![]() |
"الفصل الرابع".
بقلم أميره مدحت
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
يقود القدر من يتبعه، ويجرّ من يقاومه.
سقطت دمعة حارة على وجنتها قبل أن تمسحها بسرعةٍ، وكأنها تحاول أن تتماسك، كانت تُسير بخطى هامشة ضعيفة، حتى توقفت أمام المرآة، حدقت على إنعكاس صورتها قبل أن تجلس على طرف السرير وهي تحدق بذاتها بعينين دامعتين.. متألمتين، قبل أن تتحول إلى عينين ذاهلتين، وهي تهتف بصوتٍ مقهور:
-بقى دي أخرتها ياربي؟!.. واحد زي نائل الـ(...) يطلع قدام الخلق كلهم ضحية، وروڤان هي الجاني!..
هبت واقفة فجأة وهي تهدر بغضب:
-وأنا أطلع من عند فرعون من غير ما أقوله على إللي شوفته بعيني، وإللي عمله فيها.
نظرت لذاتها في المرآة بعينين حمراوتين باكيتين وهي تهمس:
-توصلها يا نائل للموت، وأنا أقف عاجزة كدا!
هزت رأسها بالسلب قبل أن تهدر:
-والله لهقتلك يا نائل، هقتلك يا نائل لو روڤان جرالها حاجة، إللي زيك مينفعش يعيش وسطنا، لازم أخلص البشرية منك ومن جنونك المريض.
ضحكت بمرارة وهي تقول بحسم:
-أنا ماليش حد غيرها، وإللي عملته معايا السنين إللي فاتت دي كلها، جه الوقت إللي أردهولها.
كفكفت دموعها بظهر يدها، قبل أن تستمع إلى طرقات على باب منزلها، عقدت ما بين حاجبيها بريبةٍ وهي تتحرك بخطى سريعة، فتحت الباب بقوةٍ لتضربها الصاعقة حينما رأت ذلك الشخص يقف بهيبته الكبيرة، مبتسمًا في هدوء، ولكن قطب جبينه بإستغراب وهو يتحدث في شيء من القلق:
-مساء الخير يا آنسة رزان، هو حضرتك كويسة؟!..
همست بذهولٍ عطيم:
-يونس باشا؟!..
عاد "يونس" يبتسم في هدوء وهو يقول بجدية:
-أيوة، أنا جاي عشان أحقق معاكي فإللي تعرفيه عن روڤان ونائل، بصفة أنك صديقتها الوحيدة.
إبتسمت "رزان" ببهجة وقد تعلق قلبها بأمل من جديد، أمل قد يُثبت براءة رفيقة دربها الوحيدة "روڤان"، ويتحقق العدل بأن ينتقم الفرعون من "نائل" أشد إنتقام.
*****
-إنتي زعقتي ولا أنا متهيألي؟!..
قالها الفرعون وهو يلتفت برأسه نحوها بوجهٍ متجهم، وعينان تلتمعان ببريق مخيفٍ، ورغم ذلك لم تهتم بهذا الإنذار الهادئ في نبرته، وتابعت صياحها الهادر:
-أيوة بزعق يا فرعون، كفاية بقى حبـس، كفاية ظُلم ليا، كفايــة أرحومنـي بقـى.
وكأن إنسان آخر يقف أمامها الآن، التعابير الغامضة والممتعضة في آنٍ والتي بزغت في وجهه تفكر ثانية، في حين إنه لم يُمررها لها في أول أيامها هنا.. في حِصنه، وأعلن صراحة بلهجة قوية:
-أسنعيني كويس، أنا ألطف إنسان ممكن تعامليه في حياتك، بس هتلاقي أسوأ واحد ممكن تشوفيه متعصب في حياتك، بلاش تطلعي البني آدم ده جوايا يا روفان.
ثم أشتدت لهجته قسوة وهو يُسير بإصبعيه:
-وقبل ما تفكري تخرجي منى هنا، فكري أنتي هنا ليه؟، الأوضة دي بإيدك، ممكن تبقى جنة، وممكن تبقى نار، فـ أقبلي الوضع إللي أنتي فيه ده أحسنلك.
سقطت دموعها بقهر وهي تتراجع للخلف، فـ تنهد بحرارة قبل أن يقول ببرودٍ:
-الدموع مش هتعملك حاجة، فـ أهدي كدا و روقي، وسيبي أمر خروجك علينا، إحنا بنسعى ندور على الحقيقة، والموضوع هياخد مننا وقت.
