expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

نعيمي وجحيمها الفصل الواحد والعشرون حتي الفصل الخامس والعشرون بقلم أمل نصر بنت الجنوب كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

نعيمي وجحيمها 
 الفصل الواحد والعشرون حتي الفصل الخامس والعشرون
بقلم أمل نصر بنت الجنوب
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

البارت الحادي والعشرون

الجزء الحادي والعشرون 

كطفلة صغيرة التقت بأبيها بعد غيابه عنها منذ سنوات، تشبثت به وهو يحتضنها بقوة فاقدة النطق ، تخشى ألا يكون حقيقة أو أنه وهم من محض خيالها، مازالت لا تصدق ، رغم رهانها من داخلها على عودته، رافعًا أقدامها عن الأرض ، وهو يقهقه بصوت عالي. يناغشها بمرح :

- كبرتي يازهرة وهاتتجوزي قبلي كمان يابت؟

- انا مش مصدقة انك جيت والله ما مصدقة.

تفوهت بها بتقطع قبل أن ينزلها بتمهل لتطئ أقدامها على الأرض ومازال يقبل فوق رأسها وفوق وجنتيها وقد كوب وجهها بين كفيه يتأمل جمالها بأعين ملتمعة، مرددًا بمشاعر تفيض بالفرح : 

- وانا اقدر اسيبك ياعيون خالك في يوم زي دا ؟ حتى لو كنا مخاصمين بعض أو تفصل مابينا بلاد.

ردت هي بلهفة وهي تقيم ما يرتديه من حلة رائعة باللون الرمادي على جسده الطويل وبشرة وجهه التي ازداد سمارها مع سفره:

- بس انت لحقت امتى تيجي ؟ لا ولابس بدلة كمان ولا اكنك عريس ياخالي .

رد خالد بتفكه وهو يدفع بكفه على رأسها من الخلف بخفة .

- عريس مين يابنت ال...... ما عملتيها انتِ وسبقتيني.


مزحته جعلتها تفقد رزانتها الدائمة فصدرت ضحكتها المرحة على دعابته بصوت مقهقهة، قبل أن تفاجأ بمن يجذبها بحزم للخلف وصوته الأجش يقول :

- حمد الله عالسلامة ياعم خالد .

رد خالد بضحكة مجلجلة وهو يعيد زهرة بحزم هو الاَخر الى تحت ذراعه :

- الله يسلمك ياعريس ، اخبارك انت إيه؟

ارتفع حاجبًا خطرًا من جاسر الذي تحامل على نفسه بصعوبة وهو يرى هذا الرجل وهو يحتضن عروسه باشتياق ويقبلها على وجنتيها وجبهتها، والأدهى من ذلك هو تشبثها هي به ، بفرحة أنارت وجهها واذهبت عنها التوتر ، بالإضافة الى ضحكاتها معه وكأنها طفلة في السادسة وليست عروس بجوار عريسها الذي تركته غير مبالية ، تدخل فجأة صوت نسائي :

- ايه ياجماعة ، مش تعرفوني بالعريس ولا انتوا هاتسيبوني اليوم كله واقفة كدة على جمب.

التفت جاسر نحو صاحبة الصوت ليجد زهرة ترحب  بلهفة بالمرأة الواقفة بجوار كاميليا والتي قامت بمهمة التعريف :

- جاسر بيه، دي تبقى نوال خطيبة خالد .

رحب جاسر بالمرأة الجملية ذات الملابس المحتشمة لكن بأناقة ، رغم غيظه من خطيبها :

- أهلًا بيكِ حضرتك ، نورتي .

ردت نوال بابتسامة فصدح صوت زهرة بتساؤل :

- دا على كدة بقى انتٍ كنتِ عارفة عشان كدة أتأخرتي في مجيتك ، والخاينة دي قاعدة اليوم كله معايا وهي راسمة ومشتركة معاكم في الخطة .

ردت كاميليا ضاحكة :

- طب يعني كنتِ عايزاني اعمل ايه بس ؟ وخالك منبه ومشدد ان لساني ماينطق بحرف واحد حتى؟

رد خالد وهو يميل بوجهه نحو زهرة التي مازالت تحت ذراعه:

- كنت عايز اعملهالك مفاجأة ، ايه رأيك بقى ؟ عجبتك ياحبي الأول والاَخير انتِ .

ختم جملته بقبلة على جبهتها جعلت الدماء تغلي بأوردة الاَخر وهو يشاهد ابتسامتها التي زينت وجهها الجميل وهي تنظر اليه بامتنان، ليتفاجأ برد نوال البارد من وجهة نظره.

- اَاه جينا بقى لشغل الضراير، انا قولت ماجيش الفرح دا من أساسه ياعم.

ارتفعت شفة مستنكرة من جاسر وهو يتابع ضحكات الثلاثة ومزاحهم، حتى خرج هو عن سيطرته فجذبها من يدها اليه بحركة سريعة قائلًا :

- طب ياجماعة كفاية عطلة بقى المأذون والشهود مستنين بقالهم فترة ، حصلنا ياخالد ياللا .

قال الاَخيرة وهو يهرول بها مبتعدًا من أمام خالد ، الذي عض على شفته بابتسامة مستترة قبل أن يحسم أمره في الذهاب خلفهم ، كي يذهب ألى والدته ويكون وكيلها في العقد.

.................................


بعد قليل 

وبعد أن تم عقد القران وذهب الرجل الدين ، فلم يتبقى سوى المدعوين من الأسرتين والعروسين ، انطلقت الزغاريد من سمية وبناتها الصغار غير مبالية بالمكان ولا رهبته ، اثارت ضحكة مشجعة من رقية التي أسعدتها أجواء الفرح ، انتقلت أنظار إحسان نحو علية عمته ليجدوها مقهقهة هي الأخرى وسعيدة بالعرض ، أما جاسر فلم ينتبه لشئ وهو ينهض على الفور منتقلًا من مقعده ليجلس بجوار عروسه على أريكة لهم وحدهم ، ممسكًا بكفها بين قبضته وكأنه يخشى عليها من الهرب ، همس وهو يرفعها إليه ليقبلها :

- مبروك يازهرة ، يا أجمل عروسة شافتها عنيا .

أومأت له بابتسامة خجلة :

- الله يبارك فيك .

تنهد من قلبه وعيناه تلتهم تفاصيلها، يشعر بفرحة عريس بأول زواج له ، وكأنه لم يرى أو يختبر من النساء قبلها ، هي فرحته الأولى والاَخيرة بل هي أجمل النساء .

هتف طارق من الناحية الأخرى مصفقًا بيده :

- إيه ياعريس هو احنا هانقضي الليلة كلها هنا ولا إيه ؟ انت نسيت اتفاقنا ولا ياكبير ؟

التفتت انظار الجميع نحو جاسر الذي أومأ برأسه قائلًا بارتباك وهو يضع يده في جيب سترته :

- اه اه تمام حاضر ، ثواني بس .

قال ثم أخرج علبة مخملية أكبر من سابقتها ، وتناول منها الخاتم الألماس الذي أبهر الجميع بجماله وفخامته ، ليضعه بكفها التي تناولها مقبلًها بحب مرة أخرى متحديًا الجميع ، ليزيد من خجلها وتتسع ابتسامته من رد فعلها ، تناول من العلبة مرة أخرى أسورة من نفس الطقم يلفها على رسغها ، هزت برأسها ناظرة إليه باستفهام ، رد بابتسامة صامتًا وهو يتناول عقد اَخر كاد ان يذهب بعقل إحسان وابنتها الاَتي كنا ينظرن بأعين جاحظة تكاد أن تخرج من محجريها، وهن يرونه يلفه حول رقبتها وفوق حجابها .

قالت علية بمرح وهي تقترب منهم :

- اَجي انا اللبسها العقد ياجاسر مادمت انت مش عارف .

رمق جاسر عمته بنظرة محذرة وهو يستمع للضحكات من حوله ويتابع مستمتعًا بهذا القرب منها وارتباكها المحبب أليه، حتى اذا انتهى منه اَخيرًا ، هتف طارق بمرح :

- حلو واَخيرًا خلصنا .

صدحت ضحكات الجميع أما جاسر فاقترب من زهرة هامسًا :

- كان نفسي اللبسك سلسلة الست الوالدة، بس مدام خالك موجود يبقى خليها في علبتها أحسن وانتِ البسيها بعد كدة براحتك ، ماهي خلاص بقى رجعتلك .

رفعت عيناها تنظر اليه بامتنان على تذكره لهذا الشئ العزيز على قلبها ، ومرعاته لشعور خالها الذي لو رأى السلسلة لكانت أثارت برأسه التساؤلات .

- ياعررريس .

هتف بها طارق مرة أخرى بمغزى لصاحبه الذي استدرك قائلًا :

- طب ياجماعة احنا نقوم كلنا مع استاذ طارق ليفضحنا لو فضلنا أكتر من كدة ، عشان المفاجأة اللي محضرينها .

سألته رقية :

- رايحين فين ؟ ومفاجأة ايه اللي بتقول عليها دي ؟

أجابها هذه المرة كارم والذي كان صامتًا من أول الجلسة :

- اطمني ياحاجة، احنا بس كلنا هانخرج مع جاسر باشا في احتفال بسيط بمناسبة جوازوا على زهرة هانم .

- زهرة هانم !

همست بها غادة بامتعاض لوالدتها التي نكزتها بحذر وهي تتابع جدال رقية لعدم الذهاب معهم .


- ليه بس ياحاجة القعاد؟ ماتيجي معانا دي كل حاجة مترتبة والله وانتِ بالذات عاملين حسابك .

هتف بها جاسر نحو رقية التي ردت بابتسامة :

- متشكرين يابني كتر خيرك ، اصلي انا لا برتاح في الخروج ولا الفسح ، اخرجوا انتوا وافرحوا وانبسطوا متاخدونيش حجتكم .

خاطبها خالد بجوار خطيبته :

- ايه يارقية؟ ماتيجي معانا وخلاص في المكان اللي احنا مش عارفينه ده، مش يمكن يطلع حاجة حلوة وتنبسطي فيها .

- ياخويا انا مبسوطة وعال العال ، اطلع انت مع خطيبتك اللي لازقلها من أول مارجعت ياواد .

قالت رقية بمشاكسة كعادتها اثارت غيظ خالد الذي ضيق لها عيناه مع ضحكات الجميع حولهم وشهقة من نوال التي غطت فمها بكفها ، حتى زهرة التي ظهر عليها الأرتياح وهي تضحك بمرح أسعدت قلب مُحبها الذي لا يمل من اختلاس النظر نحوها بجواره ، 

تدخلت علية قائلة بصوتها الحنون:

- خلاص ياجماعة اخرجوا انتوا وانا هاقعد معاها، دي حتى زي العسل وقعدتها ما ينشبعش منها .

- تسلمي ياأميرة يابنت الأمرا ، تعالي اقعدي جمبي نكمل حكاوينا من تاني ، احنا كنا بنقول ايه؟

هتفت بها رقية نحو المرأة وجاسر والجميع يتحرك للخروج، رد خالد قبل أن يذهب مع عروسه :

- مافيش فايدة فيكِ يارقية ، هتفضلي طول عمرك تفضحي ابنك في كل الأماكن من غير مايهمك مشاعره ولا إحساسه

هتفت ترد:

- طب جر عجلك طيب بدل ما احكي للست الطيبة دي على مصايبك وانت صغير وافضحك بجد.

- لا وعلى ايه بس الطيب احسن.

أردف بها خالد متحمحمًا بحرج من السيدة التي كانت تقهقه بصوت مكتوم، وهو يعدل ياقة قميصه ويستدير لليتبع الاَخرين في الخروج ومعه خطيبته ، فهتف موليا لها ظهره :

- سلام يارورو.

.............................


في مكان اَخر 

بداخل الملهى الليلي، الذي أتت اليه مرفت مع بعض صديقاتها ، وهي تبحث بعيناها عنها على الطاولات وفي الوجوه المارة حولها ، حتى وجدتها بساحة الرقص ، ترقص مع أحد الشباب الأغراب باندماج ، لفت رواد المحل حولها ، تأففت الأخرى بمشاهدتها ، لتجلس على أحد الطاولات في انتظارها والذي طال لقرابة الساعة حتى انتبهت اليها مريهان وذهبت اليها لاهثة تردد:

- هاي ياقلبي، انتِ جيتي هنا من أمتى ؟

نفثت الأخرى دخان سيجارتها قبل أن تجيبها بضيق :

- انا هنا من زمان ياحبيبتي، انتِ اللي مش فاضيالي.

القت مريهان ابتسامة نحو الشاب الذي اشار اليها من مسافة قريبة ، قبل ان ترد على صديقتها بعدم انتباه:

- مش فاضيالك ليه بس يابنتِ ؟ ما انا جيتلك على طول اول أما شوفتك اهو .

غضبت الأخرى من طريقتها فجذبتها بعنف كي تجلس على الكرسي المقابل لها :

- ماتقعدي بقى خايلتيني، هو صاحبنا ده ما استكفاش برقصك معاه بالساعتين ، عمال يشاغلك حتى هنا وانتِ زي العبيطة مندمجة معاه .

التفت اليها ميري قائلة بنزق :

- الله يا مرفت ، دا انتِ الشغل مع جاسر طبع عليكِ وخلاكِ مملة زيه ، ياباي عليكِ

هتفت مرفت تشير نحو نفسها بسبابتها :

- - انا بقيت مملة ياميري ، عشان بنصحك وعايزة أوعيكِ لمصلحلتك، يابنتِ ماينفعش تخلي أي حد ياخد عليكِ بسرعة كدة، راعي وضعك ياحبيبتي وشوفي انتِ بنت مين ومرات مين .

- اووف انتِ كمان لازم تفكريني .

تفوهت بها قبل أن تتابع وهي تعود بأنظارها نحو الشاب الذي راقصها منذ قليل :

- طب بزمتك، واحدة في وضعي كدة زي مابتقولي انتِ وهاجرها جوزها ، تفتكري والنبي لما تشوف حاجة حلوة كدة قدامها ، وفي عز احتياجها ، مش برضوا الخيانة تبقى حلال ليها .

نكزتها مرفت بطرف كفها وهي تهتف بغيظ :

- تخوني ايه يازفتة انتِ ؟ هي ناقصة عك أكتر ماهي معكوكة، بصيلي كدة وانتبهي ماينفعش التسيب ده وشوفي جوزك بيعمل ايه؟.

استدارت لها قائلة من تحت أسنانها :

- مايعمل اللي يعمله بقى انا مالي؟ اذا كان حتى البيت اللي كان جامعنا زي المطار ، سابوا هو كمان ومابقتش عارفة انا بقى ساكن فين.

ارتدت الأخرى بظهرها للخلف قائلة بتفكير :

- يااااه ، حتى الحاجة الوحيدة اللي كانت بتجمعكم راحت كمان، مش عارفة ليه ياميري ، قلبي حاسس كدة ان في حاجة مش مظبوطة .

ضحكت الأخرى ساخرة تسألها :

- حاجة واحدة بس اللي مش مظبوطة ، يابنتِ الوضع كله مش مظبوط .

زفرت مرفت هاتفة :

- يابنتِ افهمي بقى ، انا بتكلم بناءًا على حاجة شوفتها بنفسي ، جوزك من كام يوم كان عامل خناقة لرب السما مع موظف حاول يتقرب من موظفة زميلته أو يتحرش بيها ، مش عارفة ، المهم ان الشركة كلها اتلمت عليهم .

- يتخانق عشان موظفة؟

تساءلت ميري بدهشة ، أجابتها الأخرى :

- شوفتي بقى ياستي، اهي الموظفة دي بقى تبقى سكرتيرته ، ومعرفش كدة حاساه بيعاملها معاملة خاصة ولا ايه ، مش عارفة ، بس انا ابتديت اقلق .

صمتت ميري قليلًا قبل أن تسألها :

- تفتكري يعني تكون في علاقة مابينهم ؟ طب هي السكرتيرة دي شكلها ايه بالظبط ؟ حلوة كدة وجامدة ، ما انا عارفاه ماتعجبوش أي واحدة وخلاص .

مطت مرفت بشفتيها :

- يابنتي والله مااعرف ، بس هي البنت حلوة بصراحة رغم انها مابتحطش مكياج نهائي ، دا غير انها محجبة بقى ولبسها واسع بزيادة ، يعني حاجة غريبة كدة ملهاش تفسير ، فاهماني .

صمت قليلًا ميري ترتشف من المشروب الذي أمامها قبل ان تتوجه لمرفت قائلة :

- طب انا عايزة اشوف البنت دي، عندك صورة ليها ؟

نفثت مرفت من سيجارته قبل أن ترد عليها بهدوء :

- معايش ، بس لو عايزة اصورهالك .

....................................


على سطح المركب النيلي كان الاحتفال الذي أعده لها ، وقد خصص لهم فقط مع الفرقة الموسيقة التي كانت تعزف وفرق النوادل لخدمتهم، محروس وزوجته وبناته على طاولة وحدهم ، كاد أن يفضحهم بفرط فرحته ، أو كلما تناول شيئًا جديدًا من ألأصناف التي كانت تقدم أمامه على الطاولة ، لولا نصائح الفتيات الصغيرات له ، وتذكيرهم الدائم له ، بأنه والد العروس فيعود لرشده وغضبه بعد أن ذهبت عنه وكالة العروس على اَخر لحظة ، وحل محله هذا المدعو خالد . 

في الطاولة الاخرى جلست كاميليا مع غادة ووالدتها ، تنظر اليهم بتحدي وثقة، غير عابئة بنظرات إحسان لها ، ومشاعرها التي تغيرت ناحية غادة ، بعدما سمعت بما فعلته وأخبرت به عماد .

كانت الموسيقى تعلو وتشدوا بالأنغام الجميلة وخالد على طاولته مع خطيبته وعيناه تتنقل كل دقيقة نحو ابنة قلبه ، فيناغشها بعيناه ، ليثير غضب الاَخر.

- ما كفاية بقى يازهرة، بصيلي بقى وخلي عندك دم شوية .

هتف بها جاسر بغيظ نحوها فجعلها تحدق به فترفرف برموشها الصناعية غير مستوعبة الجملة التي صدرت منه :

- انا اخلي انا عندي دم ياجاسر؟

اقترب برأسها يرد بعتب:

- طب وعايزاني اقولك طيب وانا شايفك مش مركزة معايا خالص واكنك عايزة تقومي من جمبي وتروحي تقعدي مع خالك دا اللي سايب خطيبته وعمال يعاكسك عشان يغيظني .

- يغيظك ! طب ليه ؟

تفوهت بها ضاحكة بعدم تصديق ، اثارت السعادة به  ليقول لها :

- معرفش بقى روحي اسأليه ، باينه كدة مضايق اني اخدتك منه، طب يعني مش يخليه في حاله هو مع عروسته ويسيبنا احنا الغلابة نفرح ببعض .

