رواية تمرد أسيرة القصر الفصل الاول والتاني والتالت والرابع بقلم ياسمين أبو حسين كامله جميع الفصول
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙
الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️
رواية تمرد أسيرة القصر البارت الاول والتاني والتالت والرابع بقلم ياسمين أبو حسين كامله جميع الفصول
![]() |
رواية تمرد أسيرة القصر الجزء الاول والتاني والتالت والرابع بقلم ياسمين أبو حسين كامله جميع الفصول
الفصل الأول
_ لأ .......... لأ ... .
إنتفض من نومه مذعورا .. وقد تجمعت بعض حبات العرق على جبينه .. و أخذ يلهث كمن كان يركض خوفا .. و قد تعالت أصوات دقات قلبه .. دخلت عليه والدته غرفته .. و أنارتها و هى تتطلع إليه بشفقة على حالته المتكررة من الصراخ الليلى .. ثم جلست بجواره و قالت بأسى. :
_ مالك يا فارس الحلم إياه برضه .
حمل كوب به ماء من جواره و إرتشفه كاملا و أعاده مجددا و ظل صامتا حتى إستطاع السيطرة على دقات قلبه و أنفاسه و قال بغضب :
_ أنا زهقت بجد .. نفس الحلم ليا و أنا صغير .. بس المشكلة إنى بقيت بسمع صوت صرخة واحدة ست كأنها بتستنجد بيا .
زمت زينب شفتيها و قالت بحسرة على حال إبنها :
_ عشرين سنة و إنت على الحال ده من و إنت صغير و لسه مش لاقين حل لموضوع الحلم ده .. نام ياإبنى دلوقتى و الصباح رباح .
ربتت على يده بحنو و وقفت و أطفأت إناره غرفته و خرجت .. تمدد فارس فى فراشه مجددا .. و عادت إليه ذكريات تلك الليلة فى طفولته و التى غيرت حياته تماما .. سحب الغطاء فوق رأسه و هو يفكر فيمن هى صاحبة هذا الصوت ؟!
ولجت زينب لغرفتها بوجه ممتعض فسألها زوجها بقلق :
_ نفس الحلم مش كده .
جلست بجواره على فراشها و قالت بضيق. :
_ أيوة يا معلم .. أنا عارفةالسبب إبنى منظور و طول عمره نجمه خفيف دى كانت عين و رصدااه .
ألقى عليها صبرى نظرة إحتجاج و قال ساخرا :
_ إبقى إعمليله زار و لا عروسة ورق و خرميها .. نامى يا زينب أنا مش فايقلك .
إعتدل صبرى فى نومته .. بينما تطلعت إليه زينب بحنق على لا مبالاته و جلست تفكر كيف لها مساعدة إبنها .. و خاصة من ذلك الحلم الذى يوقظه أغلب الوقت من نومه ليهتف بإسم تلك الصغيرة و التى لم يرها منذ عشرون عاما .
**********************************************
ولجت غزل لمنزلها و هى تبكى بحرقة .. صفعت ورائها باب المنزل و الذى زلزل على آثره المنزل .. خرج شاكر من غرفة مكتبه بغضب حتى إختفى غضبه و حل محله نظرات تعجب من حال إبنته المزرى .. فإقترب منها و قال بدهشة :
_ what's wrong .. إيه اللى عمل فيكى كده يا غزل .
إرتمت غزل بحضن والدها الذى لم يتردد و ضمها إليه بقوة .. فخرج صوتها متحشرجا من كثرة بكائها قائلة :
_ شوفت يا دادى اللى حصلى .. واحد متعصب و عنصرى شد حجابى من على راسى و قالى يا إرهابية .. سوقت الطريق كله بشعرى .
أجابها والدها و هو يخلل أنامله بين شعراتها بحنان و قال لها لائما :
_ أنا نصحتك كتير تقلعى الحجاب ده .. إحنامش فى مصر .
ضيقت غزل عينيها و سألته بعدم فهم :
_ قصدك إيه يا دادى .. عاوزنى أمشى بشعرى unbelievable !؟
_ أيوة يا غزل إحنا فى أميريكا و هنا نظرة الناس للمحجبة إنها إرهابية و دى مش أول مرة تتعرضى للموقف ده و لا آخر مرة .
هتفت غزل بإستنكار مدافعة عن مبدأها :
_ أنا صحيح مواطنة أمريكية .. بس برضه مصرية و مسلمة و متمسكة بإسلامى و مبادئه جدا .. و لو سمحت يا دادى عاوزة نرجع مصر soon .
أجابها شاكر بشرود تام :
_ إنسى مصر بقا يا غزل إحنا مش هنرجعها تانى و أنا قولتلك الكلام ده أكتر من مرة .
صاحت به غزل بصوت محتد و منفعل :
_ ليه .. نفسى أفهم ليه .. مصر وحشتنى أنا مش لاقية نفسى هنا .
جائهم صوت من خلفهم قائلا بتعجب قاسى :
_ يادى مصر اللى كل شوية تجيبى سيرتها ....إنتى أصلا لسه فاكرة من مصر إيه.. ده إنتى سيباها من عشرين سنة .
إلتفتت غزل بجسدها و هى تطالعه بإزدراء قائلة بجمود :
_ صدقنى يا علاء I will back to egypt و إنت عارفنى لما بحط حاجة فى دماغى بعملها .
تمالك علاء غضبه .. فهو يعلم أخته جيدا و يعلم لأى مدى يصل عندها .. إستقام فى وقفته و نزع رابطة عنقه و قال بتعقل لتهدئتها :
_ يا زولا يا حبيبتى إنسى مصر بقا خلاص .. و باعدين شعب مصر كله بيتمنى يبقى مكانك هنا فى أميريكا .
حاربت غزل دمعات تعاند للظهور فى مقلتيها و قالت بقوة :
_ لأنهم ما مجربوش الغربة و العنصرية اللى هنا .. لازم تعرفوا إنى بفكر بجد إنى أرجع مصر .
و تركتهم و صعدت لغرفتها .. إرتمت بجسدها على فراشها و هى تفكر بجدية فى العودة .. فى الخلاص من مصير محتوم كمصير والدتها و التى تفتقدها بشدة ......
بحثت عن هاتفها فلم تجده. ترجلت بهدوء للطابق السفلى لمنزلها ليصل لمسامعها حوار والدها و أخيها......
_ يا بابا هى لازم تفهم إنه مافيش رجوع تانى .. حضرتك مدلعها جدا .
قالها علاء بعصبية.. فأجابه شاكر بضيق هامسا :
_ أفهمها إزاى إنى لو رجعت مصر هيتقبض عليا .
أشاح علاء بيده قائلا بجمود :
_ ما هو إنت السبب برضه يا بابا ربنا يسامحك .
تلفت شاكر حوله بخوف ثم قال هامسا :
_ وطى صوتك يا علاء لغزل تسمعك .
أغمض علاء عينيه بملل و قال بحدة :
_ ما تسمع يمكن تريحنا من موضوع رجوعنا ده .. عموما بكرة لما مجد يتجوزها هينسيها الموضوع ده .
جلس شاكر بوهن على أقرب مقعد مضيفا بشك :
_ و تفتكر هى هتوافق يا علاء .
إقتربت منهم غزل و قالت بقوة :
_ لأ مش موافقة يا دادى .. مجد ده لو آخر راجل فى الدنيا مش هتجوزه .. و باعدين إيه موضوع إننا لو رجعنا مصر حضرتك هتتسجن .
إبتلع شاكر ريقه بصعوبة و قال بتوتر :
_ فى حاجات مش لازم تعرفيها أحسنلك يا غزل .
تسائلت غزل بإهتمام :
_ لأ يا دادى أنا لازم أعرف كل حاجة و فورا .
مرر شاكر أنامله فى شعراته و قال و هو يهز كتفيه بتسليم :
_ هقولك .... أنا متهم فى قضية إغتلاس من عشرين سنة .. و علشان كده هربت بيكم من مصر لأمريكا .
تهاوت بجسدها على أقرب مقعد بجوارها بعدما إكتشفت أن والدها لصا .. صدمتها فى والدها أكبر من قدرتها على التحمل .. ألا يكفيها جرمه مع والدتها .. فهمت الآن سبب إنعزال والدتها و عزوفها عنه .. جاهدت عبراتها التى تجمعت فى عيناها و تمالكت أعصابها و سألته بتوجس :
_ وحضرتك إغتلست الفلوس دى بجد .
أجابها علاء بضجر من الإستمرار فى حديث غير مجدى :
_ مش وقته الكلام ده ..إحنا فى أزمة مالية كبيرة و الحل إنك تتجوزى رجل الأعمال مجد مختار و إوعى ترفضى .
علت شفتيها إبتسامة خافتة .. ثم إتسعت إبتسامتها و أصبحت إبتسامة عريضة لتتحول لضحك هستيرى .... إقترب منها شاكر وقال بقلق :
_ calm down .. مالك يا غزل إهدى يا حبيبتى .
توقفت فجأة و إكفهر وجهها و هى تجيبه بسخط :
_ بتسألنى مالك you are kidding .. ولا أى حاجة أخويا عاوز يبيعنى و يقبض التمن و أبويا طلع حرامى .
لم يتمالك علاء نفسه أكثر و صفعها على وجهها بقوة .. فصرخت متألمة:
_ آآآآه .
هنا ضغط فارس رأسه بكفيه متألما من صراخها المتكرر برأسه و جلس على فراشه مرة أخرى و هو يزفر بملل...... وصل لأذنيه آذان الفجر .. فإستغفر ربه و دعاه أن يرحمه من هذا النداء الخفى و الذى بات يؤرقه .. ترك فراشه و ذهب ليصلى الفجر .
وضعت غزل كفها على وجنتها و قد إمتلأت عيونها بدموع متحجرة .. ثم إنتصبت فى وقفتها أمام علاء بقوة و قالت بنبرة عميقة :
_ أنا ممكن بقانون البلد اللى إنت فرحان و فخور بيها أحبسك فى السجن وأرحلك على مصر كمان.
إجتذبها علاء من ذراعها بالقوة و قد إنغرست أظافره فى لحم ذراعها وهو يهزها بعنف قائلا بغضب إسود كقلبه :
_ بصى بقا من الآخر كده .. هتتجوزى مجد و هتعملى كل اللى إحنا عاوزينه غصب عنك و إلا الدبان الأزرق مش هيعرفلك طريق .
صرخ بهم شاكر قائلا بضيق :
_ إنتم إتجننتم .. إيه اللى بتعملوه ده .
أجابه علاء بعصبية و هو يحدجها بوعيد :
_ دى قليلة أدب و لازم تتربى .
إنتزعت غزل ذراعها من بين قبضته و قالت بحزم و هى ترمقه شرزا :
_ أنا متربية أكتر منك .. و هرد عليك على بلاطة برضه أنا موافقة أتجوز مجد بس بشرط واحد .
قطب علاء جبينه متسائلا بعدم فهم .. ثم سألها بفضول :
_ شرط إيه ده ؟!
ردت غزل مسرعة وهى تحدجه بإشمئزاز :
_ دادى يتنازلى عن نصيبه فى بيتنا اللى فى مصر .. و أظن اللى هتسرقوه من مجد بعد ما أتجوزه أكتر بكتير من اللى بطلبه .
عاينها علاء بشك وقال بريبة :
_ لو كنتى هتتجوزى مجد عاوزة نصيب بابا فى بيته ليه ؟!
ضحكت بإستخفاف و قالت بتحدى :
_ ببص لباعدين و هو ده اللى عندى ... I don't have time .. فا ياريت تردوا عليا بسرعة .
و دلوقتى.
تركتهم و صعدت لغرفتها و دموعها قد إنطلقت بحسرة و ألم على أقرب من لديها بدنيتها البائسة .. هى على يقين من تأثير علاء بوالدها .. و تعلم جيدا أن والدها سيتنازل لها عن نصيبه ........
ولجت لغرفتها و أغلقت ورائها الباب و جلست أمام حاسوبها و حجزت على أول طائرة عائدة لمصر .
إستيقظت زينب من نومها متثاقلة .. بعد صلاتها توجهت للمطبخ لإعداد وجبة الفطور .. إنهمكت فى إعداده حتى شعرت بخطوات ناعمة خلفها .. إلتفتت بجسدها فرأت أمامها طفل فى الخامسة من عمره يقف أمامها مرتديا منامته و يفرك عينيه بكسل .. إبتسمت شفتاها و دنت منه و قبلت وجنتيه قائلة بحب :
_ يا صباح الفل .. حبيبى عامل إيه ؟!
أجابها مهاب قائلا بعبوس :
_ صباح الخير يا تيتة .. إوعى تقولى بابا نزل تانى زى كل يوم .
أجابته زينب بإبتسامتها الحنونة :
_ لأمنزلش .. روح صحيه و بعد كده صحى رامى .
قفز من فرحته و قال بسعادة :
_ حاضر يا تيتة أنا هروح لبابا .
ركض الصغير ناحية غرفة والده و فتحها بهدوء .. أطل برأسه بداخلها فوجده يقف فى شرفته يدخن سيجارته .. إقترب منه قائلا :
_ صباح الخير يابابا .
إلتفت إليه فارس بإبتسامة هادئة و قال بحنو :
_ صباح الفل .. تعالى فى حضنى يا واد إنت وحشتنى .
ركض مهاب ناحيته و إحتضن ساقيه بشوق و قال :
_ و إنت كمان وحشتنى يا عوو .
حمله فارس و ضمه إليه بقوة قائلا بحنو :
_ هتكبر إمتى بقا يا حبيب العوو .
تطلع مهاب حوله و قال برعب :
_ تعالى ندخل جوة يا بابا خايف أقع من البلكونة وإنت شايلنى كده .
أبعده فارس عنه وصاح به بغضب و هو يحدجه بقوة قائلا :
_ مش إبن العوو اللى يقول أنا خايف من أى حاجة مفهوم ولا لأ .
إرتعب مهاب من نظراته و قال بقوة زائفة :
_ آسف يا بابا بهزر معاك .
ولج رامى لغرفة فارس و قال بمداعبة لتلطيف الجو قليلا :
_ واد يا مهاب مصحتنيش ليه .. أنا زعلت منك و محتاج حضن فورا علشان أصالحك .
إرتمى مهاب بجسده فى حضنه و ضمه بقوة قائلا :
_ كنت لسه هجيلك يا رامى بس فى موضوع بينى و بين العوو .
عادت الإبتسامة لشفتى فارس و قال ساخرا :
_ إضحك عليا بكلمتين ياض .. كله بحسابه يا مهاب .
أنزل رامى مهاب على قدميه و دنا منه قائلا ليحمسه :
_ يالا على أوضتك غير بيجامتك دى و خمس دقايق و تبقى على السفرة .. فاهم .
أجابه مهاب مسرعا :
_ حاضر يا رامى .. و أنا اللى هسبقك برضه .
وركض إلى غرفته .. أخرج فارس سيجارا جديدا و أشعله و بدأ فى نفث دخانه بشرود .. إقترب منه رامى و قال بجمود :
_ خف على مهاب يا عوو .
إلتفت إليه فارس وهو يحدجه بنظرات سوداء كقلبه و قال بتحذير :
_ مالكش فيه .. إبنى و أنا حر معاه أربيه زى ما أنا عاوز .
و ألقى سيجارته تحت قدميه و دعسها بقوة و ولج لغرفته .. حمل منشفته و ولج للمرحاض ......
تنهد رامى بأسى و إستند بيده على سور الشرفة و تطلع للطريق بشرود .. ثم تحركت مقلتيه ناحية شرفة أمامه .. فإبتسمت شفتيه بإبتسامة مشرقة و هو يمنى نفسه برؤية حبيبته الذهبية
****************
جلست غزل بغرفتها منتظرة رد والدها على طلبها .. سمعت طرقات على باب غرفتها .. ففتحته بحزن بادى على ملامحها .. وقف علاء أمامها وقال بصرامة :
_ إلبسى و جهزى نفسك كويس علشان مجد هاييجى دلوقتى يلبسك شبكتك و بالليل هيبقى معاكى التنازل و بكرة بالليل هتتجوزى مجد فى السفارة .. تمام .
أومأت غزل برأسها و قالت ببرود :
_ تحت أمرك يا .. يا أخويا .. و التنازل هاخده بعد ما ألبس الشبكة .
حدجها علاء بسخرية و تركها و مضى .. أغلقت باب غرفتها و أخرجت حقيبتها الكبيرة و لملمت ملابسها و أوراقها و أشيائها لتصبح جاهزة للمغادرة بأى وقت ..
فى المساء إرتدت غزل فستان طويل أرجوانى أظهر جمال جسدها الطويل ذو الإنحنائات الخطيرة .. و إرتدت حجاب أوف وايت .. و وضعت مكياج بسيط و لكن رسمة عيونها برزت لون عينيها النادر الفيروزى أوقات يصبح أزرق و أوقات يمتزج اللون الأزرق بلون أخضر يسحر القلوب .. تطعت لهيأتها الخطيرة فى المرآة .. و على ثغرها إبتسامة ماكرة .
طرق شاكر باب غرفتها .. فتحت له بملامح مجمدة و قالت بصرامة :
_ أنا جاهزة .. إنتم جهزتوا اللى طلبته .
أومأ لها والدها برأسه و قال بألم :
_ سامحينى يا زولا غصب عنى و الله .. بس مجد بيحبك و هيسعدك .
أجابته غزل ببرود قاسى :
_ مالوش لازمة الكلام ده إتفضل إنزل إنت و أنا هنزل وراك .
مرر شاكر أنامله على وجهها الجذاب و تركها و إنصرف .. وقفت أمام مرآتها مرة أخرى و وضعت عطرها. ..
هبطت الدرج بثقة حتى تلاقت عيونها بنظرات مجد التى تلتهمها بلوعة .. وقفت أمامه و قالت بإبتسامتها و التى تخضع أعتى الرجال تحت قدميها :
_ أخبارك إيه يا مجد .
إزدرد مجد ريقه بصعوبة و قال و هو مسلط أنظاره عليها :
_ wow ,you look gorgeouse .. أنا أسعد واحد فى الدنيا دلوقتى .. مش مصدق إنك أخيرا وافقتى تبقى ليا .
طالت نظراتهم و التى سقط معها قلب مجد فعليا تحت قدميها .. إقترب علاء من مجد و قال بفرحة :
_ إقعد يا عريس مالك إتسمرت كده ليه .
أجابه مجد بشرود تام :
_ مش مصدق نفسى يا علاء .. إنت عارف أنا تعبت إزاى علشان غزل ترضى عنى .
ألبسها مجد طقم ماسى زاغت معه أنظار علاء من شدة جماله و غلو ثمنه فإبتسم بمكر فها قد بدأ زحف أموال مجد ناحيتهم .. إستمرت جلستها مع مجد لبعض الوقت هو هائم بجمالها الآخذ للقلوب و العقول و هى تشعر بالغثيان من قربها منه ذلك الذئب الذى طالما نوى إلتهامها و لكنها إستطاعت أن تحمى نفسها من مخالبه و أنيابه .
وقف غزل أمام والدها و قالت بتحدى :
_ التنازل لو سمحت.
إقترب علاء منها و قال هامسا بإبتسامة باهتة :
_ مجد هياخد باله.. إنتى عاوزانى أتهور عليكى .
تطلعت غزل لعلاء بقوة و قالت بملامح تحذيرية :
_ التنازل أحسنلك لههد المعبد على دماغك.. Ok .
صك أسنانه بغضب و قال من بين أسنانه بعدما لاحظ نظرات مجد المتحيرة :
_ من عنيا يا زولا .. إتفضلى يا ستى هدية جوازك على مجد و ألف مبروك عليكى.
أخذت التنازل منه فتحته و فحصته جيدا .. ثم جلست بجوار مجد و قالت بإبتسامة نصر مكملة خطتها بمكر:
_ مجد .. بكرة هستناك الساعة أربعة علشان كتب الكتاب إوعى تتأخر عليا.. إنت ما تعرفش إصرارك عليا ده خلاك كبرت فى نظرى جدا .. great .
حاول مجد الثبات أما نظراتها المشتعلة بلهيب فيروزى ساحر و قال :
_ ok .. مستنى اللحظة دى بفارغ الصبر .
ردت بإبتسامة لعوب لإخضاعه لها و بقوة بعدما همت واقفة:
_ don't be late .
وصعدت غرفتها و هى عابسة .. أغلقت ورائها الباب و نزعت طقمه الماسى و وضعته على مرآتها .. و وضعت التنازل فى حقيبتها المخبأة بخزانتها.. ثم بدلت ملابسها و صلت فرضها و نامت على الفور لأنه ينتظرها يوم طويل .
إستيقظت زينب من نومها متثاقلة .. بعد صلاتها توجهت للمطبخ لإعداد وجبة الفطور .. إنهمكت فى إعداده حتى شعرت بخطوات ناعمة خلفها .. إلتفتت بجسدها فرأت أمامها طفل فى الخامسة من عمره يقف أمامها مرتديا منامته و يفرك عينيه بكسل .. إبتسمت شفتاها و دنت منه و قبلت وجنتيه قائلة بحب :
_ يا صباح الفل .. حبيبى عامل إيه ؟!
أجابها مهاب قائلا بعبوس :
_ صباح الخير يا تيتة .. إوعى تقولى بابا نزل تانى زى كل يوم .
أجابته زينب بإبتسامتها الحنونة :
_ لأمانزلش .. روح صحيه و بعد كده صحى رامى .
قفز من فرحته و قال بسعادة :
_ حاضر يا تيتة أنا هروح لبابا .
ركض الصغير ناحية غرفة والده و فتحها بهدوء .. أطل برأسه بداخلها فوجده يقف فى شرفته يدخن سيجارته .. إقترب منه قائلا :
_ صباح الخير يابابا .
إلتفت إليه فارس بإبتسامة هادئة و قال :
_ صباح الفل .. تعالى فى حضنى يا واد إنت وحشتنى .
ركض مهاب ناحيته و إحتضن ساقيه بشوق و قال :
_ و إنت كمان وحشتنى يا عوو .
حمله فارس و ضمه إليه بقوة قائلا بحنو :
_ هتكبر إمتى بقا يا حبيب العوو .
تطلع مهاب حوله و قال برعب :
_ تعالى ندخل جوة يا بابا خايف أقع من البلكونة وإنت شايلنى كده .
أبعده فارس عنه وصاح به بغضب و هو يحدجه بقوة قائلا :
_ مش إبن العوو اللى يقول أنا خايف من أى حاجة مفهوم ولا لأ .
إرتعب مهاب من نظراته و قال بقوة زائفة :
_ آسف يا بابا بهزر معاك .
ولج رامى لغرفة فارس و قال بمداعبة لتلطيف الجو قليلا :
_ واد يا مهاب مصحتنيش ليه .. أنا زعلت منك و محتاج حضن فورا علشان أصالحك .
إرتمى مهاب بجسده فى حضنه و ضمه بقوة قائلا :
_ كنت لسه هجيلك يا رامى بس فى موضوع بينى و بين العوو .
عادت الإبتسامة لشفتى فارس و قال ساخرا :
_ إضحك عليا بكلمتين ياد .. كله بحسابه يا مهاب .
أنزل رامى مهاب على قدميه و دنا منه قائلا ليحمسه :
_ يالا على أوضتك غير بيجامتك دى و خمس دقايق و تبقى على السفرة .. فاهم .
أجابه مهاب مسرعا :
_ حاضر يا رامى .. و أنا اللى هسبقك برضه .
وركض إلى غرفته .. أخرج فارس سيجارا جديدا و أشعله و بدأ فى نفث دخانه بشرود .. إقترب منه رامى و قال بجمود :
_ خف على مهاب يا عوو .
إلتفت إليه فارس وهو يحدجه بنظرات سوداء كقلبه و قال بتحذير :
_ مالكش فيه .. إبنى و أنا حر معاه أربيه زى ما أنا عاوز .
و ألقى سيجارته تحت قدميه و دعسها بقوة و ولج لغرفته .. حمل منشفته و ولج للمرحاض ......
تنهد رامى بأسى و إستند بيده على سور الشرفة و تطلع للطريق بشرود .. ثم تحركت مقلتيه ناحية شرفة أمامه .. فإبتسمت شفتيه بإبتسامة مشرقة و هو يمنى نفسه برؤية حبيبته الذهبية ....
جلست غزل بغرفتها منتظرة رد والدها على طلبها .. سمعت طرقات على باب غرفتها .. ففتحته بحزن بادى على ملامحها .. وقف علاء أمامها وقال بصرامة :
_ إلبسى و جهزى نفسك كويس علشان مجد هاييجى دلوقتى يلبسك شبكتك و بالليل هيبقى معاكى التنازل و بكرة بالليل هتتجوزى مجد فى السفارة .. تمام .
أومأت غزل برأسها و قالت ببرود :
_ تحت أمرك يا .. يا أخويا .. و التنازل هاخده بعد ما ألبس الشبكة .
حدجها علاء بسخرية و تركها و مضى .. أغلقت باب غرفتها و أخرجت حقيبتها الكبيرة و لملمت ملابسها و أوراقها و أشيائها لتصبح جاهزة للمغادرة بأى وقت ..
فى المساء إرتدت غزل فستان طويل أرجوانى أظهر جمال جسدها الطويل ذو الإنحنائات الخطيرة .. و إرتدت حجاب أوف وايت .. و وضعت مكياج بسيط و لكن رسمة عيونها برزت لون عينيها النادر الفيروزى أوقات يصبح أزرق و أوقات يمتزج اللون الأزرق بلون أخضر يسحر القلوب .. تطعت لهيأتها الخطيرة فى المرآة .. و على ثغرها إبتسامة ماكرة .
طرق شاكر باب غرفتها .. فتحت له بملامح مجمدة و قالت بصرامة :
_ أنا جاهزة .. إنتم جهزتوا اللى طلبته .
أومأ لها والدها برأسه و قال بألم :
_ سامحينى يا زولا غصب عنى و الله .. بس مجد بيحبك و هيسعدك .
أجابته غزل ببرود قاسى :
_ مالوش لازمة الكلام ده إتفضل إنزل إنت و أنا هنزل وراك .
مرر شاكر أنامله على وجهها الجذاب و تركها و إنصرف .. وقفت أمام مرآتها مرة أخرى و وضعت عطرها. ..
هبطت الدرج بثقة حتى تلاقت عيونها بنظرات مجد التى تلتهمها بلوعة .. وقفت أمامه و قالت بإبتسامتها و التى تخضع أعتى الرجال تحت قدميها :
_ أخبارك إيه يا مجد .
إزدرد مجد ريقه بصعوبة و قال و هو مسلط أنظاره عليها :
_ wow ,you look gorgeouse .. أنا أسعد واحد فى الدنيا دلوقتى .. مش مصدق إنك أخيرا وافقتى تبقى ليا .
طالت نظراتهم و التى سقط معها قلب مجد فعليا تحت قدميها .. إقترب علاء من مجد و قال بفرحة :
_ إقعد يا عريس مالك إتسمرت كده ليه .
أجابه مجد بشرود تام :
_ مش مصدق نفسى يا علاء .. إنت عارف أنا تعبت إزاى علشان غزل ترضى عنى .
