتقف بـ وضع تحفز ثم هدرت بـ غضب وقد فقدت أخر ذرة من تحضرها
-إيه قلة الذوق والبجاحة دي!..مين أنت عشان أستنى حضرتك تصحى عشان أوضب شقتي
-أشار بـ تحذير هامس:وطي صوتك يا أنسة..وأنا مين دا شئ ميخصكيش..واللي أقوله يمشي..أنتِ لسه جديدة هنا فـ بلاش أتصرف معاكِ تصرف ميعجبكيش..بعد إذنك...
الذهول الذي إعتراها جعلها غيرُ قادرة على الرد عليه..بل صمتت وهى تراه يتجه إلى شقته وقبل أن يُغلقه أردف بـ نبرةٍ آمرة
-بلاش دوشة وبطلي اللي بتعمليه عشان كدا مش حلو ليكِ وأنتِ شكلك بنت قاعدة لوحدك
-أشارت إلى صدرها وهمهمت بـ صدمة:أنت بتهددني!
-أجابها بـ فتور:أنا بهددش أنا بحذرك بس يا قطة..تصبحي على خير ولا متصبحيش يكون أحسن...
أغلق الباب بـ وجهها بـ عُنف جعلها تنتفض..وظلت هي تُحدق بـ بابه المُغلق بـ صدمة جعلتها غيرُ قادرة على الحركة..هي سديم سيدة مصر الأولى بـ لسانها السليط يُخرسها جار نرجسي يظن أن الجميع يخضع له بل والغرور يتمكن منه لجعله إياه صامتة بل وتشعر بـ الغضب يفور بـ أوردتها
ضمت قبضتيها بـ قوة لتُغلق بابها وبـ تحدي بدأت بـ تحريك الأثاث بـ صورة أعنف و بـ داخلها يُردد "ما هذه المدينة الغريبة وجارها المعتوه بل كل من قابلته كان معتوهًا!"
وعلى الجهه الأُخرى كان يعلم بـ قرارة نفسه أنها لن ترضخ..عيناها التي لمعت بـ غضب أنبأته أنها تعشق التحدي..ليست من ترضخ وتسكن. لسانها سليط ونغمة صوتها الرقيقة ولكنها قوية..كل ذلك جعل من قراءته لها أسهل من مادة الفيزياء التي كان يكرهها
جلس فوق الفراش وهو يبتسم ولكن بـ غضب وداخله توعد لن يجعلها تهنأ بـ شقتها الصغيرة
الفصل_الثاني
ملكة_على_عرش_الشيطان
لقاءنا لم يكن صُدفة...
بل ترتيب القدر...
إستيقظت على طرقٍ هادئ عكس إعصار أمس..لتنهض جالسة ثم فركت عيناها ونهضت بعدها تتجه إلى الخارج
فتحت باب الشقة لتجد سُمية تحمل صينيةً ما وتبتسم بـ إتساع رادفة
-صباح النور يا دكتورة سديم
-إبتسمت سديم نصف إبتسامة ثم قالت بـ نبرةٍ ناعسة:الصباح النور يا سُمية تعالي خشي...
دلفت سُمية لتنظر سديم إلى الباب المُقابل لها بـ نظرات شرسة لتصفع الباب بـ قوة قاصدة أن يصل الصوت إليه
إلتفتت إلى سُمية التي هتفت بـ حيرة
-تحبي أحط الفطار فين!
-عبست سديم قائلة:تعبتي نفسك ليه بس!..أنا كنت هقوم أجيب فطار
-يوووه إخص عليكِ يا دكتورة..قولتلك أنتِ جاية من طرف الحاج يبقى لازم أقوم بالواجب
-إتجهت إلى سُمية وقالت:أولًا بلاش دكتورة دي قوليلي يا سديم عادي زي ما بقولك..ثانيًا بقى أنا مش عاوزة أتعبك
-ردت عليها سُمية بـ حميمية:يا ختي لا تعب ولا حاجة..أنا عملت لُقمة وبدل أما أفطر لوحدي قولت أجي أفطر معاكِ وأهو نسلي بعض...
إبتسمت سديم ثم قالت وهي تتجه إلى الشُرفة لتفتحها
-طيب حُطي الفطار فـ البلكونة وأنا هعمل الشاي وأجيلك
-طيب...
لتدلف سُمية الشرفة وتتجه سديم إلى المطبخ لإعداد كوبين من الشاي
وبعد أن إنتهت..إتجهت إلى الشُرفة وقبل أن تجلس..أردفت سُمية بـ حرج
-معلش يا ست سديم..الفول محطش عليه ملح فـ آآ
-أكملت سديم بـ إبتسامة:خلاص هروح أجيب الملح...
************************************
نزع عنه كنزته ثم إرتدى قميصه الأسود تاركًا أخر زر مفتوح..ثم إرتدى بنطاله الأسود القُماشي و وضع مسدسه خلف جزعه بـ مكانه المُخصص..نثر عطره بـ غزارة وخرج من الغُرفة
إتجه إلى المطبخ ليعدْ كوب الشاي الصباحي معه شطيرة خفيفة من الجُبن والخضراوات..إبتسم وهو يستمع إلى صفعة الباب لجارته الغريبة..هز رأسه بـ يأس ولكنه تجاهل تصرفاتها الطفولية ليتجه بعدها إلى الشُرفة
وجد سُمية تُرتب أصناف من الطعام على طاولة جارته ليُحمحم قُصي فـ إلتفتت إليه الأولى وعلى ثغرها إبتسامة واسعة ثم أردفت
-يا صباح البنور على الباشا
-إبتسم قُصي هو الآخر وقال:صباح النور يا سُمية..بتعملي إيه عندك!
-أشارت إلى أصناف الطعام وأجابت:جايبة فطار لست سديم...
شبه إبتسامة إرتسمت على شفتيه اسمها غريب وشخصيتها أغرب كـ عينيها الصافيتين..حك مُؤخرة عنقه وتمتم
-إتحدفت عليا من أي داهية دي!
-عقدت سُمية حاجبيها وتساءلت:بتقول حاجة يا سي قُصي؟...
إرتشف من كوبه ثم قرب الشطيرة من فمه يلتهم جزءًا منها ليردف بعدها بـ إمتعاض
-والنبي لما تيجي تسكني حد إبقي إستنضفي...
وعلى الناحية الأُخرى أرهفت أُذنيها السمع إلى عبارته التي جعلتها تستشيط غضبًا ألا يكفي تطاوله عليها أمس وهي وقفت عاجزة عن الرد!!..إنتفخت أوداجها غيظًا ثم إندفعت قائلة بـ غلظة
-تصدق أنك واحد مُهزء!
-إرتفع حاجبيه بـ صدمة ليردف بعدها بـ حدة:أنا مُهزء!..أومال أنتِ إيه!..واحدة معندهاش زوق
-صرخت بـ غيظ:أنت اللي عندك مُشكلة...
كانت سُمية تقف بينهم فاغرة الفاه..معركة الألفاظ لا تنتهي ولا يبدو أنها ستنتهي قريبًا لتتدخل قائلة بـ لُطف
-صلوا ع النبي يا جماعة
-أردف الأثنان بـ نفس الوقت:عليه الصلاة والسلام...
جذبت سديم من يدها تُجلسها لتقول
-تعالي يا ست سديم إقعدي وإغزي الشيطان..سي قُصي أكيد ميقصدش
-هدرت بـ حدة:ولا يقصد..دا مش وش أصطبح بيه...
كاد أن يرد ولكن سُمية نظرت إليه بـ رجاء تضرب صدرها بـ يدها بـ خفة و تُتمتم دون صوت
-حقك عليا...
زفر قُصي بـ غضب ولكنه أومأ على مضض ولكن بـ داخله لا يستطيع السيطرة على البراكين التي تشتعل منها..لسانها يُجبره على تقمص شخصية هو لا يُفضلها
رفع الكوب ليحتسي الشاي ولكنه بصقه فـ قد برد..وضع الكوب بـ عُنف وتمتم بـ غيظ
-هو يوم باين من أوله
-في حاجة يا سي قُصي!
-زفر بـ نفاذ صبر وقال:لا أبدًا يا سُمية الشاي برد وأنتِ عارفة مبحبوش بارد
-إبتسمت بـ ود وقالت:ولا يهمك يا باشا..إتفضل...
أمسكت بـ أول كوب قابلها لتصرخ سديم
-دي كوبايتي...
أخذها عِندًا بها وهي تعلم..ظلت تنظر إليه بـ غضب ولكن عينيه بقت مُركزة على شفتيه التي جذبته بـ حركتها الهامسة والتي لم تكن سوى وصلة سباب توجهه إليه
رفع حاجبه بـ تحدي ثم قرب الكوب من فمه وإرتشف..لا يُنكر أن مذاقه والنكهه أعجباه..ولكن لا بأس بـ إغضابها ليقول بـ تهكم
-حتى الشاي ملوش طعم زي اللي عمله
-وكان ردها أسرع من المتوقع:متطفحهوش...
عضت سُمية على شِفاها السُفلى حرجًا منه..ولكن على عكس طبيعته..تجاهل الأمر ولم يرد ليردف وهو يعود أدراجه إلى الداخل
-شكرًا يا سُمية على كوباية الشاي اللي ملهاش طعم دي..بس كفاية إنها جات من إيدك
-بـ ألف هنا يا سي قُصي...
ألقى نظرة مُحتقرة على سديم تجاهلتها هى الأُخرى ثم إختفى..لتضرب ذراع المقعد هاتفة بـ تبرم
-جلنف
-جلست سُمية ثم قالت بـ عتاب:إخص عليكِ يا ست سديم..دا قُصي باشا يتحط ع الجرح
-وقبل أن تُكمل كانت سديم هي من أكملت:يورم
-ضحكت سُمية وقالت:والله دا زي العسل..بس هو إيه اللي حصل بينكم...
قصت عليها سديم ما حدث أمس وعجرفته عليها ثم أكملت بـ حنق
-عارفة لو طلب مني بالزوق والله كنت هبطل..بس هو لسانه متبري منه
-ضحكت سُمية ثم أردفت وهي تضربها على فخذها:والله أبدًا..هو بس مبيحبش الدوشة وبيروح شغله بدري زي ما شوفتي فـ بيرجع تعبان متأخر وبيحب يريح عشان كدا مبيبقاش طايق حد
-على نفسه يا حبيبتي..إنما الأسلوب دا ميمشيش معايا...
أخرجت سُمية تنهيدة حارة ثم أردفت وهى تربت على ساق سديم
-حقك عليا أنا..المهم إفطري يلا أكيد جعانة
-أه والله وكويس إنك جيتي عشان المستشفى
-هبقى أبعت الصبي بتاع المحل يوصلك...
أومأت سديم وشرعت بـ تناول الإفطار مُفضلة الصمت فـ يكفي صاحب المنشفة القصيرة وما أفسده من بداية يومها
************************************
كانت قد وصلت إلى المشفى..شكرت الصبي وأعطته بضع ورقات نقدية ثم دلفت
كانت هادئة العاملين يتحركون بـ آلية وهدوء..ذهبت إلى موظفة الإستقبال وهتفت بـ جدية
-أنا الدكتورة سديم المصري..إتنقلت لقسم الجراحة
-ردت موظفة الإستقبال بـ هدوء:أيوة يا دكتورة..أقدر أساعدك بـ حاجة
-ياريت مُمرضة توصلني قسم الجراحة وتعرفني الأمور ماشية إزاي...
أومأت الموظفة ونظرت خلف سديم لتُنادي على أحدهم
-لُبنى..يا لُبنى تعالي...
أتت المدعوة لُبنى..كانت متوسطة الطول والجمال أيضًا ولكن ملامحها بشوشة ومرحة..لتردف موظفة الإستقبال
-معلش هتعبك..دي الدكتورة اللي إتنقلت جديد..فرجيها على المكان وعرفيها الأمور ماشية إزاي
-تنهدت لُبنى وقالت:مع إني مش فاضية بس مفيش مشكلة...
نظرت إلى سديم تتفحصها بـ حاجب مرفوع بـ دهشة ثم قالت
-إتفضلي معايا يا دكتورة...
أومأت سديم بـ تحفظ وسارت خلف المُمرضة..أخذتها بـ جولة بـ المشفى تُخبرها عن الأقسام وساعات العمل حتى وصلتا إلى قسم الجراحة أمام مكتبها مُباشرةً لتقول لُبنى بـ جدية وهي تُشير إلى الباب
-دا أكتر قسم شغال عندنا..طوارئ أربعة وعشرين ساعة عشان الظروف
-عقدت سديم حاجبيها وتساءلت بـ جهل:ظروف إيه!
-إرتفع حاجبي لُبنى وقالت بـ دهشة:أنتِ متعرفيش؟...
حركت سديم رأسها نافية لتفتح المُمرضة باب مكتبها وهي تقول
-لااا دي عاوزلها قاعدة كبيرة...
تفاجأت سديم من تلك الفتاة التي تجذبها خلف لتجلس فوق مقعدها الوثير والمُمرضة أمامها التي أردفت بـ خفوت
-الناس هنا مبتقدرش تتكلم كتير
-حركت سديم رأسها بـ حيرة قائلة:أنا مش فاهمة حاجة
-أشارت لُبنى بـ يدها وقالت:أنا هفهمك..بُصي يا دكتورة..القسم دا الوحيد اللي الحالات بتكون فيه كتير..يعني إشي ضرب نار وإتنين بيتخانقوا بـ سيوف يعني أفلام هندي كتير
-طب ما دا عادي
-حركت لُبنى رأسها نافية تُكمل:لأ مش عادي..هنا مفيش قانون يا دكتورة..كله بيعمل اللي عاوزه بس بـ قانونه هو مش قانون الحكومة...
