expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم أمل نصر بنت الجنوب

رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم أمل نصر بنت الجنوب 


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


رواية عينيكي وطني وعنواني البارت الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم أمل نصر بنت الجنوب 



رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم أمل نصر بنت الجنوب 


 الفصل الاول 

دلفت لداخل غرفتها بخطواتٍ مثقلة وموجة من الغضب تحتاجها بعنف.. من وقت ان سمعت من ابيها اسم الجار الجديد لشقتهم .. وعقلها يرفض بشدة استيعاب هذه المفاجأة الغريبة .. كلما دار بمخيلتها ان هذا البغيض اصبح جارها والباب امام الباب اقشعر بدنها وتحفزت كل خلايا جسدها بشراسة نحوه.. 

وصلت الى شرفة الغرفة فوقفت تنظر للأسفل على هذه السيارة الكبيرة والمخصصة لنقل الاثاث .. فى أعلى السيارة من الخلف كان واقفاً يُساعد العمال او من تبرع من اهل المنطقة في حمل قطع الاثاث لنقلها فى تجهيز الشقة .. مشمراً اكمام قميصه الاسود وكاشفاَ عن ذراعيه القويتان على بنيان جسده العضلي ..ملامح وجهه الرجولية الجذابة على شعر راسه الفاحم السواد .. لفتت انظار معظم الفتيات والنساء فى المنطقة ممن وقفن في شرفاتهن او من تمهلت اثناء سيرها وهي تحدق بعيناها عليه كالبلهاء ..الوغد الملعون مازال محتفظاً بجماله الخاطف للأنفاس وتلك الهالة الجاذبة لكل صنف مؤنث.. غصة مريرة ابتلعتها في حلقها حسرة على من زُهقت روحها هباءاً ..فتمتمت بحرقة وهي ترتد للخلف عائدة حتى سقطت بتعب على طرف تختها 

- فاتن !!

.............................

توقف بسيارته على أطراف الحي الضيق تنتابه الحيرة.. فى التقدم الى الميدان الكبير حيث السكن الجديد لأخيه ووالدته.. ام التراجع كي لا يكسب عداء ابيه الغاضب على خروج زوجته من منزله وابتعادها عنه في تحدي واضح لارادة الزوج الكهل والمتزوج حديثاً بفتاة بعمر أبناءه ..بحجة مرض الزوجة وعدم مقدرتها على تلبية طلباته واحتياجاته..زفر حانقاً من تردده على اتخاذ قراره فى امر هام كهذا .. فهو لم يكن ابداً من محبي التصادم والاحتجاج عكس اخيه الكبير الذي نشأ على تحمل المسؤلية منذ الصغر ولديه حق الاعتراض او التمرد اذا لزم الأمر .. اما هو فكان دائماً المدلل من ابيه ووالدته .

ترجل من سيارته ليستنشق بعض الهواء النقي فى الخارج فالتقطت اذانه بعض الهمهمات النسائية القريبة منه .

- يالهوي على القمر يابت ايمان ..اموت انا .

- دا بينه غريب يامنيلة على عينك .

تصلب مكانه مسترق السمع كاتماً بصعوبة ابتسامته .

- هو فعلاً شكله غريب عن المنطقة من نظافته وحلاوته ؟

- او ممكن يكون اجنبي ياشروق ؟

- تصدقي صح يابت الحلاوة دي فعلاً تدي على اجنبي 

لم يستطع الصمود اكثر من ذلك فالتفت اليهم برأسه فجأة اجفلهم ..ظهر الارتباك جليا على قسمات وجههم وهن يسرعن بخطواتهم تتخطيانه .. تتهامسان بصوتٍ خفيض .

- يانهار اسود دا بابينه سمعنا.

اسرعن بخطواتهن امامه فى الجهة الأخرى من الشارع وهن يكتمن ضحكاتهن ..ظل هو ساكناً في مكانه وتابعت عيناه سيرهم حتى خروجهم من الحي .. كان يبدوا من مايرتدينه من ملابس ومابيدهم من دفاتر انهم فتياتٍ جامعيات ..الاولى كانت نحيفة بشعرها الاسود على بشرة رقيقة وبيضاء ..لم يلتفت جيداً عليها وذلك لتعلق نظراته بالفتاة الثانية ..ذات الوجه المستدير بالملامح البريئة والتي اختلطت بشقاوة فطرية ..ظهرت بوضوح حينما استدارت برأسها اليه بابتسامة رائعة قبل ان تخرج من الحي وتختفي هي وصديقتها .

..............................

- انتي كنت فين ياماما؟

التفتت سميرة على صوت ابنتها وهى تدلف لداخل المنزل..فعدلت عن دخول المطبخ وذهبت اليها فى الصالة الصغيرة وسط المنزل وهي تقول :

- ابلة فجر ..اخيراً يااختي صحيتي وخرجتي من اوضتك..مش بعادة يعني تتأخري في نومتك كده ؟

انتظرت فجر حتى جلست والدتها على الاريكة بجوارها فقالت بتوتر :

- لا ما انا كنت راجعة من شغلي تعبانة وراحت عليا نومة .

نظرت اليها والدتها بتفحص تسألها :

- انتي فعلاَ شكلك متغير ..هو ايه اللي تاعبك بالظبط ؟

ازاحت كف والدتها عن وجهها برفق قائلة :

- ياماما دول كانوا شوية صداع وراحوا لحالهم..المهم انا خرجت من اوضتي مالقتش غير ابراهيم بس هنا فى البيت قبل مايخرج هو كمان ويروح السنتر ..هو انتوا رحتوا فين ؟

- يعني هانروح فين يعني؟ اختك لسه مارجعتش من جامعتها وانا طلعت بصنية أكل للجيران الجداد ارحب بيهم ....

قاطعت والدتها قائلة بحدة :

- نعم!! وانتي توديلهم أكل ليه ان شاء الله؟ هما كانوا قرايبنا ولا لينا بيهم سابق معرفة. 

صاحت عليها سميرة بحنق :

- في ايه يابت مالك ؟ هو انتي هاتبصي على اللقمة كمان ؟ دا الراجل وامه العيانة ملخومين فى ترتيب العفش.. نسيبهم جعانين احنا بقى عشان مش قريبنا ولا نعرفهم .

اخفضت نبرة صوتها تحاول تخفيف حدتها فى القول:

- ياماما انا مابصيتش فى لقمة ولا حاجة ..انا بس مش عايزة يبقالنا علاقة كده من اولها مع ناس غريبة عننا ومنعرفهاش .

- غريبة دا ايه بس يافجر ؟ دول ناس ولاد اصول يابنتى وولاد عز كمان.. والست الكبيرة تتحط على الجرح يطيب بس المرض بقى هدها والراجل جوزها ماتحملش تعبها قام متجوز عليها عيلة من دور عياله من غير مايراعي شعورها ولا احساسها ..لكن ابنها بقى ربنا يحرسه لشبابه مخلصوش قهرة والدته .. خرج بوالدته يعزل بيها وترك لوالده الجمل بما حمل .

سألت فجر مندهشة :

- وانتي لحقتي تعرفي دا كله امتى ياماما؟

- من والدته نفسها..ماانا قعدت معاها والكلام جاب بعضه دا حتى والدك كمان اتعرف على ابنها اسم النبي حارسه علاء ..حتة شاب انما ايه حاجة تشرح القلب ..دا ابوكي معجب بيه اوي .

فعرت فاهها مذهولة :

- حاجة تشرح القلب!! لدرجادي ياماما ؟

- بكرة تشوفيه وتعرفي بنفسك .

تنهدت سميرة بصوت واضح قبل ان تقوم من جوارها وهى تتابع :

- انا قايمة اغسل المواعين اللي اتكومت فى الحوض وبالمرة احضرلكوا حاجة للعشا.

نظرت فى اثر والدتها وهي تتمتم بصوت خفيض:

- دا على اساس اني لسة ماعرفتوش !

اجفلت مخضوضة على صوت صفق الباب وشقيقتها تدلف هاتفة بمرح :

- يالهوي يالهوي على جارنا الجديد يابت يافجر طول وعرض ولا نجوم السيما بالظبط ..شوفتيه ولا لسة ؟

اغمضت عيناها بتعب وهي تحرك رأسها بيأس :

- شوفته ياشروق شوفته .

على اقرب المقاعد ارتمت شروق وهي تتسائل بحالمية:

- هو انا ايه حكايتي النهاردة مع الرجالة الحلوة ؟

.................................


في الشقة المجاورة وتحديدا بداخل الغرفة القريبة من غرفة فجر تناولت زهيرة دوائها واستلقت لتنام على التخت الجديد .. بعد ان تمكن الارهاق وتعب اليوم فى نقل الاثاث وترتيبه من جسدها الهزيل .. رفعت رأسها على صوت الطرق الخفيف على باب الغرفة فرحبت بابتسامة قائلة:

- ادخل يانور عيني انا لسه صاحية. 

فتح الباب فازداد اتساع ابتسامتها وهي تراه يتقدم لداخل الغرفة نحوها حتى جلس بجوارها على طرف التخت فتناول كف يدها يقبلها بحنان:

- معلش بقى تعبتك معايا النهاردة ياست الكل .

زمت شفتيها بحنق قائلة :

- تعب ايه ياواد اللى تعبتوا ؟دا انا اَخري كنت بشرف وبس على العمال اللي انت اجرتهم مخصوص يوضبوا الشقة .. انا حتى ملحقتش اوضب الهدوم فى الدولاب. 

قال مازحاً وهو ينظر للحقائب الموضوعة ارضاً :

- وماله ياست الكل ارتبهم انا من عنيا دا انت تؤمري. 

لكزته بقبضتها على ذراعه قائلة بحزم محبب :

- ملكش دعوة بهدومي ياقليل الادب انت ..انا هارتب حاجتي بنفسي .. بس بكرة الصبح بقى احسن انا النهاردة خلاص.. 

تثائبت وهي تقاوم نومها فتابعت 

- المهم بقى انت قدرت تلاقي محل هنا فى المنطقة ولا لسة ؟

قبل جبينها قائلاً :

- نامي انتي دلوقتي وريحي جسمك .. وبكرة ابقي اسأليني براحتك بقى .

كررت بأصرار :

- يابني انا معاك اهو ..قولي بس لقيت محل ولا لأ ؟

اجاب يأساً :

- ياستي انا خدت فكرة النهاردة من السمسار عن بعض المحلات الجديدة والفاضية فى المنطقة وبكرة بقى ربنا يسهل ونعتر على واحد كويس .. المنطقة هنا عمومي ومهمة يعني ربنا يجعلها فاتحة خير علينا ان شاء الله . 

كان يتكلم بأسهاب فلم يعي الا متأخرا ان والدته استسلمت لسلطان النوم ولم تعد منصتة له .. ظل بجوارها لبعض اللحظات متأملاً وجهها الجميل..لقد كانت والدته فائقة الجمال فى شبابها ببشرتها الحليبية وعيناها الخضروان .. كانت من اجمل فتيات الحي حينما تزوجها ابيه ابن الحسب والنسب وصاحب اكبر محل أدوات صحية .. ولكنها أصيبت ببعض الأمراض المزمنة مبكراً كالسكر والضغط والاَم الظهر والعظام .. في البداية كانت محاطة برعاية زوجها واهتمامه ولكن مع مرور الايام زال الاهتمام والرعاية رويداً رويداً حتى تلاشى تماماً وانتهى اَخيراً بزواجه من عاملة فى المحل.. نيرمين.. كلما تذكرها وتذكر الاعيبها المكشوفة عليه قبل ان تفقد الأمل منه وتنصب شباكها على ابيه فتوقعه فى شركها ..فارت الدماء بعقله وجسده فزفر بضيق على احساس العجز الذي تمكن منه فى التصدي لها.. مسح بكف يده على وجهه يحاول تهدئة اعصابه .. ثم تناول غطاء الفراش ودثر والدته جيداً وقٌبل رأسها قبل ان ينهض من جوارها ليستنشق بعض الهواء النقى فى شرفة الغرفة علّه يهدأ النار المشتعله فى صدره ... اخرج عبوة السجائر فسحب واحده ووضعها فى فمه وهم باٍشعالها بقداحته ... ولكنه وقف باهتاً وارتخت يداه حينما لمح هذه الجميلة الواقفة فى شرفة الشقة المجاورة... كانت ملتفة بشالها تنظر للأمام وخصلات شعرها الحريري تتطاير بنعومه فى الهواء ... يبدو انها كانت شارده مما سمح له بتأملها لفتره مبهوراً حتى اللتفت هى عن غير قصد لتجفل اليه فاشتعلت نظراتها وهى تنظر اليه كنمرة متوحشة .. انتفضت لتخرج من الشرفة على الفور ... فابتسم بتسليه وهو يشعل سيجارته وهو ينفث دخانها فى الهواء باستمتاع.. تمتم وهو يبتسم مع نفسه :

- دي باينها هاتبقى فل ان شاء الله.

.............................


تقطع الغرفة ذهاباً واياباً على قدميها بغير هوادة من وقت ان رأته بهذا القرب وهو ينظر اليها بكل وقاحة بداخل شرفته القريبة من شرفتها ..ونار من الغضب المكبوت اشتعلت بأحشائها تمزقها بعنف وشراسة.. لقد كانت بالكاد قد تناسته عندما خرجت لشرفتها مستسلمة لنسمات الجو الباردة والمحببة اليها فى هذا الطقس ..لتجده فجأة امامها مقتحماً خصوصيتها.. حاولت تنظيم انفاسها لتخفيف هذا الشعور البغيض الذي انتابها بقلة الحيلة والقهر ..انقذها رنين الهاتف برقم تعشقه بعشق صاحبته.

اجابت بهدوء. 

- الوو ..

وصلها الصوت المحبب بمرح:

- الوو .. انتي فين ياعنيا ؟ ماسمعتش صوتك من مدة يعني ؟ .

تبسمت بخفة قائلة :

- مدة ايه بس ياسحر ؟ دا احنا اليوم كله مع بعض فى المدرسة .

- ماهو ده اللى مجنني يابنتي .. انك ترجعى من شغلك وتقعدي الفترة دي كلها من غير ما تزعجينى باتصال واحد حتى يبقى انا كده اقلق بقى.

صمتت قليلاً قبل ان تجيبها :

- لا ماتقلقيش ياسحر انا بس كنت مصدعة وخدتني نومة لهتني عن ازعاجك. 

وصلها صوت صديقتها القلق .

- لا يافجر .. انا بعد ما سمعت نبرة صوتك دي بقيت متأكدة ان في حاجة بجد تعباكي مش هزار ..هاتقدري تتكلمي فى الفون ولا تصبري للصبح عشان الوقت اتأخر دلوقتي على الخروج .

اومأت برأسها تقول 

- اشوفك بكرة ياسحر في المدرسة ان شاء الله تصبحي على خير. 

بعد ان نهت المكالمة مع صديقتها الحبيبة .. استلقت على فراشها تبتغي النوم والراحة قليلاً عن ما يدور برأسها. 

.......................


فى الجهة الاَخرى بعد ان انهت مكالمتها اللتفت مرة ثانية للتصحيح فى كوم الكرسات المتناثرة امامها على طاولة المكتب بعد اختبار الشهر الذي فاجئت به طالبات الفصل بالامس ..بدون سابق إنذار 

رفعت رأسها على صوت حفيف فستان قادم مع وقع خطوات كعب حذاء عالي بداخل الغرفة ورائحة العطر النسائي الذي تعلمه جيداً .

- هااا ايه رأيك ؟

فغرت فاهها وتدلى فكها بذهول وهي تري والدتها تلتف امامها بفستان سهرة بالون الفضي مطرز ببعض حبات الخرز على الصدر .. فانعكست اضاءة الفستان مع حبات الخرز على وجه المرأة الابيض وهي تبتسم بتفاخر و تسأل بالحاح:

- هاا ياسحر ..ماقولتيش رأيك فى الفستان ايه ؟

فاقت من ذهولها وهى تضرب بكف يدها على سطح المكتب قائلة:

- عايزاني اقول رأيي فى ايه ياماما ؟ فى سنك ده ومكانتك كموظفة محترمة فى القطاع الحكومي لابسالي فستان بترتررر؟

شهقت رجاء تتخصر امامها مستنكرة:

- وماله سني ياعنيا ؟ كبرت بقى ولا عجزت دا انا اعرف ناس فى سني ولسة مااتجوزوش ..وان كان على الاحترام فانا محترمة غصبٍ عن الكل ..يعني البس ترتر ولا مشخلع حتى ماحدش له عندي حاجة .

