القائمة الرئيسية

الصفحات

لا يليق بك إلا العشق البارت الرابع والخامس والسادس بقلم سماح نجيب كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 

لا يليق بك إلا العشق

البارت الرابع والخامس والسادس 

بقلم سماح نجيب

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

٤ – " كراهية ولا شئ آخر "


أغلقت حياء الكتاب الذى بين يديها ، وهى ترى زوج شقيقة والداها ،يفترش الأرض بجانبها ، فهى تفكر لما حضر إلى هنا ، أو ماذا يريد منها ؟ فجفاء عمتها معها ومع والدايها ، جعلها تحاذر بتعاملها مع زوجها أو أولادها ، خشية أن تثير مزيداً من جفاءها الذى لا تعلم له سبب أو مبرر


فتبسمت حياء بهدوء وهى تقول:

– أونكل شكرى حضرتك كنت عايزنى فى حاجة


إلتفت شكرى إليها ، بعدما كان يتأمل أمواج البحر التى ترتطم بالصخور ، يدير مسبحته بين أصابعه ، فضم حاجبيه قائلاً :

– أنا كنت جايلك علشان أتكلم معاكى بخصوص الخلاف اللى بين باباكى وعمتك عايزين نشوف حل علشان يبطلوا خناق مع بعض هم فى الأول والآخر أخوات


إبتهجت حياء بسماع ما قاله فأسرعت قائلة على الفور:

– ياريت والله يا أونكل شكرى أنا مش عارفة ليه عمتو قسمت بتعمل كده وبابا مبيحبش يزعلها 


زفر شكرى كأنه يحمل هماً ثقيلاً :

– عمتك طبعها صعب يا حياء حتى فى البيت برضه طبعها صعب معايا ومع ولادنا مش عارف أعمل فيها إيه ، غلبت معاها والله 


أماءت حياء برأسها موافقة على ما قاله ، فهى أختبرت طباع عمتها المتشددة ، فدائماً ما تتخذ صياحها وصوتها العالى فى فض كل أمر ربما تراه سيعرقل طريقها 


حفنة الرمال التى حملها شكرى بكفه من جانبه ، جعلها تتسرب من بين أصابعه ، فأسرعت الرمال بالهروب من يده ،كلما أرتفعت يداه عن مستوى الأرض 


قبل أن تفه حياء بكلمة ،كانت بعض ذرات الرمال تتطاير ،تضرب عينيها ، فشهقت بخفوت وهى تفرك عينيها بألم 

كأنه أنتبه على ما فعلت يداه ، فسارع بإبداء أسفه واعتذاره على ما فعله:

– أنا أسف يا حياء هو الرمل جه فى عينيكى أنا أسف ورينى كده حصلك إيه


مد يده فى محاولة الإمساك بوجهها ، فنأت برأسها عن مرمى يده وهى تقول:

– متقلقش هى هتبقى كويسة 


جاهدت على فتح عينيها ،التى صارت بلون الدم ،من كثرة فرك يدها بها ، فرأت أن تعود للمنزل ، وتبحث عن محلول معقم للعين 


فتركت مكانها وهى تقول:

– عن إذنك يا أونكل شكرى


حثت الخطى على الإسراع فى العودة للمنزل ،فعينيها ملتهبتان ، وتريد شئ يريحها من الألم ، فلم تنتبه لكتابها الذى تركته على الشاطئ ، ووجده شكرى فرفعه عن الأرض ، فتح الكتاب وجدها تخط إسمها وإسم نادر على أولى صفحات الكتاب 


فتبسم  قائلاً بسخرية :

– دا باين الدكتور نادر واكل عقلك خالص ، زى ما أنتى واكلة عقل اللى حواليكى يا حياء


ترك شكرى مكانه وهو يحمل الكتاب معه ، حتى وصل لإحدى حاويات القمامة ، فأطاح بالكتاب من يده فأستقر وسط النفايات ، فتبسم ووضع يديه بجيبه ، راحلاً من المكان 

____________

بإبتسامة مقتضبة كانت ولاء تضع ذلك الكتيب الصغير ، أمام ذلك العميل الذى أعتاد المجئ للمصرف من حين لأخر ، معللا ذلك بأنه يريد التعرف على إمكانية الحصول على ربح كاف من أمواله التى يدخرها بالبنك ، وإستثمارها ببعض المشروعات التى تدر أرباح نقدية 


فحاولت ولاء تصنع الهدوء قدر الإمكان وهى تقول بهدوء :

– زى ما قولت لحضرتك الكتاب ده هيوضح لحضرتك كل المشاريع اللى ممكن تنفع خططك فى إستثمار فلوسك


رفع ذلك الرجل الكتيب بين يده ، يقلب صفحاته ، ولكن عيناه ترمق تلك الفتاة التى أطرقت برأسها فى إنتظار إنتهاءه بإختيار المشروع الملائم 


همست ولاء بداخلها بعبارات الإستياء ، وهى تتمنى أن تترك مكانها ، فهى سأمت تلك المهنة ،التى ربما يبحث عنها الكثير ،ولكنها لا تلبى مطلبها فى العثور على طموحها ، الذى خططت له منذ أن كانت بالجامعة ، ولكن هى بحاجة للمال ، فلتعمل هنا حتى تستطيع توفير المال اللازم ،وتبدأ بتنفيذ مشروعها الخاص الذى يمكنها من ربح نقود كافية ، فهى تريد شئ خاص بها وليس تحت إمرة أحد


طال الوقت فنفذ صبرها ورفعت رأسها قائلة ببرود:

– خلاص حضرتك قررت إيه المشروع ولا لاء لأن خلاص ميعاد البريك قرب يا أفندم


ألقى الرجل الكتيب من يده مبتسماً بإتساع :

– طب ممكن أعزمك على الغدا أو نشرب قهوة مع بعض


– نعم يا أخويا

نطقت بها ولاء بخشونة وهى تلوى شفتيها ،فربما صعق الرجل من ردها الذى أفحمه وهو جالس ، فهى يبدو عليها أنها ليست كالفتيات اللواتى يسعين خلف الرجال الأثرياء


لا يعلم لما شعر بالخوف من تحولها المفاجئ ،بعد تهذيبها وصوتها الهادئ ، فإزدرد لعابه قائلاً بحذر:

– إيه الرد ده أنا بسألك سؤال عادى والله 


أشارت له بالنهوض وهى رافعة حاجبيها قائلة بصوت أقرب للتهديد:

– بص يا أبو سؤال عادى أنت أنا مليش فى السكة دى ،ولو أنت بتيجى هنا علشان كده ، فأحسن ليك تبعد عنى علشان عارف ليه 


فأنحنت قليلاً للأمام معقبة :

– علشان أنا بإمكانى أخليك تكره صنف حواء كله وأخليك تمشى تبص لأى ست تخاف منها 


شراستها لم تزده سوى إبتهاج بما يسمعه منها ، فكم يحلو له كسر ذلك العناد بها ، فتبسم قائلاً بثقة ربما زادت عن الحد المتعارف عليه :

– وأنا بإمكانى أخليكى تجيلى خاضعة 


عند تلك الكلمة ، هبت من مجلسها تتلبسها الشياطين ، فبإتيانه على ذكر الخضوع ، لم يزدها الأمر سوى حنقاً كأنها تذكرت حال أبيها مع والداتها الذى لا ينفك عن إهدار كرامتها

مذكر إياها أنها لن تكون سوى أداة لمتعته ، ويفعل بها ما يحلو له


فعلا صوتها صارخاً تلك المرة غير أبهة بما سيحدث لها لاحقاً:

– أتفضل قوم أمشى من هنا مش عايزة أشوف وشك أنت إنسان مش محترم وزبالة


هب الرجل من مجلسه هو الآخر ،يرمقعها بغيظ العالم أجمع ، فعلا صوته قائلاً بتهديد:

– أنا هشوف شغلى معاكى لو مخلتكيش أترفدتى من هنا مبقاش أنا 


تركها ذاهباً رأساً لغرفة مدير المصرف ، فطرقاته المتتالية عقبها بإدارة مقبض الباب وولج كالاعصار ، فترك المدير مقعده مرحباً بذلك العميل ، الذى يعلم من يكون هو من سوق رجال الأعمال


فإتسعت إبتسامته بترحيب:

– أهلا وسهلا يا فؤاد بيه أتفضل نورت البنك


لم يكن لديه الوقت على رد التحية ، فلسانه سبقه بإبراز إعتراضه على تطاول إحدى موظفات البنك بحقه :

– لا أهلا ولا سهلا فى بنت شغالة هنا قليلة الأدب ومعندهاش إحترام وشتمتنى إسمها ولاء 


ضم المدير شفتيه بعد سماع إسم ولاء ، فهو علم الآن ماحدث ، فتلك ليست المرة الأولى التى يأتيه شكوى بحقها ، فهى تشاجرت مع ثلاث عملاء من قبل ، ولكن إستطاع هو التغاضى عن ذلك الأمر فى سبيل معروف أسداه له راسل من قبل 


فحاول صرف غضب ذلك الشاكى فربت على كتفه قائلا بهدوء:

– طب إهدى يا فؤاد بيه وأتفضل أقعد وأنا أوعدك أن هتصرف معاها لو كانت ضايقتك


– مفيش حاجة إسمها هتتصرف معاها ، أنت ترفدها على طول

نطق بها فؤاد بغيظ من تلك الفتاة ، فكرامته ثائرة ولن تهدأ ، إلا برؤية تصرف جاد بحقها 


ولكن ما رآه على وجه المدير ،جعله يقطب حاجبيه معقباً:

– أنت مالك ساكت ليه كده أنت مش قادر ترفدها 


زفر المدير قائلاً بصوت مرهق:

– هو مش علشان حضرتك قولت أرفدها يبقى خلاص هرفدها لازم أسمع منها ومنك وأعرف اللى حصل مش جايز حضرتك اللى ضايقتها، ولاء عموماً مبتعملش مشاكل وشايفة شغلها ،ومبتخرجش عن هدؤها إلا لو كان الموضوع إتجاوز حده فقولى أنت عملتلها إيه أو قولتلها إيه


صمته الذى طال ،جعله متيقن من أنه هو من أثار حفيظتها منذ البداية ، فهو لا يخفى عليه أن فؤاد رجل مغرم بمواعدة النساء ، وربما علاقاته الغرامية الكثيرة يعلم بها القاصى والدانى ، لذلك لم يستبعد من ذهنه أن فؤاد أقدم على تجاوز الأمر مع ولاء الأمر الذى جعلها تثور عليه ، فهو حقاً يثنى على أخلاق تلك الفتاة ، فهو يعلم أنها بمثابة شقيقة راسل ، وهو ممتن له كثيراً لإنقاذه ولده  عند تعرضه لحادث ، وأجرى له جراحة كتب الله لها النجاح على يد راسل 

____________ 

وضعت قسمت ما بيدها على الطاولة ، فالأطباق المحمولة بالحلوى أصدرت صوت قرقعة على الصينية التى تعمدت على وضعها بغيظ ، فشعر ذلك الشاب بالحرج من فعل والدة عروسه المستقبلية 


فإبتلع لعابه قائلاً بإبتسامة مهزوزة:

– تسلم إيدك يا حماتى 


رفعت قسمت شفتها العليا ، وهى تضع كف يدها أسفل فكها ، ترمقه بإستخفاف ، فطالعته من رأسه لأخمص قدميه بتقييم ، كأنها أول مرة تراه وليس كونه خطيب إبنتها منذ ما يقرب من عام ،وعلى وشك الزواج بها بعد أيام ليست بالبعيدة


– كل الكيكة دى يا وحيد دى ماما عملاها بإيديها علشانك مخصوص

زحف الخجل لخد تلك الفتاة المسماة  " هبة " من إجحاف والداتها بحق خطيبها ، وربما بحقها هى أيضاً ،فهى منذ ذلك اليوم الذى تمت به خطبة حياء ، وهى لا تنفك على التقليل من حظها بالعثور على ذلك الشاب الذى لم يكن يمتلك من المال أو الثراء إلا القليل ، فهو بمقتبل حياته المهنية ، ولكن حبه لها وحبها له ، هو ما يجعلها تفضله على أى زوج أخر 


