expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية غابة الذئاب الفصل الأول بقلم ولاء رفعت علي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 رواية غابة الذئاب

الفصل الأول بقلم ولاء رفعت علي


رواية غابة الذئاب

البارت الأول بقلم ولاء رفعت علي



رواية غابة الذئاب

الجزء الأول بقلم ولاء رفعت علي




رواية غابة الذئاب

الحلقه الأولي بقلم ولاء رفعت علي


خلع سُترته و ألقي بها فوق المقعد ثم جلس علي طرف الفراش، سألها و علامات الإرهاق بادية علي وجهه: 

" لسه مُصرة علي الطلاق؟ ". 


جلست أمامه علي عقبيها لتخلع له الحذاء و أجابت: 

" للأسف مصممة علي قرارها، و الله أنا زعلانة و كل ما أفتكر ولادهم و ردة فعلهم يا حبايبي أزعل أكتر ". 


أطلق زفرة من فرط ضيقه كلما تذكر هذا الأمر، قام بفك أزرار قميصه: 

" بغض النظر عن الولاد اللي مالهمش ذنب، بس هو يستاهل، هو اللي عمل في نفسه كده يبقي يستحمل نتيجة أخطاءه ". 


رمقته بنظرة عتاب، تلومه علي ردة فعله تجاه شقيقه: 

" خد بالك زي ما هي في مقام أختك هو كمان أخوك ". 


تجلت إمارات الغضب علي ملامحه، ألقي قميصه بعنف علي الأرض و صدح صوته الأجش بكلماته التحذيرية: 

" صبا، خليكِ في حالك أحسن لك،كارين أختي و مالهاش غيري و لما أنا ما أخدلهاش حقها و أقف جمبها مين اللي هايعمل كده غيري!، اللي يشوف الباشا اللي راح أتجوزها من ورايا و غصب عني مايشوفش عملته، عايزاني أعمل أي لما ألاقيها جايه بتعيط بقهر منه! ". 


تركها و ذهب إلي غرفة الثياب، ذهبت خلفه: 

" أنا مش قصدي حاجة من اللي فهمته، أنا صعبان عليا أنهم هيطلقو، و زي ما أنت قولت و أكتر واحد عارف أنه بيحبها قد أي و هي كمان بتحبه". 


ألتفت إليها بطريقة أفزعتها و جعلتها انتفضت إلي الخلف قائلاً: 

" يبقي يتربي عشان يحس بقيمتها، و لأخر مرة أقول لك خلاص مش عايز أسمع كلام تاني". 


رفعت زواية فمها جانباً بإمتعاض ثم قالت بخفوت: 

" حاضر". 


و كأنه تذكر أمراً هاماً فسألها: 

" عملتِ أي في موضوعنا؟ ". 


حدقت إليه بعدم فهم: 

" موضوع أي؟ ". 


رفع إحدى حاجبيه و يقترب منها مما أثار توجسها منه و تذكرها الأمر علي الفور لاسيما عندما أخبرها: 

" أقول تاني يمكن في التكرار إفادة". 


و بخطوة واحدة كان خلفها زجاج النافذة و هو أمامها، تقع بين ذراعيه، تحدث مُردفاً: 

" عايز بيبي يا بيبي، أنا لسه علي إتفاقي معاكِ، عايز عيال كتير يملو علينا القصر ". 


نظرت إليه بامتعاض و قالت: 

" تاني يا قصي!، أخر مرة أتناقشنا و قولت لك أنا أستكفيت بمالك و زينب". 


" بس أنا عايز". 

ها قد عادت اللهجة الآمرة مُجدداً، لا تعلم مقولة الطبع يغلب التطبع، أو قد نسيت من هو قصي إذا أطلق أوامره فعليها التنفيذ! 


هسهس علي طول عنقها مما أصابها بالقشعريرة، فهي محاوطة بجسده ذو الجذع العاري و خلفها زجاج النافذة، لا مهرب لها و الآن يستخدم تأثير نبرته الرجولية علي مسمعها و التي جعلت فؤادها يخفق بشدة، برغم مرور تسع سنوات علي زواجهما، ما زال يملك تأثيره الخاص عليها، تلك الرجفة الذي يشعر بها بمجرد أن عانقها أخبرته هو الفائز في هذا الحديث، ربما هكذا ظن! 

" عايز ولادنا يبقو عزوة و عيلة مع بعض،و خصوصاً لو كانو شبهك زي زوزو النسخة المصغرة منك". 


أمسكته من عضديه لتبعده عنها: 

" مش هاينفع ". 


أبتعد و سألها بترقب و حاجبين تلاقا ببعضهما البعض: 

" و مش هاينفع ليه إن شاء الله! ". 


أبتلعت ريقها و أجابت: 

" أصل نويت أعمل نحت لجسمي و شد ترهلات في مناطق كده عشان من وقت زوزو و الحمل و الرضاعة كل ده بوظلي جسمي". 


نظرة نارية قاتلة يرمقها بها، يسألها بتهكم و يشير إلي أذنه: 

" عايزة تعملي أي! ". 


ازدردت لعابها مرة أخري و أجابت بخفوت: 

" أعمل عملية نحت و حاجة تانية كدة". 


جز علي أسنانه يكبت غضبه الذي إذا أطلقه تواً لكانت مُرتطمة في الحائط، تظاهر بعدم الإهتمام قائلاً: 

" أنسي الهبل اللي قولتيه دلوقتي و جهزي نفسك عقبال ما أخد shower و راجع لك". 


غمز إليها بإحدى زيتونتيه، أتسعت عينيها بصدمة من تحوله المفاجئ، و تلميحه الوقح إليها مما طلبه منها للتو، يبدو أن الأمر قد برمه و عزم عليه ليس مجرد إقتراح فكرة، ها هو عاد السيد الآمر من جديد و نسي من هي صبا عابد الرفاعي ذات الرأس الصلب صعبة المراس. 

بعدما أطمئنت و تأكدت من ولوجه إلي داخل المرحاض، ركضت إلي الفراش، رفعت الوسادة قليلاً و تناولت الشريط الذي وقع من يدها ذعراً عندما سمعت صوته يُناديها قائلاً: 

"هاتِ لي البورنص، نسيت أخده". 


وضعت كفها علي صدرها تلتقط أنفاسها التي كادت تنقطع من الفزع، صاحت بإذعان: 

"حاضر". 


التقطت الشريط علي عجالة و تناولت منه حبة صغيرة بسرعة بالغة ثم خبأته بين طيات الفراش! 

