expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

الفصل الثاني 🐺 غابة الذئاب «ما بعد العهد» 🐺 "الجزء الثالث من رواية صراع الذئاب" بقلم: ولاء رفعت علي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

  الفصل الثاني غابة الذئاب «ما بعد العهد» 

"الجزء الثالث من رواية صراع الذئاب" 

بقلم: ولاء رفعت علي


البارت الثاني 

 غابة الذئاب ما بعد العهد



الجزء الثاني 

 غابة الذئاب ما بعد العهد


تنظر في شاشة الهاتف تنتظر إجابة منه علي إتصالها العاشر و لا إجابة، فقد صبرها فأطلقت زفرة بتأفف، تقدم منها إبنها ذو السبع سنوات يناديها عدة مرات بتكرار لعدم تلبيتها ندائه: 

"ماما، ماما" 

صرخت في وجهه بغضب: 

" عايز إيه، مصدع دماغي من الصبح، ماما ماما ماما، فيه إيه! ". 


تراجع الصغير و يرمقها بإمتعاض و صاح بسخط: 

" مش عايز حاجة منك خلاص". 


ذهب ابنها فأقسمت بتوعد له: 

" طب و ربنا يا قصي لوريك بس لما نروح بيتنا، هعرفك إزاي تعلي صوتك علي مامتك تاني". 


و كادت تلتفت وجدت منشفة قطنية تُضرب في وجهها و يتبعها توبيخ جدتها التي تُطعم حفيدها الأصغر في فمه ملعقة من الزبادي: 

" ده أنتِ اللي عايزة تتضربي، مالك يا بت مش طايقة العيال ليه، كل شوية تزعقي و تشخطي فيهم، كل ده عشان أبوهم ما بيردش عليكِ". 


" يا تيتا بقي لي أكتر من ساعة بتصل عليه عشان أقوله يعدي عليا و هو راجع من الشركة ليكون أفتكرني روحت من بدري، شكله عمله صامت كالعادة و أنا أولع بجاز ". 


رمقتها الجدة و ترفع حاجبها الأيسر تسألها بدهاء: 

" بذمتك من وقت ما جابك هنا الصبح و أنتِ مش مبطلة إتصال عليه كل شوية، خفي علي جوزك شوية ليتخنق منك ". 


جلست علي الأريكة و عقدت ساعديها قائلة: 

" يا تيتا أنتِ ما تعرفيش كنان ده بالنسبة لي إيه، مش هاتصدقيني لو قولت لك أنا بخاف عليه زي العيال بالظبط، ده لو ينفع أروح معاه الشغل هاروح بس للأسف مش ينفع و أخاف ليزعل لو قولت له حاجة زي كده". 


غرت الجدة فاها ثم أخبرتها: 

"يا بت أرحمِ نفسك و أرحمِ الراجل شوية، أنا فاهمة دماغك كويس، أنتِ خايفة لتيجي واحدة تخطفه منك!، بس تسلطك عليه و لزقه له علي طول كده هيخليه أول ما هيلاقي منفذ هو اللي هايروح يدور بنفسه علي واحدة تانية". 


شهقت و ضربت علي صدرها بخوف و قلق: 

"تفتكري يعملها؟ "


و سرعان تحول القلق و الخوف إلي توعد و تهديد، فأردفت: 

"ده أنا كنت أخلي أيامه أسود من شعر راسي، ده أنا قايده له صوابعي العشرة كلها و مش مخليه أي حاجة نقصاه، و بسمع كلامه من قبل ما يؤمر، حاضر و نعم، حتي أنتِ لما كنتِ بتقولي لي يغلبك بالمال أغلبيه بالعيال، أهو بسم الله ما شاء الله مخلفة له بدل العيل تلاتة، يعني مش حرماه من حاجة". 


لكزتها جدتها في ذراعها: 

" يا هبلة، أنا لما كنت بقولك كده لأنك لما خلفتي الواد قصي قالك بعدها كفاية علينا عيل واحد، بيني و بينك أنا قلقت أنا قولت في عقل بالي، هو ليه عايز كده برغم ماشاء الله حالته المادية حلوة جداً إلا إذا مش عايز يربط نفسه بعيال منك لو حب يخلع و لا حاجة ". 


ضحكت دنيا رغماً من سريان القلق في صدرها: 

"يخلع مين يا تيتا، ده بيموت فيا و بيبقي مش عارف يعمل إيه عشان يفرحني علي طول". 


" ايوه ما أنا عارفة بأمارة الولاد كلهم نسخة منه، بصي يا دنيا يا بنتي أنا كل تجعيدة في وشي معاها دروس علمها لي الزمن، ده غير لما ما مجرد نظرة في عين اللي قدامي ببقي عارفة اللي وراه علي طول، خفي علي جوزك شوية و بلاش دور الأم المعطاءة ده ديماً معاه، أنا مش بقولك ما تخلكيش حنينة معاه بس خلي كل حاجة في المعقول، الشئ لو زاد عن حده بيتقلب لضده". 


شعرت بالضيق، زفرت ثم قالت: 

" يوه يا تيتا، أنا أحترت معاكِ بقي". 


صدح رنين جرس المنزل، فأشارت إليها الجدة: 

"قومي يا ختي أفتحِ له، شكله جوزك اللي بيرن الجرس". 


نهضت و هي تضبط من مظهرها و تنظر في المرآة لتتأكد من زينتها، قامت بفتح الباب لتجده هو الطارق، قامت بمعانقته علي الفور: 

"كنان حبيبي، حمدالله علي السلامة، كده كل ده ما بتردش عليا! "


أجاب بهدوء يشوبه البرود كما تعودت هي علي هذا الطبع الغريب: 

" كنت عامل الفون silent ". 


" تعالي يلا أدخل و أنا هاروح أسخن لك العشا، دي جدتي عامله... ". 


قاطعها برفض تام قائلاً: 

"أنا مش هاتعشي، أدخلي جهزي الأولاد عشان نروح". 


أومأت له بطاعة دون مجادلة: 

"حاضر،  طيب أدخل سلم علي تيتا، دي صاحية و بتأكل سيف". 


ولج علي مضض و يطلق تنهيدة: 

" طيب إنجزي يلا عشان عايز أروح أنام ". 


دلف إلي الردهة و ألقي التحية: 

" السلام عليكم، أزيك يا أمي ". 