حكت سديم رأسها بـ تعب..تعلم أن تلك المدينة تعج بـ الخارقين عن القانون وكأنها ملجأهم ولكن "قانونه هو" من يتحكم بـ تلك المدينة..تنهدت بـ يأس قائلة
-مين دا اللي من ساعة أما جيت وكلكوا بتتكلموا عنه!
-أكملت المُمرضة حديثها:هو دا محدش بيقدر يتكلم عنه..صحيح مش ماسك البلد هنا بس ليه كلمته حتى على الحكومة اللي ملهاش سُلطة..كله بقى دراع..شيطان ودخل البلد..ومن ساعتها والكل ماشي بـ أمره...
الحيرة تتمكن منها والخوف يتآكلها أيضًا..مُجرد الحديث عنه يُسبب القُشعريرة لها..وضعت يدها على وجنتيها ولُبنى تُكمل
-هنا البلد عادي..يعني ناس عايشة ومدارس وحياة..لكن قبل المغرب والحياة بتتقطع من الشوارع للأمن زي ما بيقول..هنا تلاقي كل جريمة قتل ونهب وسرقة بتحصل على عينك يا تاجر ولا حد بيدخل..بس لما بيظهر..النفس متقدرش تخرجه
-أنا عاوزة أعرف هو مين
-ردت لُبنى بـ تحذير:أحسنلك متعرفيش...
زفرت سديم بـ ضيق..ألغاز كل ما يُقابلها هنا ألغاز لا تنتهي..وجميع الألغاز تدور حول شخصٍ واحد
وضعت يدها على عينيها ثم أردفت
-بـ إختصار مفيش رابط للجرايم اللي بتحصل!
-ولا هيكون..يمكن إحنا الستات نقدر نمشي لحد الفجر براحتنا لأنه ممنوع حد يقرب لواحدة...
مالت لُبنى ثم أردفت بـ خُبث
-يعني لو صاحبك خانك..تروحي تقوليله الواد دا إتعرضلي وهو بيقتله قدام الناس فـ الساحة وبيخليه عبرة لأي حد يفكر يقرب من واحدة
-إلتوى شدقها بـ تهكم قائلة:لأ شهم..وجاي على نفسه ليه!
-رفعت لُبنى منكبيها وقالت:هو دا العُرف بتاعه..الستات خط أحمر...
نهضت المُمرضة ثم قالت وهي تضع يديها بـ جيب حلتها الزرقاء
-يلا أسيبك يا دكتورة تشوفي شُغلك..وإبقي مُري على العيانين وشوفيهم...
خرجت المُمرضة تاركة سديم تُفكر فيما سمعت..لا تزال الحقيقة ناقصة هُناك قطع مفقودة ولن تكتمل إلا بُرؤيتها لذلك الشخص "الشيطان" كما يزعم البعض..ولكن المنطق يأمر "إهربِ وتحاشي..إبتعدي وإحتمي" حتى تعودي إلى منزلك آمنة
************************************
وصل قُصي إلى المشفى لينزع نظارته الشمسية ثم صعد الدرجات القليلة ليصل إلى المبنى
توجه إلى موظفة الإستقبال وإتكأ بـ مرفقه على المكتب وتساءل بـ فتور
-مكتب الدكتورة الجديدة فين!
-تنحنت العاملة وقالت بـ رقة:فـ قسم الجراحة الدور التاني أول مكتب على إيدك الشمال
-شكرًا...
نقر على المكتب نقرتين ورحل..أما العاملة بقت تُحدق بـ رحيله وعيناها تلتهم جميع تفاصليه..عضت شِفاها السُفلى ثم قالت بـ حرارة
-يخربيتك مُز...
تنهدت بـ حرارة واضعة يدها أسفل وجنتها تتحسر على خطيبها الذي يعمل معه مُجرد "أمين شُرطة" ويتباهى ويقص عليها ما يكون من "الباشا قُصي"
وصل قُصي إلى الغُرفة المنشودة..طرق الباب بـ خفة وإنتظر..ولكنه لم يسمع صوتًا بـ الداخل..عاد يطرق ثم إنتظر دقيقة ودلف
جال بـ بصره الغُرفة ولكنه لم يجد أحدًا..زفر بـ ضيق ليهتف وهو يضع يده بـ خصره
-وبعدين فـ شغل الستات دا بقى..مفيش ست بتفضل فـ مكانها أبدًا...
مسح على وجهه ثم جلس فوق الأريكة التي أمام المكتب مُقررًا إنتظارها
بعد أن إنتهت جولتها من المرور بـ مرضاها لتدلف إلى الغُرفة وخلفها لُبنى فـ أردفت بـ جدية وهي تنظر إلى بعض الأوراق بـ يدها
-النوع دا ****** ناقص ومهم جدًا لازم نبعت يوصلنا ضروري
-تمام يا دكتورة...
كان قُصي واضعًا يده على عينيه ولكنه أبعدها بسرعة وهو يتهكن هوية ذلك الصوت الرقيق ، الجدي..ولم تكن سوى جارته اللزجة
إلتفتت لُبنى لتشهق قائلة بـ هيام وهي تُحدق بـ عينيه السوداوين
-الظابط الحليوة!!!...
إلتفتت سديم على صوت المُمرضة لتجدها تنظر إلى أحدهم والجالس يُحدق بها بـ دوره..إتسعت عيناها وقالت بـ إمتعاض
-أنت!!...
نهض قُصي وتقدم منها مُتجاهلًا تلك التي تنظر إليه بـ هيام ثم أردف وهو يُشير إليها بـ سبابته
-أنتِ بتعملي إيه هنا!
-ردت بـ تهكم وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:ببيع كبدة...
ضيق عيناه بـ حدة لتُكمل بـ نفس النبرة التهكمية
-هكون بعمل إيه!..لابسة بالطو أبيض وفـ المستشفى يعني هكون إيه!
-ظهر عليه الإحباط وقال:أنتِ الدكتورة الجديدة!..والمفروض أخد بالي منك!...
أشار إليها بـ يده من رأسها حتى قدميها ثم قال
-محتجاني فـ إيه بقى!..دا أنتِ ما شاء الله تكفري البني آدم...
إشتعلت عيني سديم بـ غيظ لتنظر إلى لَبنى التي لا تزال تُحدق بـ قُصي بـ هيام لتلكزها بـ حدة قائلة
-روحي أنتِ وأعملي اللي قولتلك عليه
-ردت عليها وهي لا تزال تنظر إلى قُصي:تأمريني بـ حاجة تانية يا قمر أنتِ!
-إرتفع حاجبي سديم وقالت:بتقولي إيه!
-بقولك مش عاوزة حاجة؟!
-إنتفخت أوداجها غضبًا هادرة:عوزاكِ تطلعي بره...
ولم تنتظر سديم أكثر لتدفعها إلى الخارج..أغلقت الباب ثم عادت إليه وهدرت بـ غضب
-إحترم نفسك وإتكلم حلو قدام الموظفين
-وضع يده بـ جيب بنطاله وأردف بـ فتور:والله أنتِ اللي بتجبريني أعمل كدا
-نفخت بـ غيظ وقالت:أنا عملت إيه دلوقتي!..أنت اللي إتطاولت عليا...
نفخ قُصي بـ تعب ثم أردف
-هو إحنا هنفضل تتخانق كدا على طول!..مينفعش نتكلم زي أي إتنين ناضجين؟
-رفعت حاجبها بـ غروى هاتفة:قول لنفسك...
كور قبضته يكبح غضبه ليبتسم بـ إصفرار قائلًا
-طيب ممكن نتكلم بـ هدوء...
نظرت إليه بـ إشمئزاز ثم قالت بـ حدة
-إترزع
-هدر بـ حدة:وبعدين بقى!
-تأففت قائلة:إتفضل..كدا حلو!...
أغمض عيناه ثم جلس لتجلس خلف مكتبها وأدرفت بـ ملل
-سر الزيارة!
-تجاهل سؤالها وتشدق:أنا قُصي العمري..ظابط هنا..عرفت إن فيه دكتور هيتنقل هنا بس فجأة قالوا إنها دكتورة وحصلت لغبطة فـ الأسماء وأنتِ إتنقلتي بدل زميلك..فـ عشان أنتِ لسه جديدة فـ البلد هنا ممكن حد يفكرك شخصية مش كويسة
-ودا ليه يعني!..ولو كان زميلي إتنقل هنا مش هيفكروه شخص مش كويس!
-رفع منكبيه وقال:سيان الأمر..بس الموضوع ومافيه إن فيه شوية أمور متلغبطة هي اللي ممكن تعملك مشاكل
-تساءلت بـ إهتمام:اللي هي؟
-أجابها بـ إستفزاز:مش شُغلك..المهم مفيش تحرك الكام يوم دول غير معايا..أنا خلصت سلام...
نهض ليرحل لتنتفض هى الأُخرى هاتفة بـ غضب وتمرد
-ودا إيه إن شاء الله!..هو أنت الـ babysitter بتاعي ولا إيه!
-أشار بـ تحذير:هعتبر إني مسمعتش حاجة..دا شغلي وهقوم بيه غصب عن عين أي حد..مش خوف عليكِ بس مش حابب أشيل ذنب حد وخصوصًا أنتِ...
وضع نظارته ثم رحل دون أن يسمح لها بـ الحديث..أما هي صرخت بـ صوتٍ مكتوم ضاربة الأرض بـ حذائها غاضبة عليه وعليها..لا تستطيع الرد عليه كما ينبغي..وهولا يسمح لها حديثه يعقد لسانها فلا تستطيع الحديث
************************************
أمسك الطبيب من تلابيبه يضرب ظهره بـ الحائط ومن ثم هدر وعيناه كـ الجحيم بـ غضبها
-ولما أنت مش عارف تعمل حاجة جايبينك ليه!..إتصرف...
إبتلع الطبيب ريقه بـ خوف وعظامه ترتعد من غضب ذلك الذي أمامه..ماذا يُخبره أن زوجته ستموت لا محالة!..هو بـ الفعل أخبره ولكن الآخر يأبى التصديق بل ويضربه الآن لأنه أخبره الحقيقة
يُريد أن ينجو بـ بدنه فما كان منه إلا أن تشدق بـ سرعة و تلعثم
-فـ..في دكتورة إنتقلت جديد..بيـ..بيقولوا إنها آآ..شاطرة..هتقدر تساعد المدام...
ظل قابض على عُنقه دون أن يتركه همس بـ فحيح أفعى
-أحسنلك متكونش بتتكدب
-حرك رأسه نافيًا بـ هستيرية:لالالا..صـ صدقني
-إبتسم حتى برزت أنيابه:مصدقك...
تركه ثم ربت على كتفه وزعق ليأتي حارسين ليأمرهم بـ صوته القوي
-روحوا هاتوا الدكتورة...
نظر إليه وتساءل
-اسمها!!
-حرك رأسه بـ جهل وقال:مـ..مـ..معرفش
-وماله...
نبرته القاسية جعلت ساقي الطبيب هُلاميتين..حديثه القادم لن يعجبه بتاتًا وقد كان عندما أردف
-هتفضل مشرفنا هنا لحد أما تيجي الدكتورة ويا تطلع هي يا متطلعش...
أومأ الطبيب بـ قلة حيلة..ليُشير إلى الحارسين بـ الرحيل
ربت على كتف الطبيب وتشدق بـ مكر
-متخافش..إحنا هندردش عما بسلامتها توصل...
كانت قد إنتهت من عملها لتنزع مئزرها وهي تهبط الدرجات القليلة ثم تحركت حتى خرجت من مُحيط المشفى
إعترض طريقها شخصين..لترتد إلى الخلف عدة خطوات وهى تنظر إلى بنيتهما الضخمة..كادت أن تصرخ ولكن أحدهم كمم فاها وأردف بـ غلظة
-أنتِ الدكتورة الجديدة!!...
الهلع كبح صوتها عن الخروج..فـ نظرت بـ أعين مُتسعة غيرُ قادرة على غلقهما ليعود ويسألها الحارس بـ نبرةٍ أكثر غلظة
-أنتِ الدكتورة الجديدة!!...
حاولت التملص من بين يديه القويتين اللتين تحكما الطوق حولها ولكن دون جدوى فـ الفرق واضح..كانت تنظر حولها حتى تستنجد بـ أحدهم ولكن الكل ينظر ويتجنب إما أن يهرب..وحينها علمت أنها وقعت بـ قبضته..وقعت بـ قبضة من خشت مُقابلته
ولم يحتج الحارس أن يتأكد فـ صوت إحدى المُمرضات التي تصرخ بـ أن الطبيبة الجديدة يتم خطفها..ليرفع سديم من خصرها ويتجه بها إلى السيارة
كانت تُحرك ساقيها بـ عشوائية علها تستطيع الفكاك من براثن ذلك الوحش ولكن لا مفر فـ قد أدخلها السيارة وإنطلقت بـ لمح البصر
-كفاية حركة..أحسنلك خليكِ هادية عشان توصلي سليمة...
هدرت سديم بـ غضب رغم الخوف الذي يجتاح أوصالها
-اللي بيحصل دا مش هسكت عليه..و هوديكوا فـ ستين داهية...
إلتوى شدق الحارس بـ تهكم ولم يرد عليها..لتضرب سديم الأريكة الخلفية الجالسة عليها ثم أعادت خُصلاتها إلى الخلف
بعد مُدة ليست بـ طويلة وصلت السيارة إلى منزل صغير
فُتحت البوابة الخارجية لتعبرها السيارة مارة بـ حديقة صغيرة ثم توقفت أمام البوابة الداخلية..هبط الحارس ثم جذبها لتهبط بـ ترنح إثر قبضته القوية التي جذبتها
كان المنزل مكون من طابقين..لم يكن يظهر عليه الترف أو الثراء..طرق الحارس الباب لتفتح خادمة ليدلف وهو يجرها خلفه
ما أن دلفت وعبرت أول خطوة إلى الداخل..شعرت بـ إنقباضة داخل صدرها..حُبس الهواء عن رئتيها..وعقلها يصرخ أن تقاوم وتهرب..هُنا لن يكون سوى جحيمها الأبدي
شعرت بـ الدماء تنسحب من جسدها و وجها يشحب..برودة تُغلف أطرافها المُرتعشة من ذلك الصوت الذي صدح من شخص يقف بـ مُنتصف الرُدهة يوليها ظهره..فـ نبرته كانت وكأنها نواقيس الموت من شدتها و قوتها
-أنتِ بقى الدكتورة الجديدة!!!...
