القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم أمل نصر بنت الجنوب

رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم أمل نصر بنت الجنوب 

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


رواية عينيكي وطني وعنواني البارت السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم أمل نصر بنت الجنوب 



رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم أمل نصر بنت الجنوب 

 الفصل السادس

بالغرفة البيضاء كانت الأسرة جميعها مجتمعة حول إبراهيم الذي استعاد عافيته قليلًا ليعي جيدًا حديثه مع اسرته ..والدته بالكرسي المجاور لرأسه تطعمه بيدها وزوجها جالس على طرف التخت.. أما الفتيات شقيقاته فجر وشروق بجواره من الناحية الأخرى.. يداعبنه بالأحاديث الطريفة.

قالت شروق بمشاكسة:

- طبعًا ياعم انت هاتعيش الدور بقى علينا طول الإيام إللي الجاية دي.. اكل ودلع ونوم فى السرير براحتك ولا دراسة بقى ولا قرف .

كان رده ابتسامة ممتعضة أثارت ضكك الجميع فقالت فجر بمرح هي الأخرى :

- يالهوي عالعسل لما يكشر بوشه .

اللتفت إبراهيم مخاطبًا لأبيه :

- ماتشوف بناتك ياعم الحج دول اللي بيستظرفوا على ابنك العيان . 

سمع منه شاكر فقال لهم حازمًا بابتسامة:

- بس يابت انت وهي..خلوا عندكم دم بقى وبلاش غلاسة على الولد..يعني مش كفاية انه عامل حادثة ومدشدش ..كمان انتوا تيجوا عليه .

ضحكت الفتاتان مرة أخرى مما اثرن ضيق إبراهيم الذي قال لوالده بعتب :

- حتى انت ياعم الحج بتقلش عليا مكانش العشم ..ماتشوفي الجماعة دول يا ست ماما .

ناولته قطعة من الفاكهة ليأكلها بفمه وهى قائلة بابتسامة:

- سيبك منهم ياحبيبي وخليك فى صحتك انت.. دول عالم فاضية .

رددت فجر خلفها :

- احنا برضوا ياست ماما عالم فاضية ؟

- ايوة عالم فاضية ورايقة كمان .

قالتها سميرة بتأكيد قبل ان تلتفت على من أطل برأسه محييًا :

- صباح الخير عليكم.

رد الجميع عليه التحية عدا فجر التي خبئت ابتسامتها.. فتقدم هو لداخل الغرفة قائلًا بحبور:

- عيني باردة عليك ياابراهيم .. اخبارك إيه النهاردة يابطل ؟

- الحمد لله كويس انا النهاردة يامعلم علاء .

- اقعد يابنى انت هاتقعد واقف.

قالها شاكر وهو يشير بيده على إحدى المقاعد .. أجفل علاء الذي كانت مازالت عيناهُ عالقة ناحيتها ..تحرك ليجلس امامهم وهو يقول :

- انا لسة جاي من عند الدكتور دلوقتي وطمني على حالة إبراهيم.. دا بيقول انه خلاص ممكن يخرج النهاردة او بكرة بالكتير .

- ايوة يابني صحيح زي ماقالك كده ..بس انا زعلان من والدك ..عشان دفع حساب المستشفى من غير مايقولي .

جحظت فجر عيناها غضبًا اما علاء فقد ردد خلف ابيها سائلًا:

- ابويا انا دفع؟! امتى ده ؟

جاوبته سميرة :

- النهاردة الصبح يابنى وصل مع اخوك حسين وقعدوا شوية مع إبراهيم قبل ما يخرجوا مع شاكر .

- هو حسين خرج بدري شوية عشان كان وراه مشوار مهم ..والدك بقى فضل معايا حبتين زيادة لكنه ماجبليش سيرة نهائي ..عرفت انا بالصدفة من حسابات المستشفى بعد هو ما مشي .. بس ليه كده يابني ؟ دي الحال مستورة والحمد لله .

قال علاء بابتسامة صافية امام نظرات فجر التى اشتعل الغضب داخلها :

- وماله ياعم شاكر دا احنا اهل .

بعد هذه الجملة فقدت السيطرة ولم تعد تقوى بعدها الصمود :

- عن اذنكم !

- رايحة فين يابنت ؟

انصرفت سريعًا ولم تكلف نفسها عناء الرد على والدتها التى قال مندهشة فى أثرها:

- هي البت دي خرجت وراحت على فين ؟

اجابتها شروق وهى تتحرك للخروج ايضًا :

- تلاقيها بس عندها مكالمة مهمة ولا حاجة..انا رايحة اشوفها .

قال علاء وهو ينظر في اثر شروق هي الأخرى رغم تغيره من موقف فجر :

- طب انا كمان كنت عايزك فى موضوع مهم ياعم شاكر ..بمناسبة ان ربنا نجا إبراهيم وخلاص خارج قريب ان شاء الله من المستشفى. 

...........................


بخطوات مسرعة كانت تهتف للحاق بها :

- استنى يافجر بقى شوية انتى ايه قطر ؟

التفت لشقيقتها وسط رواق المشفى قائلة بحدة :

- يعني عاجبك اللي بيحصل ده ياشروق ؟

قالت شروق بصوتٍ خفيض وعيناها تدور على البشر المتناثرين حولهم :

- وطي صوتك يافجر الناس واخدة بالها .

زفرت بداخلها وهي تحاول السيطرة على الغضب المتصاعد داخلها فقالت مابين اسنانها :

- انا هافرقع من الغيظ ياشروق ..الناس دي بقت فارضة نفسها علينا بشكل مستفز وأبوكي وامك قابلين وساكتين ..هو في ايه بالظبط؟

قالت شقيقتها بنفي رغم مايدور بعقلها :

- وانا هاعرف منين يعني؟ ما انا زيي زيك ؟

- مالكم واقفين هنا ليه ؟

التفت الاثنتان على سحر وقد اصبحت امامهم فتابعت مازحة:

- اوعوا تقولولي انكم اتخانقتوا هنا فى المستشفى؟لأ عيب نفرج الناس علينا. 

تبسمت شروق للمداعبة اما فجر فقالت :

- كويس انك جيتي ياسحر ..اصل انا بصراحة مخنوقة ونفسي ارغي معاكي وافك شوية .

همت لتتكلم ولكنها صمتت متسمرة وهي ترى علاء وهو خارج مع شاكر من حجرة إبراهيم فقالت ذاهلة :

- يانهار أبيض.. مين الحليوة دا اللي خارج مع ابوكي يافجر؟

قالت حانقة :

- حتى انتي كمان ياسحر ؟

.............................


على طاولة مستديرة جلس الاثنان بداخل كافتيريا المشفى بناءً على طلب علاء الذي تلعثمت الكلمات داخل فمه وهو يدعوا الله ان ينتهي من هذه المهمة الثقيلة .

- يابني ما تتكلم ساكت ليه؟ انت مش قولت عايزني في موضوع مهم ؟

تحمحم يجلي حلقه فقال بحرج :

- أسف ياعم شاكر بس انا مكسوف صراحة عشان الظرف يعني.. لكن اعمل إيه بقى في صاحبي اللى قصدني وشدد عليا عشان افاتحك .

- صاحبك مين ؟ وعايزك تفاتحني فى ايه ؟

- صاحبي سعد وهو...قصدني فى موضوع نسب معاك..

قاطعه شاكر قائلًا ببساطة:

- قصده يعنى على فجر ..ومالك يابنى محرج ليه؟ ما انا على طول الناس بتفاتحنى عنها .

شعر بشحنة من الغضب اندفعت بداخله فجأة وهو يقول بحدة :

- لا طبعًا هو مايقصدتش فجر ؟

- امال هو قصده على مين؟...معقولة يقصد شروق ؟

اومأ برأسه وهو يتابع:

- انا عارف انه اكبر منها بيجى عشر سنين على الاقل ..بس هو انسان محترم وعشرة عمر و.......

صمت عن اكمال جملته وهو يرى شاكر الذي كان يضحك بدون سبب .

- هو انا قولت حاجة تضحك ياعم شاكر ؟

قال معتذرًا وهو ينهي ضحكته :

- معلش يابني ما تأخذنيش اصل شروق العريس التاني يتقدم لها فى نفس اليوم..والعجيب بقى انه كمان من طرفك برضوا ويُخصك؟

قطب سائلًا بدهشة :

- تقصد بمين إنه من طرفي ويخصني ؟

قال شاكر بابتسامة:

- يعني انت متعرفش ان والدك الحج ادهم المصري طلب إيد شروق النهاردة لحسين اخوك ؟

وكأن دلوًا من الماء البارد سقط على رأسه لم يعرف يرد على الرجل ولو ببنت شفاه ..فتابع شاكر :

- دا حتى بالأمارة طلب مني افكر براحتي انا والبنت على ما يخرج ابراهيم بالسلامة من المستشفى وبعدها تبقى الزيارة رسمي.

تصبب العرق فوق جبهته من هذا الموقف الحرج فسأله بتوتر:

- طب انت كده هاتوافق على مين فيهم ياعم شاكر ؟

- شوف يابنى انا هاعرض الموضوع على البنت وهي بقى اللي تقول رأيها ..ان كانت موافقة على واحد فيهم ولا هاترفض الاتنين .

بلع ريقه فقال بتوتر :

- طبعا دا حقها أكيد .

...............................

حينما انهى مقابلته مع شاكر ..خرج سريعًا من الكافتيريا وكأن الشياطين تلاحقه .. يريد الخروج من المشفى واستنشاق هواءً طبيعي ..فطوال سنوات عمره التي تعدت الثانية والثلاثون لم يتعرض لمثل هذا الحرج.. كيف لأخيه ان يفعل هذا ويتقدم لخطبة الفتاة جارته دون حتى ان يخبره .. ولسخرية القدر يتم هذا الاَن بعد اظهار سعد صديقه نيته الواضحة للزواج بها ..فكيف يكون وضعه حينما تختار واحد منهم دون الاَخر ..في اية جهة يقف الاَن؟

- حاسب ياأخينا.

خرجت بخشونة من أحد الأشخاص الذي كاد أن يصدم به.. تراجع فورًا للرجل ليذهب من جواره .. استدرك نفسه وهم ليكمل طريقه ولكنه توقف مبهوتًا لهذه الأعين المسلطة عليه وهو يقف أمامه بوسط الرواق بمسافة ليست بقريبة غير منتبه لحديث أحد الأشخاص بجواره.. ملامحه الإرستقراطية نحتت مع تطور سنوات عمره لتزيده وسامة و جاذبية أكثر . يرتدي حلة رمادية وكأنه أحد المسؤلين.. بلمحة بسيطة شعر بحنين الصداقة القديمة ولكنه تذكر سريعًا كيف انتهت ..إحتدت عيناه واشتعل صدره بغضبه القديم ..فتحرك سريعًا يتخطاه حتى اصطدم به عن قصد حتى كاد الرجل ان يسقط لولا أنه تماسك ومع هذا لم يتكلم او يعترض حتى ..هتف الرجل الذي بجواره:

- دا اتجنن دا ولا إيه ؟ 

اوقفه بأشارة بكفه ليصمت فسأله الرجل بفضول :

- انت تعرف الراجل دا ياعصام بيه ؟

بلهجة الأمر قال :

- اسمع ياعزمي انا عايز ادخل حجرة الكاميرات دلوقتي حالًا .

قال الرجل بإذعان :

- تحت امرك ياباشا. 

..................................


خطت لداخل الغرفة نحو زوجها الجالس على الإريكة الاثيرة امام شاشة التلفاز يدعي المشاهدة ولكن ملامح وجهه المنغلقة تظهر عكس ذلك وهو يتلاعب بمسبحته بشرود .. حتى انها جلست بجواره ولم يشعر بها.. فتساءلت بصوت مسموع :

- اللي واخد عقلك ياحج يتهنا بُه !

أجفل من شروده فالتفلت اليها قائلًا :

- نعم يا نيرمين عايزة إيه ؟

بلهجتها الناعمة :

- يعني هاعوز ايه بس ياحج ؟ هو انت منقصني من أي شئ؟ انا بس مستغربة يعنى سرحانك الكتير الأيام دي .. هو انت في مشكلة عندك في الشغل ؟

قال بمغزى :

- وهي المشاكل انحصرت بس في الشغل يانيرمين ؟ والشخصية بقى مافيش؟ولادي اللي انصرفوا عني وعاشوا حياتهم ولا مراتي اللى سابتني بعد العمر دا كله؟ دا عادي بقى عندك ؟

قالت بارتباك :

- لا طبعًا انا مقصديش حاجة وحشة ..انت عارفني من الأول انا راضية بقليلي ونفسي نبقى عيلة واحدة كمان .. بس هما بقى اللي رفضوا وبعدوا من نفسهم..انا حتى ملحقتش اعمل مشاكل معاهم عشان تتحسب عليا.. لكن تقول ايه بقى؟ ولادك ودماغهم ناشفة زيك والست زهيرة بقى فدي خدت على الدلع والأنانية ..فشئ طبيعي ترفض اللى قبلت بيه ضرتها الصغيرة والغلبانة .

- انت غلبانة يانيرمين ؟

قالت حانقة من سؤاله الساخر:

- انت قصدك ايه ياحج ؟

- مقصديش حاجة يابنت الناس ..عن اذنك بقى .

قالها ونهض فتركها تنظر لأثره بغيظ .

............................


بداخل غرفته بشركة الأدهم للسياحة والسفر كان جالسًا مع احد العملاء حينما أجفله شقيقة باقتحام الغرفة بوجهه الجامد دون استئذان وخلفه السكرتيرة تردد برجاء لمديرها:

- اسفة ياحسين بيه بس انا قولتلوا انتظر دقايق لكنه مرديش .

اشار لسكريرته بالإنصراف وتقدم هو نحو أخيه مرحبًا :

- دا ايه الزيارة الجميلة دي نورت المكتب يامعلم علاء .

صافحه بجمود اثار استيائه وهو يخطوا لداخل الغرفة حتى جلس امام العميل الذي شعر بالحرج أيضًا فنهض على الفور عن مقعده :

- طب عن إذنك بقى ياحسين بيه ..اكمل معاك في وقت تاني ..تشرفنا ياحضرت .