أجابت الجدة: 

"و عليكم السلام ورحمة الله، أتفضل أقعد يا بني، هاقوم أحضر لك الأكل ده أنا عمله طاجن بامية باللحمة". 


أشار لها بيده: 

" تسلم إيدك، بس بالله عليكِ ما تجبيش حاجة، أنا أتغديت متأخر و مش قادر أكل تاني". 


سألته الجدة بمكر: 

"مش قادر تاكل و لا ما بتحبش أكلي، عموماً مراتك اللي طبخت مش أنا ". 


خرجت دنيا من الغرفة تحمل ابنها الأوسط و  ترمق جدتها بتحذير أن تكف عن حرجه، فقالت: 

" لاء يا تيتا بالعكس خالص كنان بيعشق أكلك، بس ما أنتِ عرفة لو بيتعشي بياكل حاجات خفيفة". 


وقفت بالقرب من زوجها و أردفت: 

" أنا خلاص جاهزة و غيرت ليزيد و سيف و قصي جاهزين برضو". 


رمقها في صمت لثوان ثم قال دون أن ينظر إلي الجدة: 

"نستأذنك بقي يا أمي، عايزة حاجة؟". 


رفعت الجدة زاوية فمها و أجابت: 

"تسلم يا بني، أبقي خدوا بالكم و أنتم نازلين علي السلم". 


مد يديه ليأخذ من زوجته ابنهما النائم، بينما دنيا مالت بالقرب من جدتها و همست لها بعتاب:

" كان لازم تحرجيه يعني يا تيتا!، أهو كده عرف إن قولت لك، مش هخلص من الموشح اللي هاخده لما نروح البيت". 

حملت صغيرها الرضيع، فقالت لها الجدة بإنكار: 

" هو أنا عملت حاجة يا بنتي!". 


" لا سمح الله، أنا اللي عملت" 


صاح كنان الذي وقف لدي باب المنزل: 

" تعالي يا قصي يلا عشان نازلين". 


علمت هي المقصودة من صياحه علي ابنه، فقالت: 

"جاية أهو، يلا سلام يا تيتا ". 


نهضت الجدة و ذهبت خلفهم: 

" مع السلامة، أبقي كلميني علي الموبايل  طمنيني عليكم أول ما توصلوا ". 


و بعد أن أنطلق كنان بالسيارة، ينظر نحو الطريق و أخبرها بعتاب حاد: 

" ياريت تفهمي جدتك إن أنا ما باكلش بالليل، و تبطل تحرجني و أنتِ ياريت مش أي كلمة اقولها لك تروحي تبلغيها بيها، دلوقت أنا بنبهك المرة الجاية هتلاقي ردة فعل مش هاتعجبك". 


تدرك ما يقصده و هو كلما تحدث مشكلة بينهما، يلتزم الصمت التام معها لأيام حتي تذهب بقدميها إليه و تقوم بمصالحته حتي لو كان هو المخطئ! 


هزت رأسها و قالت: 

"حاضر، أوعدك مش هاتتكرر تاني". 


رمقها من طرف عينيه و عقب بإقتضاب: 

" أتمني". 


أبعدت وجهها إلي الجهة الأخري لا تريد أن يري الحزن في عينيها. 

                    ༺༻

يقود سيارته بجنون حتي توقف أمام باب القصر من الداخل، تتراقص الشياطين أمام عينيه، يخشي رؤيتها أمامه في تلك اللحظة حينها لم يأمن شر نفسه عليها. 


صعد الدرج مسرعاً و ولج إلي الغرفة، وجدها تغط في النوم، أخذ يهدأ من روعه قليلاً قبل أن يوقظها. 


اقترب منها و لكزها بخفة و قال لها بصوت جعلها تستيقظ بفزع: 

" قومي أنا عايزك في كلمتين". 


نهضت و آثار الذعر علي ملامحها تسأله بتوجس: 

" في إيه يا ياسين فيه حد يصحي حد كدة!". 


أخرج هاتفه من جيب بنطاله و أخذ يضغط عدة مرات علي الشاشة حتي بدأ تشغيل تسجيل صوتي: 

صوت رجولي أجش: " ياسمين أنا بحبك بجد و مستعد أعمل أي حاجة عشانك ". 


تسجيل آخر بصوتها الناعم:" لو سمحت يا أستاذ وائل، عيب اللي حضرتك بتقوله ده، أنا ست متجوزة و عندي بنت، و أنت راجل متجوز". 


تسجيل ثالث: " و أنا مقولتلكيش تخوني جوزك، أنتِ تطلقي منه و نتجوز علي سنة الله و رسوله". 


أبتلعت لعابها حينما أدركت سبب غضبه العارم، صاح بها: 

"شوفتي عشان كان عندي حق لما قولت لك من الأول سيبي الشركة دي و تعالب أشتغلي معايا فضلتي تريحيني و برضو نفذتِ اللي في دماغك و كملتِ و كأن ملكيش راجل له كلمة عليكِ". 


رفع هاتفه و أردف: 

" مش ده الو...  إبن صاحب الشركة المحترم زي ما كنتِ بتقولي لي عليه؟". 


" أستني بس هافهمك...


قاطعها و يركل الطاولة بقدمه بغضب، جعلها تراجعت إلي الخلف بخوف: 

" أنا بسألك سؤال محدد و تجاوبيني عليه، هو و لا مش هو؟ ". 


أومأت بالإيجاب: 

" هو ". 