عضت سحر على شفتيها تكتم غيظها قبل ان تسأل:

- طيب ولما هو كده زي انتي مابتقولي ..عايزة رايي فى ايه بقى ؟

قالت رجاء بتوسل :

- عيزاكي تقولي رايك بجد فى الفستان وانا لابساه من غير ما ترمي كلامك الدبش كده فى وشي .. انا ماليش هنا فى البلد دي غيرك ياسحر عشان اسأله فى حاجة ضروري زي دي ..فرح بنت اخويا قرب و عايزة اللحق اجهز نفسي بقى .

- ماشي ياماما حاضر. 

كظمت امتعاضها بصعوبة وهي تستجيب للابتزاز العاطفي من ناحية رجاء ..فالقت نظرة متأنية على ماترتديه لتفحصها جيدا قبل ان تبدي رأيها ..الفستان لم يكن سئ بأكمله .. فقد كان منسدل على قوامها المتناسق بنعومة ..بالإضافة ان قماشه لم يكن بالضيق الذي يجعله يلتصق بجسدها .. تنهدت بيأس حتى وجدت ضالتها اَخيراً وهى تنظر على منطقة الخصر ..فابتسمت داخلها بخبث لتجيب والدتها بكل ضمير:

- بغض النظر عن الترتر ياست ماما .. فلو نظرنا نظرة شاملة على الفستان هانلاقيه طويل واكمامه طويلة دا غير انه كمان لايق عليكي بس ياخسارة بقى فيه عيب مهم قوي .

سألتها مجفلة :

- ايه هو العيب اللى فيه؟

- كرشك 

- نعم !!

- بقول الحق ياماما ..كرشك ظاهر قوى فى الفستان .

تنهدت رجاء بغيظ وهو تتمتم بصوت خفيض :

- ماشي تمام ..هنلاقيله صرفة ان شاء الله .

سألتها ببرائة:

- هاتشفطي كرشك ولا توسعي الفستان ؟

هتفت عليها حانقة :

- مالكيش دعوة .. انتى قولتي رأيك وكتر خيرك على كده ..المهم بقى امتى هاتجهزي انتي كمان وتشتري حاجة عدلة عشان فرح بنت خالك .

- هي غنوة ياماما وعايزاني اغنيها؟ماقولتلك مش رايحة فرح الزفتة بنت خالي ولا راجعة البلد دي تاني نهائي ..هو انتي ايه مازهقتيش ؟

رفعت رجاء طرف فستانها وهي تردد مع خروجها من الغرفة بتصميم:

- لا مازهقتش ياسحر وهاتروحي الفرح معايا يعنى هاتروحي الفرح .

بصوت عالي صاحت هي الأخرى كي تسمعها :

- وانا قولت مش رايحة الفرح يعني مش رايحة الفرح واما اشوف كلمة مين بقى فينا اللي هاتمشي؟


الفصل الثاني 


على طاولة صغيرة بوسط المنزل اعدتها زهيرة مائدة للأفطار فوضعت عليها بعض الاصناف الخفيفة من الطعام بالإضافة لبراد من الشاي الساخن ..كانت تهتف على ابنها:

- ياللا بقى ياعلاء كفاية نوم يابني ؟

خرج لها من غرفته يجفف شعر راسه بمنشفة صغيرة قائلاً :

- ياست الكل انا خرجت اهو والنعمة..كفاية بقى تندهي عليا هاتصحي العمارة كلها معانا. 

قالت ضاحكة:

- ماانا كنت فاكراك لسة نايم ياحبيبى ..مكنتش اعرف بقى انك صحيت وخدت شاور كمان .

اقترب منها يقبل أعلى رأسها قبل ان يجلس على المائدة قائلاً :

- ولا يهمك ياحبيبتي..صباح الفل عليكي. 

- صباح الفل والورد كمان على احلى علاء 

قالتها وهي تجلس هي الاَخرى تشاركه وتابعت تسأله :

- صحيت بدري لوحدك يعني؟ ماارتحتش فى مكانك الجديد ولا ايه؟

وضع لقيمة كبيرة من الجبن قائلاً بمكر:

- بصراحة بقى ياأمي انا فعلاً مقدرتش انام في الاوضة الجديدة دي اصلها مقفلة كده وعلى شارع خلفي بجد ماستريحتش فيها ..عكس اوضتك انتي بقا بتطل على الميدان والمناظر الحلوة. 

قطبت قائلة بدهشة:

- ما هو دا كان رأيك انت يابني..لما قولت انك عايز الهدوء ..بعيد عن دوشة الناس والعربيات. 

اومأ برأسه قائلاً بارتباك :

- هو فعلاً كان دا رأيي في الأول ياست الكل..بس بصراحة امبارح وانا فى أوضتك حسيت براحة نفسية كده..جعلتني اتمنى انها تبقى اوضتي .

قالت بحنان :

- ياحبيب قلبي مدام عجباك اوي كدة يبقى نبدل بقى وخدها انت وانا ياسيدي اَخد أوضتك .

تبسم بانتعاش وهو يتناول كف يدها ويقبلها :

- تسلميلى ياست الحبايب انتي دايماً كده مريحاني في أي حاجة اطلبها .

نهض عن مقعده فجأة يقول :

- اسيبك انا بقى واقوم البس عشان يدوبك احصل مشواري مع السمسار .

لاحقته بنظراتها قائلة :

- ربنا يريح قلبك ياحبيبى ويفتحها فى وشك دايماً .

اوقفته فجأة قبل ان يفتح باب حجرته وهي تسأله بلهفة وتردد:

- هو اخوك حسين ماتصلش بيك ياعلاء ؟

التف اليها قائلا بابتسامة مطمئنة :

- ولو ما اتصلش ياأمي برضوا هايجي ويطمن عليكي..حسين طيب وانا عارفه كويس .

قالت بحزن :

- حتى بعد ما قولتلوا ياجبان ؟

ازداد اتساع ابتسامته:

- اطمني ياأمي .. هو بس اللى أخره عنك خوفه من زعل الوالد لكن خليكي متأكدة انه هايجي.

.............................


كانت فجر تلملم اغراضها على عجالة فى الحقيبة الصغيرة لها كي تلحق دوام عملها فى المدرسة حينما دلفت اليها شقيقتها شروق سائلة بتعجب :

- ايه دا ؟ انتي لسه ماروحتيش الشغل يافجر ؟ دي الساعة قربت على ٨ .

قالت باستياء:

- والنبي سيبنى فى حالي ياشروق .. طول اليل معرفاش انام امبارح لحد ماصليت الفجر وبعدها بقى عوضت وراحت عليا نومة لدرجة اني ماحسيتش بصوت المنبه. 

سألتها بمشاكسة:

- وياترى ايه اللى اَخد عقلك بقى لدرجة انه طير النوم من عيونك ياابلة فجر ؟

لوت شفتيها بحنق وهي ترتدي سترتها الجلدية قبل ان تخطوا للخارج قائلة:

- مش هارد على واحدة تافهة زيك. 

ضحكت شروق تتناول قلم الحمرة لتلوين شفتيها وهي ناظرة فى انعكاس شقيقتها فى المراَة التي كانت خارجة من الحجرة فقالت بمرح:

- والنبي مسيرك لتقعي يافجر .

عادت اليها فجأة قائلة بتحذيرٍ ومزاح :

- خفي شوية على صباع الروج ياماما دا مال يتامى .

.............................


فتحت باب الشقه لتخرج فاصطدمت عيناها به مباشرةً امامها وهو خارج ايضاً من شقتهم .. تنحنح فى البداية وهو يلقي عليها التحية :

- صباح الخير. 

تجهم وجهها ونظرت اليه نظرة تحدى وازدراء .. توقع ان ترد اليه تحية الجار الجديد لكنها مرت من امامه تتخطاه لتنزل الدرج وكأنها لاتراه ! عقد حاجبيه وفغر فمه دهشةً من جرأتها ..ظل لبعض اللحظات ينظر فى اثرها مصدوماً من فعلتها .. همس ذاهلاً بصوت خفيض :

يابت ال .... دى مجنونه دى ولا ايه عشان تعمل كده مع المعلم علاء وماتعبروش ؟!

هز رأسه يبتلع الأهانة وهو ينزل خلفها يتميز غيظاً منها ومن عجرفتها عليه دون سبب واضح او قد يكون السبب هو غضبها امساً حينما اجفلت عليه وهو ينظر اليها من شرفته مستغلاً غفلتها..ولكنه ماذا يفعل فقد سرقته اللحظة امس وهو ينظر اليها كالمسحور ولم يعي بالزمان ولا المكان ولا الأصول والأعراف .. تنفس بغضب وهو يقسم بداخله انها لو كانت رجلاً لرد بتهشيم وجهها .. وجهها الذى يشبه القمر لايدرى لما يشعر كأنه رأها سابقاً ؟!


اما هى فقد أحست بنشوى غريبة فى احراجه . كانت تشعر مع سماع خطواته خلفها وكأن نظراته تنفذان عبر ظهرها وصوت انفاسه الهادره تصل اليها بوضوح وهى تتصنع البرود والغطرسة أمامه .

............................


وفي مكان اخر 

بداخل المحل الضخم والمخصص لبيع الأدوات الصحية ..كان المعلم أدهم المصري مستنداً بمرفقيه على ركبتيه وهو يتلاعب بسبحة يده فى جلسته على الكرسي ..وقد تركزت عيناه على مدخل المحل دون كلل بأمل كاذب فى انتظاره..رغم علمه الكبير بتشدد ولده حينما يقرر ..لقد ورث علاء معظم جينات ابيه شكلياً وداخلياً ايضاً خصوصاً صرامته القاطعة فى اتخاذ القرارت مهما كانت صعبة او مصيرية .. لطالما افتخر به واحبه اكثر من حسين الذي ورث عن والدته الطيبة الزائدة كما ورث لون عيناها ايضاً وبشرتها البيضاء .. اعتدل يضرب بكف يده على فخذه وهو يزفر بضيق ..يتساءل فى حل لهذه المعضلة الشائكة..لقد تزوج وانتهى الأمر .. لكنه ايضاً يريد زوجته الحبيبة وأولاده فى كنفه فماذا يفعل ؟ واين هو الحل ؟

خرج من شروده على صوت هاتفه برقم زوجته الثانية نرمين التي بمجرد ان فتح المكالمة قالت بتذمر :

- الوو ..كده برضوا يا أدهم تسيبني نايمة وتخرج من غير ماتصحيني حتى ؟

قال بصوتٍ خفيضٍ حازم وعيناه تدور فى المحل حتى لا يلفت اليه نظر العمال او حتى الزبائن :

- وطي صوتك يانرمين مش ناقصين فضايح .

وصله صوتها بميوعة:

- طب ولو وطيت صوتي يعني؟ هاتسيب المحل وتيجي تشوفني و تراضيني وانت عارف كويس اني لسة عروسة جديدة ودا حقي ؟

تحمحم بارتباك قبل يتدارك نفسه فقال بصرامة:

- بقولك ايه انا ورايا مشوار ومش فاضيلك دلوقتي .. استني لما ارجع البيت نبقى نتعاتب براحتنا. 

- مشوار ايه ؟

نهض فجأة وقد حزم امره :

- بعدين بقى اقولك لما اشوفك سلام .

...............................


في المدرسة وبداخل احدي الفصول بعد ان انصرفت الفتيات لحضور حصة الألعاب في الفناء الواسع ..كانت فجر جالسة على احدي المقاعد فى الفصل الفارغ وسحر الجالسة بجوارها على نفس المقعد تسألها بجديه:

- انتي متأكدة ان هو نفسه؟

اجابتها بثقة :

- دا انا لو اتوه عن الدنيا كلها لايمكن اتوه عنه .

- مش يمكن حد يشبهله؟

بشبه ابتسامة قالت :

- يشبه فى الشكل والاسم كمان ؟ في ايه ياسحر ؟ اشحال ان ماكنت حاكيالك بكل اللي حصل ؟

رفت برموشها تستوعب جيداً قبل ان تقول:

- بصراحة صدفة غريبة جداً ؟ يعني صاحبنا ده ساب البلد كلها وضاقت عليه عشان مايلاقيش غير عمارتكم ويسكن فيها ؟

تنهدت بسأم قائلة:

- ياستي حسب ما سمعت من امي انه اختار عمارتنا عشان بتطل على ميدان ومنطقة عمومي مناسبة يفتح فيها محل أدوات صحية زي والده .. وبنفس الوقت يبقى قريب من والدته ويراعيها. 

- ياسلام !!

قالتها سحر بتهكم وتابعت :

- لدرجادي هو بيحب والدته يعني ؟ غريبة فعلاً واحد بالأخلاق دي ويتصرف كده .

تبسمت بمرارة :

- امال لو شوفتي امي وهي بتوصف فى جماله وشبابه ولا اعجاب والدي بيه عشان نصر والدته ومخلصوش قهرتها ولا نظرة الستات ليه فى شارعنا ولا اكنهم شافوا رجالة قبل كده .

سالت دمعتها بخطٍ رفيع على وجنتها وهي تتابع :

- عايش حياته يافجر وربنا ماانتقمش منه زي ما كنت بتمنى وبادعي عليه .

اقتربت تربت بكف يدها على ظهر صديقتها قائلة :

- هدي نفسك شوية يافجر مش كل الأمور بتمشي زي مااحنا عايزين ..ربنا له تدبير مختلف عننا فى تخليص الحقوق. 

هتفت بانفعال :

- يعني امتى بس ياسحر العدل يتحقق والمذنب ياخد عقابه ؟ لحد امتى هايفضل الضغيف بس هو اللي يدفع التمن والقوي يعيش ويتمتع و......استغفر الله العظيم .

اومأت سحر متفهمة ثورة صديقتها وحزنها وهي تناولها محرمة ورقية لتجفف دماعتها قبل ان تسألها مجفلة :

- الا صحيح يافجر هو عرفك ؟

هزت اكتافها وهي تمط بشفتيها تقول :

- بصراحة مش عارفة .

...................................


- ها يامعلم علاء ايه رأيك؟

طاف بعينيه على المساحة الشاسعة و الفارغة و الحوائط المطلية حديثاً فأومأ ببعض الرضا 

- كويس ياعم حودة المحل بس السعر اللي انت عارضه غالي قوي .

قال الرجل متشدقاً :

- وانا ايه ذنبي بس يا معلم علاء ..دا صاحب المحل هو اللي محدد السعر ده عشان زي ماانت شايف كدة المنطقة عمومي والبشر فيها زي النمل يعني لقطة وعلى العموم لو مش عاجبك المحل فى غيره فى الناحية التانية من الميدان برضوا ..اهم حاجة راحتك .

بنظرة متفحصة لداخل المحل وخارجه شعر ببعض الرضا وهو يرى شرفة الشقة الجديدة امامه..حتى يتسنى له رؤية والدته عن قرب وهو يتابع اعماله .. مع بعض التسلية لرؤية شرفة الشقة المجاورة امامه مباشرةً..ترى ماذا سيكون رد فعل صاحبتها المتعجرفة حينما تراه امامها الاَن لو خرجت بالصدفة؟

عاد من شروده على صوت السمسار وهو يُقاطع افكاره:

- ها يامعلم علاء ايه رايك بقى ورسيت على انه محل ؟

بابتسامة عريضة قال :

- خير ياباشا .. بلغ صاحب المحل ده بالموافقة عشان نخلص النهاردة ياريت.. وعمولتك هاتخدها مني مقدماً .

هلل الرجل فرحاً:

- على بركة الله ..انا هاتصل بالراجل دلوقتي عشان نجهز العقود مدام انت فلوسك جاهزة وربنا يجعلها فاتحة خير عليك ..

.............................