اومأ علاء برأسه وتولى حسين مصاحبة الرجل حتى باب المكتب يحدثه بلطف واعتذار حتى خرج فصفق باب الغرفة خلفه ليلتفت الى أخيه قائلًا بقلق :

- في ايه ياعلاء ؟ هو في حاجة حصلت ؟

تلاعب قليلًا بشاربه وهو ينظر إليه بغموض حتى جلس امامه فقال اَخيرًا :

- اطمن ياحسين باشا مافيش حاجة حصلت .. دا بس اخوك الغلبان جاي يستفسر منك عن حاجة كده.

- غلبان !

خرجت منه باستنكار قبل ان يتابع :

- هو في ايه بالظبط ياعلاء ؟ دي مش عوايدك يعنى تتكلم بالالغاز ..ماتقول اللى انت عايز تفتسر عنه يمكن افهم .

قال مباشرةً:

- اجيبلك من الاَخر ياحسين بيه .. لما انت بتحب ابوك اوي كده ومكبره عشان تطلب إيد البنت ..طب حتى ادينى فكره بحكم اني جارها مش في الأصل اخوك. 

- بنت مين ؟ انت قصدك شروق ؟ معقول؟

قالها باندهاش وعدم تصديق وتابع :

- يانهار ابيض..هو بابا لحق يطلب إيدها ؟.

هتف عليه غاضبًا :

- انت هاتستهبل عليا ياض .. يعني هو طلبها من غير ما يقولك ؟

- يابني افهم انا قولتلوا عن رغبتي للإرتباط بيها .. لكن مكنتش اعرف انه هايلحق بسرعة دي كدة يطلبها من والدها ..بس انت ايه اللي مزعلك ؟

- اللي مزعلني انك ماقولتليش وخليت منظري زي الزفت النهاردة لما والدها فاجأني وانا بافاتحه عن موضوع سعد .

- وماله سعد بشروق ؟

تنهد بثقل وهو يمسح بكفيه على وجهه وأخيه يردد السؤال على اسماعه :

- مال سعد بشروق ياعلاء ؟

- كان عايز يتجوزها هو كمان .

- نعم !!

صاح عليه حازمًا :

- حقه ياحسين ..شاف البنت عجبته وطلب مني اشوف أهلها بحكم إني جارها ..عمل اللي انت ماعملت ماعملتوش .

زفر حسين وهو يحاول التماسك أمام أخيه:

- ياعلاء كفاياك تقطيم فيا بقى ..انا ملحقتش افاتحك بحكم السفرية اللي جات فجأة وبعدها حادثة إبراهيم أخوها ..وان كان على والدي فانا وربنا ما اعرف السبب اللي خلاه يجري بسرعة كدة ويطلب إيد البنت .. يمكن ماصدق بقى عشان يخلص مني ويخلاله الجو مع عروسته الجديدة.

قال الاَخيرة ممازحًا جعلت طيف ابتسامة تغزوا ملامح اخيه الذي أكمل:

- أو يمكن عايز يقربك منه من تاني .

ردد خلفه بتفكير :

- يمكن برضوا!

................................


وعودة للمشفى وبداخل غرفة إبراهيم دلف شاكر بابتسامته المعهودة وهو يمشط الغرفة بعيناه :

- ايه ده؟ هما خواتك مشيوا ياعم هيما ولا إيه؟

قالت سميرة التي كانت تنتهي من صلاتها وتهم لطوي سجادتها:

- بناتك ياخويا الاتنين خرجوا مع سحر يوصلوها لخارج المستشفى. 

جلس بجوار ابنه المصاب وهو يقول :

- بنت حلال سحر دي وتستاهل كل خير ..أنا مش عارف بس إيه إللي أخرها من الجواز ..هي الرجالة عميت ؟

رددت خلفه زوجته :

- لأ ياخويا ما عميتش ..دي البنات هي اللي بتدلع على كيفها ..ولا انت ناسي النسخة التانية منها معاك ..مقصوفة الرقبة فجر .

تدخل إبراهيم:

- مالها فجر بس ياست ياماما؟ ماهي زي الفل معانا هي لازم تتجوز يعني؟

شهقت سميره ضاحكة :

- ينيلك ياواض .. لهو انت مش عايز اختك تتجوز زي البنات ولا تشيل ولادها .

- لأ مش عايزها تتجوز .

قال ابيه ايضًا وهو يضحك :

- يخرب عقلك ياابراهيم ..دا انت طالع حمش قوي على كده ..بس ياحبيبي البنت مالهاش غير بيت جوزها.. ومهما قعدت في بيت ابوها ..بيتها هو بيت جوزها في الاَخر. 

تنهدت سميرة بصوت عالي قائلة :

- اه ياابو فجر ..ياما نفسي اجوزها بقى وافرح بيها..نفسي تعقل وتبطل جنان.. كمان لو توافق على المهندس ابن صاحبك ده وتفرح قلبي. 

- سيبك بس من ابن صاحبي وركزي في اللي جاي.. ان شاء الله فجر هايجلها نصيبها وهاتفرحي بيها بس انتي قولي يارب..انا دلوقتي فى بنتك الصغيرة .

- بنتي الصغيرة مالها ياراجل ؟

- ياولية افهمي بقى البت الصغيرة إتقدم لها اتنين النهاردة ؟

فغرت فاهاها دهشة وقالت :

- هنا والاتنين النهاردة فى المستشفى؟!

تبسم شاكر فسبق إبراهيم والدته بالسؤال :

- هما مين يابابا ؟ فيهم حد نعرفه؟

هم شاكر ليجيب ولكن استوقفه طرقٌ على باب الغرفة ..ليدلف بعدها رجل مهيب بحلته الرمادية ومعه الطبيب المعالج لإبراهيم الذي قال بابتسامة جميلة لإبراهيم:

- السلام عليكم..عامل ايه النهاردة يابطل ؟الباشا مدير المستشفى جاي بنفسه يشوفك النهاردة. 

نهض شاكر مرحباً بالرجل:

- اهلًا ياباشا ..دي إيه المفاجأة الحلوة دي؟

سميرة ايضًا:

- يااهلًا مرحب بيك يا سعادة الباشا. 

تحدث هو بصوت رزين ولكن متردد:

- انا جيت النهاردة وعملت مرور على بعض الحالات .. اا انت كويس ياابراهيم.. الدكتور بتاعك طمني عليك .

اجاب إبراهيم بروتينية:

- نحمد ربنا على كل حال. 

وكأنه يتفحصهم او يبحث عن إجابة ظل ينظر إليهم بأعين مشتتة وهو يستمع من الطبيب المعالج لإبراهيم وهو يصف حالته.. حتى دلفت الشقيقتان .

- السلام عليكم. 

- ايه ده ؟ هو في ايه ؟

جذبت المراَة بناتها الاثنتان من ايديهم تسحبهم لداخل الغرفة و تهمس لهم :

- بس يامنيلة انتي وهي ..دا البيه مدير المستشفى؟

قالت فجر بدهشة:

- ودا إيه إللي جابه عندنا؟

أكملت سميرة بنفس الهمس:

- بيقولك قال عامل مرور على الحالات. 

همست شروق هي الأخرى بمزاح :

- وجاي عند إبراهيم أخويا مخصوص بقى عشان يطمن عليه و..

قطعت جملتها ولم تكملها حينها فقد أخافتها نظرة هذه الرجل المهيب رغم صغر سنه وهو يحدق بها وكأنه رأى شبحًا أمامه .. جف حلقها ولم تستطيع التنفس إلا حينما انتقلت نظراته إلى فجر ثم ما لبث ان فاجأهم بسؤاله المباشر:

- هو انت تعرفوا علاء المصري منين ؟

أجفل الجميع من سؤاله المباغت لكن شاكر هو الذي اجابه رغم دهشته :

- المعلم علاء يبقى جيرانا يابني ..بس ابن حلال هو وابوه واخوه. 

اومأ برأسه وعيناه نحو الفتاتين :

- جيران وبس ؟

قال شاكر وقد ازدادت دهشته :

- ايوه جيران وبس ..لكن واضح بقى ان انت تعرفه ؟

تمتم بغموض :

- طبعًا أعرفه وعز المعرفة كمان ..عن اذنكم .

قال الاَخيرة وخرج على الفور وخلفه الطبيب ..امام دهشة شاكر وأسرته جميعها. 

قالت شروق وهي تتنفس اَخيرًا ارتياحًا بخروج هذا الغريب:

- يانهار ابيض الراجل ده خوفني قوي .

قالت فجر خلفها معترضة :

- بقى ده خوفك ياهبلة.. دا حتى شكله ولا البهوات اللي بيجوا في التليفزيون.

قال أبيهم :

- بس عجيبة يعني إنه بيسألني عن علاء!

- ياخويا ولا عجيبة ولا حاجة.. خلينا إحنا فى موضوعنا .

قالتها سميرة وهي تجلس على احدي المقاعد الجلدية امامهم وتابعت مع زوجها :

- ها بقى ياابو إبراهيم ..انت كنت بتقولي ان شروق متقدملها عريسين .. هما مين بقى ؟

صدر صوتها من الخلف:

- شروق مين ياماما؟

قالت سميرة بسخرية :

- هو احنا عندنا كام نسخة منك ياهبلة بنفس الإسم؟

قالت شروق بابتسامة مرتابة قالت :

- معقولة!يعني انا متقدملي عريسين ..ودول يبقوا مين يابابا ؟


الفصل السابع


ترقبت متفحصة وجه ابيها الضاحك وهو يتلاعب بالكلمات معهم عن معرفة هوية العريسان..حتى صاحت عليه زوجته :

- في إيه ياشاكر تعبت قلوبنا معاك ..مرة تقول معرفة جديدة ..مرة تقول الاتنين من طرف واحد ..هي فزورة ياراجل ماتقول بقى وريحنا. 

- يعني غلب حماركم؟

تذمر الجميع فخرج صوت زوجته الساخط :

- يووه بقى انت لسه هاتحزر وتفزر من تاني ؟

ضحك بصوت عالي قبل ان يقول اَخيرًا:

- خلاص خلاص انا هاتكلم .. شوفي يابت ياشروق انا هابتدي بالعريس التاني وهاسألك مباشرةً كدة ..إيه رأيك في الراجل اللي اسمه سعد صاحب علاء؟

هتفت مستنكرة :

- ميين !! لا طبعًا يابابا ..مش عايزاه مش عايزاه. 

سالت سميرة بعدم فهم :

- سعد مين اللي صاحب علاء ؟

اقترب منها زوجها يذكرها به ..اما فجر فتذكرته جيدًا بعد ان تناسته منذ فترة طويلة .. سعد .. لقد كان جار فاتن الصامت .. الصامت دائمًا او قليل الكلام بشكل أدق  ..حينما رأته في يوم حادث أخيها لم تتعجب ابدًا ..فهي كانت تعلم انه صديق هذا المدعو علاء.. أجفلت من شرودها على صيحة شقيقتها :

- في ايه يابابا؟ ماتقول بقى على اسم العريس التاني..ولا انت فالح بس تقولي على العريس المنيل ده اللي جسمي قشعر بس من أسمه .

قال شاكر بتعجب:

- ياساتر يارب ..جسمك قشعر من اسمه بس! طيب ياستى العريس التانى يبقى حسين ادهم المصري..وحش دا كمان عشان نرفضوا برضوا ولا ؟.

هتفت على الفور ضاحكة:

- لا طبعًا ترفضوا دا ايه ياعم شاكر ..اش جاب لجاب بس ياراجل حرام عليك وقعت قلبي .

تبسمت سميرة بفرحة غامرة أما ابيها فقال ممازحًا:

- شوفي ياخويا البت وبجاحتها..طب وربنا انا قلبي كان حاسس عشان كده ابتديت بالتاني.

قال إبراهيم هو الاَخر ضاحكًا :

- ايوة بقى يابت ياشروق ..الواض حليوة وشكله زى الخواجة .

قالت شروق وهي لاتستطيع السيطرة على دقات قلبها المتسارعة من الفرحة :

- ايوة ياهيما .. دا انا مش مصدقة نفسي ولا مستوعبة اللي بيحصل .

هتفت فجر بغضب فاجأ الجميع :

- هو في ايه بالظبط؟ هي الناس دي خلاص بقى موراهمش حد غيرنا؟

أجفل ابيها من حدتها قائلًا:

- مالك يابنتي؟ هو انت مش عاجبك حسين ؟

قالت خلفه سميرة بحزم :

- وهي إيه دخلها بالعريس ..ماهي لو عايز تتجوز هي كمان..احنا مش ممانعين.

قالت شروق هي الاَخرى :

- انت زعلانة يافجر عشان هاتخطب قدامك ..لو عايزاني اَأجل الموضوع ده انا موافقة ياحبيبتى..بس انتي ماتزعليش. 

كانت تهز رأسها بعدم استيعاب وهي ترى حديثها اخد منحى اَخر غير الذي تقصده :

- ياجماعة افهموني .. انا ماعنديش مانع من خطوبة شروق ولا عندي اعتراض حتى على العريس ..انا بس مخنوقة من العيلة دي وحاسة انهم فارضين نفسهم علينا بالعافية:

قال ابيها ببساطة:

- وافرضي زي مابتقولي كده..ايه اللي حاصل بقى؟ ماهم طالبين النسب يعني مش حاجة عيب ولا حرام .

حركت شفتيها تحاول اخراج جملة مفيدة تدعم موقفها امام نظراتهم المترقبة ولكنها لم تجد ..فتحركت اَليًا نحو الخارج قائلة باستسلام :

- انا طالعة اشم هوا .

خرجت مغادرة بخطوات مسرعة ولم تنظر ولا تلتفت على صيحات ابيها الذي خرج خلفها..فلم يستطع اللحاق بها ولا معرفة وجهتها .

عندما عاد الى الغرفة متهدل الأكتاف بملامح ساكنة سألته فورًا زوجته :

- هي راحت فين ياشاكر .

- مش عارف .. انا خرجت وراها بس ملحقتهاش..هي البت دي مالها ؟

قالت سميرة بتوجس:

- معقولة تكون زعلانة عشان هاتتخطب شروق قبلها ؟ بس انا عارفة بنتي فجر كويس لايمكن تفكر في كده ابدًا .

قالت شروق وقد اختفت ملامح الفرح من وجهها :

- هي دايمًا بتكره علاء وعيلته ياماما ..معرفش ايه السبب؟

- طب وبعدين احنا كده بقى نوافق ونراضي اختها ولا نرفض ونراضيها هي؟

سألها شاكر بحيرة فقالت زوجته بلهفة:

- نرفض دا ايه ياعنيا ؟ هاتي يابت نمرة الحاج ادهم ولا اقولك هاتي تليفونك ادوس على رقم علاء انا حافظاه من والدته..هاتيه وانا اكلمه 

........................