※ الفصل الأول ※

🐺 غابة الذئاب «ما بعد العهد» 🐺

"الجزء الثالث من رواية صراع الذئاب" 

بقلم: ولاء رفعت علي


يتسلط ضوء الكاميرا علي تلك الحسناء ذات الشعر البني اللامع، ترتدي ثياب رسمية و تمسك بين يديها بطاقات مدون علي ظهرها شعار القناة الفضائية ذات الثلاثة أحرف و إسم البرنامج الشهير«كلام الناس»، أفترقت شفتيها ذات الحُمرة القانية لتبدأ في إلقاء المقدمة: 

" الليلة ضيفنا من ألمع النجوم علي ساحة البيزنس،يتربع عرش سوق رجال الأعمال منذ سنين، أثار الجدل من تمن سنين و دارت حواليه الشائعات، لقبه الملك و هو يستحقه عن جدارة لأنه أثبت قوته و أصبح من أشهر رجال الأعمال علي مستوي الوطن العربي و مش بس كده علي المستوي العالمي و خصوصاً إيطاليا، معانا و معكم رجل الأعمال الشهير قصي عزيز البحيري " 


استدارت قليلاً و رمقته بابتسامة مُتألقة قائلة: 

" أهلاً و سهلاً بحضرتك ". 


أومأ إليها بإبتسامة رسمية و أجاب: 

" أهلاً بيكِ ". 


" قبل أي سؤال من اللي المفروض أسأله لحضرتك، هو حضرتك زي القمر عيونك ملونة و ضحكتك تجنن، يا تري أنت طالع لوالدك و لا والدتك؟ ". 


إبتسم بخجل علي غير عادته من سؤالها الجرئ و المفاجئ، يدعو الله بأن لا تكون زوجته تشاهد التلفاز الآن و في النهاية أجاب: 

" هو السؤال ده موجود في الإعداد؟ ". 


شعرت بالحرج لكنها أصرت علي تكملة حديثها و أسئلته الغير متوقعه، أخبرته قائلة بذكاء: 

" هو مش مكتوب،بس ده كان سؤال جالي من إحدي المتابعات للبرنامج و حضرتك فاهم لازم نتواصل و نجاوب علي أسئلة الجمهور ". 


تنحنح و أجاب: 

" أنا معظم ملامحي لوالدتي الله يرحمها ". 


لم تكف عن الأسئلة الفضولية: 

" هو حضرتك مرتبط؟  ". 


هز رأسه بالإيجاب قائلاً بجدية: 

" الحمدلله متجوز و عندي ولد و بنت ". 


أخفت نظرة الإمتعاض برغم علمها بحالته الإجتماعية، لكن إجابته الواضحة يخبرها بها أن تكف عن أي محاولة، فباغتته بسؤال أحمق آخر: 

"طبعاً معروف إن أي راجل زي حضرتك جنتل مان و وسيم بالتأكيد ليك معجبات كتير و محاولات التقرب منك، معقولة ما أنجذبتش لأي واحدة؟  ". 


تنحنح مرة اخري ثم أجاب: 

" الموضوع ده وارد جداً طبعاً، بس بيبقي علي حسب كل شخص و أهوائه، لكن من الغباء لما تكون في إيدك جوهرة لا تقدر بثمن و تروح تجري ورا الفالصو ". 

و غمز بإحدي عينيه، أبتسمت إليه إبتسامة تظهر أسنانها البيضاء الزائفة أو ما تسمي بـ «Hollywood Smile» 


" واضح من مظهر حضرتك أنك بتلعب رياضة و محافظ علي جسمك برغم إنك متجوز، يا تري ده الطبيعي عندك و لا عشان المعجبات؟ ". 


هنا رمقها بإبتسامة لم تصل إلي عينيه، حيث رمقها بتحذير: 

" ياريت ندخل في الأسئلة اللي المفروض تتسأل عشان بس الوقت ". 


و أشار إلي ساعة يده، مما جعل مخرج البرنامج يتحدث إليها عبر السماعة المتصلة لأذنها: 

" كفاية كده عليه بدل ما يقوم و يسيبك و يبقي منظرنا زفت علي الهوا ". 


و في مكان آخر، تقفز تلك الصغيرة ذات الخمس سنوات علي الأريكة المخملية أمام التلفاز تُردد بسعادة بالغة: 

" بابي أهو، بابي أهو، بس مين البت الرخمة اللي عاملة تعاكسه ديه و الله لأروح أقول لمامي اللي نايمة علي ودنها  ". 


و عندما لم تجد أي إجابة أو أحداً ينتبه إليها، نزلت من فوق الأريكة و ذهبت تبحث عن والدتها أو شقيقها، بينما كانت والدتها تتحدث في الهاتف: 

" يا بنتي أستهدي بالله كده و راجعي نفسك، يونس بيحبك أوي و مش عايزة أقول لك قصي عمل فيه أي لما جاله هنا، أنا وقتها خوفت من أخوكي أقسم بالله و علي اللي عمله في أخوه ". 


ردت الأخرى من خلف زجاج النافذة المُعتم بداخل المكتب الخاص بمعرض اللوحات الخاص بها: 

" صبا أرجوكِ بلاش تضغطي عليه، أنتِ أكتر واحدة عاشت معايا كل اللي حصل لحظة باللحظة، هسألك سؤال واحد و جاوبيني بصراحة، أنتِ لو مكاني و قصي عمل معاكِ كده هاتدوسي علي كرامتك و تكملي معاه؟ ". 


عم الصمت و لم تجد الأخرى رداً، كلما تذكرت ما حدث و بمجرد تخيلها تبديل الأدوار و زوجها فعل هذا يجن جنونها، أطلقت زفرة من فرط ما تشعر به من ضيق، لا تريد هدم ذلك البيت بسهولة، أخيراً أطلقت إجابتها بصدق: 

" بصراحة لاء،بس ممكن.... ". 


قاطعتها الأخري: 

" مفيش ممكن، الأمر أنتهي، هو مش عيل صغير و حد ضربه علي إيده و قاله أعمل كده". 


و علي الدرج تنزل تلك الصغيرة و تنادي: 

" مامي، يا مامي ". 


صعدت إليها المُربية بخطي وئيدة و بصعوبة تضحك لها بحب و حنان، أمسكت يدها الصغيرة و سألتها: 

" الست زوزو رايحة فين كدة، مش المفروض نكون نايمين دلوقتي!، و لا عايزة ماما تزعق معاكي زي إمبارح". 


رمقتها برماديتيها التي ورثتها عن والدتها و أجابت: 

"أنا كنت هنام يا دادة بس لاقيت بابي في التي ڤي، قعدت أنادي علي مامي و ما بتردش عليا". 