الفصل_الثالث
ملكة_على_عرش_الشيطان
لا بأس بـ بعض الخوف فـ هو أحد وسائل النجاة الفريسة...
و وسيلة إستمتاع الصياد...
تساءلت بـ داخلها لِما يحدث معها كل ذلك!..سؤاله لم تجد القُدرة على الإجابة عليه..هيئته التي أمامها جعلت الأحرف تهرب منها وكأنها طفل يتعلم الحديث لأول مرة
إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقبضت على كفيها بـ قوة تُخفي تعرقهما وإرتعاشهم..وحينما إستدار أغلقت عيناها سريعًا وذلك الهاجس يُخبرها "أُهربي" ولكن الهرب لم يكن خيارًا مُتاحًا فـ خطواته التي ترن بـ أُذنيها تقترب حتى شعرت بـ ظلهِ أمامها
إبتسم بـ سخرية ثم دنى ليصل إلى مستوى قامتها القصيرة بـ النسبةِ له ثم تشدق بـ برود ثلجي
-إفتحِ عينيكِ يا دكتورة..متخافيش أنا مش وحش زي ما قالولك...
رجفة سارت بـ جسدها إثر صوته القوي ذو بحة رجولية..شدت على جفنيها وأخذت تتنفس بسرعة والهاجس يعود ويُخبرها الآن "النهاية"
عاد صوته يصدح وهو يُشير إلى حارسيه بـ الإبتعاد عنها
-قولتلك متخافيش..أنا اللي محتاجلك يعني أنا اللي لازم أحافظ على حياتك...
عدت بـ داخلها إلى ثلاثة ثم قررت أخيرًا أن تُخرج زرقاويها من أسرهما لتجد أول ما إصطدمت به عيناها هو خاصته السوداء..لمحت بهما تعبير غامض وهو يُحدق بها بـ جمود
مال بـ رأسه وتفرس النظر بها..عينين بـ لون السماء الصافية بهما خوف تتلذذ به نفسه السادية وملامح وجهها المُرتعبة شبه إبتسامة قاسية إرتسمت على وجهه وهو يُقول مُعرفًا بـ نفسه
-أحب أعرفك بـ نفسي الأول...
مدّ يده وأكمل بـ خُبث
-أرسلان الهاشمي..الشيطان زي ما بيقولوا...
نظرت إلى يده الغليظة التي تنتظر خاصتها الرقيقة لترفع حاجبها الأيسر ثم نظرت إليه بـ ثقة كانت تفتقر إليها مُنذ دقائق وأردفت
-سديم المصري..الدكتورة الجديدة زي ما بيقولوا...
إبتسم بـ إتساع وأسنانه البيضاء تبرز خلف إبتسامته المُتلاعبة..تتظاهر بـ القوة ويعلم..أما الثقة التي تتحدث بها فـ هي عفوية لا تقصدها وإنما إن كانت تُريد إثبات شيئًا لن يكون سوى أنها تُخبره بـ وضوح أنها تستطيع مواجهته وظهر هذا بـ سؤالها الحاد
-ممكن أفهم إيه شُغل العصابات دا!..خاطفني ليه؟!
-وأجاب بـ إستهجان:خاطفك!!..أنا مبخطفش هما اللي إتصرفوا من دماغهم..أنا بس قولتلهم يطلبوا منك إنك تيجي معاهم بـ هدوء وبكل تحضر و رُقي
-عقدت ذراعيها وهى تتشدق بـ سُخرية:والله!..وفين التحضر وهما أجبروني أجي هنا والأسلوب اللي تعاملوا معايا بيه؟!
-وبـ نفس نبرتها الساخرة أردف:حقك عليا..هقتلهم حالًا...
يسخر منها!!..ألا يكفي ما سببه من رُعبٍ لها!..هيئته الطاغية بـ بنطاله وقيمصه الأسود تتناسب مع ملامحه المُقتضبة رغم سُخرية نبرته..حاجبين أسودين كثيفين يتلائمان مع خُصلاته السوداء شديدة السُمرة وفكه الحاد المُزين بـ لحيته..كل ذلك لا يوحي بـ الشيطان الذي يخافه الجميع وأولهم القانون
أغمضت عيناها ثوان بعدما إنتهت من تأمل ملامحه لتقول بـ جمود وكأنها لم تتأثر به قط
-لو سمحت أنا عاوزة أمشي
-هتمشي حاضر..بس تخلصي اللي أنتِ جاية عشانه...
إتسعت عيناها بـ دهشة لثقته بـ الحديث بل وإستدار عنها وإتجه إلى الداخل ليعود بعد ثوان ومعه طبيب آخر..ليقول وهو يربت على كتفه والآخر يرتجف
-طلع عندك حق وشكلها شاطرة ومش هتتعبني..يلا إتكل أنت على الله
-شـ..شكرًا يا..باشا
-وبـ ذهول أردفت وهي تنظر إلى الطبيب:أنت!!
-مر بـجوراها سريعًا وهمس:آسف...
وإتخفى بسرعة البرق..إلتفتت على صوت أرسلان وهو يقول بـ جدية وصوته القوي
-مش يلا..كل دقيقة بتتأخريها غلط على حياتك وحياة المريضة اللي فوق
-أنت بتهددني؟!
-مبهددش..أنا بنفذ على طول...
إرتجف قلبها لنبرة صوته التي تحولت إلى أُخرى غليظة مُخيفة بـ الرغم من هدوءها ولكن كان تأثيرها قوي عليها
سحبها من يدها يجرها خلفه ليصعد درجات السلم وهى تتلوى خلفه بـ صُراخ حاد غُلفت جوانبه بـ الخوف
-سبني بقولك..أنا مش بقرة سايقها وراك...
نفذ صبره صوت صراخها يصم أُذنيه ليجذبها بـ شراسةٍ إليه ثم يدفعها إلى الحائط خلفها..لتشهق هي بـ ألم وتفاجئ ولكن قبل أن تتحدث همس هو
-إسمعِ!!..صوتك اللي فرحانة بيه دا أنا همحيه خالص سامعة!!...
هدر بـ الأخيرة وهو يضرب الحائط خلفها ولكنها لم ترد بل إتسعت عيناها بـ فزع وقدرتها على إخفاء خوفها تلاشت ليُكمل بـ نفس النبرة الهامسة وهو يقترب من وجهها
-أنتِ هنا لحاجة مُعينة هتخلصيها وتمشي على طول..بدون أسئلة وبدون صوتك العالي دا..لو عاوزة تروحي قطعة واحدة....
كانت نبرته كـ الهسيس تنبعث منها النيران عندما لامست أنفاسه بشرتها البيضاء ولا مفر للهرب منه سوى إغلاق جفنيها لتحجب رؤية عينيه الشيطانيتين عنها
إزدردت ريقها بـ خوف وهى تُحاول إبعاده عنها لتتشدق بـ إرتجاف
-خلاص..خلاص فهمت..وسع بقى ...
ولكنه لم يتحرك قيد إنملة ثم أكمل بـ نبرة هادرة
-ياريت تعرفي إن لصبري حدود ولو وصلت لحدودي هتزعلي أوي مني..ومش عاوز أقولك زعلي وحش إزاي...
ضمت شفتيها دون أن ترد عليه ليبتعد بـ بُطء عنها ثم عاد يُمسك مرفقها ودفعها إلى أحد الغُرفة..تحركت خطوتين إثر دفعته لتلتفت إليه وعيناها تُطلقان الشرر ليهتف بـ نبرة تحذيرية قاتمة وهو يُشير بـ سبابته إليها
-خلصي شُغلك جوه..وياريت مسمعش أخبار وحشة...
إرتفع حاجباها بـ صدمة ولم تستطع الرد..ليُغلق الباب بـ وجهها تاركًا إياها مع مريضتها المجهولة
*************************************
إستدارت سديم إلى المريضة..كانت تظهر عليها أعراض المرض واضحة..مُتصلة بـ أنبوب لتوصيل الأُكسجين إلى الرئتين و صوت تنفسها واضح
إقتربت منها سديم وجلست على طرف الفراش..كانت فتاة متوسطة الجمال والعُمر..ذات شعرٍ أسود وعينيان بُنيتان كـ حبتي بُندق..ربتت على خُصلاتها وتساءلت بـ صوتٍ خفيض
-مدام!..أنتِ سمعاني؟!...
أومأت الأُخرى بـ تعب لتسألها سديم بـ لُطف
-حاسة بـ إيه!..أنا دكتورة وجاية عشان أكشف عليكِ
-ردت الأُخرى بـ ضعف:حاسة بـ ضيق تنفس ومش شايفة كويس..حاسة إني عاوزة أصرخ...
بدأت الرؤية تتضح لسديم..فـ وضعت يدها على جبين المريضة لتتأكد شكوكها..تُعاني من الحُمى .. ربتت على خُصلاتها وقالت بـ إبتسامة
-ثواني وراجعة...
إتجهت إلى الخارج لتجد أرسلان يقف بـجوار الباب وما أن رآها حتى تقدم إليها وقبل أن يسأل قد سبقته هي
-تقدر تقولي المدام تعبانة بقالها أد إيه!!
-أجابها:من فترة طويلة
-زي ما توقعت..مراتك يا حضرة عندها سرطان الكبد وللأسف فـ المراحل الأخيرة..إزاي مأخدتش بالك!...
أظلمت عيناه بـ درجة أرعبتها..حك ذقنه وهمس بـ نبرةٍ قاتمة
-والحل!..مفيش أي دوا لحالتها دي؟
-ضيقت عيناها وتساءلت:أنت كنت عارف إنها مريضة سرطان ومتحركتش!!!...
رأت الجحيم يشتعل بـ عيناه وهو يقترب منها لتعود إلى الخلف ولكنه لم يسمح لها بـ الهرب أكثر إذ قبض على معصمها وقربها منه ثم همس بـ صوتٍ كـ الفحيح
-بلاش أسئلة إجابتها مش هتعجبك..أنا عاوز رد مُختصر..فيه علاج لألمها اللي هي فيه ولا لأ!
-حاولت التملص من يده وهدرت بـ تألم:سيب إيدي..سيب إيدي بقولك
-صرخ بـ وجهها بـ غضب ناري:ردي عليا....
أخذت تتنفس بسرعة و قوة بـ أنفاس مُرتجفة وهى تنظر إلى جحيم عينيه بـ أُخرى مُتمردة ، غاضبة وخائفة إلى أن قالت بـ حدة
-سيب إيدي عشان أكتبلها أدوية تقدر تسكن الوجع مؤقتًا...
ظل ينظر إلى عينيها مُطولًا قبل أن يترك يدها بـ حدة فـ فركتها إثر قوة قبضته والتي تركت أثرًا واضحًا على معصمها
أشار لأحد الحارسين ليأتي سريعًا..أخبرتخ سديم بـ إقتضاب أنها تحتاج إلى ورقة وقلم ليأتي بهما الحارس..دونت بعض الأدوية الضرورية ثم رحل يُحضرها
تركته ورحلت قبل أن يتهجم عليها كما فعل مُنذ قليل و دلفت إلى المريضة..حمدت الله أنها كانت على تواصل مع طبيب ألماني يختص بـ الأورام السرطانية وكانت شبه شغوفة بـ ذلك المجال وهو لم يتأخر عن تزوديها بـ المعلومات اللازمة بـ الرغم أنها بعيدة كل البُعد عن ذلك المجال ولكن شغفها به لم يمنعها عن التطلع والتعرف عليه
وبالمثل الطبيب لم يبخل بـ معلوماته لها فـ قد رأى الشغف وتعجب أنها لم تلتحق بـذلك المجال كانت لتُحقق نجاحًا باهرًا ولكنها أخبرته أنها تخصصت بـ الجراحة لأسباب شخصية لم تُفصح عنها
عادت من شرودها على صوت طرقات الباب..لتدلف بعدها خادمة تُعطيها ما تحتاج ثم ترجلت إلى الخارج
إتجهت سديم إلى المسجية فوق الفراش بدأت بـ حقنها بـتلك المواد الكيميائية بـ المحلول الطبي ثم ظلت بجوراها عدة دقائق وبعدها خرجت
************************************
وكما توقعت وجدته يجلس على أحد المقاعد ينتظر خروجها..توجهت إليه وهدرت
-عاوزة أمشي...
نظر إليها بـ لا مُبالاة ثم نهض بـ تثاقل ليردف بـ برود
-حالتها إيه!
-صرت على أسنانها وتشدقت:الحالة مطمنش أبدًا..مقدرش أحدد باقلها أد إيه عشان الأعمار بيد الله بس الحالة زي ما قولتلك متأخرة جدًا..دي مراحل المرض الأخيرة يعني الحالة مينفعش معاها علاج كيماوي..لكن ممكن تقدر تعمل عملية إستئصال الأماكن اللي إتضررت من المرض لأنه إنتشر خارج الكبد اللي لازم تستأصله ويتزرع جديد...
حك ذقنه الحاد وساد صمتٍ مُريب بينهما قبل أن يبتسم إبتسامة..ومن المُفترض بـ عُرفها أن الإبتسامة تبعث الراحة بـ النفوس ولكن إبتسامته تمثلت بـ النقيض فـ قد كانت كريهه ، قاسية ومُرعبة..ثم تشدق بـ نبرة كـ هسيس النيران
-نتقابل بعد المدة اللي أنتِ مش عارفاها...