بغرفته الحبيبة التي اصبحت مسكنه ومأواه من وقت أن تزوج أبيه وتركت والدته وأخيه البيت .. أصبح يقضي معظم اوقاته في العمل وحينما يعود على ميعاد النوم فقط ..فلا يأكل في البيت إلا قليلًا في حضور أبيه..عدا ذلك فهو يطلب طعامه بداخل غرفته ..فلايريد الجمع بينه وبين هذه المرأة حتى لو على مائدة طعام .. كان خارجًا من حمام غرفته ينشف شعر رأسه بمنشفة صغيرة حينما سمع طرق على باب غرفته وصوت ابيه يردد :

- حسين..انتي صاحي ولا نايم يابني؟

تحرك سريعًا يرتدي تيشيرت ابيض على جزعه العاري وهو يجيبه:

- انا صاحي يابابا.. على طول هافتح اهو .

في ظرف ثواني كان عند باب الغرفة يفتحه لوالده 

متسائلًا بدهشة لزيارته؟

- في حاجة يابابا؟

تكلم أدهم برزانته المعتادة :

- انت هاتسيبني واقف كده على الباب؟ من غير ماتقولي اتفضل .

انزاح من أمامه مرددًا بحرج:

- انا اسف يابابا معلش..اتفضل طبعًا أكيد .

دلف ابيه ممشطًا بعينيه الغرفة قائلًا بمزاح :

- ايوة كدة بقى خلينا ندخل عرينك ياأسد ونعرف مخبي إيه جواه يخليك تستغنى عن بقية البيت كله !

انتبه حسين لمزاح ابيه اللازع فاستجاب بابتسامة هادئة:

- ماشي ياحج أدهم مقبولة منك ..بس انت عارف بقى إن انا معظم الوقت مشغول. 

بابتسامة ماكرة قال أدهم وهو يجلس على طرف التخت:

- ياراجل ..يعني لما تتجوز شروق بقى هاتفضل برضوا معظم الوقت بره البيت ؟

ضحك باضطراب يشوبه الحياء قائلًا :

- إيه يابابا بس؟ على طول كده خليتها مراتي ..مش لما يوافقوا الاول على الخطوبة؟

- ماهم وافقوا .

- نعم !!

- نعم الله عليك ياحبيبي..بقولك وافقوا..انت اطرش يابني ؟

هنا ازدادت ضحكاته صخبًا وفرحة قائلًا:

- جرا ايه يابابا الله؟لسة مش مصدق ياعم .. دا بجد بقى مش هزار .

اجابه بابتسامة سعيدة لفرحه:

- لا صدق ياحبيبي..والدها اتصل بيا حالًا وبلغني الموافقة..وانا اتفقت معاه اننا هانزورهم رسمي بعد خروج ابنهم من المستشفى على طول .

قال متبسمًا بامتنان:

- انا متشكر قوي يابابا انك اتصرفت بسرعة كدة وطلبتها..بصراحة طلبك في الوقت ده وبالسرعة دي وفر عليا كتير قوي.. المهم بقى انا عايز دلوقتي اتصل انا لازم اتصل على علاء ابلغه .

قال الاَخيرة وهو يتناول هاتفه من على الكمود..اوقفه ادهم قائلًا:

- لا ما اخوك عرف خلاص ..والدة البنت اتصلت عليه وبلغته بنفسها .

تنفس حسين بارتياح فقال:

- كويس قوي .

أجفله أدهم في طلبه :

- هاتسكن معايا ياحسين بعد الجواز ولا هاتخلف بوعدك؟

رغم ثقل مايطلبه على نفسه ولكنه أومأ برأسه موافقًا لإرضاءه. 

- معاك يابابا ان شاء الله.

.........................


بخطواتٍ مثقلة تقدم ناحية القهوة الشعبية التي ضمتهم لفترة طويلة من الزمن.. وشهدت على أيام الفرح والحزن جلسات السمر والضحك.. ها هو جالس كعادته يدخن الأرجيلة وأمامه فنجان قهوته في انتظار ما سيخبره ..يبدوا شاردًا من نظرته لنقطعة بعيدة في الفراغ.. ترى بماذا يفكر ؟ تنهد بعمق وهو يقترب منه يتمنى انتهاء هذه المهمة الثقيلة على قلبه في الحال .. 

أجفل سعد من شروده على أصوات الرجال حوله ممن يرددن التحية للمُعلم علاء ابن حارتهم وجارهم قبل ان يترك المنطقة مع والدته ..نهض عن مقعده فاتحًا ذراعيه للعناق الأخوي متبسمًا بأمل:

- حبيبي ياابو الصحاب ..ازيك يامعلم .

بادله العناق الرجولي مجفلًا هو يرد له التحية..قبل أن يجذبه سعد للجلوس قائلًا بلهفة:

- هاا يامعلم طمني..إيه الأخبار ؟ انا قاعد على نار من ساعة ماقولتلي في التليفون عايز اقابلك .

ها قد بدأنا.. يبدوا ان سعد سيصعب عليه المهمة ..تحمحم يجلي حلقه فقال متهربًا :

- كده على طول! مش لما اَخد نفسي الأول ولا اطلبلي حاجة أشربها حتى.

- قهوة مظبوط للمعلم علاء ياض ياحودة .

هتف بها سعد بعجالة نحو فتى القهوة قبل ان يلتفت الى علاء متابعًا:

- وادينا طلبنالك حاجة تشربها ..اخلص بقى ياللا ياعلاء قول اللي فيها.

قطب علاء بدهشة قائلًا :

- هو انت لدرجادي البت معلقة معاك؟ دا انت يدوبك شوفتها مرة ولا مرتين ياسعد!

قال متشدقًا:

- وافرض شوفتها مرة واحدة حتى ياأخي وعجبتني وطلبت اني اتجوزها..فيها حاجة دي؟

- لا مافيهاش حاجة ياسعد.. بس انا بصراحة مستغرب لهفتك دي وتسرعك في طلب ايدها؟

قال بتوتر :

- مستغرب ليه يعني؟أنا اساسًا بقالي مدة بفكر وبجهز للجواز فلما شوفت البنت قلبي شاور عليها وقولت ان خير البر عاجله..المهم بقى انت عملت إيه خلصني ياصاحبي وريح قلبى .

تنهد مطولًا وهو يجسر نفسه للرد فقال:

- شوف ياسعد انا هاقولك اللي حصل بالظبط وانت تحكم بقى .

قال بقلق :

- هو انا ليه حاسس انك هاتصدمني ياعلاء؟ هي البت رفضت ولا ابوها هو اللي مرديش؟ 

نظر اليه صامتًا لبعض الوقت قبل ان يقول اَخيرًا :

- انا مش هاصدمك ياسعد انا هاقول اللي حصل وبس .

ترك ذراع الأرجلية بعنف على الطاولة الصغيرة قائلًا :

- وايه هو بقى اللي حصل ؟

...............................


دلفت لداخل شقتهم فتفاجأت بعدة أكياس مغلفة .. لملابس بيتية ومنامات علقت على واجهتها صور لفتيات ترتديها بحرية وبالأعلى كتب بالخط العريض اسم ماركتها المحليه الرخيصة.. متناثرة على كنب الصالون بشكل فوضوي .. أزاحت مجموعة منها بيدها لتجلس وهي تهتف :

- ياماما .. انتي فين ياماما ؟

خرجت لها سريعًا وهي تنشف يداها بمريلة المطبخ التي ترتديها ..فقالت :

- ايوه أيوة ..بتندهي بصوتك العالي كده ليه؟ خضيتي الجيران. 

لوحت بيدها حولها قائلة بضيق:

- بنده عشان اشوف البلاوي دي ..ايه ده ياماما؟ هو انت نويتي تفتحي محل قمصان نوم وعبايات بيتي ؟

- هاها ظريفة اوي.. حقيقى ضحكتيني. 

قالتها بسخرية وهي تخطو لتلملهم بيدها وتابعت:

- دول هدايا ياعنيا ؟

- هدايا لمين ؟

- هدايا لمرات خالك عيد وبنتها العروسة ؟

صاحت عليها صارخة:

- كل دول هدايا.. ليه ياأمي؟ هو انتي غنية اوي لدرجادي ؟

اعتدلت رجاء تجلس أمامها بعد ان وضعتهم جميعا على المنضدة الصغيرة فقالت بضيق:

- مش كلهم يامنيلة.. هي أساسًا كانت موصياني عليهم ..عشان البلد هنا ارخص والحاجات كتير واحلى .. وانا بقى جبتلها كام واحد من نفسي .

تمتمت بحنق

- اممم .. ماشي ياماما ..ربنا يهني سعيد بسعيدة. 

- وانتي بقى فين هديتك ؟

قالت بتهكم ردًا على سؤالها :

- نعم !! هدية مين ياحبيبتى وانا مالي أصلًا ؟

- انت مالك دا إيه ؟ امال هاترحي معايا بأيد فاضية؟. 

فغرت فاهاها وتدلى فكها بشكل فكاهي وهي تومئ بيدها فى الهواء وتوشك على الإصابة بصدمة عصبية:

- تاني ياماما..تاني برضوا..مُصرة انك تاخدينى معاكي الزفت البلد رغم كل اعتراضي ده ..انا قايمة وسيبهالك .

نهضت على الفور تاركة والدتها فى الصالة وحدها والتي همست بتوعد :

- ماشي ياسحر ..ان ماكنت اخليكي تيجي معايا مبقاش انا رجاء 

...............................


- نعم !!

قالها بحدة وهو ينهض عن مقعده بعنف لدرجة أجفلت من حوله من الرجال واثارت استياء علاء الذي خاطبه بحزم:

- اقعد ياسعد بلاش فضايح.. الرجالة حواليك أخدت بالها .

تابع الاَخر دون ان يبالي :

- وماياخدوا بالهم ولا يتفلقوا حتى..هو انت يهمكم حد في الدنيا غير مصلحتكم .

نهض علاء واقفًا ليساويه في الطول بل ليُظهر الفرق الشاسع بين جسده الضخم الطويل وجسد الاَخر المتوسط والهزيل..قال علاء بتحذير:

- تقصد إيه بكلامك ياسعد اننا مايهمناش غير مصلحتنا ؟

هتف سعد أمام نظرات الرجال الذين ارتكزت أبصارهم عليهم :

- قصدي انت عارفه كويس ياعلاء.. افهم ايه انا بقى لما أكلمك عن واحدة جارتك تخطبهالي ..وتيجي انت تاني يوم تقولي اخوك اتقدم لها كمان.. لا وابوها قال خيرها ما بيني وبينه؟ والبنت بقى اختارته هو ..ماهو طبيعي انها تختاره..ابن الحاج ادهم المصري ومعاه شركة سياحة دا غير شكله اللي عامل زي الخواجات ..هايروح فين سعد الغلبان فيكم ياعم .

ضيق عيناه وهو بهز برأسه يستوعب :

- انت واخد بالك من نفسك ياسعد؟ ولا واخد بالك من كلامك ده ؟ خلي بالك.. كلامك ده هايتحسب عليك ..انا مازلت لحد الاَن بتصرف معاك بأدب ومراعي موقفك ..رغم اني مستغربه جدًا صراحة..الهوليلة الكبيرة دي على بنت شايفها يادوبك مرتين بالعافية امال لو كانت حب عمرك كنت عملت ايه يعني ؟. وعلى فكرة بقى ..أخويا هو اللي اتقدم الأول ومكانش يعرف نيتك منها..وكون البنت اختارته فدا مش ذنب يتعلق بيه..أما انت بقى لو شايف معاك حق وعايز تكبر الموضوع كبره براحتك ..دا لو معاك حق أصلًا! 

صمت وصمت الاَخر وظلت فقط حرب النظرات قبل ان يتملك اليأس بعلاء فقال مغادرًا .

- انا شايف ان مالوش فايدة القعاد وحتى القهوة اشربها انت.. سلام بقى ياصاحبي. 

تحرك من امامه وذهب امام عيناه التي كانت تشتعل بنيران الحقد وكلماته تتردد برأسه ( امال لو كانت حب عمرك كنت عملت ايه؟) تدخل أحد الرجال قائلًا :

- هو مين فيهم اللي غلط فيك ياسعد ؟ المعلم أدهم ولا اخوه؟ .

قال الاَخر :

- تلاقي بس في سوء تفاهم مابينهم ..المعلم ادهم مايهونش عليه زعل صاحبه وحسين ربنا مكمله اخلاق وادب .

- بسس !!!

قالها بحده فتوقفت الالسنة عن الكلام قبل ان يتابع :

- اللي بيني وبين عيال أدهم المصري..ماحدش له دعوة بيه .

تحرك بعدها مغادرًا القهوة وهو يخرج من جيب سترته الهاتف ليهاتف رقم إحداهن وقد مر وقت طويل على اَخر مكالمة بينهم ..انتظرها لحظات حتى اجابت اخيرًا هامسة بغير تصديق :

- سعد !! بتتصل بيه ليه ؟

قال بحدة وقد ابتعد بمساحة كافية عن اعين رجال القهوة المتلصصة:

- عايزك. 

- نعم !

- ايه ياعين خالتك ؟هي اول مرة ؟

قالت برجاء:

- لا مش اول مرة سعد..بس انا دلوقتي ست متجوزة وانت وعدتني انك هاتسيبني في حالي وتشوف نفسك .

- ورجعت في كلامي ياستى ..تيجي حالًا ياروح افضحك قدام جوزك واخربها عليكى .

- يامصيبتي يامصيبتي.. انت جرالك إيه النهاردة بس؟ جوزي في البيت مقدرش اخرج ..ماتخربش عليا حرام عليك .

قال بلهجة اخف حدة :

- تمام ..يبقى تجينى بكرة على مكانا القديم وقت جوزك مايكون في شغله..اظن كده معندكيش حجة بقى ..ماشي ياحلوة. 

وصله صوتها بهمس منكسر:

- ماشي .

اغلق فى وجهها الهاتف ومازلت كلمات علاء تترد فى عقله حتى تمتم هو مع نفسه:

- حب عمري!! ما انتوا السبب في ضياع حب عمري !!

................................