– أه يا أخويا كل بالهنا والشفا على قلبك

قالتها قسمت وهى ترمقه بنقم ، فكلما تتذكر خطيب حياء ، تزداد النيران بقلبها ، فلماذا تكون إبنتها ليست سعيدة الحظ مثلها بالعثور على زوج كذلك الذى عثرت عليه حياء ؟


غص وحيد بقطعة الحلوى ، غير قادراً على إبتلاعها ، فبدأت عيناه تدمعان من إختناقه الوشيك ، فبادرت هبة بإعطاؤه كوب الماء 


فرمقته قائلة بإشفاق وخوف:

– خد يا وحيد أشرب مالك فى إيه 


ربما سعاله هو من جعله يدرك أن ربما كان على وشك الموت ،إذا ظل معانداً ومحافظاً على وجهته أمام والدة عروسه 


بعد أن أنتهى وضع الكوب يردد عبارات الحمد والشكر لله ، فرأى قسمت تضم ذراعيها لصدرها قائلة ببرود:

– ألف سلامة عليك يا وحيد أنت شرقت ولا إيه المهم ما علينا عملت إيه فى موضوع القاعة اللى هتعمل فيها الفرح ، أنا عايزة الفرح فى أحسن مكان فيكى يا إسكندرية بنتى مش أقل من حد


حاولت هبة تخفيف وطأة الحرج عن وحيد فتبسمت قائلة بهدوء:

– وإيه لزمته الفرح يا ماما أحنا نوفر فلوس القاعة ونعمله على قدنا كده الفرح فى القلب 


عند هذا الحد ، إنتفضت قسمت من مكانها يعلو صوتها بحدة:

– نعم يا روح ماما مش عايزة فرح دا أنتى أول فرحتى ليه خرج بيت ولا معيوبة علشان يأخدك كده على السكت دا لازم يتعملك فرح متعملش قبل كده ،أنتى مش شايفة بنت خالك خطوبتها بس كانت فى قاعة عاملة إزاى ، وإسمها خطوبة مش فرح


نزلت كلمات والداتها عليها كالحجارة ، فلما تفعل ذلك ؟ فهى على علم ودراية بحبها لخطيبها ، وأنها لاتريد أن تورطه بما لا طاقة له به ، فهو وضع كل ما كان يملكه بتلك الشقة التى أشتراها وقام بتجهيزها ، ولم ينسى شراء مصوغات ذهبية لها ، فهو فعل كل ما بوسعه ، لتلبية مطالب والداتها التى تلتها عليه كإنها أحد نصوص الدستور الواجب تنفيذها قهراً 


تركت هبة مقعدها تقترب من والداتها لتجعلها تهدأ :

– ماما إهدى مش كده ميصحش كده وهو وحيد هيجيب فلوس لده كله منين 


نفضت قسمت يد إبنتها عنها قائلة ببرود:

– اللى ممعهوش ما يلزموش يا عين ماما 


رآى وحيد أن ينصرف من تلك الجلسة ،التى كانت بمثابة جلسة جلدت بها كرامته كلمات قسمت التى كانت أشد وقعاً من السياط 


فهم بالمغادرة قائلا بصوت خافت:

– عن إذنكم


دمعت عين هبة قائلة برجاء :

– وحيد أستنى بس هى ماما متقصدش حاجة أصبر بس


– لاء أاقصد يا عين ماما ولو مكانش هينفذ كل اللى قولت عليه يبقى نفضها سيرة وشيل ده من ده يرتاح ده عن ده 

قالتها قسمت ببرود ، وهى رافعة وجهها بأنفة خادعة 

فلم تعد لديه القدرة على تحمل ما يسمعه بحقه ،فأسرع بالخروج من المنزل يصفق الباب خلفه ، فأنهارت قدمى هبة جالسة مكانها وهى تنتحب ملأ فاها على ما فعلته والداتها


ولكنها لم تأخذها الشفقة او الرحمة بإبنتها فنهرتها بصوت غليظ:

– بطلى عياط وأسكتى أنا بعملك كرامة وبعززك متبقيش هبلة يا هبة


رفعت هبة وجهها لها ، بعدما كانت دافنة إياه بين كفيها فقالت بنهنهة :

– أنتى بتعملى ليه كده يا ماما أنتى ناسية ان خلاص أنا ووحيد مكتوب كتابنا دا المفروض فرحنا بعد كام يوم ليه كده عايزة تبوظى فرحتى ليه 


إقتربت منها قسمت تجذبها من مرفقيها ، حتى إستقامت هبة بوقفتها تقف وجهاً لوجه معها فهتفت بها بفحيح :

– وأنتى مسمية عريسك ده فرحة أنتى مش شايفة حياء عريسها عامل إزاى وبيشتغل إيه ده دكتور وشغال فى أحسن مستشفى وساكن فى أحسن منطقة فيكى يا إسكندرية ، مش زى عريس الهنا بتاعك اللى مش عارف حتى يشترى حتة عربية ولو منفذش اللى عيزاه هطلقك منه يا هبة وأجوزك سيد سيده


جحظت عيناها و شعرت هبة بالخوف من تلك الهيئة التى ترى بها والداتها ،كأنما تلبستها شيطانة ناقمة على كل ما يحدث حولها ،فهى تعلم مدى الخلاف بينها وبين خالها ، ولكنها لم تكن تظن أن الأمر تفاقم معها إلى هذا الحد ، فالكره الذى أطل من عينيها أنبأ هبة بأن والداتها تكن كل الكراهية لحياء الآن

_____________

جلست وفاء تلتقط أنفاسها من ركضها خلف سجود ، فهى   تحاول إمساكها منذ ما يقرب الخمسة عشرة دقيقة ، فإلى متى ستظل تعانى مع تلك الصغيرة ؟ فمثلما تفعل بالروضة مع معلماتها ،تفعل ذلك مع كل مربية تأتى لهذا المنزل ، ولا تجعل أحد يقربها سواها هى أو أبيها أو ولاء 


فأطلت سجود من خلف الستارة السميكة قائلة بصوت ضاحك :

– آنا وفاء أنا هنا 


وضعت وفاء يديها على رأسها وهى ترمقها بقلة حيلة :

– حرام عليكى يا سجود اللى بتعمليه فيا ده هتموتينى ناقصة عمر أنا مبقتش حمل الفرهدة بتاعتك دى يلا بقى يا بنتى عايزة أروح المحل وأوديكى حضانتك الجديدة


بسماع سجود أمر ذهابها لروضة جديدة ، خرجت من خلف الستار ، تمط شفتيها :

– مش عايزة أروح حضانة الأولاد هناك هيضايقونى 


أشارت لها وفاء بالإقتراب ، فببطئ كانت تتحرك سجود بإتجاهها حتى وصلت إليها ، فرفعتها وفاء تجلسها على ساقها ، فرفعت شعر الصغيرة عن وجهها 


– سجود حبيبتى لازم تتعلمى وشوية كده وهتروحى المدرسة وهتشوفى أولاد وبنات كتير وهيبقى ليكى أصحاب كمان بس أنتى متتخانقيش مع حد يا سجود أقولك هجبلك شيكولاتة وأنتى أديها لأصحابك فى الحضانة وخليكى شطورة وهم هيحبوكى ومش هيضايقوكى وهيلعبوا معاكى


قالت وفاء حديثها رغبة منها ، فى أن تفهم الصغيرة أهمية وجودها وسط أطفال بمثل عمرها ، خاصة بتلك المرحلة العمرية 


أماءت الصغيرة برأسها موافقة ولكن قبل أن تترك ساق جدتها ، رمقتها قائلة ببراءة :

– آنا وفاء هى ماما سافرت ليه وسبتنى أنا وبابا هى مش بتحبنها 


قبل أن تفه وفاء بكلمة سمعت سجود صوت أبيها يناديها بصرامة :

– سجود كفاية كلام ويلا علشان تروحى حضانتك وإياكى المرة دى تعملى مشاكل مفهوم وبطلى تجيبى سيرة مامتك كل شوية ماشى


تلك هى المرة الأولى ، التى ترى بها أبيها يحدثها بصرامة ، فتكونت الدموع بعينيها ، وركضت من أمامه تصعد الدرج للأعلى حتى تصل لغرفتها 


فرمقته وفاء بعتاب :

– ليه كده يا راسل ، وهى ذنبها إيه هى طفلة وطبيعى تسأل عن أمها بلاش قسوتك دى مع بنتك كمان ، عارفة أن أنت مبتحبش تسمع سيرة صوفيا بس ...


قبل أن تكمل حديثها ، أنتفخت أوداجه ، فكور قبضة يده قائلاً من بين أسنانه مغمغماً:

– مش عايزها تسأل عليها تانى مش عايز أفتكرها ولا عايز أسمع أسمها فى البيت ده تانى مفهووووم 


كأنه نسى مع من يتحدث ،فلامته وفاء بعينيها على حدته ، التى نالت منها هى الاخرى نصيبها ، ولكنها تضع له من الأعذار ما يجعلها تتغاضى عن فعلته


فهتفت به بشفقة ولطف :

– حبيبى حاول تنسى اللى حصل مش هتعيش عمرك كله بالشكل ده وانك عامل زى القنبلة اللى هيقرب منها هتنفجر فى وشه ، أنت مكانش فى أطيب من قلبك وحبك وخوفك على اللى حواليك ، بقيت حد تانى واخد بس الاسم والشكل من راسل القديم ، لكن اللى واقف قدامى حد تانى بقيت انا ذات نفسى معرفوش ، بتحاول تدارى الوجع ورا زعيق وقسوة وبرود ، وأنت لو فضلت كده هتخسر اللى باقى ليك يا راسل


إستمع لحديثها للنهاية ، فبأصابع غاضبة حل أزرار قميصه الأولى ، كاشفاً عن صدره يدمدم بسخط وهو يشير لأثار الندوب بجسده :

– لو أنا نسيت دول هيفكرونى يا ماما ، هيفكرونى بالكدبة اللى عشتها وصحيت منها على كابوس ومش عارف ليه حصل ليا أنا كده، عيزانى أنسى يبقى تمحى الذكريات دى من عقلى وخلى جروح قلبي قبل جسمى تخف ، ساعتها ممكن أنسى وأرجع راسل القديم ، محدش حاسس بيا وبالوجع اللى أنا فيه كل ما أبص لنفسى فى المراية ، وعلشان أريح حضرتك انا بقيت كده وهفضل كده ومش هتغير مش هتغييير


علا صوت صياحه بوجه وفاء ، فشعر برعونة تصرفه فأسرع يبدى أسفه وهو يأخذ يديها بين راحتيه يعكف عليهما مقبلاً بحب وندم :

– ماما أنا أسف أن عليت صوتى عليكى أنتى كمان سامحينى


أخذته بين ذراعيها ، فأنحنى إليها لفارق الطول بينهما ،فظلت تربت على ظهره ، فعلقت عيناه بالجدار ،كأنهما خاليتان من الحياة ، ولكن لا يعلم لما أخذته الرغبة فى الذهاب لذلك المبنى بالباحة الخلفية للمنزل ، فتركته وفاء تصعد الدرج لترى الصغيرة وتحاول صرف غضبها مما فعله أبيها


وقف أمام مقبض باب  تلك الغرفة بذلك المبنى الملحق بالمنزل ، وضع يده بداخل سترته ، وأخرج مفتاح وضعه فى مقبض الباب بتردد ، ولكن حسم أمره بالأخير وأدار المفتاح بالمقبض ، فسرعان ما أنفتح الباب ، ولج للداخل وضغط زر الإنارة المثبت بالحائط