كانت زهيرة منهمكة فى تريب ملابسها داخل الخزانة بعد ان تبادلت الغرفة مع علاء ابنها ..حينما سمعت صوت جرس المنزل..تركت مابيدها وذهبت بخطواتها البطيئة وهي تتحامل على ألألم المزمن لعظامها وظهرها .. فتحت الباب فتسمرت مذهولة حينما وجدته امامها  ..قال بصوته الرخيم:

- ايه يازهيرة انتي هاتسيبني واقف كدة على الباب ؟ مش ناوية تقوليلي اتفضل ؟

تراجعت للخلف مستاءة من لهجته المتهكمة وهي تدعوه للدخول :

- اتفضل ياحج البيت بيتك .

خطا لداخل المنزل وعيناه تطوف على كل تفصيلة فى ارجاءه :

- هه ياماشاء الله.. شقة واسعة على الطراز القديم لكن  شكلها يفرح وتفتح النفس ..انتي لحقتي كمان توضبيها ولا... ؟

قال الاخيرة بنظرة ذات مغزى عليها وهو يجلس على اقرب المقاعد ويتابع :

- ولا شكله كده جابلك ناس تساعدك ؟حكم انا عارفه حبيب ابوه بيخاف على صحتك من الهوا

زفرت حانقة تردد خلفه:

- أكيد طبعاً بيخاف عليا وجابلي ناس تساعدني يامعلم وهي فيها حاجة دي ؟

- لا مافيهاش حاجة يازهيرة إن ابنك يخاف عليكي و يجيبلك ناس تساعدك..بس ياريت بقى تفتكري انتي كمان إني انا والده وليا حق عليه زيك .

تنهدت بنزق وهي تجلس على الأريكة امامه وقالت:

- بقولك ايه حج ماتجيب من الاَخر وقولي عن سبب الزيارة الكريمة دي؟

قال بجدية :

- عايز ابني يا زهيرة يرجع لحضني من تاني يسندني ويقف جمبي ..دا طول عمره دراعي اليمين اللي بعتمد عليه .

فتحت فاهها تنتوي الرد ولكنه سبقها يتابع 

- عارفك هاتقولي انك مش ممانعة..لكن انا هاجيب من الاَخر زي ما قولتي ..ابنك لايمكن هايصفالي طول مانتي زعلانة ومنشفة راسك يازهيرة ..الجواز كان هايحصل هايحصل سواء كانت بت صغيرة ولا واحدة كبيرة عنها ..انا بقالي سنين متحمل تعبك وعمري ما اشتكيت ..ماينفعش انتي تيجي على نفسك بقى دلوقتي وتتقبلي الضرة؟ البيت واسع و....

قاطعته بحدة قائلة :

- لأ ماينفعش يا أدهم .. حتى لو كان البيت يساعي الف ..برضوا مش قابلة الضرة ..انت بتعايرني وتقول انك اتحملت تعبي لكن من جواك عارف كويس اني رغم تعبي ده ياما أتحاملت على اَلمي عشان ارضيك .. فبلاش النغمة دي والنبي ..انت راجل البت زغللت عيونك واتجوزتها على ام ولادك .. انت حر ..وانا كمان حرة اني مابقلش على نفسي بالضرة .

ظل لعدة لحظات ينظر اليها صامتاً بوجه صارم وغير مقروء قبل ان ينهض قأئلاً بقسوة غير مبالي بتأثير كلماته على المرأة :

- ماشي يازهيرة خليكي كده على عِندك وانتي فرحانة بابنك اللي ضمتيه لحزبك .

تحرك خطوتين قبل ان يتابع :

- بكره بقى لما يتجوز المحروس ويشوف حياته مع واحدة تنسيه الدنيا ومافيها ..مش هتلاقي غير بيت جوزك بس اللي مفتوح يازهيرة .. لكن انا ساعتها هاعمل بأصلي واخلي مراتي اللى هي ضرتك تشيلك فى عنيها .. عن اذنك بقى ياام الرجالة. 

خرج على الفور دون ان يلتفت الى المرأة التي شحب وجهها وتسمرت في جلستها بعد ان اصابتها كلماته فى مقتل عن اكبر مخاوفها بان تعود اليه خاضعة مستسلمة له ولزوجته .

...........................


عادت سميرة من الخارج محملة بأكياس الخضر والفاكهة التي ابتاعتها من السوق فى جولتها الصباحية اليومية .. كانت على وشك فتح باب شقتها حينما رأت الرجل المهيب بحلته الأنيقة وهو خارج من شقة جارتها الجديدة متجهم الوجه وكأن على رأسه الطير ..قطبت سميرة دهشًة من عبوس الرجل لدرجة تركه باب الشقة مفتوحاً . انتابها الفضول والريبة ايضًا لمعرفة كنية الرجل وصفته ..فتحركت تلقائيًا ناحية الشقة المجاورة تاركة اكياسها ارضًا .

طرقت بخفة على الباب المفتوح :

- ياام علاء ...يامدام زهيرة ..ياام علاء .

حينما لم تسمع رداً دفعت الباب بتوجس وهي تهتف بصوتٍ أعلى .

- يامدام زهير......يانهار اسود .

دلفت مندفعة لداخل المنزل حينما رأت المرأه امامها جالسة ورأسها متدلية على كِتفها وكأنها غائبة عن الوعي.. اقتربت بلهفة تربت على وجنتيها وهي تهتف بلوعة :

- يامدام زهيرة ..ياست ام علاء .

رفعت رأسها الثقيلة بصعوبة وهي تجيب المرأة بضعف هامسة :

- ايوة ايوة انا هنا متخافيش .

بلعت سميرة ريقها قائلة ببعض الارتياح :

- الحمد لله يااختي انك بخير ..هو انتي ايه اللي تاعبك ؟

قالت بصعوبة :

- معلش والنبي هاتقل عليكي .. ممكن تسندينى ادخل اوضتي اريح فيها على سريري 

- انتي تؤمري ياختي.. الف بعد الشر عليكي .

قالتها وهي تلف ذراعيها حول المرأة تساعدها بالنهوض .

...........................

تعجبت فجر من مشهد أكياس الخضر والفاكهة وهي ملقاة بأهمال أسفل باب الشقة المغلق .. ازاحت الاكياس قليلاً لتفتح بمفتاحها وهي تتمتم:

- هي ماما راحت فين وسابت الاكياس مرمية كده ؟ 

هزت رأسها لاستنتاجها الاكيد بانشغال والدتها بالحديث مع احدى الجارت ..فتناولت الأكياس وهي تدلف لداخل المنزل وفور دخولها بهم المطبخ .. تفاجأت بصوت والدتها وهي تصيح 

- ياولاد ..هو مين فيكم اللي رجع ودخل الاكياس؟

خرجت اليها مجفلة تقول :

- انا اللي دخلتهم ياماما ما تقلقيش ...

- طب كويس تعالي .

على حين غرة جذبتها من كفها تسحبها للخارج..هتفت فجر بجزع:

- انتي سحباني ومودياني فين ياماما؟

- يابنتي هاخليكي تقعدي جمب جارتنا ام علاء تاخدي بالك منها على مانزلت انا اجيبلها دكتور من العمارة اللى ورانا .

جذبت كفها صائحة بحدة وهي توقفها :

- ام مين ؟ انا مش متعتة من مكاني ولا داخلة شقة الناس الغريبة دي نهائي .

نهرتها سميرة قائلة بعنف :

- في ايه يابت؟هو دا وقت قنعرة برضوا ؟ الولية شكلها ميطمنش واخاف اسيبها لوحدها يجرالها حاجة على مااجيب لها الدكتور .

تخصرت تسأل بازدراء:

- والمحروس ابنها بقى ..سايبها كده تعبانة وراح على فين؟ .

- هو لو ابنها موجود ولا اعرف حتى نمرته ..كنت احتاجتلك يامنيلة ..اتحركي يابت اخلصي خلينها نلحق الولية . اتحركي .

انصاعت مضطرة لوالدتها وهي تسحبها بعنف تدخلها منزل الد اعدائها ..

.................................


تركتها سميرة مع المرأة المريضة وهي مستلقية على فراشها بداخل غرفة نومها بعد ان عرفتها عليها سريعاً ..

تململت فجر بعدم راحة وهي واقفة بوسط الغرفة مكتفة ذراعيها تحسب الوقت فى انتظار عودة والدتها بالطبيب و التي لم يمر على خروجها سوى دقائق قليلة.. 

هامسة لنفسها:

- الله يسامحك ياماما على دي الورطة .

حدقت بعيناها على المرأة الغائبة عن الوعي والتي لم يترك الزمن اثاره عليها رغم تقدم عمرها ومرضها.. مازلت محتفظة بجمالها وهي تبدوا مليحة القسمات رغم شحوبها .. شعرت نحوها ببعض الاعجاب والتعاطف نهرته سريعاً حينما تذكرت ابنها ومافعله قديماً مع فاتن..فتصلب فكها للذكرى وارتعشت شفتيها تتنهد بحرقة رغم مرور عدة سنوات على ماحدث .

اجفلت على صوت المرأة وهى تزوم وتحرك رأسها :

- اممم ...علاء .

ضغطت على اعصابها وهي تقترب من فراش المرأة:

- ااا انا مش علاء يااخالتي ..انا فجر بنت جارتك سميرة .

فتحت المرأة اجفانها فظهرت عيونها شديدة الخضرة أثارت اعجاب فجر بشدة .

قالت بصوتٍ ضعيف وهي تستفيق :

- ايوه صحيح يابنتى انا افتكرتك ..هي والدتك راحت فين ؟

- والدتي راحت تجيب دكتور عشان يشوفك .

قالت بحرج :

- يادي الكسوف تلاقيها خافت و قلقت عليا .. بس انا الغلطانة عشان نسيت اَخد حباية الضغط النهاردة.. هاتعبك يابنتى ممكن تجيبلي البرشام بتاعي من الاوضة التانية .

دنت فجر منها تقول بامتعاض:

- ازاي يعني ؟ هو انا هاعرفه منين ؟

- هاتلاقيه فى اول اوضة عالشمال ..يمكن بس اتنتر مني فى الارض ولا على السرير وانا برتب الاوضة .


زفرت بضيق وهي تدلف لداخل الحجرة التي طل من شرفتها وجه هذا البغيض ..المدعو علاء ..مشطت بعينها على أنحاء الغرفة الأنيقة ذات الاثاث الحديث.. كل شئ مرتب فيها ولا يوجد له فيها اثر من ثياب ولا حتى عطر يخصه ؟

رمشت بعيناها تذكر نفسها لما جاءت من أجله.. اخذت تدور وتبحث عن علب الدواء حتى رأته اسفل المقعد المنجد .. فدنت على ركبتيها تتناوله وتتحقق منه جيداً قبل ان تنهض به لتعود إلى المرأة.. ولكنها بمجرد ان استدارت شهقت مفزوعة حينما رأته امامها بطوله الذى حجب الرؤية ووجهه الوسيم بخطورة فقال بتسلية :

- ايه شوفتي عفريت قدامك !


الفصل الثالث


خارج كده ورايح فين ياحسين ؟

التف بجسده على صاحبة الصوت مجفلًا وعيناه اشتعلتا غضبًا من جرأتها في سؤاله .. فقال بنزق :

- وانتي مالك انتي عشان تسأليني؟

خطت امامه وسط الصالة بمئزرها الحريري والذى اظهر سيقانها اسفل المنامة التي غطتها بالمئزر فقالت بنعومة مستفزة:

- يعني الحق عليا اني بسأل عشان اطمن ومقلقش عليك لو اتأخرت .. دا السيد الوالد موصيني اوي اني اَخد بالي منك واراعي راحتك .

كبح جماح نفسه بصعوبة عن الرد عليها بما يليق بها وهو الذي اشتهر دائمًا بحلمه وطيبته السمحة لكن مع هذه المرأة المتبجحة و التي اخذت مكان والدته .. سيطير كل ما تعلمه ونشأ عليه هباءًا ...قال مابين اسنانه:

- وانتي واخدة بالنصيحة قوي ..عشان كده خرجتي من اوضتك بسرعة توقفيني قبل ما اخرج من باب البيت وتسأليني ..طب راعي الأصول الاول والبسي حاجة عدلة بدل ما انتي واقفة كده قدامي بالروب والقميص. 

قالت بخجل مصطنع وهى تلملم أطراف المئزر:

- يووه عليا دا انا مخدتش بالي.. بس انت مش غريب ياحسين..انت ابن جوزي ..ربنا يحفظه ويخليه. 

حاول السيطرة على حركة فكه وصدره يصعد وبهبط مع تنفسه بخشونة وقال :

- بقولك ايه يااسمك ايه انتي.. انا مش قابل سؤالك ولا قابل حتى كلام معاكي وتاني مرة اياكي اشوفك لابسة كده بالمنظر ده قدامي سمعاني .. عن اذنك بقى .

استدار عنها يخرج بسرعة صافقًا باب المنزل بقوة لدرجة اهتزت بها الجدران .. تخصرت تنظر في اثره ضاحكة وهي تتمايل بخطواتها ..حتى توقفت امام مراَة معلقة فى الحائط .. تنظر إلى صورتها الجميلة بتفاخر وهي تتلاعب بشعرها العسلي بفعل الاصباغ وملامح وجهها التي زادتها المساحيق جمالاً فوق جمالها .. يليق بها الثراء وهي تستحق بعد حياة مليئة بالعوز والشقاء والإهانة والإستغلال .. ولكن يبقى شئ واحد فقط ينقُصها .. ينقصها هو ..هو فقط !!

.................................


حينما دلف الى منزله والذي بالصدفة وجد بابه مفتوحًا كان محبطاً لسبب غير مفهوم له .. فمنذ ان راَها أمس بشرفتها وهي اخذت حيزاً غير هين بتفكيره طوال الليل فى جمالها الخاطف ..وهي واقفة بشرفتها وشعرها يتطاير حولها .. مشهد يغري اعظم الرسامين لتسجيله وياليته كان شاعراً حتى ليصفه بالكلمات .. فيأتي الصباح لتصدمه بمعاملتها المتعجرفة والمتكبرة.. فأطاحات بالباقي من عقله طوال اليوم .. حتى انه تمنى بشدة رؤيتها الاَن بشرفتها وهو عائد للبناية او حتى صدفة كالتي حدثت صباحاً .. فتأتي المفاجأة  ليراها الاَن بغرفة نومه !! 

لم تصدق عيناه رؤيتها فى البداية وهي جالسة على ركبتيها تتناول علبة دواء اسفل المقعد بمشهدٍ اغراه لحبس انفاسه حتى وقفت والتفتت اليه لتشهق مخضوضة .

- ايه شوفتي عفريت قدامك؟

قالها وعيناه تلاحق ملامح وجهها المزعورة من رؤيته بتسلية شديدة .. ظلت لبعض اللحظات فاغرة فاهها بصدمة وهي تحدق بعيناها عليه متلاحقة الانفاس ..ثم مالبثت ان تستعيد رشدها لتهتف عليه بقوة :

- ايه ياجدع انت؟ داخل زريبة ..مش تتنحنح الأول ولا تعمل اي حركة ؟

قال ببساطة:

- واتنحنح واعمل صوت او حركة ليه؟ انا داخل بيتنا اللي بالمناسبة لقيت بابه مفتوح  .

صاحت بعنف وقد فقدت السيطرة على اعصابها:

- اه ..ودا يخليك بقى تقف تبص على جارتك من غير خشا ولا حيا .

ضيق عيناه بتفكير قائلًا :

- انت بتتكلمي عن ايه بالظبط ؟ عن وقفتي فى البلكونة امبارح لما شوفتك وتنحت ثواني ابصلك من غير قصد ولا ودخولي دلوقتي أؤضتي وانا شايف بنت جميلة وزي القمر فيها .. وبرضوا اتسمرت من المفاجأة وماقدرش اتكلم ولا طلع اي صوت .. بس يكون فى علمك انا في المرتين ملحقتش برضوا ابصلك كويس عشان تبقي عارفة .

توسعت عيناها بذهول من جرأته واجاباته الغير متوقعة فقالت بعدم استيعاب:

- انت بتقول ايه؟

صمت قليلًا محدقًا بعيناها التي أثارت نظرتها رجفة بداخله فقال بابتسامة ساحرة :

- بصراحة مش عارف .