على حائط السور الرخامي لدرج المبنى الخلفي ألمؤدي للحديقة الداخلية بالمشفي استندت برأسها تبكي وتذرف دماعتها ..مستغلة خلو هذا المكان من المرضى او الزائرين.. شعور بالقهر تغلغل داخل أعماقها..تريد الصراخ اعترضًا عما يجيش بصدرها.. فكيف السبيل لنجاتها من هذا الغزو الذي حاصرها وسيطر على عقول جميع أفراد عائلتها؟.. عاجزة عن صدهِ ..فلو تكلمت الاَن لجرحت اعز احبابها في سمعتها وهي التي استأمنتها على سرها رغم صغر سنوات عمرها .. فكيف السبيل او الحل؟ وهي التي ظنت انها تناست ماحدث مع مرور عدة سنوات..

- اااه .

خرجت بألم من اعمق اعماقها لتسمع همسًا اجشًا خلفها يقول :

- ياه.. لدرجادي انتي تعبانة وحزينة؟

شهقت منتفضة وهي تستدير على مصدر الصوت .. فوجدته بهيئته المهيبة مستندًا بكتفهِ على نفس الحائط الرخامي .

هتفت فيه وهي تمسح بعنف يدها الدموع العالقة على وجنتيها غير مبالية بمركزه :

- انت إيه يابني أدم انت ؟ مترصد ولا مجنون عشان تعمل حركات العيال دي وتوقف تخضني في مكان خالي زي ده ؟

مط بشفتيه قائلًا ببساطة :

- انا اقف في المكان اللي يريحني..المكان مكاني والمستشفى ملكي أبًا عن جد .

أومأت برأسها قائلة بفظاظة:

- يعني إنسان صايع ومدلع ..والده عينه مدير لمستشفى كبيرة ومهمة زي دي ..بس عشان يسلي بيها وقته بدل ما يقعد فاضي من غير شغلانة.

تبسم رغمًا حنقه من حدة لسانها..فقال بهدوء :

- اولًا انا مش انسان صايع ولا مدلع ..انا دراس وأخدت شهادات مهمة من أعظم الكليات في لندن ..ثانيًا بقى انا مكنتش واقف عشان اخضك ..انا بس لمحت شبح واقف فى المكان الفاضي ده وقولت اشوف واطمن ..كوني اني وقفت شوية خلفك من غير ما اتحرك ولا أنبهك فدا لأني اتعاطفت معاكي لما لاقيتك بتعيطي بحرقة. 

زمت شفتيها بخطٍ قاسي وهي تحاول جاهدة السيطرة على رجفة الألم بداخلها فاستدارت عنه تعطيه ظهرها قائلة بصوتٍ خارج بصعوبة:

- طيب ممكن بقى تسيبنى في حالي وتحتفظ بالتعاطف دا لأي حد غيري تاني .

تقدم بخطواته ليقف أمامها مباشرة واضعًا يديه داخل جيبي بنطاله ينظر لها بتحدي قائلًا :

- على فكرة الدموع مش حاجة عيب عشان تتكسفي منها وتداريها عن أقرب الناس ليكي .

رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع قائلة بانهيار:

- ياأخي ما تسيبني في حالي بقى وشوفلك حاجة تاني تتسلى بيها .

- إيه علاقة علاء المصري بيكم ؟

باغتها بسؤاله فتجمد وجهها لعدة لحظات وهي ناظرة اليه فاغرة فمها بعجز ..قبل أن تجد صوتها اَخيرًا فقالت :

- هو انت إيه حكايتك مع علاء المصري؟ وليه مُصر تعرف علاقتنا بيه ؟ هو انت مين بالظبط؟

تنهد من اعماقه وهو ينظر بعيدًا عنها فقال :

- ان كان على حكايتي مع علاء فدي ليها تاريخ انتهى من سنين ..وليه مُصر إني اعرف علاقتكم بيه؟ ..فدي ليه سبب وجيه اوي عندي ..الشبه الغريب !

- شبه إيه بالظبط؟

احتدت عيناه واكتسى وجهه بالغضب فقال :

- تقربلكوا إيه فاتن ؟


الفصل الثامن 


تقربلكوا إيه فاتن ؟

كان سؤاله الذي نبه كل إشارات الحذر لديها..جعلها تنتصب في وقفتها.. فتوقف تدفق دماعتها وهى ناظرة اليه بشراسة..مع تحفز كل خلية بجسدها نحو هذا الغريب الذي اقتحم خلوتها عن عمد وها هو الاَن يسألها بكل جرأة عن أشد أسرارها خطورة.. هذا بالإضافة لسؤاله منذ البداية عن غريمها الأصلي علاء !

خرج صوتها المتشنج وهي تسأله بقوة :

- انت مين ؟

لم تجفله هيئتها الجديدة فقال بهدوء :

- انا عصام الوالي إبن الدكتور أكرم الوالي..مدير المستشفى اللي احنا واقفين فيها دلوقتي. 

هتفت بحدة :

- انا مش عايزة اعرف اسمك ..أنا عايزة اعرف .. إنت إيه علاقتك بعلاء بالظبط؟ وتعرف فاتن وشبهنا احنا بيها ازاي ؟

مالت زاوية فمهِ بابتسامة ساخرة قبل ان يقول :

- انتِ مش ملاحظة انك بتكرري نفس سؤالي ليكى بس مع فرق الصيغة .

برقت عيناها أكثر مع ارتجاف جسدها الغاضب فقالت وهي تجز على اسنانها:

- اسمع ياجدع انت انا معنديش مقدرة على تحمل برود اعصابك ده وانت بتكلمني عن أعز انسانة عندي ..واكنك كنت تعرفها هي شخصيًا! جاوب عليا وقولي انت مين ؟

خرج سؤالها الاَخيرة بصرخة جعلته يتخلى قليلًا عن ثباته المستفز فقال :

- أنا كنت صاحب علاء واعرفها هي زي ما كنت بعرف كل أهل الحارة عندهم .. دا كان قبل ما تتقطع كل علاقتي بيه واسافر على انجلترا واكمل تعليمي هناك .

- بس؟

شعرت بارتباكه الملحوظ بعد سؤالها المختصر بكلمة واحدة .. في لغة جسده المتوترة وشحوب وجهه الوسيم.. فقال :

- أظن انا كده قولتلك على علاقتي بعلاء ومعرفتي بفاتن ..جه الدور عليكي بقى عشان تقوليلي عن علاقتكم بيها .

ضيقت عيناها قليلًا وهي تنظر اليه بتفكير وكأنها غير مقتنعة بإجابته او تشك بقوة انها ناقصة بحقائق مهمة.. خرج صوتها اَخير فقالت باقتضاب :

- سر الشبه الكبير مابينها وبين أختى .. هو إنها تبقى بنت عمتي.

تحركت فورًا لتستدير عنه فاأوقفها بسؤاله المتلهف :

- طيب هي فين دلوقتي؟ وإيه أخبارها ؟

عادت مرة أخرى تحدق بعيناها الى عيناه ذات الون البني الفاتح .. فقالت :

- ماعدتش في أخبار عنها خلاص..فاتن ميتة بقالها سنين كتير.. ميتة من يجي ١١ سنة .

هل هذه صدمة التي ظهرت جلية بشكل مخيف على ملامح الرجل ام أنه تأثر بخبر موتها؟ لم تريد معرفة الإجابة فقد استدارت مغادرة وتركته متسمرًا مكانه وكأنه تمثال حجري لا تبدوا عليه أية مظاهر للحياة .

................................


حينما عاد إلى منزله وفتح الباب ليدلف داخله..خطى بهدوء متعمدًا عدم اصدار صوت حتى لا يوقظ والدته..فترهقه بأسألتها وهو لم يُعد به طاقة ..فيكفيه ما تلقاه من سعد منذ قليل ..تمشى بهدوء حتى وصل لباب غرفته فاتفاجأ بصوتها يهتف من خلفه .

- إنت جيت من إمتى ياعلاء ؟

تدلت أكتافه بإحباط وأغمض عيناه قليلًا قبل ان يغتصب ابتسامة على وجهه وهو يلتفت لوالدته الجميلة ..التي تقدمت نحوه بابتسامة غابت عنها طويلًا ووجهٍ مشرق وكأنها عادت بالزمن سنواتٍ للخلف فقالت بمشاكسة:

- ماشي كده بتتسحب وداخل على اؤضتك على طول ..هربان من حاجة ياولا؟.

مال بوجههِ ينظر الى حيويتها وهي تسير بخطواتها المتعثرة قليلًا فقال :

- إيه ياقمر انتي ؟عيني باردة عليكي النهاردة .

فور ان اقتربت منه جذبته من ياقة قميصهِ تطبع قبلة على حنونة على وجنته ..فقالت بتمني :

- عقبالك انت كمان ياحبيبي. 

ارتفع حاجباه فقال بمرح:

- إيه ده ؟ هو لحق يقولك..أما صحيح واض ما يتبلش في بُقه فوله .

لكزته على ذراعهِ بقبضتها الضعيفة بعتابٍ :

- بس ياواض ماتقولش كده على اخوك ..دا فرحان والفرحة مش سايعاه..بعد ما اختار اللي شاور عليها قلبه ..اتاريه كان منمر عليها وعامل فيها ساهي.. مش زيك خايب .

خرجت ضحكته بدهشة :

- انا خايب برضوا ياام علاء؟ طب ليه الغلط ده بس ؟ دا انا حتى حبيبك. 

- ايوة انت حبيبي بس خايب برضوا..عشان أنا عايزة افرح بيك واشيل عيالك وانت ولا سائل ..هاتعرف تعمل كده بقى زي اخوك؟ اللي عملهالي مفاجأة وخلي قلبي كان هايوقف من الفرحة .

قال بحنان وخوف :

- بِعد الشر عليكي وعلى قلبك ياست الكل ..ان شاء الله انا كمان افرحك زيه .

قالت بإلحاح :

- طب اوعدني يكون قريب .

تبسم بمرح من دلال والدته فقال برجاء :

- بس انتي ادعيلي من قلبك والنبي .. 

- داعيالك ياحبيبى من كل قلبى تاخد اللي في بالك .. وتحبها وتحبك .

بعد سماعه لهذه الدعوة الجميلة.. دنا بجسده اليه لينتعم بحضنها الامومي..وقد اسعده مقصد الدعوة كثيرًا..كثيرًا جدًا .

................................


في اليوم التالي 

كان موعد عودة إبراهيم إلى منزله.. بعد أن اطمئن الأطباء على استقرار حالته ..فصرحوا له بالخروج.. ذهب شاكر مع علاء ألذي أصر لإصاله والعودة بإبراهيم داخل سيارته الفارهة..حتى أنه تولى مهمة حمله .. صاعدًا به درجات السلم إلى شقتهم .. كانت شروق هي من استقلبتهم بابتسامتها المعهودة ..مخيبة ظن علاء الذي كان يُمني نفسه برؤية شقيقتها.. دلف بإبراهيم إلى داخل الشقة حتى وصل غرفته..فوضعه بخفة وحرص شديد على سريره ..

- بسس كويس أوي كده ..ربنا يحرسك لشبابك ياحبيبي.. تعبناك معانا. 

إستقام بجسده وهو يرفع نفسه فقال بمزاح ردًا على كلمات سميرة:

- على ايه بس ياخالتي؟ دا حتى إبراهيم خفيف في الشيلة ومش تقيل يعني .  

رد عليه إبراهيم بمشاكسة:

- طبعًا ياعم.. وإبراهيم هايجي إيه بس فى شيل الأوزان الثقيلة اللي بتربي بيها عضلاتك .

- ياولد.. وانت بقى مركز وواخد بالك .

- وهي محتاجة تركيز يامعلم علاء ..دول بارزين من الهدوم لوحدهم وكأنهم بيعلنوا على نفسهم. 

ضحك ثلاثتهم فانضم إليهم شاكر الذي دلف متسائلًا :

- إيه ياجماعة بتضحكوا على إيه ؟

- ولا حاجة ياعم شاكر.. أصل إبراهيم بيقُر على عضلاتي. 

- بيقُر ليه بس؟ بكرة يكبر ويربي أحسن منهم .

قالتها زهيرة وهي تدلف فجأة اليهم لداخل الغرفة تقدمت نحوها سميرة.. هاتفة بمودة : 

- أم علاء ..تعبتي نفسك ليه بس وجيتي ؟

بادلتها المصافحة قبل ان تقترب من إبراهيم قائلة :

- تعبت إيه بس ياختي؟ دا انا كان نفسي أروح المستشفى واطمن عليه بنفسي 

- وانا اللي مانعتها .. ماتزعلوش مني ياجماعة انتوا عارفين اللي فيها .

قالت سميرة:

- ونزعل ليه بس يابني؟ ربنا يشفي عنها يارب..هي حمل خروج ولا تعب..واحنا أهل وحبايب مابين بعضينا.. يعني ماندوقش 

قالت زهيرة باتسامة راضية:

- تعيشي ياحبيبتى وتسلميلي .. وانت بقى ياعريسنا الحلو ..عامل إيه النهاردة؟

وجهت الاَخيرة لإبراهيم الذي بادلها الإبتسامة في قوله:

- الحمد لله أحسن من الأول ياخالتي .

- الحمد لله ياحبيبي.. أمال فين البنات اخواتك حبايب قلبي دول ؟ عايزة اسلم عليهم ياسميرة .

..........................

دلفت مقتحمة الغرفة عليهم هاتفة بانزعاج :

- إيه ياعنيا انتي وهي ؟ لازقين في الاوضة كدة ليه ومستخبين ؟

ردت شروق التي كانت تمشط شعرها أمام المراَة:

- انا مش لازقة ولا حاجة ياماما ..انا بس بوضب نفسي على الخفيف كده عشان مطلعش بشعري منعكش ولا لابسة حاجة مش تمام ..دي مهما كان برضوا هاتبقى ان شاء حماة المستقبل والواحد لازم يخلي باله .

- اه ياختي عندك حق..طب وانتي يابرنسيسة ..مش ناوية تخرجي برضوا وتسلمي على الست؟

قالت الاَخيرة لفجر التي كانت تلعب في هاتفها ..فردت بعدم اكتراث:

- واخرج لها أنا ليه؟ طب دي هاتبقي حماتها ..أنا بقى إيه دخلي؟

تغضن وجه سميرة بالغضب وهي تهتف على فجر بصرامة :

- فجر..انتي مش شايفة انك مزوداها؟ هو في إيه بالظبط؟

أجفلت فجر من هيئة والدته المتحولة فقالت بتوتر وهي تترك الهاتف سريعًا من يدها وتنهض عن مقعدها :

- هايكون في إيه بس ياماما ؟انا بس مخنوقة ومش عايزة اخرج ولا اشوف حد ..