أضيئت الغرفة بضوء شحيح ، فتلك الغرفة لم يطأها بقدمه منذ ما حدث  ، فالغبار تراكم على أثاث الغرفة ، وكذلك تلك اللوحات ، والتماثيل الجيرية ، التى لم تنتهى بعضها بصورة نهائية ، وخاصة ذلك التمثال ، الذى غطته بيدها منذ تلك الليلة ولم تقربه يد ، فهو يعلم من يكون صاحبه ، فتلك الساعات التى كان يجلس بها أمامها من أجل نحت تمثال له ، مازال متذكراً إياها 


ذلك الإطار الذهبى ،الذى يقبع بداخله صورتها ، تشابكت عليه خيوط العنكبوت ، فمد يده يزيلها ، ومسح بيده الغبار حتى أنكشفت الصورة أولاً عن عيناها ،تلك العينين الزرقاوتين اللتان أورثتهما لسجود ، لتتضح بعد ذلك ملامح وجهها كاملة ، من شعر أشقر بلون النحاس ،و بشرة بيضاء أكسبتها لون ذهبى خفيف من مكوثها بالشمس ، أنفها الصغير ، وفمها المتناسق مع وجهها لينتج بالأخير إمرأة فاتنة الجمال والمحيا 


غلى الدم بعروقه عندما رآى تلك الإبتسامة التى تزين ثغرها المغرى ، الذى مازال متذكراً كيف كان قادراً على سلبه كافة سبل الرفض لأى شئ تريده ؟  فكانت كلعنة أصابته بيوم ما زال يتذكره ، ومازال يعانى من أثرها حتى اليوم 


فتتابعت أنفاسه بسخط عارم :

– ليه يا صوفيا اللى حصل ده لييييه ، كان ذنبى ايه غير ان حبيتك ، بس طلعتى متستاهليش


أخذ الصورة بين يديه ، وألقاها أرضاً يتلف زجاج الإطار ، يدعسها بقدميه وهو يغادر الغرفة ، فخرج وأغلق الباب خلفه ووضع المفتاح بجيبه ، وذهب لمرآب السيارات يستقل سيارته للذهاب للمشفى

___________

بعد قضاء تلك الساعات بغرفة الجراحة ، ومقاومتها المستميتة فى الحفاظ على رابطة جأشها ، وأن تمنع عبراتها من أن تكسر محجر عينيها ، وخاصة وهى ترى ذلك الصغير المدرج بدماءه ، والتى عملت يد راسل على إنقاذه بفضل الله من موت محقق كانت تتيقن منه بين الفنية والأخرى


تبعته لغرفة مكتبه ، تترصدها أعين الممرضات الفضولية ، لمعرفة سبب مجئ تلك الفتاة وصوت نهنهتها التى سمعها كل من كان بغرفة الجراحة ، ولم يقدم راسل على طردها مثلما يفعل مع أى أحد يرى أنه سيتسبب فى تشتيت إنتباهه 


جلست على الأريكة ، ووضعت وجهها بين كفيها وبدأت تبكى ثانية ، فزفر راسل بثقل وجلس بجانبها يجذبها إليه ، فوضعت رأسها على صدره مغمغمة بأعين ممتلئة بالدموع :

– الطفل كان هيموت يا راسل كان هيموت فى أى لحظة ، أنت إزاى كنت متماسك كده 


ربت راسل عليها قائلاً بمهنية :

– لأن الجراح يا ميس لازم يبقى كده اومال أنتى مفكرة إيه وإزاى عايزة تبقى دكتورة جراحة وأنتى كل ما تشوفى حالة هتعيطى أنتى كنتى خليكى دكتورة أسنان أحسن 


أفلتت ضحكة خافتة من بين شفتيها ، وهى تبتعد برأسها عن صدره مغمغمة:

– أنت بتتريق عليا يا راسل أنت اصلا متعرفش فى الكلية فى التدريب كنت بعمل إيه كنت بقضيها عياط أنا مش عارفة ليه دخلت كلية الطب أصلاً يمكن من حبى فيك دخلتها 


غرز يده بشعره مغمغماً بإرهاق :

– أهو زمان الدكاترة والممرضين هيموتوا ويعرفوا انا سبتك تكملى معايا ليه ومخلتكيش تخرجى برا ، أنا عارف أنك هتجبيلى الكلام ، مش كفاية القصص والحواديت اللى بيألفوها عليها 


شعرت برعونة وسخافة أفعالها ، فحدقت به بأسف :

– أنا أسفة يا راسل لو هعملك مشاكل مش هاجى تانى 


رفع راسل وجهه لها ، علم أنها ربما تبكى ثانية ، وهذا ما لا يريده بوقته الحالى ، فتبسم بوجهها قائلاً:

– حبيبتى أنتى تيجى فى أى وقت بس بلاش بقى حساسيتك الزايدة دى عايزك قوية ويلا كمان علشان تروحى كفاية عليكى كده ، وعايز أروح أنا كمان حاسس أن أنا مرهق أوى


أماءت ميس برأسها عدة مرات قبل أن تقول:

– تمام يلا بينا وعلشان توصلنى كمان أهو إستغلال بقى 


فكر راسل متسائلاً :

– ليه جدك مش باعت معاكى جيش حراسة كالعادة


نهضت ميس عن الأريكة ، وخلعت الرداء الطبى الأبيض ، تبحث عن حقيبتها التى سبق لها وضعها هنا بالغرفة ، فألتفتت برأسها إليه :

– لاء باعت معايا وزمانهم برا قدام المستشفى بس عيزاك أنت توصلنى ومش هترفض زى كل مرة وأى واحد من الحرس يسوق عربيتى يلا بقى


جذبته من يده قبل أن يبدى أعتراضه ، فسألها أن تمنحه عدة دقائق ليكون على إستعداد لمرافقتها 

بعد ذلك بساعة تقريباً ، كانت سيارة راسل تعبر بوابة القصر ، حتى وصل للباب الداخلى ، تتبعه سيارة الحراسة 


بمكانه المعتاد بحديقة القصر ، كان رياض جالساً غير أبه ببرودة الطقس بذلك اليوم الذى أشتدت برودته ، لمح تلك السيارة التى يعلم لمن تكون ، فأشار لحارس يقف على مقربة منه 


فأدنى الحارس بجزعه العلوى منه ، فهمس له رياض بكلمات ، أسرع الحارس على أثرها لتنفيذ ما طلبه منه 


فأقترب من سيارة راسل وقبل أن تترجل ميس من السيارة قائلاً بصوته الخشن :

– دكتور راسل أنزل رياض باشا عايزك 


زفر راسل بضيق ، يرمق ميس التى تحاول أن توارى وجهها عن مرمى عينيه المتقدتين بغيظ عظيم ، ولكن حسم الأمر ، بأن فتح باب السيارة من جانبه ، وترجل منها يقترب من رياض 


ظلت عين رياض ترمقه بتقييم حاد ، وخاصة وهو يمشى بخيلاء ، فإذا أطاع أمره الآن ،فهو يعلم ما تنطوى عليه ملامح وجهه المتجهمة 


وقف راسل على مقربة منه ،تتبعه ميس التى بادرت بالاقتراب من جدها ، تقبله على وجنته ، تتخذ مكانها بجواره 


– أفندم يا رياض باشا 

قالها راسل ببرود ، ينتظر أن يخبره بأى شأن يريده حتى يعود لمنزله 


فأشار له رياض بطرف إصبعه من يده المستنده على عصاه :

– أقعد 


– مش عايز أقعد أنا مش فاضى عايز أروح فقول اللى عندك وخلصنى 

نطق بها راسل بصوت عالى، ولكن عندما أنتهى من عبارته الهجومية ، وجد عدة رجال يطوقونه بأسلحتهم النارية ، كأنه أفتعل جرم عظيم ، بأن يخاطب سيدهم بتلك الضراوة 


ولكن لم يبدو عليه الخوف ،بل ظل يرمق رياض بتحدى سافر ، فهو حتى لم يكن يعنيه ، إن خرج أحد الحراس عن تحفزه ، وأطلق عليه رصاصة غادرة ، ولكنه متيقن أن لن يفعل أحد منهم ذلك ، قبل أن يتلقوا أمر بذلك من رياض 


إلتوى ثغر رياض الذى خط بجانبه تجاعيد المشيب بإبتسامة :

– مش هتبطل قلة أدب أبدا يا راسل ولا لسانك الزفر ده اللى أقوى من زفارة السمك نفسه 


تبسم راسل بسخرية :

– من بعض ما عندكم يا رياض باشا سلام بقى علشان متأخرش على أمى وبنتى


تحرك راسل خطوتين ، ولكن قبل أن يبتعد أكثر ، سمع صوت رياض قائلاً بسخرية مماثلة:

– أبقى سلملى على أمك يا راسل 


كف راسل عن السير ، فألتفت برأسه إليه ،وعيناه تقدح شراً :

– من عينيا حاضر هسلملك عليها يا رياض باشا 


فعاد وأكمل طريقه إلى سيارته ، ودماءه تضخ حارة بجسده ، حتى شعر بإختناق ، وأن برودة الجو أصبحت كلسعات الشمس الحارقة ، من فرط غضبه ، ففكيه اللذان طحنهما ببعضهما حتى شعر بألم فى أسنانه ، لم يكن ذلك كافياً لتنفيث تلك الكراهية التى تسرى بعروقه مع دماءه جنباً إلى جنب

___________

مر يومان ،ومازالت عيناها تألمها ، فكافة السبل التى أتخذتها من أجل علاجها باءت بالفشل فى النهاية ، فما تلك الصدفة التعيسة التى جلبت زوج عمتها للشاطئ ، وحدث لها ما حدث ، فهى رفضت مجئ نادر لرؤيتها ، وخاصة أنها تجلس بغرفتها تعالج عيناها بالمحاليل المعقمة ، وبتلك الكمادات من الماء البارد 


ولجت مديحة الغرفة فصاحت بها بإستياء:

– وبعدهالك يا حياء قومى نروح المستشفى ولا لأى دكتور عيون أنتى دماغك ناشفة ليه كده أنتى عارفة ان عينيكى حساسة وبتلتهب من أاقل حاجة ليه بقى بتعاندى 


ضغطت حياء على عينيها قائلة بتعب :

– يا ماما أرجوكى كفاية بقى هى إن شاء الله هتخف متقلقيش


ولج عرفان الغرفة على أثر سماع صوت زوجته ، فرمق حياء بصرامة هو الآخر :

– حياء إسمعى كلام مامتك يلا هنروح حتى المستشفى اللى شغال فيها نادر أكيد فى دكتور عيون هناك ومش عايز أسمع كلمة


عندما حاولت فتح فمها للإعتراض ،سبقتها والداتها بالقول :

– متناهديش معانا قومى يلا


إستسلمت حياء لقول والدايها ، فتركت فراشها ، وأتجهت لغرفة الثياب أنتقت منها ثوب وحجاب ، أثناء نظرها بالمرآة ،رأت تلك الخطوط الحمراء التى تجمعت بعينيها ، فوالدايها محقان بشأن إصرارهما ، فأخذت إحدى نظاراتها السوداء وأرتدتها


صف عرفان سيارته أمام المشفى ، فترجلت حياء وتأبطت ذراع والداتها ، حتى وصلا للداخل ، فبعد السؤال عن دكتور خاص بالعيون دلتهم إحدى الممرضات على الغرفة الواجب عليهم الانتظار بها حتى مجئ الطبيب من أجل فحص أعين حياء


سمع عرفان صوت هاتفه ،فأخرجه من جيبه ، فنظر لزوجته وحياء :

– دا تليفون من المصنع هخرج برا  أرد على التليفون وأشوف الدكتور ده أتأخر ليه 


أماءت له مديحة برأسها ،بينما أغلقت حياء عينيها من خلف النظارة ،كأنها على وشك النوم ، بعد مرور عشر دقائق ، أصاب مديحة السأم فهبت واقفة وهى تقول:

– هو باباكى أتأخر ليه كده هخرج أشوف فى إيه والدكتور ده كمان اللى شكلنا هنستناه للصبح ، وأنتى مش راضية تخلينا نكلم نادر نشوفه فين


زفرت حياء بخفوت ، فهى لم تشأ أن تثير قلق نادر ولا أن تتسبب فى تعطيله عن عمله ويتلقى اللوم من مديره ، لذلك ترجت والدايها بألا يخبراه بشأن ما حدث لها 


ردت حياء بهدوء:

– لأن يا ماما ممكن يكون دلوقتى عنده كشف أو فى أوضة العمليات مش عايزين نعطله 


تمنت أن تكون حجتها كافية لإقناع والداتها ، فخرجت مديحة لرؤية سبب ذلك التأخير غير المبرر ، عادت حياء تستند برأسها على الجدار خلفها ، وأغلقت عيناها ثانية ، ولا تعلم لما شعرت بحاجتها للنعاس ، فباليومين الماضيين ، لم تأخذ كفايتها بسبب شعورها بألم عينيها 


سمعت صوت الباب يفتح ، فقالت بدون أن تفتح عيناها :

– خلاص يا ماما الدكتور جاى ؟


لم تستمع لرد ، ففتحت عيناها بفزع بعد رؤية من ولج لتوه ، فتأتات بحروفها قائلة بتلعثم ظاهر وببلاهة أيضاً :

– ههو أانت دكتور العيون 


قطب راسل حاجبيه بغرابة من قولها ، ولكنه لم يعقب على قولها بالرفض ، فهى إذا لا تعلم بأى تخصص هو يعمل ، ولا تعلم بكونه جراح وليس طبيب عيون


طرأت فكرة برأسه ، فتظاهر بالجدية قائلاً وهو يجلس خلف المكتب الموضوع بالغرفة :

– أيوة أنا دكتور العيون خير يا أنسة حياء مالها عينيكى


فما لتلك الصدف الغير سعيدة التى تحدث معها بتلك الآونة الأخيرة ، ولكن ألم عينيها جعلها ترضخ لقوله ،فنزعت نظارتها قائلة بألم :

– عينى زى ما أنت شايف كده ملتهبة جامد علشان دخل فيها رمل وبقالها يومين كده واستخدمت قطرة ومحاليل معقمة للعين بس برضه بتوجعنى


رآى عينيها الداميتان ، فأنتفض من مكانه يقترب من مقعدها ، وهو يحدق بعينيها ربما بمهنية جادة :

– يا خبر أنتى عنيكى فعلا ملتهبة جامد إزاى تسيبى نفسك كده يا حياء وهو فين دكتور العيون ده كمان حسابه معايا بقالك قد إيه مستنياه هنا


ردت حياء قائلة بعدم فهم :

– بقالى أكتر من ١٠ دقايق بس ثوانى مش أنت بتقول أنك دكتور العيون كنت بتضحك عليا 


أنتفضت من مكانها بغضب ، من تلك الخدعة التى مارسها عليها ،فهى ليست بوقت للمزاح ، فعلا صوتها معقبة بغضب:

– يعنى كنت بتضحك عليا يا دكتور راسل أنا عايزة أعرف إيه لازمة أنك تكذب عليا دلوقتى ، مش عيب كده عمايلك دى يا دكتور يا محترم أنا مشفتش برود من حد زيك كده أبدا 


كثرة إنفعالها ،جعلت الدموع تفر من عينيها ، مسحتها بأصابعها ، فسحب محرمة ورقية من تلك العلبة الموضوعة على المكتب 


فمد يده لها بها وهو يقول ببرود مزعج :

– خدى منديل أهو أمسحى دموعك أنا مش عارف كل ما تشوفى وشى بتتعصبى ليه يا حياء 


– علشان أنت بنى أدم تعصب اللى ميعصبش ، ولمت بشوفك دمى بيغلى ،  وأنا أساساً مش عايزة أشوف وشك لا فى الواقع ولا حتى فى الحلم ،


تبسم إبتسامة ذات مغزى وهو يهتف بها :

– أفهم من كده أنك كمان بتحلمى بيا يا حياء مصيبة لتكونى بدأتى تحبينى دا كده نادر يزعل


أتسعت طاقتى أنفها ، و تصاعدت أنفاسها بغضب أعمى ، فهى لم يزعجها أحد بحياتها مثلما يفعل ذلك الراسل ، لم تكره أحداً من قبل مثلما تشعر بكرهها المتزايد له مع كل نفس تتنفسه ، فكأن الهواء يدخل رئتيها معبأ بالبغضاء له 


فعضت على نواجزها ، تتصنع الهدوء فتساءلت :

– أنت بتعمل ليه كده وعايز منى إيه بالظبط ما هو مش معقول مضايقتك ليا دى من غير سبب فقولى عايز منى إيه 


إلتوى ثغره الرجولى بإبتسامة قائلاً بهمس مثير :

– عايزك يا حياء .....

_______________

يتبع .....!!!!!

أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين  ❤️♥️❤️

اعملوا لايك  ٣٠٠ لايك وقولولى رأيكم علشان نكمل الرواية مع بعض بدل ما أنشرها ورقى 

٥– " لى أنا وحدى "


سريان الخوف بعروقها ، جعلها تتراجع بخطواتها ، ومازالت عيناها على إتساعها منذ سماعها تلك الكلمة منه ، فماذا يقصد بها ؟  أرادت الحفاظ على مسافة أمنة بينها وبين ذلك المجنون ، نعم فهو مجنون ولا تراه بأى صورة أخرى ، وخاصة وهو يقف واضعاً يداه بجيب رداءه الأبيض ، ومازال مبتسماً تلك الإبتسامة التى جعلت الخوف يسكنها


حاولت أن تعثر على كلمة مناسبة فتلعثمت :

– ععايزنى دا إيه أنت كمان ، أنت مجنون ومختل كمان


زوى ما بين حاجبيه قائلا بهدوء بعدما فطن معتقدها بتلك الجملة التى لم تكتمل بعد :

– هو أنتى فهمتى إيه أنا كنت عايز أقولك أنا عايزك يا حياء تهدى وتبطلى عصبية ونرفزة


فأعقب حديثه بضحكة عالية مستطرداً:

– أنتى شكل كل أفكارك عنى مش ولابد بس عايز أقولك يا حياء مش أنا اللى أبص فى حاجة فى إيد غيرى لو حاجة متخصنيش من الأول تبقى متلزمنيش أصل مش غاوى رمرمة 


– رمرمة

قالتها حياء بفم مفتوح يكاد يصل للأرض ، فهو فظ غليظ القلب بتعبيره ، لا يجد بقاموسه ما ينمق به حديثه 


فتبسمت بسخرية وهى تقول :

– فعلاً تبقى رمرمة لو فى واحدة تعرف واحد زيك يا دكتور راسل دى اللى يتقال عليها رمرمة 


لن ينال من تلك المشادة الكلامية بينهما سوى زيادة حنقها ، وهذا ما لايريده بالوقت الحالى ، لذلك فضل أن يكتفى بما حدث 


فحمحم قائلاً بجدية :

– أظن كفاية عليكى كده إزعاج هبعتلك دكتور العيون


عندما هم بالمغادرة ، تنفست حياء الصعداء من كونها ستتخلص من وجودها معه وحدها بغرفة الفحص ، وما كادت تتراجع حتى تجلس على مقعدها ، حتى سقطت جالسة على الأرض تتأوه بصوت مسموع ، فهى أخطأت بتقدير القرب اللازم لها لتجلس على المقعد


إستمع راسل لصوت صيحتها المتألمة فألتفت خلفه وجدها تجلس على الأرض ، فرفع حاجبيه يقترب منها ينحنى إليها قائلاً باهتمام :

– أنتى إيه اللى وقعك كده هاتى إيدك


نأت بجسدها عنه وهى ترمقه بغيظ :

– لاء شكراً هقوم لوحدى أبعد وأنت مانع عنى الهوا كده 


تبسم على قولها ، وخاصة وهو يراها تحاول أن تضع مسافة كافية بينهما ، وضعت يديها على عينيها الحمراوتين ، فدموعها بدأت تزيد من شعورها بالآلام بها ، فرآى أن يكتفى بذلك وألا يزيد من ألامها 

مد يده على المكتب ، وأخذ نظارتها يقربها منها قائلاً :

– خدى نضارتك يا حياء


مدت يدها لأخذها منه ، فأنفتح الباب وألتفتت رأسيهما معها لرؤية من القادم ، فإزدردت حياء لعابها وهى ترى أبويها ونادر وطبيب أخر معهم ، فظلوا يحدقون بهم بنظرة أقرب للصدمة ، وهم يرون حياء جالسة على الأرض ، وراسل يجلس القرفصاء ، تجتمع يداهما على نظارة سوداء ، فمن يراهما ستملأ الظنون رأسه من إجتماعهما سوياً بهذا الوضع المريب


لمحت حياء وجه نادر من خلف إحدى منكبيى أبيها  ، فبوادر الغضب ملأت وجهه وعيناه تطالبها بتفسير ما يحدث ، فلا إرادياً حولت وجهها لراسل ، لعله يفسر سبب ما يحدث


فما كان منه إلا أنه أستقام بوقفته قائلاً ببرود كعادته يخاطب دكتور العيون :

– حضرتك متأخر على الكشف ليه يا دكتور الانسة قاعدة مستنياك بقالها كتير وباين عليها التعب


شعر الطبيب بحرج من قول راسل ، فتقدم منه قليلاً يبدى أسفه واعتذاره على تأخره :

– أسف يا دكتور راسل أصل ....


قاطعه راسل وهو يشير بيده ليبدأ بفحصها :

– لا أصل ولا فصل أتفضل أكشف عليها وأعملها اللازم عن أذنكم


بأقترابه من الباب تنحى عرفان ومديحة ونادر ، فخرج من الغرفة تتبعه نظرات حياء الكارهة ، فها هو يخرج من الغرفة ، كأنه لم يفعل شئ أو جعلها محط الشك من أبويها وخطيبها ، فظلت تلعنه بخاطرها للمرة التى لا تعلم عددها ، فأمتنت لإسراع والداتها فى مساعدتها بالوقوف ، فحتى قدميها تشعر بخذلانها بعدما قرأت ما تسطر على وجه نادر من شعوره بوجود شئ مبهم بينها وبين راسل ، وهذا ما لا تريده أن يفكر به أو يضعه معتقداً بباله 


فبعد إنتهاء الفحص ، وكتابة الطبيب للعقاقير الطبية اللازمة لها ،عادت لسيارة أبيها ترمق نادر من حين لأخر ،وهى تعلم أن لا بد له من سؤالها عما يحدث وهو لا يعلم ، فصمته الآن ماهو إلا وسيلة للصبر حتى تطيب عيناها وتقدم له تفسير لكل الأسئلة التى تضج بعقله

______________

مررت أناملها على ألوان حمرة الشفاه كمن تعزف مقطوعة موسيقية ، لإختيار أحدهم لطلاء شفتيها ، فوقع إختيارها على لون وردى ، فمطت شفتيها بتفكير ، هل تلك الحمرة ستتناسب مع ثوبها بلون العاج أم لا ؟  فأستحسنت إختيارها الذى سيبرز إستدارة شفتيها المغرية ، ضمتهما لتعود وتنفرجان بإبتسامة راضية عن مظهرها الأنيق والخلاب 


أنفتح باب حجرتها ، ولمحت والداتها تلج الغرفة ولكن وجهها المستدير به وجوم غير معتاد 

فإستدارت إليها قائلة بإهتمام :

– فى إيه يا مامى مالك وشك كده بيقول فى حاجة


نفخت تلك المرأة الخمسينية بضيق ،وتجاوزتها لتجلس على طرف الفراش الوثير ، فرفعت وجهها لها قائلة بتذمر غير معتاد :