اندمجت في الحديث معه وقد استرعى اهتمامها ، فردت بابتسامتها التي تسلب لب قلبه :

- طب خلاص ياسيدي اديني انتبهتلك ومش هابص على خالي تاني عايز تقول ايه بقى ؟

رد بابتسامة متوسعة على وجهه:

- اقولك ياستي، بس في الأول بقى انا كنت عايز اسألك ، عجبتك السهرة .

أجابته بابتسامتها الجميلة :

- عجبتني ، بس بصراحة أجمل مافيها هي اني وسط عيلتي ، عشان من غيرهم لا يمكن كنت هاحس بطعم أي حاجة حلوة.

تناول كفها ويقبلها للمرة الألف غير عابئ بخجلها ولا اعتراضها .

وعلى طاولة خالد الذي كان يتأملها صامتًا ، سألته نوال :

- إيه بقى ياعم ؟ مش تفتكرني كدة ولا انت ماصدقت تشوف حبيبتك عشان تنساني .

تنهد خالد مطولًا قبل أن يجيبها بوجه ذهب عنه الهزل :

- قلقان عليها يانوال ، الدنيا اللي هي دخلاها على قد ماهي جميلة ومبهرة لكن في نفس الوقت كلها مشاكل وصعوبات ، موجة عالية بترفعها لفوق قوي ، خايف لمتقدرش عليها فتوقعها ولا لاسمح الله تكسرها.

نكزته بخفة بقبضتها على كفه الممدودة على الطاولة تردد :

- وتوقعها ليه ولا تكسرها كف الله الشر ياسيدي ؟ ما انت قاعد هو وبتراعيها، مش بتقول انك خلاص وافقت على عرض الراجل اللي قالك على الشغل في شركته هنا في البلد .

رد هو بتأكيد :

- ان شاء الله انا حسمت أمري وهقبل بالوظيفة، مش هاقدر ابعد تاني عنك ولا عن رقية ولا هاقدر اسيبها هي تواجه الموج ده لوحدها .

قالت نوال :

- حلو أوي ، بس على فكرة بقى ، جاسر بيحبها وباين في عيونه اللي فضحاه، انا شايفة انه يقدر يسعدها كمان، ماهو كان لازم يجي اليوم ده ياحبيبي ، وزهرة مش هاتفضل العمر كله بنوتك الرقيقة ، اللي بتخاف عليها من الهوا الطاير.

كشر بوجهه لها بطرقة فكاهية اثارت ابتسامتها كالعادة قبل أن ينهض فجأة قائلًا :

- بقولك ايه ؟ انا قايم اغير واشوف الناس اللي بتعزف عالفاضي دي ايه عندهم ايه تاني شعبي ، عشان انا حاسس نفسي هنا بالشكل دة .

ضحكت نوال وهي تراقبه يذهب نحو الفرقة الموسيقة والذي تحدث معهم قليلًا قبل أن تعزف الفرقة ألحانها الشعبية ارضاءًا له ، ليقوم بالرقص عليها لافتًا أنظار الجميع حوله ، حتى زهرة التي اندمجت قليلًا في حديثها مع جاسر ، عادت بأنظارها لتجده ينظر نحوها غامزًا وهو يميل يمينًا ويسارًا ويلوح بيداه في الهواء ، جعلها تضحك من قلبها والاَخر يراقبها ويضرب بقبصته 

على سطح الطاولة، منتظر انتهاء هذا العرض الذي اشترك به صديقه طارق أيضًا بجنون رقصاته هو أيضًا، ليتبعه محروس والفتيات أشقاءها الصغار ليشاركن خالد الذي جاملهم قليلًا ثم ذهب إلى زهرة يسحبها وهي تعترض بضحك مرددة :

- معرفش ياخالي انت عارفني .

وهو مستمر بسحبها غير عابئ لجاسر الذي يتاَكل من الغيظ يحاول بصعوبة كبح شيطانه ، حتى وضعها في الوسط لتتمايل معه بخفة ، وهو يديرها بين يديه وشيققاتها يلتففن حولها بخفة بفرحة أسعدتها بينهم ، لتنضم اليهم غادة تشاركهم ، أما كاميليا فكانت تتابع صامتة بعد أن وقفت بزاوية وحدها ،  حتى وجدت من يشاركها .

- مابترقصيش ليه معاهم ؟

- قول لنفسك ما انت كمان مابترقصش .

ابتسم على قولها يرد :

- انا بصراحة ماتعودتش ارقص .

- وانا بقى مابعرفش ارقص .

ازداد اتساع ابتسامته على ردودها الفورية ، فقال :

- بس انا اللي اعرفه بقى ، ان مافيش بنت في مصر ما بتعرفش ترقص .

قالت هي بتأكيد :

- لأ ياسيدي خديها مني قاعدة ، في بنات كتير في مصر مابتعرفش ترقص وانا منهم .

استند بظهره على السياج الحديدي يسألها :

- طب ليه بقى ؟ انتِ مابتحبيش ولا انتِ من هواة الرقص الغربي .

ارتفع حاجبيها وأخفضتهم فجأة فقالت باندهاش :

- الرقص الغربي ! ايه ياعم كارم ؟ هو انت فاكرني قريبة جاسر بيه، دا انا تربية الحارة ياعم ، يعني بقى اغاني شعبية ومهرجانات وهيصة بقى، بس انا برضوا مابعرفش ارقص .

- برضوا !

اردف بها ضاحكًا قبل أن ينتبه على صوت الموسيقى الذي تغير فقال مازحًا :

- إيه ده ؟ هما سمعونا ولا إيه ؟ دول جابوا موسيقى غربي فعلاً .

- اه بس دي هادية .

قالتها كاميليا وقد لفت نظرها جاسر الذي تحرك من جوار الفرقة الموسيقية ليخترق الدائرة وسط الجميع ، يحتضن زهرة المذهولة ليرقص بها رقصة رومانسية ، ضحكت من قلبها كاميليا وهي تتابع صديقتها التي كانت كالدمية بين يديه من صدمتها وهو يحركها ويميل بها ، امام انظار الجميع .

حتى وقعت عيناها على يقف في الوسط واضعًا كفيه في جيبي بنطاله يرمقها بغضب ، يبدوا انه توقف عن الرقص منذ فترة ، غمغمت داخلها من هيئته باستغراب :

- ودا ماله ده بيبصلي كدة ليه ؟

والى زهرة التي كانت لا تستوعب هذا القرب منه وجرأته في سحبها من بينهم ليلصقها بجسده ، يتمايل بها بنعومة وبيدٍ خبيرة يحركها بين يديه، ناظرًا اليها بتحدي على الأعتراض ، هي أو خالد الذي كانت خطيبته تحاول جاهدة بمزاحها لتلهيه عن مراقبتهم بتحفز .

استمرت الرقصة واستمر الحفل الصغير الجميل حتى انتهاءه ، وغادر الجميع الا خالد وخطيبته ومعهم كاميليا التي أصرت على مرافقتها  .

.............................


أمام منزلها الجديد قبلها خالد على جبينها يخاطبها بلهجة تفيض بالحب :

- وانت داخلة على دنيا جديدة خليكِ دايمًا حاطة في بالك اني في ضهرك ومش هاسيبك أبدًا ، وافتكري اتفاقي معاكي من زمان ، انك مهما غلطتي برضوا تيجي وتقوليلي، وانا هاصلح دا لو حصل يعني .

قال الاَخيرة بمرح جعلها تبتسم قائلة بارتياح :

- انا من أول ما شوفتك ياخالي وانا اطمنت، ما انتِ ضهري وسندي طول عمرك ، ربنا يخليك ليا يارب .

قبلها على جبينها مرة أخرى قبل أن يتركها لتسلم على جدتها التي كانت تنتظر في السيارة :

- يعني برضوا عملتي اللي في دماغك يارقية وماشية ، ماهنش عليكِ تباتي حتى الليلة .

انطلقت ضحكة مرحة من رقية وهي تجذبها نحوها لتقبلها من وجنتيها قائلة :

- ابات معاكي فين ياموكوسة؟! يابنت هو انتِ.....

قطعت جملتها لتقربها أكثر تهمس بأذنها بعض الكلمات التي جعلت زهرة وجهها يتغير ...... فاستقامت عنها ترد بعبوس :

- ايه اللي انتِ بتقوليه دا بس ياستي ؟ 

قهقهت رقية بضحكتها الرنانة فقال خالد الذي انضم معهم بالسيارة في الكرسي الأمامي قائلًا :

- بتضحكي على إيه يارقية وخليت البت وشها يتقلب؟ يارب مايكون اللي في بالي .

- انت كمان ياخالي .

تفوهت بها زهرة وهي تستقيم بظهرها فاختل توازنها قليلًا ، لتجد يدٍ ناعمة تسندها من الخلف تخاطبها:

- حاسبي لا توقعي على السلم ورواكي .

استدارت اليها زهرة تقبلها وتحتضنها مرددة :

- الف شكر ليكِ ياكاميليا بجد.

- بتشكريني على إيه ياعبيطة دا انتِ أختي ، ياللا بقى سلام وروحي بقى لعريسك دا اللي مستنيكِ على نار .

قالت الاخيرة بإشارة إلى جاسر المنتظر بالقرب منهم ، يدعي التحدث مع رجاله وهو لا يطيق صبرًا .

نظرت اليه زهرة لتفاجأة بأنظاره المرتكزة نحوها ، التفت مرتبكة لتقترب مرة أخرى من سيارة جدتها وخالها تقول :

- طب انا هاسلم على ستي مرة أخيرة...

- لا تسلمي ولا تزفتي تاني ، امش يابت .

اردفت بها كاميليا وهي تدفعها بخفة للخلف ضاحكة قبل أن تنضم بداخل السيارة مع خالد وخطيبته ورقية ، وتتحرك بهم من أمامها .

رفعت كفها ملوحة حتى اختفاءها من أمامها ، لتلتف بعد ذلك وتجده أمامها يومى لها رأسه بابتسامة متسلية قائلًا :

- تحبي نجري ونحصلهم؟

اطرقت برأسها بابتسامة مستترة قبل أن يتناول كفها ليتحرك بها نحو المنزل

.....................


وفي الداخل وبعد أن أوصلها لغرفتها بالطابق الثاني ، هبط مرة أخرى لوداع عمته التي أسرت على الذهاب أيضًا :

- مش كنتِ قعدتي ليلتك معانا النهاردة معانا ياعمتي .

ردت علية بابتسامة ودودة :

- أبات فين ياجاسر ؟ انت عايزني ابقى عزول يابني، ياحبيبي ربنا يهنيك .

ردد بابتسامة واسعة :

- ربنا يخليكِ ياحبيبتي ويبارك فيك ، بس برضوا انا كنت عايزك تباتي ولا تقعدي يومين حتى ، البيت واسع وانا مصدقت اشوفك، بعد غياب،شهور .

صدحت ضحكة منها قبل أن ترد :

- ومين السبب بقى في الغياب؟ مش انت اللي مشغول دايمًا بشغلك ، انا ياحبيبي قاعدة في بيتي دايمًا ، بعد ما جوزت البنت والولد، انت بقى لو عندك أصل هات العروسة وتعالى زورني .

أومأ برأسه قائلًا :

- أن شاء الله ياعمتي ، هايحصل أكيد .

ابتسمت له ببشاشة وهمت أن تتحرك ولكنها توقفت فجأة تقول :

- جاسر ، مش هاوصيك ياحبيبي على عروستك الجديدة ، البنت باينها طيبة أوي وحساسة ، عكس اللي..... انت عارف بقى ؟

رد بضحكة مجلجلة :

- عارف والله ياعمتي عارف ، يارتني بس كنت سمعت نصيحتك زمان قبل ما اتورط ...

- كل حاجة نصيب ياحبيبي وربنا يبارك في اللي جاي اسيبك بقى .

قالت الاَخيرة وهي تقبله على وجنتيه مودعة قبل أن تنصرف مغادرة .

..............................

صعد مهرولًا الدرج لينضم الى عروسه ، بعد أن غاب عنها قرابة النصف ساعة ، لانشغاله بتوديع عمته ومكالمة لأحد الشركاء استغرقت وقتًا قبل أن ينهيها مع الرجل على مضص، ليصعد الى الطابق الثاني اَخيرًا ، يخطو نحو غرفته في هذا البهو الفسيح بخطواتِ سريعة ، توقفت فجأة وتسمرت خلفها أقدامه،  وقد وقعت عيناه عليها بكامل جمالها ، واقفة بمنتصف الصالة تتلاعب بالهاتف غير منتبهة ، وقد خلعت عنها حجابها ، وظهرت معه رقبتها وجزء في ألاعلى من فتحة الفستان الذي انتقاه بنفسه ، متوقعًا أن يناسبها وقد فاقت بجمالها كل توقعاته ، شعرها الحريري؛ انساب بنعومته كالشلال بلونه الأسود ليصل ألى اخر ظهرها،  في مشهد بديع سرق أنفاسه وعقد لسانه ، قبل أن ينطق اَخيرًا :

- بتعملي إيه؟

أجفلت رافعة له رأسها تجيبه :

- ولا حاجة يعني ، اصل بصراحة كنت هاتصل بخالي بس اتكسفت فقولت اقلب شوية في النت....

قطعت جملتها وقد وصل اليها بهيبته ليقف أمامها وكفيه حطت على جانبي رأسها ، تتغلغل أنامله في الخصلات الطويلة ، قبل أن تتركهم ويُحاوط وجهها ليرفعه اليها وأصابعه تتلمس نعومة وجنتيها مرددًا:

- من أول مرة شوفتك فيها وانا نظريتي مخيبتش ، كنت عارف انك ملكة جمال مخبية جمالها عن الجميع ،  انوثة طاغية وباللبس الواسع بتحفظيها وتحفظي نفسك عن كل العيون، ان كانت غريبة أو قريبة حتى، انت رزقي الحقيقي يازهرة ، وانا الراجل المحظوظ بيكِ.

مزبهلة ، عيناها تنظر اليه ولا تجد من الكلمات ماترد بها على كلماته ، شعر هو بذلك فقال مداعبًا بابتسامة جانبية :

-  كنتِ عايزة تتصلي بخالك دلوقتِ يازهرة ؟

- هممم

صدرت منها بتشتت ، قبل أن تردد بارتباك :

- لاااا مما انا ماتصلتش خلا......

قطعت جملتها هذه المرة مجبرة وقد حطت شفتيه على شفتيها ، يفصل عنها الكلام ويفصلها عن العالم أجمع ، وقد ألصقها به بحميمية أجفلتها ، ترتعش من المفاجأة فتزيد رغبته بها، ويزيد من ضمها إليه، ليُذيب مقاومتها ويُذهب عنها ارتجافها ، حينما فصل قبلته عنها اًخيرًا أطرقت برأسها عنه تلتقط انفاسها مخفضة عيناها عنه ، وهو ينظر لها من طرف أجفانه وانفاسه الحادة تلفح وجهها الذي اللتهب بالحمرة ، جذبها من خلف رأسها ليرفع وجهها اليه وعيناها تلتقي بعيناه ، فقال بصوت متحشرج :

- ارفعي راسك وعينك تبقى في عيوني دايمًا ، انتِ مراتي ، مرات جاسر الريان ، فاهمة ولا لأ ؟

اومأت برأسها بطاعة صامتة وهو ينظر اليها ، قبل أن يرفعها من أسفل ركبتيها ، يحملها بين يديه صامتًا هو الاَخر ، ويذهب بها الى غرفتهم .

الفصل الثاني والعشرون


على كرسي والدته جلس بالشرفة كما كانت تجلس هي سابقًا، رغم برودة الجو في هذه الساعة المتأخرة من الليل ، يشعل سيجارته وينفث دخانها في هذه الظلمة والسكون الذي عم المنطقة بعد نوم معظم سكانها ، أما هو فقد جافى عينيه رغم محاولاته الكثيرة ورغم التعب الجسدي الذي أصابه من السفر والإنتقال ، لقد افتقدها منذ الاَن رغم سفره عنها وتغربه عن الوطن منذ شهور ، لكن عدم وجودها بالمنزل لهو من أصعب الأشياء التي مرت عليه، وقد كانت تشغل جزء كبير من عمره، كلما مر على ركنٍ في المنزل تذكرها به وتذكر مشاكساته لها ، وضحكاتها التي كانت تنطلق بحرية معه وحده دون قيود او خجل ، تذكر ضعفها وهشاشتها بعد وفاة والدتها والصدمة التي الجمت لسانها عن النطق وقد شهدت احتضار والدتها وهي تضمها بين ذراعيها ، محاولاته المستميتة بعد ذلك معها لتعود للنطق مرة أخرى وممارسة الحياة الطبيعية لها كطفلة مثل باقي الأطفال ، اول يوم لها في الدراسة ثم الجلسات الطويلة التي كان يقضيها معها في استذكار دروسها ، سنوات طفولتها ثم مراهقتها وهي تكبر أمام عيناه وتنشأ تحت ظله ورعايته حتى أصبحت زهرته الجميلة التي كان يفتخر بتربيته لها ، قبل أن يأتي هذا الجاسر بكل سهولة ويقتطفها .

- انت لسة صاحي ومانمتش ؟

وصلت لأسماعه من رقية التي أصرت على المبيت اليوم بالصالة ويبدوا انها شعرت بخطواته أو ربما هي الأخرى كانت مستيقظة ، رد هو من مكانه:

- نامي انتِ يامّا ومايهمكيش ، انا هاشرب السيجارة وبعدها ادخل انام .

- ياواد بدل الخايلة الكدابة دي ، تعالى ارغي معايا وونسني على مايجي النوم اللى رايح منك ده.

هتفت بها رقية من مكانها ، فاستجاب هو ناهضًا ليذهب عندها ويجلس على الكرسي المقابل لها مرددًا 

- أديني جيت يارقية عشان تبطلي زن، ها ياستي، عندك ايه رغي بقى عشان نسلي بعض على ما الفجر يدن او يطل على علينا النوم اللي مفارقنا ده ؟

اجابته رقية بابتسامة جانبية:.

- اه بس انا النوم ما فارقش ياعنيا ، انا صحيت على حركتك وصوت رجليك ياغالي ، ايه اللي قاقلك بقى ومطير النوم منك وانت راجل راجع تعبان من السفر ؟

تأملها وهو يدخن بسيجارته صامتًا فاستطردت هي:

- انت قلقان على زهرة صح ؟ بس يعني ياحبيبي هي كانت هاتقعد العمر كله جمبك ، ما كل بنت اَخرتها الجواز يابني..

ضيق عيناه خالد قليلًا  قبل أن يرد:

- عارف يامّا كل بنت أخرتها الجواز ، لكن اعمل ايه انا بقى؟ قلقان عليها وهي بعيد عني ، هاتقوليلي ما انت سيبتها وسافرت ، هاقولك كنت مطمن عليها معاكي عشان انتِ فاهماها زيي ، زهرة طول الوقت عايزة اللي يطبطب عليها وياخد باله منها عشان مابتتكلمش ولا بتبوح باللي جواها ، وانا بقى معرفش ان كان اللي اتجوزته دا هايبقى كويس معاها ولا يجي عليها .

