أعلان الهيدر

2023/10/10

الرئيسية رواية سيد القصر الجنوبي الفصل_الرابع بقلم رحاب إبراهيم حسن حصريه وجديده علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل_الرابع بقلم رحاب إبراهيم حسن حصريه وجديده علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.

صلِ على النبي 3مرات 

لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات 


انتبهت فرحة لما قاله "زايد" بكل بقعةً وعي فيها، كان رده بتلك اللحظة كوقع انفجار قنبلةً موقوتة، لم تشعر كيف هرعت إليه ولكن عاكس سرعة حركتها وقوف الكلمات بحلقها ..! 

أحيانًا تضعنا بعض المواقف بموضع المتهم والضحية في كفةً واحدة، ولم تخلو براءتنا من عكِرة الذنب ..! 

فباتت لا تعرف اتسأله الصفح والغفران، أم تسرد عتابها ولومها ثم تفتح صفحةً جديدة تسرد فيها قصتهما وابجدية الصمت ا ؟! ... فلما بلغت الحيرة أبرحت سفن الحديث واستقرت على قارب الصمت.

وكأن لعينيه صوتٍ يتحدث، كانت تقاتل ضعفا يخفيه، وعشقا يواليه، وقوةً يملكها، ولكنها تعادل ضعفاً محفوف بجروح الماض الذي يأبى الرحيلا. 


وهنا كان لوالد زايد اعتراض ورفض وقال: 

 _ ماينفعش يا زايد، دي مافيهاش مناقشة، هتروح المستشفى لحد ما أعصابك تهدى وترجع حالتك أفضل من كده. 


كانت نظرته لأبيه مختلفة، ودائمًا كان ينظر له كذلك، حتى في لحظات الود كانت عينيه لا تنسى الجراح القديمة وتقابله بشرارات التهم، ولكن اليوم اصبحت النظرة أكثر حدة وعدائية، كأنها تصرخ وتشير اليه بالإدانة..! 

ولاحظت فرحة حركة عصبية في فكيه، تشير أنه يضغط على نواجذه ويكظم غيظه بكل قوته، ثم أجاب بصوتٍ يخرج كأنه يسير على أوتارًا مرتخية : 

 _ لأ ، لو .. دخلت المستشفى ... هكون سيرة كل الناس ، أنا هفضل هنا في بيتي ... وفرحة .. 


تاهت الدماء من وجهها وهي تنظر له بدموع عاتبة، سيتسبب طلاقها اليوم فضيحة سترافقها طيلة عمرها، عدى عن حرقة قلبها للفراق،  واعتقدت أنه سينهي ارتباطهما الآن، ولكنه صدمها وصدم الجميع قائلًا وهو يغمض عينيه كأنه مرغمًا على شيء: 

  _  فرحة .. هتفضل معايا. 


سوّمه "فادي" بنظرة توافق هذا القرار، وتشاركا الشقيقان نظرات تدل أنهما اتفقا على شيء ما، ورغم رفض والد زايد بهذا القرار ولكنه وافق مجبورا وتوجه بالحديث لفرحة وقال بعصبية : 

 _ لو عايزة تعرفي أي تفاصيل تعالي اسأليني أنا، وهقولك على كل حاجة، أنما اياكِ تتكلمي مع زايد في الموضوع ده تاني .. وللأسف بعد ما كنت بحبك زي بنتي وبحترمك دلوقتي مابقتش طايق حتى اتكلم معاكِ. 


التزمت فرحة الصمت ولم ترد الغضب بالغضب، فهي للآن لا ترى نفسها مذنبة لهذا الحد ..!، وأن كانت كذلك فهم أيضاً مذنبون لإخفاء الأمر عنها ! .. ولكن مهلًا، ليس وقت المجادلة الآن .. 


تدخل الطبيب قائلًا وهو نادرًا ما كان يشعر بحيرة اتجاه حالة مريض خصيصا شاب يصل لدرجة مرعبة من الذكاء وقوة الشخصية مثل زايد، فلا يستطيع تحديد ثورته ان كانت أنهيار مؤقت أو انتكاسة مفاجئة : 

 _ لو هتفضل هنا يبقى في ارشادات لازم ما تخالفهاش مهما حصل .