وخطى نحو الباب وهو يقول آخر كلماته:
-وأفتحي الشباك شوية، كفاية كاتمة، وجو الخنقة إللي أنتي عملاه لنفسك ده.
صفق الباب معبرًا عن غضبه منها في أولى تعاملتهم معًا، تاركًا عقلها يدور عن سجنها الجديد، وكيفية الخروج منه؟!..
جلست "روڤان" على الفراش من جديد وشعور الكبت الذي تولد من فرط كتمانها يطبق على أنفاسها، كأغلال من حديد تكاد تسلب أنفاسها حتى آخرها.. أذرفت عبرات حامية على جلدها لم تعد تتحمل لهيبها المُسعر، وغمغمت بصوت متقطع:
-يارب، يارب ساعدني، أنا حاسة أني هموت من غير ما أشوف يوم حلو في حياتي.
أستندت على الفراش بيد، والأخرى كانت تمسح بها دموعها وهي تشهق بأنين خافت، وذلك الألم ينهش في قلبها المسكين.
*****
جلسوا مجموعة من الرجال أمام إحدى المقاهي، يتحدثون عن ما وصل إليهم من كلمات "رزان" عن ظلم "نائل" لزوجته، وبدأ كل منهم يتناقش مع الآخر عن إحتمالية وجود براءة "روڤان" من جريمة الخيانة، تحدث الشخص الأول بخشونة:
-بس إزاي يعني البت روڤان تتطلع بريئة؟!.. بعد ما شوفناها بعنينا طالعة من بيتها وهي بملاية السرير.
رد عليه شخصٍ آخر بضيق:
-أستغفر الله العظيم، مين كان يصدق أن الست روڤان ممكن تعمل كدا، بس معقول يطلع كلام البنت صاحبتها حقيقي.
رد عليه الشخص الثالث بجدية:
-لأ طبعًا، تلاقيها بتعملعمل كدا عشان تبرر عملة صاحبتها المهببة، لكن نائل أنا الشهادة لله عمري ما شوفت منه حاجة وحشة، ولا سمعت حاجة وحشة.
هتف الشخص الثاني بإمتعاض:
-بس أنا بحكم تعاملي معاه، هو الصراحة شخص لا يُطاق في أي تعامل، دمه حامي أوي، وبينفعل بسرعة.
تحدث الشخص الأول بقوة:
-وهو ده سبب عشان تخونه؟!..
تكلم أحد الموجدين يشاركهم في الحديث:
-هو يقصد أن ممكن كلام صاحبتها يطلع صح!
رد عليهم شخصٍ آخر بقوة:
-شوفوا يا جماعة، إحنا عمرنا ما بناخد بالكلام، إحنا بناخد بإللي بنشوفه في عينيا، وبنسمعه كمان، وإحنا شوفنا وسمعنا.
تسائل الشخص الثالث بترددٍ:
-يعني آآ..
وصمت فجأة، ليؤكد له الشخص الأول بقوة وبإندفاع:
-أيوة إللي وصل لدماغك، البت دي جبات لأهلها العـار، وأخوها حلف قدامنا أنه لو شافها هيخلص عليها، وده دورنا كمان، لأنها بنت القرية دي، يعني لو شوفناها نعاقبها حتى لو ماتت على إيدينا.
ثم رفع قدمه و وضعها على الأخرى وهو يقول بفخرٍ:
-وده يبقى شرف لينا، أن إحنا نخلص على بنت خاينة زي دي، خلوا القرية بقى تنضف.
*****
-بعد مرور عدة أيام-،
لابد من حل لحيرته.. مضى وقت ليس بقليل وهو يفكر في نفس الموضوع، لم يرتح "هارون" في جلسته إطلاقًا، قضى وقته يتنقل من فراشه إلى الأريكة، ثم للشرفة، ثم خرج للحديقة، لم يجد ميلًا لمداعبة خيولهِ الأصيلة، حيث يملك واحدة من أكبر مزارع الخيول في مصر.
ترك كل ذلك، وعاد يفكر.. حتى وجد عمه يدخل بسيارته مدخل المزرعة، عقد ما بين حاجبيه بإمتعاض، فهو قد هرب من القرية بأكملها وأتى إلى مزرعته، حتى يفكر بهدوء و روّية، إزداد ضيقه وهو يرى عمه يدنو نحوه وهو يعلم جيدًا من تعبيرات وجهه عن ما ينوَ التحدث فيه، وقف أمامه "عزيز" وهو يحدثه بهدوء:
-مالك يا إبن أخويا؟!..