ردت رقية بقلق :

- كف الله الشر يابني ، ليه بس بتقول كدة ؟ احنا ليه نقدم الوحشة ؟ والراجل ما شوفناش منه غير كل خير .

زفر خالد دخان سيجارته الكثيف قائلًا :

- بس مش مننا يامّا ، إحنا ناس غلابة ودا راجل واصل ، يعني لو حصل حاجة لقدر الله ، مش هانعرف نجيب منه حق ولا باطل، بس وربنا ؛ لو حصل للبت أي حاجة منه ، لكون واخد روحه وان شالله حتى اروح فيها .

هتفت رقية بتفكه رغم غضبها:

- يخرررب بيتك ، هو انت خلاص قدرت البلا قبل وقوعه ، واحنا يدوب مدخلين البنت النهاردة ، في إيه ياواد ؟ ماتهدي شوية براسك الكبيرة دي وسيب حمولها على الله .

- ونعم بالله .

تمتم به مبتسمًا وقد أخرجته رقية بخفة ظلها من دوامة التفكير.، واستطرد :

- ماشي يامّا هاسيبها على الله ، وخليني افكر بأسلوب ايجابي شوية يعني مثلًا، اهي البنت هاتعيش عيشة حلوة في عز جوزها، احسن بكتير من هنا برضوا ، دا كفاية الطقم الغالي ده اللي لبسهولها .

ردت رقية بابتسامة:

- انت هاتقولي ، دا إحسان وبنتها كانت عنيهم هاتبوظ منهم وهما بيبصوا عليه.

- ربنا يهديهم بقى.

غمغم بها خالد بشرود قبل أن يعود لوالدته قائلًا :

- من ضمن الإيجابيات كمان، أكيد الناس الغنية دي الكهربا مابتقطهش عندهم ؟

- أكيد ياحبيبي أكيد .

رددت بها رقية لابنها القلق وكأنها تخاطب نفسها وتطمئنها ، وقد ذكرها خالد بالعقدة الأزلية لحفيدتها 

...........................


أخرجت من حقيبة الملابس التي أتت بها منامة قطنية ناعمة لترتديها ، بعد أن احتارت في البحث في صف الملابس العارية والتي ملأ بها الخزانة وانتقاها بنفسه لها ، ارتدتها سريعًا وعيناها مرتكزة على باب الحمام المرفق بالغرفة أو على الأصح الجناح الملكي ، جلست على التخت لتمسح بكفيها على شعرها ووجنتيها بتوتر ، تتدراك نفسها بعد أن استفاقت من الدوامة التي لفها بداخلها معه ، مازالت لا تستوعب حتى الاَن ما حدث منذ قليل، عواطفه الجامحة نحوها، رقته الشديدة في مهادنة عذريتها ، كلمات الغزل التي كان يلقيها على مسامعها ، فيمحو مقاومتها بسحر صوته الأجش فيأخذها لعالمه الجديد عليها ، عالم جاسر الريان ، عالمه وحده ، يقولها كل دقيقة وكأنه يذكر نفسه أو أنه يستمتع بوقع الجملة ، أنتِ زوجتي أنت زوجتي .

انتبهت على توقف صوت المياه بالحمام ، فزحفت للخلف سريعًا لتغطس تحت الفراش لتبدوا وكأنها نائمة .

بعد دقائق خرج هو من حمامه مرتديًا بنطال بيتي مريح وعليه فانلة سوداء محكمة على جسده العضلي ، كان ينشف بالمنشفة الصغيرة شعر رأسه حينما وقعت عيناه عليها على الفراش ، معطية له ظهرها ، ضيق عيناه قليلًا ليتحقق مما يرى جيدًا ، حتى جلس على طرف السرير ومال يتلمس المنامة القطنية التي ترتديها فهتف ضاحكًا :

- ههههه انتِ لابسة بيجامة بكم يازهرة هههههه ، زهرة يازهرة.

حينما لم ترد اقترب أكثر يميل عليها ويردد باسمها :

- زهرة يازهرة ، انتِ نمتي ؟

سأل قاطبًا حاجبيه وهو ينظر لها جيدًا مدعية النوم ، مغمضة عيناها بشكل كشف إدعائها ، ابتسم بمرح وقد علم بكذبها .

- كدة من أول يوم ماشي .

تمتم بها قبل أن يرتد بجسده ليسلتقي على التخت خلفها ويتركها ، صبرت قليلًا هي ثم فتحت عيناها لتفاجأ بالظلام الدامس ، فتحت واغلقت بأجفانها عدة مرات حتى سقط قلبها من الخوف فخرج صوتها بارتجاف:

- لو سمحت ممكن تولع النور .

ضحك بتسلية من خلفها قائلًا :

- ايه ده هو انتِ صاحية ؟ مش برضوا كنتِ نايمة من شوية ؟.

- ولع النور ياجاسر انا بجد بخاف من الضلمة .

رد باسترخاء وذراعيه التفت تحت رأسه على الوسادة :

- لا بصراحة انا ماقدرش انام غير في الضلمة 

يتحدث بتسلية ولا يعلم بما يحدث لها التفت اليه بجسدها إليه وهي بالكاد تتحقق منه لتقول بهلع:

- ياجاسر ولع النور انا بخاف من الضلمة بجد .

على الفور التقطتها ذراعيه ليجذبها لأحضانه مرددًا بمرح:

- يعني كان لازم اطفي النور عشان تبطلي تمثيل .

شعر بارتجافها فقال ضاحكًا :

- إيه يابنتي لدرجادي بتخافي من الضلمة ؟ هو انتِ عيلة صغيرة يازهرة .

صمتت عن الرد مستسلمة لدفئه تغمض عيناها بقوة حتى تغفى ، ردد بتفكه :

- لا بسالي ببجامة بكم يازهرة ودي جيبتيها منين أساسًا؟

ردت بصوتِ يغلب عليه النعاس .

- خلاص والنبي ياجاسر عايزة انام .

قبلها هو أعلى رأسها مرددًا بحنان وقد أسكرته رأئحتها المسكية .

- ماشي ياقطتي ، نامي انتِ وتصبحي على.

.........................


في اليوم التالي .

دلفت إحسان لغرفة ابنتها كي توقظها كالعادة في هذا الوقت المبكر من اليوم، فوجدتها جالسة أمامها مربعة أقدامها على التخت .

- ياختي ياحلاوة ، أول مرة تصحي لوحدك ومتطلعيش عيني في صحيانك .

اردفت بها آحسان وهي تقترب نحوها ، ردت غادة :

- ليه هو انا نمت اساسًا عشان اصحى .

جلست إحسان على كرسي التسريحة أمامها فسألتها:

- وايه بقى ياحلوة اللي طير النوم من عينك .

هتفت غادة حانقة:

- حظي يامّا، حظي اللي مش راضي يتعدل نهائي، ولا انتِ لحقتي تنسي ليلة امبارح ؟

ردت آحسان:

-  لا ياختي ملحقتش انسى، بس يعني هاقعد اهري وانكت فى نفسي بقى عشان اطق ولا تجيني مصيبة هو انا ناقصة .

صاحت غادة على والدتها:

- طبعًا مش ناقصة، ما انتِ مش هامك حاجة ياماما، بنتك هي اللي تتطق وتموت من القهرة ، الكل بيعلى حواليها وهي قاعدة بتبص كدة بعنيها وتتحسر .

ضربت إحسان بكفيها على ركبيتها صائحة:

- يابت الهبلة وانا اعملك ايه بس ؟ ما انتِ بنفسك اللي قولتي نصيبك.

- نصيبي!

تفوهت بها وهي تجز على اسنانها متابعة :

- طب يعني انا ايه اللي ناقصني عشان مابقاش زي المحروسة اللي اتجوزت جاسر الريان ، ولا كاميليا دي كمان اللي انتِ بتقولي عليها عنست ، الاتنين كانوا بيلفوا حواليها امبارح ، كارم اللي طول الوقت عامل زي السيف مع الكل عندها هي ، الضحكة بتبقى من الودن للودن ولا طارق، صاحب جاسر الريان اللي أول ما شافني امبارح عينوا كانت هاتطلع عليا ، لكن بمجرد بس ماخرجت له الأستاذة كاميليا؛ فضل متابعها وعينه مانزلتش عليها طول السهرة ، ولا اكنها عملاله عمل حتى، في إيه بالظبط ؟ هو انا وحشة ولا قليلة عشان لا اَخد حظ دي ولا حتى نص حظ التانية السهونة دي اللي عملالي فيها البريئة وهي قدرت تلف الراجل في أقل من شهر .

صمتت وتهدجت أنفاسها وهي تنظر نحو والدتها التي مصمصت بشفتيها لها تردد بضيق :

- والنبي ماعارفة اقولك ايه ؟ احترت واحتار دليلي معاكي بعد ما كنت حاطة أمل انك ترفعينا معاكي بجوازة عليوي ، لكن نعمل إيه بقى ؟ كل حاجة نصيب.

هتفت غادة ترد وعيناها تبرق بتصميم :

- لأ يامّا مش نصيب لا دا حظ، وانا بقى لازم اَخد حظي من الدنيا ، ان شالله حتى بالعافية 

..................................


مستندًا بمرفقه على الوسادة بجوارها بعد أن استيقظ باكرًا وسحره المشهد، أميرة أحلامه اَخيرًا بين يديه وشعرها الحريري غطا بكثافته الوسادة تحت راسها ، نائمة لا تشعر بشئ ، ولا بقلب مُحبها الذي يتحرق شوقًا لاستيقاظها وبنفس الوقت يستمتع بتأمله لها ، من وقت أن استيقظ باكرًا كعادته فوجدها بين يديه وهو لا يصدق أنه حصل اَخيرًا عليها ، جميلة بكل مافيها، قلبًا نقيًا وروحًا صادقة و جمال صورتها يطغى على كل شئ، يشعر بأنه في حلم ولا يتمنى الإستيقاظ منه، لقد تضخم قلبه بالسعادة حتى أصبح يخشى عليه من التوقف ، تنهد بعمق وقد تذكر مرور الوقت فنهض مجبرًا أقدامه ليفتح ستائر النوافذ الكبيرة ويخترق ضوء الشمس الذهبي الغرفة حتى غطى الوسادة النائمة عليها ، انتقل سريعًا ليتكئ بجسده بجوارها ويعود لوضعه السابق في مراقبتها وقد بدا دفء الشمس وقوتها أتى بمفعوله على ملامح وجهها التي كانت تنكمش وتنفرد بتأثر، راقبها بتفحص وهي ترفرف بأهدابها تحاول الإستيقاظ وقد اخترق الضوء القوي أجفانها، أبصرت عيناها سقف الغرفة الغريبة عنها فتحركت مقلتيها قليلًا حتى طالعته أمامها فارتدت غريزيًا للخلف بفزع ، ضحك بصوت مجلجل وهو يقربها منه بذراعيه ويردد بصوت عالي:

- جوزك والله جوزك ههههه .

هدنت حركتها وقد بدا انها بدأت تتذكر ، أغمضت عيناها بحرج وهي تراه يقهقه بضحكاته في مشهد غريب عنها ككل شئ حولها ، حينما توقف اَخيرًا قال لها :

- ايه افتكرتيني ولا تحبي اجيبلك اثبات؟

ردت بحرج :

- خلاص بقى ياجاسر .

قال بابتسامة متلاعبة:

- ياروح جاسر انتِ، ياللي سيباني من الصبح جمبك ، اعد الثواني والدقايق عشان تصحي، صباح الفل.

قال الاَخيرة وهو يدني بوجهه منها ليقبلها ، فاجئته برفع الشرشف فجأة حتى غطت نصف وجهها الأسفل، قطب حاجبيه باستفسار ، فقالت هي بارتباك :

- عايزة اقوم .

- نعم ؟

تفوه بها بعدم فهم فغمغمت بكلمات غير مترابطة :

- بقولك عايزة اقوم ، انا كدة متعودة اول مااصحى لازم على طول اقوم واغسل وشي .

رد بابتسامة مستترة وتسلية:

- معقول دا بجد ؟! يعني انتِ لازم اول اما تقومي تغسلي وشك ؟

أومأت برأسها بصمت ، فتابع بمرح :

- طب ماتقومي مستنية ايه ؟

تفوه بها ليفاجأ بدفعه للخلف لتنهض سريعًا من أمامه، انطلقت ضحكاته مرة أخرى وهو يتابعها تهرول ناحية الحمام مرتبكة ، فهتف بصوت عالي :

- طب ماتتأخريش بقى في غسيل وشك عشان انا وانتِ ورانا سفر .

استدارت اليه تسأله :

- سفر ايه ؟

اعتدل بجذعه جالسًا ليتناول الهاتف قبل أن يجيبها :

- انتِ ناسية اننا في شهر العسل، ياللا بقى جهزي نفسك على مااخلص شوية مكالمات مهمة للشغل . 

ترددت في السير وبداخلها تود لو تثنيه عن السفر فقالت بتردد :

- طب ما نستنى يوم ولا يومين يعني .

- يوم ولا يومين إيه بس يازهرة ؟ انا مصدقت اريحلي يومين من الشغل ، هاقضيهم بقى في البيت، يالا بسرعة اجهزي انتِ احنا متأخرين أصلًا ، الوو......

تفوه بكلماته قبل أن يرد سريعًا على من يهاتفه، تنهدت هي بقنوط وهي تتابعه قبل أن تتحرك على مضض نحو الحمام وقد ألجمتها حجته عن المجادلة ، وقد كانت تتمنى أن تقضي اليوم برفقة أسرتها الصغيرة جدتها وخالها العائد من السفر 

...........................................


وعند طارق والذي تلقى المكالمة الهاتفية من صديقه ، ترك ما كان يعمل به على أحد الملفات، ورد على الفور قائلًا بمرح :

- أيوة ياكبير، انت برضوا اللي متصل بنفسك ، ياعم دا واجب علينا ......... ايوة امال ايه مش عريس وواجب علينا احنا نطمن عليك ههههههه ......... بهزر ياحبيبي ربنا يسعدك ........ اه طب ماشي طبعًا، سافر انت ولا يهمك .... عيوني ياغالي هتابع بنفسي وماتشلش انت هم اي حاجة وروق نفسك وانبسط ياسيدي........ تمام ياحبيبي .

انهى طارق المكالمة ليعود الى عمله مرة أخرى ولكنه التفت على طرقتها قبل أن تلج لداخل الغرفة وبيدها بعض الملفات ، قائلة بابتسامة مشرقة :

- صباح الخير ممكن أدخل .

- وانتِ محتاجة عزومة ادخلي طبعًا .

قال لها تاركًا ماكان يفعله مرة أخرى ، انتظر حتى جلست فقال مخاطبًا لها :

- افتكرتك مش هاتيجي النهاردة؟ 

ردت هي مستدركة :

- قصدك يعني عشان سهرة امبارح والفرح وكدة ، لا عادي انا عودت نفسي، بقوم على ميعاد محدد حتى لو سهرت للفجر.

- منظمة في كل حاجة ياكاميليا حتى في دي ؟

غمغم بها قبل أن يتابع :

- جاسر اتصل قبل ما تيجي حالًا ووصاني على شوية حاجات اعملها تبع الشغل ، اصله مسافر ياستي مع عروسته .

- اه ما انا عارفة ، قالي كارم امبارح على المكان اللي رايحينه.

قالت بعفوية ولا تدري بالنيران التي اشتعلت بقلبه فقال :

- واضح ان استاذ كارم خد عليكِ قوي .

ضيقت عيناها تسأله بتفسير: 

- قصدك ايه مش فاهمة ؟

أجابها بحدة غير قادرًا على كبح غضبه:

- قصدي ان الباشا اللي دايمًا متحفظ مع الكل ، كان قاعد امبارح معاكي براحته خالص يضحك ويهزر ويحكي كمان .

صمتت قليلًا تستوعب كلماته قبل أن ترفع عيناها قائلة بهدوء وتماسك :

- استاذ طارق، أرجو ان كلامك يكون بنية سليمة و مايكونش فيه تلميح لحاجة وحشة ، عشان بصراحة كدة انا لايمكن هاقبل بالسكوت من غير ما ارد

اربكته حدتها فقال بتراجع قليل :

- انا مش قصدي نية وحشة عنك ياكاميليا ، انا بس بقولك على اللي شايفه ، والولد ده انا مش مستريحله .

- والله تستريحله او تكرهه دي حاجة ماتخصنيش ، انا بتكلم عن نفسي، المهم دلوقت خلينا في الشغل ، عشان دا وقت شغل، مش كلام في الخصوصيات .

القت بكلماتها ثم التفتت لمجموعة الملفات التي وضعتها أمامها على سطح المكتب مستطردة امامه بعملية :

- هانبتدي بإيه بقى ؟

أجابها بيأس :

- ابتدي باللي تحبيه ياكاميليا !

...........................


والى مكان اَخر .

على تختها كانت مستلقية على وجهها وهي مازلت بملابس السهرة وحذائها في أقدامها بعد أن عادت فجرًا متأخرة كالعادة ، صدح الهاتف بجوار رأسها عدة مرات حتى استيقظت اَخيرًا لترد على مضض بصوت ناعس :

- الوو.... مين معايا ؟

وصلها الصوت الحاد :

- ايه مين معاكي دي كمان ؟ هو انتِ لساكي نايمة ياهانم ؟

فركت قليلًا على عيناها قبل ان ترد عليها :

- معلش يامرفت ، ماخدتش بالي من الأسم ، بس انتِ مش بعادة تتصلي بدري كدة .

وصلها صوت زفرة قوية عبر الاثير قبل ان تجيبها بحنق :

- اولًا احنا مش بدري خالص، احنا تقريبًا الضهر، ثانيًا بقى انا بتصل عشان اقولك على البنت اللي انتِ طلبتي صورتها امبارح .

- بنت مين ؟

تفوهت بها فااثارت غضب الأخرى التي صرخت عليها :

- البنت سكرتيرة جاسر ياميري واصحي وفوقي كدة ، عشان الهانم اتضح انها واخدة اجازة النهاردة وبنفس اليوم اللي غايب فيه جوزك عن الشغل 

اعتدلت بجذعها اَخيرًا وقد بدا انها تنتبه :

- بتقولي ايه ؟ قصدك ايه مش فاهمة .

قالت مرفت :

- بقولك الهانم غايبة بنفس اليوم اللي غايب فيه، ومعرفش بقى ان كانت دي صدفة ولا حاجة تانية !