وأرشده الطبيب على عدة نقاط مهمة وهو يكتب أسماء الدواء على ورقة، واشار له بجدية: 

 _ لو محستش بتحسن خلال ٣أيام يبقى لازم تتنقل المستشفى فورًا، صحتك ماينفعش تعاند فيها ..! 


ووضع الطبيب ورقة الدواء ثم خرج من الغرفة برفقة ممدوح، وانتظر فادي دقيقة ثم قال لزايد:  

_ انقذتني للمرة المليون يا زايد ، مش عارف أقولك إيه ..؟! 


نظرت فرحة لفادي بريبة ولم تفهم ما يدور حولها، ما الذي انقذه منه زايد وهو بتلك الحالة ؟! ...وأجاب عليه زايد ناظرًا بنظرة تحولت لنظرة نارية من الانتقام : 

 _ محدش هياخدلي حقي، أنا اللي هاخده بنفسي.


ارتبك فادي وظهر عليه الحزن والقلق ثم قال : 

 _ هو أخويا برضه يا زايد زي ما أنت اخويا..!! 


وهنا فهمت فرحة انه يتحدث عن هيثم فقالت مسرعة : 

 _ هيثم اللي ...


قاطعها زايد بنظرة حادة ومخيفة رغم الارهاق المميت الظاهر عليه : 

 _ مش عايز اسمع صوتك ، أنتي هتفضلي هنا معايا لهدف معين ، لما يتحقق ويخلص وقتك معايا هتخرجي برا حياتي للأبد .. 


تحدث فادي وقال لها شارحا: 

 _ انا قولت لزايد على هيثم ، ووعدني انه مش هيحكي لبابا حاجة ، أمي هددتني يا فرحة لو اتكلمت هتغضب عليا ، ارجوكي ما تجبيش سيرة هيثم في الموضوع ده قدام حد ..


بكت فرحة وهي تنظر لزايد وتقول بلوم شديد: 

 _ طب بما أن فادي حكالك اللي حصل ، محكالكش برضه أني انا اللي قولتله يبعد هيثم عن الحفلة عشان مايتسببش لك بفضيحة، ورغم اللي عرفته كنت مرعوبة عليك ! .. أنت عارف لولا اللي عملته كان هيثم عمل إيه ؟! 


انتفض زايد من فراشه بعيون شديدة الاحمرار ونظرة شرسة من الغضب وقال : 

 _ مكنش هيقدر يعمل حاجة اكتر من اللي عمله، أنتي اللي عملتي كل حاجة، ولو كنتي شايفة أنك انقذتيني من فضيحة فأنا كمان هنقذك من فضيحة ومش هطلقك دلوقتي .. لكن ده مش معناه انك تعتبري نفسك مراتي وليكي حقوق عليا ... أنا هعرف انتقم منك بطريقتي .. 


لم تصدق فرحة ما تسمعه ،وقالت وهي تبك : 

 _ أنا عملت ايه ؟! .. أنا اللي المفروض احاسبك وانا اللي المفروض أخد موقف ! .. أنت خبيت عني مرضك وماضيك كله ولما عرفت بيه بتنتقم مني عشان بواجهك ! ... أنت مش بس مريض نفسي، أن انسان أناني ومش شايف غير نفسك وغير أنك ...


لم يمهلها زايد أن تنطق كلمة أخرى ، بل نهض وهجم عليها لدرجة انها صرخت بذعر،ثم جرها خارج الغرفة ودفعها داخل غرفة أخرى وأغلق الباب بالمفتاح ، فأوقفه فادي بضيق شديد واستغل فرصة ان والده رافق الطبيب للخارج وليس هنا وقال له : 

 _ هي مظلومة يا زايد والصدمة كانت شديدة عليها، أنا مقدر حالتك ، لكن هي مكنتش تعرف ..