ألبسها مجد طقم ماسى زاغت معه أنظار علاء من شدة جماله و غلو ثمنه فإبتسم بمكر فها قد بدأ زحف أموال مجد ناحيتهم .. إستمرت جلستها مع مجد لبعض الوقت هو هائم بجمالها الآخذ للقلوب و العقول و هى تشعر بالغثيان من قربها منه ذلك الذئب الذى طالما نوى إلتهامها و لكنها إستطاعت أن تحمى نفسها من مخالبه و أنيابه .
وقف غزل أمام والدها و قالت بتحدى :
_ التنازل لو سمحت.
إقترب علاء منها و قال هامسا بإبتسامة باهتة :
_ مجد هياخد باله.. إنتى عاوزانى أتهور عليكى .
تطلعت غزل لعلاء بقوة و قالت بملامح تحذيرية :
_ التنازل أحسنلك لههد المعبد على دماغك.. Ok .
صك أسنانه بغضب و قال من بين أسنانه بعدما لاحظ نظرات مجد المتحيرة :
_ من عنيا يا زولا .. إتفضلى يا ستى هدية جوازك على مجد و ألف مبروك عليكى.
أخذت التنازل منه فتحته و فحصته جيدا .. ثم جلست بجوار مجد و قالت بإبتسامة نصر مكملة خطتها بمكر:
_ مجد .. بكرة هستناك الساعة أربعة علشان كتب الكتاب إوعى تتأخر عليا.. إنت ما تعرفش إصرارك عليا ده خلاك كبرت فى نظرى جدا .. great .
حاول مجد الثبات أما نظراتها المشتعلة بلهيب فيروزى ساحر و قال :
_ ok .. مستنى اللحظة دى بفارغ الصبر .
ردت بإبتسامة لعوب لإخضاعه لها و بقوة بعدما همت واقفة:
_ don't be late .
وصعدت غرفتها و هى عابسة .. أغلقت ورائها الباب و نزعت طقمه الماسى و وضعته على مرآتها .. و وضعت التنازل فى حقيبتها المخبأة بخزانتها.. ثم بدلت ملابسها و صلت فرضها و نامت على الفور لأنه ينتظرها يوم طويل .
إطمأنت غزل أن جميع من بالمنزل قد ناموا فخرجت من غرفتها تحمل حقيبتها الثقيلة بعدما حزمت كل أشيائها .. و حولت كل رصيدها المالى على أحد البنوك بمصر .. تطلعت للمنزل مرة أخيرة و خرجت مسرعة وضعت حقيبتها بسيارتها و قادتها بقلق .....
فى المطار أنهت معاملاته الروتينية و إستقلت الطائرة و هى متوترة و بمجرد إقلاع الطائرة هدأت و إبتسمت براحة و قالت بإنتصار :
_ أشوف وشك يا علاء و إنت واقف قدام مجد بتترعش.. ربنا يسامحك إنت و دادى .. و يارب وفقنى فى اللى جاى .
بعد ساعات طويلة وصلت الطائرة أرض الوطن بسلام .. ترجلت غزل منها و تنفست بعمق قائلة بفرحة :
_ الحمد لله .
ظلت بالمطار لساعات أخرى حتى إنتهت و خرجت منه مرهقة .. إستقلت سيارة أجرة و أعطت السائق عنوان منزل والدها القديم بالمعادى .. ظلت تتطلع حولها بإبتسامة شوق لوطنها .. وصلت أخيرا أمام منزلها .....
ترجلت من السيارة بفرحة و حملت حقيبتها و صعدت الدرج .. وقفت أمام شقتهم عاقدة حاجبيها بتعجب .. طرقت الباب بقوة ففتحت لها الباب سيدة غريبة تأملتها غزل بضيق و سألتها بتعجب :
_ إنتى مين و بتعملى إيه فى بيتنا ؟!
أجابتها السيدة بإزدراء و هى تطالعها بحدة :
_ إنتى اللى مين و بيت مين اللى بيتك .. إحنا مأجرين الشقة دى من الحاج عونى صاحب البيت .. سلام يا قطة .
و صفعت الباب فى وجهها .. وقفت غزل متخبطة و مذهولة مما قيل لها .. رفعت عيناها ناحية الشقة التى بالدور العلوى و صعدت الدرج بغضب و طرقت باب عمها بعيون تشع شرارا فيروزى .. بعد قليل إنفتح الباب و وقف أمامها شاب حدجها بتعجب و إعجاب و قال بهدوء :
_ أيوة يا فندم حضرتك عاوزة حد .
أجابته غزل بتلقائية :
_ دى شقة عونى السيوفى .
تعمقت نظراته إليها متأملا بجرأة هذا الجمال النادر و قال بمشاغبة :
_ و لو مش هى شقته هخليها شقته .
أغمضت غزل عيناها بفقدان صبر و زفرت بضيق ثم فتحتهما بقوة قائلة بحزم :
_ بقولك إيه يا أستاذ إنت هى الشقة ولا لأ .
إستند بكتفه على إطار باب الشقة و أجابها متفرسا لعينيها الساحرة :
_ أيوة هى الشقة إنتى مين و عاوزة بابا فى إيه ؟!
إرتاحت ملامحها قليلا و قالت بمداعبة :
_ يخرب بيتك يا إسلام وقعت قلبى .
إعتدل فى وقفته و هو يحدجها بحيرة ثم سألها بتعجب :
_ إنتى مين و عرفتى إسمى إزاى ؟!!
ضحكت ضحكة عالية و قالت ساخرة :
_ شكلك إتغير جدا و شعرك راح فين كده .. عموما أنا غزل .
إبتسمت شفتيه و هو يطالعها بفرحة قائلا :
_ غزل !!! وحشتينى يا بنت عمى و الله مصر نورت .. إتفضلى إدخلى .
إبتعد بجسده تاركا لها مساحة للدخول .. جذبت حقيبتها و ولجت الشقة .. أغلق إسلام ورائها الباب و هتف قائلا بفرحة :
_ يا بابا .. يا ماما تعالوا .
خرج على صياحه عونى و زوجته.. تطلع عونى بغزل و قال بريبة :
_ مالك يا إسلام و مين دى ؟!
أجابه إسلام بإبتسامة هادئة :
_ دى غزل بنت عمى شاكر .
ساد الصمت لثوانى .. وقفت غزل تطالع صدمتهم بينما خرج عونى من صمته و قال بضيق :
_ أهلا يا غزل إيه اللى رجعك .. قصدى حمد الله على السلامة .
لاحظت غزل ضيق عمها من وجودها فقالت ببرود :
_ الله يسلمك .. هو مين اللى فى شقتنا يا عمى .
إزدرد عونى ريقه بصعوبة و قال متلعثما :
_ هاه ..... أصل يعنى الشقة كانت مقفولة فا ... فأجرتها على ما ترجعوا بالسلامة .
إبتسمت غزل بسخرية و قالت بقوة :
_ وأجرت المحل كمان .
قطب حاجبيه بضيق و زفر بضيق قائلا :
_ إنتى راجعة علشان تحاسبينى و لا إيه .
تدخلت هناء زوجته لتهدئة الموقف و قالت بإبتسامة مفتعلة :
_ إهدوا شوية يا جماعة .. تعالى يا غزل إقعدى إنتى أكيد تعبانة من السفر .. حمد الله على سلامتك يا حبيبتى .
أجابتها غزل بإبتسامة عذبة :
_ الله يسلمك يا طنط هناء .
جلس عونى بجوارها و قال معتذرا :
_ وحشتينى يا غزل و سامحينى يا بنتى على عصبيتى عليكى أصلك دخلتى عليا بوش خشب .
رفعت غزل حاجبها بدهشة و قالت بحيرة :
_ معلش بس من حقى أتضايق و أنا شايفة ناس غريبة فى بيتنا .. كان لازم تسألنا يا عمى قبل ما تعمل كده .
أجابها عونى و هو يتصنع الإبتسام :
_ كنت هجيبكم منين علشان أعرفكم .. وأبوكى قالى إنه عمره ما هيرجع تانى .. هو راجع و لا إيه ؟!
إرتدت غزل الوجه الصارم و قالت بقوة :
_ لأ أنا رجعت لواحدى و هعيش هنا على طول .. فاياريت تخلى الناس اللى تحت يفضوا الشقة .. و المحل كمان .
إتسعت عينى الجميع من صدمتهم فقالت بسمة إبنة عونى بإبتسامة خبيثة :
_ مش وقت الكلام ده يا غزل وحشتينى مووت .. تعالى فى حضنى يا حبيبتى .
و ضمتها إليها بقوة .. ثم قالت من بين ضحكاتها الخبيثة و هى تبتعد عنها قليلا :
_ تعالى إدخلى أوضتى دلوقتى إرتاحى و بعد العشا إبقوا إتكلموا براحتكم .
جذبت غزل حقيبتها و هى تفكر بما تخبئه لها الأيام .. هزت رأسها بضيق و قالت بداخلها :
_ بداية غير موفقة .
ولجت لغرفة بسمة تفحصتها مطولا و وضعت حقيبتها على جانب و قالت لبسمة بإمتنان :
_ شكرا يا بسمة .. و الله وحشانى جدا .. بقالنا عشرين سنة ما شوفناش بعض .
ربتت بسمة على ذراعها و قالت :
_ و إنتى كمان وحشتينى يا غزل .. مصر نورت .. قومى خدى دش و إتعشى و نامى علشان ترتاحى و الصبح إبقوا إتكلموا براحتكم .
أومأت غزل برأسها و قالت بتعب :
_ عندك حق أنا محتاجة شاور و أنام .
فتحت غزل حقيبتها و أخرجت منها منامة و أعطتها بسمة منشفة و ولجت للمرحاض .. إغتسلت و توضأت وصلت فروضها و نامت من تعبها .
إنهمك شاكر فى مطالعة الأوراق التى أمامه .. فمال علاء عليه بجسده و قال بغضب :
_ هى برضه مش عاوزة تخرج من أوضتها و لا ترد على حد .
تطلع إليه شاكر من أعلى نظارته و قال بضيق :
_ إنت قسيت عليها قوى يا علاء .. دى أختك يا إبنى .. و عموما هى مش راضية ترد على حد .
رفع علاء كفه بوجه والده و قال بتذمر :
_ خليك قاعد تدلع فيها إنت .. أنا هطلع لها و لو ما فتحتش الباب هكسره عليها .
و تركه و صعد الدرج الداخلى لمنزلهم بغضب ..وقفف أمام غرفتها و طرق الباب قائلا بحدة :
_ إفتحى الباب ده يا غزل لهكسره عليكى و الله .
لم يأته جوابها فقال بعصبية :
_يبقى إنتى اللى عاوزة كده .
و أخذ يدفع الباب بكتفيه حتى كسر قفله .. دلف للغرفة بغضب فلم يجدها .. توجه ناحية مرحاضها و فتح بابه فلم يجدها .. هربت الدماء من وجهه حتى وقعت عينيه على ورقة فوق فراشها فحملها بتوتر و قرأها مسرعا :
_ دادى .. سامحنى لأنى رجعت مصر خلاص و مش هرجع أميريكا تانى .. هفضل فكرالك حاجات حلوة كتير عملتها علشانى .. و أتمنى ربنا يسامحك على إستحلالك لفلوس حرام و كمان على اللى حصل مع ماما .. و بتمنى ربنا يهدى علاء .. أشوفكم قريب فى مصر .. و على فكرة الطقم السولتير بتاع مجد هتلاقوه عندكم رجعوه ليه .. هتوحشونى رغم جرحى منكم .. أشوف وشكم بخير .. بنتك غزل .. لا إله إلا الله .
إتسعت عينى علاء و هو يقرأ رسالتها و صرخ بقوة قائلا :
_ لأ .. إلحقنى يا بابا .
إجتمعت أسرة عونى بعدما إطمأنوا لنوم غزل .. جلسوا سويا يفكرون كيف لهم الخلاص من هذه المتطفلة و التى ستأخذ منهم نصف المنزل تقريبا و عائده المادى عليهم كبير جدا....
مرر عونى أنامله على ذقنه و قال بخوف :
_ هنعمل إيه دلوقتى البنت دى هتاخد كل حاجة .. لأ و هاجمة علينا بزعابيبها .
عبثت بسمة بشعراتها و قالت بمكر :
_ سبتها بكلمتين يا بابا و شوية و تنسى موضوع الشقة ده و إحنا نزهقها تقوم ترجع أمريكا تانى و نخلص منها .
ضحكت هناء ضحكة مستهزئة بكلمات بإبنتها و قالت بهدوء :
_ دى بنت شكلها قوية و هتتعبنا .. تفتكرى هيخيل عليها الكلام ده .
و قف إسلام قبالتهم و قال بثقة :
_ أنا عندى الحل .. أتجوزها و أهه كده نصيبها كله يبقى تحت أمرنا .
لمعت عينى عونى و عقد ذراعيه أمام صدره بعدما راقته فكرة إسلام و قال بنبرة لئيمة :
_ براڤو عليك .. ده نصيبها ده يساوى ملايين .
فقالت لهم بسمة ببديهية :
_ على فكرة بقا ده مش نصيبها لوحدها .. إنتوا نسيتوا إن عمى لسه عايش و هى مالهاش الحق فى البيت أصلا غير لما يموت و هايشاركها فى حقها علاء أخوها كمان .
ضحكت هناء بإعجاب و قالت ببساطة :
_ عندك حق يا بسمة هى مالهاش عندنا حاجة .. حابة تقعد بأدبها كان بها .. حابة تغور فى ستين داهية .
إرتمى إسلام بجسده على مقعده و قال بضيق :
_ و تغور ليه بس .. أنا معجب بيها بصراحة جدا ..دى صاروخ أتجوزها و أهه نصيبها يبقى معانا .. هاه قولتوا إيه ؟!!
إستيقظت غزل من نومها متثاقلة .. تمطأت قليلا فشعرت بشخص ما ممدد بجوارها .. ففتحت عيناها مسرعة و قد تملكها الذعر فى البداية لم تتعرف على الغرفة .. حتى إلتفت برأسها لجوارها فرأت بسمة إبنة عمها غافية .. بدأ عقلها فى تجميع أفكاره حتى تذكرت أنها بمصر و نائمة بشقة عمها ....
أخرجها آذان الفجر من تخبطها فإعتدلت جالسة و هزت بسمة برفق لإيقاظها قائلة بهدوء :
_ بسمة .. قومى يا بسمة الفجر بيأذن .
أجابتها بسمة بصوت ناعس خفيض :
_ سبينى يا غزل و نامى .. أنا تعبانة .
هزتها غزل مجددا و قالت بإصرار أكبر :
_ لأ قومى يالا علشان تصلى .
صرخت بسمة بوجهها و قالت بحدة :
_ يووه .. سبينى بقا مالكيش دعوة بيا عاوزة أنام .
صكت غزل أسنانها بغيظ من صراخ بسمة بها .. فقررت الإنتقام و بطريقتها الخاصة فمن الواضح أن تلك البسمة لا تعرفها جيدا .. إذا .. فلنتعارف ......
فكرت بسرعة حتى هداها عقلها لفكرة جهنمية و بسيطة بعض الشئ .. فوقفت على الفراش و هى تتركه دعست على قدم بسمة بقوة .....
صرخت بسمة متألمة من قدمها و لامسته قائلة بألم :
_ آآه .. رجلى يا متخلفة .. إيه عامية مش بتشوفى .
أكتر أنواع البشر و التى تبغضهم غزل بشدة هم من لا يتعلمون من أخطائهم .. فتلك البسمة قد زادت نيران غزل المشتعلة و لولا ظلام الغرفة لرأت إندلاع شرارات عيناها الفيروزية .. بينما إرتسمت إبتسامة خبيثة على ثغر غزل التى قالت بنبرة تكاد تكون آسفة :
_ sorry يا بسمة بجد أصل النور مقفول و جيت أنزل مش شوفت رجلك بس أوعدك مش هدوس عليها تانى .
و تحركت قليلا و دعست قدمها الآخرى بقوة أكبر .. فصرخت بسمة بصوت عالى و قالت بغضب :
_ آآآآه .. رجلى التانية يا بنتى حرام عليكى .
ضحكت غزل بصوت مكتوم و هى تلامس الأرضية بقدميها و قالت ببرائة طفولية :
_ sorry كمان مرة يا بوسى .. بس أنا وفيت بوعدى و مش دست على رجلك الأولى شوفتى بقا أنا طيبة إزاى .
و حملت منشفتها و هى تبتسم بنصر و خرجت من الغرفة .. بعد قليل عادت و إرتدت إسدالها و صلت بهدوء و صوت أنين بسمة من ألم قدميها لا يتوقف .. بعدما فرغت من صلاتها قرأت وردها الصباحى من القرآن كما عودتها والدتها قبل موتها .. أو بالأحرى قبل قتلها .. عادت لها ذكريات مؤلمة و هى تتذكر ملاكها الحارس .. أمها .. بجمالها الساحر و إبتسامتها الوضائة و عيناها الفيروزية و التى ورثتهم غزل منها ...
نفضت أفكارها الحزينة من رأسها و وقفت فى الشرفة تتابع الشروق .. أغمضت عيناها و هى تستمتع بمداعبة نسمات الصباح لوجهها الناعم ....
فتح فارس عينيه متأملا جمال خلقه و هو يطالع أشعة الشمس الخافتة و كأنها تستحى أن توقظ النائمين .. رفع سيجارة ناحية فمه و تمسك بها بشفتيه و أشعلها نافثا دخانها يخرج معه غضبه و تلك الطاقة المتوحشة بداخله .. قبل أن تتقاذفه أفكاره كمضربين للعبة التنس و هو بينهما .. ما بين الماضى المؤلم و الحاضر الأكثر إيلاما و كلها تنتهى عند تلك الطفلة التى بسببها تغيرت حالته تماما و زاد توحشه أكتر ...
إلتف الجميع حول مائدة الإفطار .. و زينب تسكب لهم فى أطباقهم ما أعددته .. مال مهاب بجسده ناحية فارس و قال برجاء طفولى زامما شفتيه :
_ خدنى معاك الوكالة يا بابا .. جدو مش راضى فا قولت أميل عليك .
إبتسم فارس بهدوء و تطلع ناحية رامى المتصنع البرائة و قال ساخرا :
_ تميل عليا .. جرى إيه يا رامى إنزل من على ودان الولد شوية .. ده عنده خمس سنين لسه .
إرتشف رامى القليل من قهوته و قال بإبتسامة هادئة :
_ أنا و مهاب صحاب .. مالكش دعوة بينا يا عوو .. صح يا هوبا .
أجابه مهاب بثقة :
_ صح يا زميلى .
وقف فارس منتصبا و قال بإبتسامة ساخرة بصوته الرجولى الخشن :
_ زميلك !!! منك لله يا رامى أنا أدخله مدارس إنجليزى و إنت مصر تربطه بالحارة أكتر .. مصمم تبوظ اللى عملته معاه .
رفعت زينب حاجبيها بضيق و هى تراه يقف فقالت مسرعة :
_ إقعد إفطر زى الناس يا إبنى .
أجابها فارس و هو يلتقط هاتفه و مفاتيحه قائلا بعبوس كعادته :
_ فطرت الحمد لله يا ست الكل .. مش يالا يا حاج أوصلك فى طريقى للوكالة علشان همشى بدرى .
وقف صبرى و إستند على عكازه و قال بصلابة تلائم هيبته :
_ توكلنا على الله .. يالا يا إبنى .
ثم توقف للحظة و إلتفت ناحية رامى و سأله بنبرة ثابتة :
_ لسه هتأخر يا رامى .
أجابه و هو يداعب مهاب و قد تعالت ضحكاتهم :
_ إوصل إنت الوكالة هتلاقينى راشق فيك يا عمى .
هز صبرى رأسه بيأس و قال بضيق :
_ واد يا مهاب ما تقعدش معاه كتير .. و الله فارس عنده حق .. قال راشق فيا قال .
جلست غزل أمام التلفاز تطالعه بضيق فى إنتظار أن يصحو أحدهم من نومته .. فطيور معدتها كلها تصرخ طلبا للطعام . فمنذ كانت بالطائرة لم تتناول شيئا .. بعد ساعة خرجت هناء من غرفتها .. تطلعت ناحية غزل بإبتسامة ودودة و قالت :
_ صباح الخير يا بنتى .
بادلتها غزل إبتسامتها و قالت بود :
_ صباح النور .
_ معلش إتأخرت فى النوم بس نص ساعة يكونوا صحيوا و أكون حضرت الفطار أكيد جوعتى .
بعد قليل جلس الجميع على المائدة .. إقتربت منهم بسمة و هى تعرج بساقيها .. فسألتها هناء بقلق :
_ مال رجلك يا بسمة ؟!
تطلعت ناحية غزل و قالت بغضب :
_رجليا الإتنين فرمهم قطر .
ضحكت غزل ضحكة عالية و قالت بدلال :
_ سلامتك يا بوسى و سلامة رجليكى .
بينما إقترب إسلام منها و قال هامسا :
_ إيه رأيك بعد الفطار نخرج و أخدك فى جولة أفرجك على مصر أكيد وحشتك .
أجابته غزل بهمس متعجبة :
_ طيب موطى صوتك ليه ؟!
إعتدل إسلام فى جلسته و قال بقوة :
_ عادى يعنى .. بابا أنا هنزل أفسح غزل و أفرجها على البلد .
أومأ عونى برأسه و هو يطالع جريدته الصباحية و قال بفتور :
_ براحتكم بس ما تتأخروش .
أنهت غزل فطورها و إلتفتت بجسدها ناحية عونى و سألته بلؤم :
_ هتعمل إيه فى موضوع الشقة يا عمى .
ثنى الجريدة و وضعها على الطاولة و قال بضيق :
_ بصى يا بنتى أنا مش فاهم إنتى عيزاها ليه .
إبتسمت غزل بسخرية مضيقة عينيها و قالت ببساطة :
_ أكيد يعنى علشان أسكن فيها .
ضحك ضحكة ساخرة و كبل ذراعيه و إستند بهما على الطاولة و قال بصوت هازئ :
_ إنتى مش فى أمريكا علشان تعيشى لواحدك فى شقة طويلة عريضة زى دى .. لما أبوكى يرجع نبقى نخرج منها السكان .
فطنت لما يحاك حولها .. فإن ظنوها لقمة سائغة فهم حتما يتوهمون .. عقدت ذراعيها و إستندت بهما على الطاولة أيضا و قالت وهى تحدجه بتحدى قوى :
_ عندك حق يا عمى الأصول أصول برضه .. بس بقا .. إيجار الشقة و المحل هاخدهم منك كل أول شهر .
هذا مالم يكونوا يتوقعوه .. تطلعوا جميعا ببعضهم بتوتر من جملتها الأخيرة و كأنهم على رؤوسهم الطير .. وزعت غزل نظراتها عليهم تتابع صدمتهم .....
قرر إسلام تدارك الموقف فقال مسرعا لتغير دفة الحوار :
_ قومى دلوقتى إلبسى و بالليل تبقوا تتكلموا تانى .
وقف عونى و قال بعبوس غاضب :
_ أنا كمان هنزل أفتح المحل .. يالا سلام .
إستندت غزل بظهرها على ظهر مقعدها و شردت قليلا بعدما لاحظت إستيائهم من طلبها الشرعى .. تنهدت بأسى على أب إكتشفت أنه لص .. و أخ أنانى لا يهمه سوى ذاته .. و عم سيلتهم حقوقها .. وخزها إسلام فى ذراعها و قال بتعجب :
_ بكلمك مش بتردى ليه .
إنتبهت إليه و قالت بإبتسامتها الساحرة بعدما قررت أنه ضحيتها الجديدة للوصول لمبتغاها :
_ sorry يا إسلام .. إدينى نصاية و هبقى جاهزة .
هز رأسه متعجبا و قال بمرح :
_ نصاية .. إنتى متأكدة إنك كنتى فى أمريكا و لا كنتى فى شبرا .
أجابته بسمة بسخرية :
_ لأ و كمان محجبة .. غريبة مع إن لبسك مش محتشم يعنى .
تطلعت إليها غزل بقوة .. فها هى تعود لأخطائها مجددا و لا تتعلم .. إذا فلتصمدى أمام ما سأفلعله بك .. خرجت غزل من صمتها وقالت بحزم :
_ أنا سواء كنت فى أميريكا أو مصر .. فأنا مسلمة .. و حجابى ده اللى خلانى سبت أميريكا و رجعت مصر .. أما بقا لبسى .. فواحدة واحدة هغيره .
ثم وقفت و قالت لإسلام بهدوء متزن :
_ جهز نفسك على ما أجيلك .
وتركتهم و دلفت لغرفة بسمة تنفث نارا من أنفها .. جلست على طرف الفراش و تشبست به بقبضتيها تفكر فى بدايتها التعيسة بمصر .. وهذا مالم تتوقعه .. حتى خطر ببالها جدتها والدة أمها .. حاولت جاهدة تذكر عنوانها و لكن دون جدوى .. فقد كانت حينها طفلة صغيرة عمرها خمس سنوات .. تنفست بهدوء و وقفت أمام حقيبتها و أخرجت منها شيئا لترتديه ...
إرتدت بنطال چينزى ضيق و أعلاه كنزة بيضاء من الشيفون يصل طولها لطرف بنطالها و إرتدت حجاب ملون عقصته خلف عنقها .. و تزينت بالقليل من مكياجها و وضعت عطرها و أغلقت الحقيبة بكلمة السر حتى تطمئن أن لن يعبث بأشيائها أحد .. و إرتدت حذاء رياضى مريح و خرجت من الغرفة ....
تطلع إليها إسلام بإعجاب من جمالها الزائد عن الحد .. و إقترب منها مسحورا قائلا بتنهيدة حارة :
_ فى كده برضه .. أخاف تخرجى معايا تتخطفى مني.
إبتسمت غزل و قالت ببحة صوتها المغرية لإخضاعه إليها أكثر و أكثر :
_ و إنت كمان چان جدا .. يالا بينا .
أشار إليها بيده فتقدمته حاملة حقيبتها اليدوية محدجه بسمة بغرور واثق و خرجت مع إسلام بهدوء .. فضغطت بسمة شفتيها بغضب و قالت من بين أسنانها :
_فى ستين داهية .. أنا مش طايقة البت دى يا ماما .. فاكرة نفسها حلوة و هى بشعة .
أجابتها هناء بضيق و هى تنظف الطاولة :
_ مش عارفة هى قوية كده لمين .. دى أمها الله يرحمها ما كانش ليها صوت .. و أبوها حرامى بس أهبل .. سيبك منها هنطبخ إيه خطيبك جاى .
عرجت بقدميها قليلا و قالت بتفكير :
_ مش عارفة .. تعالى ندخل المطبخ و نشوف هنعمل إيه .
وقفت غزل أمام المنزل تتطلع إليه بضيق .. و هى تفكر كيف ستسترد حقها فيه من عمها المتسلط .. لم يعلم أحد بعد أنها تمتلك نصيب والدها و لكن إن علموا ماذا ستكون ردة فعلهم ..سألت نفسها بجدية هل حقا تخشى على نفسها منهم ؟!!! و منذ متى و هى تخشى شيئا أو شخصا ....