ربتت علي رأسها و ضحكت قائلة: 

" طيب يالا يا لمضة أطلعي علي أوضتك عشان أنيمك ". 


صاحت برفض عاقدة ساعديها الصغيرين: 

" لاء، مش هنام غير لما أطمن عليه و أشوف مين البت الرخمة اللي بتعاكسه دي ". 


ظلت تنتظره حتي سمعت صوت سيارة والدها الذي قد أتي للتو، نفضت يدها و ركضت كالهرة الصغيرة نحو الباب الخشبي الضخم، و بمجرد أن أنفتح الباب و ظهر أمامها صاحت بفرح و سعادة: 

" بابي ". 


قهقه و عانقها باللهفة و حب، فهي مُدللته الصغيرة التي تحتل قلبه و تتربع علي عرشه بعد والدتها،و ربما مكانتها أعلي لديه كما تخبره زوجته دائماً و تلقبها بـ «ضُرتي» 


" أي اللي مسهر زوزتي الصغيرة لحد دلوقت، مش قولنا الساعة تسعة نكون نايمين عشان نصحي بدري و نروح المدرسة! ". 


زمتت شفتيها بتمثيل مُتقن و قالت: 

"أصلك وحشتني أوي و كمان شوفتك في التي ڤي و دورت علي مامي و قولتلها تعالي شوفي بابي راحت مشوحالي بإيدها و عملت كده". 


قطب حاجبيه و تظاهر بالضيق و الاهتمام فسألها و يكتم ضحكاته من مشاكسات تلك الصغيرة و التي لم تنتهِ: 

" قولتِ لي عملت أي؟ ". 


أعادت حركة يدها بأسلوب مسرحي و مضحك له و كررت كلماتها: 

" شوحت لي بإيدها و عملت كده، يعني مش عايزة تشوفك و يمكن زهقت منك، أنا قولت لك أنا بحبك أكتر منها و أنت مش مصدقني". 


يكتم ضحكته بصعوبة، حملها و أخبرها: 

" أنا عارف يا حبيبتي أنك بتحبيني أوي عشان كدة جيبت لك الشوكيلت اللي بتحبيها ". 


ألتفت يميناً و يساراً لم يجد سوي المُربية زينات غمز بعينه إليها، أومأت إليه و أشارت بالصمت و عدم التحدث في هذا الأمر إلي صبا، لأنها قد حذرته مراراً و تكراراً من شراء الشكولاتة لابنته لما تسببت إليها من تسوس في الأسنان قبل ذلك. 

أخرج من جيب سترته الداخلي قطعة الشكولاتة و أعطاها إياها، شق وجهها ابتسامة عارمة بسعادة و فرح جلي: 

" حبيبي يا بابي، Ilove you ". 


قام بتقبيل وجنتها المُكتنزة و ذات حُمرة وردية: 

" Ilove you too". 


نزلت من بين ذراعيه و قالت: 

"ممكن أروح أنام بقي". 


أشارت له بيدها لكي يهبط إلي مستواها، دنا منها و أهتم بما ستلقيه عليه: 

" أنا هاروح أخبي الشوكيلت قبل ما مامي تشوفها وتاخدها مني". 


أعطته قُبله علي ذقنه و أردفت: 

"تصبح على خير يا بابي". 


ربت عليها بحنان: 

" و أنتِ من أهل الخير يا قلب بابي". 


تركته و ركضت علي الدرج قبل أن تراها والدتها، بينما زينات سألته: 

" أحضرلك العشا يا بني؟ ". 


" شكراً يا دادة، أنا بصراحة مش قادر و مش شايف قدامي يا دوب هاخد shower و هنام ". 


ردت داعية له: 

" ربنا يقويك و يعينك يا بني و يبارك فيك ". 


أبتسم بـ وداد قائلاً: 

" أهو أنا كده أتعشيت، أحلي دعوة من أطيب قلب، تصبحي علي خير". 


نظرت في أثره و هو يصعد لأعلي قائلة: 

"و أنت من أهل الخير و الصلاح". 


و بالأعلى ولج إلي الداخل، مازالت كانت تتحدث في الهاتف و عندما رأته أخبرتها: 

" طيب يا حبيبتي هانبقي نكمل كلامنا بكرة، يلا باي". 


خلع سُترته و ألقي بها فوق المقعد ثم جلس علي طرف الفراش، سألها و علامات الإرهاق بادية علي وجهه: 

" لسه مُصرة علي الطلاق؟ ". 


جلست أمامه علي عقبيها لتخلع له الحذاء و أجابت: 

" للأسف مصممة علي قرارها، و الله أنا زعلانة و كل ما أفتكر ولادهم و ردة فعلهم يا حبايبي أزعل أكتر ". 


أطلق زفرة من فرط ضيقه كلما تذكر هذا الأمر، قام بفك أزرار قميصه: 

" بغض النظر عن الولاد اللي مالهمش ذنب، بس هو يستاهل، هو اللي عمل في نفسه كده يبقي يستحمل نتيجة أخطاءه ". 


رمقته بنظرة عتاب، تلومه علي ردة فعله تجاه شقيقه: 

" خد بالك زي ما هي في مقام أختك هو كمان أخوك ". 


تجلت إمارات الغضب علي ملامحه، ألقي قميصه بعنف علي الأرض و صدح صوته الأجش بكلماته التحذيرية: 

" صبا، خليكِ في حالك أحسن لك،كارين أختي و مالهاش غيري و لما أنا ما أخدلهاش حقها و أقف جمبها مين اللي هايعمل كده غيري!، اللي يشوف الباشا اللي راح أتجوزها من ورايا و غصب عني مايشوفش عملته، عايزاني أعمل أي لما ألاقيها جايه بتعيط بقهر منه! ". 


تركها و ذهب إلي غرفة الثياب، ذهبت خلفه: 

" أنا مش قصدي حاجة من اللي فهمته، أنا صعبان عليا أنهم هيطلقو، و زي ما أنت قولت و أكتر واحد عارف أنه بيحبها قد أي و هي كمان بتحبه". 


ألتفت إليها بطريقة أفزعتها و جعلتها انتفضت إلي الخلف قائلاً: 

" يبقي يتربي عشان يحس بقيمتها، و لأخر مرة أقول لك خلاص مش عايز أسمع كلام تاني". 


رفعت زواية فمها جانباً بإمتعاض ثم قالت بخفوت: 

" حاضر". 


و كأنه تذكر أمراً هاماً فسألها: 

" عملتِ أي في موضوعنا؟ ". 


حدقت إليه بعدم فهم: 

" موضوع أي؟ ". 