قالت سميرة بحزم :

- إسمعي اما أقولك يابنت ..انت لما كنتي رافضة  تروحي للست بيتها في تعبها أو حتى تباركيلها على المحل الجديد..انا مغصبتكيش ..لكنها بقى مدام الست وصلت هنا بيتنا.. يبقى ملزوم عليكي تخرجي وترحبي بيها مفهوم .

قالت تجادلها:

- طب ده بالنسبة للست ..لكن بقى إللي اسمه علاء ابنها ده كمان.. انا بصراحة مش طايقاه .

- وانت مالك بعلاء ؟ تحبيه تكرهيه انت حرة مع نفسك ..لكن بقى ياحبيبتى..ألأصول لازم تمشي ..واجب الضيافة لازم يمشي.. يعني مش كل حاجة على مزاجك.. سامعاني كويس .

اومأت برأسها دون ان تنطق بكلمة ..فالتفتت والدتها نحو شروق قائلة:

- وانتي كمان..اخلصي في لبسك واستعجلي في الخروج .. جاتكم القرف 

بصقت كلماتها وخرجت تصفق الباب خلفها بقوة على الفتاتين .

...............................


بعد قليل خرجت مضطرة إليهم فى صالة المنزل كانوا جالسين والدتها على مقعد وحدها وعلى الاَريكة امامها كانت المرأه البيضاء ذات العيون الملونة بجوار شروق التى سبقت فى الخروج إليهم ..تداعبها وتتحدث معها بفرح وفي الجهة الاَخرى كان ابيها والمدعو علاء الذي إرتفعت عيناه إليها فور خروجها من الغرفة جالسان على أريكة وحدهم .. حينما اقتربت منهم رحبت برزانة 

- السلام عليكم .

لم تعي جيدًا من رد خلفها التحية وذلك لأن المرأة وقفت اليها تستقبلها بفرح وهي تجذبها من يدها بتبسط:

- ياحبيبة قلبى انت اَخيرًا شوفتك .

استسلمت مجفلة لقبلات المرأة على وجنتيها وعناقها لها .. هزت برأسها تستجيب على مضض مع المرأة التي كانت تتفحصها جيدًا عن قرب بعيناها :

- بسم الله ماشاء عليكي .. دا انتِ قمر انتِ كمان .. انا المرة اللي فاتت كنت تعبانة و ملحقتش اتحقق من جمالك ياحبيبتى.

أومأت برأسها وهي تنزع نفسها عن المرأة بلطف قائلة :

- شكرًا ياطنت .. شكرًا على زوقك .

- بتشكريني على إيه بس ياحبيبتى.

همت لتغير وجهتها في السير ولكن نبرة والدتها وهي تأمرها أمامهم بنظراتٍ محذرة فهمتها وحدها :

- سلمي على علاء يافجر .

تمتمت تشتم بداخلها وهي تتقدم نحوه .. وقد نهض عن مقعده واقفًا باحترام ليصافحها .. حينما اطبقت كفهِ الدافئة كفها الصغيرة والباردة .. كانت تننوي انتزاعها فى الحال ولكنه أجفلها بضغطه الخفيف عليها لترفع عيناها اليه ناظرة لعيناه بتساؤل..قال هو بصوت أجش وقد غابت عن وجهه التسلية المعتادة وحل محلها مشاعر اَخرى غامضة عليها :

- دي أول مرة نتعرف بجد.. أنا تشرفت بيكي ياأنسة فجر.

اومأت بعيناها وهي تنزع يدها لتستدير وتعود لغرفتها ولكنها أجفلت مرة ثانية عندما جذبتها والدته لتجلسها بجوارها من الناحية الأخرى فتحيط الاثتنان بذراعيها.

- اقعدي ياحبيبتى هنا معايا زي اختك.. ربنا يفرحني بيكي انتِ كمان عن قريب يارب .

حينما رفعت عيناه فجر ولمحت نظرة زهيرة وهي تنتقل بحالمية منها وإلي ابنها المبتسم امامها ..عرفت مايدور بعقل المرأة جيدًا !!

...........................

بملامح متجهمة وقفت امام المراَه تعدل وشاحها الحريري لتغطي بهِ شعرها بعد ان ارتدت عبائتها السوداء الغالية ..رمشت عيناها مجفلة من صوته الذي صدح خلفها فجأة وهو خارج من حمام غرفته .

- ايه ياحلوة ؟ انتي لحقتي تغيري وماشية ؟

زمت شفتيها امتعاضًا ولم ينطق لسانها بكلمة.. مال إليها برأسها فقال بخشونة:

- ما بتروديش ليه يابت؟القطة كلت لسانك؟ 

التفت اليه بنيرانها فخرج صوتها الحانق :

- انت مش خدت اللي انت عايزه خلاص ..عايز مني ايه تاني بقى؟

أمسك ذراعها فجأة فباغتها ان لفه خلف ظهرها ..وقال وهو يجز على اسنانه :

- حسِك ده ما يعلاش عليا ياعين امك..ولا انتي العيشة المرتاحة ولا الأكل الحلو نسوكي نفسك ونسوكي ان انا السبب في ده كله

قالت بألم :

- سيبي إيدي ياسعد انا ماغلطتش فيك ..عشان تذلني وتكسر نفسي كده .

ضغط اكثر ليزيد من ألمها ونبرته ازدادت حدة :

- ماقولتليش بلسانك.. لكن انا حسيتها بفعلك وانتي قرفانه من لمستي ..وبتعدي الثواني عشان تهربي من خلقتي .. ولا انتي فاكراني مافهمش طريقتك دي يابت.

قالت برجاء مع هذه الألم المتزايد :

- حرام عليك ياسعد دراعي هاينكسر في إيدك .

تركها فجأة فارتدت للخلف تدلك ذراعها وهي تتابع :

- انت ليه مش حاسس بالوضع اللي بقيت فيه دلوقت؟أنا معدتش فاضية زي الأول..انا بقيت ست متجوزة .

ابتسم بزاوية فمهِ قائلًا بسخرية وهو يتقدم ليجلس على التخت :

- فرقتي إيه يعني عن الأول ؟ بقيتي محترمة مثلًا؟

إرتسم الألم جليًا على وجهها وهي تكبح بصعوبة دمعة احتجزت داخل مقلتيها.. فقالت:

- انت مش ملاحظ انك مصمم على جرحي من اول ماجيت ؟ وكأنك بتنتقم مني في ذنب انا معملتوش .

أشاح بوجههِ عنها وهو يتناول سيجارة من علبته ويضعها في فمهِ ليشعلها بقداحته بعد ان شعر بنصل كلماتها وقد أصابه في الصميم ..ظلت صامتة تنظر اليه وهو ينفخ دخان سيجارته في الهواء أمامه..فقالت:

- شكلي كده قولت الحقيقة..عشان تعرف بس إني فاهماك كويس .

نظر إليها بازدراء قائلًا :

- انتي مش كنتي عايزة تمشي ..ماتجري عجلك بقى واخلصي..مستنية إيه؟

تحركت بتمهل تتناول حقيبتها وتتحرك للخروج وفور أن وضعت يدها على مقبض الباب ..أوقفها قائلًا :

- إستني عندك .

التفت اليه بكليتها مجيبة:

- نعم عايز إيه ؟

- حسين ابن جوزك ..خطب البت جارة اخوه علاء ولا لسه ؟

اجابته رغم دهشتها:

- بكرة ان شاء الله رايحين يتقدموا رسمي ويتفقوا على حفلة خطوبة قريب .

شاح بوجهه يصرفها من تحت اسنانه :

- خلاص غوري .

لوت شفتيها قائلة بتهكم :

- ياريت بس نظرة القرف اللي شايفاها في عينك دي .. تمنعك ماتتصل بيا تاني ولا تطلبني أجيلك غصب عني .. حل عني بقى ياأخي عايزة اعيش .

تمتمت الأخيرة بصوت بطئ وهي تفتح الباب فخرجت من الغرفة والشقة نهائي .. تاركته ينظر في أثرها عاقد الحاجبين بملامح غاضبة لا تُنبئ بخير. 

..........................


في المساء وبداخل غرفتها كانت جالسة على التخت مع صديقتها العزيزه سحر والتي كانت تضحك دون توقف ..أثارت استياء فجر وهي تهتف عليها :

- ما كفياكي بقى ياسحر ..انتِ مش ناوية توقفي في يومك ده النهاردة؟

- هههههه مش قادرة اتخيل منظرك يافجر وانتي زي الفار المبلول وسطهم.. أمك تبحلقلك من ناحية والست وابنها يرسموا عليكي من ناحية.

صاحت بها فاقدة التحكم:

- دا بعيونهم دول كمان ..قال يرسموا عليا قال .

توقفت ضحكها وهي تغمز بعيناها بمشاكسة:

- بس الواض حلو اوي يافيفي .. ويستاهل التفكير بصراحة. 

هبت ناهضة عن الفراش قائلة بغضب :

- الكلام ده مافهوش هزار ياسحر ..ماتخلنيش ازعل منك .. مش كفاية الحصار اللي بقيت حساه منهم .. وهما فارضين نفسهم علينا بالعافية واكنهم بقوا جزء من عيلتي. 

قالت سحر بيأس :

- للأسف يافيفي هما فعلًا بقوا جزء من عيلتك من ساعة ما والدك وافق بالنسب معاهم .

- إلا انا .

قالتها بمقاطعة وتابعت :

- مهما حصل ياسحر ..أنا لا يمكن استسلم للناس دي وانسي اللى أذوني في أعز واحدة كانت على قلبي.. لا يمكن هانسى عذابها قبل ما تسيب الدنيا خالص وتموت بسببهم .لايمكن. 

قالت سحر مغيرة دفة الحديث لتخرج صديقتها من داومة زكريات لجروحٍ قديمة لم تشفي منها أبدًا رغم مرور السنوات.

- صحيح يابت فجر ..كان شكله إيه الراجل ده اللي قولتي عليه امبارح ؟

- راجل إيه ؟

- الراجل مدير المستشفى.. إنتي نستيه ؟

همت لتجيب ولكنها اجفلت على صياح والدتها وهي تهتف عليها .

- بت يافجر ..تعالي هنا برة الاؤضة عايزاكى .. إسحبي معاكي مقصوفة الرقبة سحر وهاتيها .

شقهت سحر مندهشة :

- انا مقصوفة رقبة !

- اخلصي يابت ..تعالي انتي وهي. 

- يانهار اسود.. هببتي أيه ياسحر ؟ دي امي عمرها ما عملتها .

نهضت عن التخت متمتمة :

- والنعمة ماعملت حاجة.. يكونش زعلت عشان سيبت امي معاها لوحدها!

.............................

حينما خرجت الاثنتان للصالة القريبة ..وجدن سميرة جالسة على إحدى المقاعد وعيناها المشتعلة مسلطة عليهم تطلق شرارات حارقة بوجههم .. بجوارها كانت رجاء حاجبة وجهها بين كفيها وجسدها يهتز كأنها تبكي بحرقة .

- هو في إيه ؟ ومالها خالتي رجاء ؟

كان سؤال فجر التي تجاهلتها والدتها وهى تطلق سهامها تجاه سحر مباشرةً :

- مش موافقة تراضي امك ليه يابت؟

اجابت سحر بإجفال :

- ها ..انا ياخالتي سميرة؟ 

- ايوة انتِ .. يعني عشان مدرسة وكلمتك ماشية يبقى بقى تتكبري بقى على والدتك وماترضيهاش فى حاجة تافهة زي دي .

تابعت تنظر ببلاهة لوالدتها التي كانت تجفف دماعتها بمحرمة ورقية وسميرة التي أكملت بغيظ :

- بت ياسحر ..انتِ زيك عندي زي الزفتة اللي واقغة جمبك دي .يبقى كلمتي انا تمشي عليكى ولا لأ.

هزت برأسها بحركة غير مفهومة وهي تمتم :

- أكيد تمشي ياخالتي سميرة ..بس انا مش فاهمة حاجة. 

صاحت عليها بحزم :

- عنك مافهمتي.. انت تروحي البيت مع امك دلوقتي تحضري هدومك وبكرة الصبح تسافري معاها على البلد عدل.. سامعاني ..ولا انت عشان امك غلبانة هاتحطي عليها .

تلجم لسانها عن معارضة سميرة وهي تحدق بوالدتها التى تنظر اليها ببرائة ..فهمست بداخلها وهي تعض على لسانها غيظًا :

- بقى دي غلبانة دي ؟!


الفصل التاسع


بخطواتٍ مثقلة وذهنٍ مشتت تخطت الباب الخارجي للمدرسة.. لاتتمنى العودة للمنزل الذي هي واثقة تمام الثقة الاَن ..أنه اصبح خلية نحل تعُج بالأهل والأقارب والجيران وهن يتضافرن مع والدتها لمساعدتها والتهنئة لحفل الخطوبة الذي تقرر إقامته فوق سطح المنزل..لقد تمكنت من الخروج  صباحًا بأعجوبة ..متحججة بوضع طارئ في المدرسة لا تستطيع الإفلات منه أو التغيب عنه ..فهي أرادت الخروج وبشدة لتتنفس هواءً اخر .. بعيدًا عن محيط هذا الرجل الذي توغل بخبثه داخل عقول أفراد أسرتها .. أسبوع كامل مر على خروج إبراهيم من المشفى وهذا الرجل يأتي يوميًا للإطمئنان عليه ومداعبته..فتعلق بيه الطفل الصغير كما تعلق بهِ من قبل أبيها ووالدتها..كما تعلقت بهِ شقيقتها شروق الذي اعتبرته أخيها من وقت ان قُرأت فاتحتها على أخيه حسين ..وكأنها كانت تنتظره طويلًا ليقوم معها بدور الشقيق الأكبر .. فاندمجت الأسرتان بكمياء نادرة وأصبحت الشقتان مفتوحتان أمام بعضهم وكأنهم عائلة واحدة .. لم يتبقى لها في المنزل سوى غرفتها المحصنة عنه وعن والدته التى كلما رأتها لمحت لها بسذاجة وكأنها لاتفهم مايدور بعقل المرأة.. كل ما تمُر بِه الاَن فوق طاقتها وفوق إحتمالها.. حتى صديقتها الغالية سحر التي كانت تلجأ لها معظم الأوقات فتستطيع بذكائها وخفة ظلها ان تخفف عنها وتُدخل السرور بقلبها ..إبتعدت هي الأخرى عنها مضطرة في رحلة سفر مع والدتها لبلدتهم لحضور حفل زفاف إحدى أقاربهم ولم تعُد حتى الاَن .