عادت بعينيها للطريق فوجدت إسلام يقترب منها بسيارته .. إستقلتها بهدوء فسارع هو قائلا بمداعبة :
_ و الله وحشتينى الشوية دول .
صكت أسنانها من مداعبته السمجة و تصنعت الإبتسام و قالت برقة :
_ Thanks .
إنطلق بسيارته يقطع الطرق و هى فى قمة سعادتها .. عيناها تلتقط كل شئ بفرحة.. واجهات المحلات و الطرقات و الناس كل شئ يعيدها لطفولتها .. رغم التطور الملحوظ فى المنشآت و لكن يبقى الناس على حالهم ملامحهم الطيبة و السمحة و الدافئة ......
بين الحين و الآخر كان يتابعها بإهتمام .. و إعجاب .. سعادتها جعلتها تبدو مشرقة كزهرة ندية تمت سقايتها فتفتحت أكثر و صار عبقها يملأ الأجواء .. أما هى فشعور من الراحة والسكينة قد غمرها شعور إفتقدته كثيرا فى غربتها .. ولكن فلتنتهى تلك الأيام و ترحل عن رأسها فها هى الآن بمصر كما حلمت كثيرا .. تتجول بشوارعها و تنعم بدفء نسماتها .. إلا إن عقلها قرر إفساد لحظة المتعة تلك و ذكرها بعمها و ما ينتظرها منه و من جشعه و طمعه ....
ضاقت من الزحام و توقفهم المستمر فتلفتت حولها وتسائلت بضيق :
_ إيه الزحمة دى هو فى حادثة .
ضحك إسلام ضحكة عالية و قال ببديهية :
_ يا بنتى ده العادى .. أهلا بكِ فى مصر .. عموما بكرة تتعودى .
ساد الصمت للحظات فسألها بفضول :
_ صحيح يا غزل إنتى درستى إيه أو بتشتغلى إيه ؟!
أجابته و هى مازالت تتطالع الطريق و لكن هذه المرة قد تعلقت عيناها بشريان مصر .. نهر النيل .. إبتسمت بخفوت وقالت :
_ أنا دكتورة .. زى ما بتقولوا فى مصر دكتورة باطنة و معايا ماجستير ... ااااا ... مش عارفة أترجمها كويس بس تقريبا ماجستير جراحة .. يا رب أكون بترجمها صح .
لمعت عينيه بفرحة و قال متعجبا :
_ أوبا بقا .. يعنى قمر و كمان دكتورة .. يا جامد إنت .
إلتفتت إليه لأول مرة منذ إستقلالهم لسيارته و قالت ببحة صوتها الماكرة :
_ سولى .. إنت فاكر عنوان بيت تيتة رأفة والدة ماما الله يرحمها .. إنت كنت بتروح معايا عندها و إحنا صغيرين .
فكر قليلا و قرر إستغلال تلك المعلومة لصالحه فيمكنه إبتزازها بها .. و خصوصا و هو يرى مدى لهفتها .. لذا فلينتظر قليلا .. أجابها بهدوء مدعيا عدم التذكر قائلا :
_ ياااه .. ده من سنين طويلة جدا أنا دلوقتى مش فاكر بس لو إفتكرت هقولك فورا .
علت الخيبة و الحزن ملامحها و عادت لمطالعة الطريق مجددا و لكن بحزن عميق .......
فى وكالة السعيد للخردة و القابعة بإحدى الحارات الكبيرة و التى لها قوانينها الخاصة و الحازمة فتلك المناطق شائكة و دائما ما يكون لديها كما يقال .. كبير المنطقة .. و بدوره الحاج صبرى و ولده كانا كبيريها ......
جلس صبرى على مكتبه الكبير غاضبا و هو يضرب الأرض بعكازه و جلس أمامه فارس و رامى بهدوء ما قبل العاصفة .. تطلع ببعض الأوراق التى أمامه و قال بضيق بنبرة صوته الرخيمة :
_ ما إنت لو مركز فى شغل الوكالة يا عوو ماكناش طلبنا المساعدة من حد و لا دفعنا مليم واحد إكراميات .
زفر فارس بضيق و هو يسيطر على إنفعاله بكل قوت و أجابه بتريث :
_ هو بس مافيش ورانا غير الوكالة .. ما المصنع شغال و زى الفل و نفعنا فى شغل الوكالة جدا و بدل ما كنا بنبيع الخردة بقينا نصنعها و نستثمر فيها أكتر .
أومأرامى برأسه و قال مصدقا على كلماته :
_ فعلا .
أشار فارس بيده ناحية رامى و قال بقوة :
_ و شغل المصنع كله شايله رامى و ممشيه زى الساعة .. أما بقا المستشفى الإستثمارى اللى أنا إشترتها بتدخل لينا فلوس ماكناش نتخيلها كل سنة و لميت حقها من زمان .. أقطع نفسى يعنى يا حاج .
ربت رامى على ساق فارس و قال للتهدئة قليلا :
_ إهدا يا عوو مش كده .. الحاج عنده حق برضه الوكالة هى أساس اللى إحنا وصلنا ليه و لازم نرجع نهتم بيها أكتر .. و باعدين ما إنت عارف إن روح الحاج هنا ده لأنه قضى عمره كله فيها .
أومأ فارس برأسه وقال بنبرة آسفة و لكن حازمة أيضا فمثله لا يليق به الضعف أو الإعتذار :
_ ما تزعلش منى يا حاج بس راسى مشغولة شوية اليومين دول .
هز صبرى رأسه متفهما .. ثم سألهم بألم :
_ ربنا يعينك يا إبنى .. صحيح محدش منكم راح لحمزة يطمن عليه .
أجابه فارس بغضب و هو ينقر بأصابعه على ساقه :
_ أنا لو روحت عنده مش عارف تصرفى معاه هيبقى إزاى .. ده واد ظالم و مفترى .
مرر رامى أنامله فى شعرات ذقنه و قال بتنهيدة أسى :
_ يا عوو ده أخوك برضه .. هو صحيح مفترى على الغلبانة مراته .. بس ما هو غصب عنه .
ثم إلتفت برأسه ناحية عمه و قال لطمأنته :
_ أنا آخر النهار هروحله علشان مايزعلش منى و علشان أطمن على الغلبانة مراته ليكون موتها المرة دى .
رفع فارس كفه ملوحا و قال بتذمر غاضب :
_ هى اللى تستاهل حاولت معها كتير علشان تبعد عنه و هى اللى مش موافقة و مش فاهم ليه و لا عاوز أفهم .
وهم واقفا و قال و هو ينصرف :
_ أنا همشى السيرة دى بتعصبنى .
و تركهم و غادر .. حرك صبرى رأسه بيأس وقال بأسى :
_ ربنا يهديكم يا ولادى يا رب .
مال رامى على مكتبه بجذعه حتى إقترب وجههما و قال بإستعطاف :
_ مش ناوى تفرح بيا بقا يا حاج .. هموت عالبت إرحمونى بقا .
دفعه صبرى بيده وقال بصرامة :
_ يا أخى إنت كمان أنا ناقصك .. قوم غور من قدامى على مصنعك يالا جاتكوا نيلة إنتم التلاتة .
ثم رفع كفيه ناحية السماء و ناجى ربه قائلا :
_ ليه يا رب بلتنى بالمصايب دول .. أستغفرك ربى و أتوب إليك .
أجابه رامى بضيق وهو ينتزع نظارته الشمسية من قميصه و إرتداها قائلا بتحذير :
_ مش هتاكلنى بالكلمتين دول يا عمى و مش هسيبك غير لما تحدد ميعاد الفرح مع ستى .. و إلا هخطفها و أهرب و الله .
فتح صبرى درج مكتبه و أخرج سلاحه و رفعه بوجهه وقال مهددا :
_ ده أنا كنت خطفت روحك من جسمك .. غور من قدامى لأطخك و الله و ما لكش عندى دية .
ركض رامى من أمامه و هو منهار من شدة الضحك قائلا بمزاح :
_ صلى على النبى يا عمى السلاح يطول .. ده أنا يتيم يا جدعان .
و تركه و إستقل سيارته و هو مازل منهار من الضحك و لا يشغل باله سواها .. فتاته الجميلة و التى سحرته من أول نظرة .. نعم كانت فى وقتها طفلة و لكنه إنسحر بذهبيتها اللامعة .. قاد سيارته و هو يمنى نفسه بها منطلقا لمصنعه .
عاد إسلام و غزل من نزهتهما و صوت ضحكهما لا يتوقف .. بداخل شقة عونى لاحظت غزل جلوس شخص غريب فى ردهة المنزل لأول مرة تراه .. إقترب منه إسلام و قال مرحبا :
_ منور الدنيا يا حسام .. أخبارك إيه ؟
أجابه حسام خطيب بسمة و قد تعلقت عيناه بغزل و رفضت الإنصياع لأوامره بالإبتعاد عنها و لو بخجل قائلا بشرود :
_ أنا كويس الحمد لله .
إنتبه إسلام لنظرات حسام ناحية غزل فقال معرفا :
_ تعالى يا غزل ده حسام خطيب بسمة .
ثم إستدار ناحية حسام و قال :
_ ودى بقا يا حسام غزل بنت عمى لسه واصله طازة من أمريكا .
رفع حسام حاجبيه متعجبا من جمالها الساحر و قال هامسا بنبرة مشتعلة :
_ غزل !!!
ثم تمالك نفسه و مد يده نحوها و قال و هو يتفحصها بجرأة :
_ إزيك يا آنسة غزل .. نورتى مصر .
إنتبهت لنظراته الوقحة فقررت أن تلقن بسمة درسا جديدا فى ذلك الوقح .. فإبتسمت برقة و صافحته بعدما سلطت مقلتيها الفيروزيتين على عينيه لتتلاعب بهما و بقلبه و بعقله أيضا و قالت ببحتها القاتلة :
_ هاى.. مصر منورة بأهلها .
إزدرد حسام ريقه بصعوبة يجلى به حلقه الذى جف فجأة و هو يغوص فى بحر عينيها الكاريبى .. و قد زادت دقات قلبه وبات يقصف بشدة لاحظتها غزل فإبتسمت بمكر بعدما وصلت لمبتغاها بمنتهى السهولة و ولجت لغرفة بسمة و هناك زوجين من العيون تتابعانها ببنطالها الضيق و حركة خصرها المذيبة للأعصاب .....
خرجت بسمة من المطبخ فوجدتهما واقفان يتطلعان للاشئ و على ثغر كلا منهما إبتسامة بلهاء فقالت بتعجب :
_ مالكم .. واقفين كده ليه ؟!!
إنتبها الإثنان عليه فأجابها إسلام مسرعا :
_ هاه .. مافيش .. خلصتوا الغدا و لا لسه .
أجابته بسمة و هى تطالع شرود حسام و تلك الإبتسامة البلهاء و قالت بنبرة عالية حتى ينتبه إليها :
_ أيوة خلصنا دقايق و السفرة تبقى جاهزة .
لم ينتبه عليها حسام فوخزته بذراعه و قالت بضيق :
_ حسام .. مالك ؟!
إلتفت إليها برأسه و طالعها من فوق كتفه و قال بتنهيدة طويلة :
_ ما أنا كويس أهه و زى الفل و الورد و الياسمين .
زمت بسمة شفتيها بعدم فهم و قالت بإستسلام :
_ طب إقعدوا بابا زمانه جاى أكون حضرت السفرة .
بعد قليل إلتف الجميع حول الطاولة فصاحت هناء قائلة :
_ يا غزل .. يالا. علشان تتغدى يا حبيبتى .
خرجت غزل من الغرفة و فور رؤيتهما لغزل وقفا مسرعين حتى جلست .. طالعهم الجميع بتعجب و خصوصا .. بسمة ....
وزعت هناء الطعام على الأطباق و قالت لغزل :
_إيه رأيك فى مصر يا غزل .. زى ما هى و لا إتغيرت .
أجابتها غزل بفرحة ملأت قسمات وجهها :
_رغم الزحمة و الدوشة .. بس مصر تجنن .. So beautifull .
مصمصت بسمة شفتيها و قالت بضيق من طريقتها الناعمة بالحديث :
_ أنا مش فاهمة إيه اللى خلاكى تسيبى أمريكا و رجعتى مصر .. هى المشرحة ناقصة قوتلة .
إبتسمت غزل بسخرية و قالت مازحة :
_ عندك حق يا بوسى .. بس بقا المضطر يركب التاكسى .
ضحك إسلام و حسام على مزحتها فال لها إسلام من بين ضحكاته :
_ يعنى قمر و دكتورة و ماجستير و بتقلشى كمان .. عاش يا وحش و الله .
لمعت عينى حسام و سألها بلهفة :
_ إنتى دكتورة يا آنسة غزل .
أومأت برأسها مؤكدة و قالت و هى تمضغ ما فى فمها :
_ أيوة دكتورة .. و قريب هقدم فى كذا مستشفى علشان شغل .
زم عونى شفتيه بضيق فتلك المصيبة الجالسة معهم تنوى الإستقرار بمصر و ستتسبب فى إصابته بصداع مزمن بموضوع شقتهم ..
إنتبهت بسمة لنظرات حسام ناحية غزل .. فإمتعض وجهها و هى تقول بضيق :
_ مش بتاكل ليه يا حسام .
تطلع إليها بإبتسامة باهتة و قال بهدوء :
_ لأ باكل يا حبيبتى تسلم إيدك الأكل يجنن .
أمنت غزل على كلماته و قالت برقة :
_ فعلا الأكل يجنن .. تسلم إيدك يا أنطى هناء .
كلما تحدثت زاغت مع شفتيها عينى إسلام و حسام بوله .. سحرتهم بعيناها آسرة القلوب .. تعلم جيدا أنها تمتلك سلاحا قويا تكفيها فقط نظرة واحدة لتردى من أرادت قتيلا بحبها .. إنهمكت هى فى تناول وجبتها بنهم متذكرة طعام والدتها التى تفتقده بشدة كما تفتقدها ...
بعد إنتهائهم من الأكل جلسوا أمام التلفاز و تحدثوا بأمور شتى .. بينما تركتهم غزل و بقيت بغرفة بسمة حتى المساء ...
بعد إنصراف حسام ولجت بسمة لغرفتها وهى تستشيط من الغضب ..و ما أن رأت غزل تجلس على فراشها مرتدية ملابس متحررة بعض الشئ أظهرت جمالها الزائد عن الحد فصفعت ورائها باب الغرفة بقوة .. فرفعت غزل عينيها ناحيتها و قالت ساخرة :
_ بشويش عالباب أعصابك يا بوسى إنتى لسه صغيرة .
أجابتها بسمة بغضب :
_ سبينى فى حالى يا غزل أنا مش نقصاكى .
فسألتها غزل بفضول و هى تنثر شعراتها السوداء الناعمة خلف ظهرها بنعومة :
_ قوليلى صحيح يا بسمة إنتى خريجة إيه ؟
_ آداب .. و مش بشتغل علشان حسام بيغير عليا جدا .
باغتتها غزل قائلة بإبتسامة ماكرة :
_ و إنتى كمان واضح إنك بتغيرى عليه جدا مش كده .
عقدت بسمة ذراعيها أمام صدرها و قالت بحدة :
_ طبعا مش خطيبى وبنحب بعض .. عقبالك .
رفعت غزل حاجبها و قالت لإغاظتها أكثر :
_ بس خطيبك قمور و كيوت جدا .. خلى بالك منه لواحده تخطفه منك .
عضت بسمة على شفتيها و قالت بغضب وقد إشتعلت نيران عينيها :
_ حسام بيحبنى و عمره ما هيشوف واحدة تانية غيرى .
ضحكت غزل على سذاجتها و قالت بجدية :
_ قوليلى صحيح يا بسمة إنتى فاكرة عنوان تيتة رأفة لأنى مش فاكراه خالص .
فكرت بسمة قليلا .. فها قد أتتها فرصة للتخلص من تلك المتطفلة المغرورة .. فعادت إليها الإبتسامة المشرقة و قالت مسرعة :
_ ثوانى و هعرفلك العنوان من بابا أو ماما و هقولك .
و تركتها و خرجت .. إستندت غزل على الفراش بذراعها و قد عاد إليها الأمل فى العثور على جدتها الحنون .. بعد دقائق مرت على غزل ساعات عادت بسمة و بيدها ورقة أعطتها لغزل قائلة بإشمئزاز :
_ ده عنوانها .. بس الصراحة فى حارة بيئة جدا .. ربنا معاكى .
إلتقطت غزل الورقة بأناملها و فتحتها بإبتسامة ملأت وجهها و هى تدعوا الله أن تكون جدتها ما زالت على قيد الحياة .....
فى المساء إستقل رامى سيارته متوجها لزيارة حمزة إبن عمه .. و صديقه .. ربما لم يعودوا كالسابق و سبب ذلك هو عزوف حمزة عن الجميع .. خرج رامى من الطريق الطويل لحارتهم و إنطلق على الطريق الرئيسى و إستدار مجددا و إنحدر بسيارته للطريق المقابل لتلك الحارة ..
إقترب بسيارته من ذلك القصر الكبير و الذى لا يمت بصلة لهذه المنطقة الشعبية المقابلة له .. هدأ سيارته ووقف أمام بوابة القصر.. ضغط بوق سيارته ففتحت البوابة الكبيرة و حياه حارسين من حراس القصر و أشاروا له بالولوج للداخل .. فدلف بسيارته للداخل و أغلقت البوابة ...
تطلع ناحية القصر بإنبهار ككل مرة يراه به .. فالقصر قد إمتاز من الخارج بطراز رومانى نسبة لتلك التماثيل التى تحيطه .. و أعطته فخامة غير مسبوقة كأنه متحف أثرى .. سار بسيارته قليلا داخل هذه الحديقة الواسعة و الخلابة .. وقف بسيارته أمام باب القصر و صفها بهدوء ثم ترجل منها و صعد الدرجات الرخامية المؤدية لبابه . دق الجرس و إنتظر حتى فتحت له إحدى الخادمات و قالت بإبتسامة هادئة :
_ أهلا وسهلا يا باش مهندس نورت الدنيا .. إتفضل .
أجابها و هو يدلف للداخل :
_ أخبارك إيه يا نشوى .
_ الحمد لله .. سألت عليك العافية .
جلس بالردهة و قال برجاء :
_ معلش يا نشوى فنجان قهوة و إدى خبر لحمزة و ميناس لو سمحتى .
_ حالا .
بعد قليل إقتربت منه فتاة فى العشرين من عمرها .. مجرد النظر بوجهها يبتسم ثغرك دون إرادة منك .. فجمالها هادئ كالملائكة .. رغم طولها المتوسط و لكن جسدها ممشوق بطريقة خلابة تخفيه أسفل ملابسها الواسعة .. ربما تستطيع أن تخفى جسدها و شعراتها السوداء الناعمة.. و لكن وجهها سيظل يشع راحة غريبة لكل من يراها بعيناها الخضراء المائلة على اللون العسلى و أنفها الصغير و فمها الذى يشبه حبة الكرز من صغره وإكتنازه .. و وردية بشرتها اللذيذة ..
وقف رامى لإستقبالها و تنهد بشفقة على حالتها المذرية و قد صبغ وجهها البرئ باللون الأزرق فى أماكن متفرقة نتيجة ضرب مبرح .. هز رامى رأسه بأسى و قال بصوته الرخيم :
_ هو ضربك تانى يا ميناس .
طأطأت رأسها و قالت بحزن :
_ لأ .. أنا إتخبطت فى الباب .. عامل إيه يا رامى .
تنهد بضيق و قال بإبتسامة هادئة :
_ أنا كويس الحمد لله .. و ياريتك إنتى كمان تكونى كويسة .
إبتسمت برقة و أجابته بمواربة :
_ صدقنى كويسة جدا الحمد لله .
_ هو حمزة فى أوضته ؟!
أومأت ميناس برأسها و قالت بنبرة خافتة :
_ أيوة .. إدخله لهو النهاردة عصبى جدا و أنا خايفة عليه .
هتف رامى بإستنكار متطلعا لوجهها و الذى تلون بمختلف الألوان قائلا بسخرية :
_ ما هو واضح إنه عصبى باين على وشك .
إنتبه لتبدل ملامحها و هذه الإبتسامة الخافتة التى ظهرت على ثغرها .. إلتفت ورائه فرأى ظلا يسبق صاحبه و هو يخرج ناحيتهم من أحد الغرف ....
أصابتها تلك الرجفة الخفيفة و التى تصاحبها دائما فور رؤيته بهيبته و جماله .. حبيب عيونها و قلبها .. لم تشعر بإنفراجة شفتيها و تبسمهم و هى تتطلع ناحيته .. تتمنى دائما أن يشعر بها و يقدر تضحياتها من أجله ... إختارته بملأ إرادتها و إن عاد بها الزمن مجددا .. ستختاره حتما .. تاركة دراستها و طموحها و جدتها و إختها و التى لا تراهم سوى مرات قليلة .. و لكن كل هذا فى كفة و قربها منه فى كفة أخرى .. إستكفت به عن الجميع ...
خرج حمزة من غرفته .. و هو يحرك كرسيه المتحرك بيديه و فور رؤيته لرامى إبتسم إبتسامة متسعة و قال بصوته الرجولى الدافئ :
_ وحشتنى يا صاحبى .. إنت فين يا رامى .
ضحك رامى ضحكة عالية وهز رأسه مستنكرا و قال بسخرية :
_ تعالى يا حاج صبرى شوف إبنك و هو عامل ديل حصان .
رفع حمزة حاجبه بضيق و قال بحنق مستندا بذراعيه على كرسيه :
_ ده قصر ديل يا أذعر .. بتغير منى و متضايق علشان شعرى أحسن من شعرك .
جلس رامى أمامه و قال بغرور مدافعا عن نفسه بثقة :
_ صحيح مقصر شعرى بس لو طولته همسحك يا معلم .. المهم .. أخبارك إيه ؟
أشار حمزة بذراعيه على جلسته الإجبارية و قال بضيق :
_ عادى زى ما أنا .. إنتم اللى كويسين و مهاب عامل إيه ؟!
حك رامى أسفل أنفه و قال بنظرات كمن مسك بالجرم المشهود :
_ كلنا كويسين الحمد لله .. بس مهاب بسببك و بسببى بقا ولا ولاد الشوارع .. و العوو بقا على آخره .
ضحك حمزة ضحكة عالية و قال بحزم :
_ إحنا لينا فى مهاب أكتر من العوو نفسه .. ياباختك يا رامى بتشوفه كل يوم ... إنما أنا بشوفه لما بيجى مع أمى .
شرد حمزة قليلا متذكرا تلك الحادثة و التى كانت نتيجتها أنه الآن سجين ذلك الكرسى المتحرك .. إنجرف وراء أصدقاء السوء و تبعهم كأنه مسلوب الإرادة حتى بات الجميع يحذره من ذاك الطريق الخطر و نهايته المحسومة مقدما و لكنه صم أذنه و ضرب على قلبه حتى حصد ما زرعته يديه .... و ما يؤلمه أكثر أنه لم يكن المتضرر الوحيد من تهوره بل كان مهاب أيضا أكثر المتضررين فخسارة هذا الطفل كانت الأكبر بلا شك .......
عاد من شروده فوقعت عينيه على زوجته .. كما يلقبوها .. طاف بعينيه عليها كليا و تأمل جمالها المخفى وراء ملابسها الواسعة و تورم وجهها و صبغته التى مصدرها كفيه .. ثم صك أسنانه بغضب و صاح بها قائلا بغلظة :
_ إنتى واقفة كده ليه إتخفى فى أى حتة لغاية ما أعوزك .. يالا .
أومأت ميناس برأسها و إتجهت لغرفتها بهدوء و كالعادة دموعها تسبقها لزنزانتها .. سبب تلك الدموع لم يكن صراخه بها و إحراجها .. بل نظرات التحقير منها .. متى ستشتعل تلك العينان بحبها .. لمتى ستنتظر أمل واهى ربما لن يتحقق .......
تابعتها عينى رامى بحزن .. ثم إلتفت برأس ناحية الصخرة الحجرية القابعة أمامه و نهره قائلا بنبرة عالية شفقة على تلك المسكينة :
_ هى عملت علشان تحرجها كده .. إنت ماعندكش دم و لا إحساس و الله .
إشتعلت عينى حمزة مع نظرات رامى لميناس حتى و لو من باب الشفقة .. و إستدار بكرسيه مبتعدا عنه و إبتعد قليلا ثم توقف و إستدار إليه مجددا و قال بغضب أعمى كقلبه :
_ قولتلك كام مرة مالكش دعوة باللى بينى و بينها .. إتفضل إمشى و متشكرين على الزيارة .
و إستدار مجددا متوجها لغرفته تسبقه نيران عينيه المتوعدة لتلك المسماة زوجته .......
أسرع رامى و وقف و إعترض بجسده تقدم حمزة و قال معتذرا بأسى :
_ خلاص بقا أنا آسف يا زميلى .. متكرمشليش وشك كده يا حمزة .
هدأت نيرانه قليلا فرامى لم يكن له مجرد إبن عمه وفقط بل كان أخيه كفارس و أكثر .. أخيه الذى تقاسما معه غرفته بعد وفاة والديه و أصبحا رفيقين فى اللحظات السعيدة و الحزينة .. تحولت أخوتهم لصداقة قوية مع مرور الوقت حتى أنهما إختارا مجال دراسة واحد و تفوقا حتى وصلا لمبتغاهما .. و لكن حمزة من إبتعد عنه و إختار طريقا آخر رغم محاولات رامى المستميتة بإبعاده عنه و لكن كان للقدر كلمة أخرى .....
عقد حمزة ذراعيه أمام صدره و أجابه ببرود :
_ هقبل أسفك بس بشرط واحد .
إبتسم رامى رغما عنه و هو يطالع حمزة بيأس .. لن يتغير .. حمزة المدلل و المستغل .. ذكى بدرجة شيطانية و يستطيع قلب الموازين ناحيته دائما .. فسأله بفضول قائلا بحذر :
_ ده إنت بجح بجاحة .. سمعنا شرطك يا فنان .. ربنا يستر .
لوى حمزة ثغره مداريا إبتسامته و أجابه بهدوء :
_ هاتلى مهاب أشوفه وحشنى .. و بكرة زى دلوقتى كمان .
أومأ رامى برأسه موافقا و قال بجمود :
_ و ماله يا صاحبى .. بس برضه بشويش على الغلبانة اللى جوة دى علشان فى يوم هتمشى و تسيبك و ساعتها هتندم و ندمك مش هيفيدك .
ضغط رامى دون قصد منه على جرحه بقوة و نثر فوقه ملحا مزيدا من ألمه من تلك الحقيقة المؤكدة .. رحيلها .. لن تصمد كثيرا أمام ما يفعله بها .. عن قصد ......
فطأطأ رأسه و كسى الحزن ملامحه و تنفس بعمق و زفره مرة واحدة قائلا بنبرة فاترة :
_ ما هى أكيد هتسبنى فى يوم .. أنا مش فاهم أصلا هى مستحملة اللى بعمله فيها ليه .