سُحبت الدماء من وجهها حتى بدت شاحبة كـ الموتى ولم تقدر على التحرك فـ جسدها قد تجمد وعجز عن الحركة بالرغم من إفراز الإدرنالين بشكل مُفرط إثر خوفها الغيرُ مُبرر لعبارته المُبهمة
إنتفضت على صوته وقد خرجت صرخة غيرُ مقصودة وهو يهدر بـ غضب
-ودلوقتي إختفي من وشي...
وقبل أن تستوعب حديثه كان حارس قد سحبها خلفه وخرج تاركة أرسلان خلفها يزأر بـ صوته كله وعبارة عجزت عن فهمها
-أنت اللي وصلتها لكدا..هي بتدفع تمن غلطك...
************************************
كانت قد وصلت إلى البوابة الخارجية وهى ترتجف..تركها الحارس وعاد يدلف مُغلقًا الباب خلفه
وقفت هي بـ الخارج مذهولة ، ترتجف خوفًا مما حدث بـ الداخل..صوته و وعيده جعلاها غيرُ قادرة على إستعياب ما يقصد ولكنه لن يكون جيدًا البتة
وعلى الناحية الأُخرى قد رآها حارس البوابة العجوز فـ أثارت شفقته ليتجه إليها خلسة
وضع يده على كتفها لتنتفض فـ قال بـ إطمئنان
-متخافيش يا بنتي..دا أنا...
كانت على وشك البُكاء ولكنها تماسكت وأومأت بـ رأسها بـ خفة..تقدم منها العجوز وسألها
-تحبي أجبلك ماية تشربي!
-حركت رأسها نافية ثم تشدقت بـ تشنج:أنا عاوزة أروح
-حرك رأسه مُتعاطفًا:لا حول ولا قوة إلا بالله..تعالي يا بنتي أما أشوف حد يوصلك...
سارت معه مسلوبة الإرادة فـ طاقتها قد نفذت بـ الداخل وهي تتظاهر بـ القوة..وقد تيقنت أنها لا يجب أن تبقى هُنا أكثر من هذا..ستهرب إلى أبعد بقاع الأرض فـ هي لا يجب أن تراه مرةً أُخرى
كانا قد وصلا إلى وسيلة مواصلات بسيطة المُتعارف عليها بـ تلك المدينة ليتحدث العجوز مع السائق بـ عبارات مُبهمة جعلت من الأخير ينظر إليها بـ دهشة ثم أومأ وقال
-عنيا يا حج...
إبتسم العجوز لسديم ولكنها كانت بـ عالمٍ آخر..تحرك السائق وكان بين كل حين وآخر ينظر إليها ثم تشدق
-إنك تخرجي حية من البيت دا..دي مُعجزة بـ حد ذاتها..بس طالما دخلتي البيت وخرجتي يبقى مستحيل متدخليش تاني...
صمت فجأة وقد تنبه لما قاله وظهر تأثيره جليًا على ملامحها التي شحبت أكثر وبقت تُحدق بـ عينيه بـ المرآة بـ إتساع
************************************
ضرب على المقود بـ غضب عندما عَلِم ما حدث أمام المشفى..بـ أول يوم عملٍ لها قد أُخطفت على مرآى ومسمع من الجميع ولم يتحرك أحدهم خوفًا..لعن بـ داخله ذلك الشيطان الذي يُثير الرُعب بـ النفوس ويجعل من الرجال كـ القطط يخشون التدخل
نظر حوله ليلمحها تجلس بـ وسيلة المواصلات البسيطة مُنكمشة على نفسها..ليضغط المكابح بـ قوة حتى أصدرت صوت إحتكاك ثم أدار سيارته ولحقها بـ الطريق المُعاكس
تقدم بـ سيارته و وقف أمام السائق الآخر ليوقفه مُجبرًا..ثم ترجل بـ غضب صافعًا الباب بـ قوة
هبط السائق وما أن رأى قُصي حتى قال سريعًا
-باشا...
دفعه قُصي ثم إتجه إلى سديم..كاد أن يُعنفها ولكن شحوب وجهها وعينيها المُتسعة لجمتا لسانه عن أي حديث
أخذ نفسًا عميقًا وهو يضع سبابته وإبهامه على مُنحدر أنفه يتنفس بـ حدة ثم إستدار إليها واضعًا يده على ذراعها فـ إنتفضت بـ رُعب ليتراجع سريعًا رادفًا بـ قوة
-إهدي يا سديم..أنا قُصي...
لا تزال عينيها مُتسعة وتنفست كذلك بُسرعة..تيقن أنها عانت الأمرين وهي بـ وكره الملعون..صر على أسنانه ولأول مرة يشعر بـ العجز..تلك سليطة اللسان ترتجف خوفًا ورهبة
جذب يدها دون حديث لتصرخ به بـ هلع وحدة
-أنت واخدني على فين!
-قبض على يدها أكثر وتشدق:هوصلك البيت...
ثم إستدار إلى السائق وأعطاه بضع ورقات نقدية وأكمل طريقه..فتح باب السيارة بـ مقعدها المُخصص لتصعد وهى ترمقه شزرًا..إرتفع حاجبيه بـ تعجب تلك المجنونة التي لا يفهمها أبدًا..صفع الباب بـ قوة وإتجه إلى مقعد السائق
كانت سديم تجلس بجواره زامة لشفتيها ضيقًا لسببين..خوفها الغير مُبرر من ذلك الشيطان أرسلان والسبب الآخر لإظهار خوفها أمام جارها النرجسي
تأففت بـ صوتٍ مسموع ليتشدق قُصي بـ سُخرية
-اللي يشوقك دلوقتي ميشوفكيش وأنتِ شبه الكتكوت المبلول من شوية...
إلتفتت بـ جسدها كله إليه وقد تطاير خوفها وحلّ مكانه الغضب لتصرخ بـ حدة
-ما هو أنت لو شايف شُغلك ومش سايب الراجل دا يعمل اللي على مزاجه مكنتش إتحطيط فـ الموقف دا ولا خليت شبه ظابط زيك يشوفني كدا...
ضرب على المقود بـ غضب..هي مُحقة..هو لا يستطيع القضاء عليه كما ينبغي..لولا أن القانون يقف عاجزًا أمام سُطلته لكان تخلص منه بـ مُنتهى اليُسر
تنفس بـ قوة حتى إستمعت إلى هدير أنفاسه يتردد صداها بـ السيارة قبل أن يقول بـ جمود وهو يُسيطر على غضبه
-أنتِ لسه متعرفيش حاجة..أنتِ شايفة الصورة من زاوية واحدة بس لسه مشوفتيش باقي الحقيقة
-ضربت كفيها بـ بعض وهي تقول بـ عصبية:مفيش أكتر من زاوية لواحد زي دا بيعمل اللي على مزاجه ومحدش واقفله..إيه لازمة القسم اللي هنا!
-إلتوى ثغره بـ سُخرية وقال:كلهم كلاب عنده
-تراجعت إلى الخلف وهمست بـ عدم تصديق:وأنت زيهم!!...
إلتفت إليها على حين غُرة وقد تفاقم غضبه إلى أعلى مراتبه..ليقول بـ صوتٍ جهوري أفزعها
-خُدي بالك من كلامك عشان لسانك دا هو اللي هيقصر عُمرك
-إحترم نفسك
-نظر إليها بـ عينيه اللتين تقدحان الشرر:أنتِ اللي بني آدمة مُستفزة وبتقولي كلام مش عارفة إذا كان حقيقة ولا مُخك العقيم دا هو اللي رسمها...
كادت أن تتفوه بما يجب ولكنه أشار بـ يده أن تصمت دون النظر إليها وأكمل بـ جمود
-على العموم أنا ولو كنت بشتغل معاه..مكنتش كلفت نفسي أروح لغاية عنده عشان أرجعك سليمة...
ثم صمت لتشعر هى بـ خجل من نفسها..دائمًا ما تتفوه بـ حديث مُندفع لا تُقدر عواقبه ولكنها لا تستطيع أن تُهان بل يجب أن ترد الصاعين وأكثر
تنهدت بـ قنوط ثم إعتدلت بـ جلستها عاقدة ذراعيها أمام صدرها تزم شفتيها بـ غضب وعدم رضا..أعادت خُصلاتها المُتطايرة إلى الخلف وعادت إلى وضعيتها الأولى
نظر قُصي إليها من طرف عينيه ولكنه أشاحها بعد ثانية واحدة دون حديث وأكمل الطريق بـ صمت أو حتى إختلاس النظر إليها
بعدما وصلا إلى البناية هبطت سديم سريعًا تُريد الراحة عقب تلك المواجهة التي إستنزفت طاقتها ولكن صوت أول رجل قابلته هُنا أوقفها وهو يتساءل
-ست الدكتورة!!..حمد لله ع السلامة أنا لما سمعت اللي حصل جيت جري على هنا أطمن عليكِ...
إرتفع حاجبيها بـ تعجب بهذه السُرعة إنتشر ما حدث بـ جميع أرجاء البلدة..ستُصبح حديث الجميع بـ الأيام القادمة ولكنها ستسير بـ شموخ ولن تُظهر تأثرها بما حدث
إلتفتت إليه سديم وقالت بـ سُخرية
-فيك الخير..أنا كويسة..بعد إذنك عاوزة أرتاح...
كاد أن يوقفها بـحديثه ولكن قُصي قد تدخل قائلًا بـ غلظة
-روح أنت يا رزق وأنا هبعت سُمية تقعد معاها عشان أعصابها التعبانة
-ردت هي بـ تمرد:أنا كويسة...
زجرها بـ حدة لتتأفف بـ ضيق ثم صعدت وهى تطرق الأرض بـ قدمها..تابعها قُصي وهو يُحرك رأسه يأسًا منها ثم إستدار إلى رزق وقال
-مش عاوز جنس مخلوق يهوب هنا يا رزق..فاهم!!..رجالتك يقفوا هنا
-حك رزق ذقنه وقال بـ تردد:بس يا باشاا آآ
-قاطعه قُصي بـ صرامة:اللي بقوله تسمعه..ومتخافش أنت ورجالتك فـ حمايتي..هو مش هيسيبها فـ حالها لأنه شكله حطها فـ دماغه
-زفر رزق بـ يأس وقال:أمري لله يا باشا..بعد إذنك هروح أدي خبر للرجالة...
أومأ قُصي ثم صعد إلى طابقه لينظر إلى باب شقتها مُطولًا ثم دلف إلى خاصته وأجرى إتصالًا بـ سُمية وأخبرها أن تصعد وتبيت ليلتها مع سديم
************************************
توجه أرسلان إلى غُرفة زوجته ثم أغلق الباب خلفه ليجدها تنام بهدوء وكأنها لا تُعاني..إبتسم بـ سُخرية ليتقدم منها وجلس فوق طرف الفراش وملس على خُصلاتها لمدة قصيرة وبقى يُحدق بها
دنى منها وهمس بـ جمود بـ القُرب من أُذنها
-هو السبب..هو اللي وصلك لكدا..هو غلط وأنتِ دفعتي التمن...
نهض و أخرج هاتفه ليقوم بـ تصويرها ليبعث رسالة نصية لأحدهم مُرفقة معها صورتها
-"ها قد إقتربت نهايتها ونهايتك أنت أيضًا"...
وضع الهاتف بـ جيب بنطاله وتوجه خارج الغُرفة وهبط إلى أسفل ثم توجه إلى غُرفته المُحرمة..دلف وأغلق الباب خلفه
إتجه إلى لوحةٍ بيضاء مُدون عليها عدة أسماء أولها اسم زوجته..أمسك قلمًا ما ثم وضع على اسمها علامة خطأ..أغلق القلم و قذفه بـ إهمال
نظر إلى اللوحة ها قد تخلص من أول أسماء لائحته وكانت زوجته ليتبقى خمسٍ..خرجت منه إبتسامة تهكمية ثم رحل
توجه إلى الحديقة وتمدد على ظهره واضعًا ذراعه فوق عينيه
بعد عشرون دقيقة..أتى أحد رجاله ليقف أمام أرسلان بـ إحترام ثم تشدق بعدما حمحم بـ صوتٍ أجش
-الظابط إتفق مع تاجر السلاح رزق أنه يُحط رجالته قدام البيت...
لم يرد أرسلان ولم يُبعد ذراعه عن عينيه ولكنه أشار بـ يده الآُخرى بـ معنى أن يُكمل حديثه ليُكمل الحارس
-وبس حضرتك..تقريبًا الدكتورة بقت فـ حمايته...
أشار إليه أرسلان بـ الرحيل..فـ رحل وحينها ظهرت إبتسامته المعهودة..إبتسامة تعني أن القادم سيكون أمتع ثم همس بـ تلذذ
-إلى لقاءٍ أقرب...
الفصل_الرابع
ملكة_على_عرش_الشيطان
التأخر في الانتقام يجعل الضربة أشد قساوة...
-في نهاية اللقاء تحب تضيف حاجة يا سيادة الوزير!...
أجاب الوزير الأشيب بـ دبلوماسية وهو يستعد لـ النهوض
-إن شاء الله الأمن بدأ يستتب فـ سينا ومُعظم البؤر الإرهابية بدأنا نبيدها..في حفظ الله...
أغلق زر سترته ثم نهض وآلات التصوير تلتقط له بعض الصور الفوتوغرافية وهو يختفي خلف الأبواب
تأفف الآخر ليقابله أحد الحرس يمد يده بـ الهاتف ثم همس
-في رسالة وصلت من رقم براڤيت من عشر دقايق يا فندم...
أخذ الهاتف منه وتفحصه لتتسع عينيه وهو يرى فحوى الرسالة النصية..أرخى رابطة عنقه فـ قد أحس بـ تنفس
جذبه أحد الحرس ليُدخله إلى غُرفةٍ ما ثم سارع بـ جلب كأسٍ من الماء ليرتشفه "وزير الدفاع" سريعًا ليرتوي حلقه الجاف..ثم تمتم بـ ذهول ونبرة مُختنقة
-دا راجع تاني!!...