– هند أنتى لحد أمتى هتفضلى ترفضى فى العرسان وعلشان إيه أنتى خلاص تميتى ٢٨ سنة مستنية تتجوزى وأنتى عندك خمسين سنة  وكل ما ييجى عريس ترفضيه 


عادت هند تنظر للمرأة ، وهى تعمل على ترتيب خصلاتها الفحمية ، فخرج صوتها لامبالياً :

– وإيه يعنى تميت ٢٨ سنة خلاص يعنى كده هعنس زى ما بيقولوا ، الكلام ده كان زمان يا مامى دلوقتى الجواز مبقاش له سن محدد ، التقاليد دى بقت قديمة أووووى 


لم تقتنع والداتها بأى حرف مما قالته ، فهى تعلم سبب عزوف أبنتها عن الزواج ، وكل هذا من أجل ذلك الطبيب الذى سلبها عقلها منذ أن رأته للمرة الأولى


فإلتوى ثغرها بإبتسامة هازئة :

– تقاليد قديمة ! ولا ده كله علشان الدكتور راسل اللى أصلا لا حاسس بيكى ولا شايلك من أرضك لا أنتى ولا غيرك 


تدفقت دماءها الغاضبة بعروقها ، بإقدام والداتها على تذكريها بطبيعة تلك العلاقة الواهية ، التى تتشبث بها هى من جانبها دون جانبه ، كمن تتمسك بطرف خيط معلق بالهواء


فتتابعت أنفاسها الحانقة وهى تقول:

– تقصدى إيه يا ماما أكيد راسل هييجى وقت ويحس بيا 


نهضت والداتها عن الفراش وهى تقول بسخرية :

– الوقت ده مظتش أنه هييجى يا هند وجايز واحدة تانية تاخده زى ما حصل كده فى جوازته الأولانية وطلعتى برضه من الموضوع إيد ورا وإيد قدام وجت حتة واحدة إيطالية خلته يجرى وراها ويتجوزها 


أرتفعت شفتها العليا قائلة بأهة سخرية :

– وأخد إيه من جريه وراها ولا حاجة ورجع تانى علشان تعرفى بس يا ماما أن راسل هيكون ليا وليا أنا بس ومفيش واحدة تانية هتاخده لأنه أصلاً دلوقتى مبقاش يحب حد يقرب منه وهو ده اللى معلقنى بيه أكتر 


يأست والداتها من جعلها تعدل عن التفكير به ، الذى لن يجديها نفعاً ، ولكن تصميم هند على الإقتراب منه ودفاعها المستميت عن تلك الرغبة التى تحدوها بأن تحمل لقب زوجته ،جعلها تبادر بالخروج من الغرفة ، قبل أن تتشاجر معها ،فهى إبنتها الوحيدة والتى لم تشأ لها سوى أن تحصل على كل ما أرادته بحياتها ،فهى مدللة لديها هى ووالداها ، وهما يعلمان بشأن ذلك الحب الذى لم تستطيع عيناها إخفاءه خاصة إذا كان راسل حاضراً بنفس المكان 


حاولت هند أن تعيد اللون إلى وجهها الممتقع بعد حديث والداتها معها ، فأفلحت فى ذلك بأن أعادت البسمة المغرية لشفتيها ، ولعينيها اللمحة المضيئة بشوق لرجل يعيش بسبات ثلجى ، كأنه قد من حجر ، وليس ذلك الرجل الذى كان عليه منذ سنوات وقبل أن يتزوج ، فكأن تلك الزيجة كانت كالسيف الذى شق قلبه نصفين ، لا يمت أحدهما للأخر بصلة 


خرجت من المنزل وأستقلت سيارتها الرياضية المكشوفة بدون غطاء  بلون أنثوى صارخ ، ألا وهو اللون الأحمر ، كلما سمعت صافرات الاعجاب من الشباب أو الرجال ، وخاصة وخصلاتها تتطاير كلما زادت بسرعة قيادة السيارة لتتخلص من ذلك الازعاج ، الذى ربما زرع بها ثقة بجمالها ، وأنها قادرة على جذب أى رجل إليها ، ولكن جمالها هذا لا يفلح فى جذب الرجل الوحيد الذى تريده ، كأن عينيه أصابها العمى لا ينتبه لعينيها وقلبها اللاهب بنيران الحب المستحيل كما وصفته والداتها بإحدى المرات ، ولكن عقلها رافضاً تلك المقولة ، أو ما توحى به ، فهى لديها من الصبر ما سيجعلها تنتظر مجئ ذلك اليوم الذى سيأتيها راسل به طالباً الود والوصال منها 


عند تلك الخاطرة إزدادت إبتسامتها إتساعاً ، فكم يحلو لها رؤية الاستجداء والحب بعينيه وهو يهمس لها بتلك الكلمة التى تتحرق شوقاً لسماعها وهى " بحبك "


غامت عينيها بهيام عندما لفحتها النسمات الباردة ، التى تذكرها بمن فاقها برودة ، فإلى متى سيظل صامداً يا ترى ؟ فهى سبق لها وأخدت ذلك القرار بأنه سيكون لها هى وحدها ، ولن تجعل أنثى أخرى تقربه ، حتى لو خرج الأمر عن السيطرة 

_____________

تتحرك أصابعه على شاشة الهاتف ، يرى الصورة تلو الأخرى ، يلوى شفتيه بإستهزاء وسخرية واضحة ، ولكن برؤية أى صورة لها ؛ يبتلع ريقه ، كمن يشتهى تناول قطعة من حلوى موضوعة أمامه ، ولا يستطيع الإقتراب منها ، عيناه تنهش وجهها البرئ بنظرات جائعة ، ولكن بسماع مقبض الباب يدور ، أغلق الهاتف سريعاً ، يستلقى على الفراش يتدثر بالغطاء السميك ، يتظاهر بالنوم ، حتى لا ينكشف أمره أمام زوجته 


أرتعد بخفة من أسفل الغطاء ، بسماع صوت إغلاق الباب وولوج زوجته وصوت خطواتها التى تقترب من الفراش 


إجتاحته برودة مفاجئة ، بسحب الغطاء من على نصف جسده تقريباً وهى تصيح به :

– لحقت تنام يا شكرى ولا عامل نفسك نايم يا حبيبى 


تظاهر شكرى بالنعاس ، وفتح عيناه ببطئ متثائباً ، كأنها أيقظته من نومه العميق قائلاً بصوت متحشرج :

– فى إيه يا قسمت بتصحينى ليه عايزة منى إيه سبينى أنام


جلست بجانبه على الفراش ، وهو يوليها ظهره ، كأنه يخشى الالتفات إليها ورؤيته لها ، فوكزته بكتفه لتجعله ينتبه لما ستقوله :

– أصحى كده يا أخويا وفوقلى خلينا نشوف هنعمل ايه فى جوازة بنتك هبة


بسماع أسم إبنته ، إعتدل بجلسته مقطب الجبين متسائلاً :

– مالها جوازة هبة ما كل حاجة خلاص وتقريبا مبقاش إلا الفرح والبت تروح بيت جوزها 


نظرت له قسمت بعمق عينيه قائلة بتصريح مدوى :

– وأنا مش عايزة الجوازة دى تتم مش عيزاها تبقى مرات واحد محلتوش غير مرتبه ، أنا عايزلها شاب يكون قيمة ومركز وفلوس


أتسعت حدقتيه من تصريح زوجته ، بنيتها فى تخريب زيجة إبنتها ، فإن كان أحياناً يخشى ردود أفعالها ، إلا أن إبنته لها مكانة خاصة بقلبه ، ولن يرتضى بتحطيم أحلامها وقلبها ، وخاصة أنه يعلم بحبها لزوجها 


فصاح بها وهو ينتفض من على الفراش :

– أنتى بتقولى إيه يا ولية أنتى أتجننتى عايزة تبوظى جوازة البت لاء دا أنتى مخك ضرب على الاخر بقى يا قسمت أنا بقولهالك أهو أبعدى عن البت وجوازتها فاهمة


ضيقت قسمت ما بين عينيها وهى ترمقه بحدة ، فتركت مكانها ، ووقفت أمامه وجهها لوجه كندين على وشك العراك 

– لا يا راجل وكمان بتعلى صوتك عليا بدل ما تشوف حل وتشوف مصلحة بنتك عايز ترميها ، ولا أنت مش فاضى اليومين دول وعندك حاجة تانية شغلاك ، قولى شايفلك واحدة تانية زى ما كنت بتعمل زمان ، ماهو ديل الكلب عمره ما هيتعدل


فإن كان أحياناً يتغاضى عن صوتها العالى ، وحب السيطرة لديها ، فإنه هو الآخر ليس بالسهل أو اللين  ، فربما يفوقها أيضًا بطلاقة اللسان ، والافعال التى تأتى بنتائج ربما تكون مضرة فى بعض الأحيان ، كإقدامه على ضربها مثلما كان يفعل سابقا ، ولكنه تخلى عن ذلك بالسنوات الأخيرة ، يعاملها بدلال زائف ، فهى صارت شقيقة رجل الأعمال الثرى " عرفان الطيب " لذلك أتخذ الخنوع والخضوع مسلكاً لحياتهما سوياً ،فتلك النقود التى تحصل عليها من شقيقها ، هى من تجعله يعيش بأريحية وخاصة صيت " عرفان " الذى يحسن هو إستخدامه بمختلف مصالحه الشخصية ، فيكفى أن يخبر أحد أنه زوج شقيقة " عرفان الطيب " فيجد كل شئ ميسر له 


شعر بحرارة تغزو وجهه وهو يقول بخوف يداريه خلف إنفعاله الزائف :

– واحدة تانية إيه يا ولية أنتى أصحى لنفسك يا قسمت مش علشان بسكتلك يبقى خلاص


خشى أن تكون زوجته فطنت لشئ مما يحدث بالأونة الأخيرة ،وخاصة بعد عودة تلك الجميلة من بلاد الغرب بعد إتمام تحصيلها الدراسى بإدارة الأعمال ، فتذكر ذلك اليوم الذى كانت به فتاة صغيرة سافرت للولايات المتحدة الأمريكية من أجل دراستها ، وعادت شابة جميلة ، كأنها نبتة صغيرة ، صارت زهرة نقية تمثلت بفتاة ، فهو لا يخشى زوجته فقط ، ولكن يخشى الجميع ، غافلاً عن خشيته من الله ، فأفكاره السوداوية عن تلك الفتاة ربما لو علم بها أحد ، لن يرتضوا سوى بقتله وهذا ما يستحقه رجل لا تسرى بعروقه سوى الخسة والدناءة ، واللهث خلف المحرمات 


عندما حاولت مد يدها لأخذ هاتفه ،كان هو الاسرع بإلتقاطه من على الوسادة ، فأيقنت أن ربما يخفى شئ لا يريدها أن تعلم به ، فبسطت يدها وهى تقول :

– هات التليفون يا شكرى وقولى مخبى إيه كده وخايف أشوف التليفون ليه 


وضع الهاتف بجيب سرواله البيتى قائلاً :

– وأنتى تفتشى فى تليفونى ليه يا قسمت وهخاف منك ليه أو من غيرك يلا بقى سبينى أكمل نومى ومتوجعيش دماغى


عاد للفراش ثانية ، فسحب الغطاء وأغمض عينيه ، كأنه يخبرها بأن حديثهما أنتهى لهذا الحد ، ظلت قسمت واقفة بجوار الفراش ، وهى عاقدة ذراعيها أمام صدرها ، تنتوى أن تعلم ما يخفيه ، فهى لن تهدأ قبل أن تكشف أمره المبهم لها ، وخاصة ذلك الشعور الذى نمى بداخلها ، بأن شئ ربما سيكون كارثى ، سيحدث قريباً ولا تعلم لما تشعر هكذا تلك المرة ،على الرغم من أنها كانت على علم ودراية بأفعال زوجها السابقة بشأن مصادقته لنساء أخريات ، ولكن كان ذلك بالسابق ، فهى ظنت أنه تخلى عن تلك العادة القبيحة لديه ، عندما بدأ التقرب منها والتودد إليها بالأعوام الماضية 