رفع إحدى حاجبيه و يقترب منها مما أثار توجسها منه و تذكرها الأمر علي الفور لاسيما عندما أخبرها: 

" أقول تاني يمكن في التكرار إفادة". 


و بخطوة واحدة كان خلفها زجاج النافذة و هو أمامها، تقع بين ذراعيه، تحدث مُردفاً: 

" عايز بيبي يا بيبي، أنا لسه علي إتفاقي معاكِ، عايز عيال كتير يملو علينا القصر ". 


نظرت إليه بامتعاض و قالت: 

" تاني يا قصي!، أخر مرة أتناقشنا و قولت لك أنا أستكفيت بمالك و زينب". 


" بس أنا عايز". 

ها قد عادت اللهجة الآمرة مُجدداً، لا تعلم مقولة الطبع يغلب التطبع، أو قد نسيت من هو قصي إذا أطلق أوامره فعليها التنفيذ! 


هسهس علي طول عنقها مما أصابها بالقشعريرة، فهي محاوطة بجسده ذو الجذع العاري و خلفها زجاج النافذة، لا مهرب لها و الآن يستخدم تأثير نبرته الرجولية علي مسمعها و التي جعلت فؤادها يخفق بشدة، برغم مرور تسع سنوات علي زواجهما، ما زال يملك تأثيره الخاص عليها، تلك الرجفة الذي يشعر بها بمجرد أن عانقها أخبرته هو الفائز في هذا الحديث، ربما هكذا ظن! 

" عايز ولادنا يبقو عزوة و عيلة مع بعض،و خصوصاً لو كانو شبهك زي زوزو النسخة المصغرة منك". 


أمسكته من عضديه لتبعده عنها: 

" مش هاينفع ". 


أبتعد و سألها بترقب و حاجبين تلاقا ببعضهما البعض: 

" و مش هاينفع ليه إن شاء الله! ". 


أبتلعت ريقها و أجابت: 

" أصل نويت أعمل نحت لجسمي و شد ترهلات في مناطق كده عشان من وقت زوزو و الحمل و الرضاعة كل ده بوظلي جسمي". 


نظرة نارية قاتلة يرمقها بها، يسألها بتهكم و يشير إلي أذنه: 

" عايزة تعملي أي! ". 


ازدردت لعابها مرة أخري و أجابت بخفوت: 

" أعمل عملية نحت و حاجة تانية كدة". 


جز علي أسنانه يكبت غضبه الذي إذا أطلقه تواً لكانت مُرتطمة في الحائط، تظاهر بعدم الإهتمام قائلاً: 

" أنسي الهبل اللي قولتيه دلوقتي و جهزي نفسك عقبال ما أخد shower و راجع لك". 


غمز إليها بإحدى زيتونتيه، أتسعت عينيها بصدمة من تحوله المفاجئ، و تلميحه الوقح إليها مما طلبه منها للتو، يبدو أن الأمر قد برمه و عزم عليه ليس مجرد إقتراح فكرة، ها هو عاد السيد الآمر من جديد و نسي من هي صبا عابد الرفاعي ذات الرأس الصلب صعبة المراس. 

بعدما أطمئنت و تأكدت من ولوجه إلي داخل المرحاض، ركضت إلي الفراش، رفعت الوسادة قليلاً و تناولت الشريط الذي وقع من يدها ذعراً عندما سمعت صوته يُناديها قائلاً: 

"هاتِ لي البورنص، نسيت أخده". 


وضعت كفها علي صدرها تلتقط أنفاسها التي كادت تنقطع من الفزع، صاحت بإذعان: 

"حاضر". 


التقطت الشريط علي عجالة و تناولت منه حبة صغيرة بسرعة بالغة ثم خبأته بين طيات الفراش! 


                     ༺༻

دقات قلبها تصارع عقارب الساعة، فهي تنتظر للتو داخل المرحاض نتيجة إختبار الحمل الذي تحمله في يدها و ما هي سوي ثوان قد مرت فظهرت إليها النتيجة كما هي منذ سنتين. 

أطلقت زفرة يشوبها الشعور بالسأم، أخذت تردد الإستغفار دون إصدار صوت ريثما تغادر المرحاض. 

ألقت الإختبار في سلة المهملات و خرجت تكتم عبراتها كالعادة، وقفت أمام المرآة تطالع بطنها و تضع كفها عليها، أنتبهت إلي مقبض الباب الذي تحرك و دخول زوجها الذي عاد لتوه من عمله، يلقي عليها التحية و يخلع ربطة عنقه: 

" سلام عليكم". 


ألتفت إليه و أجابت بصوت خافت: 

" و عليكم السلام، أقولهم يحضروا لك العشا؟ ". 


علي الرغم من الإرهاق الذي يغزو جسده لكنه لم يغفل عن نبرة الحزن الواضحة في صوتها، أقترب منها و أمسك بيدها يسألها بإهتمام: 

"مالك زعلانة ليه؟ "


تهربت من النظر صوب عينيه مباشرة و أجابت: 

" لاء يا حبيبي مش زعلانة، أنا كنت بس نايمة و لسه صاحية من شوية و حاسة بصداع". 


و بعد أن أنتهت من حديثها كادت تبتعد، فتأكد من إنكارها؛ لذا قبل أن تذهب أمسك يدها الأخري و شعر بـ رجفة طفيفة، أمسك طرف ذقنها و رفع وجهها و نظر في عينيها عن كثب: 

" خديجة، أنا ما تعودتش منك علي الكذب، ياريت تقولي إيه سبب الحزن اللي سمعته في نبرة صوتك و شايفه في عينيكِ دلوقت، و لو أنا السبب أوعدك هاعمل اللي يرضيكِ". 


ترددت قبل أن تخبره، لكن وعده لها للتو كان مُحفزاً قوياً لفتح ذلك الموضوع من جديد لا سيما بعد نتيجة الإختبار، أبتلعت لُعابها و أجابت: 

"لسه عاملة إختبار حمل و النتيجة زي كل مرة، سلبي". 


أغمض عينيه و أطلق زفرة من أعماقه، يعلم أن هذا الحديث سينتهي بمشاجرة مثل كل مرة سابقة، و ربما سيبدأ الآن حيث أردفت: 

" علي فكرة أنا بقي لي سنتين بالظبط علي الحال ده من وقت ما وقفت الوسيلة، أنا طبعاً مؤمنة بإن ده رزق و ربنا بيبعته في أوانه اللي محدده، بس ربنا قال برضو أسعي يا عبد ". 


ألقي ربطة العنق بتأفف علي الفراش و ولاها ظهره ثم قال بإقتضاب ليحسم هذا الجدال قبل أن يحتدم: 

" و أنا مش موافق". 