تطلع إليه رامى بتعجب .. هل هو غبى لهذه الدرجة أم أنه يتصنع الغباء .. ما التى ستحتاجه فتاة مثلها تركت حياتها و أسرتها و تعليمها و إختارته هو رغم رفض الجميع لتلك الزيجة المحكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ .....
مال ناحيته قليلا و تطلع بقوة داخل عينيه و قال موضحا .. بطريقته .. الفجة :
_ تبقى حمار لو مش عارف هى مستحملاك ليه .. ما هو كده ربك لما بيريد بيرزق ال ***** .
قطب حمزة حاجبيه بغضب و فجأة صدمه بكرسيه بقوة .... تألم رامى من ساقيه و تأوه قليلا بينما إبتسم حمزة و قال ساخرا :
_ بتسوء العوء عليا ليه و إنت ما بتعرفش تسوقه .
كور رامى قبضته أمام وجه حمزة و الذى يحدجه بتحدى قوى رغم عجزه و قال له كاظما غضبه :
_ لولا إنك حبيبى يا حمزة كنت حطيت عليك و وقتى .. بس هعديها يا هندسة .
ها هو رامى مجددا يضغط جرحا جديدا .. حلم حياته دراسة الهندسة والذى فعل كل ما بوسعه و أكثر للحصول على درجات عالية من أجل الوصول لحلمه .. و بعد أربع سنوات دراسه و قربه من الوصول لحلمه و ملامسة النجوم .. سلسلته سلاسل حديدية ربطته بالأرض و منعته من الطيران و ملامسه حلمه القريب ......
إبتسم بسخرية و قال شاردا بالبعيد :
_ وحشتنى يا هندسة منك .. بس ربك ما أرادش إنها تتحقق .
إنتبه رامى لحزنه فلعن لسانه الطويل ولعن نفسه أيضا هل أتى للترويح عنه قليلا و لا زيادة همومه و تقليب أحزانه مجددا .. فقال برأفة على حاله :
_ ما هو إنت اللى رفضت ترجع الكلية تانى معايا .. كان زمانك متخرج زيى و بقيت أحلى باش مهندس فى الدنيا .
طأطأ حمزة رأسه و قال بإنكسار متطلعا بساقيه الميتتين بحزن :
_ كنت عاوزنى أرجع الجامعة و أنا على كرسى بعجل بعد ما كنت الباشا الكبير بين صحابى .. عاوزنى أشوفهم بيبصولى بشفقة .. لا يا صاحبى كده أحسن و باعدين كفاية علينا إنت يا هندسة .. عيلة السعيد ما تستحملش إتنين مهندسين .
ضغط رامى على كتفه و هزه قليلا و قال بجدية :
_ ما هو إنت لو توافق على العملية هترجع أحسن إن شاء الله من الأول بس زناخة مخك ما شوفتهاش على حد .
رفع حمزة حاجبه بحنق فقد إكتفى من لسان رامى الجامح .. فأشار بذراعه ناحية باب القصر و قال بصوت محتقن :
_ إطلع بره .. أنا اللى أستاهل إنى باخد و أدى مع أمثالك .. يالا بره .
ضحك رامى ضحكة عالية و رفع ذقنه بإيباء و قال بثقة :
_ يا صاحبى أنا ليا فى القصر ده نصه و إنت و إخواتك النص التانى .. يعنى أنا اللى أطردكم مش سموك اللى تطردنى .
أجابه حمزة مؤكدا ساكبا الوقود على النار دون أن يشعر :
_ إطلع بره برضه و ما أشوفش وشك هنا غير و إنت داخل بالعسلية عروستك ... مفهوم .
زم رامى شفتيه و إنتصب فى وقفته نافشا عضلاته فى حركة متحفزة للهجوم و قال محذرا و هو يسيطر على كل ذرات غضبه :
_ أنا بس اللى أقولها عسلية مفهوم و لا هيوحشنا لسانك ده .
إبتسم حمزة بمكر و هو يتطلع بالطاووس الواقف أمامه نافشا ريشه و مستعد للإنقضاض عليه فقرر إغاظته أكثر و لم يدرى عواقب تسرعه قائلا بمزاح:
_ آخر مرة شوفتها كانت زى القمر ... فعلا إسم عسلية لايق عليها هى وبس .. حاجة كده بشمعها .
وصل رامى لأقصى مراحل غضبه فجذب حمزة من سترته و قربه من وجهه المحتقن من الغضب قائلا بزمجرة مخيفة :
_ شوفتها إمتى إن شاء الله .. و إنت إزاى تسمح للسانك ده يجيب سيرتها و إنت عارف إنى ساعة الشر حانوتى و ممكن أدفنك مكانك .. دلوقتى .. و مش بهزر .
إبتلع حمزة ريقه بصعوبة و هو يطالع ذلك الوحش الغاضب و الذى حرره بكلمات مازحة .. فقط مزحة .. فقال له مهدئا بنبرة حذرة :
_ سيكا ها .. إهدا يا وحش و الله بهزر .. دى أخت مراتى يا معلم يعنى زى أختى بالظبط .
دفعه رامى بغضب و إعتدل فى وقفته قائلا بصرامة و هو عابسا :
_ ما تلعبش بالنار معايا تانى يا حمزة .. إنت عارف إنى من ناحيتها مش بتحكم فى نفسى .
رفع حمزة كفيه بالهواء و قال معتذرا :
_ آسف يا عمونا ما تزعلش بقا مش هعملها تانى خلاص .
زفر رامى بضيق نافثا نيرانه و قال و هو ينصرف متحكما بصعوبة فى مشاعره :
_ أشوفك باعدين يا هندسة .. سلام .
و تركه و إنصرف .. ضحك حمزة ضحكة عالية و هو يتابع إنصرافه الغاضب .. يعلم جيدا مدى عشقه و تعلقه المرضى بحبيبته .. لم يكن يجدر به العبث بتلك المنطقة ..... هدأت ضحكاته و تلاشت عندما وقعت عينيه على باب غرفتها .. فصاح قائلا بصوت رخيم :
_ إنتى يا هانم تعالى هنا .
إرتعدت و هى جالسة تقرأ قليلا .. فقذفت كتابها و ركضت ناحية الباب ثم توقفت و عادت لمرآتها تطلعت لهيأتها و ما أن إطمأنت من هندامها فركضت مسرعة ناحية باب غرفتها يسبقها قلبها المتلهف لرؤيته .....
خرجت من غرفتها ترتجف من رعبها .. و إقتربت منه بخوف و قالت بصوت مبحوح :
_ أيوة .
فى هذه اللحظة و كل لحظة يراها بها يلعن برائتها و جمالها و صفائها و نظرتها الملتاعة و الناطقة بعشقه ... تحكم فى دقات قلبه العاصفة من مجرد رؤيتها و قال ببساطة :
_ دخلينى أوضتى .. يالا .
إلتفت حوله و عطرها يجعله يستشيط و يريد جذب رأسها و ضربها بأقرب حائط .. ألم ينهرها سابقا على عطرها ذاك .. ولجت به لغرفته فتوقفت عن الدفع و إنتظرت باقى أوامره .. فأتاها صوته قائلا بهدوء :
_ دخلينى البلكونة و سبينى .
دفعت ميناس الكرسى مجددا بإتجاه الشرفة .. حتى ولجا بها .. عدلت من وضعية الكرسى حتى أصبح مقابلا لحديقة القصر الرائعة الجمال و تركته و إنصرفت ...
أوقفها حمزة قائلا بنبرة آمرة :
_ إقعدى هنا على الكرسى اللى قدامى ده .. وإياكى تتحركى مفهوم .
أومأت برأسها بسرعة و جلست قبالته بهدوء .. أشعل سيجارته و أخذ ينفث دخانها بشرود .. بينما إكتفت ميناس بمتابعته بعينيها و دقات قلبها تكاد تصم أذنيها من شدتها ....
لو إجتمع أمهر الرسامون الآن لما إستطاعوا رسمه بدقة كما رسمته هى بداخلها .. تراه خلابا فى شروده رغم ملامحه الصارمة و عبوسه الدائم بوجهها إلا إن وسامته تشعل بداخلها نيران عشقه فتدفء روحها .. لأنها المتيمة بعشقه من رأسها حتى قدميها ....
كعادتها .. منذ عودتها تظل بغرفة بسمة منطوية على نفسها لإحساسها بالغربة و الهجر بينهما .. على الرغم من أنهم عائلتها و لكن إن لم يكن هناك خير فى والدها و أخيها فهل سيكون فى عمها و أسرته و التى لم تلتقيهم منذ عشرون سنة .. تنهدت غزل بأسى و هى تتطلع للغرفة من حولها جالسة على الفراش تضم ركبتيها لصدرها بقوة .....
تصنعها للقوة بات يرهقها .. إلى متى ستظل متصنعة .. حتى الإبتسامة تتصنعها .. كم تتمنى أن تعود كسابق عهدها كالفراشة المنطلقة و ضحكاتها و سعادتها و شغبها يملأ أى مكان تكون به .. و لكن .. كل ذلك قد دفن مع والدتها كثقتها بالبشر و شعورها الأمان ..
خرجت منها آهه خفيضة و هى تتذكر والدتها و ما حدث معها .. عند هذه النقطة إحتضنت ساقيها أكثر و أخذت تتحرك بسرعة للأمام و الخلف نافضة صورة ما حدث من عقلها .. و عندما إنتبهت لحالة الضعف التى تملكتها و قفت منتصبة و حاولت السيطرة على إنفعالاتها و قررت أن المواجهة أقصر الطرق و أصعبها أيضا .....
إرتدت إسدالها و خرجت تبحث عن عمها فلتقطع عرقا و تسيل دمه .. بحثت حولها فلم تجده و لكنها وجدت هناء جالسة تتابع التلفاز فإقتربت منها و سألتها مستفهمة :
_ هو عمى فين يا أنطى .
أجابتها هناء ببرود و هى ما زالت عينيها على التلفاز :
_ نام يا غزل .
رفعت غزل حاجبيها بحدة و هى تشتعل من غضبها لمتى سيعاملها عمها بهذه الطريقة .. إنه حقها و تريده ما هو الشئ الصعب فى ذلك .. إلتفت هناء برأسها ناحيتها نصف إلتفافة و قالت بإيجاز :
_ أحضرلك عشا .
زمت غزل شفتيها بضيق و قالت بنبرة فاترة :
_ لأشكرا .
و عادت للغرفة مجددا .. نزعت إسدالها عنها بقوة كادت تمزعه و جلست على الفراش تفكر و شرر عيونها الفيروزى يكاد يحرق كل شئ حولها .. دلفت بسمة لغرفتها فوجدت غزل على حالتها فإبتسمت بغل و تشفى و إقتربت منها عاقدة ذراعيها و قالت ساخرة :
_ بشويش على نفسك يا غزل ليطقلك عرق و لا حاجة إنتى لسه صغيرة على زعلك ده .
لقد زاد إشتعالها الآن من تلك البغيضة و لكنها و بهدوء متمرس تصنعت الإبتسام و رسمت إبتسامة ماكرة على ثغرها و هى تطالعها بقوة و قالت بتحدى :
_ ما تحاوليش تقلدينى يا بوسى لأنه قدامك كتير قوى علشان تبقى زيى .. و أظن إنه مستحيل .
مصمصت بسمة شفتيها و سألتها بنبرة هازئة :
_ أبقى زيك إزاى يعنى مش فاهمة ؟
وقفت غزل قبالتها و نظراتها تزداد عمقا و تحدى و قالت بنبرة منذرة :
_ بلاش تفهمى لأنى هخليكى تشوفى بعنيكى .. و برضه مش هتفهمى .
و تركتها و عادت للفراش إندست به و سحبت فوقها الغطاء بغضب .... بينما تطلعت إليها بسمة بغيرة و حقد و تركت لها الغرفة و صفعت ورائها الباب بقوة ..
أزاحت غزل الغطاء من فوقها و جلست مجددا ضامة ركبتيها لصدرها و هى تقاوم دموعها .. رفعت عيناها للسماء و ناجت ربها قائلة برجاء :
_ يا رب دلوقتى ماليش غيرك .. أنا مخنوقة قوى و إنت بس اللى حاسس بيا .. يا رب ألاقى تيتة لسه عايشة هى و خالتو نغم ده آخر أمل ليا .
و تمددت بهدوء مرددة الإستغفار كعادتها كل يوم كما علمتها .. والدتها .....
فى آخر الليل ولج رامى لشقة صبرى متأخرا ليجد زينب فى إنتظاره مستندة برأسها على الأريكة و تقاوم النوم .. إبتسم بهدوء و هو يطالع تلك السيدة الطيبة والتى إعتبرته إبنها و لم تفرق فى معاملته بينه و بين أولادها .. و سهرت فى مرضه و فى أوقات مذاكرته و لهفتها لإنتظار نتيجة إختباراته و فرحتها بنجاحه و خطبته .. لم يشعر لثانية أنها زوجة عمه بل هى أمه بكل ما تحمله الكلمة من معنى ...
إتجه ناحيتها فوجدها مغمضة العينين بإرهاق فإنحنى لمستواها و حمل كفها و قبله بإمتنان .. فإنتفضت من نومتها فوجدته يقبلها فسألها بضيق :
_ إيه اللى مصحيكى يا ست الكل .
رغم هدوئها بعودته و إطمئنان قلبها .. إلا إنها زمت شفتيها و عبست قليلا و قالت بغضب :
_ بستناك يا باش مهندس .. إتأخرت ليه ؟!
جلس بجوارها و قبل مقدمة رأسها و قال متأسفا .. لكم أن تتخيلوا شاب فى نهاية العشرينات من عمره فاره الطول و العرض بنظرة من عينيه يرعب أكبر شنب بمنطقته الشعبية و حزمه فى عمله جعله ناجح فى إدارة شئون مصنع كبير كمصنعهم .. يعتذر .. عامة قال بهدوء :
_ معلش أنا آسف اللى سهرتك كده .. مش هعمل كده تانى يا ست الكل .
ثم إبتسم بوجهها و قال بحب :
_ ربنا يخليكى ليا و ما يحرمنيش من قلقك عليا .
بادلته إبتسامته و ربتت على كفه و قالت بحنو :
_ و يخليك ليا يا حبيبى و أفرح بيك و بعيالك إن شاء الله .
ثم عقدت حاجبيها و سألته بقلق :
_ إتعشيت و لا أقوم أحضرلك أكل بسرعة .
أومأ برأسه نافيا و قال بإبتسامة ممتنة :
_ لا يا حبيبتى شكرا أنا إتعشيت .
و بحث بعينيه حوله و سألها بتعجب :
_ هو عمى نام .
وقفت زينب تنوى تركه و أجابته وهى تتثائب بكسل :
_ أيوة و مهاب و فارس كمان ناموا .
حرك عنقه بإرهاق و وقف قائلا بكسل :
_ أدخل أنام أنا كمان .
ثم إستوقفها قائلا بقوة :
_ صحيح قبل ما أنسى .. جهزى مهاب بكرة علشان حمزة عاوز يشوفه .
إتسعت عيناها و إلتفتت إليه مسرعة و سألته بتلهف :
_ إنت روحتله النهاردة .
نزع سترته و قال بضيق :
_ أيوة .. و ما تقلقيش عليه إبنك زى الفل .. بس مراته الغلبانة متصبغة من كتر الضرب .. مش عارف آخرتها معاه إيه ؟!
تهدلت ملامح زينب فزادتها تقدما فى العمر و تنهدت مطولا بأسى و قالت بحزن :
_ قلبى بيتقطع على حال ولادى الإتنين .. مالهمش حظ .. ربنا يهديهم و يحميهم .
شعر رامى بغصة مؤلمة فى حلقه من رؤيتها حزينة بهذا الشكل المؤلم .. فقال لمداعبتها :
_ و أنا ماليش دعوة كده و لا كده .
ضحكت بخفوت و قالت بحنان يغرقه :
_ بس يا واد .. إنت عارف و متأكد إن غلاوتك من غلاوتهم .. إنت أمانة فى رقبتى لغاية آخر نفس فى صدرى .
ضمها رامى مسرعا مستنكرا حديثها عن الموت و الفراق قائلا بحدة :
_ بعد الشر عنك يا حبيبتى ربنا يعلم إنى بحبك زى أمى الله يرحمها بالظبط و من غير حبك و حنيتك كنت ضعت .
إبتعدت عنه قليلا و مررت أناملها على وجهه و قالت بإبتسامة هادئة :
_ ربنا يباركلى فيك .. يالا إدخل يا حبيبى إتشطف و نام .
ثم إبتعدت عنه و رفعت سبابتها بوجهه و قالت محذرة بمداعبة :
_ و ناااام .. هاه .. نام على طول و بلاش واقفة فى الشبابيك .. تصبح على خير .
تركته و دلفت لغرفتها و هو خلفها مبتسما على تلميحاتها الساخرة .. إتجه هو أيضا لغرفته و أغلق ورائه الباب و أخرج هاتفه أجرى إتصالا و إنتظر الرد .....
أتاه صوتها الرقيق مثلها و الذى سيفقده عقله يوما .. مؤكدا .. قائلة :
_ ألو .
زادت دقات قلبه و تنهد مطولا متلذذا بذبذبات صوتها الرقيق مثلها و أجابها بجنون :
_ وحشتينى قوى .. إفتحى الشباك هموت و أشوفك .
أجابته بخجل بادى بصوتها قائلة :
_ حاضر ثوانى بس .
الفصل الثالث:
وقف فى نافذته يتطلع بنافذتها بفارغ الصبر .. حتى سطعت شمس قلبه برؤيتها .. فهى كالشمس بنقائها بأشعتها الذهبية .. و لم لا و هى ذهبية فى كل شئ فى شعراتها فى لون بشرتها فى عينيها العسلية و التى تشبه الذهب فى لمعانه .. لم يرى بحياته سواها ملأت كيانه منذ طفولتها إمتلكها و دمغها بإسمه فورا ......
كعادة كل يوم يحادثها ثم يقفا كلا فى نافذته .. من ناحيته هو يتمنى أن يتوقف الزمن و الكون من حوله و يظل يحدق بها دون ملل أو حديث .. أما هى فتستسلم لنظراته الجائعة إليها دائما و التى لن و لم تشبع يوما ...
خرج عن صمته بصعوبة كأنه ينتزع صوته إنتزاعا من حلقه قائلا بلهفة و قد لفحته أنفاسها المشتاقة إليه :
_ ليال .....
بمجرد سماع إسمها من بين شفتيه ينتفض جسدها بالكامل مع زيادة دقاته قلبهاو سرعة أنفاسها .. فتضطر للسيطرة على مشاعرها التى بعثرها و لملمتها قائلة بصوت مرتجف :
_ أيوة .
تعلم جيدا بما سيجيبها و لكن لهفتها لسماعها كل مرة تجعل منها أول مرة تسمعها .. كم يتمنى هو لو تعلم هى ماذا تفعل به ذبذبات صوتها الرقيق و الذى يسحبه معه لتيار عشق جارف .. رغم المسافة بينهما إلا إنه يشعر بها أمامه و لو أنه مد يده ناحيتها سيشعر بها .. إزدرد ريقه بصعوبة و قال متعمقا فى شهد عيناها :
_ بحبك .
إبتسمت بخجل و أشاحت ببصرها عنه فقال مسرعا :
_ إرجعى بصيلى .. ما تبعديش عنيكى عنى .
رفعت عينيها نحوه بخجل يفقده ما تبقى من رشده .. إبتسم بهدوء و سألها :
_ أخبارك إيه يا عسلية .
_ الحمد لله .. و إنت ؟!
إتسعت إبتسامته و أجابها بتنهيدة طويلة :
_ أنا لما شوفتك بقيت زى الفل .. على فكرة أنا شوفت ميناس النهاردة و هى كويسة .
إتسعت عيناها و زاد تقطر شهدهم و هى تقول بتلهف :
_ بجد كويسة .
أومأ برأسه و قال مؤكدا نافيا ما رآه من إيذاء بدنى لميناس خوفا عليها من القلق :
_ ما تقلقيش عليها .. هى مش بتكلمك دايما .
إكتست ملامحها بموجة حزينة و أجابته بضيق :
_ أيوة .. بس أنا بحس بيها و عارفة إنها بتكدب عليا و إنها مش مبسوطة .
آلمته نظرات حزنها فقال لها بمداعبة :
_ ما تكلمى ستك بقا خليها توافق على جوازنا ده أنا خاطبك بقالى تسع سنين .
هزت كتفيها بطفولة وقالت بخجل :
_ أنا أتكسف أكلم تيتة فى حاجة .. لما تيجى تزورنا مع عم صبرى و العوو إبقى قولها إنت .
أومأ برأسه و هو يتأملها و قال بضيق :
_ ربنا يسهل و توافق المرة دى .. إنتى كويسة .
_ أيوة الحمد لله .
حاول جاهدا الثبات أمام نبرتها الحانية و قال بسرعة قبل أن يذهب إليها و يختطفها و يتزوجها و إنتهت :
_ طب إدخلى يلا و إقفلى الشباك و خلى بالك من نفسك .. ولو إحتاجتى أى حاجة .. أى حاجة كلمينى فورا و لو مش موجود هبعتلك الواد بونجا تمام .
نظرت إليه بعينين يملؤهما الحب و أومأت برأسها دون أن تنبس بحرف .. تعلقت عيناه بها و أبت تركها فسيطر على نفسه للمرة المليار أمامها و قال بضيق :
_ تصبحى على خير يا عسلية .
إبتسمت إبتسامة مشرقة و قالت بهمس :
_ و إنت من أهله .. باى .
و لوحت إليه بيدها و أغلقت الهاتف .. ثم إتجهت لنافذتها حدجته قليلا بخجل و أغلقتها بهدوء .. ليدخل كلا منهما فى نوبة شوق مرهقة .....
فى الصباح إستيقظت غزل و كلها عزم و قوة فى الإمساك بعمها قبل أن يهرب منها مجددا .. إرتدت ملابسها و خرجت تتلفت حولها بحثا عنه .. فلم تجده .. أظلمت عيناها و توجهت ناحية المطبخ فوجدت هناء تعد طعام الإفطار .. فإقتربت منها قائلة :
_ صباح الخير يا أنطى .
أجابتها هناء بإبتسامة باهتة :
_ صباح النور يا حبيبتى .. هى بسمة لسه نايمة ؟
إلتقطت غزل ثمرة خيار و قضمتها قائلة ببرود :
_ أيوة لسه نايمة .. هو عمى لسه نايم .
تصنعت هناء إنشغالها مبتعدة بعينيها عنها قائلة ببساطة :
_ نزل راح شغله و إسلام كمان نزل .
رفعت غزل غرتها بغضب و هى تزفر بضيق و قالت بداخلها و قد إشتعلت نيران عيناها :
_ و باعدين بقا .. و آخرة لعب العيال ده إيه هتهرب منى لغاية إمتى يا عمى .
لاحظت هناء شرودها و الشرر المنطلق من عيناها فقالت لها بهدوء :
_ روحى صحى بسمة يا غزل علشان تفطروا مع بعض على ما أجهزه .
أومأت غزل برأسها .. ثم قالت برجاء :
_ بعد إذنك يا أنطى ممكن أروح أسأل على تيتة رأفة لو سمحتى بعد الفطار .
أجابتها هناء و هى تضع البيض المخفوق بالمقلاة قائلة بقلق :
_ بس إنتى ممكن تتوهى يا حبيبتى لواحدك .. إستنى لما يرجع إسلام يبقى ياخدك .
زمت غزل شفتيها و قالت بإستعطاف :
_ please يا أنطى وافقى .. وأنا هنزل أشترى فون و هكلمك كل شوية و هركب تاكسى كمان .
أومأت هناء برأسها و قالت بحزم :
_ ماشى .. بس إنزلى أول حاجة إعمليها إشترى موبايل .
قضمت غزل من ثمرة الخيار مجددا بسعادة فإلتفت إليها هناء نصف إلتفافة و سألتها بهدوء :
_ معاكى فلوس كفاية .
أجابتها غزل بتلقائية :
_ أيوة معايا كاش كفاية .. ده غير إنى حولت كل رصيدى من أميريكا لبنك هنا فى مصر .
لمعت عينى هناء و سألتها بإهتمام :
_ كويس .. المبلغ اللى حولتيه ده كبير يعنى يا حبيبتى .
لاحظت غزل سؤالها الفضولى و إهتمامها الزائد فقالت بتوتر من غبائها :
_ يعنى يكفينى لغاية ما ألاقى شغل .
ثم تجهم وجهها و هى تتابع حديثها بتحدى :
_ و عمى يدينى إيجار الشقة و المحل .
زمت هناء شفتيها و تجهم وجهها و قالت بضيق :
_ أه .. أه .. روحى بقا صحى بسمة .
فى وكالة السعيد جلس فارس على مكتبه منكبا يطلع بعض الأوراق أمامه حتى إنتهى .. يحاول جاهدا الإنغماس فى عمله يصارع وحدته و أفكاره المتخبطة و صورة تلك الطفلة التى لم ترحمه يوما سواء فى غفوته أو أثناء يومه ..
رفع عينيه عن الأوراق و صاح قائلا بصوت عالى :
_ وله يا بونجا .
ركض بونجا ناحيته مسرعا و قال مجيبا :
_ أيوة يا مريتة .
إبتسم فارس بخفوت و قال ساخرا :
_ لأ إحنا لسه على الصبح .. إبعد عن أى كلمة فيها حرف السين .. تمام .
رد عليه بونجا بإبتسامة هادئة قائلا :
_ مقبولة منك يا ريت .
ضحك فارس فى سابقة لا تحدث كثيرا و مد يده بورقة ناحيته و قال بعملية :
_ ريت ..... المهم روح المخازن و جهز لرامى شحنة الحديد دى و خليهم ينقلوها على طول على المصنع و روح معاهم.. تمام .
أدى بونجا التحية العسكرية و قال بجدية :
_ تمام يا مريتة .. هخليهم يجهزوها بترعة و هرجع أنا جنبك هنا علشان لو إحتاجت حاجة .
إستند بذراعيه على مكتبه و قال بهدوء :
_ طيب .... عامل إيه مع مراتك .. إوعى تزعلها دى بنت حلال .
_ دى فى عنيا و قلبى .. ربنا يخليها ليا .. تحيح المعلم تبرى باعتنى بشوية طلبات لحمزة باشا على العترية كده .
ضرب فارس كفيه ببعضهما و قال مازحا :
_ تبرى .. و عترية .. إمشى يا بونجا أنا عاوز لسانى سليم .. إمشى .
_ ماشى يا كبير .. لو عوزت حاجة بت إنده عليا .
وتركه و خرج .. إنهمك فارس مجددا فى مطالعة الأوراق التى أمامه حتى دلف عليه رامى قائلا بشغبه المعتاد :
_حبيبى يا عوو .. أخبارك إيه يا مريسة .
أجابه و هو يحرك عنقه بإرهاق :
_ كويس الحمد لله .. الشحنة اللى إنت طلبتها هتوصلك على العترية .