____________

حاول تنظيم أنفاسه اللاهثة ، من كثرة ممارسة تلك الرياضة التى تتطلب منه جهداً كبيراً وعنيفاً بعض الأحيان ، فذلك روتينه اليومى قبل نومه ، فهو يريد أن يصاب بالاجهاد ، حتى يغفو بنومه سريعاً ، ولا يصاب بالسهاد الذى يجعله يسترجع أحداث الماضى كاملة 

بعد أن رأى أنه أخذ كفايته ، عاد لضرب الكرة بالمضرب ثانية ، والعرق يتصبب من وجهه ، جولة أخرى وشعر بألم ذراعه ، فألقى المضرب من يده ، تعمل يداه على تجفيف عرقه بتلك المنشفة البيضاء الصغيرة الموضوعة على مقعد بأحد زوايا الغرفة 


خرج من الملعب خاصته ، وأثناء مروره من أمام الغرفة الأخرى ، لمح ذلك الإسم المنقوش على الجدار بألوان زاهية ، كتلك التى كانت تستخدمها برسم اللوحات ، ولكن مكتوب بحروف عربية ركيكة ، فهى لم تكن تحسن الكتابة أو النطق بها إلا بعد جهد منه فى تعليمها بعض الكلمات والحروف باللغة العربية 


ساقته قدماه حتى وقف أمام ذلك الجدار ، وتأمل الإسم ملياً ، فعصفت به ذكريات كالرياح المشتدة وخاصة بذلك اليوم الذى رآى به تلك الفاتنة التى حملت لقب زوجته فيما بعد 


عودة لوقت سابق 

صوت ضحكة صاخبة صادرة من غرفة مكتب صاحب المشفى ، تلك الضحكة التى تخص هند ، والتى كانت تخبره بأحد المفارقات التى حدثت معها أثناء مجيئها له بالمشفى ، فأتسعت إبتسامته على مزاحها ، ولكن قبل أن يفه بكلمة ، سمعا صوت طرق على باب الغرفة ، ولجت على أثره إحدى الممرضات بعد سماعه يأذن لها بالدخول


بمنتصف الغرفة وقفت الممرضة قائلة بأدب جم :

– دكتور راسل حضرتك فى حالة جت فى حادثة عربية لسائحة إيطالية تقريباً وعايزين حضرتك 


ترك مقعده قائلاً بجدية :

– عن إذنك يا هند أشوف فى إيه 


نهضت هند هى الأخرى ترمقه بإبتسامة عريضة:

– ولا يهمك أشوفك بعدين سلام


رحلت هند من المشفى ، وذهب هو لرؤية تلك المريضة التى أخبرته بشأنها الممرضة ، ولج غرفة الجراحة ، وجد فتاة جبينها غارق بالدماء ووجهها أيضاً ، فأسرع لرؤية مدى الضرر الملحق بها ، لم يكن الأمر يشكل خطراً ، فجروحها لم تكن غائرة ، وتستطيع التماثل للشفاء بوقت ليس بالطويل ، فبعد الانتهاء من أمر بوضعها بإحدى غرف المشفى لحين إفاقتها 


وبعد ذلك بمرور يوم واحد ، كان راسل يلج الغرفة لرؤيتها بعد أن أخبرته الممرضة بشأن إفاقتها ، ولكنها بحالة من الاستياء ، يعلو صوتها بلغة لم يفهمها أحد من الممرضات 


سمع صوتها الناعم قائلة بصياح بوجه إحدى الممرضات:

– أين أنا ؟ وماذا حدث ؟ أريد الذهاب من هنا ، ألا تفهمين 


رأى راسل الممرضة تبذل ما بوسعها لتجعلها تهدأ وهى تشير إليها بيدها لعلها تفهم ما تقوله ، فناولتها كوب من الماء البارد ، فأطاحت به من يدها 


فتتابعت أنفاسها الحانقة وهى تقول :

– لا أريد شئ سوى الذهاب من هنا 


وضع راسل يده بجيب رداءه قائلاً بهدوء وحزم :

– كثرة إنفعالك ستؤدى بك للشعور بمزيد من الألم ، فلتحاولى أن تصمتى قليلاً ، وأن تخفضى صوتك العالى ، أنت هنا بالمشفى ، ويجب عليك إحترام راحة المرضى الأخرين ، فصوتك مزعج للغاية أيتها السيدة ، بالمناسبة ما أسمك ؟


كفت عما تفعله ، عندما سمعت ذلك الصوت الرجولى ، الذى يحدثها بلغتها بإتقان ، فقطبت حاجبيها قائلة بتساؤل :

– أسمى صوفيا و من أنت أيها الرجل ؟ هل أنت ملاك أسود ترك جنته ، وجاء للبحث عنها هنا على الأرض ، ولكن هنا الجحيم بعينه ، فالجحيم شطرين ، أحدهما هنا أمامك الآن ، وسيجعلك تخلع عنك أجنحتك البيضاء 


تعجب راسل من حديثها الذى حمل تعبيرات مبهمة وغرابة أيضاً ، فعن أى جحيم تتحدث ؟ فهل الحادث له تأثير على قواها العقلية ، فهو يخشى أن يكون حدث لها ذلك بالفعل


فأقترب منها وقام بفك الضماد الأبيض الملفوف حول رأسها ، فتطلعت إليه بزرقاوتيها ، جعلته ربما يحبس أنفاسه لمرآها ، فكم هى حقاً جميلة بل فاتنة ، وخاصة أنها أستكانت تحت لمساته الخبيرة فى الاطمئنان على سلامة الجرح الذى أصابها ، فبعد أن أستبدل الضماد بأخر ، تراجع عن الفراش ، قبل أن تزهق أنفاسه بإبتسامتها الخلابة ، فأى لعنة جعلتها تأتى لمشفاه وماذا يحدث معه ؟ فتلك ليست المرة الأولى التى يرى بها إمرأة أو فتاة جميلة ، ولكنه لم يرى مثل تلك التى مازالت ترمقه بنظرات ربما وقحة بعض الشئ 


وضعت ذراعيها خلف رأسها وهى تستند على الوسادة خلفها قائلة بإبتسامة :

– إذن فأنت طبيب هنا ، فهمت الآن ، ولكن لا أخفى عليك سراً فأنت جذاب جداً أيها الطبيب الوسيم ، فكم أتحرق للحصول على عناق منك الآن ، ألا تعطنى إياه ، فأصرف تلك الممرضة ، ما رأيك أن نحظى ببعض الخصوصية


فهى ليست وقحة وحسب ، بل لديها جرأة تفوق الرجال ، ولكن ربما ذلك عائد لنمط حياتها الغربية ، حمد راسل الله ، على أن الممرضة لم تفهم ما قالته 


فحاول رسم ملامح الجدية على وجهه وهو يخاطبها بغضب :

– مابك أيتها السيدة ،ألا تخجلين مما تقولين أنت هنا بمصر وليس ببلدك الغربى ، فلتتسمى ببعض الاخلاق قليلاً ، إنك وقحة للغاية 


إتسعت إبتسامتها ،وأعتدلت بجلستها ، وهى تشير بيدها للممرضة بأن ترحل ، فإلتفتت الممرضة برأسها لراسل لعله يفهمها ماذا تريد منها ؟


حمحم راسل قائلا بهدوء :

– روحى أنتى شوفى شغلك 


خرجت الممرضة من الغرفة وأغلقت الباب خلفها ، فوثبت صوفيا عن الفراش ، ووقفت أمامه ، وكلما أقتربت خطوة ، إرتد هو أخرى إلى الخلف ، ولكن قبل أن تضع ذراعيها حول عنقه ، قبض على أحد كفيها يمنع إلتصاقها الوشيك به 


فصاح بها غاضباً :

– هل جننتى ؟ هل أثر الحادث على عقلك أم ماذا ؟ أنتِ هنا بمشفى فلتلتزمى بالأداب المتعارف عليها 


ظن أن بشده على معصمها سيجعلها تتوسم به القوة ، ولترهبه قليلاً ، ولكن ما زادها هذا سوى أنفلات عقلها ، فجذبته بيدها الحرة من ياقة قميصه ، حتى صار وجهها لا يبعد عن وجهه سوى إنش واحد ، فحتى إذا فتح فاه سيصبح العناق واقع لا محالة ، ولكن بدفعة قوية ، جعلها تترنح بوقفتها ، ينأى بجسده عنها ، فالغواية كانت قريبة ، والوقوع بذلك الجرم كان وشيكاً ، فهو بشر وليس ملاك ، ولكن ربما قيمه التى زرعت به ، هى من جعلته يتراجع بالأخير 


فجاءها رد فعل غير متوقع منه ، فهو رفع يده وهوى بها على وجهها بصفعة قوية ، جعلت وجهها يدور للجهة الأخرى ، من شدة وقع الصفعة على وجنتها 


فعادت بوجهها له ثانية وهى جاحظة العينين ، لم تصدق ما فعله بها ، فدمدمت بذهول :

– ماذا فعلت ؟ ألا تعلم أنه بإمكانى الزج بك خلف قضبان السجن جراء ما فعلته أيها الطبيب المغرور ، فمن بإمكانه مقاومة إغراء فاتنة مثلى ، فأنت رجل شرقى متخلف ، ربما من العصور الوسطى 


فأزالت ملامح الذهول عن وجهها ، وأنفرجت شفاهها الوردية بإعجاب ظاهر معقبة :

ولكن أتعلم راقنى ما فعلت ، فلتمنحنى عناقاً الآن تبدى به أسفك على تلك الصفعة التى تلقتها وجنتى المسكينة 


فهو أجزم الآن ، أن تلك المرأة مختلة ، وليست بوعييها ، فرأى أن يخرج من الغرفة أفضل من الوقوف هكذا بوجه تلك الفاتنة اللعينة ، التى يخشى أن تهدم كل ما لديه من قوة وثقة وقيم أيضاً 


لم يطأ غرفتها ثانية بعد ذلك اليوم ، بل جعل طبيب أخر يشرف على علاجها ، ولكن لدهشته لم يأتيه شكوى أخرى بحقها ، بل أخبرته الممرضة المسئولة عنها ، بأنها صارت أكثر هدوءاً ولم تعد تثير المتاعب ، مثلما كانت تفعل بأول يوم لها هنا ، فلا يعلم لما ظن أنه ربما مارست جنونها على الطبيب المعالج لها الآن ، ولكن هو يعلم أن ذلك الطبيب متدين ورجل له زوجة وأطفال ، ويعلم أنه ليس له بمصاحبة النساء ، عوضاً عن ذلك فالممرضة ترافقه منذ دخوله وحتى خروجه ، أى أنه لا يظل بمفرده معها بالغرفة 


إذن لما فعلت معه هو ذلك ، بخضم تفكيره وشروده ، سمع طرق على باب غرفة مكتبه ، تبعه فتح الباب ، فرأى صوفيا تقف على الباب مبتسمة المحيا ، فظل صامتاً وهو يراها تلج الغرفة تقترب من المكتب 


فجلست على مقعد تحدق به بهدوء :

– لقد جئت إليك لأبدى أسفى على ما فعلته عندما رأيتك أول مرة ، فلا أعرف لما فعلت ذلك ؟ فأنا أسفة ، فربما يرجع ذلك لتأثير المخدر الذى جعلنى أتفوه بتلك الكلمات السخيفة ، وأن أتصرف بتلك الحماقة ، فلتغفر لى ، فأنا سأترك المشفى اليوم ، ولم أشأ الذهاب قبل أن أعتذر منك على ما بدر منى 


أنتظرت رده على ما قالته ، فما كان منه سوى أن تبسم ، يومأ برأسه قائلاً بهدوء وصوت رخيم :

– لا عليك ، فلم يحدث شيئاً ، فلتعتنى بنفسك ولتكونى أكثر حرصاً بالمستقبل 


بعد مغادرتها المشفى بعدة أيام ، وأثناء سيره على أحد الشواطئ السياحية ، التى ذهب إليها لقضاء عطلة قصيرة ، لمحها تخرج من الماء بثوب السباحة الذى لم يكن يستر من جسدها إلا القليل ، تشبه إحدى الجنيات وهى تخرج مبتلة الشعر ، تتبختر بمشيتها بدلال ، فظن بالبداية أن ما يراه لم يكن سوى حلم نسجه قلبه الراغب برؤية تلك الفاتنة ثانية ، ولكن لم يكن صوتها هذا حلماً وهو يراها تقترب منه 


فتبسمت بغنج :

– مرحباً أيها الطبيب الوسيم ، لقد ألتقينا ثانية ، وأعلم أنك كنت تريد رؤيتى أليس كذلك ؟


ظلت تحث الخطى على الإقتراب ، وصوت دقات قلبه تعلو وهو يراها تقترب منه ، حتى أدنت بوجهها من وجهه و...