لم يبدُ على الحارس أنه قد فهم ولكنه ظل ساكنًا مكانه دون حراك ليرفع نظره وتساءل بـ صوتٍ مُرتجف
-معرفتش توصل لصاحب الرقم!
-حرك رأسه نافيًا وأردف:للأسف لأ..حاولنا كتير بس السكك بتتقفل قدامنا
-مسح على وجهه الشاحب وتمتم:ودا اللي متوقع من واحد زي دا
-أردف الحارس بـجدية:لازم نبلغ السُلطات يا فندم ونبدأ إجراءات الحراسة المُشددة من دلوقتي
-أشار بـ يده وقال:أعمل اللي أنت عاوزه...
*************************************
أغلقت مصدر المياه بعدما إنتعشت بـ حمامٍ دافئ يُبدد الصقيع الذي غلف جسدها رهبةً..وقفت أمام المرآة وأزالت بُخار المياه وبقت تُحدق بـ نفسها وهي تتساءل
-إشمعنى أنا!..وإيه قصده بـ اللي قاله؟..معقول أدخل بيت الرُعب دا تاني!!..لالالا مستحيل دا أنا أروح فيها...
إلتفتت على صوت طرقات خفيفة تبعها صوت سُمية المُتساءل بـ قلق
-ست سديم!..أنتِ كويسة؟..أتأخرتي أوي
-أجلت سديم حنجرتها وقالت:أنا كويسة يا سُمية..ثواني وطالعة...
جذبت مئزرها الوثير وإردته ثم توجهت إلى الخارج لتجد سُمية جالسة فوق الأريكة وما أن لمحتها تخرج حتى نهضت وهرعت إليها تتساءل
-أنتِ كويسة يا ست سديم؟!
-تنهدت سديم وهي تربت على ذراعها:متخافيش يا سُمية هو ماكلنيش يعني
-أردفت الأُخرى بـ تعاطف:إن جيتي للحق..أنا لو مكانك كان زماني مُت من الرُعب..الحمد لله إنك بخير
-ضمت سديم شفتيها وأردفت:متقلقيش يا حبيبتي..موقف وعدا..إن شاء الله مش هيتكرر
-يارب ياختي...
ثم إتجهت إلى طاولةٍ ما وجذبت كأس حليب دافئ لتقول بـ إبتسامة وإصرار
-بصي بقى..الكوباية دي لازم تخلص عشان تروق أعصابك وتعرفي تنامي
-إمتعض وجه سديم قائلة:بس أنا مش بحب اللبن...
جذبت يدها لتضع الكأس عنوة وأردفت بعدها بـ صرامة
-معلش حبيه..يلا إشربيه يا ست الدكتورة..دا سي قُصي موصيني عليكِ
-ضيقت عينيها وقالت بـ غيظ:أهو عشان خاطر سي قُصي دا مش عاوزة أشرب..هو حاشر نفسه فـ حياتي ليه!...
أخرجت سُمية صوتًا من بين شفتيها لتقول بعدها بـ عتاب
-الحق عليه خايف عليكِ..دا لما عرف اللي حصل قلب الدنيا ومقعدهاش وبهدل بتوع أمن المُستشفى..لالا ملكيش حق يا ست سديم
-تأففت سديم وقالت:خلاص يا سُمية مكنتش كلمة
-ربتت على ظهرها وقالت:طيب يلا أشربي كوباية اللبن
-إبتسمت سديم وقالت بـ إستسلام:حاضر يا ستي...
أخذت تتجرع الكأس على مراتٍ عدة حتى إنتهت لتضعه فوق الطاولة ثم أردفت بـ مرح
-خلاص كدا يا ستي!!..يلا إنزلي شقتك بقى أنا كويسة
-شهقت سُمية قائلة:هيييه يا ندامة!..بقولك سي قُصي موصيني تقوليلي أسيبك وأنزل!..بقى دا اسمه كلام
-لتتساءل سديم بـ تعجب:أومال هتعملي إيه؟!...
نزعت حجابها ثم ألقته بـ إهمال تبعه عباءتها السوداء وجلست فوق الأريكة قائلة بـ حماس
-أنا هبات معاكِ هنا
-لتقول سديم بـ غباء:تباتي معايا هنا!!...
أومأت بـ إبتسامة وقبل أن تعترض سديم كانت سُمية تسبقها قائلة
-متحاوليش أنا قلعت خلاص ولا أنا مش من مقامك عشان أبات هنا!
-إيه اللي بتقوليه دا سُمية!..طبعًا مش كدا..أنا مش عاوزة أتعبك
-تعب إيه دا يا ختي فـ النوم..ويلا أنتِ كمان نامي عشان ترتاحي..تصبحي على خير
-إبتسمت سديم وردت:وأنتِ من أهل الخير...
تمددت سُمية فوق الأريكة وجذبت غطاء كانت قد أعدته مُنذ قليل..أما سديم فقد إتجهت إلى الغُرفة لتُبدل ثيابها..فـ إرتدت كنزة صوفية تتلائم مع الطقس الشبه بارد من اللون الأبيض..وبنطال أسود
صففت خُصلاتها على هيئة كعكة مُجدلة و تمددت فوق فراشها..إلا أنها ظلت تتحرك يمينًا ويسارًا دون جدوى..تأففت بـ ضيق وإعتدلت بـ جلستها قائلة
-وبعدين بقى فـ الليلة اللي زي وش سي زفت دي كمان!...
حكت فروة رأسها لتنهض وتتجه إلى الخارج..وجدت سُمية قد غطت في سُباتٍ عميق سريعًا لتبتسم سديم ثم أكملت سيرها بـخفة حتى لا تستيقظ الأُخرى
دلفت إلى الشُرفة .. لتستند بـ مرفقها إلى السور وأخذت عدة أنفاس عميقة تنعش به رئتها الفارغة
وضعت كفها أسفل عنقها لترتكز عليه وظلت تنظر إلى ذلك المنزل البارز وسط البنايات وكأنه يتحداهم أن يقتربوا..تذكرت مدى الخوف الذي عانت منه بـ داخل فـ جعل قلبها يرتجف وجسدها يرتعش لما عايشته هُناك
حركت رأسها عدة مرات هامسة لنفسها بـ غضب
-أنسي..كدا كدا مش هتشوفيه تاني...
ظلت تُردد تلك العبارة وهى تُحاول أن تنسى وعده بـ لقاءٍ آخر..فـ وجدت لسانها يُردد بـ عفوية
-يارب أشفي مراته وخليها قردة..أنا مش عاوزة أشوفه تاني.يارب أنت قادر على كل شئ...
أخفت وجهها خلف كفيها وظلت تهمس بـ هذا الدُعاء
-أنتِ كويسة!!!...
صرخت سديم بـ خوف وهي تتراجع ظنًا منها أن شيطانها هُنا..وضعت يدها على صدرها ما أن إستوعبت أنه لم يكن سوى قُصي..يرتدي كنزة صيفية وسروال قصير
تفاجئ قَصي من صرختها ولكنه يتفهم لما عانته ليُشير بـ يده أن تهدأ قائلًا
-متخافيش يا سديم..دا أنا قُصي
-حرام عليك وقفت قلبي
-حقك عليا..بس كنت معدي من جنب البلكونة وسمعت صوت همس فـ طلعت ولاقيتك...
مسحت على وجهها لتقول بـ هدوء وهي تمسح وجهها
-خلاص حصل خير
-تساءل بـجدية:أعصابك هدت شوية!
-أومأت قائلة:أها..سُمية لسه مشرباني لبن وعاملة دور ماما كويس...
إتسعت عيناها بـ دهشة حقيقية وهي تراه يضحك..صحيحًا ليس بـ عُمق ولكن تلك الضحكة كانت أكثر من رائعة..قُصي يبتسم..قُصي يضحك..والأكثر من هذا أنها أحبته يضحك
حركت رأسها بـ نفي تطرد أفكارها الغير منطقية لما تنحدر له أفكارها..لتزم شفتيها بـ ضيق مُصطنع قائلة
-بتضحك ليه!..على فكرة أنا مش بحب اللبن وهي شربتهولي غصب عني
-ليرد بـ تعاطف وهو يبتسم:لأ كدا ملهاش حق
-لتردف بـ غضب:بتتريق حضرتك!
-حرك رأسه نافيًا:لأ خالص...
ضيقت عيناها بـ غيظ لتُشيح بـ رأسها بعيدًا عنه..ليبتسم بـ جانبية وهو يرى تذمر طفلة تشتكيه والدتها التي تُجبرها على إرتشاف الحليب..وكأنها لم تمر بـ ساعات أرهقت أعصابه أكثر منها شخصيًا
حدق بـ هيئتها الشبه طفولية بـ تدقيق لا يُنكر جمالها الفتّاك الذي جذبه أول الأمر إليها حتى جسدها فـ ناظريه لم يفتهما التأمل
تنحنح قًصي وقال يجتذبها إلى الحديث
-هتروحي المستشفى بكرة!
-إلتفتت إليه وقالت دون تردد:أكيد طبعًا..وليه مروحش؟
-عشان اللي حصل مثلًا يعني...
إقتربت منه حتى وصلت إلى السور الفاصل وقالت بـ قوة وعيناها تتطلع إلى خاصته بـ نظرة تشع إصرار وتحدي
-أنا مش لازم أخاف منه..النفخة اللي هو فيها دي عشان ملقاش حد يقفله..أنا بقولك تاني..أنا مش خايفة
-رمى بـ كلمته:كدابة!!!...
إرتفع حاجبيها سريعًا تزامنًا مع إتساع عيناها وهي تستمع لما قاله..ينعتها بـ الكاذبة .. هي لا تخاف من أرسلان..بلى تخاف ولكن كبرياءها يمنعها أن تعترف
صمتت غيرُ قادرة على الحديث ليُكمل قُصي حديثه وهو الآخر يتقدم
-شوفتي بقى!..مش عيب إنك تخافي على فكرة..بس العيب تعرفي أنتِ خايفة من إيه ومتحاوليش تتغلبي عليه
-ردت بـ آلية:أنا بحاول أتغلب أهو..بدليل إني هنزل شُغلي بكرة...
إبتسم قُصي بـ إنتصار..لتعض سديم على شِفاها بـ صدمة لما قالته فـ هي قد إعترفت أنها خائفة..لتُحمحم بـ إرتباك هاتفة
-برضو مش خايفة
-مصدقك...
قالها بـ نبرة ساخرة لتضرب الأرض بـ حنق ثم أردفت
-طب أدخل بقى نام عشان أنت مضايقني
-وضع يديه بـ جيب سرواله وقال:أنا جيت جنبك ولا هو رمي جتت وخلاص
-هدرت بـ حنق:شوفت بقى لسانك هو اللي بيخليني أقول كلام يزعلك
-والله!!!...
قالها بـ تعجب لتؤكد على حديثه بـ إيماءة ثم تابعت
-أها ويلا أدخل أنت مش سقعان بـ اللي لابسه دا!..الجو بارد يا مؤمن...
نظر إلى ثيابه بـ دهشة ولم يُعقب بل إرتفع ناظريه إليها وأردف بـ جدية
-متنزليش بكرة يا سديم
-بصفتك إيه تمنعني إني منزلش!
-أكمل بـ هدوء:مش بصفتي حاجة..بس دا كله لمصلحتك...
صرت على أسنانها بـ غضب لتحل ذراعيها المعقودين ثم أردفت بـ حدة
-أنا أدرى بـ مصلحتي وهنزل شُغلي مش هخليه يفكر أنه خوفني وإني هقعد فـ البيت كنوع من الحماية...
أشارت بـ سبابتها بـ تحذير وأكملت بـ نفس ذات الحدة
-ومتدخلش فـ حاجة متخصكش..عشان دا مش من حقك
-هنا وهدر بـ صرامة:هتسمعي الكلام غصب عنك..أنا مبلعبش معاكِ صلح
-ضربت الأرض بـ قدمها وهدرت بـ غيظ:مش بـ مزاجك وهنزل يعني هنزل وشوف بقى هتمنعني إزاي..ومفيش تصبح على خير...
ثم تحركت بـ إتجاه الشُرفة لتدلف وقبل أن تُغلقها سمعت صوته يقول
-و أنتِ من أهله...
أعادت رأسها إلى الخارج وهدرت بـ غضب
-أنا قولت من غير تصبح على خير
-وبـ نبرة مُستفزة أردف:وأنا رديت..وأنتِ من أهله
-تأففت ثم قالت بـ إشمئزاز:على فكرة دمك مش خفيف...
ثم أعادت رأسها إلى الداخل لتُغلق الباب وتعود إلى غُرفتها..أما قُصي كانت إبتسامة تحتل شفتيه القاسيتين وهو يتلذذ بـ إغضابها
وضع يده بـ جيبي بنطاله ونظر إلى الفراغ ليتنهد قائلًا بـ حيرة
-وبعدين فـ الدوامة اللي مش هنخلص منها دي...
جلست فوق فراشها غاضبة لتقول بـ غيظ وهي تضم يديها إلى صدرها
-فاكر نفسه مين عشان يتحكم فيا!!...
ظلت زامة لشفتيها لعدة لحظات قبل أن تتذكر ضحكته..عادت تردف "قُصي يضحك" "قُصي يمتلك ضحكة رائعة"..إذًا لما كان دائمًا معها مُقتضب الوجه..فـ تلك أول مرة يتبسم..بل أول مرة تراه يبتسم..إبتسامة صافية تبعث الراحة عكس ضحكة الآخر..أرسلان "الشيطان والكابوس" فـ إبتسامته تجعل الخوف يسري بـ عروقها لتتيقن أن القادم سيكون أسوء
************************************
صعد إلى غُرفتها عقب عدة ساعات أمضاها بـ التخطيط لما سيُقدم عليه..وجدها تفتح عيناها ليتقدم منها وملامحه المُقتضبة تتحول إلى أُخرى قاسية
إنكمشت زوجته على نفسها لتعود وتُغمض عيناها خوفًا من رؤية عينيه القاسية ولكن برودة نبرته أجبرتها على النظر إليه
-بُصلي يا ريم..بُصلي لآخر مرة...