" أنا كان قلبي حاسس أول ما شوفته، ببقي عارف الأشكال الو...  دي من أول نظرة "

جال ببصره باحثاً عن شيء حتي وجد غايته، سار نحو الكومود و أخذ هاتفها، ركضت نحوه تسأله بتوجس و خوف: 

" أنت بتعمل إيه يا ياسين " 


ضغط علي زر جانب الهاتف و أخرج شريحة الإتصال و قام بكسرها، كان صدره يعلو و يهبط، يزفر نيراناً من أنفه، قام بإغلاق الهاتف و وضعه في جيب بنطاله، ألتفت إليها: 

" أنسي شغلك خالص، خروجك من القصر ممنوع نهائي غير رجلي علي رجلك و لو حصل غير كده و ربنا ما هخليكي تخرجي برة الأوضة"


و في مشهد آخر، كان يجلس في الحديقة و أنتبه إلي صراخ شقيقته و تركض خلف ياسمين و تمسك بإبنتها و يدها الأخري تجذب مقبض الحقيبة ذات العجلات المتحركة: 

"يا ياسمين أستني، ما ينفعش اللي بتعمليه ده"


توقفت ياسمين عن السير و صاحت: 

" يعني عاجبك اللي اخوكِ بيعمله معايا ده!، بقي له أكتر من أسبوعين حابسني في الأوضة و لا حد فيكم قدر عليه، و لولا عيد ميلاد ياسمين النهاردة كان زماني بكلم الحيطان فوق"


رمقتها ملك بحزن و بعتاب أيضاً حيث أخبرتها: 

" ما أنتِ اللي غلطانة برضو، هو كان حالف عليكِ من قبلها و معرفش سبب حلفانه إيه مش راضي يقولنا خالص، و ماما أتحايلت عليه كتير و أنا و آدم، و قصي لولا إنه مسافر برة مصر كان زمان جاله و صالح ما بينكم، أنتِ بقي بدل ما تخديه علي قد عقله و تسمعي كلامه يومين كده روحتِ عاندتي و خرجتي من وراه و عرف من السكيورتي و كان محذرك قبلها "


أطبقت شفتيها لا تريد أن تبكي لكن قالت بصوت أوشك علي البكاء: 

" شكراً يا ملك، أنا فعلاً اللي غلطانة و أخوكِ الصح، لو سمحت ممكن تسبيني أمشي؟ "


" سبيها يا ملك تمشي، خليها توريني هاتروح فين! "

أنتبهت كلتيهما إلي صوت ياسين القادم نحوهما، تدخلت ملك و تلكز ياسمين دون أن يراها شقيقها، حاولت إنقاذ الموقف قبل أن يندلع الشجار بينهما: 

" تمشي فين، دي ياسمين كانت بتوصلني عشان مصعب جاي دلوقتي ياخدني "


بينما ياسمين رغم عبراتها الأسيرة داخل عينيها، رمقته بتحدي و إصرار: 

" لاء يا ملك، أنا ماشية، هاروح أقعد في الشقة القديمة، خلي ياسين بيه يرتاح مني"


رمقها بنظرة تهكم و تفوه بكلمات لم يتوقع يوماً بأن يتحدث بها و مع أكثر إنسانة أحب إلي قلبه: 

" هو أنتِ ما تعرفيش!، مش الشقة أنا بيعتها، شوفي بقي هاتروحي فين و لا ناوية ترجعي علي بلدكم عند عمك و إبنه اللي كانوا هيقتلوكِ، فاكرة كان هيقتلوكِ ليه!، و لولا أنا روحت جيبتك و طلبت إيدك كان زمانك يا متجوزة من البغل إبن عمك و تبقي خدامة لأمه و مراته يا إما كان تواكِ عمك بعد ما يخلص عليكِ في أي صحراء"


أبتلعت إهانته لها و معايرتها بالذي أقترفه معها منذ سنوات، بينما شقيقته قامت بتوبيخه قائلة: 

" أي الهبل اللي بتقوله ده يا ياسين!، أتفضل صالح مراتك و خدها في حضنك و أطلعوا علي أوضتكم "


لم يستطع التفوه بحرف بعدما أدرك ما قاله لا سيما بعدما قالت زوجته: 

" شكراً يا ياسين بيه، أنك أنقذتني من القتل علي إيد أهلي و أنت كنت السبب لما أعتديت عليا بالغصب، مش عارفة أشكرك علي جميلك ده إزاي أنك سترت عليا"


وضع كفيه علي وجهه و تمني لو لم يتلفظ بحرف لكن لا فائدة، فالكلمة كالرصاصة إذا خرجت لا تعود و تترك أثراً لن يستطع الزمن محوه للأبد. 


أقتربت منه ملك و قامت بضربه في عضده قائلة: 

" تصدق بالله، مراتك خسارة فيك، أنا لو مكانها كنت زماني سيبتك بعد الطوب اللي حدفته في وشها، و أنت عارف إن الموضوع ده بالذات رغم مر عليه سنين، بس مأثر في نفسيتها و ما صدقنا بدأت تنساه، و أنت من غير عقل روحت فتحت جرح و دوست عليه كمان بالقوي". 


لم يعقب علي توبيخ شقيقته حيث أخذ يبحث ببصره عن زوجته فوجدها، أتجهت نحو البوابة و تمسك يد إبنتهما الصغيرة. 


ركض خلفهما منادياً بأعلي صوت لديه: 

" ياسمين، ياسمين "


ظل يرددها و كلما أقترب منهما تبتعد المسافة أكثر، يشعر برجفة في جسده كالعائد من الموت، أستيقظ بذعر بعدما أنتبه إلي صوت يناديه: 

" يا ياسين، ياسين، إيه اللي مقعدك لحد دلوقت؟، ده كل الـ team روح بقي له ساعة ". 


أخذ يفرك عينيه و سأل زميله في العمل: 

" هي الساعة كام؟ ". 


ألقي الأخر نظرة علي ساعة الهاتف: 

" أنت مطبق من إمبارح و بقينا الساعة تسعة الصبح، يلا أقفل كل حاجة عندك و خدني معاك في سكتك عشان عربيتي عملتها تاني و عطلت ". 


لكزه ياسين و قال بمزاح: 

" ايوه ما أنا عارف عطلانة عشان مستخسر تفولها، هاتعيش بخيل و تموت بخيل". 


رمقه الأخر بإبتسامة زائفة: 

" ماشي يا أبو دم خفيف". 

                      ༺༻

"إن أبغض الحلال عند الله الطلاق"

قالها المأذون الذي يجلس خلف مكتبه و أمامه يجلس كل من يونس الذي يرمقها بتوسل، عينيه مليئة بالحزن و الحُمرة  تملئ جفونه دلالة علي فرط بكائه قبل مجيئه إلي هنا، علي أعلي انفه لاصقة طبية، و أثر كدمة أسفل عينه، لم يكن يتوقع يوماً أن يجلس في ذلك المكان و عليه أن يلقي كلمة الموت لديه أحب إلي قلبه منها. 