ولكن قبل أن يستكمل تذكره لما حدث بعد ذلك ، سمع صوت إبنته تناديه :

– بااااابى


فأرتعد بخفةِ بعد عودته لوقته الحالى ، وهو يرى سجود تركض إليه ، فرفعت ذراعيها إليه رغبة منها فى أن يحملها ، فأنحنى إليها وحملها عن الأرض ، فوضعت ذراعيها حول عنقه ، فظل يرمقها بتفحص ربما زاد تلك المرة عن أى مرة أخرى ، وخاصة أن سجود كأنها نسخة مصغرة من صوفيا ، ولكنه لم يستطيع أن يحمل كراهية لأبنته حتى وإن كانت تحمل ذلك الشبه بينها وبين تلك التى حطمت كل ما كان لديه من إنسانية ،  كان يحاول هو الحفاظ عليها ، بعدما كان بصغره يتلقى خيبة تلو الأخرى 


فتبسم بوجه صغيرته قائلاً بحب :

– سيجو أنتى عايزة تشوفى ماما مش كده أيه رأيك نروح نشوفها


أبتهجت الصغيرة بسماع ما قاله أبيها فصرخت قائلة بحماس :

– أيوة يا بابى عايزة أشوفها هى رجعت من السفر خلاص وهشوفها


أماء راسل برأسه باسماً قائلاً بإصرار :

– أيوة يا روحى هى رجعت خلاص وهوديكى ليها تشوفيها خلاص يلا بينا نطلع دلوقتى ننام علشان بكرة نروح نشوفها 


وضعت سجود رأسها على كتف أبيها مطوقة عنقه بمحبة ، فأخذها عائداً للمنزل ، فأتجه صوب غرفته ووضعها بفراشه ، وذهب للمرحاض وبعد أن انتهى من الاغتسال عاد للغرفة ، فأستلقى بجوار أبنته التى ألقت برأسها على ذراعه يضمها إليه بحنان ، وبعد دقائق معدودة غفت الصغيرة بحضن أبيها ، وظل هو يفكر فى تلك المقابلة المرتقبة ، والتى لابد له من خوضها ، فهو يعلم أن ربما ستكون النتائج غير مرضية ، ولكن لا يملك حيلة غيرها

_______________

بعد أن تماثلت عيناها للشفاء ، وطابت بشكل نهائي ، هاتفها نادر يخبرها بشأن زيارته لها اليوم ، فكم هى سعيدة وهى تقف أمام المرآة تنهى إرتداء حجابها ، تزداد إبتسامتها بترقب لمجيئ خطيبها الوسيم ، حتى وإن كانت تعلم انه قادم أولاً من أجل معرفة ما استعصى عليه فهمه يوم الخطبة ويوم ذهابها للمشفى ، ولكنها أخذت قرارها بأنها ستخبره بكل شئ ، فلم يتبقى على زواجهما الكثير


ولجت الخادمة الغرفة وهى تقول بإعجاب ظاهر ومحبة :

– بسم الله ماشاء الله زى القمر يا ست حياء يا بخت دكتور نادر بيكى هياخد عروسة بدر منور


تبسمت لها حياء بعد ذكر اسم نادر فردت بخجل :

– تسلمى يا دادة ده كله من ذوقك وعينيكى الحلوة


سمعا صوت جرس الباب ، فسرى الدم بعروقها حاراً ، من فرط الخجل الذى تدفق بشراينها ، فقبل أن تذهب الخادمة لفتح الباب 


سبقتها حياء قائلة بسعادة :

– خليكى يا دادة أنا هفتح الباب 


أسرعت حياء إلى الباب لفتحه ، وإبتسامتها تملأ وجهها ، فربما يديها التى قبضت على مقبض الباب اصابتها رجفة خفيفة من كثرة حماسها المختلط بخجلها 


فتحت الباب وهى مازالت باسمة ولكن برؤيتها من يقفان على الباب ، ماتت بسمتها على الفور ، فدمدمت بصدمة:

– أنتم ......


______________

أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين ❤️♥️❤️


دوسوا يا قمرات لايك قبل القراءة والكومنت بعد القراءة عايزة تفاعل ناااار فى مفاجأت كتير اوووى فى الرواية  ومتنسوش التعليق برأيكم ❤️❤️

٦ – " ذكريات بنكهة الدماء "


خبت إبتسامتها شيئاً فشيئاً ، وهى ترى زوجان من العيون ترمقها بملامح مكفهرة من الغضب ، فعلمت أنه سيثار العديد من المشكلات الآن ، ربما يصاحبه صياح هذان الشابان اللذان لم يكونان سوى أبناء الخادمة التى تعمل لديهم ، فهى على علم ودراية بشأن رفضهما لعمل والداتهما لديهم أو لدى أحد أخر ، حاولت أن تبتسم ، فلم تفلح فى فعل ذلك ، فما كان منها سوى أن دعتهما للدخول


فرفعت يدها تشير لهما بهدوء :

– أهلا وسهلا أتفضلوا 


ولج الإبن الأكبر يتبعه شقيقه الذى يصغره بعامين فقط ، فقبل أن يصلا لمنتصف الصالة ، طالعها الأكبر سناً شرزاً فهتف بها بغيظ لم يفلح بكظمه :

– فين أمى لو سمحتى عايزينها


حاولت حياء تهدئة الوضع ، حتى تجنب الخادمة صياح أبناءها عليها ، فهى رآت ذلك من قبل ، وكم من مرة عانت الخادمة من مر الشكوى من أبناءها ، فهم لا يتركوها بحالها ، فهما يضيقان عليها الخناق ، على الرغم من جفاءهما بمعاملتها ، وإلهاء كل منهما بحياته الخاصة ، وتركها بدون أنيس ولا جليس يرعاها 


بإبتسامة هادئة حاولت إسكانها بين شفتيها ، كانت حياء تحدثهما بهدوء كعادتها دائماً :

– أنا عارفة أنتوا جايين ليه وعارفة أنكم زعلانين علشان مامتكم بتشتغل هنا بس هى هنا مش شغالة دى تعتبر واحدة من أهل البيت


صاح الإبن الأصغر سناً :

– إحنا أمنا متشتغلش خدامة عند حد هى فين خليها تجى دلوقتى حالاً


فربما كانت حياء ممتنة ، لعدم خروج أبويها من الغرفة حتى الآن ، حتى لا يصير الموقف أكثر تأزماً ، فكل من بالمنزل يكنون محبة خالصة لتلك الخادمة التى عملت لديهم منذ سنوات طوال ، وكم من مرة حال عرفان بين أن تحدث مشكلات بينها وبين ولديها ، فكان حريصاً على أن يخمد ثورتهما عليها بكل مرة يأتون بها إلى هنا


هرولت الخادمة بعد سماع صوت ولدها الصغير ، ففركت يديها بجلبابها وهى تقول وعيناها على وشك البكاء :

– أنتوا إيه اللى جابكم هنا دلوقتى وعايزين إيه ، دا أنا بقالى ٦ شهور مشوفتش وش حد فيكم ، ولا حد سأل فيا ، عايشة ولا ميتة ، كل واحد فيكم ملهى بحياته ومراته وعياله 


فأكملت بدموع لم تفلح بكبتها :

خلاص سيبونى بقى فى حالى ، على الأقل لو مت فى حد هيعرف ، مش زى ما انتوا عايزين تحبسونى فى البيت ولو جرالى حاجة محدش هيحس بيا 


فرت دموعها على وجنتيها ، من تلك القسوة التى أختبرتها من ولديها ، اللذان عكفت على تربيتهما ونشئتهما بعد وفاة زوجها ، حتى أصبح كل منهما شاباً متزوجاً ولديه أطفال ، وكأن صلتهما بها اقتصرت إلى هذا الحد ، متناسيان أنها والداتهما ، ولها الحق برعايتهما لها ، فالله ورسوله أوصى ببر الأم ، فالجنة تكمن تحت قدميها ، ولكن ربما هما متغافلان عن ذلك


أقتربت منها حياء تطوق كتفيها ، تربت عليها بحنان :

– بس يا دادة أهدى ومتعيطيش 


طالعتها الخادمة بنظرات محبة ، فهى عملت هنا بالمنزل عندما كانت حياء بالسادسة من عمرها ، فعوضاً عن أن تجد المواساة من ولديها ، تجدها من ما لايجمعها بهم سوى المعروف والمودة 


تدخل الإبن الأكبر ، غير راضياً عن ذلك المشهد الدرامى الذى رأى أنه ليس بمحله الآن ، فتأفف بصوت مسموع وهو يقول :

– يا أمى مينفعش كده شكلنا إيه قدام الناس لما يعرفوا ان أمنا بتشتغل خدامة فى البيوت عايزة تضيعى سمعتنا قدام الناس وخصوصاً إن إحنا دلوقتى مبقناش زى الأول وعندنا شغلنا ووضعنا قدام الناس 


– وماله بقى شكلكم قدام الناس بقى هى أمكم لاسمح الله بتعمل حاجة غلط أو حرام

قالها عرفان وهو يخرج من غرفته ، برفقة زوجته بعد سماع صوت صياح بالخارج ، فخرج من الغرفة ليعلم ما يجرى بالخارج


بسماعهما تلك العبارة التى أخترقت مسامعهما من عرفان ،  تخلى كل منهما عن تصلبه برأيه ، وخاصة أن عرفان هو من ساعد كل منهما على أن يصل إلى ما صار عليه الآن 


فأحنى كل منهما رأسه قليلاً ، وهما يران عرفان يتقدم منهما ، ولم يكن ما ابداه كل منهما من إحترام ، سوى الحفاظ على تلك المساعدات التى لم يبخل عرفان بتقديمها لهما عند الحاجة 


فأزدرد الأبن الأصغر لعابه قائلاً :

– ماهو مينفعش أبقى أنا مهندس وأخويا محامى قد الدنيا وأمنا لسه شغالة فى البيوت ، أنت عارف إن الحياة مظاهر يا عرفان بيه


إبتسمت مديحة بسخرية مما تسمعه فردت قائلة بتساؤل :

– طب طالما أنتوا شايفين كده وعايزين أمكم تفضل فى البيت مبتسألوش فيها ليه ، وسايبنها لوحدها ليه ، عايزينها تقعد بين أربع حيطان تكلم نفسها ، على الأقل هنا بتلاقى حد بتتكلم معاه ، تحس انها عايشة وسط ناس ، طالما أنتوا بتبخلوا عليها بده ، وهى هنا من أهل البيت وغلاوتها محفوظة عند الكل ، ولو حد سألكم قولوا أنها قريبتنا لو بتتكسفوا 


