 |
"الفصل الخامس"بقلم أميره مدحت
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
كلٌّ صانعٌ قدره.
تسارعت ضربات قلبه وهو يبتعد عن الباب بعدة خطوات، فإن تحقق ما يجول في رأسه، سيتحول كل شيء في قضيتها، وأول شيء سيحدث سيتم تأجيل عقوبتها بناءً على ما ينقصه القانون، تحرك "هارون" نحو الفراش، وجلس على طرفه، وقد ترك ظهره لدورة المياة، وتصنع التجاهل على الرغم من الضيق التي إشتعلت بين ضلوعه، رافضًا تلك الفكرة حتى وإن كانت حقيقة، عيناه على الفراغ وملامحه غير مقروءة.
حتى خرجت "روڤان" وهي تمسح وجهها بالمناديل الورقية، حاولت أن تبدو طبيعية، وتتغلب على الدوار الذي يزداد بضراوة، قبل أن تهمس بتعب:
-أنا آسفة لو كنت أزعجتك وآآ..
وصل الفرعون واقفًا وهو يتقدم نحوها قبل أن يسألها بنبرة ذات مغزى:
-أنتي كويسة؟!.. محتاجة دكتور؟!..
ردت عليه وهي تهز رأسها بالسلب:
-لألأ، مفيش داعي، أكيد هبقى كويسة كمان شوية.
حاولت أن تتحرك بخطى حذرة في إتجاه الفراش، وتابعها هو بعينين هادئتين تمامًا قبل أن يصدح رنين هاتفه، أخرجه بهدوء من جيب بنطاله، ليرى اسم "يونس" هو المتصل، ذم شفتيه وهو يغمغم:
-يا مُسهل.
ثم وضع الهاتف على أذنه يجيبه باهتمام:
-أيوة يا يونس، ها عملت إيه؟!..
أستمع إلى لهجته الآسفة وهو يخبره على ما وصل إليه:
-للأسف، التقارير اللي قدامي بتقول، أن سبب دخولها المستشفى آخر مرة كان بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية.
حرك "هارون" رأسه بالإيجاب وهو يمط شفتيه للأمام قبل أن يهمس بضيق:
-طب في تقارير تانية؟!..
أجابه بجدية:
-لسة هدور وهشوف، بس من الواضح جدًا إننا مش هنلاقي طرف الخيط اللي بندور عليه.
قال بثقة مؤكدًا:
-للاسف من الواضح كدا إننا فعلًا مش هنلاقي، ولو لسة في شك في البراءة فـ هنحتاج ندور في حتة تانية.
سأله "يونس" بعدم فهم وهو ينظر باتجاه "رزان":
-يعني أكمل تدوير ولا بلاش؟!..
رد عليه الفرعون بهدوءٍ جاد:
-لأ كما تدوير، على الأقل نكون عملنا اللي علينا.
تمتم الاخير بلهجة هادرة:
-تمام، هكمل، وبعدها هيجيلك على مكانك المُقدس، لأننا مش هتعرف نتكلم غير هناك.
إبتسم بخفة وهو يخبره بلهجته القوية:
-كنت لسة هقولك كدا، مستنيك.
وانتهت المكالمة بكلمته الأخيرة، قبل أن يلتفت برأسه نحو "روڤان" التي ظلت واقفة مكانها كالصنم، وعينيها تلتمعان بخوفٍ واضح، بدأت تدنو نحوه ببطءٍ وهي تسأله ببسمة راجية:
-يونس باشا وصل لأي جديد، أنا كنت سمعاك وأنت بتسأله عن تقارير المستشفى.
نظر لها بتعبيراتٍ غامضة، فتابعت بأمل كبير:
-قالك إيه؟!.. وصل للحقيقة؟!..
أقترب منها الفرعون وهو يسألها بلهجة حادة قليلًا:
-إيه سبب دخولك المستشفى آخر مرة؟!..
وجدت صعوبة كبيرة في سرد سبب دخولها المشفى، ولكن تحولت فجأة تعبيرات وجهها إلى قلق ممتزج بالجمود، قبل أن تسأله بتوجس:
-قصدك إيه؟!..
رد عليها الفرعون بلهجة قوية حادة:
-التقارير يا مدام روڤان بتقول أن سبب دخولك المستشفى هو هبوط حاد في الدورة الدموية، إيه رأيك بقى في الكلام ده؟!..
أزدردت "روڤان" ريقها بصعوبة وقد أحست بألم في حلقها، وبدأت تتعرق بشكلٍ مغرط، حكت عنقها بإنفعال وهي تردد:
-يعني إيه؟!.. أكيد في حاجة غلط، أكيد دي مش تقاريري.
هدر "هارون" بوجهٍ متجهم:
-لأ تقاريرك، ويونس إتأكد من ده قبل ما يتصل.