إتسعت عيناها وهى تتساءل بـ ضعف
-يعني إيه آخر مرة!
-جلس فوق طرف الفراش وأكمل:يعني آخر مرة..يعني مفيش خلاص النهاية...
حاولت الإعتدال ولكن جسدها عجز عن الإستجابة ليضع يديه على كتفيها يُعدل من جلستها لتهمس بـ نفس الضعف ولكن تحشرجت نبرتها
-فهمني!..عرفني أنا مصيري إيه؟
-أردف بـ جمود:أنا مبحددتش مصير بني آدم..حتى لو أنتِ..أنا جاي أعرفك بحكم العشرة اللي أنتِ دوستي عليها زمان..إن معاد أبوكِ أذن...
صرخت صرخة مبحوحة ضعيفة حاولت بعدها إمساك يده قائلة بـ رجاء
-أبوس إيدك بلاش..إقتلني أنا..بلاش هو...
أبعد يده عنها بـ حدة ثم جأر بـ صوتٍ جهوري أفزعها وقد تحولت ملامحه إلى أُخرى شيطانية
-أخرسي..أخرسي ولا كلمة..أنتِ مفكرة إني هقولك على عيني حاضر ومش هقتله..دا لا دمك ولا دمه هيكفيني..فاهمة!..العذاب اللي عشتيه فـ الكام سنة دول ميجوش لمحة من اللي عشته..وأبوكِ أول واحد هيغرقه طوفاني...
إقترب منها يضع يده خلف عنقها جاذبًا إياه إليه بـ شراسة غيرُ عابئًا بـ جسدها الهزيل ثم همس بـ فحيح
-مش هو دا اللي دبر ونفذ!..مش هو دا اللي خلى نفسه كلب لناس هتبيعه دلوقتي لما يعرفوا اللي هيحصل!..مش هو دا اللي دوستي عليا عشانه وأهو باعك ليا عشان يضمن حياته..بس للأسف ميعرفش إن ربنا مبيسبش حق حد..وبنته بقت سلاح هيموت بيه...
هبطت عبراتها بـ غزارة تألمًا و خوفًا لتهمس بعدها بـ إرتجاف
-بس دا أبويا
-كدااابة..أنتِ عُمرك ما فكرتي فـ أبوكِ..أنتِ زيك زيه عرق الوساخة والدناءة مالي دمكم..أنا وبس هو دا اللي عايشين عليه..بس وعهد الله يا ريم..كل اللي شوفتيه دا مش هيجي جنب اللي جاي حاجة..و دورك جاي لسه..دا مُجرد تمهيد لعقابي الحقيقي ليكِ...
صرخ بـ عبارته الأخيرة بـ حقد وهو يتطلع بـ عينيه السوداوين واللتين تحولتا إلى بركتين من الظلام الدامس كـ الذي يُشبه روحه
ترك عنقها بـ حدة ينفض يده وكأنها ستلوثه..غيرُ عابئًا لتألمها..عدّل من هندام ثيابه ثم أردف بـ نبرته القاسية والحاد كـ الخنجر المسموم
-إعملي حسابك..أنك هتشوفي كل حاجة live (بث مُباشر لكل اللي هيحصل..إستعدي لخبر موت أبوكِ..واللي بعدهم..هسيبك تشوفي موت كل واحد منهم والرُعب بياكل قلبك والدور بيقرب منك...
تحرك خطوة ثم عاد يُبعد يدها عن وجهها بـ حدة وهمس بـ إشمئزاز
-نسيت أقولك إنك طالق...
أجهشت بـ البُكاء ولكنه كان ينظر إليها بـ جمود قبل أن يترك يدها و يبتعد
ثم توجه خارج الغُرفة ليصفق الباب بـ عُنف ثم صرخ بـ الخادمة التي أتت مهرولة تقف أمامه خائفة وهى تستمع لأوامره
-جهزيها مع المُمرضة الخاصة بيها لما تيجي عربية إسعاف تسبيهم يدخلوا .. هما عارفين هيعملوا إيه..سامعة!!!...
هدر بـ عبارته بـ غضب لتومئ الخادمة بـ سرعة وخوف مُرددة بـ تلعثم
-آآ..حـ. حاضر..يا..باآ..باشا...
ودون كلمةً أُخرى توجه إلى غُرفته المُحرمة يُحضر حاجياته ثم رحل دون أن يعلم أحد
*************************************
كان العرق يتصبب منه وهو جالس بـ سيارته يعلم أن أجله آتٍ لا محالة..كم كان أخرقًا بـ تركه يهرب مُنذ سنوات ولكنه لم يكن يعلم أنه سيتحول إلى شيطان سيستبيح دماء من سفكوا دماءه
الجميع تخلى عنه..هو صاحب الفكرة والتخطيط..هو من أوقعه بـ فخ هؤلاء ولأجل مصلحتهم ولكنهم ما أن علموا أنه قد عاد من جديد..تخلوا عنه وبدأوا بـ تحصين أنفسهم
ألم تكن إبنته قُربانًا له!..ألم يُعطها إليه كي يدعه وشأنه؟!..إذًا لما العودة..سيموت بعدما وصل إلى منصب "وزير الدفاع" بعد عناءًا طويل..الآن سيموت و دون مُقابل
إستفاق على صوت السائق وهو يقول
-وصلنا يا معالي الوزير...
أومأ وقد تسلل إلى نفسه بعض الراحة والأمن..ذلك المنزل المُنعزل والذي لا يعرف عنه أحد سيُشكل درعًا مؤقتًا له حتى يستطيع الهروب نهائيًا
كما أن طاقم الحراسة وبعض أفراد الأمن الذين أمر بـ إحضارهم سيشكلون درعًا إضافيًا له..مهما بلغت مهارته لن يستطيع العبور
توجه إلى الداخل والحرس يتبعونه حتى وصل إلى غُرفة نومه..إلتفت إليهم وقال
-مفيش داعي تبقوا هنا..خليكوا فـ الدور اللي تحت...
أومأ الحارسين ليهبطا الدرج..أما هو قد دلف إلى غُرفته
وضع يده على زر الإنارة ثم أغلق الباب ونزع سترته ثم تبعها أزرار قميصه
لحظة واحدة فقط كانت فاصلة لما حدث..نصل حاد وُضع على نحره ويد تُكمم فِيه عن الصُراخ..و صوتًا لم يُغيره الزمان ولكنه جعله أكثر قساوة يبعث الرجفة بـ قلوب أعتى الرجال فـ ما بالك بـ رجلٌ أشيب
-ليك وحشة يا حمايا...
حاول الصُراخ ولكن يد أرسلان كانت تُكمم فِيه بـ حرص..ليهمس بـ هسيس ويده تضغط على نحره
-تؤتؤتؤ..لو عاوز عُمرك يطول لحظة تخليك هادي..أنا مبحبش الصوت العالي..إتفقنا يا حمايا!!...
أومأ بـ خوفٍ ليدفعه أرسلان هامسًا بـ خُبث
-دلوقتي إقعد ندردش مع بعض كدا
-وكان أول سؤال مُتوقع:دخلت هنا إزاي!!!...
جلس أرسلان فوق المقعد المواجه لمقعد الآخر ثم قال بـ نبرته القاسية
-عيب تسأل السؤال دا وأنت أستاذي
-عرفت البيت دا منين!
-ضحك أرسلان وقال:متبقاش غبي أومال..منا لسه مجاوبك...
تلاعب أرسلان بـ النصل بين يديه ليبعث الرهبة بـ قلب الآخر الذي كان بـ دوره ينظر إلى النصل وهو يزدرد ريقه بـ خوف ثم أردف مُتصببًا العرق الغزير
-بنتي جرالها إيه؟
-وأنت من أمتى يهمك بنتك!..مش دي كانت كفالة نجاتك المؤقت!...
أردف عبارته بـ نبرةٍ سوداء تُقطر غضبًا وحقد ثم أكمل حديثه
-بنتك لسه مماتتش..ولسه مش هتموت دلوقتي..هي هتحضر العرض من أوله لآخره
-تلثعم مُتساءلًا:جاي عاوز إيه!
-بـ نبرة كـ الفحيح أردف:روحك..جاي عاوز روحك ومش همشي من غيرها...
إرتعد لعبارته ونبرته التي عَلِم منها أنها النهاية..ليبدأ جسده بـ الإنتفاض والتشنج..لينهض أرسلان بـ هدوء مُتلذذًا لما يحدث له ثم أردف بـ فتور
-لأ إجمد كدا يا معالي الوزير..مكنتش مفكرك خفيف كدا..فين أيام الشقاوة..فاكرها!..فاكر أرسلان ساعتها وإزاي وقعته فـ فخك بكل سهولة ويُسر..أهو أنا محتاج دا قدامي دلوقتي...
شعر الآخر بـ إختناق ليتنفس بـ صوتٍ عال ثم قال بـ تقطع
-لو..لو عاوز..تقتلني..إعملها
-إنحنى أرسلان وهمس بـ نبرة مُزدرية:مش أنا اللي أوسخ إيدي بيك..وبعدين مش أنا اللي هقتلك
-مين!...
-هذه المرة كانت نبرته قاتلة:أنت...
إبتعد يرى ملامح الآخر الباهتة..ليضع أرسلان النصل بين يديه وأكمل همسه بـ نبرة جحيمية
-إدبح نفسك..زي اللي خليتني أدبحه بالظبط
-همس الآخر وهو يبكي:مش هقدر...
ربت أرسلان على منكبه وقال بـ فحيح
-لأ هتقدر..عشان لو مقتلتش نفسك..طريقتي مش هتعجبك أبدًا
-إرحمني..الرحمة...
قست عيناه أكثر وهو يدنو إليه أكثر ثم هدر بـ نبرة مُميتة ، حاقدة
-كانت فين الرحمة وأنت عارف إنك مش هتنولها دلوقتي..كانت فين زمان ها!..جاي بتطلب حاجة مديتهاش!..فاقد الشئ لا يُعطيه يا معالي الوزير...
نظر إليه بـ كره وأكمل بـ نبرة مملؤة بـ الغل والحقد
-كل ثانية بتتأخرها..هعذبك قُصادها ساعة
-والآخر يردف بـ ضعف:هيمسكوك
-متخافش..أنت اللي أنتحرت لأسباب شخصية..لمرض بنتك اللي ملوش علاج..ودا اللي أنت كاتبه فـ وصيتك
-وعاد يُردد بـ هذيان:هيقتولك..مش هيسبوك عايش..هما خلاص عرفوا...
إبتسم أرسلان بـ شيطانية وبـ نبرة تُشبه إبتسامته همس
-متخافش..مش هتبقى فـ جهنم لوحدك كتير..هبعتهملك بسرعة..كان لازم تعرف إنك مجرد طابية فـ لعبتهم أول واحد هيتخلوا عنه..اللعبة كانت أكبر من مجموعة وزراء ولوءات فـ الجيش...
كان الآخر يبكي بـ عُنف عله يرأف بـ حاله ولكنه نظر إلى ساعة يده وقال بـ ملل
-كدا أنت أخرتني عشر دقايق بـ حالهم..يلا إنجز...
أخرج أرسلان هاتفه وفتح الكاميرا الخاصة به ثم بـ صوتٍ كانت نبرته قاطعة
-هعد من واحد لتلاتة لو مدبحتش نفسك..يبقى أنت الجاني على نفسك وساعتها متلومنيش على اللي هعمله
-أنا آآ
-ولكن أرسلان قد بدأ العد:واحد...
بكى الآخر بـ إذلال يعلم أنه لن يتوانى عن تنفيذ تهديده..سيقتله بـ طريقة مُؤلمة ستستمر لأيام ويعلم..يكفي الرهبة التي عاش بها لسنوات يُهدده بها..تلذذ بـ تدمير حياته طوال السنوات السابقة..ولن يبخل عليه بـ القادم..صوت أرسلان أخرجه من تحديقه بـ النصل
-هااا وصلت لإيه!...
أغمض عيناه لتسقط آخر قطرتين قبل أن يُقرب النصل من نحره..وقد أنهى حياته بـ نفسه كما أمر بـ إنهاء حياة الآخرين..دائرة وقد وصل لنقطة الإنطلاق
************************************
عاد أرسلان وهو يُطلق صفيرًا ثم دلف إلى المنزل فـ وجد الخادمة تقول
-عربية الإسعاف جت من تلات ساعات وأخدت الست هانم زي ما أمرت
-طب روحي...
أشار إليها بـ الإنصراف ليتجه إلى غُرفته المُحرمة ثم إلى اللوحة البيضاء ليضع دائرة حول الاسم القادم
نظر إلى يده لينزع حلقته الفضية ويرتدي مكانها خاتمًا أخر به حجر كريم من العقيق الأحمر
جلس فوق الأريكة المُقابلة اللوحة وبقى يُحدق بـ الاسم وإبتسامة تتسع وهو يُفكر بـ طريقة إنتقام مثالية
الفصل_الخامس
ملكة_على_عرش_الشيطان
أنا لستُ سيئًا..بل أنا الأسوء على الإطلاق...
أغلق جهاز التلفاز بعدما شاهد النشرة الإخبارية والتي تُفيد بـ إنتحار وزير الدفاع المُفاجئ نتيجة لمرض إبنته الذي لا علاج له وقد توفت قبل لحظات من موته فـ لم يتحمل وأقدم على الإنتحار
وضع جهاز التحكم عن بعد على الطاولة أمامه ثم إتكئ بـ مرفقه على رُكبتيه وذقنه إلى كفيه المضمومين وعيناه شاردتين بـ البعيد قبل أن يأتيه إتصال بعد عدة دقائق لينتشله من شروده
تنهد بـ عُمق ثم مدّ يده وأمسك الهاتف ليرد على المتصل دون أن يتحقق من هوية المُتصل
-أيوة!!