الفصل الثالث والعشرون


على مكتبه بداخل الشركة التي تولى إدراتها خلفًا لرئيسه الغائب كان يمارس نشاطه اليومي في العمل الدئوب بكل همة وجدية كعادته حتى تفاجأ بالأتصال على هاتفه ، ضيق عينيه قليلًا وهو ينظر للرقم الغريب ، قبل أن يجيب وقد بدأ يخمن هوية المتصل من الرقم المميز :

- الوو....... مين معايا ؟

- الوو ياكارم دا أنا ولا يكونش كمان نسيت صوتي؟

استغرب قليلًا من نبرتها الحادة ثم تدارك يرد بدلوماسية كعادته :

- ازاي الكلام دا يافندم وهل يخفى القمر؟ اهلًا بيكِ ياميري هانم .

- ياأهلًا .

قالتها بعنجهية وتابعت .

- بقولك ايه انا عايزة اسألك دلوقت حالًا وتجاوبني على طول، جاسر فين ؟

أجابها على الفور بنبرة عادية وكأنها كان على استعداد تام لها :

- جاسر باشا ياهانم سافر بلاروسيا يوقع عقد الشراكة لمصنعه الجديد.

صمتت قليلًا ثم سألته بتصميم :

- إنت متأكد من كلامك دا ياكارم ؟ عشان عارف لو كنت بتكدب هاتشوف اللي يحصلك بجد ، وافتكر كويس ان منصب والدي يمكني اتأكد بمتهى السهولة من المطار ، ان كان سافر ولا دي لعبة.

رد بهدوئه المعتاد:

- طبعًا متأكد ياهانم ، هو انا أجرؤ برضوا للكدب عليكِ ، وعلى العموم هو سافر بالطيارة الخاصة بوالده ، يعني مسافرش بالمطار

استمع قليلًا لصوت انفاسها الحانقة قبل أن تقول:

- ماشي ياكارم سيبنا من جاسر دلوقتِ ، انا كنت عايزة أسألك بقى على البنت السكرتيرة بتاعته دي كمان ، هي مش قاعدة على مكتبها ليه تراعي مصالح جاسر في غيابه؟

أجابها عن سؤالها الاَخر أيضًا بحنكة قائلًا :

- تقصدي زهرة السكرتيرة ؟ البنت حصل معاها ظرف طارق ياهانم واضطرت تاخد أجازة كام يوم، ما انتِ عارفة نظام الشركات في المجموعة، معندناش تعسف ولا تضيق على الموظفين.

.................................


انهت المكالمة لترمي الهاتف بطول ذراعها على التخت أمامها قبل أن تلتف للناحية الأخرى وتجلس مقابل صديقتها بجوار الشرفة ، تتناول سيجارة من العلبة وتشعلها بالقداحة قبل أن ترميها هي الأخرى على المنضدة بعصبية 

قالت مرفت والتي كانت تراقب صامتة:

- شكله هو كمان ماريحكيش .

نفثت ميري دخانً كثيفًا قبل أن ترد عليها :

- قال نفس الكلام اللي قالوا عامر ، بس برضوا انا مش مطمنة وحاسة ان فيه حاجة .

سألتها مرفت :

- قالك ايه طيب عن البنت السكرتيرة ؟

أجابتها ميري بتهكم :

- بيقولي قال ان حصل عندها ظرف طارق، وقال ايه الشركة بتاعتهم شركة محترمة مابتضيقش على الموظفين ولا تتعسف معاهم .

مطت مرفت بشفتيها ولم تعقب فهتفت عليها ميريهان :

- سكتي ليه ياانتِ كمان ؟ ماتقولي ايه رأيك في الكلام اللي اتقال ده؟

ردت مرفت بلهجة هادئة :

- يعني عايزاني اقولك ايه يعني؟ مش يمكن يكون كلامه صح والبنت فعلًا عندها ظرف طارق.

- في نفس الوقت اللي مسافر فيه جاسر؟

قالت ميري بتشكك فردت مرفت بمكر :

- حد عارف بقى يمكن صدفة 

صاحت الأخرى بانفعال :

- هي ايه اللي صدفة يابت انتِ ؟ هو انت عايزة تحرقي دمي بكلامك وبعدها تقولي يمكن ومش يمكن .

ردت مرفت حانقة :

- الله ياميري ، هي دي جازاتي يعني ان بقولك على 

اللي بشوفه عشان تاخدي بالك وتحرسي .

هتفت ميري بعدم سيطرة:

- احرس فين ولا اَخد بالي من إيه ؟ هو مديني فرصة لأي حاجة ، جاسر بايع واتوقع منه أي فعل .

.................................


بداخل سيارته والتي كانت تقطع المدينة الساحلية كان يتحدث في الهاتف مع والده :

- يعني هي اتصلت بيك النهاردة وسألتك؟ طب وانت قولتلها إيه بقى؟

أجابه عامر عبر الهاتف:

- ايوة ياجاسر زي مابقولك كدة يابني وحمد لله أن والدتك مكانتش موجودة وإلا ماكنتش هاخلص من تحقيقها معايا دي كمان، على العموم انا رديت عليها وقولت انك مسافر بس بصراحة انا استغربت قوي .

رد جاسر بابتسامة ساخرة :

- وانت استغربت من ايه بقى ياوالدي ؟ على السرعة ولا ان الهانم افتكرت ان ليها جوز ؟

وصله صوت أبيه القلق :

- من الاتنين ياجاسر ، واضح كدة انها متابعة وليها عيون في الشركة ودي نفسها حاجة تقلق .

رد جاسر باستخفاف:

- لا ياوالدي ماتقلقش انا عارف مين اللي متابع معاها أساسًا، وعلى العموم انا كنت عامل حسابي .

- عامل حسابك! طيب ياسيدي ربنا يهنيك بعروستك ، إلا قولي هي فين صحيح عشان ابارك لها بنفسي؟

تزينت زواية فمه بابتسامة سعيدة وهو يلتف لها ليعطيها الهاتف فوجدها غفت بجواره في الكنبة الخلفية للسيارة ، هدهدها بصوت خفيض :

- زهرة يازهرة .

انتفضت مستفيقة تردد له :

- ايوة جاسر معلش خدتني نومة بس انا بصراحة مش متعودة على السهر.

رد بابتسامة مستترة وعيناه انتقلت نحو السائق وحارسه الشخصي في الأمام بحرج :

- خلي بالك من كلامك يازهرة وفوقي كويس عشان تكلمي والدي 

- بتقول والدك ؟!

اردفت بها وهي تتناول الهاتف بعد أن أومأ لها برأسه ، فخرج صوتها برهبة :

- الوو .... عامر بيه؟

وصلها صوت ضحكة كبيرة من الرجل مرددًا:

- بيه ايه بس يازهرة ماخلاص بقى؟ الف مبروك يابنتي .

شعرت بالدفء في صوت الرجل الذي جعلها تكمل المكالمة معه بارتياح 

.....................................


بعد قليل 

توقفت السيارة أمام مبنى رائع بتصميمه المميز والذي لفت نظرها من غرابته ، فالجزء الأمامي والذي بدا كالسور كان مبني من الحجارة والجزء الاَخر ظهر أمامها وهي تدلف معه للداخل بشكلٍ هندسي كالمثلثات، كانت كالتائهة وهو تخطو معه ويدها الصغيرة تضمها كفه الكبيرة نحو مدخل المبنى وأقدامها تدب في الأسفل على الأرض المرتصفة بأحجارٍ دقيقة وصغيرة انتبهت على مسبح عملاق وحوله عدة شمسيات تبدوا وكأنها صنعت من سعف النخل ام شئ اَخر يشبهه بالإضافة الى الطولات البلاستيكة والمقاعد ، دارت رأسها لتسأله بحيرة :

- هو انتوا عاملين هنا حوض سباحة والبحر قدامكم على طول .

التفت رأسها اليها بابتسامة رائعة قائلًا بتفكه:

- عشان لما نزهق من البحر نغطس في البسين ولو زهقنا من البسين نروح للبحر ، ايه رأيك بقى مش لعبة حلوة ؟

ختم جملته بغمزة بوجنته أربكتها ثم تمتمت بداخلها :

- ناس فاضية .

حينما ولجت للداخل افتغر فاهاها وتوسعت عيناها بانبهار على الرغم من بساطة الاثاث الا أنه كان رائع مع الأشكال الغريبة في الديكور، عكس منزله بالقاهرة الذي يتميز بالفخامة والكلاسكية بشكل عصري ، انتابها الخوف من هذا العالم الغريب عنها والتي لم تطمح ولا حتى حلمت في القرب منهم ، لتجد نفسها الاَن بينهم ولا تعلم ان كانت ستظل بموقعها هذا أم أنها سترتد بالخلف للعودة لبيئتها التي أتت منها، شهقت فجأة حينما وجدته يرفعها بغتة بذراعٍ واحدة سائلًا :

- سرحانة في إيه؟

هتفت بجزع :

- ايه اللي بتعملوا ده ياجاسر؟ مش خايف لحد يشوفنا؟

ضحك متسليًا :

- لا ماهو مافيش حد معانا ياعيون جاسر ، الشاليه والمنطقة كلها خاصة ، يعني حتى الخدامين هايجوا في وقت محدد وينصرفوا ويروحوا .

قالت بعدم فهم :

- ازاي يعني خاصة؟ طب والبحر القريب دا كمان تبعكم برضوا ؟

- اااه 

قهقه مرددًا بتأوه حارق وهو يضغط بأسنانه على شفته السفلى ضاحكًا بسعادة، وأسئلتها العفوية دائمًا ماتذكره ببرائة الأطفال .

- هاتعملي فيا إيه تاني يابنت محروس ؟

.............................


خرجت من عملها متأففة وهي تدب بكعبها ذا الصوت العالي بعدم اكتراث لانتباه المارة حولها والتي تتلفت اليها بدهشة، حتى التقت عيناها به واقفًا تحت ظل شجرة قريبة منها ، تقدمت بخطواتها حتى وصلت اليه فخاطبته:

- انت واقف عندك بتعمل ايه ياعماد ؟

صافحها بالتحية أولًا قبل أن يجيبها وعيناه تتلفت خلفها:

- أنا واقف ياستي مستني واحد صاحبي ؟ بس انتِ إيه أخبارك؟

قالت رافعة حاجبها الرفيع بمكر :

- واحد صاحبك برضوا ؟ وبتتهرب مني بسؤالك عن أخباري ياعماد ؟

أومأ برأسه قائلًا باستسلام :

- امال يعني عايزاني اقولك إيه بس وانا شايفك خارجة لوحدك ، هي زهرة مخرجتش معاكي ليه؟

ردت بابتسامة جانبية :

- لا ياسيدي مخرجتش معايا زهرة عشان هي مجاتش النهاردة الشغل أساسًا .

قطب يسألها بقلق :

- ليه مجاتش بقى ؟ دا حتى امبارح انتظرتها كتير وبرضوا مجاتش ، هي تعبانة ولا حاجة ؟

تنهدت مطولًا قبل أن تقول بخبث :

- اَه ياعماد دا انت باينك طيب قوي وعلى نياتك ، هو انت ماتعرفش ايه اخر اخبارها ؟

ازداد قلقه فردد يجيبها 

- اخبار ايه ياغادة ؟ انا لسة شايف كاميليا امبارح وكلمتها على زهرة عشان تفاتحها في موضوعي ، وهي سمعت مني ومقالتش أي أخبار عنها .

مصمصت بشفتيها تدعي التأثر لتزيد من حيرته ثم قالت :

- والنبي انت صعبان عليا ياعماد ، شوف انت يامسكين بتعمل ايه عشانها وهي ياسبحان الله اتجوزت امبارح .

هتفت متسع العيناه ومجعد الجبين بصدمة:

- بتقولي ايه؟ اتجوزت كدة على طول وبالسرعة دي ؟ طب هي كاميليا مقاتليش ليه امبارح وانا بكلمها ، يعني هي تسمع مني وتسيبني على عمايا كدة، طب ليه ؟

ردت غادة بخبث :

- تلاقيها خافت منك لتبوظ الجوازة ولا حاجة .

أظلم وجهه فقال بحريق اشتعل بصدره :

- انا فعلًا كنت هابوظ الجوازة لو كنت عرفت ، انا بس كنت عايز فرصة اتواصل معاها بيها ، يمكن كنت لقيت حل ، لكن كدة اتغفل وانام بحلم بيها عشان اصحى تاني يوم على كابوس انها اتجوزت من امبارح وبقت ملك واحد تاني، حسبي الله ونعم الوكيل ، حسبي الله ونعم الوكيل .

ظل يردد بها وهو يسير مبتعدًا عنها مكسور الخاطر ، وهي تتبعه بعيناها بامتعاض.

حتى تفاجأت بصرير سيارة توقفت بالقرب منها ليطل منها هذا الحارس ثقيل الظل برأسه إليها يتطلع اليها من نافذة السيارة التي يقودها بنفسه هذه المرة ويخاطبها بتفكه:

- واقف في الشمس ليه ياجميل؟ مش خايف منها  لتحرقك؟

زفرت تشيح بوجهها عنه حتى التفت تقول له من تحت أسنانها :

- هو انا مش هاخلص منك ياجدع انت؟ ماتحل عني بقى وشوف وراك ايه؟

قال بسماجة اعتادت عليها منه :

- كدة برضوا تكسري بنفسي وانا معدي على الشركة مخصوص دلوقتِ عشان اشوفك في ميعاد انصرافك ، رغم ان حيلي مهدود والنعمة بعد سفر رايح جاي مع البيه بتاعنا وحرمه الجديدة، الله يسامحك ياغدغود .

- غد غود!

تمتمت الأسم الذي نطق به بقرف قبل أن تنتبه على باقي كلماته :

- انت بتقول انك سافرت مع البيه وحرمه الجديدة! قصدك مين ؟ زهرة ؟ 

هتف متفكهًا :

- امال هايكون مين غيرها بس؟ دول حتى رايحين  يقضوا شهر العسل ياعسل .

اغمضت عيناها وقد أصابتها كلماته في صدرها المحتقن لتفاجأ بمزاحه الثقيل 

- عقبالنا يارب دا انا من ساعة ماشوفتك امبارح بالفستان العرياني ده وانا عايز اتجوزك النهاردة مش بكرة.

هتفت بعدم السيطرة وقد بلغ حنقها من هذا الشخص مداه:

- ياخي ان شالله تتجوزك عقربة تلوشك يابعيد ، دا ايه النصيبة دي .

قابل انفعاها متبسمًا ببرود فهمت تتحرك لتذهب وتتركه ولكن الفضول داخلها جعلها تتوقف لتسأله ببعض اللطف :

- طب على كدة بقى انت عارف المكان اللي راحوا فيه ؟

هتف يرد بحماس :

- اه امال إيه، دا انا ممكن كمان اوصفلهولك بالملي بس بقى لو قبلتي تركبي معايا اوصلك .

فتحت فاهاها لتمطره بالسباب ولكنها تماسكت وهي تذكر نفسها بالغاية التي ستحصل عليها من وراء توصيلهِ لها، رفعت بذقنها ترد باستعلاء :

- هاركب معاك بس عشان انا واثقة من نفسي.

تغاضى إمام عن لهجتها المستعلية بل وتوسعت أبتسامته باستخفاف يتابعها حتى انضمت بجواره في الأمام ، وسألته غادة على الفور:

- امال فين السواق نفسه عشان تسوق انت ؟

رد إمام وهو يدير المحرك ويتحرك بالسيارة :

- عبده روح ياستي مفرهد من المشوارين وانا بقى هاوصلك وارجع بالعربية على فيلا جاسر بيه ، المهم بقى، احنا كنا بنقول إيه ؟

.................................


كانت تقف بشرفتها إحسان تلملم الملابس التي جفت من الشمس بعد غسيلها لتطويها وتضعها في السبت البلاستيكي ، حينما لمحت السيارة الفارهة التي اقتحمت الحارة الضيقة لتفاجأ بتوقفها أمام منزلها عصرت رأسها لتتذكر أين رأت هذه السيارة حتى صعقت برؤية ابنتها وهي تترجل منها تشير بطرف كفها للسائق قبل أن تدلف لداخل البناية ، انتظرت قليلًا إحسان حتى سمعت بصوت الباب الخارجي وابنتها تدلف منه ، خرجت اليها من الشرفة بوجه حائر لتسألها :

- عربية مين دي ياغادة اللي وصلتك لحد باب البيت؟

غمغمت غادة بحنق وهي تخلع عن قدميها الحذاء ذو الكعب العالي:

- يعني هايكون عربية مين بقى ؟ خطيبي مثلًا بلا حسرة؟ دي عربية الباشا جوز الهانم بنت أخوكي .

- بنت أخويا ؟!

أردفت بها بحيرة لتضع سبت الغسيل على الأرض بعد أن استرعت انتباهاها لتلحقها بغرفتها وتسألها على الفور:

- انتِ ماشية على طول يابت من غير ماتفهميني ، ايه اللي ركبك عربية جاسر الريان يامنيلة؟

هتفت غادة بضيق وهي تخلع ملابسها :

- ركبت مع الزفت الحارس بتاعه ياما ، عشان اعرف منه اخبار بنت اخوكي اللي هايصة مع جوزها في الساحل الشمالي في العز والهنا اللي هي فيه .

قالت الاخيرة بصرخة قبل أن تسقط على التخت بأنفاسٍ متهدجة ، جلست بجوارها إحسان تخاطبها بهدوء :

- طب مضايقة نفسك ليه ؟ ماهو دا الطبيعي ياغادة بعد ماربنا فتح في وشها طاقة القدر .

ردت غادة من تحت أسنانها :

- مقهورة يامّا بعد ما سمعت بالتفاصيل اللي قالهالي إمام عن المكان اللي خدها فيه جاسر الريان ، دي حاجات احنا بنشوفها في التليفزيون ونستعجب عليها لكن ماحدش جرب ولا قرب حتى منها لكن بنت اخوكي بقى ، حظها نااااار 

صمتت إحسان قليلًا بتفكير ثم قالت :

- واضح كدة ان اللي اسمه إمام بيعزك ياغادة عشان يحكيلك دا كله .

التوى ثغرها لترد بتهكم :

- الزفت عايز يتجوزني يامّا، شوفتي الهنا اللي انا فيه، انا غاادة عايز يتجوزني حارس أمن!

ردت إحسان بهدوء وابتسامة جانبية :

- وتاخدي على اعصابك ليه ياهبلة؟ هو لزق فيكِ يعني ، خدي منه مصلحتك وبعدها اديلوا صابونة.

قطبت غادة تسألها:

- قصدك ايه ياما ؟

- ماقولنا خدي منه مصلحتك وزحلقيه هي غنيوة

اردفت بها إحسان وهي تنهض من جوارها لتترك غادة تعيد الكلمات برأسها بتفكير عميق.

................................