رد عليه "هارون" وهو يحدق في خيوله:
-مفيش، بفكر في قضيتي الجديدة.
سأله مباشرًا:
-وناوي على إيه؟!..
ألتفت له وهو يسأله بعد فهم بتعمد منه:
-على إيه بظبط؟!
رد عليه عمهِ بنفاذ الصبر:
-إنت عارف كويس أوي ياإبن أخويا، حق أبوك وأمك؟! جه الآوان إللي تاخد حقهم من البنت دي، وتريحهم في تربتهم.
مسح "هارون" على رأس فرستهِ بينما كان ممتعضًا وتعابيره غاضبة للغاية وهو يقول:
-لسة مجاش يا عمي، قضية روفان مش هدخلها مع قضيتي.
تنهد "عزيز" غير راضيًا عما يقوله "هارون" وأبدى أعتراضه:
-مش هينفع، قضيتك أستنينا عشرين سنة يا هارون، وجه الوقت إللي أخويا يرتاح فيه في تربته، و روفان كدا كدا مجرمة، لازم تاخد عقابها.
صمت قليلًا بل أن يقول بذهول:
-وبعدين أنت ناسي أنك فضلت سنة بحالها بتراقبها، عشان تاخد أنتقامك منها؟!.. أهيه جتلك الفرصة، مستني إيه.
أستعد "هارون" ليصعد على ظهر الفرس وهو يقول بقوة:
-العدل يا عمي، العدل يا عزيز بيه، النار إللي جواك هي نفس الجوايا وأشد كمان، لكن وصية أبويا بنفذها، العدل يا عزيز بيـه.
دنى منه قليلًا وهو يخبره:
-وهو العدل أنك متاخدش تار أبوك يا إبن الكردي؟!.. أبوك إللي دمه راح هدر، من أبو بنت الخاينة دي، لو سكت عن حق أخوك، أنا مش هسكت وآآ..
تضايق "هارون" أكثر الآن ورفض أستكمال هذا الحوار الذي يخصها بتاتًا و:
-كفاية يا عمي، وإياك تفكر تدخل في الموضوع ده بذات.
أشاح "عزيز" وجهه شاعرًا بالفشل في إقناعه، فـ لمح "يونس" يقترب منهم، فقال بسخرية:
-أسيبك مع صاحبك دلوقتي، ولينا كلام تاني مع بعض.
وبالفعل تحرك بعيدًا عنهم، في حين ما أن أقترب "يونس" من رفيقه، حتى سأله الأخير بجدية:
-عملت إيه يا يونس مع رزان؟!..
سحب نفس عميق قبل أن يخبره بهدوء:
-قالتلي على حاجات مهمة جدًا، ومش هقدر أقولها ليك هنا، قالت حقايق كتير غير إللي قالتهم قدام أهل القرية، وأول حاجة هعملها، أني هروح أنا وهي النهاردة المستشفى، نجيب التقارير إللي بتثبت إعتداءه عليها.
تأهب "هارون" للطيران بالفرس خاصته وقال:
-حلو أوي، كمان ساعة، ونتتحرك على القرية، تقابل رزان وتروح المستشفى، وأنا أطلع على المعتقل أشوف روڤان.
*****
بعد عدة ساعات، تقابل كل من "يونس" و"رزان" أمام المشفى التي دخلتها "روفان" منذ حوالي أسبوعين، تنهدت "رزان" بخوف وهي تخبره بقلق:
-تفتكر ده دليل كافي يثبت كدب نائل.
رد عليها "يونس" بعقلانية:
-يثبت بنسبة 50%، لكن ده هيكون أول خيط يوصلنا لحاجات كتير، وحقايق أنتي نفسك ممكن متكونيش عارفة عنها حاجة.
ثم أشار بيده نحو باب مدخل المشفى وهو يبتسم قائلًا:
-أتفضلي، السيدات أولًا.
إبتسمت "رزان" وهي تشعر بأنه يحاول التخفيف حدة القلق بداخلها، تحركا نحو موظفة الأستقبال، وقف "يونس" أمامها وهو يقول بجدية:
-مساء الخير، أنا محتاج تقرير طبي لمدام روفان، إللي دخلت عندكم هنا المستشفى من أسبوعين، وتحديدًا يوم 16/10.
تسائلت موظفة الأستقبال بإستغراب:
-مين حضرتك؟!..