ضحك رامى ضحكة عالية و قال محذرا :
_ عترية .. هو الواد بونجا بهت عليك .. ما تقعدش معاه كتير بقا .
إلتف فارس بجسده و وضع أوراقه بخزنته و أوصدها قائلا بهدوء :
_ هروح أنا للمستشفى عندى إجتماع مهم .
وضع رامى كفيه فى جيبى بنطاله وقال بحزم :
_ و أنا هروح المصنع و بعد كده هاخد مهاب لحمزة عاوز يشوفه .. مش ناوى تروح له يا عوو .
لملم فارس أشيائه و أجابه بوجه متجهم و نبرة فاترة :
_ لأمش ناوى .. سلملى عليه و خلاص .
و هم منصرفا فوقف رامى أمامه معترضا تقدمه بجسده و قال بإستعطاف :
_ سامحه بقا يا فارس .. حرام عليك يا أخى .. هو صحيح غلط بس دفع تمن غلطته غالى و المسامح كريم .
إبتسم فارس بسخرية و قال بصوت قاتم كنظراته :
_ أسامحه ..... بسبب تهوره إبنى بقا يتيم و هو قعد على كرسى بعجل .. يعنى ضيع نفسه و ضيعنى معاه .. و كل ده ليه علشان القرف اللى كان بيتعاطاه .. و أنا و إنت ياما نصحناه بس هو ركب دماغه و ساقها بسرعة و عمل حادثة فمراتى ماتت و هو إتشل .
تنهد مطولا بأسى و قال بحدة :
_ ربنا يسامحه و يشفيه . و يالا إدينى سكة علشان ما أتأخرش على إجتماعى .
و خرج مبتعدا تاركا رامى فى تخبطه .. فهو يعلم جيدا أن فارس رجلا بحق .. رجلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى .. إبن بلد كما يقولون طيب القلب .. و لكن موقفه الصلد مع أخيه سبب ضيقا للجميع ...
خرج رامى هو الآخر متوجها المخازن و بعدما إطمئن من إتمام نقل شحنته توجه لسيارته مغادرا و ما أن فتح الباب حتى جحظت عيناه بغضب و صفع باب سيارته بقوة و إتجه نحوها و عينيه تشع شرارا .....
إبتلعت ليال ريقها بصعوبة و هى تطالع تقدمه نحوها و إحمرار عينيه كجمرتين مشتعلتين .. فإرتجف جسدها خوفا و تصنمت مكانها ... إقترب منها و قبض على ذراعها و سحبها ورائه حتى دلفا لمدخل بنايتهم فدفعها بالقوة على الحائط و حاصرها فاقدا صبره و قال بقوة :
_ إيه اللى نزلك من البيت يا ليال .
حاولت إستجماع قوتها و قالت بصوت مرتجف :
_ كنت .... كنت بجيب الدوا لتيتة و الله .. أهه .
و رفعت الدواء أمام عينيه بذراعها الحرة فأجابها بغضب كاد أن يلتهمها هى و دوائها اللعين قائلا بصوته الأجش :
_ و مكلمتنيش ليه .. مش أنا قايل ما فيش نزول للشارع أبدا .
رمشت بعينيها بسرعة و قالت بذعر :
_ آخر مرة خلاص مش هعمل كده تانى .. أنا آسفة .
زفر بضيق فإنتبه لحركة عينيها المذعورة منه .. فأرخى قبضته بعدما شعر أنه سحق ذراعها و تطلع إليها مطولا قائلا بهدوء:
_ إبقى إسمع الكلام علشان أنا معاكى مش ضامن ممكن أعمل إيه فى أى حد هيفكر بس يبصلك .. و نزول للشارع تانى يزعلك منى .. تمام .
أومأت برأسها بعدما هدأت قليلا .. ذاب مع ذهب عينيها اللامع فأطرقت رأسها بخجل .....
لاحظ تورد وجنتيها فقال بإبتسامة هادئة :
_ إطلعى يالا .. و مرة تانية لو إحتاجتى حاجة كلمينى .. و سلميلى على ستى .
فقالت و هى تهرب من أمامه مسرعة :
_ حاضر ..... باى .
تطلع إليها حتى إختفت من أمامه و عاد لسيارته .....
أثناء قيادته للسيارة لاحت أمام عينيه صورة تلك الصغيرة كأنها تأبى تركه فينساها .. هز فارس رأسه محاولا نفضها من رأسه حتى صف سيارته أمام مبنى عالى و فخم .. ترجل من سيارته و صعده بالمصعد الذى توقف أمام إحدى الشقق .. دلفها مسرعا متوجها لغرفة النوم .. خلع ملابسه و إتجه للمرحاض إغتسل و خرج يلف خصره بمنشفه ..
فتح خزانته و مرر عينيه على تلك البذلات الفاخرة و الباهظة الثمن و إنتقى إحداهم و إختار قميصا و إرتداهم مسرعا ... وقف أمام مرآته يصفف شعراته و قد تحول من فارس العوو رجل الحارة الأول بعد والده .. إلى فارس السعيد رجل الأعمال و المستثمر الناجح صاحب مستشفى إستثمارى كبير .. حمل أشيائه و حقيبته و إنطلق مسرعا خارج شقته الخاصة متوجها لمشفاه ....
بدأت يومها بجرعة زائدة من الطاقة الإيجابية و الحب ....... و لكن دائما هناك قطرة سوداء صغيرة تصر على تعكير صفو عشقها له .. و هى تحكمه الشديد بها و الذى يحوله فجأة لشخص آخر .. مخيف أحيانا .. و هذا ما يعيق إتمام زواجهم فجدتها أصبحت تماطل و تأجل على أمل ألا تمر ليال بما تمر به أختها بسبب ...... الحب .....
إنتهت ليال من تحضير الفطور و حملت الصينية و توجهت بها لغرفة جدتها .. دفعت بابها بقدمها و ولجت بظهرها دافعة الباب أكثر ثم إلتفتت لتتقابل نظراتها مع نظرات جدتها الغاضبة و الحنونة فى نفس الوقت ... و غضبها ظهر فى تحريكها لحبات سبحتها بسرعة ..
إبتسمت ليال بخفوت و وضعت الصينية على الفراش و قالت بمداعبة :
_ إيه ده هو الجميل زعلان منى و لا حاجة .
هزت الجدة رأسها بيأس و مدت ذراعها بجوارها و وضعت سبحتها على الكمود و عادت إليها بعينيها تتصنع الحزم و قالت بضيق :
_ إتأخرتى فى نومك ليه يا أستاذة ليال .. أكيد سهرتى تستنى رجوع الباش مهندس لنص الليل صح .
لملمت ليال شعراتها الذهبية و عقدتها برابطة كذيل حصان و قالت بآسف و خجل :
_ آسفة يا تيتة بس ما سمعتش المنبه لكن إن شاء الله هتكون آخر مرة .
ربتت الجدة على ذراعها وقالت برأفة على إرتباكها :
_ خلاص يا حبيبتى أنا بهزر .. صباح الخير .
عادت ليال لإبتسامتها المشرقة و طاقتها الجإابية مجددا وقالت بهدوء :
_ صباح الفل على عيونك يا قمر .. يالا بسرعة كلى علشان تاخدى الدوا فى ميعاده .
أومأت الجدة برأسها و قالت بضيق :
_ و الله مش لاقية لازمة للدوا ده .. أهه مصاريف على الفاضى و الحاج صبرى مش متأخر عننا فى حاجة لما الواحد بقت عينه فى الأرض منه .
قبلت ليال كفها و قالت بصوت مختنق :
_ لازم تاخدى الدوا يا تيتة ده إنتى اللى ليا و مش هعرف أعيش من غيرك .
جذبتها الجدة لصدرها و حاوطت كتفيها بذراعها و قالت بحنو ... و بعض من اللوم :
_ و إنتى و إختك كل دنيتى و ربنا عوضنى بيكم عن بناتى اللى راحوا و سابونى أشرب نارهم ... بس لما بشوف حالكم بكرهكم عمى .. واحدة ضيعت نفسها علشان بتحب واحد بيذلها و بيضربها و إنتى سايبة نفسك لرامى يلعب بيكى الكورة و حابسك و لا المسجونين .
إمتعض وجه ليال من النشرة اليومية لجدتها و بثها قلقها الدائم من رامى و تحكمه الزائد بها و إستسلامها المثير للشفقة له .. فإعتدلت فى جلستها و قربت الصينية من الجدة و قالت لتغيير الحوار بذكاء :
_ يالا نفطر جعت جدا .. تحبى أعملك إيه على الغدا .
حملت الجدة كوب الشاى بالحليب و إرتشفت منه قليلا و قالت بإبتسامة باهتة :
_ أى حاجة منك حلوة .. تسلم إيدك .
و إلتفت رأس الجدة ناحية الصور الموضوعة بجوارها و طالعتهم بشوق و دمعة حبيسة .. صورة إبنتها الكبرى نغم و التى توفت بعض صراعها مع المرض و صورة إبنتها الصغرى حور و التى بسفرها كسرت ظهرها و أصبحت جليسة الفراش لتفاجأها بخبر موتها .. و تلك الطفلة الصغيرة و الوحيدة التى تشبهها بعيونها الزرقاء الفيروزية وملامحها القوية و الناعمة بنفس الوقت ....
تلك الملامح الناعمة و التى كستها راحة غريبة اليوم و كأنه يوم عيد عندها و ستكتمل راحتها و سعادتها بمقابلة جدتها .. إنتبهت بسمة لإبتسامة غزل التلقائية و التى لم تعهدها منها .. فإبتلعت ما فى جوفها و سألتها ساخرة :
_ ده إيه الإنشكاح اللى إنتى فيه ده .
لم تعرها غزل إهتمام و هى تكمل وجبتها بصمت .. فعادت بسمة و قالت بنبرة ماجنة :
_ كل ده علشان هتروحى تدورى على جدتك و يا عالم هتلاقيها و لا هتكون .. ماتت .
صكت غزل أسنانها و قالت بضيق :
_ خليكى فى حالك يا بسمة .. أفرح أو أزعل ما يخصكيش على فكرة .
أشاحت بسمة بيدها فى وجه غزل و قالت بحدة :
_ إنتى حرة .
وقفت غزل و تركت الطاولة و توجهت للغرفة بدلت ملابسها و كانت دائما ما تعيد أشيائها لحقيبتها التى لم تفرغها لإستعدادها للرحيل عن هذه العائلة بأى وقت .. و بعدما إنتهت حملت حقيبة يدها و خرجت .....
زمت بسمة شفتيها و حركتهما بسخرية و قالت و هى تمرر سبابتها على غزل طلوعا و نزولا :
_ إنتى هتروحى حارة جدتك بجد و إنتى لابسة كده .... دول يغتصبوكى هناك يا قطة .
أخفضت غزل عيناها ناحية ملابسها تطالعها بتعجب .. بينما للحق و لأول مرة تكون بسمة على جانب كبير من الصواب فغزل كانت مرتدية سروال أبيض ضيق للغاية و رسم ساقيها و منحنياتها بدقة و تلك السترة و التى يصل طولها لحافة السروال بلونها الكشمير و حجاب رأسها و الذى تعقده دائما خلف عنقها و حذائها الرياضى .. لم تجد بملابسها شئ مثير فهى دائما بين رفقائها و زميلاتها بأميريكا كانت الأكثر حشمة .....
رفعت عيناها و قالت ببرود :
_ عادى يعنى لبسى مش عريان و لا مبين أى حاجة .
لطمت بسمة وجهها و قالت موضحة بغيظ :
_ إنتى مش محتاجة تنبينى أى حاجة .... ما كله لايڤ بلبسك الضيق ده .
رفعت غزل عيناها بملل و تطلعت ناحية هناء و قالت بهدوء :
_ بعد إذنك يا أنطى أنا نازلة و هبقى أكلمك أطمنك ..... سلام .
أجابتها هناء ببرود :
_ سلام يا حبيبتى .... هستنى تليفونك .
هبطت الدرج مسرعة حتى خرجت للطريق و بالفعل أول شئ قامت به أنها إشترت هاتف غالى جدا و بعدما إبتاعته هاتفت هناء لطمأنتها عليها ... و أشارت لسيارة أجرة و إستقلتها و أعطته الورقة و التى بها دون العنوان و بعد قليل .... إنطلقت السيارة .
طوال طريقها الطويل ظلت تتابعه بشغف و فجأة إختفت تلك المبانى العالية و الفخمة و حلت مكانها مبانى صغيرة أو قديمة بعض الشئ و إختلف مظهر البشر من الثراء و الراحة للفقر و العناء ....
توقف سائق السيارة و أشار لها بيده قائلا :
_ شايفة الطريق ده يا آنسة ...... هتمشى فيه شوية هتبقى جوة الحارة .
عقدت حاجبيها و سألته بتعجب :
_ ممكن حضرتك تدخل بالعربية و توصلنى .
هز رأسه نافيا و قال بإعتذار :
_ آسف بس التاكسى مش بيدخل جوة الطرق المكسرة والضيقة دى .
أومأت برأسها و شكرته و أعطته مبلغا ماليا و ترجلت من السيارة .. فوقعت عيناها على قصر كبير فى الضفة الثانية من الطريق .. وقفت تتأمله و قد شعرت بإنقباض فى قلبها فور رؤيته و كأنها رأته من قبل .. تلاحمت صور مبهمة أمام عيناها لم تستطع تفسيرها و قد دب بداخلها رعبا إمتلكها .. رغم فخامة القصر و جماله لكن شعورها بالضيق جعلها تبتعد بعينيها عنه تطالع تلك المبانى القديمة و الطرق الجانبية الضيقة و كأن ذلك القصر قد هبط من السماء على هذه المنطقة الشعبية ....
أولته ظهرها و عبرت الطريق ... ولجت للطريق المؤدى للحارة بقلق و لكن شغفها غلبها و هى تتطلع حولها كسائح ..... عاد إليها القلق مع نظرات الجميع و التى تتبعها فى صمت ... تجاهلتهم و هى تحاول عصر عقلها لتتذكر أى شئ حتى رأت رجلا كبيرا يجلس أمام أحد المحلات فإقتربت منه و قالت بأدب :
_ السلام عليكم .
أجابها الرجل بإبتسامة هادئة :
_ و عليكم السلام .
إبتسمت غزل على إبتسامته و سألته بتوجس :
_ لو سمحت كنت عاوزة أسأل على بيت واحدة ست كبيرة ساكنة هنا و إسمها الحاجة رأفة .
أومأ الرجل برأسه مؤكدا و قال :
_ طبعا عارف الحاجة رأفة .. هخلى حد من الولاد يوصلك .
و صاح بأحد الأطفال و الذين كانوا يلعبون كرة القدم بجدية لا تتناسب مع أنهم يلعبونها بالطريق ...
أوقف الطفل الجميع بيديه و إقترب منهم مشدوها بجمال غزل .. فطلب منه الرجل آمرا :
_ وصل الآنسة دى لبيت الحاجة رأفة بسرعة .
تطلع إليها الطفل بإعجاب إرتسم على وجهه فى شكل إبتسامة بلهاء .. وقال بغمزة من عيناه :
_ إتفضلى معايا يا موزة .
رفعت غزل حاجبيها متعجبة من طريقته .. ثم حركت كتفيها بحيرة و سارت بجواره ... و بعد قليل رأت منزل جدتها من بعيد و التى تذكرته على الفور ... إبتسمت بشوق و هو يتضح أكثر كلما إقتربت منه ....
وقف الطفل أمامها و قال بمداعبة :
_ هستناكى هنا علشان لو حبيتى ترجعى من مكان ما جيتى يا قمر .
أجابته بشرود و هى هائمة بذلك المنزل القديم :
_ مافيش داعى .
_ لأ إزاى .. ده أنا موقف الماتش علشان عيونك الزرقا دى .
إبتسمت غزل و مالت عليه قائلة و هى تقرص و جنته :
_ شكرا يا عسل .
تنهد مطولا و قال بهيام :
_ و لما أنا عسل إنتى إيه ...... إنتى حلوة قوى .
زادت ضحكات غزل على كلماته و بعثرت شعراته بكفها و تركته و دلفت للبناية ... صعدت الدرج و دقات قلبها ترتفع كلما إرتفعت درجة حتى وقفت أمام باب الشقة .....
تنفست مطولا و زفرته مرة واحدة و طرقته .... بعد قليل أتاها صوت فتاة رقيق من خلفه قائلا :
_ مين ؟!
أجابتها غزل بقلق :
_ مش ده بيت الحاجة رأفة .
فتحت ليال الباب و تطلعت لهيئة غزل و سألتها بفضول :
_ أيوة هو البيت ... إنتى مين ؟!
إبتسمت غزل و هى تطالع تلك العيون العسلية و الصافية و التى لم تغيرها السنين سوى أنها زادتها جمالا و بهاءً .... فتنهدت براحة و قالت :
_ مش مصدقة إنى شوفتك تانى يا ليال .
قطبت ليال حاجبيها و قد زادت دهشتها و قلقها ... فسألتها بتوجس :
_ إنتى تعرفينى منين .... أنا أول مرة أشوفك .
أومأت غزل برأسها متفهمة و قالت و قد بهتت إبتسامتها :
_ فعلا ... بقالنا عشرين سنة ما شوفناش بعض ليكى حق ما تعرفنيش .
عشرين سنة .... قطبت ليال جبينها ثم إتسعت عيناها و إرتفع حاجبيها و رفعت كفها على فمها بصدمة و قد تجمعت بعض العبرات بعينيها و قالت بصوت متحشرج متعمقة فى بحر عينى غزل :
_ غزل !!!!
هزت غزل رأسها و قالت برقة :
_ وحشتينى جدا يا ليال .
إجتذبتها ليال لحضنها و ضمتها بقوة قائلة بدموعها :
_ إنتى اللى وحشتينى يا غزل ..... دى تيتة كانت هتتجنن عليكى .
ربما تعجبت فى البداية من مشاعر ليال القوية و لكن دفء ضمتها جعلها تشعر بإطمئنان غريب إفتقدته لسنوات طويلة ... ملست على ظهرها برقة و قالت :
_ خلاص يا بنتى بطلى تعيطى .
أجابتها ليال بصوت مكتوم من إثر ضمتها القوية :
_ إنتى وحشانى قوى .
هزت غزل رأسها بيأس و قالت :
_ و الله و إنتوا كمان و حشتونى .
إبتعدت ليال عنها قليلا و قالت و هى تكفف عبراتها :
_ إتفضلى إدخلى .. تعالى يا غزل .
أتاهم صوتا حنونا يسأل بتعجب :
_ مين اللى جه يا ليال ؟!
إلتفت غزل برأسها ناحية ذلك الصوت الدافئ متطلعة بغرفة جدتها و قد سرى بجسدها تيار بارد جعل قلبها يرتجف بشوق ... إبتسمت ليال و قالت بصوت عالى :
_ دى ضيفة يا تيتة و جاية تشوفك .
أجابتها رأفة بترحاب :
_ خليها تتفضل يا بنتى .
إقتربت ليال من غزل و قالت هامسة :
_ ما تقوليش إنتى مين و شوفيها هتعرفك و لا لأ .
أومأت غزل برأسها فجذبتها ليال من يدها و ولجت بها لغرفة رأفة ...... توقفت أنفاس غزل و هى تتطلع إليها تشبع عيناها برؤيتها .... لقد هرمت كثيرا و أصبحت جليسة الفراش و لكن كل ذلك لم يؤثر بجمالها و الحنان المطل من عينيها ....
إبتلعت ريقها بتوتر و هى تطالعها بقوة ... بينما إكتفت رأفة بالصمت سابحة بعينيها على تلك الملامح التى طالما ما رأتها بمرآتها قديما ... شبه غريب بينها فى شبابها و بين تلك الفتاة الواقفة أمامها و لتزداد دهشة ... نفس لون العينين النادر ....
إبتسمت ليال و هى تتابع حوارهم الصامت و قالت قاطعة لتلك الحالة و التى ربما تمتد لفترة أطول :
_ مش هتسلمى على الضيفة يا تيتة .
أشارت رأفة بيدها على الفراش بجوارها تربت عليه بكفها المجعد قائلة بصعوبة :
_ تعالى جنبى يا حبيبتى .
إقتربت غزل منها بخطوات خفيفة كأنها طائرة لا تلامس الأرضية بقدميها و جلست بجوارها مستنشقة تلك الرائحة العذبة لها .. فسألتها رأفة بتوتر :
_ إنتى مين ؟!!!
لم تستطع الرد و كأن شفتيها قد إلتصقتا و جف حلقها .... طالت بينهما النظرات فحركت رأفة مقلتيها بجوارها و حملت صورة لحفيدتها صاحبة العيون الفيروزية و حملتها .. لقد عادت صغيرتها و التى عمرها بتلك الصورة خمس سنوات فقط .... سقطت دموعها على الصورة و هى تقول بوهن :
_ ما فاتش يوم عليا نسيتك فيه يا غزل .... كنت بتخيلك دايما و برسملك صورة جوايا .... بس ما كنتش عارفة إنك هتبقى حلوة قوى كده .
مسحت غزل دمعة فرت من عينها و قالت :
_ و أنا كمان كنت بفكر فيكى دايما .
رفعت رأفة عيناها عن الصورة تطالع الأصل ... فأردفت غزل قائلة بقوة :
_ وحشتينى قوى .
مررت رأفة كفها المرتعش على وجه غزل و هى تتأملها بشوق .... فعقدت ليال ذراعيها و قالت بصوت مختنق :
_ هتخلونى أعيط ... إيه هو إنتوا مش هتحضنوا بعض .
رغم حالة السعادة التى ملأتها إلا أنها مازالت خائفة من أن يكون ما تمر به الآن مجرد حلم .. و لكن ملمس أنامل جدتها على بشرة وجهها أخبرتها أنها تحيا واقعا جديدا .. دافئا ...... لم تشعر غزل بنفسها و هى ترتمى فى حضن جدتها كما كانت تفعل سابقا .. للحظة عادت تلك الطفلة الصغيرة و البريئة و التى لم تلوثها الأيام و الظروف و تنهدت مطولا و قالت من أعماق روحها :
_ ياااه يا تيتة .. ماحستش بالراحة دى من زمان قوى .. وحشتينى .. وحشتينى جدا .
ربتت رأفة على ظهرها بحنان و قالت من بين دموعها :
_ إنتى وحشتينى أكتر يا حبيبتى .
و أبعدتها عنها قليلا و سألتها بتوجس :
_ إنتى خلاص رجعتى مصر على طول و رجعتى لحضنى و لا هترجعى تسافرى تانى .
إنحنت غزل و قبلت كفها و أجابتها بإبتسامة مرحة :
_ لأ رجعت على طول و هزهقك منى .
زفرت رأفة براحة إرتسمت على ملامحهاو التى تبدو لمن يراها أنه إنتقص من عمرها العشرون عاما التى إبتعدتهم غزل و أمها عنها ... إبتسمت بهدوء و سألتها بتلهف :
_ الحمد لله .. علاء فين هو مش رجع معاكى نفسى أشوفه .
قطبت غزل جبينها و علت ملامحها بداية حزن و قالت بفتور :
_ لأ .... أنا جيت لواحدى .
صفعت الجدة صدرها و شهقت بقوة قائلة بتعجب :
_ ياااالهوى .... جيتى لواحدك من بلاد بره ... و أبوكى و أخوكى ما خافوش عليكى .
تنهدت غزل بألم و طأطأت رأسها متطلعة بالأرضية و قالت بإنكسار :
_ أنا هربت منهم أصلا .. و مش هرجع ليهم تانى مهما حصل .
جلست ليال بجوارها و سألتها بدهشة :
_ هربتى !!!! ليه يا غزل إحكيلنا كل حاجة .
إعتدلت فى جلستها و قصت عليهم كل شئ من تعامل الجميع معها بعنصرية لمجرد أنها محجبة .. و خطة علاء لإنقاذ مستقبلهم المادى ببيعها لأحد رجال الأعمال رغما عنها .... و هربها ليلة زواجها و أخيرا بعد وصولها طمع عمها بحقها و الذى إستاء من عودتها و طلبها المُلح لإسترداد شقتها و محلها ... كل هذا و قد سقط منها الحديث عن والدتها ... أو بالمعنى الأدق هى تعمدت إسقاطه حتى لا تقتل جدتها بيدها و التى تمسكت بها كآخر ذكرى من إبنتها .. حور .....
إحتضنتها رأفة مجددا و قالت بإشفاق على ما مرت به حفيدتها :
_ يا حبيبة قلبى ... ما تخافيش من حاجة .. دلوقتى إنتى معايا و أنا مش هسمح لحد يأذيكى إنتى روحى شقة عمك هاتى حاجتك و تعالى عيشى معايا هنا .... مفهوم .
أومأت غزل برأسها و تمسكت بها أكثر و قالت بإرتياح :
_ حاضر يا تيتة .... فوق ما تتخيلى أنا مرتاحة دلوقتى إزاى .. ربنا بيحبنى إنى لقتكم .
وقفت ليال و صفقت بفرحة و نزعت حجابها و نثرت شعراتها الذهبية و قالت بحماس :
_ أخيرا لقيت حد أقعد و أتكلم معاه .. أنا مبسوطة قوى إنك هاتيجى تعيشى معانا .
إبتعدت غزل عن جدتها و سألتها بتعجب :
_ ليه هى أختك اااا ... إسمها إيه دى فين ؟!
أجابتها ليال بضيق :
_ قصدك ميناس ..... لا دى إتجوزت و عايشة مع جوزها .
وقفت غزل بحدة و هزت رأسها تستوعب ما سمعته و سألتها بدهشة :
_ إتجوزت إزاى .... هى عندها كام سنة دى أصغر واحدة فينا .
تنهدت ليال بأسى و أجابتها بعبوس :
_ متجوزة من سنة و هى يا حبيبتى دلوقتى عندها عشرين سنة و لما هتشوفيها هتلاقيها ملاك فى شكل بنت .
حملت غزل حقيبة يدها و قالت بعصبية :
_ لا ... ده أنا أروح أجيب الباج بتاعتى من عند عمى و أرجع على طول .. ده إنتوا وراكوا حكايات و رويات ... مش هتأخر عليكى يا تيتة .
جذبتها رأفة من كفها و قالت بخوف :
_ لأ .. ما تمشيش .
إنحنت غزل ناحيتها و قبلت وجنتها مطولا و قالت بمداعبة :
_ صدقينى مش هتأخر عليكى .
أجابتها رأفة و هى متمسكة بكفها بقلق :
_ هستناكى يا حبيبة قلبى ..... خدى رقم ليال علشان أكلمك كل شوية أطمن عليكى لغاية ما ترجعى .
إبتسمت غزل إبتسامة متسعة و قالت بهدوء :
_ حاضر .... هحاول ما أتأخرش ... هتوحشونى الشوية دول ... سلام .
و خرجت من الغرفة تبعتها ليال التى سجلت رقم هاتفها و قبلتها و تركتها و خرجت تشع سعادة و فرحة و إبتسامتها زادتها جمالا ......