على الشاطئ الذي خلا إلا منهم كانت جالسة على الكرسي ومستندة بمرفقها على المنضدة الصغيرة تراقبه وهو يسبح وحده بعد أن رفضت النزول معه الى البحر لعدم معرفتها بالسباحة، مازالت تكتم غيظها منه من وقت أن أصر على ارتدائها لهذه القطعة الخفيفة، مدعيًا انها ملابس الشاطئ وعلى الرغم من استمتاعها  به وهو يتطاير مع الهواء في اندماج واضح مع هذا الجو الساحر ، ولكنها لم تنسى مقلبه معها حينما خدعها وترك حقيبتها ليأتي بحقيبة ملابس انتقاها هو من خزانتها لهذه الملابس الغريبة عنها في تصميم واضح لارتدائها ما ينتقيه بنفسه لها حتى الأشياء الخاصة ، لا تصدق أن جاسر الريان بجلالة قدره وهيبته ووقاره ووجهه المتجهم دائمًا، يصغر بعقله لهذه الأمور التافهة والصغيرة؛ ولكنها لا تنكر في قرارة نفسها أنها تسعد بما يفعله لإرضاءها، حتى لو كانت رفاهية الأشياء بالنسبة لها شئ عادي بالنسبة له ، لكن يكفي أنه يفعل وأنه يسعى لإسعادها، استفاقت من شرودها على صوت هاتفها الوارد بمكاملة، فتحت ترد بلهفة بمجرد رؤيتها للرقم :

- الوو.... ايوة ياخالي وحشتني ياحبيبي .

وصلها صوته المرح ؛

- وحشتك فين يابكاشة؟ هو انا لو وحشتك صحيح كنت سافرت على طول كدة يابت من غير ماتستنيني اشوفك ؟

ردت بحرج :

- طب اعمل ايه بس ياخالي مع وجاسر واخد أجازة لنفسه يومين بس ومش عايز يقعدهم في البيت ، بس بصراحة بقى انت وجدتي وحشتوني قوي .

قال خالد بسعادة :

- ياحبيبة خالك انتِ ، يابت انا ملحقتش اشبع منك وغراب البين دا طار بيكِ، حاولي بقى ماتتأخروش عايز أقعد معاكي ونحكي في تفاصيل حياتك من وقت ما سافرت انا وطول فترة غيابي .

ردت هي بتأكيد :

- طبعًا ياخالي، دا انا واحشني الرغي والهزار معاك قوي ، يمكن أكتر منك كمان.


تابعت زهرة حديثها الممتع مع خالد ورقية التي كانت تناكشها ببعض الكلمات الجريئة التي كانت تجعل زهرة تغضب حرحًا منها وبنفس تتحدث بابتسامة مستترة تصل اليهم رغم عدم رؤيتهم لها ، حتى أثارت انتباه جاسر فخرج لها من البحر بجسده العضلي وقطعة السباحة يرتديها و التي جعلتها تشيح بوجهها خجلًا منه حتى وصل اليها يدنوا بجذعه يتطلع اليها بجرأة أربكتها فنهت المكالمة معهم بتوتر ، قال متسليًا بصوته الأجش

- كنتِ بتكلمي مين ؟

رمقته بعيناها سريعًا قبل تجيبه على وضعها بلأرتباك :

- كنت بكلم خالي وجدتي طبعًا أصلهم اتصلوا عشان يطمنوا عليًا.

مال إليها قائلًا بابتسامة عبثية :

- هاا بقى وطمنتيهم ؟

ضيقت عيناها قليلًا حتى فهمت مغزى سؤاله ثم التوى ثغرها بحنق تغير مجرى حديثهم :

- على فكرة بقى هما سألوا عليك وانا قولتلهم انك بتعوم في البحر ومش فاضي تكلمهم .

مط بشفتيه قائلًا بتنهيدة :

- على كدة بقى قولتيلهم اني بعوم وحيد في بحر طويل عريض وعروستي مش معبراني ولا هاين عليها حتى تشاركني العوم .

التفت اليه قائلة بحدة :

- في إيه ياجاسر ؟ يعني عايزني أعوم ازاي بس وانا أساسًا مبعرفش؟

- أعلمك !

أردف بها سريعًا قبل أن يجفلها بحمله لها بين ذراعيه لتصرخ زهرة بخوف:

- واخدني ورايح بيا فين ؟ بقولك معرفش .

قهقه ضاحكًا يردد :

- وانا قولتلك هاعرفك يبقى لزوموا إيه بقى الخوف؟

اخذت تصرخ معترضة وهي ترفس باقدامها حتى أدخلها معه وهي تصرخ تناجيه بتركها ، فما كان منه الا أنه فلت أقدامها فقط واحتفظت ذراعيه بضمها من الخصر بقوة وهو يقول لها بمرح :

- سيبي نفسك معايا وماتخافيش ، انا لسه مادخلتش بيكِ في الغويط ، استمتعي يازهرة وخلي عندك ثقة فيا .

قالت مرتجفة بخوف وقد غطتها المياه إلى أسفل كتفيها:

- ياجاسر ماتستهونش بخوفي، دا ممكن يغرقني بجد .

- بقولك ثقي فيا ، بقولك ثقي فيا.

هتف بها حازمًا وهو يميل بها لتغطيها المياه حتى راسها وشعرها فشهقت مجفلة بلهاث بعد أن أعادها سريعًا :

- حرام عليك ياجاسر والله بجد حرام اللي بتعمله فيا ده.

- حرام على مين بس يازهرة بحلاوتك دي؟

ردد بها بعدم تركيز وهو ينظر لهيئتها الشهية بعد أن ابتل جميع شعرها وسقطت خصلاته الطويلة السوداء على وجهها فكان يزيحها بكفه من وجنتيها التي تخضبت بالحمرة مع انفعالها ، أهدابها الكثيفة والتي أسبلتها مع لهاثها خوفًا من المياه ، انتبهت هي على أشتعال عينيه فقالت بتوتر :

- طب كفاية النهاردة وخلينا.........

قطع جملتها بقبلة مباغتة اعترضت عليها تدفعه عنها حتى نزع نفسه عنها ينظر إليها باستغراب فهتف غاضبة :

- مش تخلي بالك لحد يشوفنا .

رد بانفعال :

- أخلي بالي من إيه يابنتي ؟ بقولك دي منطقة خاصة ومحدش يجرؤ يقرب منها عشان دي ملك العيلة أساسًا .

هتفت متشدقة:

- وافترض ان ماحدش يقدر يقرب، ماهو ممكن حد يشوفنا من عمارة بعيدة ولا عيل طايش يبص علينا بالميكرسكوب واحنا مش واخدين بالنا .

- ميكرسكوب ايه ؟

سأل بعدم استيعاب فقالت هي بحنق:

- عدسة مكبرة ياجاسر بتقرب البعيد وتكبره ، هو انا هافهمك برضوا يعني إيه ميكرسكوب؟

سهم من مقولتها الغريبة فجعلته يلتفت بعيناه للبعيد ، استغلت هي ارتخاء ذراعيه لتفلت نفسها منها وتخرج من البحر هاربة ، انتبه هو فقال متوعدًا وهو يخرج للحاق بها:

- يامجنونة ، طب وديني ما انا سايبك النهاردة يازهرة.

....................


في المساء .

كانت ترتدي فستان اَخر من التشكيلة التي أتى بها من سفرته، يناسب لخروجها معه إلى أشهر المطاعم في هذه المنطقة الساحلية، الفستان كان طويل حتى الكاحل ، منتفش في أكمامه ليتنهي عند الرسخ بحلقة صغيرة وضعت عليه أسورته لتبرز جمالها ، الصدر كان مغطى بالتطريزات الخفيفة والتي تنتهي عند الخصر بحزام التف حول جسدها وحذاءٍ في الأسفل ناسب لونه الأرجواني وحجابها في الأعلى لفته على رأسها بشكلٍ عصري أشعرها بالرضا عن نفسها وقد نال إعجابها حقًا، لم تكن تظن انه يملك خبرة أيضًا في ملابس النساء؟

أجلسها على طاولتهم بعد أن رحب بهم النادل ودلهم عليها ، أشار له جاسر على عدة مأكولات بحرية من القائمة يتميز بها المطعم هنا قبل أن يصرفه ، ثم التفت إليها سائلًا :

- إيه رأيك بقى يازهرتي ، عجبك المطعم ؟

ردت بابتسامة منبهرة :

- طبعًا عجبني ، دا شكله فخم ومشهور قوي .

- ولسة كمان لما تجربي أكلهم هاتنبهري بجد ، عليهم طريقة تخليكِ تشتاقي للمكان وتزوريه في السنة كذا مرة .

ابتسمت بحرج وعيناها تلتف حولها :

- بس شكله غالي قوي بدليل الناس اللي حوالينا كلهم بهوات وهوانم .

- مااحنا بهوات وهوانم برضوا ، ولا انتِ نسيتي يازهرة هانم ياحرم جاسر بيه ؟

قال ببساطة أجفلتها لتعود برأسها بتفكير بما يذكرها به ، انها بالفعل أصبحت منهم بانتمائها إليه ، وهل هذا حقًا ؟!!

تناول كفها يخرجها من شرودها قائلًا :

- الجميل سرحان في إيه ؟

انتبهت إليه نظراته المحدقة بها بتفحص لتقول:

- لا عادي يعني بس انت عارف بقى، اني لسة باخد على الجو وبحاول استوعب النقلة الغريبة دي .

رفع كفها يقبلها بحنان :

- استوعبي ياقلبي براحتك ، بس ياريت بقى في وقت تاني ، عشان طول ما انتِ معايا عايز تركيزك وعقلك وتفكيرك كله معايا انا لوحدي ، ماشي ياروح جاسر.

اومأت برأسها بتشتت فكيف تنفذ مايقوله لها وعقلها مازال لا يستوعبه هو نفسه بأفعاله معها وهذه الشخصية المعاكسة لهيئته الأولى على الأطلاق.

استطرد متابعًا لها :

- عارفة يازهرة، انا طول عمري مافرحتش اوي كدة ، على قد ما سافرت وروحت وحققت انجازات وفرحت بيها ، لكن كل ده جمب فرحتي بيكِ لا يسوى شئ ، بجد بجد اول مرة اعرف يعني ايه سعادة.

- طب وف جوزاتك الأولى مافرحتش بعروستك ؟

تمتمت به بداخلها تود لو تستطيع البوح بهذا السؤال لتعرف الإجابة منه ولكنه لم يعطيها فرصة وهو يشرح لها عن المطعم وتاريخ انشاءه ومعرفته به وهو عائلته، حتى انتبه الاثنان على وقوف طفلة رائعة الجمال بالقرب منهم ، تتطلع بابتسامة شقية إليهم.

اقتربت برأسها منها تسألها زهرة :

- إنت مين ياقمر واسمك ايه ؟

اجابتها الفتاة :

- انا تاليا .

- الله اسمك حلو اوي ياتاليا .

رددت بها يازهرة وتدخل جاسر بسؤاله للصغيرة والتي تبدوا في الرابعة من عمرها .

- انتِ حلوة أوي ياتاليا في حد كبير بقى معاكي؟

أسبلت عيناها الصغيرة بانتشاء وقد أعجبها ثناؤه لها فمالت برأسها تتلاعب في خصلات شعرها قائلة بغنج اثار الضحك لدى الإثنان :

- جيت مع والدي ووالدتي .

- ياروحي أنا يابنتي ايه الحلاوة دي ؟

اردفت بها زهرة بقلب يقفز بالفرح لهذه الطفلة الرائعة والتي أثارت الحنين بقلب جاسر أيضًا في الحصول على طفلة مثلها من محبوبته وقد نبت بداخله الأمل بعد زواجه منها 

- مساء الخير احنا أسفين ياجماعة .

انتبه لها فجأة الاثنان من إمرأة شديدة الجاذبية والجمال وهي تتناول الصغيرة وترفعها إليها، قالت زهرة وهي تنهض لترحب بالمرأة :

- مساء النور ، بتعتذري ليه طيب وتاخديها ؟ دي زي القمر وماازعجتناش خالص والله .

ردت المرأة بابتسامة رائعة كطفلتها :

- ياحبيبتي ربنا يرزقكم بواحدة زيها بس تبجى أهدى شوية عشان دي مطلعة عيني.

- انتوا هنا وانا بدور عليكم .

صدرت بالقرب منهم بصوتٍ رجولي انتبه على صاحبه جاسر فنهض مرحبًا بالرجل بتهليل :

- رؤوف الصيرفي ! انت فين ياعم ؟

- جاااسر .

اردف بها الرجل قبل أن يجفله جاسر بعناقٍ أخوي وهو يبادله الترحيب بحرارة هو الاَخر مع بعض كلمات العتاب والمزاح أيضًا ، 

خاطبت زهرة المرأة :

- طب ماتتفضلي حضرتك اقعدوا معانا مدام طلعوا اصحاب وبيعرفوا بعض .

ردت المرأة بمودة:

- ياريت كنت اجدر والله بس احنا مستعجلين وعندنا مشوار ضروري ومتأخرين عنه بسبب العفريتة دي .

انتبهت زهرة على لكنة المرأة المختلطة ببعض الكلمات الصعيدية قبل ترد بمزاح للطفلة:

- قصدك العفريتة اللي اسمها تاليا ؟

اجابتها المرأة بضحكة :

- ايوة هي اللي جايبالنا الكلام على طول .

- بس اسمها حلو قوي ، مين سبب التسمية انتِ ولا والدها ؟

سالتها زهرة فاأجابت المرأة :

- لا انا ولا والدها جدها اصله فنان وشاعر وحكاية الأسامي عنده لازم تبجى بمعنى وحكاية من وراه ...

- سمرا

قطعت جملتها لتلتف لزوجها الذي القى بالتحية لزهرة برأسه قبل أن يلتفت لزوجته ويشير لها بالأنصراف فااستأذنت منها مودعة لتغادر ويعود جاسر لمقعده بعد أن انهى لقاءه الصغير مع صديقه وعادت زهرة هي الأخرى لمقعدها تسأله :

- مامسكتش فيهم ليه عشان يكملوا السهرة معانا مدام طلع صاحبك ومراته ؟

رد جاسر:

- مسكت فيه والله بالجامد كمان بس المجنون ده بيقولي ان وراهم مشوار مهم والعفريتة بنته هي اللي غفلته ساعة ماراح يشتريلها أيس كريم ، وحشني بجد ابن الذينة بقالي زمن ماشوفتهوش.

انتبهت على نبرته السعيدة في الحديث عن صديقه ليستطرد قائلًا :

- عارفة بقى يازهرة ، اهي مراته دي كانت شغالة في البداية عندهم جليسة لجدته قبل مايحبها ويتجوزها وقتها انا كنت مستغرب قوي لكن دلوقتي بس قدرت موقفه لما جربت.

- هو عرف اني مراتك ؟

أجفلته زهرة بسؤالها فقال هو باستدراك :

- تصدقي اخدنا الكلام ونسيت اقوله ، بس هو لو سألني كنت أكيد هاجاوب على طول ، دا صاحبي وغالي عندي قوي .

اومأت برأسها لتخفي ماانضمر بصدرها من إجابته والتفت برأسها لتتابع ذهاب الرجل وامرأته مستغلة اندماج جاسر مع النادل الذي أتى بالطعام .

لفت نظرها رعاية الرجل لزوجته بتناوله للطفلة ليحملها عنها ثم نظرته الولهة لها وكأنه لايرى من النساء غيرها ، متأبطة ذراعه الحرة بثقة في جمالها وعشق زوجها الذي يبدوا للأعمى كم هو فخور بها وهي تستحق ، كما لفت نظرها أيضًا هذا الرجل الذي يتابعهم بعيناه ورأسه مغطى بالكاب من ناحية غير مرئية لهم مع الإضاءة الخفية !!

الفصل الرابع والعشرون


كان الوقت يقترب من الظهيرة حينما استيقظت من نومها في هذه الغرفة التي بدأت تعتاد عليها وعلى هذا الجو اللطيف الساحر بها، ونسمات البحر العليلة تطير الستائر البيضاء أمامها ، فردت ذراعيها تتمطع بكسل محبب بدأت تعتاد عليه ، انتبهت تنظر بجانبها عليه ، فلم تجده كالعادة ، يستيقظ مبكرًا قبلها كي يتابع أعماله على حاسبه، نهضت من التخت نحو النافذة لتتطلع أمامها على البحر بلونه الأزرق الذي يبعث على الصفاء النفسي داخلها ، أمواجه العتيدة تضرب بقوة في دعوة صريحة لمجابهتها واللحاق بالسباحة ومصارعتها، قبل أن تزداد قوتها مع دخول الشتاء وقد قارب الصيف على الرحيل ، أغمضت عيناها تستقبل هذه البرودة اللذيذة على وجهها وشعرها ، وشعور بالراحة والسعادة يدغدغ قلبها مع هذا الرجل الذي يغمرها بالعشق وهو يعلمها قواعده بتمهل وصبر حتى جعلها تسقط في فخه، يسقيها من حنانه بإغداق ليثير بقلبها الامتنان نحوه ، سعادة لم تكن في بالها ولم تخطط لها ، ولكنها تتمنى أن تدوم 

ابتعدت عن النافذة لتخرج إليه فتذكرت هيئتها وهي ترتدي المنامة الحريرية القصيرة جدًا ، ذات الحمالات الرفيعة ، شهقت بدون صوت تتذكر حشمتها قبل زواجه به وهي تتناول بيجامة بيتية مريحة لترتديها من خزانة الملابس مرددة :

- فينك يارقية تشوفي بنت بنتك بقت تلبس إيه ؟!

............................


وجدته كالعادة في صالة الطابق الأول منكفئ على حاسبه والهاتف على أذنه، أكلمت لتهبط الدرج بخطواتِ تقصدت أن تجعلها خفيفة وفور أن هبطت للأرض  سارت على أطراف أصابعها لتقترب بخفة رويدًا رويدًا تريد مفاجأته بوضع كفيها على عيناه بحركة طفولية معروفة وهي مستغلة إنشغاله ، وفور أن وصلت لتصبح خلفه تمامًا ، و همت لترفع كفيها وجدته يميل برأسه للخلف ناظرًا نحوها ليسألها بمكر :

- انتِ بتعملي إيه ؟

ضربت كفيها ببعضهم تجيبه بإحباط :

- وانا لحقت اعمل ياحسرة ، ماباظت اللعبة والبركة فيك.

ضحك مجلجلًا بصوته وهو يتناول كفها ليجعلها تلتف حول الكرسي الجالس عليه ويجلسها على قدميه مرددًا :

- طب يعني انتِ كنتِ عايزة تخدعي مين بس ؟ دا انا حسيت بيكي من أول ما طليتي تبصي عليا من الدور التاني واتأكدت من حضورك من أول مانزلتِ السلم بخطوتك الخفيفة اللي زي الحرامية دي ، وانتِ ماتعرفيش بقى ان ريحتك الحلوة زغزغت روحي من جوا ، صباح الفل .