وهنا شحب وجهها شحوب مخيف، وقد فرت الدماء من عروقها فور ما سمعت، لقد حدث ما كانت تخشاه، وهو قادر الآن على تنفيذ قانونه وهو رجمها حتى الموت، لقد حشرها "نائل" في زاوية ضيقة للغاية؛ وأثبت أنها مجرمة وهو الضحية، هي الجاني.. وهو المجني عليه، فعل كل هذا لينتقم منها، ولا تصبح لغيره.
ترقرت الدموع من بين أهدابها وهي تتراجع للخلف هامسة بذهول:
-زور التقارير!!.. دمرني خلاص!!.. موتني بالحيا.
انتابه القلق وهو يراها تتراجع وتنظر له بعينين ذاهلتين، والألم مرتين ببراعة على تعبيرات وجهها، دمى منها وهو يحاول أن يخبرها برفق:
-أهدي يا روڤان، إحنا بنحاول نوصل للحقيقة.
ضحكت بسخرية وهي تجيبه بصوتٍ ميت:
-حقيقة؟!.. حقيقة إيه بقى، ما خلاص، الحاجة الوحيدة إللي كانت هتكشف للكل حقيقة نائل ضاع، وبقيت في نظر الكل إنسانة زانية ومش شريفة.
أستندت يظهرها على الحائط قبل أن تنهمر دموعها على وجنتيها بحرقة وهي تقول:
-و الله العظيم أنا مظلومة، أنا معملتش حاجة غير أني قولت لأ، لأ وبس على قسوته وجبروته معايا، حرام عليكم ضيعتوني.
أرتحت أعصابها بشكل غير طبيعي، أحست وكأن الدنيا تدور من حولها، ضغطت بأصابعها على جانبي رأسها تمنع تسرب هذا الدوار المؤلم الذي يداهمها وهي تقول بهدوء خطير:
-أنا عاوزة أخرج من هنا.
تحركت بخطى سريعة نحو الباب، لكن يده أمتدت نحوها تمنعها من ذلك وهو يخبرها ببرود:
-مفيش خروج، واظن انتي عارفة ده كويس.
صرخت بتشنج ممزوج ببكائها:
-سبني بقى، سبني أخرج.
قبض على معصم يدها وهو يهدر بلهجة جهورية:
-أفهمي، لو طلعتي هيخلصوا عليكي، مش هتلاقي حد يبصلك ويمدلك إيده، فوقي بقى.
هدأت صرخاتها وهي تقول بصوت يقطع القلوب:
-أنا كدا كدا ميتة، بس مش عاوزة أموت مجرمة في عيون الناس، والله ما عملت حاجة، أنا معملتش حاجة.
تابعت بصوت خرج مبحوحًا ضعيفًا ولمعان عيناها يتزايد بريقه:
-أنا لو طلعت هعرف أكشف اللعبة، هكشفلكم حقيقته وحقيقتي.
فرد عليها بكل صرامة وثبات ومازال واقفًا وقفته الشامخة:
-و أنا قولت يا روڤان لأ، أنتي هتفضلي هنا، وإلا لو طلعتي، مش هتلحقي تعيشي ثانية واحدة، فوقي بقى من جنانك وبصي حواليكي هتلاقيني أنا الوحيد اللي بحميكي، وبدور على حقيقة ممكن تبقى وهم.
هل حدث لك وأن تختفي الأضواء من عينيك فجأة فلا ترى سوا صفحة سوداء وتنقشع الاصوات عن مسامعك فتشعر وكأنك ميت للحظة؟!
هكذا شعرت "روڤان" الآن، غلف الظلام عيناها، ومادت بها الأرض، وبدون أي مقدمات كانت تسقط عقب ترنح لم يدوم طويلًا مستسلمة لحالة فقدان الوعي، لتكون بين ذراعيه وهو يلحق بها قبيل أن تلمس الأرضية قائلًا بصدمة خائفة:
-روڤــان.
*****
لم يصل إلى أي شيء كما أخبره فرعون، خرج كل من "يونس" و"رزان"، حدجها بنظراتٍ هادئة.. متمعنة، وهي لا تشعر بأي شيء، تعبيرات وجهها غامضة تمامًا، أما عن عينيها فهما عينين تلتمعان ببريق مخيف قليلًا، وما يدور في عقلها قد حسمت الأمر بتنفيذه.
سحب "يونس" نفسًا عميقًا قبل أن يزفره ببطءٍ وهو يسألها:
-هديتي دلوقتي؟!..
ردت عليه بابتسامة واثقة:
-آه جدًا.
إبتسم "يونس" وهو يعيد سؤاله:
-متأكدة يا آنسة رزان؟!..
إتسعت إبتسامتها وهي تخبره:
-مش أنت قولتلي في حل تاني، يبقى هزعل ليه؟!..
أومئ رأسه بايماءة خفيفة قبل أن يقول بهدوء:
-طالمًا الأمل موجود، يبقى لازم تتفائلي، وأتمنى فعلًا تكوني بتفكري بعقلك قبل مشاعرك.
لم تجيبه تلك المرة، واكتفت بتلك النظرة العميقة، ليسألها:
-هتعملي إيه دلوقتي؟!..