عقب المأذون بنصح كارين التي تجلس بجوار قصي، ترتدي نظارة شمسية سوداء قاتمة، لا تريد أن يري الضعف و الإنكسار في عينيها، لن يدرك حينما أرتكب خطئٍ فادح في حقها كأنثي فهذا سيجعلها أقل ما تتخذه حياله هو الإنفصال عنه، قرار أتخذته و كأنها قد قررت الإنتحار، فهما كالروح و الجسد معاً، فإذا أنفصل إحداهما عن الأخر فلم يتبق سوي الموت و يفني الجسد و تظل الروح عالقة هائمة في الملكوت. 

فالجسد هو و الروح هي، و عليه أن يبذل كل ما لديه من قوة من أجل البقاء حياً! 


"يا مدام كارين اللي أنا شايفه إن الأستاذ يونس عايزكم تتصالحوا و ترجعوا لبعض، و يا بخت من سامح و عفي"


نظرت كارين من خلف نظارتها إلي المأذون و قالت بجدية و قوة تتظاهر بها لاسيما أن ما جعلها في تلك الحالة التي تُحسد عليها هو وقوف قصي جوارها. 

"لو سمحت، أخويا لما حجز مع حضرتك ميعاد قبل ما نيجي أظن قالك إحنا جايين لحالة طلاق، يعني لو كنت عايزة أتصالح فمكنش داعي أجي المشوار ده و أقعد قعدة زي دي نفسي تخلص بسرعة و زي ما طلبت"


و قبل أن يتفوه المأذون قاطعه يونس قائلاً: 

"و أنا مستعد أعملك أي حاجة أنتِ تطلبيها إلا الطلاق، كارين أنتِ بالنسبة لي حياتي، و بطلبك ده بتحكمي عليا بالموت، أعملي فيا أي حاجة إلا الموضوع ده"


كانت تمسك بيد قصي الذي ألتزم الصمت، ترك لهما حرية الحوار بينهما لعلها تتراجع لكن كلما تذكر حالتها المزرية و هي كالشاه التي ذبحت و تهرول حلاوة روح بسبب جرح شقيقه لها، فهذا جعله يقف في جانبها و يلبي لها طلبها الذي من الواضح عدم التراجع عنه. 


بينما هي لن تنس ما حدث منذ أسبوع... 


«مشهد سابق» 


تقف داخل المعرض الفني التي تقوم بإعداده من أجل إفتتاح كبير، ترشد العمال اللذين يقومون بتعليق اللوحات إلي حوائط العرض، و في تلك اللحظة دخل رجل ذو هيبة يرتدي حلة سوداء و ذو جسد عريض، يبدو من ملامحه إنه في منتصف العقد الرابع، يضع سيجار فاخر بين شفتيه، كان ينظر من حوله يكتشف المكان بنظرة إعجاب من الأعمال الفنية المعلقة. 


أقتربت مساعدتها و التي تدعي ماهي و أخبرتها: 

"كوكي ألحقي الراجل ده شكله من الجيست التقال أوي". 


و قبل أن تذهب إليه تقدم نحوها و عينيه تتجول بحرية علي ملامحها و جسدها دون أن تلاحظ الأخري ذلك

" أهلاً و سهلاً يا فندم، نورت جاليري چوليانا"


أجاب و يحدقها بنظرات أثارت الريبة داخلها: 

"الجاليري منور بالفنانة بتاعته". 


إبتسامة زائفة رمقته بها و سألته: 

"طلبات حضرتك إيه بالظبط، لوحات تجريدية، سيرالية، تشكيلي؟"


باغتها بإجابة صادمة: 

"طلبي هو أنتِ ". 


رمقته بغضب و أخبرته بتحذير جلي: 

" ياريت أكون فهمت غلط، لأن لو صح اللي فهمته، أقل إجراء هاعمله دلوقت، أخلي السكيورتي يرموك برة"


أقترب منها خطوة و قال بصوت خافت: 

"أنا مش جاي أعاكس و لا أتعدي حدودي مع حضرتك، أنا جاي عشان أقولك خلي جوزك يبعد عن مراتي قصدي طليقتي". 


تظن إنه يمزح أو إنه رجل مختل، ضحكت رغماً عنها: 

"برضو مش فاهمة إيه علاقة جوزي بمراتك و لا طليقتك؟، و أفترضنا يعرفوا بعض مش المفروض دورك تلم مراتك و لا حضرتك مش مسيطر!". 


حدق إليها بإبتسامة ثعلب ماكر ثم وضع يده في جيب سترته الداخلي قائلاً: 

"أنا عملت حسابي برضو عشان عارفك مش هاتصدقي و فاكراني واحد بقول أي كلام، اتفضلي". 


قدم لها ورقة مطوية، أخذتها منها و علامات إستفهام تنضح من عينيها، أردف ليجيب علي سؤالها قبل أن تتفوه به: 

"دي صورة من وثيقة عقد جوازهم، و التاريخ المكتوب عندك بقي لهم ست شهور، أنا مستغرب إزاي ما حستيش، ده أنا بسمع عنكم يا ستات عندكم حسه قوية لو جوزك فكر بس في واحدة تانية، ما بالك لما يكون متجوزها و رايح جاي عليها و كمان بيبات عندها كل يومين". 


كانت تنصت إلي هذا الرجل المستفز و تقرأ محتوي الوثيقة و أول ما لفت انتباهها صورة يونس و صورة الزوجة، تذكرت علي الفور عندما رأت الإسم «آسيل عرفة»، تلك المرأة التي وجدتها لديه في المعرض منذ سنوات، فهل كان يخدعها منذ ذلك الوقت! 


كان قلبها يرفض ما تراه عيناها، قالت برفض و إنكار: 

"دي مجرد صورة مش أصل يعني سهل جداً تتعمل علي لاب أو كمبيوتر، يونس عمره ما يعمل حاجة زي كدة". 


ما زال يرمقها بتلك البسمة الباردة و الاستفزازية، أخرج محفظته و ألتقط منها ورقة: 

" كنت متأكد إنك هتقولي كدة، معلش بقي مراية الحب عامية، و واضح إن يونس ذكي جداً عشان قدر يخدعك لست شهور و لعلمك دول بقي لهم سنين علي علاقة ببعض، أتفضلي  ده عنوان الشقة اللي واخدها لها في زايد". 


و حين قرأت العنوان شهقت و وضعت يدها علي فمها بصدمة، ألقت صورة الوثيقة و ورقة العنوان و ذهبت لتلتقط متعلقاتها من فوق المكتب و ألقتهم في حقيبة يدها و غادرت المكان علي الفور تحت نظرات الرجل الذي أتسع ثغره و يعلم وجهتها جيداً. 