قال الاَخيرة قبل أن يقبلها على وجنتيها 

ردت زهرة الصباح ثم قالت بمرح :

- حلوة اوي ياجاسر حكاية زغزغت روحي دي وجديدة ، جيبتها منين؟

قربها يسحب من أنفه رأئحتها بقوة قبل أن يجيبها بهيام:

- جيبتها منك يازهرة جاسر ، انا روحي بتتردلي وبحس بانتعاشها لما اشم ريحتك الطبيعية دي ، مش بيقولوا كل إنسان له نصيب في اسمه ، انتِ بقى خدتِ من إسمك المعنى كله.

الجمتها كلماته الرائعة عن الجدال ، فمن هي لتجاريه وهو الأستاذ والمعلم ، صمتت تتلقى منه قبلاته العاشقة بحب وهو يردف لها بكلمات الغزل التي تخدر اعصابها كالعادة لتبادله الإستجابة على استحياء ، بعد قليل نزعت نفسها فجأة تسأله :

- اه ياصحيح ياجاسر ، إنت ماقولتليش هانروح امتى ؟ عشان الم هدومي وحاجتي .

ضيق عينيه قائلًا بخبث :

- ومين قال ان احنا مروحين ؟

توسعت عيناها تجيبه باندهاش :

- انت ياجاسر اللي قولت يومين عسل واليومين كملوا اسبوع ، ولما سألتلك بعدها قولتلي هانقعد يومين كمان ، احنا كدة مكملين عشر تيام .

رد ببساطة أذهلتها:

- وماله لما العشر تيام يكملوا اسبوعين ولا نزود عليهم تاني كمان ، دا حتى بيقولوا عليه شهر عسل . 

قال الاَخيرة ليدفن رأسه في عنقها هتفت بعدم تصديق:

- طب ومصالحك وشركاتك دي اللي انت سايبها وشغلي انا كسكرتيرة في شركتك ، هابرر للي في الشركة غيابي ازاي ؟

رفع رأسها إليها يجيبها بضيق :

- ان كان على شغلي انا بتابعه يوماتي مع كارم وان كان على وضعك انت، انا هاخليهم يقيدوا أجازتك مسببة بجوازك، ودا على الأقل حتى عشان الكل يعرف انك مش متاحة .

شدد في الاخيرة قبل أن يستطرد

- وهي الموظفة لما بتتجوز مش بتاخد أجازة برضوا ولا بتحضر تاني يوم ؟.

- طب وجدتي وخالي دا اللي من ساعة مارجع ماشفتوش تاني وهو كلها يوم ولايومين ويرجع يسافر .

توسعت ابتسامته وهو يرد عليها بمكر :

- قولي كدة من الأول ، انتٍ هاتموتي عشان ترجعي لخالك وجدتك ، على العموم يعني خالك دا اللي كل يوم بيزن على دماغك بالرجوع عشان وحشاه ، مش قادر بقى يميز انك في شهر عسل مع جوزك ، ثم حكاية سفره دي كمان ، دول كلهم يومين هايخلص فيهم مستحقاته وأوراقه عشان يرجع يستقر هنا في الشغل الجديد .

سألته زهرة بانتباه :

- وانت عرفت منين انه هايشتغل هنا ويستقر ؟

سهم قليلًا لها باستدراك ثم أجابها بذكاء:

- عرفت منك ، ماانتِ قولتي قبل كدة قدامي 

قالت زهرة بتفكير:

- لا بس انا مش فاكرة خالص اني قولت قدامك الموضوع ده .

رد بتصميم وهو ينهض وينهضها معه :

- لا قولتِ يازهرة بس انتِ مش فاكرة ، ويالا بقى عشان نفطر انا هاموت من الجوع .

التهت زهرة بجملته الاَخيرة فقالت بإشفاق وهي تتحرك معه نحو المطبخ :

- طب ومافطرتش ليه من الصبح ياجاسر ؟ دا احنا بقينا الضهرية !

ضمها بذراعه اليه ليقبلها من وجنتها قائلًا بهمس :

- وافطر من غير زهرتي ، يرضيكي برضوا !

.............................


دلفت سمية تلقي التحية بابتسامة مشرقة على رقية والتي كانت جالسة بقلب الصالة في مكانها المعتاد :

- مساء الخير ياخالتي عاملة إيه النهاردة ؟

ردت رقية بابتسامتها المعتادة :

- مساء الخير ياختى وشك ولا القمر ، توك ماافتكرت تجي تطلي عليا ؟

اقتربت منها سمية تكشف عن طبق بيدها وهي ترد عليها بحماس:

- معلش بقى مانا كان لازم اخلص اللي بعمله الأول قبل مااجيلك ، عشان اَخد رأيك بنفسي في اللي عملاه.

دنت برأسها رقية تنظر جيدًا للطبق قبل أن تتناول معلقة فقالت وهي تتزوق الطعم :

- دا طبق رز بلبن يابت صح ؟ بس ماله كدة شكله متغير على اللي بنعمله دايمًا ؟

ردت سمية وهي تجلس بجوارها :

- اصل انا المرة دي عملاه بطريقة جديدة شوفتها في التليفزيون ، اهو بقى قولنا نجدد .

قالت رقية وهي تتزوق في المكسرات التي على الوجه :

- وماله ياختي جددي مدام بتعرفي تقلدي ، لكن انت جايبة طبق واحد يابت ؟

ردت سمية على سؤالها بوجه ضاحك .

- ودا برضوا كلام ياخالتي ، انا محضرالك انتِ وسي الأستاذ خالد ، حلة صغيرة ليكم تاكلوا منها براحتكم ، حكم انا عملت كمية كبيرة ، ياما كان نفسي زهرة تدوق منه ، حكم دي كذا مرة تعيب على طريقتي .

- حقها ياختي تعيب، وهو انتِ تعرفي تعملي الطبق اللي بتعملوا هي مهما اتعلمت ولا شوفتي في التليفزيون .

قالتها رقية بتفاخر ومرح ، تقبلته سمية بالضحك قبل أن تسألها :

- طب هي عاملة إيه دلوقت؟ بتتصلوا بيها وتكلموها ياخالتي .

أجابتها رقية :

- طبعًا بنتصل بيها وبنكلمها يوماتي ، هي تقدر تفوت يوم عشان كان خالد يطب عليها هي وجوزها في المطرح اللي هما قاعدين فيه.

شهقت سمية تضع كفها على فمها ضاحكة على طبع رقية الذي لا يتغير ابدًا في المزاح

.......................................


- ماشي ياجاسر يا ريان وديني ماهافوتهالك .

تفوه بها خالد بغيظ وهو ينفض سيجارته قبل أن يعيدها إلى فمه ليدخنها، وهو جالس بإحدى المقاهي الشعبية  الشهيرة في خارجها، وامامه في الناحية الأخرى من الطاولة خطيبته نوال التي ردت باستغراب:

- وكان عملك آيه بس ياخالد ؟ واحد في شهر العسل مع عروسته ، فيها إيه دي بقى ؟

ردد حانقًا :

- فيها إيه برضوا ؟ دا قاصد يحرق دمي ، يعني انا دلوقتِ اسافر من غير مااشوفها ؟

ردت نوال بابتسامة هادئة :

- طب وإيه يعني برضوا؟ ماهم كلهم يومين ولا تلاته ولا حتى اسبوع وبعدها هاترجع وتشبع منها ، مش انت خالها وحبيبها يبقى لازم تفرح لها انها مبسوطة مع جوزها مش تتقمص وتزعل . يابختهم .

قالت الاَخيرة بمغزى وهي تنظر إليه بمكر فهمه فردد يغيظ:

- بلاش الأسلوب دا يانوال، عشان انا مش هاضم موضوع جوازها دا من أساسه.

قالت بانفعال :

- اه وبعدين بقى؟ نطلق البنت يعني عشان تستريح انت؟

- اعوذ بالله ، اللي بتقوليه دا يانوال ؟. 

اردف بها على الفور بوجهِ متغير، فعادت إليها ابتسامتها ترد عليه:

- عارف ياخالد ، انا لولا اني فاهماك كويس وفاهمة علاقتك الأبوية بزهرة لكنت سيبتك من زمان وفسخت خطوبتي منك بسببها .

ارتفع حاجبه بخطر فقال بتهديد وهو يجذبها من أطراف اصابع كفها المستندة على الطاولة بينهم :

- تسيبي مين يا أبلة ؟ كرري الجملة كدة عشان انا ماسمعتش كويس ولا يمكن عايز اتأكد من اللي سمعته ، ماتكررري .

ضحكت تداري فمها بقبضتها وعيناها تتنقل على البشر حولها :

- الناس بتبص علينا ياخالد ، بلاش جنانك دا .

أكمل بوجهه العابس :

- وانتِ لسة شوفتي جنان؟ والنعمة افرجهم عليكِ بجد وأشهر بوالدك المحترم كمان.

اومأت بكفها الحرة باستسلام أمامه مرددة :

- لا وعلى إيه ياعم الطيب أحسن ، خلاص بقى كدة يرضيك ؟

ارتفعت زاوية فمه بابتسامة مستترة قائلًا لها :

- أيوة كدة اتعدلي ، ماعنديش انا حريم تعترض ولا يبقى ليها رأي تاني بعد ماوافقت انها تدخل القفص ، دا تنبيه من أولها عشان دماغك ماتلفش بعدين .

ترك يدها لتشيح بوجهها عنه مغمغة بكلمات غير مفهومة فتابع يسألها بشر:

- بتبرطمي بتقولي إيه ؟

التفت اليها برأسها قائلة بمهدانة:

- لا ياراجل وانا هاشتمك برضوا ؟ دا انا بقول عليك عسل .

رد بابتسامتة منتشية :

- ايوة كدة اتعدلي بحسب كمان .

صمتت تدعي الطاعة وقلبها يقفز من السعادة لمزاحه الثقيل فهي أعلم الناس به وبما يكنه نحوها رغم انشغاله دومًا بالقلق على ابنة شقيقته فعلاقتهما تعدت التفاهم والحب بل هي أصبحت تؤأمة بين روحين يشغلها ما يشغله ويقلقها ما يقلقه.

..................................


بداخل سيارتها التي كانت تحاول في محركها عدة مرات ، ضربت بكفيها على المقود بحنق ، وقد تعبت من تكرار المحاولات في تحريكها لتقابل بهذا الصوت الغريب للموتور وعدم الإستجابة ، رددت بغضب وهي تتناول حقيبتها وسلسلة المفاتيخ قبل أن تخرج منها :

- اَدي جزاة اللي يجيبلوا عربية نص عمر ، تعطل منه كل شوية ويفضل بس مداوم على مشوار المكانيكي والصنايعية .

صفقت بابها بعنف ثم التفتت تضع النظارة الشمسية على عيناها قبل ان تتجه بخطواتها نحو الرصيف لتشير لإحدى سيارات الأجرة ، ولكن السائق لم يستجيب ، واشارات لأخرى وفعل أيضًا سائقها نفس الأمر. حتى تفاجأت بالسيارة الضخمة العالية السوداء وهي تقف أمامها، ليترجل منها صاحبها ويخاطبها :

- بتشاوري على تاكسي ليه ياكاميليا ؟ وعربيتك دي ؟

زفرت تجيبه بضيق :

- عربيتي باظت يا طارق ومش بتدور ولا بتتحرك يبقى هاتوصلني ازاي ؟

عرض المساعدة قائلًا :

- تحبي ادورها واشوف العطل اللي فيها ؟

اعترضت تهز برأسها :

- لالا ولاتشوف ولا تحاول انا قرفت منها اساسًا، اركبلي تاكسي ارحم .

- وتركبي تاكسي ليه وعربيتي موجودة؟ تعالي اوصلك معايا في طريقي .

قال عارضًا عليها بزوق فردت هي بالرفض:

- لا يا طارق ، روح انت وشوف وراك إيه ماتعطلش نفسك .

عبس يرد على كلماتها :

- عطلة إيه ياكاميليا اللي هاتجيني من مشوارك؟ هو انا هاخدك واسافر بيكِ يعني ولا انت عندك الركوب مع سواق غريب أامن من الركوب معايا في عربيتي .

أحرجها بكلماته فتحركت أليًا لتنضم معه في الأمام بجواره ، اعتلي السيارة ليدير المجرك ويقودها بجوارها صامتًا حتى لايزعجها بنهجٍ اتخذه منذ مدة حينما لاحظ جفاء ردها معه كلما حاول التقرب ، فمهما حرقه قلبه ناحيتها لن يسمح بامتهان كرامته في عشق إمرأة لا تبادله نفس المشاعر .

قطعت هي شروده بسؤال :

- خرجت بدري اوي النهاردة وسيبت الشغل ، مش بعادتك يعني.

ارتفع حاجبيه لسؤالها المفاجئ ثم رد بروتينية يمنع نبة ألأمل التي تبذر بداخله لاهتمامها :

- خرجت اسوي شوية مصالح كدة لجاسر اداني اوردر بيهم امبارح .

قالت مبتسمة :

- وجاسر الريان دا استحلاها باينه ؟ دا كان قايل يدوب يومين واحنا دلوقتٍ هانكمل اسبوعين في غيابه .

التفت آليها قائلًا بمغزى :

- ومايقعد اسبوعين ولا شهر حتى، الراجل مبسوط مع مراته واظن هي كمان مبسوطة معاه ، وأيام العسل دي مابتتعوضش ولا انتِ مكلمتهاس وعرفتِ منها :

أجابت كاميليا :

- طبعًا كلمتها وعرفت منها انها مبسوطة ، بس دا الطبيعي على فكرة في البداية مع الدنيا الجديدة اللي اتحطت فيها فجأة بكل الأبهار والرفاهية اللي مكنتش تخطر على بالها .

صمتت قليلًا تضحك بدون صوت وهي تنظر للخارج من نافذة السيارة بجواره واستطردت ساخرة :

- بس أقسم بالله الراجل ده ذكي بشكل يخوف، خد البنت في مكان منعزل ليهم وحديهم عشان تتعود عليه وعمل على عقلها حصار بحيث ان مايدهاش فرصة للتفكير، وتحبه مضطرة مع إلحاح عوطفه ناحيتها والبنت بريئة ياعيني، عجينة طرية يشكلها بإيده.

التفت طارق إليها مضيقًا عيناه بتفكير وقد أثارت فضوله ليسألها مباشرةً بدون تحفظ وليحدث مايحدث بعدها :

- هو انتِ إيه إللي أخرك في الجواز لحد دلوقتِ ياكاميليا ؟ وماتقوليش نصيب عشان انا عارف ان السبب منك .

أجفلها بسؤاله المباغت فخرج صوتها إليه بحدة :

- لاحظ ان سؤالك ده في جرأة انا ماسمحش بيها يااستاذ طارق ، اتجوز مااتجوزش دي حاجة تخصني .

أكمل غير مبالي :

- لأ يخصني ياكاميليا لما اشوف تعاملك الجاف معايا من غير سبب كل ماقرب خطوة ناحيتك وكلامك دلوقتِ على جاسر وتحاملك عليه ، زود الشك في دماغي ، انتِ عندك سبب غامض جواك ومش عايزة تبوحي بيه قدام حد .

قالت بتحدي :

- وافرض عندي سبب بصحيح ، انا مش ملزمة اقولك انت بالذات عليه .

صمت ينظر آليها بغيظ وهو يصك على فكيه من رأسها العنيد ، فتابعت هي :

- ممكن بقى تنزلني هنا على جمب الطريق 

- لا مش ممكن ياكاميليا ، انا هاوصلك لحد باب بيتك وهالتزم مكاني من غير مااكلمك زي ما عملت الأيام اللي فاتت ، مدام دا اللي يريحك .

قال بقوة قبل أن يلتفت للطريق يتابع في قيادة السيارة بصمت ، متجنبًا الحديث والنظر إليها ، تأملته قليلًا ببركان غضبها وقد نجح بجرأته في النبش عن المنطقة الخطرة برأسها في سابقة لم تحدث معها أبدًا قبل ذلك ، وهي التي نجحت وتخطت هذه المرحلة إلي أن وصلت لما هي عليه الاَن دون مساعدة من أحد،  التفتت للطريق من نافذة السيارة تدعي الامبالاة وبداخلها تفور غيظًا 

................................


- هي دي الحارة اللي فيها العنوان ؟

تسائلت ميريهان بقرف وهي تتأمل المباني القديمة والجدران المقشرة بفعل مياه الصرف الصحي التي غطت نصف الحوائط، أجابت صديقتها وهي تسير بسيارتها بتأني وتتطلع حولها جيدًا هي الأخرى ، 

شكلها هي بس اظن يعني.... بصراحة مش عارفة ، المباني هنا شبه بعض وانا مش قادرة اعرف هي ساكنة في انه عمارة في هنا ، بس العنوان هو نفسه اللي مكتوب في اوراق الشركة.

قالت ميري باشمئزاز :

- ياي يامرفت ، معقول في ناس ساكنة هنا وبتاكل وبتنام كمان، دي كلها عمارات اَيلة للسقوط ومياة الصرف الصحي مبهدلاها .

ردت ميرفت بتركيز في الطريق:

- اتعودوا ياميري على العيشة فيها عادي يعني ، المهم انا هوقف العربية قبل مانغوط في الحارة ، عايزين نسأل من غير ماحد يحس بينا .

أومأت برأسها ميري بموافقة، وأوقفت مرفت السيارة لتلتفت إليها فوجدتها تداري رأسها بطاقية وتغطي عيناها بنظارة شمس ، سألتها باستغراب :

- ليه بتخبي نفسك اوي كدة؟ دا احنا لسة في العربية ومخرجناش؟

أجابت ميري على الفور :

- لازم يابنتي ، مش يمكن حد يعرفني انا شخصية عامة غيرك .

عوجت مرفت فمها على زواية تردد حانقة:

- شخصية عامة في إيه بقى ؟ والدك وزير ومعروف اه لكن انتِ بقى الناس هاتعرفك منين ؟

قالت ميري بانفعال :

- ازاي مايعرفونيش بقى وانا عندي صفحة عليها اَلاف المتابعين، مش يمكن الاقي حد فيهم هنا .

صمتت مرفت تكتم غيظها من هذه التافهة ، فتابعت ميري غير مبالية :

- يالا بقى انزلي اسألي أي حد هنا عنها .

ردت مرفت من تحت أسنانها :

- أسأل مين كمان وانا لوحدي هنا في المنطقة الغريبة دي ؟ لو عايزاني أسأل يبقى تنزلي معايا .

- أنااا انزل بجزمتي Brand هناااا؟

هتفت بيها ميري بمبالغة ، حركت كتفيها مرفت بعدم اكتراث تتلفت أمامها وترد وهي تهم لتدير السيارة :

- خلاص ياحبيبتي ولا يهمك ، خليك بجزمتك Brand  ونرجع عادي .

اوقفتها ميري حانقة :

- خلاص خلاص، هانزل معاكي وابقى اضحي بقى بجزمتي.