ردت عليه بعد فترةٍ:
-هاروح.
أشار بيده مبتسمًا إبتسامته الجميلة التي تخطف القلوب:
-تمام، أتفضلي هوصلك، بحيث أكون أطمنت عليكي.
حركت رأسها بإيماءة خفيفة، وتحركا معًا، في حين ظل يراقب "يونس" حركات عينيها، ويتامل تعبيرات وجهها، فـ كلماتها في المشفى وهي تتواعد لـ"نائل" لم تخرج من عقله، وبحكم مهنته وخبرته، تلك الشخصية لا تقول أي كلمة حمقاء في لحظة غضب، بل كلمتها كالسيف.
*****
دلف بسيارته إلى مكان مهجور، ڤيلا صغيرة تحيط بها حديقة صغيرة المساحة كذلك، صف السائق السيارة بالحانب، ليترجل منها ذلك الرجل، في بداية الخمسينات، ولكن قوته الجسمانية تعكس عن ذلك، وملامحه الصلبة، تحرك بخطى واثقة نحو مدخل الڤيلا ومن ثم إلى مكتبه السري.
توقف أمام تلك اللوحة الكبيرة، التي تضم عدد كبير من الصور، ومن بينهم صورة الفرعون، و والده، و"عزيز"، و"روڤان".
إبتسامة سوداء إبتسمها وهو يقف أمام صورة "روڤان"، قبل أن يمسك قلمه الأحمر، ويضع علامة الإشارة على صورتها قبل أن ينطق بهدوء قاسي:
-الدور جه عليكي يا روڤان.
إبتسامة قاسية أرتسمت على ثغره وهو يتابع:
-جه الوقت اللي تموتي فيه، بس على إيدك الفرعون.
وضع يديه بداخل جيبي بنطاله وهو يقول:
-ودي هتكون مهمتي الأيام الجاية بإذن الله.
*****
بعد أن قام بتوصليها إلى منزلها، غادر "يونس"، وبقت "رزان " في المنزل تدرس خطتها بهدوءٍ وتريث، وما أن مرت ساعة إلا ربع، حتى قررت الخروج من المنزل، وتنفيذ خطتها، ظلت تنظر حولها بترقب، حيث كان الظلام غلف المكان، وعادةٍ أهل القرية لا يخرجون من منازلهم بعد الساعة التاسعة.
تنهدت براحة قبل أن تسير بخطوات هادئة، فاليوم فقط ستجلب حق رفيقتها، وحقها أيضًا!.. إبتسامة قاسية أرتسمت على وجهها وهي تقبض على حقيبة يدها الصغيرة، رغم أنها على علم بأن فعلتها تعني الهلاك، إلا أنها لم تعبئ، المهم هو أن تأخذ حق رفيقتها، وحقها التي تخاذلت عنه ولم تستطع جلبه في يومٍ ما.
وصلت "رزان" إلى منزل "نائل"، ولكن تعمدت الوقوف تحت تلك الشجرة الكبيرة التي أمام منزله، تستجمع شجاعتها وطاقتها لمواجهته وأخذ الثأر منه، لوهلة نظرت حولها بتردد قبل أن تفتح حقيبتها وتخرج السكينة، فـ ألتمعت عينيها وقبل أن تعيدها إلى حقيبتها، وجدت من يكمم فمها بقوة، ويسحبها بذراعه الآخر للخلف كي يختفيا عن الأنظار.
أتسعت عينيها برعب، وقبل أن تفعل أي حركةٍ، كانت إستمعت إلى صوته القوي بجانب أذنها قائلًا:
-أهدي يا رزان، أنا يونــس.
*****
ظل واقفًا خلف الطبيب يتابع ما يفعله باهتمام، واضعًا يديه بداخل جيبي بنطاله، أغلق الطبيب حقيبته بعدما أخرج إبرة طبية، وقام بغرزها في وريدها وهو يخبره بلهجة عملية:
-أنا هديها حقنة مهدئة، لأن أعصابها تعبانة جدًا، وده خطر على صحتها.
دنى منه وهو يسأله بحدة:
-خطر فإيه بظبط؟!..
أجابه الطبيب وهو يقف:
-خطر على حياتها يا سيدنا، وعلى الجنين كمان.
تجمدت الدماء في عروقه وهذا الهواء بدا أكثر برودة وهو يلفحه قبل أن يلفظ تلك الكلمة بذهولٍ قاسي:
-حــامل؟!..
*****
#أحيا_بنبضها
#أميرة_مدحت
١-ياترى الفرعون لسة مصدق روڤان؟ وليه؟
٢-يونس هيعمل إيه مع رزان؟!..
٣-رد فعل الفرعون على حمل روڤان إيه؟ ورد أهل القرية ونائل؟!
٤-مين الشخص اللي عاوز يخلي الفرعون يقتل روڤان؟! وليه؟
٥-الحمل ده هيكون له جوانب إيجابية ولا سلبية؟ والسبب إيه؟!.
♥️♥️♥️