فجأة انتابها شعور بالصدمة والإرتباك دون سبب معلوم ..فهذا الرجل الخطير حتى في ابتسامته البسيطة .. هو قادر على زلزلة كيان اجمل النساء واقواهم .. فما بال فاتن !

قالت بتعب لإنهاء الجدال معه :

- طيب حضرتك ممكن توسعلي عشان انا عايزة اروح بعلبة الدوا دي للست التعبانة جوا ..ممكن ؟

- امي انا تعبانة .

قالها بجزع قبل يختفي من امامها سريعاً بالذهاب الى والدته كي يراها ويطمئن عليها .. همست فجر غير مصدقة ما يحدث:

- يانهار اسود ..دا ايه هو ده ؟ياعيني عليكي يافاتن .

...................................


وقفت بعلبة الدواء متسمرة وهي تراه جالساً على طرف الفراش بجوار والدته يهتف عليها  بخوف وكأنه طفلٌ صغير :

- ايه ياأمي مالك ؟ انا سايبك كويسة ايه اللي جرالك بس بعد ما مشيت  ؟

قالت زهيرة بصوت ضعيف ممررة كفها بحنان على وجهه:

- ياحبيبي ماتقلقش عليا ..انا بس نسيت اَخد حباية الضغط النهاردة ..دلوقتي اَخدها واقوم وابقى زي الفل .

نهض سريعًا عن الفراش من جوارها قائلًا :

- لا ياأمي الكلام دا ماينفعش.. انا هانزل حالًا اجيبلك دكتور يشوفك ويطمني عليكي.

اوقفته فجر ممتعضة حينما هتفت عليه والدته ترجوه الأنتظار:

- أمي نزلت تجيب الدكتور ..فياريت يعني تستنى دقايق .. هي أكيد على وصول .

قالت زهيرة برجاء:

-، والنبى ماله لازمة الدكتور..انا بس اشرب حباية الضغط ودلوقتى ابقى زي الفل ..هو انتي لقيتي علبة البرشام يابنتى؟

قالت الاَخيرة مخاطبة فجر التي همت لترد ولكن اوقفها صوت والدتها الذي اتي قريباً من داخل المنزل وقد جاءت ومعها الطبيب

..........................


ترجلت شروق من سيارة الأجرة امام البناية التي تقطن فيها وهي تسرع بخطواتها وفور ان اعتلت الدرج سمعت خلفها من يهتف عليها :

- ياأنسة ..ثواني حضرتك قبل ما تطلعي السلم .

استدارت على ناحية الصوت فجحظت عيناها من المفاجأة وهي ترى هذا الوسيم الذي رأته بالأمس امام سيارته فى الحارة الضيقة واعجبت به بشدة .. يتقدم نحوها الاَن بخفة واناقة غير عادية وكأنه خارج من أحدى مجلات الموضة الرجالي .. قال بابتسامة رائعة وهو يخلع نظارته السوداء التى كانت حاجبة عيناه الخضروان :

- السلام عليكم .

وكأنها فقدت النطق ..ظلت تنظر اليه صامتة دون حراك .

ازداد اتساع ابتسامته فقال بمكر :

- ايه ياأنسة انا بكلمك ..هو انتي مابتروديش ليه ؟

بكف يدها كتمت ضحكة خجلة على وجهها الساخن وقد تحولت وجنتيها لقطعة حمراء ملتهبة .. فقالت بصعوبة :

- يانهار ابيض عالإحراج .. دا انا كنت فاكراك اجنبي .

قال بمرح:

- عشان كدة كنتي بتعاكسي براحتك بقى .. على اساس اني مش هافهمك .

اومأت برأسها وهى مازلت تكتم ضحكاتها وعيناها منخفضة أرضًا ..اعطته الفرصة ليتأملها جيدًا قبل ان تقول اَخيرًا:

- لكن انت ايه اللي جابك هنا عند بيتنا ؟ اوعي تقول انك جاي تشتكيني لبابا عشان عكستك ؟

استجاب لمزاحها ضاحكاً وهو يحرك رأسه بالنفي قائلًا:

- لااا مش لدرجادي يعني ..هو انا اطول واحدة حلوة تعاكسني .

- هزت رأسها ابتهاجًا بإطراءه وهي صامتة .. فتابع هو :

- في الحقيقة بقى انا جاي لوالدتي واخويا هما  ساكنين هنا جديد .. تعرفي المعلم علاء ووالدته الحجة زهيرة ؟

اجابت بحماس :

- معرفهمش ازاي بس ؟ دول جيرانا والباب قصاد الباب .

تبسم بارتياح يقول :

- كويييس اوي ده .. ممكن بقى اطلع معاكي تعرفيني الشقة؟

.........................


خرج علاء مع الطبيب الذي قام بفحص والدته ليستفسر عن حالتها ويتلقى منه النصائح والارشادات لعلاجها ومراعتها فظلت معها سميرة التي دثرتها جيدًا وهي تتحدث معها بعفويتها:

- الف سلامة عليكي يا ام علاء ..ربنا مايرقدلك جتة تاني ابدًا

قالت زهيرة بامتنان :

- تسلميلى ياختي ..انا مش عارفة بصراحة هاقدر ارد جميلك دا ازاي ؟ انتي والمحروسة بنتك ..ربنا يحفظهالك يارب .

تبسمت سميرة بمودة قائلة :

- في ايه بس ياام علاء ؟ لو مكنش الجيران يلحقوا بعض فى وقت زي ده..يبقى ايه لزمتهم بقى ؟ دا المثل بيقول ..الجار قبل الدار ..بس انتي لازم تراعي لنفسك وبلاش الزعل يااختي..اديكي شوفتي بنفسك الزعل بيعمل ايه .. ودا كلام الدكتور مش كلامي .

تنهدت زهيرة قائلة بحزن :

- ودي نعملها ازاي بس ؟ دا الزعل ورانا ورانا مهما حاولنا نهرب منه .

- لا ياام علاء .. انا عارفة ومتأكدة ان الراجل اللي خرج من عندك هو السبب في زعلك .. هو دا يبقى جوزك يااختي ؟ اصل بصراحة الشبه بينه وبين سي المحروس علاء ابنك كبير اوي يعني .

قالت زهيرة بقلق وصوت خفيض :

- وطي صوتك والنبي يااختي ..انا مش عايزة علاء يسمع. 

- لا ما انا سمعت خلاص ياماما وفهمت لوحدي السبب اللي خلاك تتعبي كده فجأة .

اجفلت المرأتان على صيحته الغاضبة وهو يدلف اليهم بداخل الغرفة وتابع بسؤال والدته:

- هو قالك ايه بالظبط ياماما وخلاكي تزعلي بالشكل ده ؟

اجابت نافية:

- مقلش حاجة يابني تستاهل ..بلاش تعصب نفسك على الفاضي ؟

- لا قال .

قالها بحدة عاصفة..جعلت الدماء تهرب من وجه سميرة التي نهضت عن الفراش قائلة بارتباك :

- يادي النيلة السودة .. هو ايه اللي حاصل بالظبط ؟ دا انا شكلي عكيت الدنيا وانا مش دارية؟

حدقت زهيرة الي ابنها معاتبة وهي تومئ برأسها ناحية سميرة:

- عجبك كده ؟

زفر علاء مطولًا وهو يمسح بكف يده على صفحة وجهه ..فقال بلطف :

- معلش ياخالتي سميرة..انا اسف لوكنت احرجتك سامحيني.

- يووه يابني.. اسامحك على ايه بس ؟ دا انت زي ولادي .. انا بس مش عايزة ابقى سبب في مشكلة بينك وبين الراجل ده اللي الظاهر كده يبقى والدك .

اومأ برأسه واضعاً يديه الاثنتان على خصره ضاحكًا بسخرية مريرة قائلًا:

- مشاكل ايه اللي هاتبقي انتي السبب فيها بس ياخالتي ؟..هو احنا كنا سايبين بيتنا وحالنا ومالنا وجاين هنا ليه طيب؟ فسحة يعني ؟ دا انت شكلك طيبة اوي ياخالتي .

- الله يحفظك يابني دا من زوقك .


حاول علاء التماسك وكبت غضبه امام السيدة سميرة طوال لحظاتها المتبقية معهم والتي لم تطل كثيرًا .. حينما همت للخروج ..وقام بإيصالها حتى الباب تفاجأ بأخيه حسين امامه كما تفاجأت سميرة بوقوف ابنتها شروق معه !!

.........................


ممسكًا بكف والدته يمطرها بالقبلات وهو يرجوها بندم :

- انا اسف ياأمي سامحيني.. 

بكف يدها وهي على شعر راسه كانت تضمه اليها تبادله القبلات على وجنته :

- مسمحاك ياحبيبى وقلبي راضي عنك دنيا وآخره. 

ضمها اكثر يتنعم بحنانها وهو يردف بحرارة :

- اه ياأمي..وحشني حضنك اوي .

- ماكفاية بقى احضان ياعم انت واتعدل عشان اتكلم معاك .

اجفل حسين من لهجته المتهكمة:

- الله ياعلاء ..مش والدتي ووحشاني مضايقك في ايه انا بقى ؟

هتف عليك بمشاكسة

- وافرض واحشاك ..هاتفضل بقى كدة لازق فى حضنها ..ماتنشف ياض .

تبسمت زهيرة بمرح تخاطب حسين :

- اخوك بينكشك ياحبيبي.. دا باينه غيران !

بنظرة ذات مغزى حدق حسين نحو شقيقه مع ابتسامة ماكرة ..أثارت حنق علاء :

- فرحان اوي بكلامها انت عشان جاي على هواك .

اومأ برأسه موافقًا بابتسامة متشفية :

- اوي .

ضحكت زهيرة بسعادة .. اطربت قلب علاء ولكنه تحول للجدية في سؤال شقيقه :

- اخبار الوالد ايه ؟ والبت دي عاملة ايه معاك ؟

ذهب العبث عن وجه حسين بمجرد ذكر الاثنان امامه ..لايريد اثارة الشك بقلب اخيه ووالدته لو اجابهم بصدق عن ما يقلقه من هذه المدعوة نيرمين...فقال بجمود :

- ابوك مابشوفهوش كتير والبت دي... اهي ممشية امورها معايا ..طول ماهي بعيدة عني وفي حالها .

بزاوية فمه تبسم بسخرية علاء قائلًا :

- هاتفضل طول عمرك طيب ياحسين .. طيب ومابتعرفش تكدب!

..................................

( لدرجادي انتي بتحبيه يافاتن ؟

- احبه ..يالهوي عليا دا انا بموت فيه ..علاء دا راجل ولا كل الرجالة .. دا حاجة كده ولا في الخيال.. جمال وهيبة وشخصية قوية ..راجل حقيقي الست ممكن تتسند عليه والنبي دا انا ساعات كتير بخاف لا اكون بحلم .

- يارب اتجوز واحد زيه ،

- يارب ياحبيبتى وانا اكره .. بس لاا لايمكن هتلاقي واحد زي علاء ابدًا )

اغمضمت فجر عيناها بألم ودموعٍ ساخنة تحرق مقلتيها .. مع تردد هذه الكلمات برأسها دون رحمة رغم مرور اكثر من ١٠ سنوات عليها .. هذا اول لقاء يحدث بينها وبينه عن قرب وترى هذا السحر الفطري لهذا الرجل والذي يجتذب به النساء ليقعن اسيرات عشقه كالعنكبوت حينما تجتذب الفريسة لتمتص رحيقها حتى  لا يتبقى منها شئ صالح للحياة .

طرق خفيف على باب غرفتها جعلها تستقيم بجلستها وهي تمسح دمعاتها سريعًا لتعود لواقعها هاتفة :

- ادخل .

دلفت شقيقتها وهي تضحك بمرح قائلة :

- اسكتي يابت ياشروق ..النهاردة حصل معايا .....ايه ده؟ انتي معيطة ؟

قالت نافية بارتباك:

- لا طبعًا ..ايه اللي يخليكي تقولي كده ؟

قالت واثقة بوجه جاد ذهب عنه الهزل وهي تجلس بجوارها على الفراش :

- وشك الدبلان يافجر وعيونك الحمرا .. في ايه يابنتي ماتقولي على اللي مزعلك ..دا انا اختك واقرب واحدة ليكي .. بعد المضروبة على قلبها سحر .

لكزتها بقبضة يدها على ذراعها وهي تستجيب لمزاحها:

- بس يابت ..ماتقوليش كدة على سحر ..لازعل منك والنبي بجد.

قالت شروق وهي تمط شفتيها :

- ايوة يااختي ما انا عارفة ..صحبية الهم بتاعتكم ..اموت واعرف مين فيكم اللي ناحسة التانية معاها ؟ اتنين حلوين وزي القمر..يقعدوا ليه من غير جواز مش فاهمة انا ؟

فعرت فاهها مذهولة تقول:

- لا إله إلا الله ..نصيب يابنتي ماسمعتيش عن حاجة اسمها النصيب .

- نصيب إيه يافجر؟ دا انتوا العرسان دوبت باب البيت من الخبط عليكم .. ومافيش لاحاجة بتكمل معاكم ..

دا ايه النحس دا اللي متبت فيكم؟

لم تتمالك نفسها اكثر من ذلك فضحكت من قلبها ..على منطق شقيقتها ومزاحها .. وبعد لحظات من الضحك والمرح سألتها شروق بجدية :

- مش هاتقوليلى بقى ايه اللى مخليكي معيطة ؟

تنهدت بثقل وهي تجيبها 

- افتكرت فاتن ياشروق .

نهضت من جوارها فورًاقائلة بضيق :

- تاني فاتن يافجر .. ماخلاص يابنتي عيشي حياتك بقى وانسي اللي حصل وكان .. وكفاية بقى انها كرهتك فى صنف الرجالة كلهم .

صمتت امام شقيقتها غير قادرة على الرد .. فكيف تخبرها ان الماضي عاد وبقوة بمجاورة هذا البغيض ؟ وهي التي لا تعلم من القصة سوى نهايتها !

...............................

خرج ادهم من غرفة مكتبه فرحًا بغير تصديق بما أخبرته به الفتاة الخادمة بحضور فلذة كبده الكبير الى المنزل طالبًا رؤيته ..خلفه كانت نرمين التي كانت اكثر لهفة منه ولكنها كانت بصعوبة تحاول السيطرة على مشاعرها امام زوجها.. تسارعت دقات قلبها تكاد ان تخرج من صدرها وهي تراه واقفًا وسط بهو المنزل الكبير..مرتديًا سترة جلديه على سروال اسود ..جذااااباً بدرجة مهلكة .

- علاء انت جيت ياابني؟

التفت الى ابيه بوجه جامد بعد ان القى نظرة عليها بطرف عينه وقال :

- شئ طبيعي ان اَجي بيتي ولا انت عندك اعتراض ياوالدى؟

تبسم أدهم وهو يقترب من ابنه مربتًا بكف يده على اكتاف علاء العريضة :

- ابدًا ياحبيبي ماعنديش اي مانع .. واقف ليه ؟ تعالى معايا على الصالون جوا. 

اشار بكفه يوقف والده معترضًا :

- معلش باابويا انا مش جاي اضايف ..انا جاي في كلمتين ورد غطاهم. 

- طب هاتقولهم واحنا واقفين ؟ مش نقعد يابني ونتكلم براحتنا .

هم ليرد على اباه ولكن استوقفته بقولها :

- في ايه بس ياسي علاء ؟ ماتسمع كلام والدك ..هو احنا هانخطفك ؟

صك على اسنانه قائلًا بحدة :

- متتدخليش انت بين الأهل وخليكي فى حالك ؟ 

صاحت بلؤم :

- كده برضوا ياسي علاء ؟ بس انا اللي استاهل فعلًا عندك حق ..انا خارجة وسيبهالكم خالص عشان اريحكم ..عن اذنكم .

نظر في اثرها أدهم وهي معتلية الدرج قبل ان يلتفت ناظراً لعلاء بلوم قائلًا :

- ليه كده بس يابني المعاملة الجافة دي معاها ؟ هي كانت عملتلك ايه بس ؟ دي غلبانة ويتيمة و ..