بينما كارين أنطلقت بالسيارة نحو العنوان التي تحفظه عن ظهر قلب! 


وصلت الآن و قامت بصف سيارتها بعدما عبرت بوابة الوحدة التي يوجد بها المنزل. 

و عندما رآها الحارس، أنتفض قائلاً بتوتر: 

"كارين هانم!، فيه حاجة حضرتك". 


دفعته في كتفه من أمامها بغضب: 

"أوعي كده غور من وشي". 


ردد الحارس بصوت خافت: 

" يا ليلة طين، يونس بيه راح في داهية". 

                         ༺༻

أخرجت من حقيبتها المفتاح الذي بحوزتها و قامت بفتح الباب، ترددت في الدخول، لكن دلفت في النهاية بعدمت أتاها صوت أنثوي من الداخل منادياً بإسمه: 

"يونس، يونس أصحي الساعة بقت عشرة". 


خفق قلبها بقوة أرادت أن تعود إلي أدراجها لكن أوقفها خروج التي تدعو آسيل من إحدي الغرف ترتدي قميص حريري قصير يصل إلي ركبتيها و خصلات شعرها تنسدل بـ حُرية علي كتفيها، تسمرت حينما رأت كارين تقف أمامها، أبتلعت لعابها بتوجس قائلة: 

" كارين! ". 


رمقتها الأخري من أعلي إلي أسفل بـ ازدراء و سألتها بهدوء الذي يسبق العاصفة: 

"أنتِ بتعملي إيه في شقتي؟". 


تراجعت آسيل و تخبرها: 

"ممكن بس نقعد و أفهمك كل حاجة". 


رفعت إحدي حاجبيها بتهكم و كادت تتحدث فقاطعها خروج يونس من غرفة أخري يتثاءب، يرتدي قميص و بنطال قطني: 

" آسيل بقو...  


تجمدت خلايا جسده عندما رآها أمامه و من قوة الصدمة لم يستطع التفوه بحرف واحد. 


سألته كارين بقوة تُحسد عليها: 

"البت دي بتعمل إيه في شقتي هنا!". 


كان في موقف لا يرثي له، تمني حدوث معجزة و أن يختفي من أمامها، وجد إنه عليه بأن يخبرها بالحقيقة لا محالة: 

"آسيل تبقي مراتي، بس... 


لم تعط له فرصة لإكمال ما يريد قوله لها، دوي صراخ آسيل بعد أن جذبت الأخري خصلاتها و دفعتها علي الأرض: 

"مراتك يا خاين يا....، و أنتِ يا زبالة و ربنا ما هسيبك". 


ركض نحوهما يحاول أن يبعدها: 

"بتعملي فيها إيه، سبيها و أنا... 


دفعته كارين بقوة و نهضت من فوق آسيل صارخة في وجهه: 

"مش عايزة أسمع صوتك ده خالص، تتجوز عليا!، لاء و كمان من جبروتك مقعدها في الشقة اللي جبتهالي هدية في عيد جوازنا!، للدرجدي أنت و.... ". 


أقترب منها قائلاً بتوسل: 

" كارين أرجوكِ إسمعيني أنتِ فاهمة غلط و الله... 


دفعته في صدره: 

"أبعد عني". 

صرخت بها، فداهمها ألم قلبها، جزت علي أسنانها بإمتعاض و أبتعدت خطوة إلي الوراء تضع يدها علي موضع قلبها، ضرب الخوف قلب الأخر و أقترب منها مرة أخري ليطمئن عليها

"كارين حبيبتي مالك؟". 


و قبل أن يلمسها قامت بمهاجمته، ركلته بقوة بين ساقيه و تصرخ به: 

" إياك تحاول تلمسني تاني، كل اللي ما بينا أنتهي، طلقني يا يونس". 


كان يجلس علي ركبتيه، يتألم من الركلة التي تلقاها، أجاب بصوت يخرج بصعوبة: 

"مش هطلقك، أنسي الكلمة دي خالص،  و ياريت تديني فرصة أشرح لك كل حاجة". 


"لاء أنا فاهمة كويس، فاهمة إن كنت بتستغفلني من سنين من وقت ظهور الو.... دي في حياتك، مش دي كانت الإكس إيام الجامعة؟، و لما أنت لسه بتحبها أوي كدة خلتني أحبك ليه و أتجوزتني!، ده أنا أستحملت كتير عشانك، ده يبقي جزائي في الأخر!، طلقني يا يونس". 


أجاب بإصرار و ينهض: 

"و أنا بحبك أنتِ، و إستحالة أطلقك ". 


رمقته بتوعد و قالت بحسم: 

"أوك يبقي أنت اللي حكمت، و بيني و بينك قصي". 


تناولت حقيبتها و همت بالمغادرة، ذهب خلفها و أمسك بيدها: 

"أستني هنا عندك، مش هاسيبك تمشي و أنتِ في الحالة دي". 


تلقي إجابتها ضربة قوية من حقيبة يدها في وجهه جعلته ترنح إلي الوراء. 


«عودة إلي الوقت الحالي» 


"طلقني يا يونس". 

هكذا كان ردها الحاسم، ألتفت يونس إلي قصي يتوسل إليه: 

"قولها حاجة يا قصي، أنت اكتر واحد عارف أنا بحبها قد إيه". 


كان الأخر يشعل سيجاره و ينفث دخانها في الهواء، فأجاب بهدوء مرعب: 

" أنا لو أتكلمت أنت هتزعل". 


أخذ يلعن بداخله و ينهر نفسه علي ما أقترفه في حقها، أغمض عينيه لعله يكون داخل كابوس، لكن سماع صوت المأذون جعله يدرك إنها حقيقة مؤلمة: 

" خلاص يا أستاذ يونس، ربنا قال في كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم.. إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ"


كان كالذي يموت رويداً رويداً و هو يرمقها بقهر قائلاً: 

"أنتِ طالق". 


"امضي حضرتك هنا "

أشار المأذون إلي الورقة، فقام الأخر بالإمضاء،  و كذلك كارين فعلت المثل و مع كل كتابة حرف من إسمها يتألم قلبها الذي ينبض بـ وئيد و كأنه علي وشك أن يتوقف عن الحياة! 