مسح زايد دموع عينيه وهو ينظر لشقيقه وقال بصوت متقطع  وبحزن شديد وانهيار: 

 _ وأنا ذنبي ايه ؟! .. حطت قدامي بمنتهى القسوة ماضي اسود مش عارف اخلص من عذابه لحد دلوقتي ، حتى لو مالهاش ذنب بس أنا كرهتها .. ومابقتش عايزها. 


قال فادي متفهما حالته تمامًا : 

 _ لأ أنت مكرهتهاش ، أنت محتاج تهدا وأعصابك ترتاح الأول .. وبعدين تفكر ...


قاطعه زايد وهو يشعر بحرارة تتسلل لجسده وكأنها بداية حمى وقال: 

 _ وبعدين أفكر اردها لهيثم أزاي، وأعرف منين جاب الفيديو ده ومين اللي صورني ! ... أنا مش هينفع انهار من تاني ، واخليهم يشمتوا فيا وادمر كل اللي بنيته .. 


خاف فادي من التهديد والاصرار بالانتقام الواضح بحديث زايد،  فالضحية شقيقه، والمتهم أيضا شقيقه، مع من سيقف ؟! 

ولكن ما أخافه حقاً أن زايد بمجرد أن لمح طيف هيثم يلوح من بعيد بتلك الأزمة، نفض عنه الإنكسار والأنهيار واستقام واقفًا كي ينتقم ؟! .. قوة الغضب تتأجج بداخله كالبركان الذي أوشك على الأنفجار ..! 


                            *********** 


منذ أن دفعها داخل الغرفة على سجاد الأرض ولم تنهض هي، اصبح جسدها متيبس كالصخر، كأن الحياة تغادرها ببطء ..! 

وعلق صوتها بحنجرتها بضعف، تخاف أن يسمعها تصرخ ويأت إليها من جديد ويحدث ما لا يحمد عقباه !. 


تريد أن تبقى حبيسة ذلك الباب المغلق بعيدةً عنه ، ربما استعادت بعض هدوئها، ولكن من أين لها الهدوء والسكينة وهي زجت في محيط من الحيرة والشك وانعدام الثقة ..! 


شعرت فرحة وكأن ذلك الرداء الأبيض التي لا زالت ترتديه به شوك يمزق بشرتها، ويخنقها ويحجب عنها الهواء، فأرادت بشدة أن تدفعه بعيدًا عنها ولكن ماذا سترتدي وملابسها بخزانة الغرفة الأخرى ؟! .. تنهدت بضيق وحنق شديد، ثم توجهت لحمام الغرفة مباشرة لتغسل وجهها من الدموع الممزوجة بالكحل الاسود الجافة على وجهها، واغلقت الباب عليها بعد ذلك. 


وبعد لحظات فتح باب الغرفة وطل وجه "فادي" ، كان يريد الحديث معها قبل أن يغادر، ولكنه انتبه لصوت جريان مياه الصنبور تصدر من الحمام فعلم أنها بالداخل، تنهد بحيرة وقرر غلق الباب والمغادرة ثم الحديث لاحقاً .. ولكنه ترك الباب مغلقاً دون أحكام ، لتستطيع فرحة أن تفتحه وتتحرك بالمنزل دون قيود.


وبعد عدة دقائق وبعدما انتهت من أخذ حماما سريع دافئ احتارت ماذا سترتدي ! .. وفكرت بضيق حتى انتبهت لـرداء حمام " بُرنس" رجالي مُعلق ولم تنتبه له منذ دخولها !! .. جذبته أمام عينيها ودققت النظر فيه وهي تتسائل لماذا هذا الشيء معلقا هنا بحمام تلك الغرفة ؟! .. وكانت ستشك أن احدًا غريبا دخل المنزل، ولكن رائحة العطر المميزة الصادرة من الرداء أخبرتها أنه هو ذلك المخيف لا غيره .. دار فكرها لأشياء جعلتها تغلي من الغيظ والشك، ولكنّها ارتدته سريعاً وخرجت من الحمام ..

وظلت تذهب وتعود بأرجاء الغرفة وهي تضرب يديها ببعضهما في عصبية وغيظ، فهي لن تظل حبيسة هذه الجدران للأبد !!.