قال علاء مقاطعًا والده :

- ماخلاص ياوالدي الله يرضى عنك ..الكلام دا قلته يجي مية مرة قبل كده.. خلينا فى الكلمتين اللي انا  عايز اقولهم .

- كده على الواقف ياعلاء ؟ ماشي ياسيدي كنت عايزني في ايه ؟

قال بتحذير :

- أمي ياحج ادهم يامصري .

سأله ادهم بريبة :

- مالها امك ياعلاء ؟

- امي تعبانة ومش حمل كلامك الصعب..مشكلتك تحلها معايا انا ..امي طلبت الطلاق وخلاص دي مش نهاية الكون .. سيبها فى حالها بقى وخليك في عروستك اليتيمة والمسكينة .

تنهد أدهم بعمق وغضبٍ مكبوت بعد ان تلاشت الفرحة من وجهه وحل محلها شئ اَخر فقال :

- يعني هو دا اللي جايبك ياعلاء ..مش انك عقلت وعرفت ان ابوك ليه حق عليك زي امك كمان ؟ كبرت ياعلاء ومابقاش حد يهمك ولا تعمله حساب .. بما فيهم ابوك اللي كانت غلطته الوحيدة جوازه على والدتك الست المصونة .. اللي ماصدقت تلاقي اللي يشجعها عشان تهجر جوزها وتسيبه بفضلك .

اكتسى وجهه بغلاف البرود رغم النيران المشتعلة بداخله ..وهو يحاول الحفاظ على ثباته :

- انا مش هارد عليك ياوالدي ونلت فى مواضيع انتهت  .. انا كنت جاي في كلمتين وقولتهم خلاص ..بعد اذنك ياحج بقى ياأدهم .

..............................


خرج من منزل أبيه وكأن الشياطين تلاحقه الى الحارة الشعبية التي نشأ وترعرع فيها .. كان يسير بوجه متجهم وغاضب لما اَلت اليه الأمور بينه وبين ابيه وانقسام العائلة التى كانت مترابطة منذ نشأتها الى ان جاءت هذه الشيطانة دون سابق انذار وفرقت بينهم .

- علاء .. ياعلاء .

التفت على صاحب الصوت الجالس حول احدى الطاولات الصغيرة ملوحاً له ببده واليد الأخرى ممسكة بذراع الارجيلة في المقهى القريب .. زفر بضيق قبل ان يذهب إلى صديق الطفولة.. سعد .. والذي كان احد الأضلع الثلاثة لمثلث الصداقة الذي جمعت بين الاثنان سعد وعلاء  وابن الطبيب الشهير كرم الوالي ..عصام .. والذي انضم اليهم في الجامعة فوطد صداقته معهم لدرجة جعلته يرتاد حارتهم بشكل يومي حتى ظنه الناس من اهلها ..هذا قبل ان تنتهي صداقتهم معه بصورة مأساوية وبفضل امرأة ايضاً !! 

- ايه ياعم ماشي كدة على طول ولا اكن ليك صحاب ؟

- سعد باشا .. معلش راحت عليا وماخدتش بالي  

تعانق الاثنان بحضن اخوي قبل ان يجلس علاء على المقعد الأخر حول الطاولة .

قال سعد بابتسامة ودودة :

- انت روحت فين ياعم وقولت وعدولي؟

فرك بكفيه على صفحة وجهه قبل ان يجيب صديقه :

- في ارض الله الواسعة ياسعد ..انا لقيتلي شقة كويسة فى عمارة قديمة عند الميدان انا والست الوالدة.. وكلها كام يوم ان شاء واشتغل في محلي الجديد كمان. 

- ياماشاء الله ...ربنا يسعدك ياحبيبى ..بس يعني انت كده هاتسيب ابوك لوحده بعد العمر دا كله ؟ ما بلاش ياصاحبي تنشيفة الدماغ دي ..دا مهما كان برضوا والدك .

زفر مطولًا وهو ينظر الى صديقه دون اجابة قبل ان يقطع صمته ويستأذن فى الذهاب:

- معلش ياسعد انا مصدع اوي وماليش نفس لأي كلام .. استأذن بقى متاَخذنيش .

نهض سعد معه قائلًا بعتاب :

- هو انت لحقت تقعد ياعلاء عشان تمشي بالسرعة دي؟

- معلش .. هابقى اشوفك بعدين ونتكلم براحتنا ..ولا تجيني انت احسن على عنواني الجديد. 

قال سعد مرحبًا :

- اجيلك انا ياصاحبي ولا يهمك.. بس انت ابعتلي العنوان فى رسالة حتى .

ربت على كتفه بامتنان:

- طول عمرك ابن أصول وبتصون العشرة ياسعد .. ربنا مايحرمني منك .. خلاص اسيبك انا بقى وعلى تليفونات بعد كده .

اومأ سعد برأسه موافقًا .

- طب سلام بقى

قالها علاء قبل ان يذهب سريعاً من امام صديقه الذي استدار برأسه لناحية منزل الحاج ادهم المصري فوجدها واقفة في شرفتها تتبع بعيناها علاء حتى خرج من الحارة واختفى .. التفتت بعد ذلك لتقع عيناها بسعد الذي تبسم بمغزي ..فارتدت هي سريعاً تعود للداخل !

..............................


حول مائدة الطعام كانت الاسرة جميعها مجتمعة لتناول وجبة العشاء .. الاب على رأس المائدة والأبناء والزوجة على جانبيها ..سميرة كانت تشرح ما حدث في يومها بشكل ممل مع زوجها الذي كان يستمع بإنصات حينما اتت السيرة عن الجيران الجدد:

- لدرجادي الشبه ما بينهم كبير ؟

اجابت سميرة على سؤال زوجها :

- كبير اوي ياحج ..امال انا عرفته كده لوحدي ازاي ؟.. دا نفس الطول والعرض والهيبة كمان ..فرق بس فى لون الشعر الابيض وتجاعيد الوش عند الراجل الكبير ..بس الراجل الكبير ده شكله شديد وقاسي .. مش زي اسم النبي حارسه علاء .. دي كان واقف على دماغ والدته مرعوب عليها ولا اكنه عيل صغير حتى .

تمتم شاكر :

- تلاقيه بس ورث القلب الحنين من امه..

هتفت شروق بمرح:

- هو ورث القلب واخوه التاني خد من والدته الشبه الواضح مابينهم ..البشرة البيضة والعنين الخضرا ..حتى في الطول هو متوسط زي والدته..ولا لكنهم قسموا شبه الولاد مابينهم عشان ماحدش فيهم يزعل .

استجاب الجميع لدعابة شروق بالضحك ..عدا فجر التي كانت تسقط لقيماتها بصعوبة .. امتعاضاً من تكرا ذكر اسمه بينهم حتى على مائدة الطعام .. اجفلت على نداء ابيها :

- ايه يافجر مابتضحكيش ليه معانا ولا بتتكلمي؟مش بعادتك يعني؟

قالت بفتور :

- عادي يعني ياوالدي.. اصلي سرحت شوية ومركزتش في اللي بتقولوه. 

قال ابيها بابتسامة عريضة:

- طيب مدام ركزتي دلوقتي معانا بقى اقولك انا على خبر حلو يخصك .

اجفل الجميع على جملة شاكر فتساءلت هي بفضول :

- خبر ايه ياوالدي ؟

- المهندس عادل ابن صاحبي عبد الصمد وكيل مدرسة السلام الثانوية .. شافك قبل كده معايا وانا بوصلك المدرسة .. فطلب من والده انه يفاتحني في موضوع جوازه منك .

قالت سريعاً دون تفكير :

- قوله لأ ياوالدي...انا مش عايزة اتجوز. 

- مش عايزة تتجوزي ليه ان شاء الله؟

صاحت بها سميرة غاضبة وتابعت :

- هو انتي اللي على لسانك لأ وبس .. مش لما تشوفي الراجل الاول وبعدها تحكمي. 

هتفت بغضب :

- شوفته ياماما قبل كده وسلم عليا كمان وانا مع والدي .. هو اي نعم شكله كويس ومش بطال ..بس معجبنيش .

قالت سميرة بتهكم :

- معحبكيش ليه ياعنيا؟ مدام بنفسك بتقولي عليه مش بطال.. ولا هو بتر وخلاص.. كل مرة يجيلك عريس لازم تطلعي عنينا كده .. ماتدي نفسك فرصة واقعدي معاه .

- انا شبعت اكل .

قالتها وهي تنهض وتذهب سريعًا من حديث والدتها التي لم تصمت في اثرها وهي تهتف بصوت مسموع رغم تحذير زوجها .

- اهي قامت وسابتني اتفلق ياشاكر.. ولا اكن ليها ام وعايزة تفرح زي بقية الامهات ببنتها .. اعمل ايه معاها دي بس ياناس ؟


صفقت باب غرفتها بقوة وهي تزفر براحة بعد ان ابتعدت هاربة من حديث والدتها .. الباكية على زاوجها وتتلهف للفرح بابنتها الكبرى .. خرجت لشرفتها تتلمس الهواء البارد علٌه يخفف من اختناقها كلما أتت هذه السيرة .. وصل إلى انفها رائحة التبغ المحترق .. فانتقلت عيناها فوراً على الشرفة المجاورة لتجده امامها متكئ بأريحية على سور الشرفة.. ينظر لها بابتسامة متسلية فقال :

- مساء الخير. 


الفصل الرابع


بداخل سيارة ابيها وهي جالسة في الكرسي الأمامي هتفت من النافذة الامامية وهو واقف امام الجزء الأمامي من السيارة القديمة يفحصها بعد عدة محاولات لتشغيل محركها ولم تفلح :

- وبعدين بقى يابابا؟ دي ناوية تدور فى يومها ده ولا احنا هانخدها مواصلات النهاردة ولا ايه بس ؟

هز رأسه شاكر بعدم رضا قائلًا بيأس :

- والله يابنتي مش عارف اقولك ايه ..بس شكلنا كده هانخدها مواصلات صح ؟

فُتح باب السيارة الخلفي وترجل منه ابراهيم الشقيق الصغير ذو السنوات العشر قائلًا باعتراض :

- يعني ايه يابابا هانخدها مواصلات؟ دا انا كدة اكيد هاتأخر ومش هلحق طابور المدرسة .

ترجلت خلفه فجر قائلة بحنق :

- ما انت السبب ياابرهيم فى التأخير ده بنومك التقيل ؟ يا ابني ده انا بقالي ساعة جاهزة ومستنياك وفي الاَخر انا اللي هالبس الجزا لو اتأخرت عن الحصة الأولى .

- صباح الخير ياعم شاكر ؟ هي العربية عملتها معاكم ولا ايه ؟

التفت الثلاثة على صوته وهو خارج من البناية .. رد ابيها بالتحية عليه وأكمل بشرح مايراه من عطل اصاب سيارته .. ارغمت فجر نفسها على عدم النظر اليه وهي تراه يقترب منهم متطوعاً للكشف عن العطل ثم عرضه النبيل ليُقلهم جميعاً معه ..التفتت بحدة رأسها رافضة عرضه الكريم :

- لا طبعاً انا مش موافقة اركب معاكم .. انا هاخدها مواصلات يابابا وانت براحتك بقى.. ياللا بينا ياابراهيم .

جذب ابراهيم يده من كفها صائحا :

- سيبى ايدي يافجر .. انا عايز اركب العربية مع عم علاء بدل ما اتبهدل فى المواصلات واتأخر .

حدقت اليه بتوعد محذرة:

- يعني امشي انا ياابراهيم وتدخل انت المدرسة لوحدك. ؟

هتفت ابيها من خلفها :

- وتمشي لوحدك ليه بس يابنتي ؟ ما العربية موجودة اهي وعلاء كتر خيره عارض ياخدنا في سكته وهو ماشي على مشواره. 

اكمل علاء قائلًا ببرائة وعيناه تنطق عبثاً:

- مافيش داعي للكسوف والوالد واخوكي الصغير هايركبوا معاكي ياابلة فجر .

- ابلة !!

تمتمها بشراسة قبل ان يعاجلها ابيها بالقول حازماً:

- ماتخلصي بقى يافجر خلينا نتحرك ونلحق مصالحنا بدل الوقفة اللي من غير داعي دي .. دور عربيتك يابنى واحنا التلاتة هانركب معاك .

تلجمت عن الرد مصدومة وهي ترى ابيها يجذبها من ذراعها ويدفعها دفعاً فى الدلوف داخل السيارة .

....................................


متابعة بعيناها مايحدث في الأسفل وهى ناظرة من الشرفة كانت شروق تضحك بمرح .. سألتها سميرة التي دلفت بالصدفة بداخل الغرفة :

- بتضحكي على ايه يابت ؟

اجابت مبتسمة وهي تتحرك لداخل تاركة الشرفة :

- على بنتك ياماما .. شكلها وجوزك بيزقها يدخلها غضب عربية علاء جارنا يهلك من الضحك .

سألتها مجفلة :

- وايه اللي هايدخلها عربية علاء يابت؟

- ياماما عربيتنا عطلت والمعلم علاء عرض على بابا وفجر وإبراهيم يوصلهم فى سكته ..لكن بنتك بقى مابطيقش علاء واكنها بتشوف عفريت لما تشوفه .

قطبت سميرة ذاهلة وهي تجلس على طرف الفراش :

- وايه اللى يخليها تكرهه بقى ؟ هي كانت تعرفه قبل كده ولا شافت منه حاجة وحشة؟

هزت اكتافها بعدم فهم وهي تجلس بجوارها :

- بصراحة مش عارفة .. يمكن مش قبلاه ودي حاجة عادية وياما بتحصل..حتى لو كانت مع واحد زي علاء ده اللي عامل زي نجوم السيما فى حلاوته .

قالت سميرة مستنكرة :

- بقى اختك مش قابلة علاء اللي كل بنات المنطقة هايموتوا على نظرة منه ؟ اما بت خايبة صحيح .. وانت بقى ياحلوة .. ايه اخبارك ؟

- اخبارك انا في ايه ياماما ؟

مالت سميرة برقبتها اليها قائلة :

- اخبارك مع اخوه حسين ياعين امك .. ولا انتي فاكراني مش واخدة بالي من نظراتكم لبعض وابتسامتكم اللي على الفاضية والمليانة.. دي حاجة باينة زي عين الشمس. 

تودت وجنتيها وهي تعاود هز اكتفاها وابتسامة جميلة ارتسمت على ملامح وجهها فقالت :

- معرفش ياماما.. بجد معرفش .

وماذا بإمكانها ان تقول ؟ لقد مرت عدة ايام منذ أن رأته مجفلة على سلالم البناية يسألها عن شقة اخيه ووالدته .. وبعدها اصبحت تراه بشكل شبه يومي .. مرة بداخل السيارة المصطفة بالحي القديم وهو ينظر اليها فى المراَة وكأنه اعتاد انتظارها ..ومرة أخرى داخل البناية حينما كان يعاود الزيارة لوالدته.. حتى أصبحت هي متشوقة لرؤيته ومتلهفة للقاؤه

- انتي سرحانة في ايه يامنيلة ؟

انتفضت مجفلة على صيحة والدتها فقالت بارتباك :

- يعني هاكون سرحانة في إيه بس ياماما؟ انا هاقوم يدوبك بقى اللحق البس عشان احصل ميعاد الكلية .

نظرت في اثرها سميرة وهي تنهض عن التخت وتخرج سريعاً من الغرفة:

- بتتهربي مني انا ياشروق ماشي .. خيبة عليكي وعلى اختك ..بلانيلة .

.............................


بداخل السيارة التي كانت تقلهم.. كانت جالسة في الكرسي الخلفي على اعصاب محترقة وهي تزفر بضيق من نظراته المسلطة عليها فى المراَة الاَمامية اثناء قيادته طول الطريق .. يتحدث بعفوية ومرح مع شقيقها الصغير وقبل ذلك كان ابيها الذي تركهم امام محل عمله بإحدى المصالح الحكومية .. وظلت هي تحصي الدقائق فى انتظار انتهاء المسافة المؤدية لعملها والتى لم تظن يوماً انها طويلة هكذا.. تدعي داخلها بالصبر على سماع حديثه الممل مع شقيقها الصغير .