                      ༺༻ 

تجلس تلك الصغيرة فوق والدها و تكتم ضحكاتها، و هي تطلي وجه والدها بقناع الوجه ذو الأسود، بينما هو يغط في النوم. 


و بعد أن أنتهت من مهمتها أشارت إلي شقيقها الذي أمسك بالمنبه ذو الجرس المزعج و قام بتشغيله و ألقاه بجوار والده و ركض ليختبئ مع شقيقته. 


" في إيه، مين؟ "

أستيقظ بفزع و يتلفت من حوله بذعر،  أمسك المنبه و حاول إغلاقه لكن لا يتوقف عن الرنين 


"ده أنت منبه غلس غلاسة، طب أهو"

نهض و ألقاه من النافذة فوقع فوق رأس عامل الحديقة الذي صاح: 

" يا دكتور آسر، الأولاد عاملين يحدفوا حاجات من الشباك ". 


تراجع آسر إلي الداخل و يضحك، ألتفت ليجد زوجته تخرج من المرحاض، رفعت وجهها فأنتفضت و صرخت بفزع عند رؤية وجهه: 

"أعوذب بالله من الشيطان الرجيم، إنصرف، إنصرف ". 


"إنصرف إيه يا مجنونة، ده أنا جوزك ". 


أتسعت عيناها بخوف: 

"جوزي إزاي!، مفيش جن بيتجوز إنس!، أدي أخرة الروايات منك لله ياخديجة أنتِ السبب، خلتيني اقرأ رعب قبل ما أنام و شكلي و أنا بقرأ التعويذة طلع لي الكائن اللي واقف قدامي ده ". 


لم يفهم زوجها ما تتمتم به فقال: 

"أنتِ بتبرطمي بتقولي إيه علي الصبح، مش كفاية عيالك اللي فزعوني من النوم و رموا لي منبه أبو صوت غبي جمب مني، هم راحوا فين؟ ". 


أجابت بخوف و توسل: 

"بالله عليك ماتجيش جمب عيالي، ما تأذيهمش أنا اللي قرأت التعويذة مش هم، حقك عليا إن أزعجتك يا أستاذ عفريت". 


نفذ صبره منها فقام بالقبض علي تلابيب منامتها: 

"هاجر، بطلي شغل الجنان ده أحسن لك، فيه إيه علي الصبح". 


أشارت إلي وجهه، تركها و ألتفت بوجهه نحو مرآة الزينة، فرأي القناع الأسود يغطي وجهه بالكامل: 

" يا ولاد الـ....". 


لم تتمالك نفسها و أخذت تضحك: 

"معلش يا آسورتي عيالك بقي و طالعين لك، أصلها چينات يا حبيبي". 


رمقها بغضب: 

"و ما تقوليش ليه أنتِ اللي مسلطاهم، لما أشوفهم بس هعلقهم لك في النجفة، كارما يا أمجد". 


"ده ماسك و بيتشال بسهولة، روح أنت أغسله و غير هدومك عقبال ما أحضر السفرة، أنا لسه طافية علي الأكل و أستنيتك لما تصحي عشان نتغدي". 


دلف المرحاض و ذهبت هي لتعد المائدة، توقفت عند سماع تنبيه رسالة واردة، ظنت إنه هاتفها لكن وجدته هاتفه هو، الشاشة مضيئة و جزء من محتوي الرسالة يظهر و كان المرسل لوچي، قامت بفتح الهاتف لتقرأها بالكامل


«آسر أنا هعدي علي dady في المستشفي بعد ما أخلص الـ course هاتكون موجود و لا لاء» 


و بعد قليل يجلسون حول المائدة، يتناولون الطعام. 


"أمجد سيب التاب و أقعد كمل أكلك بدل ما أخده منك تاني "


أشار الصغير بيده: 

"بليز بابي هخلص الـ game دي عشان ما أخسرش". 


تدخلت شقيقته الصغيرة بسخرية: 

"و إيه يعني لما تخسر، ما أنت طول عمرك Loser "


رمقتها والدتها بتحذير: 

"كارما، بطلي كلام علي الأكل". 


زمتت شفتيها بسخط و نظرت بإمتعاض: 

"حاضر". 


كان آسر يتناول طعامه علي عجالة، بينما هي كانت مترددة في سؤالها حتي لا يظن الخطأ من سؤالها. 

" مالك يا هاجر عماله تبصي لي و ساكتة، عايزة تقولي إيه؟". 


هذا يسعدها كثيراً، يفهمها من مجرد نظرة، تنحنحت و أجابت: 

"أصل كنت عايزة أخد رأيك في حاجة كدة، هما حاجتين الأولي، أنا قررت أقطع أجازتي و أرجع للمستشفي". 


ابتلع ما بفمه ثم مسح بالمحرمة الورقية فمه: 

"و لما أنتِ مقررة مع نفسك ليه بتاخدي رأيي!".


 أجابت بحرج: 

"يعني أنا غلطانة لما باخد رأيك، مش يمكن أنت ليك وجهة نظر أحسن مني". 


ابتسم و أمسك يدها قائلاً: 

"لاء مش غلطانة، أنا ببقي مبسوط لما بتشاركيني أي حاجة تخصك، عموماً أنتِ عارفة رأيي عايزة ترجعي للمستشفي براحتك، شايفة نفسك مش فاضية و عايزة تاخدي أجازة برضو براحتك، أنا يهمني تكوني مرتاحة في الأخر". 


بادلته الابتسامة بأخري و لا تخلو منها نظرة حب يرفرف لها الفؤاد: 

"حبيبي يا آسورتي، ربنا ما يحرمني منك". 


أقترب برأسه ليُقبلها فأوقفته هاجر مشيرة إليه بعينيها نحو صغيرته التي تراقبهما في صمت،  تراجع و تنحنح: 

" اه ما قولتليش هي إيه الحاجة التانية". 


كانت تهز ساقها من أسفل الطاولة عندما شعرت بالتوتر و هي تخبره: 

"بص ياريت ما تفهمنيش غلط، أنا شايفة الفترة الأخيرة كلام و قرب لوچي بنت يوسف معاك بقي زيادة شوية، يعني كانت من الأول بتقولك يا uncle، بقت بتنادي لك بإسمك  عادي من غير أي ألقاب، ده غير كل ما تروح لبابها المستشفي لازم تبلغك قبلها و تشوفك هاتروح و لا لاء، مش شايف إن الموضوع غريب شوية؟ ". 