      

                             ********** 


وقف ممدوح أمام ولده مصرًا على البقاء وقال:  

 _ مش هقدر أسيبك لوحدك معاها بعد اللي عملته فيك. 


لم يكن زايد يريد حتى مجرد أخذ نظرة بعينا والده، فكل شيء به يذكره بتلك المأساة، ولكنه قال كي يقطع صمته بالإجابة الحاسمة: 

 _ كان سوء تفاهم ما بينا وهينتهي .. أنا كويس. 


تعجب ممدوح من حالة الصمت المُلمة بزايد بعد ثورته المخيفة منذ ساعات !! .. وقال بعصبية: 

 _ سوء تفاهم ؟! .. أنت لسه بتدافع عنها !، أنا مش هرتاح غير لما اعرف الفيديو اللي شوفته ده وراه هيثم فعلا ولا مين !. 


ادرك زايد أن فرحة أخبرت والده بالحقيقة فتمتم بعصبية : 

 _ غبيــة ..! 


وتحدث بصوتٍ عال بعد ذلك وقال بصدق: 

 _ اللي حصل النهاردة خلاني اكرها رغم أن ليها بعض العذر، لكن مش قادر اسامحها، أنا مايهمنيش مين اللي وراها، اللي وجعني انهم استخدموها هي .. ! 


لم يفهم ممدوح حديث زايد لأي شيء يؤل وينوي وحديثه مع نفسه من لحظات، فاستطرد زايد وهو ينظر لوالده بحدة : 

 _ بس معتقدتش أن هيثم ورا اللي حصل.. أنا هعرف بطريقتي. 


شعر ممدوح بالحيرة الشديدة وبدأ بالشك في كل شيء، بات لا يعرف من يقول الحقيقة ومن الكاذب ..!  

فزايد أحيانًا يخفي قراراته حتى يرمي سهامه ويفاجئ الجميع ! ... ويبدو أن زايد لا يقبل المجادلة أكثر من ذلك ، فقد تمدد بالفراش وأغمض عينيه دلالاة عدم رغبته في أي مناقشة الآن، فدثره ممدوح بلطف ونظر له نظرةً مطولة ثم قرر العودة لقصره .. 

                               **********


وبعد مرور بعض الدقائق كانت انتبهت فرحة لصوت غلق أحد الابواب وخطوات تبتعد، وقد اختنقت بما ترتديه وأرادت الأتيان بملابسها على الأقل، فطرقت على باب غرفتها حتى يسمع زايد وتجبره على المجيء، ولكي تحدث ضجيج ضغطت على مقبض الباب بقوة، ولكن فوجئت أن الباب فتح وأصبح على مصراعيه ! .. 

فغرت فاها من الدهشة للحظات ، ثم اغلقت فمها وتلك الجرأة التي كانت تشعر بها منذ قليل هاجرتها، بل وشعرت برجفة تجتاح جسدها وحيرة وتردد..!  


لو ذهبت لأخذ ملابسها من الخزانة بهذا المظهر لظن بها الظنون، ولا يعقل أن تعود وترتدي ذلك الرداء الابيض الثقيل الضخم ..!، وربما كان والد زايد أو شقيقه معه بالغرفة ! .. 

أخذت نفسا عميق بحيرة وضيق شديد ، ثم قررت أن تفتح الغرفة قليلًا لترى أن كان زايد بمفرده بهذا الصمت حولها أم لا ! ... وتقدمت خطوة بعد الأخرى وهي تسير على أطراف أصابعها، وبدأت تفتح الباب ببطء حتى اكتشفت أن لا أحد سوى زايد، ولكن  حملقت فيه بذهول عندما وجدته يقطع أوراق دفتر يوميات ويرميها بنيران قد اشعلها على الأرض ! .. 

وكانت السنة اللهب ستصل ليده وهو يلقي الصفحات وعينيه دامعة وشاردة للبعيد .. فهرعت اليه بفزع تبعد يده قائلة : 

  _ ابعد ايدك عن النار دي .. 