تنفست بعمق وهي تعتلي الرصيف المؤدي لموقف الباصات حتى تستقل إحداهم ..فلا داعي للهروب أكثر من ذلك والتنصل من واجباتها تجاه أسرتها وشقيقتها فى مناسبة هامة كهذه .. تباطئت خطواتها حينما لفت نظرها وقوف هذه السيارة الرياضية باهظة الثمن بجانب الرصيف وبمنطقة كهذه تبدوا السيارة غريبة عن المكان وسكانه والمدرسة الحكومية أيضًا.. قدمت بخطواتها تتخطاها دون ان ترفع عيناها ناحية السائق ولكنها توقفت مجفلة حينما سمعت من يهتف باسمها من الخلف عن قرب ..استدارات اليه فوجدته هو نفسه هذا الغريب مدير المشفى الذي رأته سابقًا وسألها بكل جرأة عن فاتن .. وهو يترجل من السيارة بأناقة تليق به وبمكانته ..فقال بتردد :

- ااا ممكن كلمتين لو سمحتي يا أنسة فجر؟

ظلت صامتة لبعض اللحظات مبهوتة لا تستوعب مطلبه.. فخطا يقترب منها قليلًا يكرر:

- أسف لو خضيتك أو افتكرتينى مجنون.. بس انا بجد محتاج اتكلم معاكي ضروري. 

خرج صوتها المندهش تلوح أمامه بكفها :

- تتكلم معايا في إيه بالظبط ؟ انا بيني وبينك إيه عشان يبقى في مابينا كلام ضروري؟

- انا عارف ان مافيش مابينا حاجة ..بس انا غايب بقالي سنين طويلة عن البلد وكان يهمني اعرف منك......اللي مقدرش اسأل حد غيرك عنه ..ارجوكي اركبي معايا وانا اوعدك مش هاخد من وقتك كتير .

برقت عيناها وهتفت بحدة:

- اركب معاك فين انت اتجننت ؟ اعرفك منين انا عشان اخرج معاك واكلمك عن اللي فاتك فى سنين غربتك بعيد عن البلد .

تكلم بمهادنة وقد كان حديثه يبدوا كرجاء

- انا اسف حقيقي بجد .. بس لو مش عايزة تركبي معايا خلاص ممكن ندخل الكافيه اللي موجود هناك ده اَخر الشارع ..بس أرجوكي ماتكسفنيش ..انا مافيش قدامي غيرك وانتي انسانة واعية جدًا لتصرفات البنى الادم إللى بيكلمك..ان كان كويس ولا وحش. 

بصرت بعيناها الى الكافيه الذي لوح إليه بكف يده ناحيته..فعادت تنظر الى وجهه جيدًا فوجدته شاحبًا وعيناه حمروان وكأنها لم تذق طعم النوم منذ عدة ليال ..تعجبت لحال هذا الرجل الغريب وتصرفاته الأغرب معها.. فوجدت نفسها تخبره ببعض الطف:

- انا أساسًا متأخرة على خطوبة أختي ..يعني مش فاضية للخروج ولا الكلام أصلًا. 

طرق بعيناه أرضًا بخيبة أمل قبل ان يرفعها ثانية اليها فقال:

- طب ممكن نخلي القاء يبقى في يوم تاني ؟!

خرج ردها بسؤال :

- طيب ممكن انت بالظبط تفهمني ..عرفت توصلي ازاي؟ولا عرفت تجيب عنوان مدرستي اللى بشتغل فيها منين ؟

هز اكتفاهِ يجيبها بسهولة :

- عادي ..سألت عنك وعرفت !

..................................


حينما عادت الى منزلها ..كما توقعت تمامًا وجدته ممتلئ على اَخره بالأقارب والجيران من سيدات اتت لتساعد والدتها في تحضيرات الحفل كإعداد بعض الأطعمة وبعض أصناف الحلويات بالإضافة لتحضير المشروبات الباردة ومعهم أطفالهم الذين كانوا يركضون ويلعبون بداخل البيت وكأنه ساحة للعب.. وفتايات يبدوا من اعمارهن أنهن اتين من أجل العروس التى كانت بغرفتها وأصوات ضحكاتها العالية مع الفتيات صادرة خارج الغرفة وبقوة.. سمعت صوت والدتها من المطبخ ولكنها لم تجرؤ للدخول إليها فقد كان مزدحم بالنساء حولها ..أكملت سيرها الى غرفتها الحبيبة وعندما همت لفتحها وجدتها مغلقة من الداخل فطرقت على بابها .. فوصلها صوت نسائي من داخل الغرفة :

- ايوة ياللي بتخبط مين انت يالي اللي على الباب ؟

- أنا فجر اخت العروسة وصاحبة الاوضة .

- ابلة فجر ..أيوة صحيح .. معلش والنبى ياحبيبتى  اصلي برضع الواد ..استنيني دقيقتين بس وافتحلك.. انا جارتك ام مروان اللي ساكنة فوقيكم على طول ..انتي عارفاني؟

تمتمت بتعب 

- طبعًا عارفاكى ياستي .

زفرت بضيق وهي ترتد للخلف عائدة فلم تجد موضع قدم امامها لتستريح بها سوى غرفة أبويها المغلقة بإحكام وغرفة إبراهيم وهي لاتفضل إزعاجه في هذا الوقت.. فأين تذهب الاَن والغرفة الباقية لشقيقتها صاخبة بأصوات الفتيات ..قررت التوجه ناحية الحمام لتغسل وجهها ويديها..فتنفرد مع نفسها لبعض الدقائق.. حتى تنتهي ام مروان من إرضاع ابنها .


اغلقت الباب خلفها فور ان دلفت لداخله والتفت للمغسلة لتغسل بكفيها على وجهها بالمياه الباردة وهي مستمعة بطراوتها على وجهها قبل ان ترفع رأسها اَخيرًا لتنظر في المراَة ..فوجدت انعكاس شبحه أمامها ..شهقت مخضوضة وهي تلتف بكليتها للناحية الأخرى مزعورة فوجدته واقف خلفها بالفانلة الدخلية البيضاء وبنطاله الجينز الباهت القديم ..فتحت واغلقت فمها عدة مرات وهي تتشبث بحافة الحوض فلم يخرج سوى بعض الكلمات المتقطعة 

- انت ا.. انت ايه.. جيت ا ..ايه اللي جابك هنا؟

بكف يده اوقفها وهو يشير إليها قائلًا بهدوء وصوت خفيض:

- وطي صوتك ..إهدي ..أنا هنا بغير حنفية الشطاف .. وانتي اللي دخلتي هجم تغسلي وشك على الحوض من غير ما تاخدي بالك مني وانا قاعد مقرفص تحت هنا عند القعدة .

- وتيجي ..

- بقولك وطي صوتك .

استجابت لمقاطعته فخرجت جملتها التاليه بهمس مع رعبها:

- وانت إيه اللي يجيبك حمامنا أساسًا؟ مافيش سباك هو اللي يقوم بالمهمة دي عنك ؟

اجابها بثقة رغم همسه:

في طبعًا ..بس انا مقبلش حد غريب يدخل بيتكم وانا موجود والحاجات دي انا ياما عملتها بكل سهولة .

جحظت عيناها وفغرت فاهها مندهشة من هذا المتبجح ..همت لتتكلم ولكن أجفلها الصوت النسائي الصادر من قريب. فاستدارت برأسها فورًا وهي تلمح خيال إمرأة وهي تتحرك من خلف الزجاج في أعلى الباب..كما يبدوا انها تبحث عن شئ ما في الخارج ..عادت اليه بنفس اللحظة تنظر برعب قاتل ..عما قد يقال عنهم لو فتحت المرأة الباب الاَن ..من المؤكد سيتظن بها السوء وتتخيل بخيالها وضعًا مشينًا. 

وجدته يشير بيده على فاهه حتى تصمت ولا تتحرك 

لعدم اثارة شك النساء الثرثارت .. ما أثار دهشتها حقًا هو هذا القلق الذي رأته بعيناه ووجهه الذي كان مغلفًا بصرامة وجدية لا يشوبها أي مظاهر  للتسلية أو العبث.


وقفت مذعنة لأمره ولكنها أشاحت بوجهها عنه وأعطته ظهرها المتشنج وهي ترتجف خوفًا كطفلٍ صغير ينتظر العقاب .. وهي لا تشعر به من الخلف فقد كان خوفه عليها وعلى سمعتها الطيبة أضعاف .. مشفقًا على عقلها  مما يدور بهِ الاَن من أفكار وهواجس تعصف بها مع هذا الوضع الغريب .. بمجرد ابتعاد المرأة خرجت على الفور راكضة من أمامه.. فتركته يتنفس براحة وتعب أيضًا .

...............................


دلفت لداخل غرفتها سريعا والتى وجدتها بالصدفة خالية من المرأة التى كانت تُرضع ابنها ..اغلقت الباب وصفقته بقوة وهي ترتمي على الفراش بانهيار ..لقد كانت على وشك ان تفقد سمعتها بسببه وهي محبوسة معه فى هذه المساحة الضيقة ..ذرفت دماعاتها المتعبة بعدم احتمال..

لقد خارت قواها ولم تُعد بها طاقة للتحمل ومايزيد بقلبها القهر هو الكتمان وهي لا تجد من يشاركها هذا السر الذي اثقل ظهرها سوى صديقتها وهي غير موجودة الاَن ..ولكن إلى متى تستطيع الصمود أمام هذا الحصار ؟

مسحت بيدها دماعتها بسرعة خاطفة وهي تتناول الهاتف من حقيبتها لتهاتفها .. لم تنتظر كثيرًا حتى فُتح الاتصال ..فهتفت عليها فجر بمناجاة:

- انتي فين ياسحر وسايباني ؟ انا تعبانة اوى  وعايزاكي جمبي .

وصلها الصوت القلق :

- انا فين ازاي يابنتي ؟ ما انتي عارفة اني موجودة في البلد ..هو إيه إللي حصل ؟

صاحت صارخة :

- لقيته فى الحمام ياسحر ..لقيته فى الحمام. 

- نهارك اسود ..هو إيه إللي لقيتيه في الحمام ؟

- الزفت ياسحر .. الزفت إللي احتل بيتنا وبقى حاسب نفسه من أهله .. تعالي ياسحر ..انا محتاكي دلوقتي أكتر من أي وقت .

- ياحبيبتي انا فاهمة انك تعبانة وحاسة بيكي..لو عليا اركب العربية وانزلك القاهرة حالًا ..بس اعمل إيه بقى فى الورطة اللي انا فيها والنهاردة حنة بنت خالي وبكرة دخلتها كمان ..المهم دلوقتي أهدي و فهميني بشويش ..هو مين الزفت اللي شوفتيه فى الحمام؟ 

..............................


في المساء كان حفل الخطوبة وقد تزين سطح المبنى بشكلٍ رائع ونظمت المقاعد المستقبلة للمهنئين من اقارب وجيران ودي جي وبعض السماعات..لقد كان الحفل عائلي وصغير..العروس الجميلة كانت جالسة بجوار عريسها بركنٍ وحدهم.. فجر والتي ارتاحت قليلًا بعد جلسة الفضفضة في الهاتف مع صديقتها المحبوبة سحر .. اخرجتها قليلًا من هذه الشرنقة الخانقة ..فاستطاعت الاندماج فى الحفل مع المهنئين واجواء الحفل العائلي البسيط الذي تم بناءً على رغبة العروسين..او بالأصح رغبة شقيقتها العروس.. التى أرادت تقليد احدى تريندات الميديا .. ارتدت فجر فستان بلونٍ ازرق مزين ببعض حبات الكريستال بنفس الون .. اظهر جمال قوامها ورشاقتها .. وجهها الجميل زينته ببعض المساحيق الخفيفة.. شعرها البنى الذي صفقته بعناية كان يتراقص بنعومته وكثافته بشكلٍ سرق عيناه معها أينما ذهبت حتى لكزته والدته على ذراعهِ بشكل اجفله :

- عينك ياواض .

قال بعدم استيعاب :

- في حاجة ياما؟ 

تبسمت بمكر وهى تغمز بعيناها :

- لما انت كده هاتتجنن عليها وهاتكُلها بعنيك..ساكت ليه ماتتكلم خلي الفرحة تكمل؟ 

هز برأسهِ يضحك بارتباك :

- ايه إللي بتقوليه دا بس ياام علاء؟ 

لكزته مرة أخرى:

- بقول اللي شايفاه ياروح امك.. فاكرني مش واخدة بالي .. دا انت عيونك فاضحاك .. بس البت تستاهل.. جمال وتربية.. حاجة تشرح القلب كده..يازين ماختارت ياحبيبى.. ياللا بقى عشان تنور دنيتي انت واخوك بالفجر والشروق مع بعض.

لم يستطع التماسك اكثر من ذلك فضحك من قلبه وهو يلُف ذراعهِ على كتفها :

- بقيتي عفريتة يام علاء وبتعرفي تقلشي كمان .

نهرته هي قائلة بجدية:

- ماتخدنيش في دوكة وقول امين عشان اكلم والدتها ولا ابوها خلينا نتحرك.. دا خير البر عاجله. 

خبئت من وجهه الإبتسامة..لا يدري بما يجيبها ..فطلبها هذا اشد ما يتمناه ولكن لايدري ما الذي يجعله قلق من ناحيتها ..وهي غامضة وكثيرًا يرى بعيناها مشاعر غريبة ولا يدري تفسيرها .

خرج من شروده على لكزة أخرى من والدته ولكن وجهها قد شحب وذهب عنه السرور .. وهي تُحدق بعيناها للأمام .. نظر للوجهة التي تنظر اليها فتشنج جسده وتصلبت عضلاته وهو يرى أبيه الذي دلف بداخل السطح ومعه زوجته الجديدة نيرمين وهي تتأبط ذراعه بزينتها الصارخة على فستان بالون النبيتى ..وحجاب اظهر نصف شعرها فتدلى من رقبتها سلسال كبير من الذهب على شكل قلب بالإضافة للأساور والحُلي التي زينت كفها ورسغها .