- مقولتليش بقى ياعم إبراهيم ناوي لما تكبر تطلع ايه ؟

قال الصغير بكل فخر :

- طبعاً هطلع بشمهندس كبير ..عشان انا اشطر واحد في حصة الرياضة .

- جدع ياابراهيم .. شد حيلك بقى وماتكسلش عن هدفك .

سأله الصغير بفضول :

- طب انت بقى ..طلعت معلم ليه ومطلعتش مهندس او دكتور ؟ هو انت كنت بليد فى الدراسة ؟

ضحك بصوت عالي ضحكة اصدرت صدى بمحيط السيارة كله..لدرجة اهتز بها جمود فجر من روعتها .. فحاولت بصعوبة الحفاظ على ثباتها امام عينه المتصيدة لاقل لمحة منها ..قال اخيراً بنفي :

- لا ياعم إبراهيم.. انا مكنتش بليد بالعكس بقى . دا انا كنت اشطر منك كمان ..بس انا بقى حبيت التجارة مع والدي فى المحل بتاعنا اكتر من الوظيفة بعد ما اتخرجت .. وعشان تبقى عارف .. انا حاصل على ليسانس حقوق بدرجة جيد جداً .

قال الاَخيرة وعيناه عليها في المراَة ..مشدداً على الأحرف يريد ايصال الرسالة لها .. وكأنها لاتعلم !

حينما وصلت السيارة اخيراً امام المدرسة .. تنهدت بارتياح تفتح الباب سريعاً للخروج من هذه المساحة الضيقة بوجوده.. سبقها ابراهيم هاتفاً بمرح قبل خروجه :

- الف شكر يامعلم على التوصيلة الجميلة دي. 

رد عليه ضاحكاً :

- ولا يهمك يابشمهندس.. انا تحت امرك في اي وقت .

لوح له بكفه مودعاً قبل ان يهرول سريعاً لأصدقاءه

- مع السلامة .

قالت هي متحلية ببعض الزوق رغم امتعاضها :

- شكراً .

بابتسامة مرحة قال :

- لا شكر على واجب.. دا احنا اهل وجيران ياأبلة فجر.

ابلة فجر !! مرة اَخرى ..كزت على اسنانها غيظاً وهي تصفق باب السيارة بقوة وهى ذاهبة من امامه وطيف ابتسامته العابثة تكاد تفتك برأسها .

..................... ............


- هو دا محل المعلم علاء ادهم المصري ؟

التفت عامل المحل حسونة على الشاب الواقف امامه بمدخل المحل فجاوبه بعملية وهو يباشر عمله فى التنظيف :

- ايوة حضرتك هو ده فعلاً محل المعلم علاء .. اصل احنا لسة معلنقاش اليفطة.. على الافتتاح بقى .

خطا الشاب لداخل المحل يمشط بعيناه كل زاوية وكل ركن فيه بانبهار هامساً :

- ياماشاء الله ولسة كمان في افتتاح ؟

لحقه الفتى زاجراً:

- في ايه حضرتك ؟ داخل كده على طول .. ما انا قايلك من الاول اننا لسه ماافتتحناش المحل .

تحولت ملامحه فاردف بغضب

- في ايه انت ؟ هو انا هاسرقه ؟ دا انا جاي لصاحب المحل نفسه المعلم علاء .. صاحبي .

نظر اليه الفتى بنظرة تقيمية على من رأسه لأخمص قدميه من ملابسه المتواضعة المتمثلة فى قميص مزركش بعدة رسوم غير مفهومة على سروالها الجينز الباهت على جسده النحيل و قامته متوسطة .. ملامح وجهه الخشنة على بشرته القمحية موصومة ببعض الحفر الصغيرة لاثار حب شباب قديمة تركت ندوب ظاهرة .. سأله بتشكك :

- انت! ..صاحب المعلم علاء؟ ..على العموم المعلم علاء مش موجود. ٠

قال بصوتٍ خشن وعيناه اشتعلت سعيراً من نظرة الفتى المتدنية :

- اسمع ياض انت .. انا ممكن اتعصب عليك دلوقتي واعرفك مقامك كويس .. او اخلي علاء يطردك من المحل نهائي جزاءاً لقلة ادبك معايا .

- انا قليت ادبي عليك حضرتك ؟

-هو انت لما تبصلي البصة دي ماتبقاش قلة ادب ؟

قال الفتى ببرود وهو يتناول هاتفه

- على العموم يافندم انا هاتصل بالمعلم علاء دلوقتى وأسأله هايجي امتى ..عايزني اقوله مين اللى سأل عليه بقى ؟

بلهجة حازمة اثارت اندهاش الفتى قال :

- قوله صاحبك سعد مسنتيك تيجيلوا على المحل حالاً دلوقتى .

...................................


على انغام اغنية حديثة لعمرو دياب كان يدندن خلفها الكلمات بسعادة وهو يقود سيارته بعد ان اقلها لمحل عملها .. لقد اصبحت صورتها الجميلة عالقة بذهنه طوال الوقت .. نظرتها الشرسة كلما حاول مشاكستها تثير بداخله مرحا منقطع النظير .. معاملتها له بجمود وتوترها في حضوره وردودها المقتصبة دائماً ما تدعوه للتساؤل والتفكير عن السبب في ذلك .. كم يتلهف لرؤيتها مبتسمة او ضاحكة..كم يود لو تزيل هذا الحاجز الوهمي الذي وضعته بينها وبينه وتعامله حتى معاملة الجار العادية.. وبعدها يحدث التطور كأي شئ طبيعي .. تنهد مطولاً وهو يتفادى سيارة امامه قبل ان يلتفت لهاتفه الذي صدح بصوت ورود مكالمة من عامل المحل الجديد حسونة .

- الوو .. ايوه ياحسونة عايز ايه؟

- الوو يامعلم .. تعالى هنا شوف .. في واحد بيقول انه صاحبك قال وعايزك تيجي فوراً تقابله. 

- صاحبي مين ؟

- انا عارف بقى؟ دا واحد كده ........

انقطعت جملة الفتى وسمع بعدها همهمة جدال غاضبة..

تساءل بقلق :

- في ايه عندك ياحسونة ؟.

فجأة وصله صوت صديقه الغاضب بعد ان تمكن من نزع الهاتف من يدي الفتى الذي كان يصيح بجواره معترضاً:

- اسمع ياعلاء .. الواض لازم تمشيه حالاً .. دا بيقل ادبه عليا ومش مصدق اني صاحبك؟

..................................


بوجهٍ عابس تسير فى طرقات المدرسة بعد ان انهت حصتها من درس الحساب للطالبات.. تشعر وكأنها ازدادت في العمر سنوات بداخلها..رغم اهتمامها الواضح لإناقاتها ومظهرها الخارجي ..لكن جلسة واحدة فقط مع فتيات تخطين بالأمس مرحلة الطفولة وبدأن الاَن اكتشاف الأنوثة والتمرد على كل ماهو قائم ..ومن ثَم القيام بكل فعل احمق من اجل اثبات الشخصية ولفت النظر اليهن والى ما يملكن من مقومات .. تفقد معهن كل درجات التحضر حتى تستطيع السيطرة وحفظ الذات امامهم .. ويالها من مرحلة تكرهها بشدة مما تلاقيه منهن .

- انتي يابت ياللي هناك اقفي مكانك .

اجفلت الفتاة على النداء فالتفت تجيب وهي تلوك فاهها بالعلكة :

- نعم ياميس.. انتي بتكلمينى انا ؟

اقتربت منها تميل اليها برقبتها قائلة بتهكم :

- امال يعني هاكون بكلم الحيطة اللي وراكي ؟ 

صمتت الفتاة مطرقة رأسها .. فتابعت وهي تفحصها بعيناها من حجابها الصغير الذى كان عائداً لنصف رأسها ومظهر شعرها الكستنائي المصفف بعناية فتدلت منه عن قصد خصلات كبيرة على وجهها الظاهرة عليه اثار مساحيق التجميل بخبث ..فتبدوا للغافل من بعيد جمالُ طبيعي.. ثم ما ترتديه من قميص وتنورة محكمين بشدة على جسدها الفائر :

- ايه اللي موقفك هنا ومخليكي سايبة حصتك؟ وايه اللي لابساه اساساً ده وجاية بيه المدرسه؟

قالت الفتاة بتلجلج :

- ماله بس ياميس اللي لابساه ؟ ماانا لابسة يونيفروم المدرسة اهو ؟

- مخالف ياحبيبتى.. نص شعرك ظاهر من الحجاب دا غير المكياج اللي على وشك واللبس الضيق .. ولا اللبانة دي كمان تفيها من بوقك اخلصي .

بصقتها الفتاة من فاهها قائلة بخوف:

- اهو ياميس اللبانة في حاجة تانية ؟

قالت بحزم :

- روحي على الحمام بسرعة وامسحى اللي فى وشك وظبطى حجابك كويس .. وحاولي بقى لما تروحي البيت توسعي هدومك دي شوية.. بدل ماهي لازقة كده عليكي .

نظرت اليها الفتاة باستنكار فقالت بسخط :

- كله ده .. طب معلش بقى ياميس انا ماأقدرش اتحرك من مكاني هنا .. انا اساساً واقفة مستنية ميس منى عشان اَخد منها دفتري وهي أكيد خارجة حالًا من غرفة المدرسات وهاتجيبهولي دلوقتي .. 

- برقت عيناها بشدة وهمت لترد ولكن اوقفها النداء بأسمها من الخلف بصيحة غاضبة .

- سحر .. انتي موجودة هنا وانا بقالي ساعة مستنياكي جوا .. 


القت على الفتاة نظرة بتوعد قبل ان تستدير ذاهبة لصديقتها المكتفة ذراعيها بغضب بمدخل حجرة الحاسبات .. تبعتها سحر لداخل الغرفة قائلة بأسف :

- معلش يافجر اتأخرت عليكي بس البنات النهاردة طلعوا عيني و...

- وايه بس ياسحر؟ ساعة كاملة مستنياكي وانتي حصتك خلصت من زمان اصلاً .

- يابنتي ما انا خدت حصة الأبلة سها عشان غابت النهاردة وتعبانة ...

قاطعتها بحدة مرة أخرى:

- وافرضي سها كانت تعبانة ياستي مافيش حد غيرك ياخد مكانها ؟ ملطوعة بالساعة وانا بستناكي وانتي ولا هامك صاحبتك ولا هامك زعلها .. ايه ؟ 

اجفلت سحر على تشنج صديقتها بحديثها العاصف .. فصمتت قليلا تمتص غضبها قبل ان تقترب منها قائلة بلطف:

- طيب ممكن تهدي كده شوية وتروقي اعصابك حبتين .. انا معاكي دلوقتي وهاسمع منك كل اللى مضايقك .. زفرت فجر بقوة وهي تسقط على احدى المقاعد خلفها .. حدقت بها سحر لحظات قبل ان تجلس هي الأخرى امامها ..فسالتها:

- ممكن بقى افهم ايه اللي معصبك جامد اوي لدرجادي كده ؟

- الزفت ياسحر ؟

- زفت مين ؟

هتفت عليها فاقدة السيطرة :

- هو في كام زفت بس يابنتي ؟ جار الهنا اللي سكن قصادي عشان يخنقني ويزهقني في عيشتى .يعني مش كفاية انه بقى ساكن قصادي والباب قدام الباب .. لااا.. دا بقى قاطع عليا المية والنور والنفس كمان اللي بتنفسه .

رددت سحر بدهشة :

- النفس كمان اللي بتتنفسيه !! ليه يابنتى ؟ احنا مش اتفقنا ان مالكيش دعوة بيه وانسي اللي فات بقى وعيشي حياتك .

- اعيش حياتي ازاي بس ياسحر ؟ودا محاصرني فى كل جهة حواليا.. فى بيتنا وبين اهلي طول الوقت ماعندهمش غير سيرة المعلم علاء وشهامة المعلم علاء ورجولة المعلم علاء .. اخرج اشم هوا فى البلكونة الاقيه قصادي على طول قاعد قدام المحل اللي أجره جديد .. مأنتخ على الكرسي وحاطط رجل على رجل واكنه منتظرني اخرجله عشان يشلني .. ياأما الاقيه واقف في بلكونة اؤضته اللي جامبي بكل برود وابتسامة مستفزة يقولي :- مساء الخير. 

لم تقوى سحر على كبت ضحكتها ..فهتفت عليها فجر مستنكرة 

- شايفاني هافرقع وانهار وانتي بتضحكي عليا ياسحر ؟

قالت سحر بقلة حيلة :

- يابنتي بصراحة انا مستغربة ومش عارفة اقولك ايه ؟ بس الظاهر كده ان شكله بيغيظك .. وباين اللعبة عجباه !

- يغيظني !! ليه بقى ؟ بيني وبينه ايه عشان يغيظني ولا يفكر فيا اصلاً ؟

مطت سحر شفتيها قائلة بتفكير :

- بصراحة مش عارف ؟

.................................


بعدة طرقات خفيفة على باب المنزل المفتوح هتفت سميرة على صاحبته وهى تتقدم بخطواتها في الداخل بتردد :

- ياام علاء .. انتي فين ياختي وسايبة الباب مفتوح ؟

جاءها الرد مباشرةً من زهيرة الجالسة امام شاشة التلفاز بوسط المنزل :

- تعالي ياحبيبتى انا موجودة هنا قصادك على طول..ادخلي يام فجر انتي مش غريبة .

- يووه .. هو انتي موجودة هنا؟ والنبى ماكنت واخدة بالي. 

قالتها سميرة بابتسامة بشوشة وهي تتقدم نحو المرأة وتابعت :

- الف هنا يااختي انك سيبتي السرير وخرجتي من الاؤصة ..ايوه كده احين دي الحركة بركة والقعدة في السرير تجيب العيا .

لوحت لها زهيرة بيدها قائلة بابتسامة:

- الله يهنيكي ياحبيبتى.. تعالي هنا اقعدي جمبي هنا ياام فجر .

جلست سميرة امامها على اقرب المقاعد .. وهي تسأل مندهشة :

- طب والباب ياام علاء سايباه مفتوح ليه ؟

بابتسامة ودودة اجابتها زهيرة :

- انا اللي قولت لعلاء يسيب الباب مفتوح ..ماانا عارفاكي هاتيجي تطمني عليا في الوقت ده زي كل يوم .. انتي خلاص عودتيني على سؤالك عني.. ربنا مايحرمني منك ياغالية .. وتفرحي باسم النبي حارسها فجر هي وبقية اخواتها .

تمتمت سميرة بتمني :

- يارب ..يارب ياام علاء ..انتي ادعيلها بس ربنا يهديها..دي العرسان رايحة جاية عليها وهي اللي منشفة راسها وتاعبة قلبي معاها ..نفسي بقى افرح بيها واشيل عيالها. 

قطبت زهيرة بدهشة سائلة:

- طب وهي ايه اللي مانعها عن الجواز ؟ دي حتى زي القمر وباين عليها هادية كدة ؟

- هادية قوي يااختي وزي النسمة كمان ..دي الوحيدة في عيالي اللي ماتعبتنيش لا صغيرة ولا كبيرة .. غير بس في دي ! 

- خليها زي ابني علاء .. ماهو انا كمان نفسي افرح بيه وكل مااكلمه..يقولي لما الاقي بنت الحلال ياماما..اهو على الحال دا بقالوا سنين..من ساعة مافاتحني بالجواز على واحدة جارتنا وابوه رفض وبعدها يااختي قفل السيرة دي نهائي..بس فالح يلاوعني في الكلام كل ما افتح معاه السيرة !!

...................................


- مش هو ده اللي كنت مستنيه منك ياعلاء ..مش هو ده .

صاح بها غاضباً امام صديقه الذي كان يتعامل معه بهدوء وهو يسحبه من ذراعه ليجلسه على احدى المقاعد البلاستيكية المصطفة امام المحل:

- اهدى شوية واقعد ياعم ..انت هاتعمل عقلك بعقل عيل صغير ؟

- ياعني الواض يقل أدبه عليا ياعلاء وانت ياصاحبي ماتجبش حقي !