جزت علي أسنانها لتكبت غضبها الذي أصبح مؤخراً مسيطراً عليها خاصة في أي جدال دائر بينها و بين زوجها الذي يحدد و يقرر كما يحلو له هو فقط، تدرك هي ذلك جيداً فكم من مرة أخبرتها والدته برغم إمتلاكه خصال مميزة فلديه أيضاً خصال أخري سيئة موروثة عن أبيه كالتحكم و السيطرة و تنفيذ ما يقرره هو حتي لو كان الأمر غير مرغوب فيه لدي الطرف الآخر. 


" أنت بتقرر كدة من دماغك و حكمت خلاص!، علي فكرة زي ما الأمر يخصك يخصني أنا كمان". 


جلس علي طرف الفراش و رمقها عاقداً ما بين حاجبيه يسألها ببرود يختبئ خلفه رياح وشيكة أن تتحول إلي إعصار مُدمر: 

" أيوه يا خديجة، لأن أنا شايف الأمر مش محتاج لعملية حقن مجهري، المسألة مسألة صبر، اللي يشوفك ملهوفة علي الخلفة أوي كده ما يقولش إن عندنا ولد ربنا يبارك لنا فيه ". 


أشاحت وجهها بزاوية حتي لا يري دموعها التي تجمعت و أوشكت أن تنسدل: 

" و أنا مش معترضة، بالعكس الحمدلله و ربنا يبارك لنا فيه، بس يوسف كبر ماشاءالله و يا حبيبي بيصعب عليا لما بيجي يقولي يا ماما ليه معنديش أخ أو أخت ألعب معاهم زي مالك و زينب ولاد قصي، و لا چوليانا و رسلان ولاد يونس،  ده غير أنا زيي زي أي أم نفسها يكون عندها طفل تاني و تالت". 


نهض و عانقها من خصرها ثم ألصق خده بوجنتها قائلاً: 

" و مين قالك إن مش نفسي في أن يكون عندي عيال كتير يملوا علينا القصر!، ده أنا كل ما أفتكر قبل ما ربنا يرزقنا بيوسف و قد أي إستحملتي تعبي وقتها و إن كان إحتمال كبير ما أخلفش، بحمد ربنا ديماً كل ما أبص لأبننا، و بدعي ربنا يحفظه و يبارك لنا فيه". 


جعلها تلتفت و يصبح وجهها أمام خاصته ليردف: 

" أنا عمري ما هحرمك من حاجة نفسك فيها، المسألة إنه عايز الموضوع من غير ما تدخلي عمليات و تفضلي تاخدي في حقن و مثبتات، الحمدلله أنا و أنتِ معندناش أي موانع للخلفة، مفيهاش حاجة لما نستني الموضوع يحصل طبيعي، و كله بأمر الله و لا إيه؟ ". 


أطلقت تنهيدة، فها هي تقع في الحيرة مُجدداً، لماذا هو يعارض دائماً علي العملية، قد شعرت أحياناً إنه لا يريدها أن تنجب مرة أخري، و إذا صدق حدسها فلما يفعل ذلك! 


"و نعم بالله، بس أنا شايفة الأمر مش خطير و خصوصاً إن علياء مرات يوسف هي اللي هاتعملها لي، و هي شاطرة جداً بدليل إنها فتحت مستشفي خاصة بالنسا و التوليد و الستات بتيجي لها من كل المحافظات ". 


أدرك أن الحديث لن ينتهِ لديها عن هذا الأمر، داهمته فكرة ستجعلها تنسي أي شئ يتعلق بأمر الحمل مرة أخري: 

" بصي يا ديجة يا حبيبتي، أنا مُدرك جداً إنك عشان مش بتشتغلي فعندك وقت فراغ كبير، و أول حاجة هتحتاجيها تسد الفراغ بيبي صغير تلهي نفسك فيه، عشان كده بقترح عليكِ إيه رأيك أقدم لك في كلية أو أكاديمية، و أول ما تخلصي دراستك حابة تشتغلي في الإدارة أو الحسابات في الشركة معنديش مانع، أو حابة تعملي كيان مستقل بيكِ زي مشروع مثلاً فعادي جداً بالنسبه لي ". 


بالفعل أنتبهت إلي إقتراحه التي كانت تفكر به منذ سنوات و أنخرطت في الحياة ما بعد الزواج و تربية ولدها يوسف ذو السبع سنوات


" أنت شايف كده؟ "  


أمسك بيديها و لم يقطع تواصلهما البصري قائلاً: 

" أنا شايف إنك تفكري في نفسك شوية، يوسف ما شاء الله كبر و بقي في 1G،  و دادة سميرة مخلية بالها منه و أنا زي ما أنتِ عارفة طول النهار في الشركة و برجع متأخر، عندك وقت كبير تحققي فيه كل طموحاتك ". 


و أخيراً ظهرت إبتسامة جلية علي محياها بعدما ترسخت الفكرة في عقلها فقالت: 

" خلاص أنا موافقة، بس هاتكون معايا في كل خطوة ، يعني مفيش بقي معلش يا حبيبتي أصل عندي إجتماع و صفقة، أنا أهم من كل ده ". 


أخذ يضحك و جذبها حيث جعلها تجلس أعلي فخذيه قائلاً: 

" ما أنتِ عندي أهم حاجة في حياتي، أنتِ و يوسف، و لا عندك شك في كدة؟ "


هزت رأسها بنفي و أجابت: 

" بصراحة اللي أنا شيفاه الفترة الأخيرة، أنك مهتم بيه عن الأول و كل ما تلاقيني زعلانه أو متضايقة بتحتويني، ما تعرفش ببقي قد إيه فرحانة أوي و بفضل و أنا بصلي بشكر ربنا إنه رزقني بيك ". 


رمقها بنظرة نابعة من قلب عاشق ثم عانقها و ربت علي ظهرها بحنان: 

" بحبك أوي يا خديجة ". 


دفنت وجهها ما بين كتفه و عنقه: 

" و أنا بموت فيك يا نور عيون خديجة ". 


سألها بمكر و نظرة تنهال منها رغبة جامحة: 

" يعني بعد الكلام الحلو ده كله و مفيش أي شكر لجوزك حبيبك؟ ". 


رفعت وجهها لترمقه و الإبتسامة تملئ ثغرها: 

" شكراً جزيلاً يا أحلي زوج في الدنيا ". 


عقد ما بين حاجبيه و أخبرها: 

" إيه شكراً جزيلاً ديه كمان، و بعدين أنا مش عايز الشكر كلام ". 


ضحكت و سألته بدلال: 

" أومال عايزه إيه يا سي دومي؟ ". 