ما أن خرجت حتى وجدت ذلك الطفل الذى أوصلها ينتظرها جالسا على أحد الأرصفة .... حرك رأسه قليلا فرأى غزل تتقدم نحوه فوقف مسرعا و قال بفرحة :
_ إيه يا قمر محتاجة مساعدة .
ضحكت ضحكة عالية و قالت بمداعبة :
_ بصراحة أيوة .... ممكن تخلينى أوصل للطريق الرئيسى اللى جيت منه ... عاوزة أركب تاكسى .
أشار إليها بيده قائلا :
_ إتفضلى قدامى و أنا هوصلك ....... بس بشرط .
نثرت شعراته الطويلة و قالت بتوجس :
_ شرط إيه بقا .
_ ترجعى تانى .... بصراحة أنا حبيتك قوى .
سارت بجواره و قالت بحب :
_ و أنا كمان حبيتك جدا .... و هرجعلك تانى مش هتأخر عليك .... تمام .
تنهد مطولا و هو يسير بظهره مقابلا لها يطالعها بوله ثم قال بخفوت :
_ تمام يا موزتى .
خرجت غزل على الطريق تبحث عن سيارة أجرة .. فإستوقفها ذالك القصر مجددا ... و لكن هذه المرة إتضحت لها الخيالات المرتبطة به و رأت نفسها طفلة تركض ناحيته ... ثم تجهمت الرؤية مجددا و لكنها إستمعت لصوت صراخها و تذكرته ... فمسدت جبهتها المتألمة ...
لاحظ الصغير عبوسها و ضيقها فسألها بقلق :
_ إنتى كويسة ؟!!!
نفضت تلك الأفكار و الأصوات من رأسها و أجابته بإبتسامة مرتجفة :
_ أيوة كويسة .. شكرا .
و أشارت بيدها لسيارة توقفت على الفور ... فأشارت للصغير بيدها مودعة و إستقلتها و إنطلقت بها..
وقفت ميناس فى مطبخ القصر الواسع تتابع تحضيرات زيارة مهاب إليهم بسعادة .. فذلك الصغير يمثل شئ كبير بحياتها ... لأن حمزة يتبدل فور رؤيته و يتحول لصغير مثله و يتخلى عن الوحش الذى بداخله و يترك كل أسلحته على جانب ... فهتفت قائلة بقلق :
_ بودينج الشوكولا جاهز .
أجابتها نشوى بإيجاب قائلة :
_ أيوة يا هانم جهز .. و السوفليه كمان جهز و سخن .
تنفست ميناس براحة و إبتسمت بشدة فظهرت غمازتيها و هى تلتفت برأسا مستمعة لصوت جرس الباب ... فأشارت لنشوى التى تحركت لفتح الباب و أوقفتها قائلة :
_ خليكى أنا هفتح .
و خرجت مسرعة و فتحت الباب الذى إندفع منه مهاب و إرتمى بحضنها الذى إستقبله بسعادة وترحاب قائلا بفرحة :
_ وحشتينى يا مينو ...... وحشتينى قوى .
قبلته ميناس فى وجنته مطولا و قالت بإبتسامتها الهادئة :
_ إنت كمان وحشتنى يا حبيبى .
إقترب منهم حمزة محركا كرسيه و زم شفتيه بضيق قائلا بلوم :
_ و أنا ماوحشتكش .
إبتعد مهاب عن ميناس و ركض ناحية عمه الذى حمله و أجلسه على ساقيه .. فإحتضنه مهاب قائلا بمشاغبة :
_ وحشتنى قوى يا صاحبى ... بس ميناس وحشتنى أكتر .
صفعه حمزة على رأسه برقة وقال بسخط :
_ إنت هتعاكس مراتى قدامى ياض .
شهقت ميناس بخفوت .. فسماعها لكلمة زوجتى منه جعل قلبها ينتفض بقوة ... هل يراها حقا زوجته ... هل تحتل ولو جزء بسيط من حياته كونها زوجته ... إنتبه رامى لشرودها فإقترب منها قائلا بتعجب :
_ أخبارك إيه يا ميناس .
إنتفضت فى مكانها مذعورة لأنها لم تنتبه لدلوف رامى فهذا الجالس على مقعده يسلبها رشدها فتبدو للجميع بلهاء .. إبتسمت بخفوت و أجابته :
_ الحمد لله كويسة .
مرر عينيه على وجهها و قال بجدية :
_ شكلك النهاردة أحسن هو نسى يضربك و لا إيه .
تطلعت ميناس بحمزة و الذى يداعب مهاب و يدغدغه و تنهدت مطولا و قالت :
_ بس طيب و الله .
رفع رامى طرف شفتيه بإمتعاض و مطهما قائلا بتبرم :
_ طيب !!! طيب يا أختى و ماله .. براحتك .
إقترب رامى من حمزة و ضرب كفيه ببعضهما متعجبا و قال ساخرا :
_ هو أنا كل مرة أشوفك يا حمزة ألاقيك عامل فورمة شعر جديدة .... مرة ديل حصان و مرة بندانة .... صحيح الفاضى يعمل شعره .
رفع حمزة حاجبه بضيق و قال بغضب :
_ هو إنت مش جبت مهاب ورينا جمال قفاك و إختفى .
ضحك مهاب ضحكة عالية ... فعض رامى على شفته السفلى و قال بقوة :
_ بتضحك يا إبن العوو ماشى يا مهاب تمامك عندى قل .
قفز مهاب من على ساقى حمزة و ركض ناحيته قائلا لإضحاكه :
_ ما تزعلش يا عم الناس .... أنا ماكنتش بضحك أنا كنت بريح بوقى بس .
دخل الجميع فى نوبة ضحك على مزحته .. فتطلع حمزة ناحية ميناس المبتسمة بتلقائية .. كانت أجمل من أن توصف بعدما ظهرت غمازتيها الرقيقة .... ثم أشاح ببصره عنها كى لا تلحظ تأمله لها ... حمل رامى مهاب و قبله فى وجنته و قال برجاء :
_ أبوس إيدك يا هوبا يا حبيبى إوعى تتكلم كده قدام أبوك ... لهيعلقنى أنا و عمك حمزة على باب الحارة .
أطرق مهاب بأنامله على وجنته متصنعا التفكير و قال بقوة :
_ هدورها فى دماغى و أحاول أسيطر على لسانى.
صفع حمزة كفيه ببعضهما و قا بتعجب:
_ ياض ده إنت عندك خمس سنين بس و محسسنى إنك راجل زينا .
أجابه مهاب بضيق و هو عابسا :
_ أنا راجل من ضهر راجل من ضهر راجل ... و مخاصمكم .
ثم تململ بجسده حتى أنزله رامى على قدميه فسار ناحية ميناس و جذبها ورائه قائلا :
_ تعالى يا مينو عندى ليكى سيكرت من لولو و مش عاوزهم يسمعوه .
صاح به حمزة بغضب :
إنت ساحبها وراك و أخدها فين .... هو أنا كيس جوافة قدامك .
إلتفت إليه مهاب و قال ببرائة غاضبة :
_ لو سمحت خليك فى حالك .
ثم رفع سبابته ناحية رامى وقال له بنبرة آمرة :
_ رامى تحفظ عليه لغاية ما أرجع .
ضحك الجميع عليه بينما قال له رامى من بين ضحكاته :
_ تمام بس بسرعة ماتتأخرش .
مرر حمزة أنامله فى شعراته الطويلة وقال بإبتسامة باهتة :
_ الواد ده ضحكة العيلة كلها .... بس لو كبر و عرف إنى كنت السبب فى موت أمه هيسامحنى .
قطع رامى حالته الحزينة و قال مسرعا :
_ بقولك إيه الحادثة دى كانت قدر .... فا متحملش نفسك الذنب ده عمرها و كويس إن مهاب طلع من الحادثة دى كويس .
أجابه حمزة بأسى و هو مطأطأ رأسه بخزى :
_ لأ ... أنا السبب لولا الزفت اللى كنت شاربه ... ما كنش حصل حاجة .... ربنا يسامحنى .
جلس مهاب بجوار ميناس على فراشها و قال هامسا :
_ هاتى بوسة بسرعة يا مينو .
ضحكت ميناس وقالت بمداعبة :
_ هات بوسة إنت الأول و باعدين هات بوسة ليال .
أعطاها قبلتين على وجنتيها و قال :
_ هاتى بوستى بقا .
إقتربت منه و أعطته قبلة فى وجنته و قالت بتلهف :
_ قولى بقا أخبار تيتة رأفة و ليال إيه ... هما كويسين .
_ كويسين الحمد لله و إنتى وحشاهم جدا .
رغم حالة الحزن التى إمتلكتها من شوقها لرؤية جدتها و أختها إلا أنها إبتسمت برقة و أعطت حقيبة بلاستيكية مليئة بالحلويات لمهاب الذى لمعت عيناه و قفز بسعادة قائلا :
_ حبيبتى يا مينو ... إنتى أصلى .
قرصت وجنتيه بأناملها و قالت بمعاتبة :
_ مش هتبطل طريقتك دى فى الكلام ... ده إنت دراستك إنجلش .
_ أهه كده شوية و كده شوية ...... لما أروح أقعد مع حمزة شوية عاوز أرقص معاه زى كل مرة .
حمل حقيبة حلوياته و ركض ناحية حمزة و قال له برجاء :
_ حمزة شغل أغنية شعبى نرقص عليها سوا .
أدى حمزة التحية العسكرية و قال بمرح :
_ إنت تؤمر يا مريسة و كلنا تحت أمرك .
أخرج حمزة هاتفه و عبث به قليلا فإنطلقت النغمات الصاخبة منه .... فرقص مهاب على أنغامها شاركه حمزة محركا كرسيه يمينا و يسارا وصوت ضحكاتهم ملأ هذا القصر الكئيب .....
عقدت ميناس ذراعيها و وقفت بجوارها رامى يتطلعان بسعادة حمزة و التى ترافق وجود مهاب بجواره دائما كأنه الشمس التى تشرق معها إبتسامته ........
إجتمعت أسرتهم جميعا لإيجاد حل مع تلك الغازية المتطفلة و التى عادت لغلق صنبور الأموال المتدفقة نحوهم من إيجار شقتها و المحل و الذين حولوه لمرآب لصف السيارات به ....
إقتربت هناء من جمعهم حاملة طبق يحوى ثمار الموز و وضعته على الطاولة أمامهم و قالت مؤكدة :
_ صدقونى هى قالتلى إنها حولت كل فلوسها من بره لبنك هنا فى مصر .... صدقتونى لما قولتلكم البت دى مش سهلة .
قضمت بسمة أظافرها بغضب و قالت بإمتعاض :
_ لأ و كانت بتشتغل هناك دكتورة و جراحة كمان .
لمعت عينى عونى بطمع منفر و قال منتشيا بسعادة :
_ يعنى معاها فلوس كتير .... ده هناك أى عملية بمبلغ و قدره و كله بالدولار ... يعنى أكيد نايمة على خميرة كبيرة .
وقف إسلام منتصبا و قال بنبرة لئيمة :
_ قشطة جدا .... أتجوزها بقا و أهه نصيبها و فلوسها يبقوا تحت إيدينا و تبطل تتكلم فى شقتها و المحل .
حك عونى ذقنه و هو يفكر بكلمات إسلام ... نعم معه حق فتلك الدجاجة التى تبيض ذهباً يجب ألا تخرج من محيطهم فلو عملت بإحدى المستشفيات الخاصة سيكون راتبها مبلغا كبيرا .... فدكتورة مثلها تعلمت بأميريكا و عملت هناك ستجد عملا مهما فى فترة قياسية .....
وخزته هناء بذراعه و قالت لتنبيهه :
_ إنت سرحت فى إيه ... خليك معانا إيه رأيك فى اللى قاله إسلام .
إنتبهوا جميعا على طرق بباب شقتهم ... فإعتدل عونى بجلسته و قال هامسا :
_ دى أكيد غزل .... عاوزكم تعاملوها كويس لغاية ما نلاقى حل معاها ... تمام .
وقفت بسمة متثاقلة و فتحت باب شقتهم لتتفاجأ بحسام أمامها ... ربما تتسائلون و لم التعجب هذا لأنه يعمل بمحافظة أخرى و يأتى يوما واحدا بالإسبوع لرؤية أسرته و طبعا بسمة ... خرجت من تعجبها قائلة :
_ حسام !!!!
أجابها مسرعا لقطع حالة التعجب التى إرتسمت على وجهها بوضوح قائلا بإبتسامة هادئة :
_ أخدت أجازة من الشغل كام يوم فاقولت أجى أزوركم .
أتاها صوت والدها قائلا بتساؤل من تأخرها :
_ مين اللى جه يا بسمة ؟!
إلتفتت برأسها و قالت بجمود :
_ ده حسام يا بابا .
وقف عونى مسرعا لإستقباله و قال بإبتسامة ودودة مرحبا به :
_ خليه يتفضل يا بنتى .... يا أهلا يا حسام نورت .
و كعادة حسام يأتى دائما محمل بالهدايا و الحلويات التى يرضى بهم طمعهم به ... و وضعهم على الطاولة و صافح الجميع و عينيه تمسح المكان من حولهم بحثا عن مقصد زيارته و التى أرهقه شوقه لرؤيتها رغما عنه ..... صاحبته عيناها فى عمله و إستراحته و غفوته .... لم تتركه لحظة واحدة و كأنها سحرته .....
كانت بسمة تشتعل بحقد و هى ترى نظراته و حزنه العميق فور علمه بأن غزل ليست بالمنزل ... إستمرت جلستهم لساعة تقريبا حتى عادت غزل ....
فتحت لها بسمة الباب و عينيها لا تفارق وجه حسام لإلتقاط ردة فعله و بالفعل فور رؤيته لها إبتسمت شفتيه و إرتاحت ملامحه .... تنهدت بغضب بعدما تأكد حدسها فتلك المشعوذة أسرت حبيبها ....
إقتربت غزل من الجميع و قالت بإبتسامة مرحة :
_ السلام عليكم .
أجابها الجميع بهدوء :
_ وعليكم السلام .
و لكن لهفة إسلام و حسام كانت واضحة للعيان .... إنتبهت غزل لوجود حسام و نظراته المشتاقة إليها و الطائفة عليها بجرأة .... فقررت إضافة آخر لمساتها قبل الرحيل لتقصف آخر ما تبقى بينه و بين بسمة و التى تجرأت و تحدتها ...
وقفت غزل أمام حسام و تطلعت به قليلا قبل أن تمد يدها نحوه قائلة ببحتها و التى لا تظهر إلا إذا أرادت هى إرضاخ أحدهم :
_ إزيك يا حسام ..... أخبارك إيه .
إبتلع ريقه يجلى به حلقه الجاف و مد يده ببطء ناحية كفها و التى ما أن لمسها حتى سارت بجسده شحناتها الكهربائية و التى وصلت لقلبه مباشرة فجعلته يقصف بعنف لم يعدهه مع سواها ...
إبتسم بشغف و أجابها قائلا :
_ أنا كويس الحمد لله ... إنتى أخبارك إيه ؟!
سحبت كفها من بين راحته و قالت برقة :
_ I am fine thanks .
كانت بسمة تقف بينهما و كأنها شجرة تظللهما .. و تتابع نظراتهما و حوارهم البغيض .. شعرت فجأة بتدفق الدماء لرأسها و صوت صفير عالى يدوى بأذنيها التى تقدح شرارا من غيظها فوخزت حسام بذراعه بالقوة و قالت بإبتسامة صفراء :
_ تشرب إيه يا حبيبى .
إمتعض وجه حسام و هو يخرج من تلك الهالة التى جمعته مع غزل فى لحظات هى أسعد لحظات حياته بلا مبالغة .... و قال ساخرا :
_ قهوة سادة .
أخفت غزل ضحكتها و إبتعدت عنهما بعدما إنتهت من بسمة نهائيا ... و وقفت أمام عمها و زوجته و قالت بفرحة :
_ أنا لقيت تيتة ..... فوق ما تتخيلوا أنا مبسوطة إزاى .... و بعد إذنك يا عمى أنا هروح أعيش معاها .
إتسعت عينى إسلام بذعر و وقف منتصبا و قال بغضب :
_ لأطبعا بابا مش هيوافق ... مش هينفع تسبينا .
وقف حسام مشدوها بعدما سقط قلبه تحت قدميه و تحطم لآلاف القطع .... ستتركهم ... و لكن إلا أين ؟!!!
وضعت غزل حقيبة يدها على الطاولة و واجهت إسلام قائلة بتحدى :
_ أنا همشى و أنا بعرفكم بس ... مش باخد رأيكم .
صك إسلام أسنانه بغضب و قال محذرا :
_ مش هتمشى من هنا إنتى فاهمة .
أجابته بصرامة و ثقة و هى تحدجه بقوة :
_ أنا عندى 25 سنة و حرة فى قراراتى و مش هستنى حد يوجهنى و لا يؤمرنى أعمل حاجة مش عيزاها .
إقترب منها حسام و قال بحزن :
_ إسلام عنده حق يا غزل مش هينفع تبعدى عننا ... قصدى عنهم .
حدجته بسمة بغضب شيطانى و نهرته قائلة بحدة :
_ هى حرة يا حسام .... و تعيش فى المكان اللى هى عوزاه .
وقف عونى و قال بصرامة قاطعا تلك الحالة من الجدل :
_ مش عاوز أسمع صوت .
إنتبه إليه الجميع فأردف قائلا و هو يواجه غزل بقوة لا تقبل الجدال :
_ غزل مش هتمشى من هنا و ده كلام نهائى .... مفهوم .
ضحكت غزل بإستخفاف و إقتربت منه خطوتين متعمقة فى عينيه و قالت بتحدى ساخر :
_ همشى يا عمى ... و النهاردة ..... و عاوزة اللى يفضل بينا كل ود ..... و مش عاوزة مشاكل بينا .
ضيق عينيه و حدجها بتعجب قائلا بصوت رخيم :
_ إنتى بتتحدينى و لا بتهددينى يا بنت أخويا .
لم تتأثر بنظراته و لا بنبرته و قالت مسرعة بحزم :
_ أنا متربية كويس و عارفة حقوقى و واجباتى كويس جدا .... و عمرى ما هضايقك يا عمى ... بس برضه ما فيش حد يقدر يفرض عليا حاجة مش عوزاها مهما كان مين .
و تركتهم و توجهت لغرفة بسمة و لملمت أشيائها بسرعة و خرجت تجذب حقيبتها خلفها ... وقفت أمام عونى و قالت بنبرة قوية لفتاة لاقت الكثير و تعاملت مع من هم أقوى و أبشع منه و تمكنت منهم :
_ أنا عند تيتة يا عمى و حضرتك تقدر تزورنى هناك ... و على فكرة ..... دادى إتنازلى عن نصيبه فى البيت ده .
إتسعت عينى عونى و هو يتلقف كلماتها القوية بعينيه .. هل قالت أنها المالكة المشاركة له فى المنزل .... لم تمهله الكثير فتابعت قائلة بنفس النبرة القوية :
_ و يا ريت بقا تفضيلى الشقة و المحل قريب جدا .... لأنى هبيعهم ...... سلام .
وقف الجميع مصدوما بعدما فجرت قنبلتها و إنصرفت ... فما قالته أربك كل حساباتهم .... مع كل خطوة كانت تخطوها مغادرة يشعر حسام بقبضة قوية تعتصر قلبه بشدة ... حمل مفاتيحه و هاتفه و قال مسرعا :
_ أنا هنزل أنا بعد إذنكم .
أوقفت بسمة تقدمه و هى تقبض بكفها على يده قائلة بشراسة :
_ عاوز تنزل وراها صح .
إبتلع ريقه بتوتر و أجابها قائلا بصوت محتقن :
_ إيه اللى إنتى بتقوليه ده يا بسمة إنتى إتجننتى .
إلتقط إسلام مفاتيح سيارته و ركض ورائها .... هبط الدرج راكضا و خرج للطريق بحث عنها بعينيه فلم يجدها و كأن الأرض إبتلعتها .... توجه ناحية سيارته و أدارها مسرعا ليبحث عنها ...
سارت غزل بخطوات سريعة مبتعدة عن منزلها و هى تجذب حقيبتها خلفها ... وقفت تتطلع للطريق لإيجاد سيارة أجرة تقلها لمنزل جدتها .... حتى إجتذبها إسلام من ذراعها و قال بصرامة :
_ إرجعى معايا يا غزل .... مش هسيبك تمشى .
جذبت يدها منه و قالت بغضب :
_ Let me go .... هو بالعافية و لا إيه يا إسلام .
إشتعلت عيناه بغضب و قال هادرا بقوة :
_ أيوة بالعافية .... أنا بحبك و عمرى ما هسمحلك تبعدى عنى .
شعرت بالصدمة من كلماته ... أغمضت عيناها كاظمة غضبها و فتحتهما قائلة بسخرية :
_ بتحبنى .... و ده إمتى إن شاء الله ... بطل هزار و سبنى أمشى بقا .
إلتفت و أولته ظهرها ... فجذبها من ذراعها مرة أخرى و لكن هذه المرة أقوى غارزا أظافره بذراعها فصرخت متألمة ...
رفع فارس كفه ليضم رأسه متألما من تلك الصرخة المستنجدة و التى أصبحت كابوس حياته ... صف سيارته و إحتضن رأسه بكفيه و لكن هذه المرة وصلته الصرخة مجددا لأذنيه من جواره ... إلتفت برأسه فوجد فتاة تحاول تخليص نفسها من قبضة شخص ما .....
إستطاعت أخيرا من تخليص نفسها من قبضته و مسدت ذراعها بألم و رفعت سبابتها فى وجهه و قالت بتهديد قوى :
_ إوعى تلمسنى تانى و إلا هتندم و الله .
تجهم وجه إسلام و إقترب منها قائلا بنبرة عازمة :
_ مش هسمحلك تبعدى عنى إنتى لسه ما تعرفنيش كويس ... فاقدامى على البيت أحسنلك .
و جذب حقيبتها و جذبها خلفه بالقوة ... و فجأة توقف تقدمه و هو يشعر بقبضة صلبة تعيقه ... فإلتفت برأسه ورائه فرأى شخصا يحدجه شرزا ... فقال له بحدة :
_ سيب إيدى يا عم إنت .
إبتسم فارس بسخرية و قال بهدوء بنبرة صوته الرجولية الحادة :
_ مالك يا دكر بتستقوى على البنت ليه .
و فك أنامل إسلام واحدا تلو الآخر بهدوء عن ذراع غزل و إجتذبها و أوقفها خلفه ... فإحتمت به و هى تطالعه بتعجب و إعجاب من قوته ... بينما أجابه إسلام وهو يتطلع إليه بتوتر من هيأته الصارمة و جسده الضخم و عضلاته التى إتضحت بقوة من أسفل قميصه الضيق قائلا بتقزز :
_ وإنت مال أهلك بنت عمى و أنا حر معاها .
إستشاطت نظرات فارس حتى إصطبغت عيناه بحمرة خفيفة .. و جذبه من ياقة قميصه و قربه منه قدر المستطاع ... و ذلك لأن إسلام يصل طوله لمنتصف صدر هذا العملاق الذى يتطاير من عينيه شرارات تكاد تحرق ما حولهما و أخيرا قال له بصوته الأجش :
_ كلمة زيادة و هخلى جسمك يكره إسمك .... قدامك دقيقة واحدة و تكون إختفيت من قدامى .
الفصل الرابع:
دفعه بقوة فتعثر إسلام قليلا و منع نفسه من السقوط بينما تابع فارس حديثه و هو يفرد جسده ليرهبه قائلا بشراسة :
_ و إلا .... هعمل معاك الغلط .
إزدرد إسلام ريقه بصعوبة و عدل من ملابسه و تطلع ناحية غزل و قال لها بحدة :
_ مش هسيبك ... و هخليكى تندمى ندم عمرك .
أشاحت غزل بذراعها و قالت بإستخفاف من تهديده و هى تحتمى بذلك العملاق الواقف أمامها :
_ يا عم إجرى ... أنا ندمانة إنى شوفتكم أصلا .
عض إسلام على شفته و قال بصوت محتقن :
_ مش هسيبك صدقينى و هرجعك ليا .
إمتعض وجهها و قالت بحدة :
_ لو راجل بجد إبقى قربلى تانى .
إبتعد إسلام بضيق و هو يتوعدها و عينى فارس تتابعه حتى إختفى ... ثم وضع يديه بجيبى بنطاله و إلتفت إليها ببطء شديد متفرسا لملامحها ... فها هى صاحبة الصوت و الذى طالما لازمه بصراخه المستنجد ...
لم ينجذب من قبل ناحية إمرأة مهما كانت على قدر من الجمال و الجاذبية . و لكنه الآن يطالع حورية ...
حورية من حوريات الجنة و التى وُعد بها المؤمنون ... جمالها فريد و قاتل و محطم لقوة أى رجل مهما كانت صلابته ... و من الواضح أنها تعلم جيدا قيمة السلاح التى تمتلكه ...
لأول مرة ترتبك من نظرات شخص ناحيتها ... لقد إعتادت على نظرات الإعجاب و لكن نظراته هو لامست شيئا ثمين تخبئه بداخلها ....
تصنعت الصلابة و القوة كعادتها و تنفست بهدوء و خرج صوتها ناعما و هى تقول بإمتنان :
_ متشكرة جدا ..... بعد إذنك .
وصل لأذنيه همس الحوريات الناعم .. فإرتبكت فرائصه مخلفة ورائها ضيق و عبوس من تلك الأمور الدخيلة و التى يشعر بها لأول مرة بحياته ...
جذبت غزل حقيبتها و إبتعدت عنه و هو يتابعها بعينيه ... حتى إختفت داخل سيارة أجرة أقلتها و إنطلقت .... وقف مكانه و أغلق عينيه مستنشقا تلك النسائم الساحرة التى خلفتها ورائها ......
فتح عينيه و هو يعتصر عقله أين رأى تلك الملامح من قبل ... و العجيب أنه رأى تلك العيون من قبل أيضا ... حاول جاهدا فلم يتوصل لشئ ... نفض تلك الأفكار من رأسه و عاد لسيارته مرة أخرى ....
وقفت غزل مرة أخرى تتابع ذلك القصر بضيق ... ففى كل مرة تراه به تتذكر شيئا ... فها هى تتذكر نفسها و هى صغيرة و ضفيرتها تهفو خلفها مع ركضها حاملة لدميتها و صوت ضحكاتها المرحة يعلو و يعلو و هى تطالع تلك الكف الحانية الصغيرة و هى تجتذبها ...
و فجأة كسى الخوف ملامحها و هى تتذكر دميتها التى تلطخت بدماء كثيرة ... حاولت تذكر دماء من كانت و لكن دون جدوى ......
إلتفت و عبرت الطريق مسرعة حتى وقفت أمام الطريق المؤدى إلى الحارة و هى تسأل نفسها بقلق :
_ يا ترى إيه اللى مستنينى هنا ... يا رب خليك معايا .
تنفست مطولا و إنطلقت سيراً تجذب حقيبتها ... إقترب منها ذلك الصغير مجددا و قال بإبتسامة متسعة :
_ إيه ده رجعتى بسرعة أهه .