زفر علاء مطولاً بتعب امام صديقه المُصر بقوة على عقاب الفتى فقال :

- يعني اعمل ايه بس ياسعد اكتر من كده عشان ترضى؟ زعقت للولد وشديت عليه قدامك ..لا وأمرته كمان يجيبلك شاي مخصوص من القهوة اللي في اَخر الميدان ..ايه اللي فاضل تاني بقى ؟ اطرده يعني؟

همس بتردد :

- ويعني هو لو ساب الشغل عندك مش هايلاقي غيره ؟

قال علاء بعتاب :

- لا ياسعد مش لدرجادي.. انت عايزني اقطع عيشه عشان بس اتنك في الكلام معاك او باصلك نظرة مش ولابد ..دا عيل مكملش ١٧ سنة واحنا كبار كفاية اننا نفوت ..فوت بقى يابني وفُك .. دا انا قطعت سكتي في مشوار مهم لمهندس الديكور وجتلك جري .. دا بقى مايعرفكش معزتك عندي. 

ابتسم سعد بزاوية فمه بملامح مغلفة لا تظهر أي تعبير بما يعتمل داخله:

- اللي يسمعك بتقول كده يقول ان جتلي جري على رجليك مش بعربية. 

- اه ياسعد مدام هزرت يبقى فكيت .. ايوة كده ياعم خلينا نقعد مع بعض على رواقة ونعيد بقى قعادتنا الحلوة .

ربت بكفه على ذراع علاء ببعض المرح قائلًا :

- ماشي ياعم نفك عشان خاطرك .. بس في الأول بقى نحب نبارك ونهني ..بسم ماشاء الله المحل شكله يبهر ويفتح النفس .. مبروك ياعم ويجعلها ان شاء الله عتبة خير .

تهللت اسارير علاء بفرح يقول :

- الله يبارك فيك يابو الصحاب ويسمع منك يارب ..دا انا دافع فيه لحد دلوقتي دم قلبي ونفسي بقى المشروع ينجح واعوض الفلوس اللي صرفتها فيه .. ولسه كمان عايز ادفع قدهم تاني. 

قال الاخيرة وهو يخرج نوته ورقية من سترته وتابع :

- شوف ياباشا اشرب انت اشرب الساقع ..على ما انا بصيت شوية على حسبة الطلبات اللي هنا دي وحسبت تمنهم. 

تناول سعد زجاجة المياه الغازيه يحتسي منها وانكفئ علاء ينظر فى النوته بتركيز قطعه سعد بالسؤال :

- الا انت ماقولتليش ياعلاء .. ماشاء الله يعني انت جبت تكلفة المحل ده منين ؟ بعد ما سيبت والدك والشغل معاه ؟

رفع اليه رأسه يجيب ولكنه التفت على من تلوح له بكفها من مسافة قريبة بابتسامة رائعة :

- الله ينور ياعم علاء.

رد بابتسامة هو الاَخر ملوحاً بكفه ..فالتفت بعد ذلك يجيب صديقه الذي تسمرت عيناه على الفتاة :

- طبعاً ياباشا ده من فلوسي اللى حوشتها السنين اللي فاتت من شغلي مع ابويا .

عاد اليه سعد برأسه وكأنه لم يسمع ماقيل سابقا..سائلاً بذهول :

- مين دي ياعلاء؟

نظر علاء نحو الفتاة التي عبرت للجهة الأخرى من الرصيف فأجاب على السؤال رغم دهشته :

- دي شروق بنت جيرانا في السكن الجديد .

ردد سعد وهو يتابعها بعيناه :

- يانهار ابيض ..دي شبها جامد ياجدع. 

رفع علاء عيناه مرة أخرى عن الدفتر مستفسراً:

- شبه مين؟

- شبه مين ؟! معقولة ماخدتش بالك منها ياعلاء ؟ دي نفس الملامح وتدويرة الوش الابيض المنور دا غير الج.......

- بس ياسعد .

صاح بها مقاطعاً بحدة وقد تحولت ملامحه الى الشكل مخيف فتابع بغضب :

- إنهي الكلام في الموضوع ده ياسعد لأن انا نسيته من زمان ..وياريت تاخد بالك كويس من كلامك معايا بعد كده .. عشان اللي بتتكلم عليها دي تبقى جارتي ومش المعلم علاء اللي هايبص لجارته بالشكل ده !!!


القصل الخامس


صدحت أصوات ألأغاني العالية بقوة تصُم الاَذان، وعُلقت اعقادُ الإنارة ذا الأشكال والألوان المختلفة اعلى المبنى وجانبيه .. لتُنبئ الجميع بافتتاح محل المعلم علاء ادهم المصري للأدوات الصحية .. يتلقى التهانى من أشخاص بعضهم يعلمهُم و اَخرين لا يعلمهم .. كان يرتدي حُلة بالون الازرق القاتم على جسده الرياضي الطويل فزادته بهاءًا وجمالًا ..يوزع البسمات على الوجوه المباركة كما يوزع الزجاجات الغازية والمشروبات الأخرى .. ولكن تظل عيناه عالقة بشرفتها التي هجرتها من ايام ..عسى ان تطل برأسها عليه فتشاركه فرحته ولو بوجهها العابس الجامد ..فيكفيه رؤيتها من بعيد رغم اشتياقه المضني لرؤية عيناها التى علقت بذهنه وأصبحت تتخلل أحلامه من وقت ان راَها بهذا القرب داخل منزله.. لكم يتمنى رؤيته الاَن ، لكم يشتااااق .

- معلم علاء .

اجفل منتبهاً على صوت شقيقه الصغير وهو يقترب منه بضحكة صافية فاتحاً ذراعيه :

- حبيب قلبي ..الف مبروووك. 

بادله علاء العناق بفرحة مشددًا عليه بذراعيه :

- الله يبارك ياغالي .. وحشتنى ياض.

- وانت اكتر والنعمة .

تابع وعيناه تدور يمينًا ويساًر .. داخل المحل وخارجه :

- بس ايه ياعم الحلاوة دي ياعم ؟ لحقت تعمل الحاجات دي كلها امتى ؟

- طبعًا ما انت غايب عن زيارة والدتك بقالك اكتر من اسبوع.. هاتعرف منين بقى ؟

- يابني اضطريت اسافر الغردقة عشان مشكلة حصلت مع الوفد السياحي .. ما انت عارف الشركة ومشاكلها. 

غمز بعيناه يقول بمشاكسة :

- ايوه ياباشا فكرتني بالسياح بقى والنسوان الحلوة .

- طب وانت تعرف عن اخوك كدة برضوا ياريس.. أنا مايملاش عيني غير بنت بلدي .

- حيبي انت حسحس تربية اخوك بجد ياض .

لف عليه بزراعه يدفعه للأمام قائلًا :

- تعالى بقى افرجك على المحل من الداخل عشان تشوف اخوك وافكاره الجامدة.دا انت هاتنبهر .

.......................


- مش ناوية بقى تقومي و تتفرجي ؟ دي الدنيا هيلمان بره .

رفعت عيناها عن شاشة التلفاز وهي جالسة على الاريكة الاثيرة ..قائلة بسأم :

- مش قايمة ولا زفت .. يعني هاشوف الهنا...اهي زيطة وخلاص. 

- زيطة وخلاص !

اقتربت منها فدنت اليها برأسها تسألها :

- في ايه يابنتي؟ انتي مقفلة كده ليه ؟ بقولك هيلمان ناس رايحة وجاية وانوار ملعلطة فى الميدان كله .. دا بابا قاعد هناك وسط الرجالة اللي بتهني وماما من العصر مع الست زهيرة بتساعدها وواقفة معاها فى استقبال الستات اللي بتهنيها ولا ابراهيم دا كمان هو واصحابه بيرقصوا مهرجانات ولا اكنهم فى فرح بلدي .. 

زفرت حانقة قبل ان تعود ببصرها ناحية التلفاز مرة أخرى :

- ربنا يفرح الكل ياستي ..انا مالي بقى ؟

مطت شروق شفتيها وهي تتحرك للأبتعاد بخطواتها :

- براحتك ياأختى .. على العموم انا رايحة اتفرج من بلكونة اؤضتك وبرضوا هارجع واحكيلك.. عشان اغيظك. 

تنهدت بيأس من تلهف شقيقتها وابويها لحضور الافتتاح العظيم ورؤيته مع اصرار والدتها المستمر على رأسها بضرورة الذهاب للجارة أم المحروس لتهنئتها والعمل بالأصول...وكأنها تهتم ..فلتذهب الأصول الى الجحيم .. فهي ابدًا لن تعيد دخولها هذا البيت كما حجبت نفسها عن النظر بالشرفة رغم صعوبة القرار عليها .. ولكن يكفي ألا تلتقي بوجههِ البغيض .

...............................


بين أجواء المرح ورقص الفتيان الصغار والنتقل بين الأفراد المهنئين انشغل علاء قليلًا عما يدور بعقله ويحتل فكره ..اما حسين فقد اتخذ موقعًا جيدًا بجانب المحل وهو ينظر فى الأعلى لشروق التي احتلت شرفة شقيقتها وهى تتابع الحفل بابتسامة رائعة مثلها.. فجأة اعتدل بوقفته حينما وقعت عيناه على اَخر شخص توقع حضوره فى هذه المناسبة ..بوجهٍ قلق تابع اباه وهو يخرج من سيارته ويتقدم نحو اخيه الذي سمرته المفاجأة هو الاَخر فوقف جامداً امام ابيه الذي قطع السكون بينهم حينما جذبه من ذراعهِ يعانقه بحنان أبوي قلما يصدر من الحاج أدهم المصري .. ومع ابنه المحبوب علاء الذي تدارك نفسهِ سريعاً فتبادل العناق مشدداً ذراعيه على ابيه بقوة واشتياق .

- حسين باشا .

انتفض مجفلًا بلمسة لكف كبيرة على ذراعهِ .. فتبسم مرحبًا بابن حارته وصديق اخيه الصدوق ..صافحه بحرارة قائلًا :

- أهلُا...ازيك ياسعد ..ليك وحشة والله .

- ياراجل.. هو انا لو واحشك فعلًا ماتجيش بقى تعدي عليا ولو مرة واحدة حتى وتسأل .

- مشاغل ياعمنا ماانت عارف الشركة بقى والظروف اللى مرينا بيها في الأيام اللى فاتت .

اومأ برأسه موافقًا:

- عارف ياحسين عارف.. بس اهي الظروف ابتدت تتحسن زي ما انا شايف اهو .

لوح برأسه ناحية ادهم وهو يتحدث بحميمية مع ولده علاء ..فتبسم حسين وقال :

- بصراحة انا نفسي ما كنتش متوقع مجيته هنا بنفسه عشان يبارك لعلاء ..بس دا الحاج ادهم المصري. يعني ماحدش نهائي هايفهم دماغه .

اومأ سعد برأسه مرة ثانية قبل ان يتحرك مستئذنًا:

- طب عن إذنك بقى اروح اسلم انا على الاتنين .

بعد أن تركه سعد وذهب بعيدًا عنه ..رفع رأسه ناحية الشرفة مرة أخرى ليعود ببصره اليها ولكن اصابته خيبة أمل حينما لم يجدها.. ليفاجأ بصرخة من جهة قريبة لامرأة غريبة وهرولة من الرجال بصخب ناحيتها مع توقف مجموعة من السيارت واصواتٍ تصيح باصطدام سيارة لطفل ..وقبل ان يدرك ماحدث جيدًا تفاجأ بصرخة صادرة منها وهي خارجة من البناية التي تقطنها :

- إبراهييييم .

..........................


بداخل غرفتها كانت مستلقية على فراشها تتحدث مع صديقتها المتذمرة والغاضبة في الهاتف .. قالت اَخيرًا بعد ان استمعت جيدًا لكلماتها الساخطة .

- طيب ممكن بقى افهم انتي ايه اللي مزعلك بالظبط ؟ زن والدتك بالموافقة على عريس الهنا ولا زنها إنك تباركي لوالدة علاء بنفسك .

جاءها الصوت الشاكي من الناحية الأخرى :

- الاتنين ياسحر ..عايزاني اوافق بالعريس وعايزاني اروح للست دي غصب عني ..قال ايه.. قال عشان الست زهيرة بتسألها عني كل ما تشوفها وهاتموت وتشوفني .

- طيب ما يمكن صح يابنتي الست حبتك ونفسها تشوفك ..تاخديها ليه بذنب ابنها ؟

بلهجة محذرة قالت :

- إنهي الكلام في الموضوع دا ياسحر ..انا مش ناقصاكي. 

- ماشي ياستي ننهي الموضوع خالص كمان.. طب والعريس ابن صاحب والدك بقى .. ماتفكري في الراجل مدام مهندس ومحترم زي مافهمت منك .. حتى عشان ترضي والدتك..دي نفسها تفرح بيكي .

وصلها الصوت المتهكم :

- شوفوا مين اللي بيتكلم ؟ طيب ياست سحر ماتفكري انت كمان بدال ما انتي تاعبة والدتك طنت رجاء وفرحي الست بيكي بقى .

- يابنتي افهمي.. انا حاولت كتير لكن مافيش حاجة بتم ..مش عارفة بقى دا عيب فيا ولا غباء من الآخرين. 

صدر صوت ضحكة صغيرة من فجر فاأكملت سحر بضحك هي الأخرى :

- ههه اسكتي صح يابنتى .. مش انا امبارح كلمت مرات خالي عشان اباركلها على أمل إن اخلص من زن والدتي ..يالهوي على اللي حصل ..خلتني أكلم العروسة بنتها كمان ..تصوري يافجر البت صوتها عيالي ومسرسع زي المعزة بعيد عنك وعن السامعين..بس ايه بقى حظوظ .

- ايوه يااختي حظو......

انقطع صوت الهاتف فجأة.. فقالت سحر بقلق :

- سكتي ليه يافجر ؟ في حاجة عندك ؟

لم تسمع رد منها فقط سمعت صرخة قوية تصدر من مسافة ليست بعيدة:

- أخويا انا إبراهيم عمل حادثة؟

...........................


بصرخات ملتاعة خطت سميرة ومعها ابنتها فجر المتماسكة زورًا امام والدتها بداخل رواق المستشفى يبحثن عن حجرة العمليات المختصة بقسم الحوادث كما دلتها الفتاة الممرضة.. صرختها زادت عندما رأت زوجها الجالس على إحدى المقاعد يسبح بسبحته وبجواره أدهم المصري يربت على أرجله يعطيه الدعم .. ومن الناحية الأخرى كان ألأبناء علاء وحسين على أرجلهم واقفين بجوار الحجرة ومعهم اَخرين لاتعلمهم وعلى جانب اَخر.. وحدها كانت شروق جالسة على إحدى المقاعد ترتجف باكية :

- إبني جراله ايه ياشاكر ؟ أخوكي جراله إيه ياشروق ؟ حد يطمني على ابني ياناس ؟

نهض شاكر مجفلًا ليُطمئن زوجته على ابنها وقد سبقته شروق ترتمي بأحضانها .

- انا خرجت انده على ابراهيم زي ماقولتي ياماما.. بس لقيته مرمي في الأرض وشه مغرقه الدم والناس حواليه .. انا خايفة عليه أوي ياماما .

زجرها من خلفها والدها بحدة :

- بس يابنت اخوكي كويس ماتفوليش عليه بكلامك ده؟

هتفت سميرة بتشكك :

- ولما هو كويس .. قاعد جوا فى اؤضة العمليات بيعمل إيه ياشاكر ؟ ابني ماله ياشاكر ؟

جاء صوته بالقرب منهم .

- اطمني ياخالتي سميرة ..حالة إبراهيم مش بالصعوبة دي اللي في دماغك أنا شوفته بنفسي .. أكيد خير إن شاء الله .

رفعت فجر عيناها عليه وهو يتحدث فتفاجأت بنظرة منه ناحيتها لم تفهمها إن كانت اشفاق أو حنان أو شئ اَخر .

صاحت عليهم سميرة وابنتها مازالت متشبثة بأحضانها :

- بس انا لايمكن هاسامحكم لو جرت لابني حاجة عشان سيبتوني ومشيتوا.. هو انا مش والدته عشان اطمن عليه بنفسي .