هبط ببصره نحو موطن كلماتها يرمقها بإشتهاء: 

" عايزه فعل كده "


و كاد يلتهم شفتيها فأوقفه نداء صغيرهما علي والدته:

" مامي، يا مامي".


أشار لها آدم بسأم و زمت شفتيه ثم قال:

- قومي روحي شوفي إبنك.


 نهضت خديجة ضاحكة: 

- طيب هاروح أنيمه و راجع لك، أوعي تنام. 

و غمزت إليه بإحدي عينيها ثم ذهبت لإطمئنان علي صغيرها. 


                        ༺༻

لافتة كبيرة مدون بها «مركز العز الطبي للنساء و التوليد»، تعلو مبني يتكون من أربع طوابق، و داخل غرفة في الطابق الثاني، تجلس خلف المكتب و تدون كلمات إنجليزية قائلة: 

" التحاليل دي تعمليها و تجي لي زي النهاردة الأسبوع الجاي إن شاء الله ". 


أخذت المرأة الورقة و ذهبت بعدما ألقت السلام، فعادت علياء بأريحية إلي الوراء، ضغطت علي زر تنبيه المساعدة التي دخلت علي الفور: 

" خلاص يا دكتور مفيش كشوفات تاني، و حالات الولادة ميعادها الصبح الساعة تسعة "


ألقت الأخري نظرة علي الساعة وجدتها الواحدة بعد منتصف الليل: 

" يا دوب ألحق أروح و أنام، أنتِ خليكِ مع السكيورتي لحد ما يقفلوا المكان كويس"


" أمرك يا دكتور ". 


غادرت الأخري المشفي القريب من القصر، وجدت السائق في إنتظارها، ولجت إلي داخل السيارة و أنطلق، و في غضون دقائق معدودة ترجلت من السيارة و دلفت إلي البهو، فلم تجد سوي الهدوء و السكون التام، صعدت الدرج و قبل أن تذهب إلي غرفتها ولجت إلي غرفة أبنائها، رأت صغيرها ذو الخمس سنوات يغط في النوم و في السرير المجاور له تجلس لوچي ذات السبعة عشر عاماً، تضع سماعات الأذن اللاسلكية في أذنيها و تتصفح الأنترنت، لم تنتبه إلي زوجة أبيها التي تقترب منها و جلست بجوارها، تلوح لها بيدها أمام وجهها لتنتبه، خلعت الأخري السماعات و أعتدلت في جلستها: 

" sorry، كنت لابسة الإير بود فمسمعتش حضرتك  "


أبتسمت إليها علياء و أخبرتها: 

" مكنتش بنادي عليكِ، أنا لسه راجعة دلوقت و قولت اطمن عليكِ أنتِ و عز، و مش بعدين إحنا متفقين إن مفيش سهر من بعد الساعة ١٠ و دلوقت الساعة واحدة و ربع و أنتِ وراكي مدرسة بكرة"


رمقتها لوجي بإبتسامة باردة و قالت: 

" ما تقلقيش هاصحي في ميعادي و مش هتأخر "


لاحظت الأخري ردة فعل إبنة زوجها، ليس هذا بجديد، علي الرغم من حنانها الغادق عليها و محاولتها تعويض مكانة والدتها لكن دائماً لوچي تتعامل معها و كأنها شخص غريب عنها علي غرار عندما تزوجت يوسف، كانت إبنته سعيدة و تحبها كثيراً، لكن منذ ولادة عزالدين شقيقها و تبدلت تماماً لا سيما بعد كل زيارة لوالدتها في المصحة النفسية! 


نهضت علياء في صمت، أوقفتها لوجي قائلة: 

" أتفضلي ". 


مدت يدها بدعوة ورقية ملفوفة و يحيطها شريط أحمر رفيع، أردفت الأخري: 

" دي invitation لـ Mothers' Day "


أخذتها علياء و كادت تتحدث فقاطعتها الأخري قائلة: 

" هتيجي و لا زي كل مرة! "


أقتربت منها و وضعت يدها علي رأسها: 

" أنا عملت حسابي علي اليوم ده هاخده أجازة، بس كنت ناوية أعملها لك مفاجأة "


ظهرت علي ثغر لوجي بسمة ساخرة ثم هزت رأسها قائلة: 

" Ok"


تنهدت علياء و لم تريد أن تبدي إستيائها من معاملة لوجي لها، و قبل أن تغادر أبتسمت لها بحنان و قالت: 

" تصبحي علي خير "


" و حضرتك من أهله "


تركتها و ذهبت إلي غرفتها و داخلها تحمل ثقلاً كبيراً، لا تعلم كيف ترضيها، حاولت كثيراً التقرب منها لكن الأخري طالما وضعت كم من الحواجز بينهما،  و كلما تخبر زوجها بذلك يخبرها بجملة لم تتغير قط« معلش يا حبيبتي، اللي شافته زمان مش قليل»، تعلم هذا جيداً لكن تشعرها الأخري بالذنب حيالها. 


أمسكت بهاتفها و أجرت إتصالاً علي زوجها: 

" ألو يا يوسف، أنت لسه عندك؟ "


أجاب الأخر و الإرهاق جلي في صوته: 

" معلش يا حبيبتي،أنا مضطر أبات في المستشفي النهاردة كمان، بعد يومين الإفتتاح زي ما أنتِ عارفة و الصبح هيجي مندوب شركة الأجهزة الطبية أستلم منه الحاجة و لازم أعاينها قبل الإستلام زي ما أنتِ فاهمة "


جلست علي الأريكة و تخلع حذائها: 

" أوك، أنا كنت بطمن عليك لما لاقيتك ما رجعتش"


" أنا بخير الحمدلله يا حبيبتي،  أنتِ و الأولاد كويسين؟ "


" كلنا بخير، خد بالك من نفسك و لما ترجع علي القصر أبقي كلمني "


" حاضر، أستني قبل ما تقفلي"


سألته ببرود، تعلم ما سوف يخبرها به: 

" نعم؟ "


قال برومانسية حالمة و شوق جارف: 

" أنتِ وحشاني أوي "


كان جوابها الصمت فأردف: 

" أنا عارف إنشغالي عنك طول الشهر مزعلك مني، بس و الله غصب عني، و أنتِ عرفاني لازم أشرف علي التجهيزات بنفسي و أتأكد كل حاجة تمام خصوصاً اللهم بارك ده الفرع التالت لمستشفي البحيري"


تمددت علي الأريكة بتعب: 

" مين قالك إن أنا زعلانة، ما أنا مشغولة زيك و يمكن أكتر، و كلها يومين و هتخلص هنروح من بعض فين يعني! "


" بمناسبة اليومين اللي فاضلين و هافضي خلاص، علي فكرة أنا حجزت يومين للساحل أنا و أنتِ، و لا عايزنا نصيف في مكان تاني؟ "


وضعت ساعدتها علي جبهتها و قالت: 

" مش هاتفرق، المهم نكون مع بعض"


انتبهت إلي نداء أحدهم علي زوجها، فأردفت: 

" هاقفل معاك بقي عشان بينادوا عليك "


" حاضر يا حبيبتي، تصبحي علي خير"


" و أنت من أهله، سلام"

أنتهت المكالمة، نهضت لتبدل ثيابها و قبل ان تفعل ذلك قامت بفتح الإنترنت ثم تركت الهاتف علي الطاولة المقابلة للآريكة ريثما تنتهي. 