وأتت سريعا بقدر مليء بالماء والقته على النيران نظراته المتعلقة بها في صمت وشرود ! .. 

وبعدما اصبحت النيران رمادًا، تنفست فرحة الصعداء وقالت بعصبية له : 

 _ في حد عاقل يعمل العملة دي اللي كان ممكن ... 


جذبها اليه بقبضة قاسية وملامحه تقطر شررا من الغضب وقال : 

  _ أنتي خرجتي ازاي وجيالي هنا ليه ؟! ... أنا مش عايز أشوفك ... 


نظرت له بألم من قبضة يده وقالت : 

 _ سيب ايدي لو سمحت ، وكفاية .. انا ما اتعاملش كده ! .


شدد قبضته عليها وهو ينظر لعينيها عن قرب وتساءلت بحيرة، هل طيف العتاب الذي تخلل نظراته كان وهما من خيالها أم حقيقة ؟! 

حتى هتف بها بحسرة ومرارة رغم عنف صوته: 

  _ أنتي فعلا ماتستحقيش اللي كنت هقدمهولك، ماتستحقيش اللي جوايا، أنتي ماحبتنيش ..! 


قالت بعصبية وهي تبك من الم يدها وقلبها: 

 _ عشان بس سألتك وعايزة أعرف الحقيقة أبقى ما استحقش ؟! .. أبقى ما حبتكش !. 


دفعها عنه بقوة وقال وهو يخفي الدموع بعينيه : 

 _ مواجهتك ليا مكنش فيها رحمة، مكنش فيها محبة، مكنش فيها غير الشك والاتهام والقسوة ، في وقت مكنتش مستني منك غير ... 


وقطع حديثه وابتلع الكلمات، ثم تابع بعد لحظات : 

 _ وجعي اتفتح من جديد بمنتهى البشاعة .. وبإيدك، كان نفسي تبقي مكاني وتعيشي اللي عيشته وتعرفي أنا حاسس بإيه دلوقتي .. 


سألته بعصبية وهي تقترب اليه من جديد ودموعها تغرق وجهها: 

 _ وأنت لو مكاني كنت عملت إيه ..؟ 


نظر لها للحظات ثم شدها اليه ونظر لعينيها بنظرة حادة جعلتها تنتفض وتبتلع ريقها، ثم قال بصوتٍ خافت : 

  _ لو كل الدنيا اتهمتك مليون اتهام كنتي هتفضلي في عنيا الفرحة اللي ماينفعش تتكرر .. ودفاعي عنك بيخرج قبل ما أعرف حتى الحقيقة، مين اللي قالك أن هيثم ما حاولش يوقعك في كذا فخ، وأنا لأني كنت واثق فيكي دورت ورا الحقيقة وعرفتها بطريقتي ... هو ده الفرق ما بينا ببساطة. 


ابتسم بمرارة وأضاف : 

 _ حكايتنا انتهت قبل ما تبتدي، وهسيبك بس مش دلوقتي ، بس قبل ما اسيبك هخليكي تتأكدي أني حياتي فيها مليون واحدة مستعدين يبقوا مكانك ... بس أنا يافرحة محدش هيقدر ياخد مكاني في حياتك ... 


قالت فرحة وقلبها يعتصر المً: 

 _ أنا عملت ايه ..؟! 


أجاب بإختصار وبمرارة: 

_ محبتنيش .. اللي شوفته في عنيكي لا يمكن يكون حب. 


وبعدها عنه بنفور، وبقيت تنظر له بخوف اجتاح كيانها كله، ساعات قليلة قلبت حياتها رأسا على عقب، ما باتت تعرف اكانت قاسية حقا في مواجهته أم بسبب حالته نفسية يفسر الأشياء بتفسيرات مبالغة ! ... ولكن بما أن والده وشقيقه اعترفا انه بريء من تلك التهمة، فأذن أنه بالفعل كذلك ... وغادرت الغرفة وهي تركض باكية عائدة للغرفة الأخرى .. 


                              ********** 


وبالصباح ... 