كان يستمع إليها و يعقد ما بين حاجبيه، فقال: 

"ما تخليش خيالك يسرح لبعيد، لوچي دي يعتبر زي بنتي، و قربها مني بتعتبرني زي باباها و بتحب تفضفض معايا، و أنا قبل كده كنت بحكي لك عن ظروفها النفسية و للأسف يوسف و علياء ما بيعرفوش يصاحبوا ولادهم أو يقربوا منهم، و لما لاقيت البنت بترتاح لي و تحكي لي عن نفسها، بقيت أسمعها و أنا علي قد ما بقدر بوجهها للصح، قولي لي فين الغرابة في كدة؟". 


أطلقت تنهيدة و هزت رأسها بنفي: 

"مفيش، بس أنا عشان ست و بفهم سواء أي ست أو بنت زيي، فبقولك خد بالك و خلي في حدود، البنت في مرحلة مراهقة و وارد جداً مشاعرها تميل لأي راجل حتي لو كان صاحب باباها اللي أكبر منها بـ ٢١ سنة". 


نهض و مال بجذعه نحوها يمسك بطرف ذقنها: 

"جوجو حبيبتي، ياريت ما تتأثريش بالروايات اللي بتقريها، ياريت تعملي لي فنجان قهوة عقبال ما أغير هدومي". 


قام بتقبيل بداية مفترق خصلاتها و ذهب يفعل ما قال تاركاً إياها تنظر نحوه بحنق. 


                     ༺༻

أخذت تبحث عن شريط الحبوب و لم تجده في المكان التي تخبأه به، أخذت تنادي: 

" يا دادة، يا دادة". 


سارت مربيتها بثقل و هذا بسبب تقدمها في العمر، ذهبت إليها: 

"خير يا بنتي، في إيه؟". 


أجابت الأخري و عينيها تبحث عن ما تفقده: 

"ما شوفتيش شريط البرشام فين، أنا كنت حطاه بنفسي تحت المرتبة إمبارح بالليل". 


"و الله ما شوفته، بصي يمكن لما ضاع كده دي تبقي إشارة، بلاش تاخديه و إسمعي كلام جوزك و هات له عيل تالت، أنتِ وراكِ إيه يعني  و العيال أنا اللي باخد بالي منهم". 


حدقت إليها صبا بإمتعاض و قالت: 

"لو سمحت يا دادة ما تفتحيش الموضوع ده تاني، أنا حرة احمل و لا أخلف و لا لاء". 


أجابت المربية بقليل من الحزن: 

"حقك عليا يا بنتي، مش هاتدخل في اللي مليش فيه تاني". 


حدقت نحوها بأسف و قالت معتذرة: 

"حقك عليا sorry يا دادة و الله ما أقصد حاجة، انا بس خوفت ليكون وقع و قصي هو اللي لقاه أو حد من العيال و خصوصاً البت الشقية اللي إسمها زوزه اللي هتجيب لي جلطة قريب من شقاوتها ". 


ولجت من باب الغرفة إبنتها و ترفع يدها تمسك ما تبحث عنه والدتها: 

"مامي، أنتِ بتدوري علي الدوا ده؟". 


شهقت صبا و ركضت نحوها، أختطفته من يدها و توبخها بنظرة غاضبة: 

"أنتِ يا بنت مش حذرتك كذا مرة و قولت لك إياكِ تلعبي في أي حاجة بتاعت مامي أو بابي، قولت و لا ما قولتش؟". 


رمقتها ابنتها بخوف، تهز رأسها بإيجاب و قالت: 

"قولتي، بس أنا مكنتش بألعب في حاجتك، أنا لاقيته جمب السرير و أنا بجري ورا لوكا". 


رفعت صبا سببتها بتحذير في وجهها: 

"عارفة لو شوفتك دخلتي الأوضة هنا تاني هاعمل فيكِ إيه، هاحرمك من الألعاب و مش هخلي بابي يوديكِ الملاهي خالص". 


زفرت الصغيرة في وجه والدتها بسخط و رفعت كفيها الصغيرين في وضع الدعاء: 

"يارب صبرني علي الولية دي عشان أنا زهقت منها، أنا مستحملها عشان خاطر بابي و بس". 


قبضت والدتها علي ثيابها من الخلف: 

"هي مين دي اللي ولية يا مقصوفة الرقبة، أعتذري يالا حالاً ". 


رمقتها زينب من طرف عينيها: 

"ممكن تسيبي التيشرت بتاعتي الأول و أنا هقولك". 


فعلت الأخري كذلك، أبتعدت الصغيرة بمسافة آمنة و صاحت: 

"الولية دي تبقي أنتِ يا مامي". 


و اخرجت طرف لسانها و أطلقت ساقيها للريح، ذهبت صبا خلفها و صاحت بتوعد: 

" طب و الله يا زوزه لأعلمك الأدب و إبقي وريني هتخلي بابي يحوش عنك إزاي! ". 


ألتفت لتعود إلي غرفتها فأصتدمت به، شهقت بذعر: 

"قصي!، أنت وصلت امتي؟". 

خبأت الشريط بدون أن يلاحظ في جيب بنطالها الخلفي. 


نظر إليها و يقطب ما بين حاجبيه: 

"مالك عماله تزعقي للبنت ليه؟ ". 


نبضات قلبها تزداد تخشي إنه قد سمع بأمر الحبوب

"ها، أه اصلها ما بتسمعش الكلام و لسانها طويل ". 


" أنتِ اللي ما بتعرفيش تتعاملي معاها و لا عارفه تصاحبيها، دي طفلة عندها خمس سنين بلاش تحطي عقلك بعقلها". 

قالها و دلف إلي الغرفة، ذهبت خلفه: 

"دي مين دي اللي عندها خمس سنين، ده أنا ساعات بحس إنها ست كبيرة و مسخوطة، أنا ساعات بعجز عن الرد عليها، أقول إيه و لا أشكي لمين ما أنت اللي مقويها و مدلعها ". 


شبه إبتسامة ظهرت علي وجهه: 

"اللي يسمعك يقول إنها ضرتك مش بنتك "


ضحكت و قالت: 

"أنت بتقول فيها، المهم قولي عملته إيه، أتطلقوا؟". 