تبسمت مرفت بانتصار وهي تخاطبها قبل ان تترجل من السيارة :

- طب ياللا بقى عشان مانتأخرش .

ترجلت ميري خلف الأخرى بتأفف، يتطلعن حولهن بتشتت في الوجوه المارة حولهم والتي تتطلع لهيئتهم باستغراب، حتى وجدوا صبيًا يبدوا في الثالثة عشر من عمره ، أوقفته مرفت وهو يمر بجوارهم :

- ثواني ياحبيبي ممكن خدمة ؟

اجاب الفتى وهو يتطلع إليهم باندهاش :

- نعم ياأبلة عايزين إيه ؟

تدخلت ميري تجيبه على الفور:

- عايزين نسأل على واحدة ولو جاوبت كويس ليك مني حاجة حلوة .

- عايزين تسألوا على مين ياأبلة ؟

صدرت بالقرب منهم بصوتِ خشن ، انتفضتا ميري ومرفت يلتصقن ببعض خوفًا ، فور أن رأين صاحب الصوت بهيئته الضخمة وهو يقترب بخطواته إليهم 

تلجلجت ميري وهي تجيبه:

- إحنا مش قاصدين حاجة وحشة ، احنا بس عايزين نسأل عن واحدة وهانمشي على طول .

قيمهم فهمي بنظرة شاملة من رأسهم إلى أقدامهم في الأسفل وقد خاب ظنه ، بعد أن اعتقدهم ممن يأتين بقصد شراء الكيف والمواد المخدرة منه ، ثم سألهم بهدوء مريب :

- ومين هي دي بقى اللي مكلفين نفسكم وجاين الحارة مخصوص تسألوا عليها ؟

أجابت مرفت :

- اااحنا بس كنا عايزين نسأل على واحدة اسمها زهرة محروس ، بيقولوا انها ساكنة في الحارة، هي زميلتنا في الشغل واحنا عايزين نطمن بس ونعرف سبب غيابها .

صمت قليلًا يرعبهم بنظراته الغامضة المخيفة قبل أن يرد :

- هي فعلًا كانت ساكنة هنا في العمارة اللي في اَخر الحارة اللي في وشكم دي بس هي دلوقتِ بح ، ومعدتش موجودة.

انتقلت انظارهم نحو المبنى المتهالك قبل أن يعدن إليه فسألته ميري :

- بح ازاي يعني ؟ عايزين نفهم كلامك .

بصق من فمه على الأرض أثار اشمئزازهم قبل أن يجيب من تحت أسنانه وهو يتحرك ليغادرهم :

- ماتسألوا بنت عمتها معاكم في الشركة ، البت غادة بنت شعبان ماهي كانت معاهم وحضرت فرحها على الراجل العربي ، بدل ماتيجوا وتتعبوا نفسكم .

هتفت مرفت خلفه لتتأكد مما سمعته :

- يعني انت تقصد انها اتجوزت فعلا ؟ وراجل عربي كمان زي مابتقول .


التف بجذعه يجيب عن سؤالها بحنق :

م


اقولنا اتنيلت هي حدوتة، دي حاجة غريبة والله.

ذهب بعدها وتركهم يتطلعن لبعضهن باستغراب فقالت ميري تسأل الأخرى :

- يعني إيه راجل عربي؟

التفتت إليها مرفت تجيبها بنزق:

- يعني مواطن من دولة عربية ومش مصري ياميري .

اومأت برأسها بتفهم ثم تابعت بسؤالٍ اَخر:

- طب إنتِ تعرفي اللي اسمها غادة بنت عمتها دي ؟

اجابت مرفت بتفكير:

- معرفهاش شخصيًا ، بس اعرف واحدة كانت مرفقاها دايمًا اسمها غادة برضوا ، اظن كدة انها هي !

......................................


في العاصمة الأوربية وبداخل جناحه ، تأمل عامر زوجته وهي تدلف إليه بسعادة ووجه مضيء تردد له :

- الدكتور شاف الأشعة الجديدة وطمني عليك ياعامر ، 

ابتسم بسعادة على سعادتها، وتابعت هي تجلس بجواره على الاَريكة الجلدية الكبيرة :

- وقالي كمان ان بوضعك دا احتمال تخرج قبل المدة اللي كان محددهالك في الأول .

اومأ رأسه يتمتم بالحمد يقول:

- الحمد لله يالميا ، الواحد كان خايف لمقدرش اكمل رحلة العلاج او ارجع بلدي في صندوق .

نهرته بوجه غاضب :

- اعوذ بالله ياعامر ، ليه بس كلامك الوحش دا واحنا ماصدقنا ان ربنا كرمنا ، دا انا بحمد ربنا اوي عشان كان رؤوف بيا في مرضك ، وحادثة جاسر كمان ، دا كفاية ان كل ما اشوفه واقف قدامي ولا ماشي على رجليه، اعرف ان ربنا كان بيحبنا عشان محسرش قلوبنا عليه.

- فعلا يالميا عندك اللهم لك الحمد 

اردف بها عامر فقالت لمياء بتمني:

- كمان بقى لو ربنا يهديه ويوافق يرجع لميري ويخلف لنا احفاد يملوا علينا البيت ، ياسلام ياعامر ، اهي دي الفرحة اللي بجد بقى .

كالعادة صمت مطرقًا برأسه لا يجاربها ولا يعترض على حديثها ، فقد يأس من اقناعها وهذه الفتاة تتلوى في الحديث معها كالحرباء تثير العاطفة لديها بتذكيرها دائمًا بشقيقتها الفقيدة والدتها، وقد زادت هذه الأيام باتصالاتها المكثفة إليها وزادت معها جرعة المسكنة أيضًا لتزيد من تأثيرها عليها، قطعت شروده زوجته بالهتاف عليه حانقة :

- برضوا سكت ياعامر ومش راضي ترد على كلامي ، وكأن سيرة ميري دي بتعملك قشعريرة في جسمك .

تنهد عامر يرد بهدوء :

- يعني عايزاني ارد اقولك إيه بس وابنك نفسه مش طايقها اجبره يعني ؟

ردت لمياء بتصميم :

- تحاول تقنعه ياعامر مش تكبر دماغك واكن الموضوع مايخصكش ، تحاول تعقله عن جنانه ، بدال ماهو مختفي كدة وماحدش عارف غطسان فين ومع انه واحدة من اياهم .

تأفف عامر ينهض من جوارها كي يتجنب الصدام معها ، هتفت لمياء تسأله :

- قايم كدة وسايبني وانا بكلمك ، رايح فين ياعامر ؟

أجاب بمرواغة وهو يتحرك ذاهبًا :

- داخل الحمام يالميا ، ولا كمان ممنوع عليا ادخل الحمام !

.................................


خرج من غرفة القيادة بعد ان قام بظبط الاتجاهات نحو العودة بعد قضاء معظم اليوم باليخت في عرض البحر ، حتى قارب اليوم على المغيب واقتربت الشمس من إسدال ستائرها على الأرض ، وجدها على نفس وضعها جالسة في نفس المكان الذي تركها به في الجزء المكشوف من اليخت ، مستندة بمرفقها على السور الحديدي الصغير ، تبدوا شاردة وشال رأسها الذي سقط للخلف ليعطي فرصة للشلال الأسود خلفها كي يتطاير مع الهواء البارد بحرية ، كأميرة غجرية تخيلها تأسره بسحرها وهو لا يدري لما في كل مرة يراها تخطف أنفاسه ولا يكف عن الانبهار بها ، أجفلت من شرودها على جلوسه خلفها تمامًا هو يسألها :

- عجبك البحر ولا مشهد الغروب؟

ردت وهي تتأمل المياه وانعكاس الشمس وهي ترحل الذي يترك خيوطًا متلالأة تتراقص على صفحتها:

- كله والله ياجاسر ، سبحان من أبدع .

قبلها فوق رأسها من الخلف قبل أن يهمس بصوت أجش:

- يبقى انا عندي حق بقى لو أصريت اننا نقعد هنا على طول ومانروحش أبدًا بقى.

التفت بجذعها قائلة بإجفال :

- انت بتتكلم جد ؟ يعني انت فعلًا عايزنا نقعد هنا على طول .

لم يجيب بل ظل صامتًا واعتلت زاوية فمه ابتسامة عابثة اثارت حنقها فعادت تعطيه ظهرها وتردد غاضبة:

- بتستهزأ بيا صح ؟ عشان عارفني هبلة وبصدق على طول 

قبل رأسها قائلًا بحنان :

- سلامتك من الهبل ياقلبي ، انتِ بس طيبة ودا اللي بيعلقني ويجنني بيكِ بجد.

لانت من كلماته وخف تشنج جسدها فتابع هو :

- بس إيه رأيك يازهرة ؟ مش فكرة حلوة والنبي ، انا وانتِ والبحر والشمس والهوا ، إيه بزمتك هانعوز تاني ؟ 

ردت زهرة :

- بس الجنة من غير ناس ماتنداس ياجاسر .

لفها من كتفيها إليه لينظر في عيناها قائلَا بصدق:

- بس انا مالي بالناس وانتِ جنتي يازهرة .

صمتت قليلًا وعيناها مازالت أسيرته ثم قالت :

- حتى لو كنت شايفني زي مابتقول كدة ، برضوا انت ليك حبايب وانا ليا حبايبي اللي مانقدرش نعيش من غيرهم، دا غير المسؤليات والشغل اللي وراك ، ولا انت نسيت ؟

هذه المرة كان الصمت من نصيبه هو ، وقد اعادته كلماتها لواقعه ، شعرت بتغير وجهه فقالت لتغير دفة الحديث وهي تلتف بجذعه لتدعوه :

- سيبك من الكلام دا وخلينا نتأمل المنظر الجميل دا قبل ماالدنيا تضلم ويدخل الليل علينا .

انتقلت عيناه نحو ماتشير وتنهد من خلفها بعمق وهو يتمنى بداخله بالفعل لو يتوقف الزمان والمكان ويظل هو وهي في جزيرة وحدهم ، لا يزعجهم شئ ، ولا يشغلهم التفكير في المال أو ثمة شئ اَخر ، فهي نعيمه الذي وجده اَخيرًا ويتمنى الا يخرج منه أبدًا .

الفصل الخامس والعشرون


أمام مراَته التي كان يعقد عليها رابطة عنقه بروتينة وهو يزفر متأفافًا من فمه، بعد أن اضطر لقطع أجازته ويعود ليلًا مع عروسه كي يحضر الإجتماع الدوري للمجموعة في هذا الوقت من الشهر ، فالبرغم من حسابه لكل شئ واعتماده على طارق وكارم في تسوية معظم الأعمال في غيابه ، الأ أن هذا الأجتماع لا يصح بدونه ولم يقدر على تأجيله مع حجم الموضوعات المطلوب مناقشتها والبت فيها سريعًا، تابعت عيناه خروجها من حمام الغرفة وهذه الفرحة المرتسمة على وجهها ونظرة الشقاوة التي تناظره بها ، فتمتم لانعكاس صورتها في المراَة :

- لم نفسك يازهرة ، انا على اَخري .

ردت ببرائة :

- الله وانا عملتلك إيه طيب ؟

استدار بجسده إليها قائلًا بوجهه العابس :

- بتغيظيني يازهرة، الفرحة اللي هاتنط من عينك دي لوحدها بتغيظني.

- برضوا أغيظك ليه بس يابني ؟ مش فاهمة أنا .

هتفت بها مدعية عدم الفهم قبل أن تشهق مجفلة على تحركه سريعًا نحوها ليتمكن من القبض عليها بين ذراعيه، قائلًا من تحت أسنانه وعيناه تحدجها بحدة :

- يعني انتِ بجد مش فاهمة انا متغاظ ليه ؟

ردت بمهادنة لحالته :

- صلي على النبي ياحبيبي وماتعصبش نفسك ، انا عارفة طبعًا انك مضايق عشان قطعنا الاَجازة بسبب اجتماع المجموعة الضروري ده، لكن أنا بقى مضايقاك في إيه ؟

- مضايقني انك بتضحكي ومبسوطة عشان رجعنا وانت شايفة و عارفة اني قطعت الأجازة مضطر ، يبقى تخلي عندك دم وتقدري احساسي .

رددت خلفه بعدم فهم :

- اقدر احساسك! يعني اعمل ايه ؟

اجابها بجدية :

- تقلبي وشك انتِ كمان وتكشري، ماشوفش ضحكتك ولا ابتسامتك الحلوة دي خالص لحد مااخرج .

هزت برأسها تراضيه وهي تكتم ابتسامة ملحة وكأنها تعامل طفلًا صغير :

- حاضر تمام مش هاضحك وابتسم خالص .

تنفس من صدره بقوة لتتركها ذراعيه ويلتفت عنها نحو المراَة يكمل مايفعله ، فغمغت بصوتِ خفيض من خلفه :

- كل ده عشان رايح شغلك، اشحال ان ماكنت مادد اًجازتك من يومين لعشرين يوم .

- بتبرطمي بتقولي إيه؟

قالها وهو يرمقها بنظرة حانقة قبل أن يتناول سترة حلته ويرتديها ، أجأبته بابتسامة متردد:

- كنت بقول يعني مدام انا مش رايحة الشغل زيك غير على أول الأسبوع زي مااتفقنا ، فاانا عايزة اروح لجدتي بقى .

التفت يرد عليها وهو يسحب في أكمام سترته والقميص :

- يعني مش قادرة تصبري يومين كمان؟ هو انتِ لحقتي تريحي من تعب السفر ؟

ردت بلهفة :

- لا ياجاسر انا مش تعبانة والحمد لله ، ولو تعبانة هابقى اريح هناك في أؤضتي وعلى سريري .

عبس وجهه من جديد وهو يستدير ليمشط شعره وقال:

- تنامي فين يازهرة؟ مافيش نوم طبعًا ، هي ساعة ولا ساعتين وتيجي على بيتك .

ردت قاطبة وقد تغير لون وجهها وذهب عنه المزاح :

- ليه بقى ساعة ولا ساعتين ومنامش كمان ؟ وانت أساسًا بتتأخر في اجتماعك ده ومش بعيد تيجي على اَخر اليوم .

دفع بعنف فرشاة شعره أمامه والتف إليها متخصرًا بقبضتيه ، يتطلع الى غضبها فتنفس قليلًا بعمق يستدعي الحكمة قبل أن يرد عليها :

- انا مش عايز اضايقك ، بس بصراحة انا خايف عليكٍ، من العمارة بتاعتكم دي اللي أيلة للسقوط يازهرة .

عقدت حاجبيها قليلًا قبل أن ترد بابتسامة مندهشة:

- وافرض يعني زي مابتقول ، ما انا طول عمري عايشة فيها وستي وعيلتي كلها ، وخالي دا اللي سافر من غير مااشوفه، برضوا هايفضل عايش فيها لحد اما يتجوز وياخد ستي معاه .

تأمل هيئتها المتحفزة فقال ملطفًا وهو يقترب منها :

- عارف والله كل اللي بتقوليه ده ، بس اعمل ايه انا بقى في عقلي ده اللي هايفضل مشغول عليكِ طول الوقت ، انا راجل بخاف ياستي.

عادت إليها ابتسامتها فقالت برقة وهي تمسح بكفها على صدره العريض من فوق السترة :

- لا ياحبيبي ماتخافش ولا تشغل بالك حتى ، دا بيتنا واحنا متعودين عليه، 

- انتوا متعودين لكن انا مش متعود .

تفوه بها وتابع بحدة :

- لولا خايف بس من دماغ خالك لايعند ويعملنا مشاكل لكنت نقلت عيلتك كلهم في شقق جديدة خارج الحارة والمنطقة كلها ، بس شكلي كدة هاعملها قريب وعنه مارضي....

قاطعته على الفور مرددة :

- لا اوعى ياجاسر تعمل كدة ، انا خالي صعب وحاجة زي دي هايخدها على كرامته ، دا انا لسة شايلة هم شقته اللي انت سددت اقساطها .

قربها يضمها إليه أكثر وهو يقول بصوت أجش :

- طب امال اعمل ايه بس ؟ وانا مش قادر امنعك ولا قادر الاقي حل مع راس خالك الناشفة دي؟

ردت زهرة وهي تلف ذراعيه حول جذعه :

- سيبها على الله ياسيدي .

- ونعم بالله .

اردف ومال عليها يقبلها ويزيد من ضمه إليها بشوق لا ينضب ولا يهدأ أبدًا ، بعد قليل وحينما تركها يجبر أقدامه جبرًا للذهاب ، أردف لها :

- عم رزق السواق الجديد هاياخدك ويرجعك ، ومافيش مشوار تاتي هاتعمليه من غيره ، حتى مشاوير الشركة .

هتفت اليه بعدم تصديق :

- انا بقى عندي سواق مخصوص ؟

أجابها بثقة :

- وعربية مخصوص كمان .

.......................................


خرج محروس من غرفته وهو يسعل بصوت متحشرج في عرض يومي كل صباح نتيجة لامتلاء صدره بالتدخين والمواد المخدرة ، ورغم ذلك لا يتوانى عن إخراج سيجارته ليشعلها ويدخنها في نفس الوقت .

- أرحم صدرك يامحروس او حتى اشربلك حاجة سخنة تريحه الأول قبل ماتدخن .

هتفت بها سمية وهي تعمل بروتينها اليومي في ترتيب المنزل ونظافته ، نفث أمامها دخانً كثيف بتحدي لما تقوله قبل أن يجلس على أريكته الخشبية المنجدة ، يخاطبها والسيجارة في فمه:

- ملكيش دعوة بصحتي ياختي ، انا فل وعال العال بطلي انتِ رغي وحضريلي الفطار .

استقامت بجذعها عن تنظيف الارض لتسأله بانتباه :

- عايزني احضرلك الفطار والساعة داخلة على عشرة ، هو انت مش رايح ورشتك كمان النهاردة .

أجاب بتعالي وهو يضع قدمًا على قدم :

- واروح ليه واتعب نفسي؟ وانا عندي بدل الصبي تلاتة واربعة يشتغلوا تحت إيدين الواد عامري ، هما يخلصوا الطلبية وانا اسلمها للزبون واستلم حقها ، كفاية كدة 

لوت ثغرها بامتعاض قبل أن تقترب لتجلس بجواره قائلة بلطف حتى لا تثير غضبه :

- يامحروس ، المال السايب بيعلم السرقة ، والفلوس اللي انت خدتها مهر لزهرة وبتبعتر فيها شمال ويمين دي؛حاول تلم إيدك فيها شوية ، انت معاك بنات عايزين يتعلموا وعايزين جهاز لما يجيلهم عدلهم .

رمقها بنظرة مستنكرة صامتًا فتابعت هي :

- دا غير الشقة اللي احنا ساكنين فيها دي ، حل الكيس وشوفلنا لو حتى اوضتين في عمارة تانية غير اللي ممكن توقع علينا دي .