رد عليها "يونس" بإبتسامة واثقة وهو يضع يديه بداخل جيبي بنطاله:
-يونـس التُهامي.
بعد فترةٍ طويلة، حصل أخيرًا "يونس" على التقارير الطبية، بدأ يقرأ التقارير بتمعن وهو يرتدي نارته الطبية، و "رزان" تقف قبالته تحدجه بعينين خائفتين، خاصةٍ مع تبدل ملامحه، رفع رأسه نحزوها فتسائلت بجزعٍ:
-في إيه؟!..
صمت طويل أمتد بينهما قبل أن يقطعه بصوته المتضايق:
-التقارير بتقول أن آخر مرة دخلت المستشفى كان ناتج عن هبوط حاد في الدورة الدموية.
أستندت "رزان" بظهرها على حائط المشفى وهي تقول بصدمة:
-ينهار أسود، يعني إيه؟!.. يعني حقها ضاع، حق روفان ضـاع!!.
أرتبك "يونس" من صدمتها، فقال بهدوء محاولًا بث الطمأنينة بداخلها:
-أهدي يا آنسة رزان، أهدي أرجوكي.
أنهمرت دموعها وهي تغمغم دون شعور:
-عملها نائل، ضيع حقها وأمن نفسه، ضيع حقها.
لم تتحمل قدماها الوقوف، فسقطت على الأرض جالسة وهي تقول بغضب عظيم:
-هقتله، هقتلك يا نائل، مش هتفلت من إيدي.
*****
كان الفرعون يقف أمام النافذة، وهو يشعل سيجارة، يراقبها بعينيه الهادئتين رغم حدتهما وهي ترتشف من عصير البرتقال، إلا أنها هتفت فجأة بإمتعاض:
-لأ، مش هكمل العصير ده.
رفع حاجبه بإستغراب وهو يسألها:
-ليه ماله؟!..
ردت عليه بإرتباك وهي تقف:
-مش عارفة، بس ريحته مش عجباني.
تحرك نحوها وهو يتمعن فيها، كانت راكدة حركتها ثقيلة، والهالات السوداء إزدادت أسفل عينيها، وهذا الشحوب الواضح، تقدم نحوها وهو يقول بحدة:
-العصير مفيهوش حاجة، أشربي بدل شكلك التعبان ده.
هزت رأسها بتوتر وهي ترتشفه بضجر، شعرت بصعوبة التنفس، فـ سعلت بقوة أثر هذا الدخان اللعين، فـ أرتبك "هارون" فجأة وهو يلقيها خارج النافذة متسائلًا:
-معلش، مخدتش بالي، أنتي كويسة؟!.
هزت رأسها بإيماءة خفيفة، ليخبرها بجدية:
-أنا بعت ناس يجيبوا تقارير طبية تثبت إعتداء نائل عليكي.
هبت واقفة وهي تقول بأمل:
-بجد؟!..
دققت حواسها وتركيزها معه محاولة التغلب على ذلك الغثيان الذي أنتباها فجأة، فـ أكد لها:
-أيوة، أتمنى ده يكون دليل لصالحك.
لم تعد تتحمل نوائب أكثر من ذلك، داهمها دوار شديد مصحوب برغبة قوية بالغثيان لا تقوَ عليها، تغير لون وجهها، وأضطربت أنفاسها، أسقطت كأس العصير من يدها وقد أرتعش جسمها، وركضت فجأة نحو دوزرة المياة، وصفعت الباب من خلفها، فركض "هارون" خلفها وهو يرُدد بحدة قلقة:
-روڤان، فيكي إيه؟!..
أستمع صوتها وهي تتقيأ مثيرة بداخله الخوف، وفي لحظة واحدة.. أختلفت علامات القلق تلك وحل محلها الوجوم، هناك شيء خاطئ، أستعاد برأسه لون تغير بشرتها، وعدم رغبتها بالمشروب، وتقيؤها الآن.. إنها أعراض واضحة وضوح الشمس، رجع "هارون" خطوة للخلف وهو يضع كلتا يديه خلف رأسه وهو يهمس:
-معقولة!..
*****
#أحيا_بنبضها.
#أميرة_مدحت.
1-ياترى إيه الأعراض إللي عند روفان؟
2-يونس هيعمل إيه لما سمع نية رزان؟ وهيعمل إيه في موضوع التقارير؟
3-الفرعون هيعمل إيه لما يعرف موضوع التقارير ولما يتأكد من الأعراض اللي عندها