أستمعت إلي أصوات تنبيه الرسائل الواردة المتتالية، و بعد أن أبدلت ثيابها الرسمية بمنامة حريرية، تغلق أخر زر بها، ذهبت لقراءة محتوي الرسائل، أنتبهت إلي إحداها و كانت من رقم الإخصائية التربوية التابعة لمدرسة لوجي، كان محتواها بالإنجليزية كما يلي: 

« عزيزتي دكتورة علياء

 أرجو من حضرتك القدوم غداً إلي المدرسة، أريد مقابلتك في أمر هام 

تحياتي لكِ» 

                       ༺༻

" أنا تعبت منه من كتر ما بتحايل عليه في موضوع الشغل ده و الله، مش عارفة أقنعه إزاي يا رودي؟ "


أجابت صديقتها و تمسك بيدها فنجان القهوة و تشاهد من خلف النافذة الزجاجية ناطحات السحاب و الذي يعلو أحداها علم كندا: 

" ما أنتِ برضو غلطانة أول ما يقولك لاء، تقومي قافشة معاه و تتخانقي، و هو عشان عارف إنك مخك صغير يسيب لك الأوضة و ينام جمب بناته، أعقلي بقي يا ملك، مصعب بيحبك أوي، و حكاية رفضه لشغلك بدافع الغيرة عليكِ و لا ناسية اللي حصل من سنتين لما أشتغلتي عنده في الشركة ". 


ضحكت و عقبت قائلة: 

" و أنا ذنبي إيه في الراجل الأعمي مش شايف الخاتم في إيدي الشمال "


بادلتها صديقتها الضحك و قالت: 

" يا شيخة ده الراجل كان هيموت في إيد جوزك أول ما كلمه عليكِ و بيسأله عنك عشان عايز يتجوزك ". 


صدح رنين جرس المنزل... 

" طيب هاقفل معاكِ بقي، شكله جه، يلا باي "


أنهت المكالمة و قبل أن تذهب لتفتح، ألقت نظرة علي هيئتها في المرآة المجاورة للباب حيث ترتدي ثوب أحمر داكن دون أكمام، يجسد منحنياتها و يبرز جمال جسدها خاصة بعدما أتبعت حمية صحية جعلت قوامها يعود إلي سابق عهده عندما كانت فتاة في بداية العشرينيات و الآن هي علي مشارف الثلاثون عاماً. 


فتحت الباب و أستقبلته بإبتسامة تنير له حياته، ولج إلي الداخل و أغلق الباب بقدمه و يرمقها من أسفل إلي أعلي فأطلق صفيراً كدلالة علي إعجابه بمظهرها الذي سلب أنفاسه 

، تناولت منه حقيبة حاسوبه المحمول و وضعتها علي الكرسي ثم ارتمت عليه و عانقته بقوة: 

" حمدالله علي السلامة ". 


"أومال فين البنات؟ ". 


" من بعد ما رجعوا من المدرسة هم و ياسمين بنت أخويا خلصوا الـ Home work  و بعدها فضلوا يلعبوا لحد ما ناموا حبايبي". 


" ياسين هنا؟ ". 


" ياسين قالي النهاردة عنده شغل كتير و هيجي الصبح عشان هياخد ياسمين لأن بكرة أجازته ". 


و بعد أن اطمئن بأنه ينفرد بها، بادلها العناق لكن بحميمية، قام بنثر قبلاته علي عنقها و كتفها العاري، تملصت من بين ذراعيه و أمسكت يده: 

" تعالي معايا ". 


كانت الإبتسامة تشق ثغره من الأذن إلي الأذن الأخري: 

" واخداني علي فين يا مجنونة "


" أنا هوريك الجنان علي حق بس بعدين ". 

توقفت و هو بجوارها أمام المائدة: 

" كل ما لذ و طاب عملته لك بإيديا و رموش عينيا يا صاصا". 


هز رأسه يميناً و يساراً و يضحك في آن واحد ثم سألها: 

" أنجزي يا ملك و قولي عايزة كام؟"


زمتت شفتيها كالأطفال و بحزن زائف أجابت: 

" هي دي تسلم إيدك يا حبيبتي! ". 


أمسك كلتا يديها و رمقها بعشق قائلاً: 

" تسلم إيديكِ ". 

قام بتقبيل يديها ثم أردف: 

" و رموش عينيكِ ". 

أقترب بشفتيه نحو عينيها، أغمضت ليقبلها علي جفونها المغلقة ثم همس بأنفاسه النارية: 

" و يسلم النفس اللي خارج من بين شفايفك". 


و في لمح البصر ألتقط شفتيها في قبلة عميقة، غمرها بكل ما يشعر به نحوها، فهي ليست زوجته فقط بل عشيقته المُدللة، تتفنن في إشعال نيران عشقه الذي يغرقها في بحوره كحورية تعانق أمواج البحر و تغوص في الأعماق، و هي بالفعل تتربع أعماق فؤاده الذي لن يعشق سواها. 


أبتعدت عنه عندما عجزت عن التنفس، أخذت تلتقط أنفاسها و قالت: 

" يلا روح أغسل إيديك و تعالي عشان ناكل". 


أطلق تنهيدة و هو يتأمل أطباق الطعام الشهية: 

" أنا هاغسل إيدي و هاغير هدومي، الأكل الجامد ده عشان تشمير"


و بعد قليل يجلس علي رأس المائدة و هي تضع قطعة اللحم في فمه: 

" خد دوق دي كمان ". 


أبتلع ما بفمه و قال: 

" يا حبيبتي أنا شبعت خلاص كفاية، و لا أنتِ عشان خسيتِ عايزاني أتخن يا سوسة! ". 


" الحق عليا بغذيك، بدل ما أنت شقيان طول النهار و عايش علي الدليفري ". 