استيقظت "أشهاد" والفتاتان معها على رائحة شهية جدًا، قالت وصفية وهي تشمم : 

 _ الله ... الريحة دي ريحة كيكة ! .. 


ابتلعت أشهاد ريقها وهي تبتسم وقالت : 

 _ أنا حسيت بماما جيهان وهي بتقوم من جانبي بعد الفجر ، يمكن هي ..


قالت رضا بسخرية من أشهاد : 

 _ هي الضيفة كمان بقت ماما ؟! ... بكرة عم مغاوري يبقى جدك ! .. 


دفعت وصيفة بوجهها وسادة صغيرة وقالت بغيظ: 

_ خلي الدبش اللي بتحدفيه في وشنا لنفسك ! ...مش عايزة اسمع حسك يابت ! 


وفجأة فتح باب الغرفة ودخلت جيهان وهي تحمل قطع كيكة البرتقال الشهية على صينية فضية وتقترب من أشهاد، ثم قالت بابتسامة واسعة : 

 _ صباح الخير على الحلوين ... انا غلست عليكم ودخلت المطبخ بتاعكم وعملت كيكة سريعة كده ، أشهاد قالتلي عليها امبارح ، قولت اعملها قبل ما أمشي ... 


نطقت أشهاد بخوف : 

 _ أنتي ماشية دلوقتي يا ماما جيهان ؟! 


احبت جيهان تلك الكلمتان من هذا الطفلة الرقيقة وقالت وهي تضم رأسها لصدرها : 

 _ مش دلوقتي بالضبط يعني، بس ممكن يحصل في أي وقت .. يلا بقا ادوقكم الكيكة بتاعتي .. 


لم يظهر الحماس على وجه أشهاد، بل ظلت حزينة وعينيها الزرقاوان دامعتان ، فقالت جيهان كاذبة حتى تطعم الصغيرة وتروح عنها : 

 _ خلاص مش همشي ، اضحكي بقا .. 


واشرق وجه أشهاد بابتسامة ومسحت عينيها وهي تهتف بسعادة، ثم بدأت تطعمها جيهان وشاركهما الفتاتان بشهية عالية ..


وبالمبنى الآخر بجوار القصر...

انتفض الطفل عصفور من فراشه وهو يفرك عينيه من النوم ويقول وهو يبتلع ريقه : 

 _ ريحة بسكوت يا عيال ... هو العيد جه ؟! 


اعتدل شاندو من فراشه، ثم نهض وتفقد مصدر الرائحة حتى شعر أنها تأت من القصر فقال : 

 _ الكيكة عملت كيكة ... الريحة دي أنا فاكرها .. 


هتف عصفور بقوة فيهم : 

 _ بينا على القصر .. على ما أقول لباقي العيال .. 


واصبح أمام القصر الستون طفلا يركضون على الدرج كالذباب حتى غرفة جيهان والفتيات .... وفوجئت جيهان بذلك التجمهر على السلم وقالت بخوف: 

 _ حصل ايه ؟! 


قال عصفور بأتهام وغيظ: 

 _ أنتي عملتي كيكة ؟! 


اجابت جيهان ببساطة وهي لا تعرف ما الخطأ في ذلك : 

 _ آه عملت صينية كيكة .. في مشكلة ؟! 


أشار لها عصفور وهو يقف أمامها كذكر البط يصرخ بلا هدف : 

 _ المشكلة أنك مجبتلناش ! ...احنا مش عيال هفأ في القصر ده !! 


اخفت جيهان ابتسامتها وقالت : 

 _ طب تعالوا معايا على المطبخ اعملكم كام صينية كيكة حلوين كده ، بس ...


قال شاندو برجاء: 

 _ لا مافيش بس ، كل حاجة في المطبخ جاهزة، أي نعم مش هيفضل حاجة لبكرة بس مش مهم ... 


أخذت جيهان بعض الأطفال معها والبقية عادو لمساكنهم ، وتشاركوا الحديث والمزاح أثناء أعداد الكيكة حتى قال شاندو : 

 _ نفسك حلو اوي في الطبيخ يا أبلة جيهان .. 