زفر شاكر بنفاذ صبر :

- دا وقت كلام دلوقتي ياسميرة .. مش كتر خيره علاء شال الواض وحطه في عربيته وجري بيه هو صاحبه عشان يلحقوه .. على ما وصلنا احنا فى عربية والده واخوه حسين .. يعني كنتي عايزانا نسيب الواض سايح فى دمه على مانندهلك ونجيبك معانا .

تركت جميع ما تفوه به وأتت على جملة واحدة تسأل بجزع:

- يعني الواض كان سايح في دمه ياشاكر؟

- يووووه..دا انت مافيش فايدة في الكلام وياكي ..انا ماعنديش دماغ ليكي .

قالها وهو يلوح بكفه قبل ان ينتقل للجلوس مرة أخرى بجوار الحاج أدهم ..اقترب علاء من الثلاثة قائلًا بلطف وهو يتناول كف المرأة ويجذبها:

- تعالي ياخالتي سميرة اقعدي هنا على الكرسي وريحي نفسك بدال ماتتعبي على الفاضي .. تعالي معاها يافجر انتي وشروق .

اذعنت فجر لكلماته مضطرة وهي تدفع والدتها برفق للجلوس على مقاعد المشفى.. جلست هي بجوارها مع شروق المتشبثة بوالدتها وكأنها طفلة صغيرة ..رغم امتعاضها منه ومن توجيهه الكلمات لها.. ولكن ظل اسمها يتردد فى ذهنها بصوته بشكل غريب..فهذه اول مرة يناديها بتسمها دون أبلة !!!

وهكذا قُضي الوقت المتبقي فى الإنتظار ..شاكر والحاج ادهم المصري جالسان فى جهة وسميرة وبناتها جالسات فى جهة أخرى.. تحت انظار الشباب الثلاثة الواقفين حسين الناظر لحبيبته يبثها الاَمان من عيناه وعلاء الذي لم يكن يتوقع ولو في أحلامه أن يراها الليلة بهذا القرب منه ويرى عينيها الجميلتان والمتلألأتين بحزن بعد أن تمنى من قلبه رؤيتهم ..برغم ان المناسبة غيرة سارة على الإطلاق.. وسعد ..الذي كان يتنقل بنظراته بين شروق الصغيرة الجميلة والشبيهه بشكل كبير من فاتن التي كانت فعلًا فاتنة بحق ولكن غبية كما يذكر .. وفجر التي كااانت قديمًا صغيرة بجسدٍ هش وضغيف وقد اصبحت الاَن مثال المرأة المكتملة الأوصاف ..لقد عرفها رغم تغيرها ومرور عدت سنوات على رؤيتها اَخر مرة ولكنه عرفها !!!

....................................


بعد مرور الوقت 

كان ابراهيم الصغير ممدًا على تخت المشفى ..محاط بالأربطة الطبية التي التفت على رأسه و قدمه اليسرى

والدته ووالديه خارج الغرفة مع الجميع بأمر الطبيب بعد أن اطمأنوا عليه قليلًا .. سميرة كانت تفرك بكفيها قائلة بتوتر :

- ياحبيبي يابني .. الواض وشه اصفر زي اللمونة ياشاكر .

حرك شاكر رأسه بيأس من زوجته قائلًا بتعب:

- تاني ياسميرة .. يعني مش تحمدي ربنا انها جات على قد كده وربنا نجاه بدال الزن بتاعك ده.

قال من خلفه أدهم بصوته الرزين :

- سيبها يااستاذ شاكر..هي بردوا أم وقلبها محروق من الخوف على ابنها.

سميرة بعتب وهي ناظرة الى زوجها :

- قولوا ياابوعلاء خليه يبطل جمودية القلب دي عليا .

رد زوجها بنظرة حانقة موجهة اليها أثارت ابتسامة أدهم النادرة لدرجة تعجب لها ولديه وازدادت دهشتهم وهم يتابعون حديثه المنبسط مع الجار الجديد وزوجته :

- الله ياجماعة ..هو انتوا بتبصوا لبعض كده ليه؟ أنا مش عايزة اكون السبب فى خناقة مابينكم.

تبسم الاثنان ببعض المرح استجابة لدعابته.. فقال شاكر بامتنان :

- تعبناكم معانا ياابوعلاء وقطعنا عليكم فرحة المحل الجديد .

قال علاء والذي كان واقفًا بالقرب منهم مع أخيه حسين :

- ماتقولش كده ياعم شاكر دا واجب علينا ..دي سلامة إبراهيم بالدنيا كلها. 

اومأ شاكر برأسه فارتسم الفخر جليًا على وجه أدهم كما ارتسمت سعادة غير مرئية على وجه سميرة التي انتقلت عيناها تلقائيًا ناحية ابنتها الجالسة على إحدى المقاعد:

- هي شروق أختك راحت فين يافجر ؟

تمتمت بصوت خفيض :

- نزلت تجيب مية معدنية وشوية عصاير من كانتين المستشفى. 

أجفلها حسين بقوله منزعجًا:

- كدة نزلت لوحدها من غير ماتقول ..مش يمكن ماتعرفش مكان الكانتين ولا الكافتيريا حتى ؟

هزت رأسها ولم تعلم بما تجيبه فتفاجأت بالحاج ادهم وهو يأمر ولده :

- روح ياحسين وراها واطمن عليها دي المستشفى كبيرة وممكن تتوه فيها .

ذهب حسين سريعا أم علاء فقد قطب حاجيبه دهشًة من سلسلة المواقف الغربية لوالده هذه الليلة قبل ان يتحرك اَليا ويجلس بجوارها على احدى مقاعد المشفى متمتمًا بخبث :

- اَااه ..دا انا رجلي تعبتني اوي من الوقفة الليلادي.

تشنجت هى بجلستها وقد شعرت بجسده الضخم قد احتل المسافة الفاصلة بينها وبينه وقدميه الكبيرتان تكاد تلتصق بأقدامها الصغيرة ..رائحتة القوية سيطرت على حواسها فطغت على رائحة المشفى..تململت بعدم راحة تريد القفز من جواره ولكنها تذكرت ابتسامته السخيفة لها.. لابد انها ستصبح ضحكة كبيرة الاَن حينما يراها تهرب من جواره ..زفرت داخلها استسلامًا وهي تهمس بصوت مكتوم وصل لمسامعه فابتسم بانتشاء:

- استغفرالله العظيم يارب

...............................


امام بائع الكانتين وقفت بمشترياتها خلف رجل وامرأة سبقوها لدفع الحساب وهي تتابع جدال المرأة مع البائع في ثمن الأشياء بانتباه حتى اجفلت على صوتٍ غريب :

- عاملة إيه دلوقتي يا أنسة شروق ؟

شهقت منتفضة وهي ترى هذا الغريب يحادثها بهذا القرب لأول وهلة .. قبل ان تستعيد ذاكرتها وتعلمُه:

- هو انت حضرتك تعرفني ؟

قال بابتسامة:

- طبعًا اعرفك هو انت نسيتي ولا ايه؟ انا صاحب علاء...

- عارفة عارفة انك صاحب جارنا علاء .

قالتها بمقاطعة وصوتها خارج بتوتر وتابعت :

- وعارفة كمان انك شيلت اخويا معاه وجيبتوا على المستشفى قبل ما نوصل انا ووالدي.. بس يعني إنت تعرفني منين عشان تندهني على طول كده بأسمي ؟

شعرت بتأنيب الضمير وهى ترى تاثير كلماتها الحادة على وجهه وشفتيه التى كانت تتحرك بارتباك.. فعادت قائلة بلطف:

- انا اسفة يااستاذ.. بس معلش بقى متأخذنيش انا لسة متأثرة بحادثة أخويا ومش قادرة اميز أي كلمة خارجة مني .

أومأ برأسه :

- عندك حق يااَنسة.. ويمكن اكون خضيتك بس انا بجد قلقت عليكي .

- قلقت عليا !!

- يااَنسة .

أجفلت على صوت الفتى البائع لتجد ان الدور قد أتى عليها في دفع الحساب بعد انصراف من كانوا قبلها .. قالت وهي تتحرك سريعًا :

- طب عن إذنك بقى .

لم تنتظر إجابة فقد وجدتها فرصة للهرب من هذا الغريب ونظراته المسلطة عليها.. فلا تعلم لما شعرت بعدم الراحه نحوه .

حينما انهت حسابها مع البائع خرجت فورًا تتجاهل النظر نحوه وهي تسرع بخطواتها للخروج من الكانتين .. تنفست بارتياح وهي ترى حسين ينزل الدرج اللولبي للمشفى لتجده سريعًا قد أتى أمامها .. فتوجه اليها قائلًا بانزعاج :

- انتي ازي تنزلي هنا لوحدك مش خايفة لتوهي فى المستشفى الواسعة دي ؟

قالت مبتسمة وقد اسعدها ما رأته في عيناه نحوها :

- اصل كنت عطشانة فسألت الممرضة ودلتنى .. بس انت نازل على السلم ليه مادام في انساسير؟

قال بحزم محبب :

- عطشانة تبقى تقولي واحنا الرجالة نتصرف بدال ماتخليني...تخلينا نقلق عليكي ..دا انا ماقدرتش استنى الاسانسير ونزلت جري اشوفك .

تهللت اساريرها فرحًا من جملة قيلت لها مرتين هذه الليلة ولكن من حسين وقعها على سمعها كانت وكأنها أجمل كلمات العشق .

- إنتِ هاتفضلي متنحة كده وساكتة مش ياللا بقى خلينا نلحق الجماعة فوق وادي الاسانسير اتفتح اهو .

اوقفته بيدها قائلة :

- لا انا عايزة اطلع على السلم مش بالأسانسير .

حرك رأسه موافقًا بابتسامة رائعة يقول :

- ماشي ياشروق .. مع ان النزول كان عليه فرهدة بس موافق برضوا .. هاتي اللي في إيدك دا بقى .

قال الاَخيرو وهو يتناول منها المشتريات قبل ان يصعد معًا الدرج اللولبي بناءً على رغبتها وكم أسعده طلبها هذا .. غافلين عن زوجُ من الأعين ترصدتهم وتابعتهم حتى اختفوا. 

................................


بعد انتهاء الليلة العصيبة والاطمئنان على الطفل المصاب .. كان لابد من العودة ليلًا إلى المنزل بعد اصرار مسؤلي المشفي الخاصة بذهاب الجميع حتى أهل المريض .. تطوع حسين بأن اقل أسرة الأستاذ شاكر زوجته وابنتيه.. اما الحاج أدهم فقد عاد مع ابنه علاء وصديقه سعد .

بداخل السيارة خاطب علاء ابيه قائلًا :

- متشكرين اوي ياحج على اللي عملته معانا النهاردة :

- بتشكرني على ايه بالظبط ؟

- يعني ياوالدي على كل حاجة الصراحة.. من أول مجيتك الإفتتاح الليلة لوقفتك مع الجيران ..دا دي لوحدها كبيرة قوي عندي ..خصوصًا إنهم ناس غريبة عنك ومتعرفهاش .

قال أدهم بحزم :

- مدام جيرانك يبقوا مش اغراب ولا حاجة ..ثانيًا بقى أنا سألت كويس عن الناس دي وعرفت إنهم ناس محترمين قوي .

نقل عيناه عن الطريق لينظر فجأة لأبيه قائلًا بجدية:

- هو انت فعلًا سألت عنهم ؟

قال بثقة :

- طبعًا سألت عنهم ؟ أمال يعني اسيب ناس تدخل لوالدتك وانا مش عارف أصلهم ايه ولا فصلهم ؟ 

عاد للطريق وهو يمط شفتيه قائلًا :

- والدتي !! قولتلي بقا.

عند هذه النقطة غير دفة الحديث فجأة وهو يسأل صديقه الغارق فى افكاره وهو ناظر لخارج الطريق من النافذة :

- سرحان في ايه ياسعد انت كمان ؟

اجفل من شرود قائلًا:

- هااا .. إنت بتكلمني ياعلاء ؟

قال الحاج أدهم ساخرًا :

- هه ياسعد دا انت مش معانا خالص ..إيه اللي واخد يابن مدبولي ؟

بشبه ابتسامة أومأ برأسه ولم يجيب وهو يعود لأفكاره مرة أخرى. 

عندما توقفت السيارة امام المنزل الذي احتل بمساحته قطعة كبيرة من الحارة.. وجدها فى شرفتها تنظر اليهم بترقب قبل ان تتركها وتنزل سريعًا إليهم .. ترجل أدهم من السيارة وهو يدعوا ابنه للدخول:

- مش هاتنزل تشرب الشاي حتى ؟

قال بجمود :

- معلش يا والدي خليها مرة تانية.. الدنيا ليلت .

- وافرض حتى الدنيا ليلت مش بيتك ده وبيت ابوك؟ تعالى ادخل انت وصاحبك. 

خرج صوت سعد من الكرسي الخلفي :

- خليها مرة تانية ياعم أدهم وانا هاجيبه بنفسي ونقعد معاك .

قبل ان يرد أدهم جاء صوتها المتلهف :

- حمد الله على السلامة ياحج .

سك علاء على فكه غيظًا من وقفتها على باب المنزل بزبنتها المتكلفة وعبائتها البيتيه الخفيفة غير مقدرة لمكانة ابيه الرجل الوقور ..فقال بغيظ :

- عن إذنك ياولدي يادوبك اوصل سعد على بيته دا زمانه والدته قلقانة عليه .

- ماشي ياعلاء ..تصبح على خير .

قالها أدهم وهو يصفق باب السيارة بعنف.. ليذهب الى زوجته التى استقبلته بقلق مبالغ فيه :

- كده برضوا ياأدهم تسيبنى كده على اعصابي وانا هاموت من القلق عليك.. هو إنت إيه اللى أخرك الوقت دا كله ؟

اغلق باب المنزل خلفه قائلًا بسأم :

- بعدين يا نيرمين..هاقولك بعدين ..بس سيبني بس اريح شوية الاول .

مصمصت بشفتيها حانقة وهى ناظرة فى اثره بعد ان تركها وسط البهو الكبير .

.....................


وبداخل السيارة تكلم سعد اَخيرًا بانتباه الى صديقه:

- احسن حاجة عملتها ياعلاء .. عشان انا عايزك فى موضوع ضروري.

- موضوع ايه اللي ضروري ياسعد؟ احنا دخلنا فى نص الليل وانا على أخري. 

قال برجاء :

- معلش والنبي ياعلاء اتحامل على نفسك نص ساعة بس واسمعني .

تأثر علاء برجاء صديقه فقال :

- ماشي ياسعد ..تحب نقعد فين بقى ؟

أجاب سريعًا بلهفة :

- عند القهوة اللى ورانا بيتنا ..دي بتبقى فاتحة للصبح .


بعد نصف ساعة وبعد ان سرد سعد ما يطلبه وانتظر رد صديقه الذي بهت وجهه لبعض الوقت قبل ان يقول اَخيرًا:

- انت متأكد من طلبك دا ياسعد ؟

- و انا يعني لو مش متأكد هاطلب منك ياعلاء ؟

كان يحاول جاهدًا انتقاء كلماته :

- ياسعد افهمني ..البت صغيرة اوى عليك .. دا غير كمان ظروف اخوها. 

قال سريعًا:

- ان كان على ظروف اخوها فالواض اكيد بكرة يتحسن .. وان كان على سنها فدي مش مشكلة لو انت اتدخلت بشطارتك معاهم ..انا عرفت انهم بيعزوك من معاملتهم ليك.. وحسب ماعرفت انهم عيلة على قدهم ومتوسطة الحال.. وانا زي ما انت عارف ظروفى مشيت كويس دلوقتى وبقيت اكسب كويس من ورشتي .

- ياحبيبي انا عارف كلامك ده .. انا بس مش عارف افاتحهم ازاي والله؟

قال برجاء مع اصرار شديد ارتسم على وجهه :

- بقولك إيه ياعلاء ..انا قصدتك وانت صاحبي..ارجوك بقى اقف معايا فى الموضوع ده..انا من ساعة ماشوفت البت وانا قلبي اتعلق بيها.. وبجد بقى لو انت صاحبي بجد وحقيقى توقف معايا في موضوع جوازي من شروق !!


تكملة الرواية من هنا


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close