كان يفك أزرار قميصه و الضيق يغزو ملامحه: 

"أرجوكِ يا صبا ما تفتحيش الموضوع ده دلوقت، أنا تعبان و مش قادر افكر في أي حاجة و لا أتكلم حتي". 


ألقي بقميصه و ذهب إلي غرفة ثيابه، ذهبت خلفه و سألته: 

" طب هي فين كارين ماجتش معاك ليه؟ ". 


كان يأخذ ثياب مطوية و أجاب: 

" طلبت مني أوديها لشقتهم القديمة هتاخد من هناك حاجات و هاتقعد شوية". 


"لا حول و لا قوة إلابالله، صعبانين عليا أوي سواء هي أو يونس ". 


أطلق زفرة يخرج بها همومه: 

" كل واحد حر، أنا داخل أخد shower و أنتِ بلغيهم يحضروا الغدا ". 


و قبل أن يذهب أوقفته: 

" قصي؟ ". 


ألتفت إليها و أجاب: 

"نعم ". 


أقتربت منه و تعلقت بذراعيها حول عنقه و سألته: 

" هو أنت ممكن في يوم من الأيام تتجوز عليا؟". 


وضع كفه علي خدها يلمسه بحنان و يخبرها بنظرة عميقة تخترق قلبها الذي يخفق و يعشقه: 

"قلبي ما ينفعش ينقسم لنصين، ده غير إنه ما بقاش ملكي من يوم ما حبيتك". 


أشار إلي صدره العاري و أردف: 

" أقري الوشم و أنتِ هاتعرفي ". 


 و كأن خرج من ظهرها جناحين تريد التحليق من فرط ما تشعر به من الفرح و السعادة، قلبها يرقص طرباً. 

"قيصو، خدني في حضنك ". 


ترك ما في يده و جذبها إلي صدره،  ضمها بقوة و همس لها بعشق: 

"حضني ده أتخلق علشانك، هو مش حضني و بس، كل حاجة فيا، أنا ملكك و أنتِ ملكي". 


أبعد وجهها عن صدره لينظر صوب رماديتيها التي تسحره كلما تعمق في التحديق بهما: 

" يا صبا القلب و الروح". 

و أنهي كلماته بقبلة قوية يخبرها من خلالها بكل ما يحمله في قلبه لها. 

                       ༺༻

تجلس علي السرير و أمامها إطارات للوحات قد رسمها لها بيده، تتذكر كل مناسبة تم رسم اللوحة حينها. 

و عندما تتذكر مشهد رؤيته في المنزل مع زوجته الأخري فتشعر بالإحتراق، كيف له أن يفعل بها ذلك! 

لم تنس ذلك اليوم بعدما غادرت منزل الخيانة كما قامت بتسميته، ذهبت إلي شقيقها في مقر الشركة. 

«مشهد سابق»

ولجت تبكي بشدة، و كان شقيقها يعمل علي الحاسب و حين رأها ترك عمله و نهض بقلق يسألها: 

"مالك يا كارين في إيه؟، الأولاد كويسين؟، يونس جري له حاجة؟ ". 


حاولت أن تكف عن البكاء لتخبره: 

"يونس أتجوز عليا يا قصي، أخوك كسر قلبي و ضحي بحب و عِشرة سنين ". 


ربت عليها و تناول زجاجة المياه و الكوب، سكب لها القليل من الماء و قال: 

"خدي إشربي الميه دي الأول، و إهدي كده و بطلي عياط عشان قلبك ما يوجعكيش". 


تناولت منه الكوب و ارتشفت القليل ثم تركت الكوب علي المنضدة، بدأ يخبو بكائها و أخذت تسرد له كل ما حدث بالتفاصيل. 


"طب إيه اللي خلاه يعمل كدة، بالتأكيد فيه سبب "

قالها قصي،  فصرخت الأخري: 

"مفيش أي مبرر للخيانة، ربنا يعلم عمري ما قصرت معاه في أي حاجة و لا في البيت و لا حتي في تربيتي أو إهتمامي بالأولاد". 


" أنا هاتكلم معاه و هاسمع منه، يمكن فيه سبب قوي خلاه يعمل كده و يمكن كان ناوي يقولك في الوقت المناسب". 


صاحت ببكاء و غضب: 

"بطل تبرر له يا قصي، و لا هو عشان أخوك!، أنا دلوقت خلاص مليش غير ربنا،  بابا الله يرحمه، و أخويا الوحيد مطلعش أخويا، أول مرة أحس إني يتيمة". 


زفر الأخر بغضب و ود لو رأي شقيقه لجعل عظامه فُتات 

"كارين، أنا هعمل نفسي ما سمعتش الهبل اللي قولتيه ده كله، و أنا بوعدك هاعملك اللي يريحك و هاخد لك حقك ". 


مسحت عبراتها بالمحرمة الورقية ثم قالت: 

"أنا عايزاه يطلقني. "


                     ༺༻

يتجول في الشوارع بسيارته دون إتجاه محدد، لا يري أمامه سوي وجهها و هي تنظر إليه بألم و إنكسار، ضغط علي المكابح فجأة، توقفت السيارة. 

أخذ يضرب عجلة المقود و يردد: 

"ليه،  ليه، أنا غبي، أنا حيوان". 


ألتفت جانباً و يري إنعكاس صورته في المرآة الجانبية، ينظر إلي نفسه بإحتقار، يتأمل الكدمة الزرقاء التي أسفل عينيه، و يتذكر السبب التي نتجت عنه


«مشهد سابق» 

صف سيارته أمام بناء قصر شقيقه و هذا بعدما هاتفه و طلب منه أن يترك كل شيء و يأتي إليه في الحال. 


كان رفيقيه التوتر و القلق، يدرك سبب هذا اللقاء، حتماً ذهبت هي إليه و أخبرته بما أقترفه، لم يخش المواجهة بل يعلم ما الممكن أن يحدث من كلمات توبيخ و إهانة لكن كل هذا يتحمله من أجل ألا يحدث ما يخشاه و هو الطلاق. 


وصل أمام باب المكتب، طرق الباب، جاء إليه صوته من الداخل: 

- أدخل. 


أخذ شهيقاً ثم أطلقه زفيراً ثم ولج إلي الداخل بخطي وئيدة، توقف بالقرب من شقيقه الذي يولي إليه ظهره. 


"أنا عايزك تسـ....

بترت كلماته لكمة قوية من قبضة شقيقه. 


يُتبع

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close