-عزت باشا!..شوفت الأخبار؟
-تنهد المدعو عزت ثم أردف:أه شوفت...
أتاه صوت الآخر وقد طغى على نبرته التوجس والهلع
-عارف دا معناه إيه!
-أجاب عزت بـ تصلب:معناه إن معالي الوزير مستحملش خبر موت بنته وإنتحر بعدها..حُط دا فـ دماغك كويس
-بس يا باشا آآ
-قاطعه عزت بـ صرامة:متتأخرش فـ العزا..بينا كلام طويل...
أغلق الهاتف دون أن يُزد بـ كلمةٍ أُخرى ثم ألقى الهاتف بـ عُنف ليُحدث نفسه قائلًا بـ غضب
-قولتله يقتله أول ما دخل السجن..الواد مكنش باين عليه إنه سهل...
*************************************
إستيقظت سديم بعد ليلة مؤرقة طويلة لتجلس فوق الفراش عدة دقائق تستعيد كامل وعيها ثم نهضت
أخرجت ثيابها المكونة من ثوب أخضر يصل إلى ما بعد الرُكبة بـ قليل وفوقة سُترة سوداء من خامة الجينز وبعدها إتجهت إلى المرحاض وبـ طريق ذهابها وجدت سُمية تُحادث أحدهم بـ الشُرفة لم تحتج إلى وقتٍ طويل لتتهكن هوية الآخر لذلك إنطلقت سريعًا تقتحم المكان
إنتفضت سُمية عند إقتحام سديم الشُرفة بينما قُصي بقى يُحدق بهما بـ هدوء
عقدت ذراعيها أمام صدرها ثم أردفت وهى ترفع حاجبها الأيمن بـ حذر
-أكيد بتوصيها تحبسني!
-إبتسم قُصي بـ إصفرار ثم قال:صباح النور...
حلّت ذراعيها وقد بدأ الغضب يتسلل إليها لتقول وهى تقترب منه
-ملكش دعوة بحياتي يا حضرة الظابط..قولتلك أنا مش خايفة
-رفع منكبيه بـ لا مُبالاة:دا مكنش كلامك إمبارح
-ضربت الأرض بـ قدمها ثم أردفت بـ حدة:أنت اللي أخدت الكلام بـ منحنى تاني...
تجاهلها قُصي لينظر إلى سُمية التي تُتابعهم بـ عقدة حاجب ثم تشدق بـ هدوء
-زي ما إتفقنا يا سُمية
-ردت عليه سُمية بـ جذل:عنيا يا سي قُصي
-هو إيه دا اللي عنيا يا سي قُصي!..محدش ليه دعوة بـ حياتي على فكرة
-زفر قُصي بـ نفاذ صبر وهتف:أنتِ عارفة إحنا بنتكلم فـ إيه أصلًا !
-وبـ نبرة هجومية قالت:مش بتتفقوا تحبسوني؟!...
ضحك قُصي للمرة الثانية هو يُخفض رأسه لثوان ثم عاد يرفعها إليها..تابع نظرتها المُتحيرة وقد راقته تلك النظرة كثيرًا ليردف بعدها بـ هدوء ثلجي
-أنتِ ناضجة بما فيه الكفاية عشان تبقي عارفة مصلحتك..وأنا مملكش إني أحبسك..أنتِ مش حيوان أليف
-أشارت بـ سبابتها بـ تحذير:إحترم نفسك
-تدخلت سُمية قائلة بـ لُطف:سي قُصي ميقصدش..هو كان بيوصيني إني أجيبك فرح إبن الحج رزق عشان تهيصي وتريحي أعصابك شوية مش أكتر...
رفعت ناظريها إليه بـ عدم تصديق ليرفع منكبيه ردًا على نظرتها لتعود وتنظر إلى سُمية قائلة بـ إرتباك حاولت إخفاءه بـ حدتها
-ولو برضو..مش من حقه يفرض عليا أجي أو لأ
-أتاها صوته الساخر من خلفها:أنا مبفرضش عليكِ يا سديم..أنا سبق وقولتلك إنك ناضجة بما فيه الكفاية...
ضيقت عيناها وهى تنظر إليه بـ نظرات حانقة لتستدير وسُمية تردف
-كل الموضوع إن الحج حب يعزمك بس سي قُصي قاله بلاش تكلمها عشان زمانها نايمة وهو هيخليني أجيبك...
حكت سديم فروة رأسها بـ حرج ولكنها أبت إظهاره لتقول وهى تهم بـ العودة إلى الداخل
-أنا نازلة الشُغل..بعد إذنكوا...
تركتهم وعادت إلى الداخل لتنظر سُمية إلى قُصي قائلة بـ حرج
-معلش يا سي قُصي..اللي حصلها إمبارح مش سهل
-ضحك قُصي ثم قال بـ مُزاح:لأ يا سُمية دي وحمة..ربنا خلقها كدا تور بينطح
-أتاهم صوتها الصارخ بـ غضب:سمعتك يا قليل الذوق يا عديم الإحتراك لمشاعر أثنى مُرهفة الحس زيي...
إرتفع حاجبي كُلًا من قُصي وسُمية بـ دهشة ما لبثت أن تحولت إلى إبتسامة مُشاكسة من قِبل الأول ليهمس
-مش معقولة دي بنت أبدًا...
************************************
أنهت حمامها الدافئ ثم عادت إلى غُرفتها وإرتدت ثيابها..صففت خُصلاتها على هيئة جديلتين مُتعاكستين ثم رفعتهما على هيئة كعكة..وعلى جانبي وجهها أسدلت خُصلتين
إرتدت حقيبة سوداء وضعت بها مُتعلقاتها الشخصية وهاتفها الخلوي ثم إتجهت إلى خارج الغُرفة
وجدت سُمية قد حضرت الإفطار وتضع الشاي الساخن بـ الأكواب..توجهت سديم إلى أحد المقاعد لتلتقط أحد الأوراق الخاصة بـ عملها
لاحظتها سُمية لتقول بـ بشاشة
-أنا حضرت الفطار يا ست سديم..تعالي إفطري قبل ما تنزلي
-ردت عليها سديم دون أن تنظر إليها:معلش يا سُمية مش هقدر عشان إتأخرت
-لتردف الأُخرى بـ عتاب:مينفعش تنزلي على لحم بطنك كدا..تعالي كلي لقمتين وبعدين إنزلي
-مش هقدر والله..يلا باي...
ودون أن تسمح لها بـ الحديث مرةٍ أُخرى كانت قد خرجت..هبطت الدرج لتجد حارسين يقفان أمام مدخل البناية..نظرت إليهما بـ تفحص ولكنها مطت شفتيها بـ عدم إكتراث وأكملت سيرها إلا أن يد أحدهم منعها وهو يقول بـ نبرة غليظة
-قُصي باشا مانع خروجك لوحدك...
رفعت حاجبها بـ ذهول ما لبث أن تحول إلى غضب لتهدر
-قُصي مين دا اللي مانعني أنا من الخروج!
-وهمسة مُشاكسة أتت من خلفها:أنا قُصي العمري...
شهقت سديم بـ صدمة لتتراجع خطوتين وهي تراه يقف خلفها بـ كامل أناقته..يرتدي بنطال جينز أسود وقميص أبيض يلتصق بـ جسده مُظهرًا عضلات صدره المُتعرجة
إبتسم قُصي بـ ثقة ثم أقترب منها وقال
-صباح الخير...
إستعادت سديم إتزانها لتتحول إلى قطة شرسة وهى تصرخ
-على فكرة أنت بتتعدى حدودك معايا وأنا مش هسمح بـ كدا
-وبـ نبرة أكثر ثقة أكمل:أنا متعدتش حدودي يا دكتورة..أنا بحافظ على الأمن العام وسلامة المواطنين
-ضمت شفتيها بـ غيظ ثم أردفت بـ جمود:لو سمحت..أنا مش فاضية للعب العيال دا..ورايا شُغل ولازم أروحه
-وأنا معنديش مانع...
بساطة نبرته بـ الحديث جعل براكين الغيظ تشتعل بـ داخلها وهي تقول بـ حنق
-أنت شارب إيه عـ الصُبح
-وبـ نبرة مُستفزة أردف:قهوة سادة...
أخرجت تنهيدة حارة ر حانقة من بين شفتيها المُغريتين بـ لونهما الأحمر ثم قالت بـ نفاذ صبر
-أنا مش عارفة أنت مالك على الصُبح..بس أنا حقيقي مش فاضية ولازم أمشي
-وأنا قولت معنديش مانع
-يووووه أنا مش فاضية لـ اللي ملوش مُسمى اللي بتعمله دا
-إبتسم قُصي بـ جانبيه وقال:بُصي يا ستي
-قاطعته دون أن يُكمل:مش هبص وأنا همشي دلوقتي والجدع فيكم يوقفني..ساعتها هتصرف بطريقة مش حلوة...
دفعت الحارسين بـ غيظ رادفة
-وسع أنت وهو...
نظر الحارسين إلى قُصي الذي أشار لهما بـ الإبتعاد ليبتعدا وتعبر هي..بقى ينظر إلى طيفها بـ نظرة مطولة قبل أن يتنهد ثم توجه إليهما وقال بـ هدوء
-معلش يا رجالة خليكوا وراها لحد أما أستلمها منكوا بالليل
-حاضر يا قُصي باشا...
توجه قُصي إلى سيارته وإنطلق إلى عمله
*************************************
كان يسبح بـ سرعة جنونية مُنذ ما يقرب ساعة..كُلما تشوشت ذاكرته ما حدث بما يقرب السبع أعوام..تزداد ملامحه قتامة فـ يزداد عنفه وسرعته
تذكر عندما أتاه صديقه مهرولًا يشكوه خائفًا مما سمعه..هبط أسفل الماء ليجلس بـ قاع حوض السباحة وحبس أنفاسه وما حدث يمر أمامه كـ عرض سينمائي
"عودة إلى وقتٍ سابق"
بعدما أنهى عمله وضع نظارته الطبية وقال بـ هدوء لسكرتيرته
-تمام كدا..الوفد هيوصل بكرة الساعة عشرة الصُبح..مش عاوز غلطة
-تمام يا مستر..بعد إذن حضرتك...
أشار إليها بـ الإنصراف وما كادت أن تفتح الباب لتجد أحدهم يدفعه وملامحه تحمل جميع أنواع الرُعب وبـ نبرة لاهثة هتف بـ اسمه
-أرسلان!!!...
نهض أرسلان بـ فزع وهو يرى صديقه بـ تلك الحالة..يرتدي زي الخدمة العسكرية..ليتجه إليه وأمسك مرفقه مُساعدًا إياه على الجلوس
نظر إلى سكرتيرته وجأر بـ حدة
-ماية بسرعة...
أومأت سريعًا لتخرج..عاد أرسلان ينظر إلى صديقه وتساءل
-مالك يا مؤمن!..إيه اللي حصلك وطلعت من الجيش إزاي!..أنت مش أجازتك خلصت...
نظر إليه المدعو مؤمن بـ عينين خائفتين ثم أردف بـ صوت خفيض مشدوه
-أنا هربت...
"عودة إلى الوقت الحالي"
صعد إلى سطح الماء بعدما فقد قدرته على التنفس..مسح على وجهه بـ عُنف ونظراته تتحول إلى أُخرى سوداء..ضم قبضته وضرب سطح الماء بـ غضب ثم خرج من الماء نهائيًا
إلتقط منشفة وجفف قطرات الماء عن جسده قبل أن يأتيه أحد حرسه يُخبره وهو يقف بـ إحترام
-راحت لشغُلها فـ المُستشفى يا باشا
-أردف أرسلان بـ جمود:أُنشر خبر موت مراتي..فـ ظرف نص الساعة عاوز الموضوع دا بيتكلم فيه الصغير قبل الكبير
-حاضر يا باشا...
ألقى أرسلان المنشفة بـ إهمال ثم جلس ليلتقط لُفافة تبغ بُنية اللون وأشعلها..نظر إلى الفراغ قليلًا قبل أن يردف بـ خُبث
-مُكنتش أعرف إن لقاءنا هيكون قريب كدا..قريب أوي...
تمدد فوق المقعد واضعًا يده فوق عينيه وأخذ يُدخن بـ هدوء وكأنه لم يكن يشتعل بـ براكين الإنتقام والحقد مُنذ قليل
***********************************
خطت بـ ساقيها إلى داخل المشفى..وجدت جميع الأعين مُسلطة عليها ولكنها قابلتها بـ كل شموخ..لم تكن لتخاف ولكن همسة إلتقطتها أُذنيها من أحد العاملين بـ المشفى
-هي رجعت عايشة إزاي!..دا كدا حطها فـ دماغه أكتر..الدكتور التاني هرب بره البلد هنا عشان ميمسكوش...
عضت سديم لسانها لتكبح رهبتها التي بدأت تظهر وأكملت سيرها المُضطرب حتى وصلت إلى غُرفة مكتبها
ما أن دلفت حتى أغلقت الباب وإتجهت إلى الأريكة لتُلقي بـ جسدها عليه بـ إنهاك..إرتمت على ظهرها واضعة يدها فوق عينيها ثم جذبت وسادة لتضعها فوق فمها..مضت ثوان قبل أن تصرخ بـ كل قوتها
أبعدت الوسادة ثم نهضت بـ عُنف وهى تتحرك بـ الغُرفة على غيرِ هُدى..مسحت على خُصلاتها وهمست
-أنا لازم أمشي من هنا..هو عاوز مني إيه!...
أخرجت هاتفها لتُحادث أبيها..ثوان وأتاها صوته المرح
-الإبنة العاقة اللي سافرت ومعبرتش أبوها بـ كلمني شكرًا حتى...