خرج صوت والدته المرتعش من فرط انفعالها :

- شايف ابوك وعمايله ياعلاء؟

التفت اليها قائلًا برقة بعكس النيران التي تفور بداخله :

- سيبك منهم ياما ..ماتخليهمش يضيعوا عليكي فرحتك بابنك .

بابتسامة شاحبة وهي تتابعهم بعيناها قالت :

- فرحة ايه بقى.. ما هو ابوك ومراته قاموا بالواجب.. انت واخد بالك ؟ دا بيعرفها على نسايبنا..شاكر ومراته.. ودلوقتي يسحبها ويتصورا مع اخوك العريس وشروق عروسته. 

طعنه هذا الألم الذي رأهُ جليًا بداخل عيناها فشدد بذراعيه عليها :

- فوقي ياما واصحي كده.. انا عايزك شديدة وقوية ..ولا انتي نسيتي احنا كنا بنتكلم في إيه ؟ 

عادت اليها ابتسامته الصافيه وهي ترفع اليه رأسها :

- أنسى ازاي بس ياحبيبي ؟ دا احنا كنا بنتكلم على فجر وخطوبتك عليها. 

انعشته ابتسامتها فتمنى من قلبه ان تظل هذه الإبتسامة على وجهها الجميل فلا تغيب أبدًا فأخذ قراره بدون تفكير:

- خلاص ياما انا موافق .. بس ياريت بقى تقنعي البت وأهلها يبقى قريب عشان مستعجل اوي .

أشرق وجهها بالفرح  وكأنها عادت طفلة صغيرة فشددت على خصره بذراعيها تردف بسعادة:

- هاقول ياحبيبى ولازم اقنع امها .. دا يوم المنى ياحبيب قلبى ياغالي. 

.............................


بوجهها الجميل وابتسامتها الرائعة التي سلبت لُب قلبه 

وهذه الشقاوة الفطرية التي تطُل بعيناها ..والتي في عرفها بأول نظرة منها ..كان ينظر إليها هائمًا وهي تداعبه بنظراتها وتلميحات صديقاتها .

- إيه ياحسين هاتفضل كده باصصلي وبس؟ فضحتني قدام المصايب إلي هناك دول .

القى نظرة على صديقاتها فعاد إليها بابتسامة ساحرة :

- ومالهم المصايب دول؟مش عاجبهم العريس بقى؟

شهقت ضاحكة:

- مش عاجبهم دا إيه؟ هما يطولوا يلاقوا عريس قمر زيك كدة؟ دا تلاقيهم دلوقتي هايموتوا من الغيظ. 

رفع جايبه قائلًا بمرح:

- أمال إيه حكاية فضحتنى دي قدامهم؟

اقتربت منه تهمس بشقاوة :

- انا بس مش عايزاهم يحسدوني عليك.. وانت اسم الله عليك ..أحلى من مهند التركى نفسه .

ارتفع حاجبيه أكثر وازداد مرحه فهم ليرد عليها بابتسامته المعروفة ولكن اوقفه الصوت الأجش المعروف إليه :

- مبروك ياحسين .

نهض مجفلًا الى أبيه يعانقه ويقبله ولكن خبئت ابتسامته حينما رأى هذه النرمين بجواره ..فاكتفى بالمصافحة .

- الله يايبارك فيك ياولدي .. 

أبى أبيه فجذب بكفيه اليه ليقبله على جانب وجنتيه ..قائلًا بحب :

- الف مبروك ياحبيبي .. ربنا يجعلها جوازه العمر .

مدت نيرمين كفها هي الأخرى لتهنئته بابتسامتها المعهودة :

- الف مبرووك ياحسين..ربنا يتمم بخير. 

بادلها التهنئة على مضض وحين أتى دور العروس تقدمت اليها تقبلها وهي تصافحها .

- عروستك قمر ياحسين.. ربنا يخليها...لك .

توقفت مبهوتة امامها قبل أن تستدرك نفسها وتكمل التهنئة 

حينما ابتعد الرجل وامرأته سالته شروق بتعجب:

- بقى هي دي مراة ابوك ياحسين ؟ دي خالتى زهيرة احلى منها بمراحل. 

إكتففى فقط بنظرة معبرة ولم يجيبها بالكلام ..فتابعت :

- بس لاحظت ياحسين..لما وقفت جملتها فجأة وهي بتسلم عليا وتكلمني ..واكنها كانت بتشبه عليا؟

مط شفتيه بضيق فقال :

- ماتسيبك من سيرة البت دي وخلينا احنا فى كلامنا ياشروق؟

تبسمت بدلال لتعيد الى وجهه الفرحة :

- كنت بقول انى هاتجوز واحد احلى من مهند !

.................


إندمج ادهم فى الحديث مع اهل العروس ..وانزوت نرمين فى زاوية وحدها تتابع فقرات الحفل ..تراقب وترصد كل ما تقع عليه عيناها .. عقلها يدور فى دوامة وهي تحدق بالعروس.. لديها إحساس كبير بأنها رأتها قبل ذلك ولكن اين لا تعلم؟ ازاحت الفكر من عقلها حينما رأته بهيئته الخاطفة للانفاس .. يتحدث بهيبة تفوق سنه .. لطالما تمنته وفعلت المستحيل لتفوز بقلبه 

ولكنه كان كالجبل الذي لا يهتز ولا يتأثر .. ولكن يبدوا ان الجبل لم يعد كذلك.. وعيناه متعلقة بهذه الفتاة شقيقة العروس كما علمت من زوجها.. ذات الرداء الأزرق .. ماسر هذه العائلة؟ اشاحت بعيناه بعيدًا متأففة فتذكرت فورًا اين رأت وجه هذه الفتاة حينما رأت من يدلف لداخل السطح بهيئته الماكرة وخطواته البطيئة متصنع الحياء .. همست بداخلها:

- طول عمري وانا حاسة ان ليك حكاية كبيرة اوي ياسعد !

الفصل العاشر


جثت على قدميها أمام أخيها ذو الوجه العابس وهو جالس على إحدى المقاعد وفارد قدمه المصابة على مقعد اَخر أمامه..في محاولة لمدعابته :

- ها ياأستاذ إبراهيم.. لاوي بوزك ومكشر ليه؟

رفع إحدي حاجيبه ومالت زاوية فمهِ للأسفل قبل يشيح بوجههِ عنها دون إجابة :

اقتربت منه أكثر بوجهها تخاطبه:

- ياه ياابوخليل ..لدرجادي انت زعلان ياقمر؟ طب ماتقول بقى على اللي مضايقك..يمكن نعرف نصالحك ياولا .

عاد اليها برأسه قائلًا بعتب :

- وتصالحوني ليه بقى ياأبلة فجر؟ هو انا افرق معاكم أصلًا؟

- ليه بس بتقول كدة ياابراهيم؟ هو احنا قصرنا معاك في حاجة ياحبيبي؟ يكونش يعني عشان انشغلنا في الفرح واستقبال المعازيم وسيبناك شوية.

- شوية بس؟! دا ابوكي من ساعة من جابني هنا ماسأل فيا تاني وامك رايحة جاية حواليا تجامل في الستات حبايبها وانا ولا شايفاني.. وانتي بقى مشغولة بالعروسة واصحابها.. دا لولا عم علاء اللي بيطل عليا كل شوية ويجيبلي في الساقع والحلويات وياخد باله من طالباتي.. لكنت فرقعت مكاني هنا ولا نزلت حتى برجل واحدة وسيبت الفرح .

انتابها شعور بالغيظ والغيرة من هذا المتحذلق الذي اكتسب قلب أخيها فقالت بلوم :

- طيب وافرض احنا انشغلنا شوية ياهيما عنك في مناسبة مهمة زي دي.. انت بقى متقَدرش؟ على العموم حقك علينا ياسيدي ..قولي بقى اللي يرضيك عشان تقبل اتصور معاك ؟

رفع إحدى حاجبيه بمكر وهو ينظر ناحية والدته :

- إللي يرضيني طبق جاتوه كبير من العلب اللي جابها العريس وامك دارتها عني .

فغرت فاهها ضاحكة بدهشة من شقيقها الماكر :

- انت عايز امي تقتلني صح؟ دي أكيد شايلاهم عشان تجامل اصحابها وحبايبها وتفتخر بيهم انها من حاجة العريس .

قال بإصرار:

- ماليش دعوة يافجر ..انا مش هاصالحك ولا اتصور معاكي غير لما تجيبي اللي قولت عليه.. وياريت الطبق يكون كبير كمان.

- انا عارفة كويس انك مش هتهدى غير لما تاخد اللي انت عايزه .. جبار زي الست الوالدة..أمري لله..أقوم اجيبلك واحد وربنا يستر .

قالت الأخيرة وهي تنهض من جوارها ولكنها بمجرد ان استدارت تفاجأت باصطدامها بجسدُ صلب ومغطي بالون الكحلي.. ارتدت للخلف وتلون وجهها بالحرج وقد تبينت هوية من اصطدمت به.

قال هو بلطف:

- انا أسف.. بس انا كنت جاي اشوف إبراهيم..ليكون ناقصه حاجة. 

غمغمت ببعض الكلمات الغير مفهومة وهي تذهب من أمامه وتتخطاه..جعلت عيناه تتابعها حتى اختفت وسط جمع الفتيات المدعوات.. عاد من شروده على صوت أخيها وهو يشاكسه :

- حلوة قوي البدلة دي ياعم علاء .

التف اليه ضاحكًا فقال:

- لو عجبك افصلك واحدة زيها ياعم هيما .

فرد ظهره وهو يقول بثقة:

- خليها بعدين بقى ياعم .. لما جسمي يتشد واربي عضلات زيك ..عشان تبقى لايقة عليا .

- انت لسه برضوا بتقر على عضلاتي..ماقولنا بقى لما تكبر ..انت ايه يابنى مابتهدمتش؟

علت أصوات إبراهيم الضاحكة وهو يشعر بأصابع جاره علاء تتغلل بشعره وكأنها دغدغة ..جعل علاء يضحك هو الاَخر ..ولكن توقفت هذه الضحكة فجأة حينما رأى أمامه من يدلف لداخل السطح بخطواتٍ خجله نحوه .. عبس وجهه وهو يترك إبراهيم فتقدم اليه يختصر المسافة حتى أصبح أمامه بوجهٍ جامد ومتسائل.. وقف الاًخر أمامه يخاطبه بأدب:

- ايه ياعلاء ؟ مش هاتسلم على صاحبك اللي جاي مخصوص يصالحك ويحضر خطوبة اخوك ؟

مد كفهِ يصافحهُ بجمود قائلًا بخشونة:

- أهلاً ومرحب بيك ياسعد ..على الله بس ما يكونش لسة شايل مننا.. ما انت عارف ..احنا ناس ما يهمناش غير مصلحتنا .

بكف يده الحره شد على ساعد علاء قائلًا بتشدق:

- ماخلاص بقى ياعلاء .. دي كانت لحظة غضب وراحت لحالها.. وادينى جاي بنفسي أهني وابارك للعروسين.. دا احنا عشرة عمر ياجدع والمصارين في البطن بتتعارك. 

تبسم بزاوية فمه على استحياء وهو يرى أمامه سعد صديقه القديم ذو الجسد الهزيل وهو يعتذر عن خطأ بزلة لسانه حينما لم يتقبل الرفض له وقبول الفتاة بشقيقه ..صاحب المواصفات التي تتمناها كل فتاة .. كان من البديهي ان ترجح كفة حسين شقيقه للفوز بموافقة الفتاة وأهلها.. شعر نحو صديقه بالشفقة فكما قال هو ( أين يأتي سعد أمام اولاد المصري؟ ) سائله ببعض اللين :

- طب وانت عرفت بميعاد الخطوبة والمكان ازاي ؟

أجابه بحماس:

- عرفت من السيد الوالد .. ماهو وجه لي دعوة بصفتي صديقك .. ها ياعم هاتيجي بقى معايا عشان ابارك له بنفسي؟ ولا اروح لوحدي ؟


حينما ذهب مع صديقه لتهنئة العريسان ..إستقبله حسين على مضض ولكنه لم يُظهر إنطباعه هذا فتقبل تهنئته ببعض الزوق وابتسامة لا تصل لعيناه ..إكرامًا فقط لشقيقه الأكبر ألذي اومأ له بعيناه ليفهم .. وحتى حينما صافح العروس يبارك لها هي الأخرى تماسك عن نزع كفهِ التي اطبقت على كف شروق ..رغم أدعائه الحياء.. فهو ليس بغافل عن نظرته اليها بطرف عينه.. حتى ذهب مع أخيه وتركهم.. تنهد ببعض الارتياح وهو ينظر للعروسه الجميلة التي انتبهت لتغيُر لونه فاقتربت منه تساله :

- إيه مالك؟ في حاجة زعلتك ؟

هز برأسه ينفي مجفلًا من فطنتها:

- لا طبعًا.. انتي ليه بتقولي كدة ؟

اجابته ببساطة:

- يعني عشان وشك اتقلب لما شوفت اللي اسمه سعد ده لما جه وسلم علينا.. انا خدت بالي على فكرة .. بس اقولك على حاجة ..انا كمان مش طايقاه .

أشرق وجهه مرة أخرى وهو يردد أمامها بالضحك :

- على النعمة انتي مصيبة.


بوسط الفتيات كانت نيرمين مازالت تراقب وهي تدعي التصفيق والغناء مع الفتيات .. حتى ملت ان تكون بالهامش وهي ترى زهيرة مندمجة مع النساء بفرح وزوجها هو الأخر مع نسيبه الجديد شاكر اما علاء فبالرغم من جلوسه مع سعد ولكن عيناه لم تترك الفتاة هذه شقيقة العروس .. قررت التعويض عن نفسها ولفت الانتباه .. وهي تدخل في وسط الفتيات ترقص بضمير وحنكة..حتى استطاعت لفت انظار الجميع بما فيهم زهيرة التى كبتت قهرها وهي تستمع لتعليقات النساء جيرانها عن هوية الفتاة وعلمهم بأنها الزوجة الثانية لوالد العريس.. وهي تدعي بكل قلبها انتهاء هذه الليلة على خير وذهاب هذه النرمين .

................................


حينما انتهت اَخيرًا الليلة الطويلة بانتهاء حفل الخطوبة وغادر الجميع حتى أدهم وزوجته..لم يبقي سوى العريس الذي انفرد بعروسه فى غرفة الجلوس. وترك والدته مع اسرة شاكر فى الخارج بوسط المنزل على كنب الصالون .. تتسامر معهم و تضحك من قلبها.. حتى ينزل اليها ابنها علاء الذي كان لا يزال فى السطح يشرف على العمال الذين تكلفوا برفع اثار الحفل .. وتنظيف السطح .