صحح بقلظ له : 

 _ بس ده مش طبيخ ! 


واكد عصفور : 

 _ دي حاجات مسكرة يا شانتو .. 


اغتاظ شاندو منه ، ثم قال لجيهان بجدية : 

 _ ما تخليكي معانا يا ابلة وتكسبي فينا ثواب ... ده احنا معدتنا حمضت .. 


قالت جيهان بتعجب : 

 _ مين اللي بيعمل الأكل هنا ؟! 


رد بقلظ بضيق: 

 _ عم مغاوري ، الأكل بيعمله اصلًا حمضان ! ... بيبقى على النار وبيحمض ! .. 


ضحكت جيهان على قول ذلك الطفل وفهمت مقصده، فقالت بصدق : 

 _ ياريت كنت أقدر افضل معاكم ، أنا بقالي زمان محستش أن روحي خفيفة كده .. بس ماينفعش افضل في بيت حد غريب ... 


انتبوا الأطفال لصوت أشهاد ووصيفة تجر مقعدها لداخل المطبخ : 

 _ أفضلي معانا يا ماما جيهان، احنا هنا ايد واحدة، هتحبينا أوي والله. 


اقتربت لها جيهان ومررت يدها على شعر أشهاد الحريري : 

 _ أنا حبيتكم واتعلقت بيكم كأني أعرفكم من سنين مش من كام ساعة بس !! ... 


قالت أشهاد برجاء : 

 _ طالما حبتينا يبقا ما تمشيش ، والله هخلي بابا يوافق .. 


قال عصفور بغيظ : 

 _ده بيكره الحريم والرجالة وكله كله ... هو قال مش بيحب البشر. 


ضيقت جيهان ما بين حاجبيها بدهشة من هذا الرجل المجهول الذي بدأت تعرف عنه أشياء مخيفة ! 

ولكنها نفضت عنها تلك الأفكار الغريبة وعادت لطهو الحلوى ..


                                 ********* 


وتسللت أشعة الشمس الدافئة لداخل غرفة زايد وهو تائه بالنوم بجسد ثقيل، وفتح عينيه ببطء ليصدم بوجود فرحة ممددة ونائمة بجانبه بردائها أو بمعنى اصح بردائه هو .. وتضع يدها على جبهته التي وضعت عليها كمادات باردة .. 

أنزل زايد الكمادات الباردة عن رأسه واعتدل مكانه، حتى ادرك أنه لربما ارتفعت حرارته وهي هنا لذلك ... كان سيوقظها بعصبية وانفعال حتى توقف .. وتعلّقت عينيه بملامحها الرقيقة وهي نائمة بأطمئنان وسكون ... آخذه مظهرها كليًا بتلك الحالة، وضعف أمام رغبته برؤيتها وقت أطول وهي هكذا ..  

فتمدد مجددًا بهدوء حتى لا تستيقظ، وظلت عينيه عليها يحفر تلك الذكرى بداخله ... فربما لا يتشاركا الغد معا، 

وظل هكذا لوقت لم يشعر به حتى بدأت تستفيق وتفتح عينيها ، فأغمض عينيه في لمحة خاطفة لم ترصدها فرحة .. 

وتثاءبت فرحة بكسل ، ثم تذكرت حالته عندما عادت لتأخذ ملابسها فجرا، ووجدته في حالة لا يرثى لها من ارتفاع درجة الحرارة والحمى. .. 

فاعتدلت بلهفة وتحسست جبهته ، ثم تنفست براحة وقالت : 

 _ الحمد لله ، الحرارة نزلت .. 


ودقتت النظر في وجهه القريب وشعره الاسود المشعث بفوضاوية ، ولكن عجبا أن زاده وسامة !.. وشردت بعض الشيء في الأحداث التي مرت منذ ساعات ، وارتسم على وجهها الحزن واليأس ... 

وعندما قررت النهوض وجدت شيء على الأرض جعلها تحملق بذعر ....!!! 




البارت الخامس من هنا



بداية الروايه من هنا





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
close