ضحكت سديم فـ هي تحتاج إلى أن تضحك وبـ شدة لتقول بعد عدة لحظات
-إحنا أسفين يا باشا..عامل إيه!
-الحمد لله..أنتِ اللي عاملة إيه؟..حد بيضايق هناك؟!...
إبتسمت بـ سُخرية لاذعة..تُرى أتُخبره أم لا!..ولكن ماذا سيفعل والدها القعيد..تنهدت ثم قالت بـ نبرة جاهدت أن تكون طبيعية
-أنا كويسة..ومتخافش محدش يقدر يضايق سديم
-أتاها صوت والدها مُؤكدًا:عارف يا حبيبتي..بس أنتِ عارفة مبرتاحش إلا وأنتِ قدام عيني...
إبتسمت سديم بـ خفة..تعشق والدها وهو يعشقها كـ أي إبنة..صحيح علاقتهما تقتصر على الإبنة و الوالد ولا توجد علاقة صداقة بينهما..ولكن يظل أباها..لم يُدللها وهي تشكره لذلك إلا أنه حنون كما كان دائمًا مع والدتها قبل أن تتوفى
عاد صوت والدها يصدح ولكن هذه المرة بـ جدية
-زميلك سليم كلمني وقالي أنه هيحاول يتصرف فـ موضوع النقل دا وتبادل الأسماء..قالي الموضوع مش هيطول أوي
-تهللت أسارير سديم وهي تقول بـ تفاؤل:بجد يابابا!..أنا فكرته هيخلع..طلع راجل
-ابن حلال...
خيم الصمت ثوان قبل أن تردف سديم
-بتاخد أدويتك يا بابا!...
إستطاعت أن تستشعر إبتسامته وهو يقول بـ مكر شاب لا يليق بـ عمره المتجاوز للأربعين
-المُمرضة الجديدة مُمتازة
-ضيقت سديم عيناها وقالت بـ سُخرية:مُمتازة ولا حلوة!
-الأتنين...
ضربت سديم جبهتها ثم تشدقت بـ نفاذ صبر ونبرة يائسة
-يابابا عيب اللي بتعمله دا..دي بنات ناس برضو
-رد عليها والدها بـ براءة:أنا قولت إيه بس!..أنا بس بقول رأيي مش أكتر
-همهمت:واللي بيحصلي دا بسبب عمايلك المراهقة دي...
لم يفهم والدها ما تقول ليسألها بـ عدم فهم
-بتقولي إيه يا بت أنتِ!
-بـ نبرة صفراء كـ إبتسامتها أجابت:بقول خُد بالك من نفسك يا بابا
-طب يلا أقفلي عشان مرات أبوكِ جت...
نظرت سديم إلى الهاتف بـ ذهول لما تفوه به أباها مُنذ لحظات..حركت رأسها يأسًا ومن ثم همست
-مش هتتغير أبدًا يا بابا...
إنتفضت على صوت الباب الذي فُتح بـ همجية..لتلتفت هي بـ غضب ولكن قبل أن تتفوه بـ كلمة كانت المُمرضة القصيرة تهتف
-سمعتي آخر الأخبار يا دكتورة!
-عقدت سديم حاجبيها وتساءلت:أخبار إيه!...
إرتفع حاجبيها المعقودين وهي ترى المُمرضة تضرب وجنتيها بـ حسرة قائلة بـ نواح
-مرات الشيطان ماتت النهاردة...
وكأن أحدهم ضرب أُذنيها بـ قوة فـ أصمتها..ظلت تنظر إلى المُمرضة بـ غرابة..ساد الصمت والذهول لفترة طويلة قبل أن تقطعها سديم بـ صوتها الغريب وكأنها مُنفصلة عن العالم الواقعي
-معلش مين مات!
-تحدثت المُمرضة بـ شفقة:مرات الشيطان اللي روحتيله إمبارح ماتت النهاردة
-همست بـ كلمة واحدة:أخرجي...
وضعت سديم رأسها فوق حافة المكتب..لتُحرك المُمرضة فمها بـ حركة شعبية ثم خرجت دون حديث
كانت عينا سديم مُتسعة بـ قوة وعبارة واحدة تتبادر إلى ذهنها
-"موعد اللقاء الأقرب قد حان"...
ولكنها لم تتوقع أن يكون قريبًا إلى ذلك الحد..الصدمة جعلت جسدها رخويًا غيرُ قادر على الحركة..تهدل ذراعيها وذلك الهاجس يعود
-إهربي يا سديم...
************************************
توجهت إلى المنزل بـ خُطىٍ مُتثاقلة غيرُ واعية لذلك الشخصين خلفها..صعدت درجات السُلم حتى وصلت إلى طابقها
فتحت الباب ودلفت..ألقت حقيبتها بـ إهمال ونزعت سُترتها الجينز تبعها حذائها ذو الكعب ثم توجهت إلى المرحاض
فتحت مصدر المياه و وقفت أسفله بـ ثيابها..تساقطت المياة فوقها علها تُفيقها من ذلك الكابوس المُرعب
بعد خمسة عشر دقيقة..أغلقت مصدر المياه ثم خرجت دون أن تُجفف جسدها
عادت إلى غُرفتها وبدلت ثيابها..تسطحت على الفراش ونامت..تتلمس الهروب
بعد ثلاث ساعات
إستيقظت على صوت طرقٍ عنيف..إنتفضت جالسة وقد علت ضربات قلبها بسرعة مُخيفة..نهضت بـ ساقين ترتعشان حتى وصلت إلى الباب وبـ نبرةٍ مهزوزة
-مين!!...
لحظات لم يأتها الرد..فـ أحست أنها قد توقفت عن التنفس وأنها ستموت لا محالة..ولكن صوت أنثوي تعرفه جيدًا جاءها
-ست سديم!..بقالي ساعة بخبط...
عادت تتنفس من جديد وقد هدأت ضربات قلبها لتفتح الباب ثم قالت بـ نبرة مُتهدجة
-معلش كنت نايمة
-شهقت سُمية قائلة بـ حرج:يووه..معلش يا ست سديم صحيتك
-لا ولا يهمك..تعالي إتفضلي...
نظرت سديم بـ تفحص إلى عباءتها السوداء ولكنها مُطرزة بـ خطوط فضية مُبهرجة وكذلك وشاح الرأس المُتماثل مع العباءة
جلست فوق الأريكة وقالت بـ إبتسامتها المُعتادة
-مش ناوية تيجي الفرح
-إمتعضت ملامحها وهى ترد:لأ معلش مش قادرة
-خفتت إبتسامة سُمية وقالت:ليه بس يا ست سديم!..دا حتى العُمارة كلها رايحة وسي قُصي مش عاوز يسيبك فيها لوحدك...
وعند عبارة بـ مُفردها..إرتعدت عندما تخيلت أنها ستكون فريسةً سهلة المنال بين يديه..ولكنها أردفت
-وبعدين إزاي يعملوا فرح ومرات الـ...
لم تستطع النطق بـ اسمه أو لقبه لتُكمل بـ قنوط
-ميتة!!
-أجابتها سُمية وهي تُشير بـ يدها:لا متقلقيش..مفيش عزا ولا حداد ولا أي حاجة..هو الخبر إنتشر والبلد هادية..حتى هو إختفى...
دنت من سديم وقالت بـ خفوت
-بيني وبينك..حد من رجالته قال إنه سافر عشان يدفن مراته فـ بلد أبوها...
تخللت الراحة ثنايا روحها الهلعة..لتبتسم بـ إتساع قائلة
-داهية تاخده ولا ترجعه أبدًا
-لم تُعقب سُمية ولكنها قالت:يلا خُشي إلبسي الحتة اللي ع الحبل وتعالي معايا..والله هتتبسطي
-صدقيني مش هقدر
-هنا وصاحت سُمية:بقولك إيه يا ست سديم..أنا مش هتحرك من هنا غير ورجلي على رجلك..أه عشان بس نبقى واضحين...
زفرت سديم بـ قنوط ولكنها أومأت بـ خفة ودلفت إلى غُرفتها
إلتقطت ثيابها المُبللة و وضعتهم مؤقتًا فوق أحد المقاعد الخشبية ثم أخرجت ثياب خاصة لها
كان إختيارها ثوب من اللون الأزرق الداكن مُطعم بـ فصوص بيضاء..يضيق على جسدها حتى رُكبتيها ومن الأسفل إتساع خفيف يسمح لها بـ الحركة
ذراعها الأيسر مُغطى بـ الكامل أما الآخر فـ قد تركته عاريًا لا يستره سوى طبقة شفافة
أسدلت خُصلاتها بـ حُرية ثم وضعت مساحيق التجميل..كحل أسود ثقيل و أحمر شفاه وردي اللون ..و خط أسود فوق جفنيها..رشت عطرها الثقيل ثم إلتقطت حقيبة بيضاء صغيرة وضعت بها هاتفها وخرجت
-أنا جاهزة...
إرتفعت أنظار سُمية إليها لتتسع بـ إنبهار قائلة
-الله أكبر يا ست سديم..قمر أربعتاشر
-إبتسمت بـ خجل وقالت:بجد حلوة!
-أنتِ مش شايفة نفسك ولا إيه!...
جذبت يدها تضعها بـ مرفقها ثم قالت وهى تتجه إلى باب
-يلا عشان إتأخرنا..البلد كلها هناك...
************************************
نظر إلى ساعة معصمه للمرة التي لا يعلم عددها..تأخرت.. واثق أنها ستأتي..يعلم أنها خائفة وتخشى أكثر أنها ستكون وحيدة اليوم بـ البناية
كان جالس بعيدًا عن الصخب حتى يراها..ولم تمضِ سوى عدة دقائق قبل أن تظهر هي وسُمية مُترجلاتان من وسيلة المُواصلات البسيطة
عيناه تسمرت عليها..كانت بشكلٍا ما تخطف الأنظار..خطفت أنظاره وأنظار الجميع..إستحوذت على أنفاسه فلا تخرج إلا حين أن تتقدم ساقها اليُسرى ولا تدخل إلا حين أن تتقد ساقها اليُمنى
عيناه تفحصتا جسدها الممشوق والمغوي بـ غريزة رجل أمامه حواء فاتنة..لم يعٍ وصولهما أمامه إلا حين نادته سُمية بـ نبرتها العالية
-سي قُصي..قاعد بعيد ليه!!...
ثبت أنظاره على سديم التي أخفضها حرجًا منه وتلاعبت بـ أطراف الفستان بـ توتر..إبتسم قبل أن يقول بـ مكر
-كنت مستنيكِ يا سُمية...
إبتسمت سُمية بـ مكر وقد تفهمت نظرات الآخر لترد بـ المثل
-معلش بقى يا سي قُصي..مكنتش جاية لولا الست سديم أصرت عليا فـ جيت...
شتمت بـ سرها وهي تعي أنها محور حديثهما ولكنها لم تجرؤ على رفع عينيها إلى خاصته التي تأكلها لتسمع صوته الخبيث
-لأ دا أنا لازم أشكرها بقى....
إنتفخت أوداجها غضبًا لتسحب يد سُمية قائلة وهى تنظر إليه بـ حدة
-يلا يا سُمية رجلي وجعتني من الوقفة...
جذبتها خلفها بـ قوة لا تتناسب مع هيئتها الرقيقة..تابع قُصي إبتعادها عنه وهو يبتسم ليراها تجلس بـ أحد الأركان الهادئة نسبيًا وبجوارها سُمية
كانت حرب النظرات على أشدها بينهما..هو يرمقها بـ تسلية أما هي فـ نظراتها كانت أنصال ترميه بها فـ تتسع إبتسامته
وعلى الناحية الأُخرى أوقف مُحرك سيارته وموقع الزفاف يلوح أمام..ترجل من السيارة وعلى وجهه إبتسامة قاتلة
أغلق زر سُترته السوداء وتوجه إلى الزفاف..يعلم أنها بـ الداخل ولما لا وهو بـ الأصل يتتبع تحركاتها والغبية تظن أنها ستكون بـ أمان وسط هذا الحشد
وعند تلك النُقطة إبتسم بـ شيطانية..غبية إن كانت تظن أن هُناك من يوقفه
بكل خيلاء سار إلى حفل الزفاف..وحين لمحه الجميع توقفت الموسيقى عن العزف بل و توقف الجميع عن التنفس وهو يبتسم بـ ملامح قاتلة
كانت جالسة بـ إنبهار..عيناها تُطالع ما يحدث بـ إنبهار خالص..كان الزفاف شعبي بـ درجة لم ترها من قبل..على الرغم من تلك الأشياء الغريبة التي تراها من مشروبات ومأكولات أو حتى تلك الأدخنة والتي تعلم أنها ليست طبيعية إلا أنها شعرت بـ شيئٍ من الإطمئنان
حين توقفت الموسيقى..تصارعت ضربات قلبها فجأة..أدارت نظرها إلى سُمية التي شهقت هامسة
-الشيطان!!...
شحب وجه سديم وإرتجف جسدها..شعرت بـ برودة تجتاح أوصالها وعيانها تشوشت رؤياهما..إلتفتت إتجاه أنظار سُمية لتقع عينيها عليه
أحست أن أحدهم يسحب روحها تدريجيًا وهو يلتفت لها ونظراته تلتقي بـ خاصتها حينها شعرت وأن المكان تحول إلى صحراء قاحلة لا أحد سواهما بها..إستطاعت أن تقرأ شفتيه التي عبثت بـ اسمها ونظرته الماكرة التي تعتلي وجهه
-سديم...
إنخلع قلبها لشفتيه التي نطقت اسمها بـ طريقة تقشعر لها البدن..على الرغم من أنها لم تسمع صوته ولكنها شعرت بـ صوته يخترق عقلها..وكأن أحرفه سطرت بداية اللقاء بينهما ونهاية حياتها هي
ادخلوا بسرعه من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
تعليقات
إرسال تعليق