إبتسمت غزل و قالت بمداعبة و قد نسيت مع إبتسامته البريئة كل ما مر بها فى هذا اليوم و أجابته بتلقائية باتت تفتقدها مع المحيطين بها :
_ مش قولتلك إنى مش هتأخر ... أنا بقى هعيش فى الحارة دى زيك و هنبقى جيران .
تهللت أساريره بفرحة و قال و هو يقفز من السعادة :
_ هو ده الكلام ..... إنتى هتروحى عند ستى رأفة تانى .
أومأت غزل برأسها و أجابته قائلة بهدوء :
_ أيوة يا .... إنت إسمك إيه ؟!
عدل من ياقة قميصه و قال بغرور مازحا :
_ إسمى أحمد يا مُزة .
صفعته غزل على رأسه و قالت مازحة :
_ مُزة فى عينك .
وضع يده على عينه و سبل الأخرى قائلا بوله :
_ آه يا عينى ... و آه يا قلبى كمان ..... إنتى قمر هو فى حلاوة كده .
ضحكت غزل ضحكة عالية ... فتلفت أحمد حوله بتوجس و قال لها بضيق :
_ وطى ضحكتك دى مش كفاية لبسك الشمال ده .
بعثرت شعراته بأناملها و قالت بلوم :
_ أنا لبسى شمال يا أحمد .
_ بصراحة بقا لو هتعيشى هنا لازم تلبسى طويل شوية و واسع شويتين تلاتة .... ده أنا من ساعة ما مشيت معاكى و عيون الشباب هتخرج من وشهم .... لولايا ربك كان عالم هيتعمل معاكى إيه .
وقفت أمام بيت جدتها و قالت بإبتسامتها الساحرة :
_ حاضر يا سيدى هفكر فى اللى قولته ..... و إنت معايا برضه علشان تحمينى صح .
ذاب مع إبتسامتها و غمز لها بعينه قائلا :
_ ده أنا أحميكى بعنيا ... هو ممكن أبقى أزورك .
_ أكيد .... سلام .
و لوحت له بيدها و دلفت لمدخل البناية حاملة حقيبتها الثقيلة ... حتى وصلت لباب شقة جدتها ... إلتقطت أنفاسها و طرقت الباب ....
فتحت لها ليال التى قابلتها بعبوس قائلة بتذمر :
_ إتأخرتى ليه يا غزل .... قلقنا عليكى .
زفرت غزل بضيق و قالت بإرهاق :
_ هنتكلم على السلم يا ليال ... أنا يومى كان طويل و متعب جدا دخلينى أول .
أتاهم صوت أنثوى غليظ يقول بسخرية :
_ مين السحلية دى يا ليال ....... دى قريبتكم .
إلتفتت غزل خلفها و قالت بضيق و هى تتطلع نحوها :
_ هو يوم باين من أوله .
وقفت كلا من ليال و غزل تطالعا تلك المتطفلة عليهما بضيق ..... فإبتلعت ليال ريقها بتوتر و أجابتها بتلعثم :
_ دى .... دى غزل بنت خالتى حور .
و فجأة ضحك ذلك الكائن الأنثوى ذو الوزن الزائد و الطول الفاره و المرتدى عبائه ضيقة ضحكة رنانة طويلة ... رفعت غزل حاجبيها و هى تتطلع إليها بتعجب من ضحكتها و التى سمعتها من قبل فى فيلم كانت بطلته راقصة ... أرادت و بشدة أن تصفق لها و تقول بإعجاب " عاش النفس " و لكنها إلتفتت ناحية ليال المذعورة و سألتها بريبة :
_ مين دى يا ليال .
أجابتها ليال و هى تحتمى بباب شقتها من خوفها قائلة :
_ دى الآنسة مهجة جارتنا .
ضحكت غزل بسخرية و إلتفتت ناحية مهجة و قالت بقوة :
_ أهلا يا جارتنا ....فى بقا سبب لسؤالك و لا فضول منك و خلاص .
رفعت مهجة حاجبها الرفيع بضيق و هبطت درجتين من الدرج و قالت و هى تحرك عنقها يمينا و يسارا ببراعة كتلك الراقصة بالفيلم :
_ لأ بنتعرف يا عنيا .. قولتيلى بقا إسمك غوزل ... و لا غزالة ... ولا إيه .
إبتسمت غزل ساخرة و قالت بثقة و هى تقترب منها ببطء :
_ إسمى غزل ... غزل يا ااااا .
حاولت تذكر إسمها و التى قالته ليال منذ لحظات .. فقالت بتلقائية بريئة :
_ يا اااا ..... يا بؤجة .
دخلت ليال فى نوبة ضحك عالية حد الدموع .... و قالت بلهاث :
_ بؤجة .... ده إنتى جبارة يا غزل .
لم تفهم غزل مقصدها و لكنها إقتربت أكثر من مهجة و مالت برأسها يمينا و يسارا تطالع ضخامة إمكانياتها و طولها قائلة بمزاح :
_ و إنتى بقا يا آنسة معاكى تصريح بالإرتفاعات الزيادة و البروز الأوفر دى و لا .... شكلى كده هطلعلك طلب إزالة .
زادت ضحكات ليال بصوت عالى و قد إنحنت قليلا و صفعت ركبتيها .... بينما صكت مهجة أسنانها و قالت بغضب :
_ لعبتى فى عداد عمرك يا سحلية إنتى .
و هبطت الدرجات الفاصلة بينها و بين غزل بسرعة ... فواجهتها ليال قائلة بتحذير قوى :
_ هكلم رامى و إنتى عارفاه و مجرباه قبل كده .... لو فكرتى تلمسى غزل أو بس تبصيلها بعنيكى .
وقفت مهجة أمام غزل و حدجتها بغضب و قالت من بين أسنانها :
_ مسيرك هتقعى تحت إيدى يا سحلية إنتى و ساعتها هتندمى ندم عمرك .
و تركتهم و صعدت لشقتها و شحمها ينتفض مع حركتها الغاضبة .... زفرت غزل بإرهاق و قالت بوهن :
_ لأ بجد ده يوم عمرى ما هنساه .... يالا ندخل يا ليال لتحصل حاجة تانية .
ولجا للشقة فإرتمت غزل بجسدها على أقرب أريكة ... أتاهما صوت رأفة قائلة :
_ غزل جت يا ليال .
ردت عليها مسرعة :
_ أيوة يا تيتة ... هترتاح من السلم و تجيلك .
أسندت غزل رأسها على الأريكة و قالت بتعب :
_ محتاجة شاور سخن أريح بيه أعصابى و بعد كده عاوزة أكل خروف جعانة جدا .
إبتسمت ليال برقة و قالت و هى تحدجها بإشفاق :
_ فعلا قومى خدى شاور و أنا محضرالك أكل كتير جدا ... ملوخية ... و فراخ مشوية ... و طاجن لسان عصفور ... و مكرونة بشاميل .
إبتلعت ريقها الذى إنطلق مع وصف ليال و تحسست معدتها قائلة بجوع :
_ أنا بقول أكل الأول و بعد كده أبقى آخد شاور .... حضرى الأكل يا لولو على ما أصلى .
فى المساء جلست غزل و معها ليال بالشرفة الواسعة و تحيطهم بعض النباتات العطرية و التى أضافت لجلستهم عطرا مريح للأعصاب .... إرتشفت غزل من قهوتها .... بينما تنفست ليال مطولا و زفرته على مهل قائلة بإبتسامتها الهادئة :
_ الجو النهاردة حلو جدا .
إحتضنت غزل كوبها بين راحتيها و غمزت لليال بعينها قائلة بعبث :
_ قوليلى يا لولو مين رامى اللى إنتى خوفتى بيه بؤجة ده .
ضحكت ليال بخجل و رفعت كفها أمام وجهها متطلعة بخاتم خطبتها الذهبى بشوق و قالت برقة :
_ خطيبى .
رفعت غزل حاجبيها بتعجب و قالت :
_ مبروك ........ بتحبيه بقا .
تنهدت ليال تنهيدة حارة وأجابتها بإقتضاب :
_ لأ .
ضيقت غزل عيناها و وضعت كوبها على الطاولة و إلتفتت إليها قائلة بدهشة :
_ نعم !!! مش بتحبيه ........ أمال مخطوبين إزاى .
هدأتها ليال قائلة بسرعة :
_ إهدى يا ماما ..... أنا بحبه طبعا بس كلمة بحبه دى قليلة قوى على اللى حساه ... إنتى عارفة يا غزل أنا فتحت عنيا على الدنيا ما شوفتش غيره .
إرتاحت ملامح غزل و حملت كوبها مجددا ترتشف منه بينما أردفت ليال قائلة ببساطة :
_ هتصدقى لو قولتلك إنه خطبنى و أنا عندى 14 سنة .
بصقت غزل القهوة من فمها بعدما توقفت بحلقها و أخذت تسعل بقوة فاقدة القدرة على التنفس ... وقفت ليال مسرعة و ضربتها بضهرها بالقوة حتى إستطاعت أخذ نفسها بصعوبة ... بعدما إنتهت و إنتظمت أنفاسها حدجتها بدهشة و قالت بصوت عالى :
_ نعم !!!! are you crazy .... إنتى مجنونة يا بنتى 14 سنة !!!
جلست ليال مجددا بجوارها وقالت بإبتسامة حالمة :
_ مش هتفهمينى لأنك مش عارفة أنا و رامى عاملين إزاى ... و بنحب بعض إزاى .
أشاحت لها بيدها و قالت بضجر :
_ بناقص مش عاوزة أعرف .... طب و أختك إتجوزت إزاى ؟!
عدلت ليال من حجابها بقلق و قالت بتلعثم :
_ ب .. بلاش تعرفى أحسن .
وضعت غزل كوبها على الطاولة و وقفت و كتفت ذراعيها و إستندت على سور الشرفة تطالع الطريق من أسفلهم و قالت بضيق :
_ إصدمينى ......... واضح كده إنه إحنا التلاتة مالناش حظ .
وقفت ليال و تقدمت نحوها و وقفت بجوارها و قالت بأسى :
_ ميناس بقا حكايتها حكاية ... بعد مرض ماما و بعد بابا ما هرب و سابنا لواحدنا الحاج صبرى إهتم بينا و إتكفل بمصاريف علاج ماما و مصاريفنا ... و ده خلى ميناس تتعلق بيه هو طنط زينب مراته و ده اللى إحنا كنا فاكرينه .
إلتفت غزل برأسها ناحيتها تتابع سردها بشغف ... بنما تابعت ليال قائلة :
_ بعد موت ماما بقت تزورهم أكتر قولنا يمكن طنط زينب علشان حنينة عليها فا هى بتحب تقعد معاها ... لغاية حادثة حمزة ما حصلت لقيناها مهتمية بيه جدا و بتعمله كل اللى بيحتاجه .... و فجأة عمى صبرى طلبها لحمزة و قولنا كلنا إنها هترفض بس صدمتنا و وافقت .
سألتها غزل بفضول :
_ و كنتم متوقعين رفضها ليه ؟!
تنهدت ليال بأسى و قالت بحزن :
_ لأن حمزة مشلول و قاعد على كرسى بعجل .
شهقت غزل بقوة و إتسعت عيناها بذعر كادا أن يخرجا من محجريهما و صاحت بها قائلة بغضب :
_ مشلول .... ده... دى أكيد لسه آنسة صح .
أومأت ليال برأسها و أجابتها قائلة بألم :
_ أيوة آنسة .
ضربت غزل بقبضتها سور الشرفة و قالت بغضب :
_ و إزاى الحاج صبرى ده يعمل فيها كده هو علشان مافيش حد معاكم يظلم ميناس بالشكل ده .
ربتت ليال على كفها برقة و قالت بهدوء :
_ ما تظلميش عمى صبرى يا غزل ... إنتى مش عارفة هو عمل و بيعمل إيه علشانا .... ميناس هى اللى عملت كده و حسست حمزة إنه رغم إصابته إنه أحسن واحد فى الدنيا ... و هو عوض النقص اللى فيه بنظراتها و كلامها ... فا حب يثبت رجولته و إنه لسه مرغوب فيه و طلب يتجوزها و عمى صبرى و طنط زينب رفضوا و كلنا رفضنا .
توقفت قليلا لإلتقاط أنفاسها و تهدئة دقات قلبها و تابعت قائلة بألم :
_ بس ميناس وافقت و ضغطت علينا و قعدت بالأيام ماتاكلش ... لغاية ما تيتة خافت عليها و وافقت يتجوزها ... ما حدش كان يعرف إنها راحت لعذابها برجليها .
قطبت غزل جبينها بتوجس و سألتها بقلق :
_ قصدك إيه بإنها راحت لعذابها برجليها ؟!
إحتقن وجه ليال وقد خانتها دموعها و سقطت على وجنتيها و قالت بصوت مختنق :
_ لأن الأستاذ حمزة كل يوم يصبحها بعلقة و يمسيها بعلقة .
مررت غزل كفها على وجهها فاقدة صبرها و هتفت بعبوس :
_ و إنتوا ساكتين إزاى ... مستنين لما فى مرة يتهور و يموتها .... أنا حاسة إن مخى هينفجر .. اللى إنتى قولتيه ده حقيقى .
كتفت ليال ذراعيها أمام صدرها و قالت بمرارة :
_ قولتلك بتحبه يا غزل و حاولنا أكتر من مرة نطلقها منه بس هى رفضت و متمسكة بيه جدا .... دى حتى سابت الكلية بتاعتها علشان تفضل جنبه زى ما هو أمرها طبعا .
ضغطت غزل شفتيها و قالت من بين أسنانها من شدة حنقها :
_ حب إيه و زفت إيه ... دى مجنونة .
أجابتها ليال من بين دموعها بشرود :
_ ربنا يهديها للطريق الصح .
كففت غزل دموعها الهادئةو قالت بإبتسامة باهتة لتغير الموضوع :
_ و إنتى بقا فى كلية إيه و سنة كام .
تنحنحت ليال بقلق من ردة فعل غزل و قالت بخوف :
_ أنا آخر سنة كلية تجارة و الحمد لله بنجح بتقدير جيد جدا كل سنة ... بس ..... مش بروح الجامعة و بذاكر فى البيت .
لوت غزل ثغرها و سألتها بريبة :
_ و الله خايفة أسألك ليه .
مسحت ليال أنفها الذى تورم من بكائها بكم عبائتها و قالت بإرتباك :
_ أصل .... رامى مانعنى أنزل الشارع و أيام الإمتحان هو بيودينى و بيجبنى ... و طلبات البيت هو اللى بيجيبها .... و كل حاجة ليها علاقة بيا هو المسئول عنها .
رفعت غزل كفيها و لوحت بهما بفقدان صبر و قالت بضيق :
_ لا كده كتير أنا أدخل أقعد مع تيتة أحسن ما أرميكى من البلكونة و أخلص منك و أريحك و أرتاح .
ضحكت ليال عليها و فجأة تصلبت ملامحها و قالت بتنهيدة طويلة :
_ رامى .
و إلتفتت مسرعة تطالع الطريق .... و قفت غزل بجوارها تطالع ما بدل حالها فرأتها تتطلع ناحية سيارة چيب عالية ... ترجل منها شابا طويل يرتدى چاكيت بدلة إسود و تي شيرت أبيض و بنطال چينزى ضيق و يبدو عليه الهيبة و الجلالة رغم وسامته الهادئة ... زمت غزل شفتيها و قالت بسخرية :
_ هو ده بقى روميو .
أومأت ليال برأسها و قالت بلهفة :
_ أيوة .
ضيقت غزل عينيها و هى تتابع لهفتها و تنهيداتها المشتعلة ... و عندما إكتفت قالت بضيق :
_ لأ أنا ماليش فى السهوكة دى ...... أنا هروح أقعد مع تيتة أحسن .
و تركتها و دلفت للداخل ... أغلق رامى سيارته و رفع عينيه صوب شرفة حبيبته فتكحلت عينيه برؤيتها تبتسم إليه بهدوء .... بادلها إبتسامتها و دلف لبنايتهم المقابلة لبناية رأفة ...إلتفت ليال و إستندت بظهرها على سور الشرفة و رفعت كفها ناحية قلبها المنتفض بقوة ... ثم رفعته تتحسس حرارتها العالية و سخونة و جنتيها من مجرد رؤيته .....
حملت الأكواب و دلفت للشقة ..... بينما تمددت غزل بجوار رأفة فى فراشها و قالت بكسل :
_ أنا هنام فى حضنك النهاردة يا تيتة .
إجتذبتها الجدة لحضنها و قالت و هى تحدجها بحنان :
_ رغم إنك شبهى و أنا فى سنك ... بس شايفة فيكى حور بنتى .... تعرفى يا غزل لما وصلنى خبر موتها وقعت من طولى و من ساعتها و أنا راقدة فى السرير بقالى خمس سنين .... الله يرحمها .
إبتلعت غزل تلك الغصة المؤلمة و التى تصيبها كلما تذكرت والدتها و تذكرت ما حدث معها و لكنها قالت بأسى :
_ كانت هتموت و ترجع مصر مافرحتش ثانية واحدة هناك .... و كانت بتشتغل و تصرف على نفسها و رفضت تاكل من فلوس بابا الحرام ... وقتها ما كنتش فاهمة هى بتعمل كده ليه ... بس باعدين فهمت .
توقفت عند هذا الحد و لم تكمل ما حدث مع والدتها و حادثة موتها و هذا ما حولها و جعلها تكره الرجال جميعا و أولهم والدها ...... حاولت تغيير الموضوع فبحثت حولها قائلة بمداعبة :
_ هى ليال راحت فين إختفت يعنى .
إمتعض وجه رأفه و زمت شفتيها بضيق و قالت بحدة :
_ أكيد رامى جه و بتكلمه .
إنتبهت غزل لتبدل ملامح جدتها فسألتها بقلق :
_ مالك يا تيتة .... إتغيرتى لما جت سيرة اللى إسمه رامى ده .
أجابتها بصوت قاتم و قالت بأسى :
_ أنا عارفة إنه بيحبها و بيحبها قوى ..... بس تحكمه فيها و سيطرته عليها مخوفنى لتبقى زى أختها حياتها كلها ضرب و إهانة ... و هى هبلة ماشية وراه لو قالها إرمى نفسك فى النار مش هتتأخر .
رفعت غزل عينيها ناحية رأفة و قالت بحزم :
_ ما تقلقيش يا تيتة موضوع ميناس أنا اللى هحله إن شاء الله ... لازم اللى إسمه حمزة ده يعرف إن ليها ضهر .... أما بقا الهيمانة هانم ليال فأنا وراها لغاية ما يبقى ليها شخصيتها و تبقى قوية .... و لو اللى إسمه رامى ده فكر يزعلها هيلاقينى قدامه .
إحتضنتها الجدة بشدة و قالت بحنو :
_ رجعتى فى وقتك يا حبيبتى .... لو جرالى حاجة يا غزل ليال و ميناس فى رقبتك يا بنتى دول غلابة قوى .
دفنت رأسها بصدر جدتها الرحب و قالت بعزم :
_ ما تقلقيش يا تيتة عليهم و ربنا يديكى الصحة و يخليكى لينا .
ملست الجدة على شعراتها السوداء الناعمة و قالت بضيق :
_ قوليلى يا بنتى الواد إبن عمك ده زرق دراعك كده إزاى .
دلفت ليال الغرفة و على ثغرها إبتسامة بلهاء و وجنتيها متوردتين بشدة .... تطلعا الإثنان ببعضهما و دخلا فى نوبة ضحك على هيأتها الملتاعة ... تطلعت ليال نحوهم و قالت بغضب :
_ بتضحكوا على إيه ؟!
أشاحت غزل بيدها و قالت بسخط :
_ سيبك منها يا تيتة الهيمانة هانم دى .... المهم إسلام جرى و رايا و حاول يرجعنى معاه بالقوة ... فحاولت أبعد عنه و صرخت فيه .... فا جه شاب كده طول بعرض و أسمرانى و كيوت و قام ماسك إيده و شدنى و وقفنى وراه و قعد يخوف إسلام و يزعقله ... خلاه واقف قدامه زى الكتكوت المبلول .
ضربت ليال كفيها ببعضهما و قالت بتعجب :
_ عشرين سنة فى أمريكا و اللى يسمعك يقول ما فارقتيش مصر ثانية .
أجابتها غزل مسرعة :
_ لأنى كنت وقت فراغى قاعدة قدام النايل سات و بشوف كل البرامج و بعرف مصر ماشية إزاى خصوصا بعد الثورة .... ده غير إنى كنت بتفرج على الأفلام على النت و بسمع أجدد الأغانى حتى المهرجانات .... و إحنا فى البيت كنا بتكلم بالمصرى .
إبتعدت غزل عن صدر جدتها و إعتدلت فى نومتها و قالت بتثائب :
_ يالا على أوضتك يا ليال هانم ... و إطفى النور هقوم بدرى أدور على شغل .
فسألتها ليال بفضول :
_ صحيح إنتى بتشتغلى إيه ؟!
أجابتها غزل و هى مغمضة عينيها :
_ دكتورة باطنة قسم جراحة و مش عاوزة أى سؤال تانى بكرة نبقى نكمل .... يالا برة .
إبتسمت ليال و إتجهت ناحية جدتها قبلتها بوجنتها و إلتفت حول الفراش و مالت ناحية غزل و قبلتها بوجنتها و قالت برقتها الناعمة :
_ تصبحوا على خير .
و أغلقت الإضاءة و خرجت .... إبتسمت غزل و رفعت كفها ولامست مكان قبلة ليال الحنونة و قالت بداخلها :
_ أوعدك يا ليال هحميكى إنتى و ميناس من أى حد و من نفسكم و لو لزم الأمر .
و تركت النوم يتسللها ببطء و يغزوها حتى راحت فى سبات عميق ..... جدا ......
فى الصباح وقفت غزل بين يدى الله و أدت صلاة الضحى و أطالت سجودها و هى تدعوا الله أن يوفقها فى العثور على عمل مناسب .... أنهت صلاتها و بدلت ملابسها و خرجت من غرفتها .... جلست مع ليال بغرفة جدتها تتناول فطورها ... هزت ليال رأسها و هى تطالع ملابس غزل و قالت لها بمداعبة :
_ طريقة لبسك دى يا غزل ماتنفعش هنا .... إحنا فى حارة مش فى المعادى .... أنا مش مصدقة أصلا إنك خرجتى إمبارح من الحارة .
وقفت غزل و هى تمضغ أخر قطعة خبز بفمها و قالت ببساطة :
_ عادى يعنى يا لولو و باعدين أنا معايا بودى جارد و إسمه أحمد .
قطبت رأفة حاجبيها و سألتها بتعجب :
_ مين أحمد ده يا غزل .
حملت غزل حقيبتها و قالت بإبتسامة متسعة :
_ ولد صغير عنده تقريبا 8 سنين بس إيه عسل .... إدعيلى يا تيتة ربنا يوفقنى و ألاقى شغل .
مصمصت رأفة شفتيها و قالت بزهو :
_ و هما هيلاقوا دكتورة و أمريكانية و زى القمر و حفيدتى فين ..... إن شاء الله يا حبيبتى ربنا هيجبر بخاطرك و هتلاقى شغل .
أرسلت إليها غزل قبلة بالهواء و إلتفت ناحية ليال و قالت لها بقوة :
_ أنا هجيب الطلبات اللى كنتى كتباها و لو عوزتى أى حاجة كلمينى ... تمام .
أومأت ليال برأسها موافقة ... فإتجهت غزل ناحية باب الغرفة للخروج ولكنها توقفت و إستدارت ناحيتهم و قالت متذكرة :
_ صحيح كلمى ميناس و قوليلها إننا هنروح نزورها النهاردة .
إبتسمت إليها ليال إبتسامتها الهادئة و قالت :
_ حاضر يا حبيبتى ... توكلى على الله و هو هيوفقك .
لوحت لهم غزل و خرجت ... هبطت الدرج بحماس و على ثغرها إبتسامة مشرقة ... خرجت إلى الطريق بحثت بعينيها عن أحمد فلم تجده ... فهزت كتفيها بتسليم و مضت فى طريقها ...
خرج فارس و رامى من بنايتهم .. لوح فارس لرامى بيده و قال بجدية :
_ سلام يا صاحبى .
و توجه لسيارته و فجأة وصل لأنفه عطر مميز سحره بالأمس فأغمض عينيه مستمتعا بتلك النسائم الناعمة ... إنتبه رامى لحالته فإقترب منه و سأله بقلق :
_ مالك يا عوو .... إنت كويس .
أجابه فارس مسرعا :
_ إنت شامم البرفان ده .
شم رامى الهواء من حوله و هز رأسه قائلا بنفى :
_ لأ مش شامم حاجة ... برفان إيه اللى بتتكلم عنه .
هز فارس رأسه نافضا تلك الهلاوس المسيطرة عليه و أجابه بتلقائية :
_ أنا شامم برفان البنت اللى حكيت لك عنها إمبارح .
غمز له رامى بعينه و قال ساخرا :
_ الله ... هى علقتك و لا إيه يا مريسة .
سحب فارس نظارته الشمسية من فتحة قميصه و قال بضيق و هو يبتعد عنه :
_ صحيح إنت إمتياز فى الإستفزاز و أنا مش عاوز أحط عليك عالصبح ... سلام .
تابعه رامى بعينيه و هو يبتسم بمشاغبة و قال بمكر :
_ عليا النعمة علقتك .
ثم رفع عينيه ناحية شرفة ليال عله يبدأ يومه برؤيتها فلم يجدها ... تنهد بشوق و إتجه لسيارته إستقلها و إنطلق بهدوء .
بدأ الإرهاق و التعب يتملكان منها .... لم تعد قدميها قادرة على حملها بعد فناشدها جسدها أن تمنحه و لو دقائق من الراحة .... بالرغم من إعتيادها على العمل لفترات طويلة و لكنها الآن تستسلم .... مسحت بعينيها المكان من حولها فوجدت ضالتها ......
سحبت غزل مقعدا على تلك الطاولة المنزوية و تركت الحقائب البلاستيكية و الممتلئة بالبقالة و إرتمت بجسدها ناشدة الراحة و إرتخاء عضلاتها ....
كلما تذكرت ردود الأفعال أثناء إجرائها مقابلات العمل يرتاح ذهنها أيضا ....... فدراستها بأميريكا و العمل بها أيضا زود فرص حصولها على وظيفة بأسرع مما تخيلت .... ستبقى فى الإنتظار و بالغد ستعاود البحث مجددا .... إبتسمت بخفوت و هى تتذكر رحلتها متنقلة بين سيارات الأجرة و كل سائق بإقتراح جديد لمشفى أكبر ...." شكرا لسائقى التاكسى على مجهودهم " ....
وقف النادل بجوارها و سألها عن طلبها و دونه بمفكرة بيده و تركها و إبتعد .... بعد قليل إقتربت منها فتاة و وضعت طلبها أمامها بإبتسامة ودودة .... بادلتها غزل إبتسامتها و لكن بوهن و حيتها برأسها لا على تقديمها للمشروب فقط و لكن إحتراما لفرصة عملها و الذى يتعالى عليها الكثير من الشباب و يتطلعون نحوها بإزدراء و يطول إنتظارهم للمكتب الذين يطمحون به دائما مضيفين عبئا جديدا على أسرهم ........