و دون أن يشعر أخبرها بذلة من لسانه: 

" لاء مباكلش تيك واي، منار ربنا يبارك لها بتعملنا كل يوم غدا و بحاسبها كل أسبو... 


توقف فجأة عندما أدرك فداحة ما تفوه به و نظرتها القاتلة إليه جعلته يبتلع لعابه، كان بيدها السكين التي تقطع به اللحم البارد، أكملت ما تفعل و سألته بهدوء قاتل جعله يشعر بالخوف أكثر: 

" قولتي لي مين اللي بتعملك الأكل يا عينيا؟ ". 


" ما تفهميش غلط، و الله أنا تعاملي معاها في حدود المدير و السكرتيرة، و من أخر مرة حذرتها هي بقت تتعامل معايا بحدود و إحترام، حتي كمان طلبت مني أنقلها من الشهر الجاي للفرع القريب من مكان سكانها ". 


أنتفض و عاد بظهره إلي الخلف حتي كاد يقع بالمقعد إلي الوراء، و ذلك عندما وضعت نصل السكين علي نحره و بلهجة تهديد ألقت عليه: 

" قدامك يومين أتنين ما لهمش تالت، البت دي لو ما غارتش من عندك، قول علي نفسك يا رحمن يا رحيم، و هي بقي يجي لها واحد ابن حلال يخبطها بعربية يقلبها بعربيتها من فوق الكوبري ". 


رفع يديه بإستسلام و يكتم ضحكاته حتي لا يثير غضبها: 

" حاضر، أعتبريه حصل، نزلي السكينة الأول السلاح ممكن يطول كده، و لما أموت هترتاحي كده؟". 


تركت السكين و عانقته و قالت: 

" بعد الشر عليك يا حبيبي، ما أنت مجرب الغيرة و عارف، يرضيك حرقة دمي؟ "


" ما عاش و لا كان اللي يحرق دمك، و بعدين قولت لك خلاص هي ماشية من الشركة علي أول الشهر، أنتِ مش واثقة فيا و لا أي! "


أجابت بسعادة عارمة: 

"لاء طبعاً واثقة فيك و أكتر من نفسي، خلاص خليني أستحمل كلها عشر أيام و يخلص الشهر". 


داهمتها فكرة ماكرة، أقتربت منه و سألته: 

" ألا قولي يا أبو الصعاب، هي لما البت المايصه دي تغور و إن شاء الله ما ترجع و لا تشوفك تاني، أنت كده محتاج لسكرتيرة صح؟ ". 


أومأ لها و يراقبها بنظرة ما: 

" صح، بس ما تخليش خيالك يروح لبعيد، أنا حالف من أخر مرة مفيش شغل، و بيتك و بناتك أولي بيكِ ". 


أنفجرت كالبركان الذي ثار علي حين غرة: 

" حرام عليك بقي، أنا عماله أتذل ليك بقي لي سنة و اللي عليك لاء". 


ألتقط محرمة و مسح فمه و يديه ثم نهض و ألقاها علي المائدة قائلاً: 

" و أنا قولت لاء يعني لاء". 


تذكرت نصائح صديقتها بأن تتحلي بالصبر في الجدال معه، أغمضت عينيها و أخذت شهيقاً و أطلقته زفيراً ثم أخبرته دون تريث: 

" أنا عارفة اللي حصل أخر مرة ده مخليك رافض الفكرة من الأساس، بس أنا عندي حل، إيه رأيك أشتغل عند قصي أخويا، و محدش يقدر يتجرأ يرفع عينه فيا و كلهم بيخافوا منه و بيعملوا له ألف حساب". 


رمقها بملامح مرعبة و قال: 

" أنا لولا إن أنا عارفك و حافظك كويس كان هيبقي ليا معاكِ ردة فعل تانية خالص، قصي أخوكِ هيخاف عليكِ أكتر مني!، علي أساس متجوزة سوسن! ". 


أطلقت زفرة و ذهبت خلفه، بينما هو دلف إلي المرحاض ليغسل يديه و فمه من أثر الطعام


" مكنش قصدي و أنت عارف كويس، بس حبيت أسهل الموضوع شوية عشان عارفة أي راجل ما بيحبش تكون مراته معاه في نفس الشغل ". 


جفف يديه و شفتيه بالمنشفة القطنية ،وقف أمامها بطوله الفارع و أخبرها: 

" هقولها لك للمرة المليون، أنا بغير عليكِ لدرجة مش عايز حد يشوفك غيري أنا، قولي أناني، قولي متملك، قولي اللي تقوليه، و لو قصرت في حقك في يوم من الأيام أو طلبتِ طلب و أنا ما جبتهوش لحد عندك يبقي ليكِ الحق ". 


كادت تفتح فمها، أوقفها بإشارة من يده و أردف: 

" كفاية كلام كتير عارفين نهايته إيه، تعالي ندخل ننام أحسن". 


كانت تقف عاقدة ساعديها أمام صدرها و وجهها شديد الحُمرة من فرط الغضب، و من بين أسنانها قالت: 

" خليك فاكر كل محاولاتي معاك عشان مجرد موافقتك بس، ما تزعلش بقي من اللي جاي". 


حدقها بنظرة جعلتها تخشي ردة فعله لكنها تظاهرت بعدم المبالاه، سألها بهدوء الذي يسبق الإعصار المدمر: 

" ناوية تعملي إيه يا ملك هانم؟ ". 


رفعت إحدي حاجبيها و أجابت بتحدي: 

" مش بيقوله في المثل اللي ملهوش كبير يشتري له كبير!، و أنا الحمد لله ليا خمس أخوات رجالة ". 


قالتها و ولت ظهرها إليه تفتح باب غرفة النوم،  تخشي أن تنظر إليه بعد تهديدها إليه، و إذا بالهدوء يتحول إلي إعصار مدمر بالفعل، صاح بغضب يحرق الأخضر و اليابس جعلها تغلق الباب في وجهه بخوف: 

" أقسم بالله يا ملك يوم ما تخرجي حرف يتقال ما بيني و ما بينك لحد من أهلك ما هتكوني علي ذمتي ساعة واحدة، أنا دلعتك كتير أوي و شكلي كنت غلطان". 


وضع يده علي المقبض ليفتح الباب فوجده موصداً من الداخل فأردف علي نفس وتيرة صياحه المرعب: 

" و مش كانت أكتر حاجة بتحرق دمك لما بسيبك لوحدك و أنام جمب بناتك!، أنا هاروح أنام جمبهم أحسن و خلي دماغك الحجر تنفعك". 


ركل الباب بقدمة ليفرغ شحنة غضبه و ذهب إلي غرفة ابنتيه. 

                     

لقراءة الفصل الثاني من هنا

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close