رد محروس مستخفًا بكلماتها :

- والله وبقالك حس يا سمية وبقيتي تخططي كمان ، عايزاني اسيب الشقة اللي عايشين فيها بقالنا سنين وتغيري ؟ لا وكمان عايزاني أحوش لجهاز بناتك ، احوش ليه انا واديقها على نفسي من دلوقتِ ، مايشدوا هما حيلهم لما يكبروا ويتعلموا من اختهم الكبيرة ، اللي وقعت الباشا على بوزو .

ضربت سمية بكفها على صدرها قائلة بجزع :

- يالهوي يا محروس، انت برضوا اللي بتقول كدة على بنتك؟ دي زهرة مافيش في أدبها ولا احترامها.

لسعته كلماتها الحادة فانتفض يصيح نحوها بغضب :

- وانتِ بقى هاتعلميني اتكلم ازاي على بنتي؟ قومي ياولية انتِ حضري الفطار زي ماقولتلك ، بلا وجع دماغ ورغي كتير على اول الصبح ، قوومي .

نهضت سريعًا من جواره ، تتفادى يده التي امتدت لضربها ، واتجهت نحو المطبخ مذعنة لطلبه ، وهي تتمتم داخلها :

- روح ياشيخ ربنا يهدك على بهدلتلك وعمايلك فيا .

.....................................


وصلت زهرة بالسيارة السوداء الفخمة التي اقتحمت الحارة لتلتفت إليها جميع الوجوه من مارة وسكان ، وزاد الفضول حينما توقفت أمام بنايتهم ، سهمت زهرة في الوجوه الناظرة بتساؤل نحوها بتخوف :

- مش هو دا البيت حضرتك ولا انا غلطت في العنوان؟

اردف بها السائق وهو رجل في عقده السادس ، يتكلم بتهذيب وعيناه لا يرفعها نحوها ، ردت زهرة باحترام للرجل المسن والذي اختاره جاسر بعناية :

- لا هو نفسه ياعم رزق ، انا اللي سرحت شوية بس حالا نازلة اهو .

قالتها وتناولت حقيبتها وأكياس الهدايا المعلبة فسألها الرجل :

تحبي أشيلهم انا حضرتك ؟

نفت برأسها وهمت لفتح الباب فتابع لها :

- طب ارجوا منك يازهرة هانم ، ترني في أي وقت تعوزيني فيه على أي مشوار ، مش المرواح بس .

اومأت لها برأسها وترجلت بالخطوة السريعه تدلف للبناية لتصعد لجدتها ، وجدت والدها امام باب شقته الذي كان خارجُا منها حالاً، فهتف عليها بصوت عالي:

- حبيبة ابوكي، انتِ جيتي يامرات الباش... قصدي الشيخ.

قالها واقترب يضمها بذراعيه ويقبلها بوجنتيها ، ردت بابتسامة مجاملة على كلماته باقتضاب قبل أن تفلت نفسها منه لتحتضن سمية التي خرجت إليها وشقيقاتها ، وترد على تهاني الجيران الذين خرجوا على هتاف ابيها ثم هرولت بسرعة لجدتها التي استقبلتها فاتحة ذراعيها من مكانها وقد تنبهت هي أيضًا لعودتها ، ارتمت زهرة بأحضانها تعود لأمانها و حصنها الدائم حتى لو كانت قعيدة ومريضة.

- وحشتيني يابت الجز....... 

هتفت بها رقية وهي تشدد من احتضانها وتلكزها بقبضتها بخفة ، رفعت إليها رأسها من داخل أحضانها زهرة ترد بابتسامة باكية:

- مافيش فايدة يارقية ، لازم لسانك يشتم .

تأملمتها جدتها جيدًا عن قرب ، وجهها المضئ وقد ازداد توهجًا ، عيناها التي تلمع بالسعادة مع هيئتها الجديدة والملابس الغالية التي ترتديها ، مما أدخل السرور بقلبها فقالت مناكفة :

- وشك منور وعنيكي بتلمع ، دا باينه حصل .

- ايه هو اللي حصل ياستي ؟

سألتها بعدم فهم ، لكزتها رقية مرة أخرى مجيبة بمرح :

- حبتيه ووقعتي ياموكوسة ، هو احنا لسة هانفسر 

يأست منها زهرة لتدفن رأسها داخل أحضانها مرة أخرى مرددة بخجل :

- ياباي عليكِ يارقية ، مافيش فايدة فيك أبدًا .

صدرت ضحة رنانة من رقية وهي تقبلها فوق رأسها وقد تأكد تخمينها 

...............................


دلفت مرفت لحجرة الاجتماعات التي قاربت على الإكتمال بأعضاءها ، جلست بالقرب من جاسر المشغول بمراجعة بعض الأمور مع كارم قبل بدء الفعلي للأجتماع فخاطبته تجذب انتباهه :

- حمد لله على السلامة ياجاسر.

التفت إليها برأسه مرددًا التحية على مضض :

- الله يسلمك يامرفت ، عاملة ايه انتِ بقى ؟

ردت بميوعية وهي تُعيد في خصلات شعرها للخلف:

- انا كويسة ياسيدي ، انت بقى اللي اختفيت وقولت عدولي ، الا قولي صحيح ياجاسر ، هو انت فعلًا مضيت عقود مع شركا مهمين زي ماعرفنا ؟

اعتدل بجذعه للخلف فقال بابتسامة متسلية :

- في الحقيقة يامرفت انا مامضتش ولا حتى ناقشت أي مشروع في الفترة اللي فاتت ، دي كانت حجة عشان اطمن بيها والدي وأي حد يسأل عليا.

تغير وجه مرفت فرددت باستفسار :

- حجة! امال انت كنت فين بقى ؟

طقطق من فمه بصوت ساخر يجيبها بابتسامة متلاعبة:

- عيب يامرفت ، إن اقول ولا اصرح حتى بالكلام ده وانتِ ست مطلقة بقالك فترة كبيرة، يمكن تفتكريني بتحرش بيكِ 

سهمت بوجهها تنظر إليه بازبهلال وقد وصلها تقريعه الغير مباشر والمختلط بسخرية، بلعت ريقها تعتدل بجذعها بعيدًا عن محيطه ، لتلملم كرامتها فوقعت عيناها على كارم الذي كان يخبئ بطرف كفه ابتسامة او ضحكة كبيرة مستترة جعلت وجهه الأبيض يتحول للحمرة الشديدة وهو مطرق برأسه ينظر للأوراق التي على سطح المكتب أمامه مدعي التركيز، مما ساهم بامتقاع وجهها واشتعالها غيظًا من جاسر الريان الذي كان مازال على نفس وضعه ينظر إليها بثقة وتحدي .

قطع شرودها مجئ طارق وخلفه هذه الكاميليا فارتفعت انظار كارم إليها بتركيز ليتلقى تحيتها بابتسامة عريضة زينت وجهه ، تتابعهم انظار طارق بوجه واجم على غير عادته ليلقى التحية على صديقه الذي نهض عن مكتبه يتلقفه بالأحضان والاَخر يبادله بابتسامة شاحبة لفتت انتباه جاسر، قبل ان يتبادل المصافحة والتحية مع كاميليا التي التفتت بعدها لتجلس على مقعدها المخصص على الطاولة الكبيرة المستديرة ليتبعها طارق بتجهم يأخذ مكانه بجوارها وانظار جاسر تتابعه بقلق ، عاد إليها مرفت الفضول لتخاطب كارم بلؤم :

- كتير قوي عليك المجهود دا ياكارم وانت شايل فوق طاقتك، هي البنت السكرتيرة دي مش ناوية بقى ترجع لمكانها وشغلها ، ولا هي استحلت الدلع ؟

تغير وجه كارم واتجهت انظاره نحو جاسر الذي تكلف هو بالرد بحزم :

- تدلع ولا تستحلالها حتى ، انت مالك يامرفت ، هي شغالة تبعي أنا ولا تبعك انتِ ؟

صكت على فكها وقد افحمها رده المفاجئ وزاد بداخلها الشكوك أيضًا .

........................................


- انت متأكد إنها هي يالا ؟

تفوه بها فهمي سائلًا لصبيه الذي أجابه بحماس :

- والنعمة زي ما بقولك كدة يامعلم ، انا شوفتها بنفسي وهي بتخرج من العربية السودة الكبيرة وجريت تدخل عمارتهم جري ، بس ايه بقى يامعلم ، بقت حاجة تانية خالص ، لبس ايه وحلاوة ايه ، دي بقت ولا الهوانم بجد يامعلم .

هرش فهمي بطرف سبابته يردف بغيظ وعيناه نحو مدخل العمارة:

- زهرة بنت محروس بقت هانم ؟ دي سابت وعيلت قوي .

هز الفتى رأسه باستنكار ارضاءً لمعلمه يقول:

- عندك حق يامعلم، دي بت قادرة وعينها قوية عشان سابتك ولحقت تلاقي غيرك .

ارتفعت زاوية فمه بابتسامة ساخرة يردد:

- دي لحقت في ظرف يومين تتخطب وتتجوز كمان ، ولا اكنها كانت مرتبة من الأول .

ارتفعت انظاره فجأة للفتى يأمره:

- روح انت دلوقتِ وشوف وراك إيه، بس ماتغيبش عن عيني عشان لما اعوزك الاقيك وخليك صاحي لأي حركة غريبة في الحارة .

- عنيا يامعلمي.

هتف بها الفتى وانطلق  مهرولًا اذعانًا لأمر فهمي الذي تمتم بتصميم:

- وانا بقى قاعد هنا ومش متعتع من عالقهوة ، اما اشوف السنيورة الهانم دي كمان بقت ازاي ؟

وفي الأعلى كانت زهرة مازالت ملتصقة بجدتها وشقيقتها وسمية يتفحصن الهديا التي أتت بها إليهم.

- الله يا أبلة ، حلو قوي الشوز اللي جبتيها ده ؟ دا مشكله غالي قوي كمان .

هتفت بها صفية بانبهار وهي ترتديه ، ردت زهرة بابتسامتها الرائعة :

- انا عارفاكي من الأول نفسك في النوع ده ، عشان تقلدي البنات اصحابك ، قولت بقى اجيبهولك عشان تريحينا من زنك ياستي عن سيرة البنات اللي بيلبسوه وانتِ لأ 

لاح على وجه صفية التأثر وقالت سمية بامتنان :

وانا بقى كنتِ عارفة اني هاموت والبس الدهب عشان كدة جايبالي الخاتم الحلو ده صح؟

ردت زهرة بزوق حتى لا تخجلها :

- لا طبعًا انا مكنتش اعرف بحكاية ان نفسك في الدهب ، انا قولت اجيبلك زي ما جيبت لستي ، وانا اش عرفني باللي نفسك فيه ياولية انتِ أساسًا ؟ حتى بصي كدة .

قالت الاَخيرة وهي ترفع إليها كف رقية التي قبلتها من رأسها هي الأخرى ، وسمية تهتف بانبهار :

- الله ياخالتي ، دا حلو قوي الخاتم على ايدك ، زوقك حلو اوي يازهرة .

ردت رقية بمرح :

- مش زوقها وبس ياختي ، دا إيدي هي اللي حلوة .

انطلقت الضحكات على جملة رقية ثم تابعوا اكتشاف بقية الهدايا الخاصة بشقيقتها الصغيرات قبل أن تنهض سمية لتحضير وجبة الغذاء لهم جميعًا .

................................


انتهى الأجتماع الذي استمر لساعات وانسحب الأعضاء تباعاً ولم يبقى سوى جاسر الذي كان يفرك وجهه من التعب والإرهاق مع بعض الأعضاء القلائل ، وكارم الذي كان يراجع على محضر الإجتماع وملاحظات الرئيس والقرارات التي اتخذت أيضًا .

وقف جاسر ليهندم سترته وهو ينتظر صديقه ليخرجا معاً وقد أقلقه هيئته الغريبة عنه، والذي أتى إليه بعد ذلك بخطوات مثقلة وكأنه يجر أقدامه جرًا :

- إيه يابني مالك ؟ هو انت تعبان ؟.

اردف بها جاسر متسائلًا وهم الاَخر أن يجيبه ولكن توقفت الكلمات على لسانه وهو يلمحها تغادر بهيئتها الإنيقة دومًا ، وخلفها خرج كارم يلحق بها.

اتسعت عيناه لتنهش الغيرة بصدره وهو كالعاجز لا يملك حق الأعتراض أو التحرك لمنع تواصلهم معًا ، اقدامه تحثه على اللحاق بهم وعقله يصرخ رفضًا لكرامته ، قطع شروده جاسر الذي انتبه إلى مايتطلع إليه صديقه ، فخاطبه بصوت خفيض :

- بقولك إيه انت منظرك كدة مش عاجبني تعالى روح معايا في عربيتي خليني اشوف إيه حكايتك .

اجابه بلهجة يائسة :

- حكاية إيه؟ هي بدأت أساسًا عشان احكي عنها ، انا حكايتي انتهت من قبل ما تبتدي .

قطب على لهجته المحبطة فجذبه من مرفقه بحزم خفيف ليسحبه معه مرددًا :

- لا دا انت متتتسبش، تعالى معايا .

استسلم له طارق وخرج ليغادر معه .

.......................................


فور خروجها من الإجتماع على الفور اتصلت بشريكتها لتخبرها بما حدث :

- والله زي مابقولك كدة ، دا حتى مرعاش العيش والملح وهو ييحرجني ويلقح بالكلام قدام كارم اللي  ممسكش نفسه دا كمان وضحك عليا.

سألتها ميري بعدم فهم :

- طب انا مفهمتش برضوا ، يقصد إيه بكلامه ده ؟

زفرت مرفت بضيق وهي تقطع الرواق المؤدي للباب الرئيسي للخروج :

- كل دا ومافهمتيش ياميري ، معني كلامه انه كان مقضيها صرمحة ولعب ، لا ومن بجاحته بيقولي عيب اتكلم لاتفتكريني بتحرش بيكِ ، جوزك بيقولنا اخبطوا راسكم في الحيط ياميري ، عشان عارف اني صاحبتك ويهمني اللي يهمك .

غمغمت ميري تسب ببعض الكلمات الإنجليزية على جاسر قبل ان تتايع سائلة :

- طب والبنت السكرتيرة دي كمان، رجعت النهاردة بقى من أجازتها برضوا.

أجابتها بلهجة مغيظة:

- لا ياحبيبتي مارجعتش وانا لما سألت كارم عن تأخرها رد عليا جوزك المحترم وقالي ، هي شغالة عندك ولا عندي ، اقطع دراعي ان ماكان في مابينهم حاجة وحكاية جوازها بالراجل العربي ، انا مش بلعاها.

رددت ميري خلفها بيأس :

- عندك حق يا مرفت، انا دلوقتِ قلقت اوي وبدأت أشك زيك .

تنهدت مرفت بصوتِ عالي قبل أن ترد على صديقتها وقد وصلت بخطواتها بالقرب من سيارتها  :

- عشان تعرفي بس اني همي على مصلحتك، وإني.....

قطعت جملتها مرفت وارتخت ذراعيها عن فتح باب السيارة وهي تلمح غادة وهي تطرق بكعب حذائها على الأرض لتنعطف نحو الجهة الأخرى من الطريق لتلحق بسيارة تقلها للعودة لمنزلها ، تطلعت إليه جيدًا تقيمها بنظرة متفحصة ، من ماترتديه ملابس محكمة على جسدها وطريقة سيريها بتمايل لتلفت إليه الأنظار ، مساحيق وجهها الثقيلة ، من مظهرها اخدت فكرة عامة عن شخصيتها، قطع شرودها صرخة بصوت رفيع وحاد:

- روحتي فين وسيبتيني ؟ هو انا هاكلم نفسي بقى ولا إيه ؟

جزت على أسنانه تفتح السيارة لتندس داخلها بعنف تهتف:

- بتصرخي في ودني ، هاتخليني انطرش ، فيه آيه يابنتي ؟ بالراحة شوية مش كدة .

صمتت ميري وظهر فقط صوت أنفاسها العالية ، فتابعت لها مرفت ببعض التحكم في عصبيتها :

- بقولك إيه ياميري ، انا هاجيلك النهاردة وارغي معاكي ماتقلقيش ، انا بس هاقفل واسيبك دلوقتِ ولما اجيلك هافهمك إللي في دماغي .

.............................................


وبسيارة جاسر التي أصر ان يقودها بنفسه بصحبة صديقه الذي تولي قيادة سيارته، وتولى السائق عبده وإمام الحارس الخاص لجاسر قيادة السيارة الاَخرى ليتبعانهم من الخلف، كان طارق يتكلم ويبوح بما بداخله وكأنه انتهزها فرصة ليجد من يشاركه أوجاعه :

- قلبي محروق منها يا جاسر ، نفسي افهم هيا بتعاملني كدة ليه ؟ طيب لو عشان سمعتي، تديني فرصة عشان اتكلم واقولها اني من يوم ماعرفتها وانا مش قادر اللمس ولا اشوف واحدة غيرها، انا انسان مش وحش ياجاسر ، انا عندي عيوب وعيوب وحشة كمان ، بس اقسم بالله مستعد اصلحها واتوب عنها عشان خاطرها ، بس هي تديني فرصة ، فرصة بس اثبت لها فيها أنا بحبها قد إيه ونفسي اعمل عشانها إيه ؟

تأمل جاسر صديقه بشفقة قبل ام يرد على كلماته الحارقة:

- انا مكنتش أعرف انك بتحبها أوي كدة ، بصراحة كنت فاكره إعجاب أو نزوة من نزواتك .

ابتسم طارق بسخرية وهو يلتفت للنافذة ويرد عليه:

- حتى انت كمان ! دي على كدة بقى هي عندها حق انها تقفلها في وشي وتفتح ابوابها لكارم .

- كارم !

قالها جاسر بدهشة قبل ان يتذكر ماشاهده منذ قليل ، فقال باستدراك :

- انا أسف ياطارق ، اني ماخدتش مشاعرك بجدية واتلهيت عنك بمشاكلي ، بس انت لو تحب وافاتحها انا تحت أمرك 

تجهم وجه طارق فالتف يرد باعتزاز :

- لا ياجاسر انا مش هاتذللها ، ان ماكنتش هي تحس من نفسها يبقى بلاها أحسن ، مش يمكن بتحب اللي اسمه كارم ده ، ساعتها بقى هايفيد بإيه الكلام معاها غير إنه هاينقص من كرامتي .

صمت جاسر وقد اللجمه منطق صديقه في الدفاع عن ماتبقى من كرامته التي لا يريد إهدارها امام عشق يائس ، أو كما يظن هو لا أمل منه ، تذكر محبوبته وماكان يعانيه بعد رفضها له في البداية ، يحمد الله لانتهاء عذابه بالزواج منها سريعًا ، فلو استمر عنادها لأكثر من ذلك ، لا يعلم مالذي كان سيحدث وقتها ، هذا أن لم يصبه الجنون 


تكملة الرواية من هنا


تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close