و الأكثر إيلاما و إضحاكا أن تلك الوظيفة و التى يتعالون عليها هنا هم على أتم الإستعداد للعمل بها بدولة أخرى مهما كانت و لو على حساب عمرهم ... لماذا إذا الغربة ... فها هى أمامكم و أقلها أنك ستعود لمنزلك و تحظى بدفء أسرتك ......
دفء الأسرة ... عبارة إستوقفها عقل غزل قليلا فحملت حقيبتها على ساقها و أخرجت منه هاتفها و هاتفت ليال التى أجابتها قائلة بقلق للمرة الخامسة أو السادسة ربما :
_ أخبارك إيه يا غزل إوعى تكونى توهتى .... إسألى أى حد حواليكى و هو هيعرفك تتصرفى إزاى ... و قبل ما تركبى التاكسى إتأكدى إن السواق شكله طيب كده وإبن حلال ... و لو حد عاكسك و لا زودها معاكى بس زعقيله بصوت عالى الناس هتتلم حواليكى و لو......... .
أثناء إسترسال ليال بالحديث كانا حاجى غزل يرتفعان ببطء مع كل نصيحة حتى أنهما قاربا على ملامسة طرف حجابها .. لم تقوى على الإستماع للمزيد فهزت رأسها بقوة و قاطعت ليال قائلة بقوة :
_ بس .... إيه لوك لوك كتير ليه .... صدعتينى يا بنتى .
زمت ليال شفتيها بضيق و قالت بعتاب رقيق مثلها :
_ آسفة ... بس أنا خايفة عليكى على فكرة ... و مش قصدى أضايقك ... تقومى تزعقيلى فى الآخر .
إبتسمت غزل رغما عنها و قالت بمداعبة لتلك القطة الناعمة و البريئة :
_ أى لوك لوك تانى همنع عنك التليفون و الشباك ليوم كامل ... فهمانى طبعا .
وصل لأذنيها ضحكة ليال الجميلة و صوتها أيضا و هى تجيبها برجاء :
_ لأ كله إلا كده .... آسفة يا فندم .
وضعت غزل ساقا فوق الأخرى و إرتشفت القليل من عصير البرتقال الذى طلبته و قالت لها بجدية :
_ أنا جبت كل طلبات البيت اللى إنتى كنتى كتباها ... و بعد كده أى طلبات للبيت أنا اللى هجيبها ... و خلاص إنتوا مش محتاجين لحد ... فهمانى يا لولو .
أجابتها مسرعة بتأكيد :
_ حاضر يا حبيبتى ... المهم دلوقتى خلصتى مشاويرك .
حركت غزل عظام عنقها بإرهاق و أجابتها قائلة بالإيجاب :
_ أيوة .. خلصت النهاردة ... شوية بس و هرجع على البيت على طول ... يالا سلام دلوقتى .
_ خلى بالك من نفسك .. سلام .
أغلقت غزل الهاتف و وضعته أمامها و عادت لكوب العصير البارد و إرتشفت منه مجددا ... و بعد قليل رن هاتفها فتطلعت بشاشته ليتجهم وجهها ..... متى سيتركوها تنعم ببعض من الراحة ... رحلت عنهم و تركتهم لأطماعهم فليتركوها و لو قليلا ... تجاهلت إتصال هناء زوجة عمها للمرة المائة تقريبا و إرتشفت ما تبقى من عصيرها و وقفت و حملت أشيائها و تركت مبلغا ماليا و خرجت للطريق ....
تنفست براحة عند وصولها للحارة ... ترجلت من السيارة و تحاشت النظر ناحية القصر مجددا .... فمجرد رؤيته ينقبض قلبها ... و هذا ما حدث مع أنها لم تتطلع إليه .... جاهدت كثيرا أن تتذكر شيئا جديدا و لكن لا فائدة ....
شرودها و تفكيرها بذلك القصر جعلاها تخطئ الطريق ... تطلعت حولها بقلق فلم تتعرف على المكان المحيط بها ... تابعت سيرها فوجدت نفسها بمكان واسع و مهجور قليلا فإنقبض قلبها و شعرت بالخوف و إلتفت مسرعة للعودة و لسؤال أحدهم ... و ما أن إلتفت حتى إصطدمت بجسد رجولى ضخم قليلا منفر الرائحة ... تعلم تلك الرائحة جيدا و إحمرار عينيه أخبراها أن ما إعتقدته صحيح .... فهذا الواقف أمامها و الذى يلتهمها بعينيه شرب قدرا كافيا من الخمور جعلها تبتلع ريقها بتوجس ....
تصنعت الصلابة و القوة كالعادة طبعا و قالت له بحزم :
_ ممكن تعدينى لو سمحت .
إبتسم و هو يغوص داخل بحر عينيها الساحرة و ملامحها الجذابة و جسدها المثير .. ثم قال بجرأة :
_ هو دخول الحمام زى خروجه يا قطة .
هابته قليلا ... لا بل هابته كثيرا فقالت وهى تحاول الإبتعاد عنه و عن مرمى عينيه القبيحتين :
_ بعد إذنك عدينى .
منع تقدمها بجسده و وقف أمامها قائلا بعزم :
_ مش هتمشى ...... بصراحة إنتى دخلتى دماغى ... و أنا عاوزك .
إتسعت عيناها بذعر و إنتفض قلبها بشدة بعدما تذكرت نفسها فى موقف كهذا سابقا .... فقالت بخوف بعدما شحب لون وجهها و قد علا صراخها :
_إنت قليل الأدب .. إلحقونى .
جذبها ناحيته من ذراعها و قال هامسا :
_ ليه كده بس يا قمر ... عموما إشتمى براحتك .. على قلبى زى العسل
حاولت تخليص ذراعها قائلة بتذمر :
_ إتفضل سيب دراعى و خلينى أمشى من هنا .
قربها منه بالقوة ضاغطا على ذراعها أكثر و أغمض عينيه مستنشقا عطرها و فتح عينيه يطالع ذعرها فهمس أمام وجهها بأنفاسه الكريهة قائلا بإستثارة :
_ ريحتك جننتنى أكتر .... فتعالى معايا بالراحة بدل ما تزعلى منى .
سقط قلبها من الخوف و ضربت ذراعه التى تكبلها و قالت بصراخ عله يسمعها أحد :
_ سيب إيدى يا حيوان .
وقف مستمتعا بضرباتها و تململها بين يده ... فأتاهم صوتا جافا من الغضب يقول بقوة :
_ سيبها يا مسعد .
إخترق الصوت أذنها و لكنها لم تصدق ... فحركت رأسها قليلا فتأكد حدسها و هى تراه أمامها مجددا بهيبته و ..... وسامته ... نهرت عقلها بشدة عن أى وسامة يفكر فى حالتها تلك .... أفاقت على ضحكة منفرة من ذلك المسعد الذى قال ساخرا :
_ عاوز إيه يا إبن السعيد ....... مالك و مالى إنت .
إقترب منهما فارس بخطوات رزينة و ثقيلة و واثقة ... و خلصها من ذراعه مجددا و أوقفها ورائه مجددا أيضا و قال له ببرود واثق :
_ مش هتبطل ****** بقا .
قست نظرات مسعد ناحيته و جال بخاطره أن يستغل الفرصة و يسحب مديته و يغرزها بأحشائه و يستمتع بمنظر موته و سيل دمائه أمام عينيه و ربما يحتسى منه القليل لتهدأ نيرانه من ذلك المغرور المتعجرف و لكنه تحكم فى أعصابه و قال ببرود ليثير حنق فارس :
_ هدى أعضائك شوية ..... مالك هاجم علينا بزعابيبك أنا و القطة كده .
حدجه فارس بإحتقار و قال له مهددا بضيق :
_ إتكل على الله و زق عجلك ... أنا طافح الكوتة منك و بستنالك على غلطة .
أصدر مسعد صوتا نابيا و قال بإزدراء :
_ المفروض أنا أكش دلوقتى مش كده .
ثم مال بجسده قليلا يطالع غزل المحتمية بظهر فارس و ترتعد بخوف .... حدجها بقوة و قال بمكر عابث :
_ مستخبية ليه يا قطة ... ده أنا معجب و الله و عايزك فى كلمتين على إنفراد .
ثم إعتدل فى وقفته و طالع فارس بتحدى و أردف قائلا بصوت هازئ :
_ مش حلو نتكلم قصاد الواغش .
فإنقض عليه فارس ممسكا إياه من تلابيبه و هو يصيح بإنفعال ساخر :
_ قالك إيه بقا ...... الكلبة عضت رجلها يبقى هى اللى جابته لنفسها .
و لم يمهله وقتا و نافست سرعة قبضته التى لكمت وجهه سرعة الضوء .... ترنح مسعد قليلا فجذبه فارس مجددا و ثنى ركبته و ضربه بها أسفل معدته ... فصرخ مسعد متألما .... فدفعه فارس بقوة فسقط على الأرض ضاما بطنه بألم ... و ما أن هدأ حتى رفع عينيه ناحية فارس الواقف يطالعه بعلو و كبرياء و قال له بغضب إسود سيدفع الجميع ثمنه :
_ و حياة أغلى حاجة عندك لهتندم يا إبن السعيد .
إلتوى ثغر فارس جانبا و إبتسم مستخفا تهديده الواهى و إنحنى قليلا ليواجهه قائلا بقوة :
_ انا هربط حبل الكلام اللى هيوجعك منى ... و لينا مجال تانى نتكلم فيه يا ..... يا إبن ال .... العجوز .
كل هذا و غزل تتابع ما يحدث بإستمتاع كأنها تشاهد التلفاز و ينقصها الآن طبق فشار و مقعد و خف الفأر خاصتها و تكتمل المتعة .... أخرجها فارس من حالتها المنتشية و هو يجذبها من يدها خلفه تكاد تتعثر من وسع خطوته ..... بعدما إبتعدا قليلا سحبت يدها منه و قالت بضيق :
_ سيب إيدى إنت كمان .
إلتفت فارس ناحيتها يطالعها بتعجب و عقله يكاد يصرخ ويسأله من هذه الفتاة و لماذا تحتله و يشعر بها كلما وقعت فى مأزق ... و لكنه قال ببرود عكس ما بداخله :
_ سبتها .
رفعت سبابتها أمام وجهه فإبتعد بوجهه قليلا و هو يتابع إنفعالاتها بينما سألته هى بتعجب :
_ إنت مين بالظبط و حكايتك إيه .... بتطلعلى منين ... هو إنت بتراقبنى و لا حاجة .
لم يحيد بعينيه عن عينيها و أجابها ببرود رغم قوة نظراته :
_ هو أنا اللى براقبك برضه .
كتفت ذراعيها أمام صدرها و فى إحداهما حقيبة يدها وفى الأخرى أكياس البقالةو قالت ساخرة :
_ لأ أنا اللى براقبك مش كده .
إبتسمت عيناه بخفوت على هيأتها بينما لم تصل لشفتيه القاسية ... ضاعت هى مع إبتسامة عينيه الغريبة و الجميلة .. و لكنه مجددا يقطع حالة تأملها قائلا بجمود :
_ إنتى بتطلعيلى فى كل مكان بروحه ... أكيد مش صدفه يعنى .
رفعت عيناها بملل و ضجر و قالت بنبرة مسرحية :
_ لأ بجرى وراك من جمالك .... ده إنت متواضع قوى .
ضيق عينيه قليلا و سألها بفضول :
_ إنتى ساكنة هنا و لا إيه ؟!
أجابته و هى تحرك تلك الحقائب التى تحملها لا ذراعيها و قالت بضيق :
_ أيوة .... أنا جديدة هنا و أنا و ماشية توهت ... لقيت نفسى فى المكان الغريب ده .... و لقيت الحيوان اللى إنت ضربته ده قدامى .
إستغل فرصة إسترسالها فى الحديث و تأملها بعمق سابحا فى بحر عينيها لغزه المرهق و حركة ذراعيها القوية و تصلب ملامحها الناعمة و إرتجافة جسدها و التى تخفيها ببراعة راسمة تلك الشخصية القوية ... الواهية ... ما أن إنتهت حتى سألها بجمود :
_ إنتى من بيت مين ؟!
قطبت حاجبيها فى محاولة منها لفهم مقصده و لم تتمكن فقالت ببلاهه :
_ مش عارفة هو بيت مين .... بس تيتة عايشة فيه .
لم يستطع كبح زمام إبتسامته أكثر فخرجت للنور على شفتيه مما إستفز غزل فسألته بحدة :
_ بتضحك ليه ... أنا قولت حاجة تضحك .
أخفى إبتسامته مسرعا و إرتدى ذلك الوجه الصلد البارد و سألها موضحا أكثر :
_ طب جدتك بيتها ده فين ؟!
تقلبات وجهه جعلتها تتأمله دون خجل ... كم تتمنى الآن أن يتوقف الزمن و كل شئ حولها لتتأمله بأريحية و تستنشق عطره كاملا ... طرق عقلها جمجمتها ينبهها أنها تمادت مع شخص غريب بنظراتها فتصنعت القوة مجددا طبعا و أجابته محركة عنقها كمهجة قائلة بسخرية :
_ مالكش فيه ... سلام يا ..... .
مال نحوها قليلا و قال هامسا بصوته الرجولى .. الدافئ :
_ العوو ... أنا ... العوو
للمرة الثانية يطرق عقلها جمجمتها بقوة أكبر لتعود لرشدها بعدما ذابت مع سخونة أنفاسه التى لفحت وجهها و عادت لجمودها اللعين مجددا و رفعت سبابتها و الوسطى و لامست بهما جبهتها و قالت بضحكة عالية :
_ حصلنا الرعب ... يا .... يا عوو .
و عدلت من حقائبها و حدجته مطولا و أشاحت بعينيها بغرور و تركته و إبتعدت ...
وقف يطالعها بغضب من طريقتها الطفولية .. و المستفزة ... و ملابسها الرقيقة ... و المثيرة حد النفور ....و ملامحها الآخذة ...و المغرية بتقزز .....
وكل هذا بكفة و عينيها بكفة أخرى ... عقله يقسم بكل ثقة أنه رآها سابقا و لكن أين .... إنتبه لوقفته الطويلة فدس كفه بجيب بنطاله و أخرج علبة سجائره و إلتقط إحداهن و دسها بين شفتيه وأشعلها وسحب نفسا طويلا و زفره بشرود ثم تحرك ناحية الوكالة .
بعد سؤالها لأغلب المارة وصلت أخيرا لمنزل جدتها .. .. كانت على وشك السجود و تقبيل الأرض لأنها وصلت أخيرا ....
طرقت الباب ففتحت لها ليال بإبتسامتها المشرقة و التى تلاشت و هى تتطلع لشحوب وجهها ... ولجت غزل مسرعة و وضعت عنها الحقائب و إلتفتت لليال و قالت بوهن :
_ السلام عليكم .
أجابتها ليال بعدما إستعادت إبتسامتها :
_ و عليكم السلام .
تطلعت غزل ناحية غرفة جدتها فوجدتها مغلقة ... فإلتفتت لليال و سألتها بتعجب :
_ هى تيتة نايمة يا لولو .
أومأت ليال برأسها و قالت بهدوء :
_ أيوة يا حبيبتى ... أصلها بتاخد علاج بيخليها تنام دلوقتى .
إرتمت غزل بجسدها على الاريكة .. فسألتها ليال بقلق :
_ مالك يا غزل إنتى كويسة .
هزت غزل رأسها نافية و قالت بضيق :
_ لأ ... ده أنا حصلى حتت موقف مرعب و غريب فى نفس الوقت .
قطبت ليال جبينها و قالت بخوف :
_ موقف إيه ... حد عملك حاجة ؟!
خلعت غزل حجابها و زفرت بحدة قائلة :
_ الحمد لله على كل حال .
جلست بجوارها و ملست على ذراعها قائلة بحنو :
_ إحكيلى يا غزل إيه اللى حصل .
إنتزعت غزل رابطة شعراتها و نثرته ليتنفس و أجابتها بإرتباك :
_ و أنا جاية على هنا توهت ... و لقيت نفسى فى مكان غريب مافيش فيه حد و لاقيت واحد ضخم كده وقف قدامى و قعد يقولى يا قطة و عاوزك و تعالى معايا .
ثم رفعت ركبتها و ثنتها و جلست فوقها و تابعت حديثها بإهتمام :
_ مين بقى أنا موت من خوفى ... و حاولت أبعد عنه فمسك إيدى قمت صرخت بصوت عالى ... تتوقعى إيه اللى حصل بعد كده .
وضعت ليال كفيه أسفل وجنتيها و إستندت بذراعيها على ساقيها و سألتها بتلهف :
_ إيه اللى حصل إحكى بسرعة ؟!
لملمت غزل شعراتها على جانب واحد و تابعت قائلة بإبتسامة هادئة:
_ فاكرة الشاب اللى خلصنى من إسلام .
أومأت ليال برأسها فأردفت غزل قائلة :
_ لقيته واقف قدامنا وهدده و شد إيدى منه و وقفنى وراه تانى و ضربه وعلم عليه و باعدين شدنى من إيدى لغاية ما بعدنا عن الحيوان ده ... و إيه بقا لما سألته إسمك إيه .
إبتسمت بسخرية و قالت :
_ يقولى العوو .
إعتدلت ليال بجلستها و مررت أناملها بشعراتها و قالت بتعجب :
_ يعنى اللى قصدك عليه ده يبقى العوو .... مش معقول الصدفة دى .
عقدت غزل حاجبيها و قالت مضيقة عينيها فى محاولة منها للفهم :
_ قصدك إيه و مين العوو ده ؟!
ضحكت ليال بسخرية و قالت موضحة :
_ العوو يبقى إبن عم رامى خطيبى ... و أخو حمزة جوز ميناس .
رفعت غزل حاجبيها بدهشة و قالت و هى لم تستوعب بعد :
_ فعلا غريبة !!!
ثم نفضت رأسها و قالت بإرهاق :
_ هتغدينى يالا علشان جعانة جدا .... و جهزى نفسك علشان بعد الغدا هنروح لميناس .
صفقت ليال بفرحة طفولية باتت غزل تعشقها و قالت بسعادة :
_ أنا مبسوطة قوى أخيرا هشوفها دى وحشتنى جدا.
ثم تلاشت فرحتها ببطء و قالت بقلق :
_ بس لسه هكلم رامى أول أسأله يمكن ما يوافقش .
زمت غزل شفتيها و قالت بضيق :
_ يادى النيلة عليا ... قومى من قدامى يا بت إنتى ... Stupid .
تقوس فم ليال بحزن و قالت بعتاب ناعم مثلها :
_ أنا غبية يا غزل .. هخاصمك و مش هأكلك بقا .
ضحكت غزل على طريقتها الطفولية و إجتذبتها لصدرها و ضمتها قائلة بمداعبة :
_ طب أهون عليكى ما أكلش يا أحلى غبية فى الدنيا .
لفتها ليال بذراعيها و إبتسمت قائلة :
_ لأما تهونيش ... إدخلى أوضتك صلى و غيرى هدومك و أنا هحضر الأكل و أصحى تيتة .
قبلتها غزل بوجنتها و تركتها و وقفت و توجهت لغرفتها ... حملت ليال أكياس البقالة و توجهت ناحية المطبخ و بدأت برصهم ...
بعدما إنتهت من تحضير الغداء ... جففت كفيها بمنشفة المطبخ و حملت هاتفها و هاتفت رامى و إنتظرت رده حتى أجابها قائلا بصوته الرجولى الذى يدغدغ قلبها :
_ ألو .
ضربت ليال جبهتها بعدما إخترق صوته قلبها لا أذنيها و توترت أنفاسها و رامى مستمتع بتأثيره عليها و إنتظر حتى هدأت و أجابته قائلة بصوت يكاد يكون مسموعا :
_ أيوة .
إبتسم بخفوت و سألها بلهفة :
_ أخبارك إيه يا عسلية .
أجابته برقة :
_ الحمد لله كويسة ... كنت عاوزة أطلب منك طلب .
أجابها بجدية أرعبتها :
_ طلب إيه .... قولى .
أجابته بتوتر ظهر بتلعثمها و هى تقول :
_ أصل .... أصل غزل عاوزة تروح تزور ميناس و ... و عوزانى معاها .
و أغمضت عينيها بتوجس من ردة فعله ... ساد الصمت لثوانى قبل أن يجيبها بهدوء :
_ حمد الله على سلامتها .
لم تكن تتوقع هذا الرد و لكنها أعادت سؤالها مجددا بصيغة أخرى :
_ الله يسلمك .... هاه قلت إيه ؟!
أجابها على الفور :
_ جهزوا نفسكم و أنا هوديكم عندها كمان ساعة .... كويس .
إبتسمت ليال بفرحة و قالت :
_ أيوة كويس جدا ... شكرا بجد .... أول ما نجهز هتصل بيك .
إبتسمت شفتيه و هو يتخيلها أمامه و تبتسم له إبتسامتها الخلابة و التى تفقده ترشده فقال بهمس ناعم :
_ هستناكى ... هتوحشينى قوى ... سلام .
تنهدت مطولا و قالت بهيام :
_ سلام .
و أغلقت الهاتف و ضمته لصدرها بجوار قلبها و الذى ينبض فقط لأنه يعشقه بجنون ... وصلها صراخ غزل الذى أخرجها من حالة الهيام إلى أرض الواقع و هى تقول بغضب :
_ جعاااانة ... إخلصى يا ليال بقا .
هزت ليال رأسها بإستنكار و قالت بصوت عالى :
_ ثوانى و هيبقى قدامك ... صحى تيتة إنتى .
_ حاضر .
فى منزل صبرى السعيد جلس الجميع حول مائدة الطعام ..... إنتبهت زينب لسرعة رامى فى تناول وجبته فسألته بتعجب :
_ ما تاكل زى الناس يا رامى متسربع على إيه ؟!
أجابها و هو يقف مسرعا :
_ معلش يا ست الكل مستعجل ... أصلى هوصل ليال و بنت خالتها عند ميناس .
رفعت زينب حاجبها بتعجب و قالت بتلهف :
_ هى غزل رجعت من بلاد بره .
قال لها رامى و هو يتوجه لغرفته :
_ أيوة ... هدخل أغير هدومى ... بعد إذنكم .
إبتلع صبرى ما فى فمه و أجابه بهدوء :
_ إذنك معاك يا إبنى .
بينما تطلعت زينب ناحية فارس لتستشف ردة فعله من خبر عودة غزل فوجدته بعالم آخر شاردا بالبعيد ... فوخزته بكفه و قالت بقلق :
_ فى إيه مالك يا فارس ... سرحان و مش بتاكل يعنى !!
إنتبه فارس من شروده بتلك المجنونة و التى تظهر له من العدم بصراخها المزعج و اجاب والدته مستفهما :
_ هاه .... بتقولى حاجة يا حاجة .
مصمصت شفتيها و قالت بسخرية :
_ لأ يا أخويا سلامتك ... كمل أكلك .
تطلع فارس بمهاب و الذى يجاهد فى قطع قطعة لحم بسكينته ... فإبتسم بهدوء و إحتضن كفيه بين راحتيه و عاونه فى قطعها قائلا بحدة :
_ بقالك ساعة بتحاول ... يا صبرك ... كنت قولى و أنا أقطعهالك .
هز مهاب رأسه رافضا و قال بقوة :
_ لأ لازم أتعود أنا ... الميس علمتنا إزاى نقطعها فى حصة الإتيكيت .
زمت زينب شفتيها و حركتهما يمينا و يسار بسرعة فى حركة تعلمها أغلب الأمهات المصريات و قالت بحدة :
_ النبى عربى و مالها المعلقة و صوابعك ... منظرة فارغة .
إبتسم صبرى عليهم و قال بهدوء :
_ سبيهم براحتهم يا زينب .
إلتفتت إليه و وضعت أمامه قطعة لحم بيدها و قالت بتذمر :
_ ما كانتش سنة دى اللى عاشها فارس فى القصر مع مراته الله يرحمها خليته بياكل بالشوكة و السكينة و يربى الواد على أكل الفرافير ده .. الواد كده ما يشبعش .
مضغ مهاب قطعة اللحم بتلذذ و سأل جده قائلا بتعجب :
_ هو إنتوا ليه يا جدو مش عايشين مع عمو حمزة فى القصر و عايشين هنا فى الحارة .
مسح صبرى كفيه بمحرمة بجواره و أجابه بتمهل :
_ دى قصة طويلة يا حبيبى .
ترك مهاب مقعده و ركض ناحية جده و جلس على ساقيه قائلا برجاء مصاحب بزن الأطفال المهلك :
_ إحكيلى يا جدو علشان خاطرى ... علشان خاطرى .
أجابه صبرى قائلا بملل :
_ حاضر يا سيدى هقولك .
حمل صبرى مهاب على ذراعه و إتجه ناحية إحدى الأرائك و أجلسه أمامه ... فإعتدل الصغير فى جلسته و عقد ساقيه و طالعه بإهتمام و شغف .... إبتسم صبرى على حالته و هو يذكره بفارس و هو صغير كلما قص له إحدى قصصه قبل النوم ....
إبتلع صبرى ريقه و قال بادئا سرده :
_ بص يا سيدى ... أبويا ورث القصر ده عن جدى و سكناه أنا و أبويا و أمى و عبد الله أخويا أبو رامى ... و بعد أمى ما ماتت أبويا إتجوز .... و إتجوز بنت فى سنى أنا و جدك عبد الله ... فإضطرينا نسيب القصر و جينا هنا فى البيت ده و سكنا لوحدنا .
لم يكن مهاب الوحيد الجالس يتابع قصته ... بل جلس فارس أيضا يستمع إليه بإنصات ... أردف صبرى قائلا بهدوء :
_ و أنا يا سيدى إتجوزت ستك زينب فى الشقة دى .... و جدك عبد الله إتجوز فى الشقة اللى فوق ... و خلاص إتعودنا على الحارة و على العيشة فيها .. و لما جه أبوك يتجوز أمك إتجوزها فى القصر و لما ماتت الله يرحمها رجع زى إحنا ما رجعنا .
فسأله مهاب بتلقائية :
_ و لما بابا يتجوز تانى هنروح نعيش فى القصر .
إتسعت عينى فارس بذهول من حديثه ... بينما أجابه صبرى و هو يحدج فارس بنظرات ذات مغزى :
_ و الله لما يقابل بنت الحلال اللى إستناها عمره كله إنها ترجع .... ساعتها هتروحوا تعيشوا فى القصر .
تعمق فارس بنظرته ناحية والده فى محاولة منه لفهم مقصده .. حتى أخرجه من تفكيره المتعمق صوت رامى قائلا و هو ينصرف :
_ سلامو عليكو يا جماعة .
و أغلق ورائه الباب ... إلتفت ناحية والده مجددا فوجده يداعب الصغير بحماس .... لم تغب كلمات والده عن عقله و هو يتسائل بفضول عن من تحدث والده و من هى تلك العائدة ....
تابعوني وكونوا بالقرب للتكمله
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙
الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا
❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️