فجر كانت بداخل المطبخ تزفر حانقة وقد كلفتها والدتها بإعداد الشاي .. فقد استكفت هذه الليلة من تلميحات المرأة ونظرات هذا المدعو علاء التي كانت تتبعها طوال مدة الحفل ..رفعت الصنية و التى امتلئت بأطباق الحلويات بجوار كاسات الشاي .. تأففت متمتمة:

- يارب عدي الليلة دي بقى..انا تعبت.

خرجت من المطبخ لتجد الثلاثة ينظرون ناحيتها بابتسامة عريضة تكاد تصل للأذنيهم .. تقدمت لتضع الصنية على الطاولة الصغيرة امامهم ..قائلة بتوجس :

- الشاي ياجماعة .

جذبتها المرأة من ذراعها لتُجلسها بجوارها قائلة بمحبة:

- وهاتمشي ليه بس ياقمر ؟ ماتقعدي معانا كده واَنسينا ..دا احنا بقينا اهل وبكرة الشقتين يبقوا بيت واحد كمان.

تبسمت بتكلف وهي تدرك ما تبطنه إشارة المرأة فقالت بمجاملة:

- طبعًا ياطنت.. البيت بيتك أكيد.. بس معلش بقى انا تعبانة ونفسي اريح شوية .

نهرتها والدتها بصرامة :

- ما تهمدي يابت واقعدي دقيقتين.. خلاص يعنى هاتموتي وتنامي؟

هتفت عليها زهيرة بابتسامة:

- لا بقولك إيه ياسميرة.. أعملي حسابك ياعنيا ماتزعقيش في القمر دي تاني .. دي خلاص ياحبيبتى بقت حماية! 

أكمل على قولها شاكر :

- ايوة بقى ياسميرة.. دا الظاهر كدة احنا مش هانعرف نكلمها تأني.. مدام بقت في حماية الست زهيرة والمعلم علاء.

انسحبت الدماء من وجهها وقد وصلها معنى التلميح الصريح من ألإثنان.. وبالأخص حينما لمحت النظرة القلقة بعيون والدتها ..فهي أكثر من يعرفها .. نهضت سريعًا تنوي الهروب ولكن المرأة الطيبة اوقفتها من يدها ..قائلة بسذاجة:

- المرة اللي جاية بقى هاتبقى ليلتك ياقمر .. وليكي عليا انا بقى لاخليها ليلة كبيرة تليق بالقمر وعريسها نن عين أمه .

هنا فلت الزمام ولم تُعد بها قدرة على التحمل لأكثر من ذلك ..نزعت يدها من كف زهيرة بسرعة وهي تهتف بحدة :

- كان نفسي ياطنت افرحك.. بس للأسف انا لا عندي وقت للجواز ولا عايزة اتجوز من اساسه .

خبئت الفرحة بوجه زهيرة وتحول لونه للشحوب .. كحال شاكر وزوجته الذين الجمتهم الصدمة لعدة لحظات قليلة قبل أن يقطعها صوته العنيف 

- ام علاء. 

التفت الجميع على وجههِ وهو واقف أمامهم بمدخل البيت.. وانفاسه الهادرة مع اشتعال عينيه أخبرتهم جميعًا أنه سمع كل ما قد قيل !

...............................

- اتفضلي ياست هانم .

القت نظرة بطرف عينها وهي تدلف لداخل المنزل استهجاناً على نبرته المتهكمة وقالت :

- ومالك بتقولها كده وانت بتتكى على الكلام؟ 

صفق الباب بقوة وهو يضع سلسلة مفاتيحه في جيب سترته فقال :

- طبعًا.. وانت هامك حاجة؟ هيبة جوزك ولا سمعته قدام الناس ولا تفرق معاكي بمليم حتى .

استدارات شاهقة وهي تضع يدها على خصرها :

- دا بجد بقى انت زعلان .. وانا اقول لاوي بوزك ليه شبرين من ساعة ماخرجنا من عند نسايب ابنك؟

- لمي نفسك يانيرمين؟

اجفلت منتفضة من صيحته الهادرة فخرج صوتها بتوتر :

- في إيه ياشاكر ؟ هو انت بتزعقلي كده ليه أساسًا؟ عملت إيه أنا ؟

خطا يقترب منها حتى امسك بمرفقها فقال مابين اسنانه:

- بقى بالذمة انتي مش عارفة عملتي إيه ؟ لميتي معازيم الفرح كلهم عليكي وانتي بترقصي ولساكي مش عارفة عملتي إيه ؟

قالت بخوف ومداهنة:

- بقى دا هو دا غلطي ياشاكر ؟ إني رقصت فرحانة بخطوبة ابن جوزي ؟

شدد على مرفقها:

- بلاش ملاوعة معايا يانرمين .. انتي رقصتي قدام الكل رجالة وستات قاصدة تلفتي النظر ليكي ولا انتي فاكرني غبي .

- لا مش غبي ياشاكر ..بس انا فاهمة زعلك من إيه بالظبط؟ انت خايف على إحساس السنيورة مراتك..صح ياشاكر ولا انا كدابة ؟

فلتها بعنف هاتفًا باذدراء:

- وماله لما اخاف على إحساس مراتي ام ولادي .. هو انتي فاكراني حجر وما بحسش .. دا انتي اللي جبلة بقى.

تركها وذهب بغضبه .. تمايلت هي بجسدها تلوي شفتيها غيرُ اَبهة .

............................


جالسة على طرف التخت عاقدة كفيها بحجرها مطرقة رأسها للأسفل .. كطفلة صغيرة تتلقى التوبيخ من والدتها التي كانت تقطع الغرفة ذهابًا وعودة أمامها بعصبية وهي تصرخ عليها بشكل هيستيري :

- رودي عليا وفهمينى ..ساكتة ليه ؟

همست بصوت خفيض :

- يعني عايزاني اقول إيه؟

صاحت بصوتٍ أعلى :

- هو انا لسه هاقولك ياعين امك؟ انا عايزة افهم بقى.. انتي بتكرهيه ليه؟ جالك قلب تكسري فرحة الولية الغلبانة دي ازاي بس؟

اغمضت عيناها بتعب فقالت بخزي:

- انا ماكنتش قاصدة احرجها ولا اكسفها.. بس هي اللي إضطرتني لما فاتحتني كدة فجأة .. ثم حكاية اكسر قلبها دي اوفر اوي بصراحة..لأن الجواز نصيب ولازم يجي بالقبول. 

دنت اليها برأسها تسأله بتعجب:

- وانتي بقى ياعين امك مش قابلة علاء ؟

قالت بقوة :

- ايوة مش قبلاه ياماما..فيها حاجة دي؟ 

صاحت والدتها بصوتٍ فاقد للسيطرة:

- امال هاتقبلي بمين يابت؟ لما علاء بجلالة قدره اللي كل بنات المنطقة يتمنوا ضفره انتي مش قبلاه.. ماتقولي ياعين امك.. خلينى نعرف مزاجك ياسنيورة ..ماتقولي يابت ؟

- خلاااص ياسميرة .

صاح بها شاكر الذي اقتحم الغرفة فجأة وتابع :

- لمي الدور بقى وخلينا ننام فى الليلة المهببة دي ..واعتقيها بقى الليلادي واعتقينا احنا كمان .

- ماشي ياشاكر ..زي ما تحب .

زفرت ارتياحًا بخروج والدتها مع ابيها فاتفاجات بسؤال شقيقتها التى دلفت هى الأخرى.. تسألها بدهشة:

- يعنى انا اللي سمعته صحيح يافجر؟ طيب إيه العيب اللي في علاء عشان ترفضيه؟

سدت اذنيها قبل ان تدخل فى الفراش وتشد الغطاء حتة رأسها..فقالت من أسفله:

- ممكن تطفي النور ياشروق عشان عايزة انام .

..................................


دلفت لداخل الشرفة فوجدته جالس على مقعده ينفث دخان سيجارته فى الهواء بوجهٍ شارد.. اقتربت منه بخطواتٍ مترددة وهي تفرك بيدها فقالت بتوتر :

- هاتفضل كدة سهران يابني ؟ مش ناوي تقوم تنام بقى ؟

التفت اليها برأسهِ مستندًا بمرفقه على ذراع المقعد وسيجارته بين اصابعه فقال بنظرة خاوية :

- روحي نامي انتي ياما ..وانا لما يجيني النوم هنام انا كمان ومش هاستنى .

طعنها هذا الحزن الذي رأته بعيناه فقالت:

- هو انت حبيتها ياعلاء ؟.

سألها مجفلًا:

- هي مين؟

أسبلت عيناها وهي لا تجرؤ على النطق باسمها ..فقال هو متفهمًا :

- مش وقت الكلام دا دلوقتي ياما ..احنا بقينا نص الليل .

لم تتحرك للخارج ولكنها قالت برقة:

- ماتزعلش مني ياحبيبي .

هز برأسهِ وزفر دخان سيجارته بقوة وهو يسألها باستياء :

- ازعل منك ليه بس ياما؟

- حاسة اني أستعجلت وبوظت الدنيا لما فتحت الموضوع كده خبط لزق ..كان لازم برضوا البت تاخد وقتها وتفكر قبل ما... 

- خلاص ياما ابوس ايدك. 

قاطعها بتعب وهو يتناول كف يدها يقبلها وتابع :

- ممكن نأجل الكلام ده لبكرة عشان انا تعبان بجد ومش قادر ؟

- ممكن ياحبيبي. 

اومأت برأسه ثم قبلته على جبهته وقبل ان تستدير للخروج رددت مرة أخرى:

- بس اوعدني انك هتريح جسمك وتنام ياعلاء.

اومأ برأسهِ يُرضيها حتى خرجت فعاد هو لشرده مرة أخرى:

- انام ازاي بس من قبل ما اعرف هي رفضتني ليه؟نهض فجأة يضرب بقبضته على حاجز الشرفة الإسمنتي وهو يحدث نفسه :

- البت دي بتكرهني .. انا النهاردة بس خدت بالي من نظرتها ..دي نظرة كره خالصة .. بس ليه ؟ بيني وبينها إيه عشان تكرهني كدة ؟انا لازم افهم ولازم اعرف اللي فى دماغها.. انا مش هاهقبل اترفض كدة من غير ما اعرف السبب .بس ازاي؟ دي حتى بطلت ماتطلع بلكونتها عشان ماتشوفنيش ..لدرجادي هي مش طايقانى ؟ طب ليه؟ 

ظل على وضعهِ يحرق صدره بدخان التبغ وهو يُحدث نفسه كالمعتوه حتى أشرقت الشمس على استيحاء ..فا أحس بوقع خطوات خفيفة تسير فوق رأسه على سطح المبنى الإسمنتي.. شرد قليلًا بتفكير ..قبل ان يرتدي قميصه على عجل ويخرج من شقته متجهًا للأعلى .

........................


ملتفة بشالها وهي تنظر لشروق الشمس بشرود مستمتعة بهذه النسمات الباردة والهدوء المسيطر على الميدان أمامها بالحركة الخفيفة للبشر والقليلة للسيارات.. لقد مرت عليها ليلة بشعة لم يرق جفنها للنوم فيها ولو لحظة.. رغم ماتدعيه من برود أمام والدتها فهي فعلًا أشفقت على المرأة .. بعد رفضها العنيف لابنها فبرغم رفضها المسبق..الا أن هذه لم تكن نيتها ابدًا فى جرح المرأة المريضة ..ولكن هي من اجبرتها بطيبتها وسذاجتها .. وحدث ما لم تتمنى حدوته .. فماذا بيدها الاَن؟ علّ هذا الرفض يخفف قليلًا وقع هذا الضغط الذي ظل جاثمًا على ظهرها طوال الأيام الفائتة حتى ارهقها واستنزف طاقتها .. اغمضت عيناها تتمنى الخلاص والهرب بعيدًا عن زكرياتها ومحيط اسرتها وكل ما يؤوق حياتها ويُتعبها!

فتحت عيناها فجأة بعد ان شعرت انها لم تصبح وحدها فى السطح ويبدوا انه يوجد من يشاركها فيه.. التفت فجأة فاصطدمت عيناها بعيناه العنيفة في نظرتها ..بلعت ريقها الجاف قليلًا قبل ان تأخذ قرارها للهرب من أمامه والنزول فورًا .. ولكنها تفاجأت بهِ يقطع الطريق أمامها بجسدهِ الضخم .. تحركت لتغير الطريق ولكنه تحرك معها ومنعها من السير ..رفعت رأسها اليه متسأئلة فتفاجأت بنظرتها القوية من مستوى طوله الفارق عنها وهو يدعوها للتحدي .. قالت بتماسك مزيف :

- لو سمحت سيبنى امشي وانزل..مايصحش كده .

قال بحدة :

- مافيش نزول .

- نعم !!

- مابقولك مافيش نزول .

برقت عيناها وهي تهتف بغضب :

- بقولك سيبنى انزل ..هي فتونة يامعلم ياشهم. 

تغاضى عن لهجتها المتهكمة فقال مابين اسنانه:

- انتي مش هاتنزلي من هنا غير لما تقوليلى .. انتي رفضتينى ليه ؟

ارتدت للخلف مجفلة من جرأته فقالت بدفاعية :

- وفيها إيه بقى لما ارفضك؟ ولا انت مستكتر عليا انى ارفض المعلم علاء بجلاله وقدره؟

قال بحدة :

-لا مش مستكتر عليكي الرفض ياستى ..وحكاية القبول دي من عند ربنا .. بس انتي في سبب واضح قوي عندك وانا شايفه في عنيكي دلوقتى وانا بكلمك.

احتدت انفاسها بالصعود والهبوط وهي تنظر اليه بقوة صامته ..فتابع هو بالتأكيد :

- مدام سكتي كدة يبقى في صح .. خليكي شجاعة بقى واتكلمي .

- اتكلم اقول إيه ؟- قولي عن السبب اللي مخليكى تكرهيني وعامل حاجز بينى وبينك من اول مرة شوفتك فيها..قولي بقى وريحينى .. ايه اللي بينك وبينى؟

صاحت صارخة بوجهه :

- إللي بينى وبينك فاتن. 


.... يتبع 

انتظروا الحلقة اللي جاية فيها المواجهة .. 

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


تعليقات

التنقل السريع
    close