شعور عارم بالفخر إجتاح حواسها ، وهى ترى دفاع أبويها المستميت بالحفاظ على كرامة تلك المرأة التى لم تخلو عيناها من حمل عبارات الشكر والامتنان لهما على أنهما اقدموا على الدفاع عنها أمام ولديها ، اللذان تملك منهما الجحود ، فبعد نصف ساعة ، أنصرف الشابان بعد أن خابت كل محاولاتهما بأخذ والداتهما ، ورفضها هى ذاتها بأن تذهب معهما 


فهى تعلم ما سيفعلان بها ، فسيتركناها بمنزلها مع عدة وعود واهية بالمجئ إليها ، ويذهب كل منهما ، ولا ترى وجه أحد منهما ربما لمدة أشهر طويلة ، فتلك ليست المرة الأولى التى يحدث بها ذلك ، فهى سأمت هذا منهما ، فلتظل هنا بهذا البيت ، الذى لم تلقى به سوى كل محبة ومودة لها من ساكنيه

____________

صوت حذاءها وهو ينقر الأرضية المرصوفة أمام أحد المقاهى ، ربما صارت دقات قلبها أكثر صخباً عنه من الترقب بسبب إلحاح خطيبها بالطلب لرؤيتها ، خاصة أنه لم يأتى لمنزل أبيها ثانية بعدما ساهمت والداتها فى تثبيط عزيمته ، بشأن إقامة زفاف باهظ التكاليف مثلما تريد 


رأته جالساً على إحدى الطاولات ، يرتكز بمرفقيه على الطاولة يستند بذقنه على يديه المضمومتين ، حاولت تنظيم أنفاسها المتسارعة من شدة خوفها مما تنسجه بمخيلتها الآن ، من أنه ربما سيضع حدًا لزيجتهما ، فهى تعلم أنه إذا كان ظل صامتاً على أفعال والدتها ، فهو لم يفعل ذلك سوى إكراماً لها ولحبهما 


أنتبه على صوت جر أحد مقاعد الطاولة ، فرفع وجهه ، وجد هبة تبتسم له بتوتر وهى تقول :

– وحيد خير فى إيه طلبت منى أجيلك هنا ، ليه مجتش عندنا البيت 


أكفهرت ملامحه بإتيانها على ذكر ذلك المنزل ، الذى لم يلقى به سوى مهانة مبطنة خلف حديث قسمت الساخر معه

فرد قائلاً بنزق :

– عيزانى أجى البيت عندكم وأمك تسمعنى كلامها اللى زى السم ده أنتى مفكرانى إيه ، لو بسكتلها فده احتراماً بس لسنها وعلشان هى تبقى حماتى غير كده والله كنت رديت عليها ، أنا مش جاى من الشارع علشان تعمل معايا كده


نظرت هبة حولها بحرج ، وهى ترى أعين الناس الجالسين مسلطة عليهما ، خاصة بعد إرتفاع صوت وحيد الساخط


فإزدرت لعابها قائلة بصوت متحشرج :

– طب إهدى يا وحيد صوتك عالى والناس بدأت تتفرج علينا 


بدأت عيناها تتكون بهما سحابة من العبرات التى حملت كل منها صورته الغاضبة بداخلها ، فتأفف من ذاته على سخافة فعله ، فهو لا يريد بها سوءاً أو هماً ، فتلك الفتاة هى عشقه عندما كان بعمر العاشرة ، وكم كانت سعادته بالغة ، عندما تقدم لخطبتها وعقد قرانه عليها ، ولكن لا يعلم لما أنحرفت مسار أحلامه ، بتدخل والداتها الغير مرغوب منذ البداية ، فهو أبتلع كل إهانة منها فى سبيلها ، ولكن لكل إنسان طاقة من الصبر ، فإن نفذ مخزون صبره ، تصبح النتائج وخيمة


فأبدى أعتذاره قائلاً بحنان :

– أنا أسف يا هبة ، بس بجد مبقتش قادر أستحمل عمايل مامتك أكتر من كده 


أماءت هبة برأسها تفهماً :

– عارفة والله يا وحيد أنك مضايق بس مش عارفة أعمل ايه ولا ليه ماما بقت مصممة بالشكل ده على الفرح فى قاعة غالية ، حتى قالتلى لو مش هتعمل اللى هى عيزاه هتطلقنى منك ، وتجوزنى واحد غيرك


لم تعى فداحة قولها الذى لم تنتبه عليه ، إلا  بعد رؤيتها حدقتيه تتسعان ؛ ليحملق بها فاغراً فاه كأن أحد صعقه بالكهرباء 


فخرجت كلماته تحمل صدمة قوية :

– تطلقك منى وتجوزك حد تانى ! دا اللى هو إزاى يعنى وهى مفكرة أن أنا هطلقك لو طلبت منى ده  دى أمك بتحلم يا هبة 


ضربة قوية من كفه العريض على الطاولة ، أحدثت صوتاً أرتجف له بدنها ، فحتى وإن خشيت غضبه وثورته ، لا تنكر شعورها بالسعادة كونه مستميت بالحفاظ عليها كزوجة 


فوضعت رأسها بين راحتيها تدمدم بصوت منخفض :

– طب هنعمل ايه دلوقتى يا وحيد قولى


– أنتى تجيبى شنطتك وتيجى على شقتنا 

قالها وحيد بهدوء ، فرفعت رأسها تحملق به بعدم فهم 


فقطبت حاجبيها قائلة بتساؤل :

– يعنى إيه أجيب شنطتى وأجى على شقتنا عايزنى أهرب من بيت بابا


رفع وحيد حاجبيه قائلاً بغرابة :

– تهربى ! هبة يا حبيبتى أنتى مراتى فاهمة يعنى ايه ومكنش فاضل إلا الفرح بس وتيجى على الشقة بس طالما امك واقفلنا فى الموضوع ، فسيبك منها بقى وتعالى نعيش فى شقتنا 


تراجعت بجسدها تستند بظهرها على المقعد ، فأطرقت برأسها أرضاً :

– مقدرش يا وحيد أعمل كده لازم اخرج من بيت بابا برضاهم ، مش ان أحطهم قدام الأمر الواقع ، مش عيزاهم يغضبوا عليا 


زفرة مستاءة أطلقها وحيد من فمه ، فهتف بها بنفاذ صبر :

– بصى يا هبة أنا اللى عليا عملته ، وأستحملت وأنا سايبلك حرية الاختيار ، وأنتى يا بنت الناس اللى أنتى عيزاه هعملهولك حتى لو عيزانى أطلقك يا هبة 


لم يزد كلمة واحدة ، فأشاح بوجهه عن مرمى عينيها ، فتساقطت دموعها سخية على وجنتيها ، فأخذت حقيبتها تفر من المكان تسرع الخطى بالذهاب ، ترك مكانه ليلحق بها ، فتباطئ قليلاً لدفع ثمن المشروبات ، ولكنها أسرعت بالاشارة لأحد سيارات الأجرة ، وأتخذت مكانها بها ، تأمر السائق بالانطلاق 


– هبة هبة استنى

سمعت صوته يناديها ، ولكن صوت شهقاتها كان يصم أذنيها ، وهى ترى أحلامها تحترق أمام عيناها ، فهى حقاً لا تلومه ، بل تلوم والداتها التى وضعتها بمنتصف طريق لاتعلم أى منهما تتخذه ، لتريح كلا الطرفين ، فهى لا تريد خسارة زوجها ، ولا تريد غضب والدايها ، فحتى والداها وإن كان يقف بصفها ، فهى على ثقة تامة أنه ليس من المستبعد ، أن يغير قراره ، إذا ألحت والداتها بالأمر  

_____________

تلك المرة أسرعت الخادمة بفتح الباب بعد سماع صوت الجرس ، فربما الزوج المستقبلى لحورية ذلك المنزل ، قد وصل الآن ، ولج نادر للداخل بعد إبتسامة أهداها للمرأة التى رحبت بقدومه ، فهى تعلم ما مكانته بنفس حياء ، التى تكن لها محبة الأمهات لبناتهن 


وقفت حياء باسمة بخجل :

– أهلا يا نادر أتفضل 


جلس نادر فى مقعد ليس ببعيد عن مقعدها ، الذى عادت لتجلس عليه ، بينما تركها أبويها يجلسان بمكان ليس ببعيد ، ليتركان لها حرية التحدث مع نادر ، فهى سبق وأخبرت أبويها بشأن سوء الفهم ، الذى أنطبع بذهنهما يوم ذهابهم إلى المشفى ، ولا تنسى كيف كانت رد فعل والدايها ، عندما أخبرتهما بشأن أنها كانت ستلقى حتفها بشكل خاطئ 


فمديحة ظلت تبكى وقتاً طويلاً ، حتى ظنت أنها تبالغ برد فعلها ، وعرفان أنتفخت أوداجه حينها ، مصراً على الذهاب لراسل ، لاتخاذ إجراء قانونى بحقه ، ولكن إستطاعت هى إخماد غضبهما ، مشددة على أنه لم يكن واعياً لما يفعل ، وأنه ليس خطأه ولكنه خطأها لأنها هى من ولجت الغرفة وهبت لمساعدته ، ولا تعلم لما بادرت بالدفاع عنه ، بالرغم من بروده ورفضه إبداء أسفه على فعلته


رفع نادر رأسه يرمقها بهدوء :

– قوليلى بقى يا حياء ايه موضوع الدكتور ''راسل صفى الدين " بالظبط


أنصت إليها باهتمام ،فبدأت بسرد أحداث ذلك اليوم ،عندما قابلته لأول مرة ، وكل كلمة تجعل نادر يقطب حاجبيه بغرابة مما يسمعه ، فلم تترك حدث واحد ، إلا وأخبرته بما وقع لها من ذلك الطبيب صاحب المشفى 


فختمت حديثها قائلة بتساؤل :

– دى كل الحكاية من أولها فى عندك سؤال تانى ؟ أنا جاوبتك على كل حاجة يعنى اللى بيحصل ده سوء تفاهم مش أكتر ، وهو شكله مغرور اوى بس أنا مش بسكتله بس بالرغم من كده محاولش يتجاوز حدوده ، كان الموضوع كله كلامه السمج والبارد 


هاهى للمرة الثانية يسبقها لسانها فى تبرئته من إقدامه على أى فعل يخل بالسلوك الإنسانى ، ولا تعلم حقاً لما تفعل ذلك ، فكأن لسانها مبرمج على أن تضع له عذراً ، ولكن تلك هى طبيعتها لم تقدم بيوم على ذكر مساؤى أحد ، حتى وإن نالت منها ما يجعلها مستاءة ، كحال عمتها قسمت معها ، فهى تفعل ما تفعله ولا تأتى هى بذكرها بالسيئ


أنفرجت أسارير نادر بعد أن أنتهت من حديثها ، فتبسم لها إبتسامة جعلتها تخفض وجهها أرضاً ، تفرك يديها بثوبها 


فخرج صوته جذاباً كلحن تهواه أذنيها التى تكاد تصم من شدة دقات قلبها الصاخبة 

– خلاص يا حياء اللى حصل حصل ومتبقيش تيجى المستشفى، علشان ميحصلش مشاكل تانى


أماءت حياء برأسها ، ولكن ثبطت عزيمتها ، فى أن ترى ثورة نادر متذرعاً بالغيرة ، فلا تنكر أنها كانت راغبة فى رؤية ذلك الجانب منه ، فهو دائماً متأنقاً ومهذباً بسلوكه ، فهى أرادت أن تراه بتلك الصورة التى تسعى كل أنثى لتراها بحبيبها ، وهى أن تراه يغار من كون رجل أخر يحاول أن يثير غضب محبوبته ، فجل ما فعله نادر أنه ظل صامتاً ، ينظر لها بغضب ، ينتظر أن تقدم له تفسيراً لما يحدث معها ، والآن يطوى الأمر طى النسيان 


فردت حياء مجيبة إياه بفتور :

– إن شاء الله يا نادر


فربما هى فتاة عاطفية أكثر من اللازم ، فدائماً ما تستهواها قصص الغرام ، التى تراها بالافلام أو تقرأها بالقصص ، تريد فارساً مغواراً ، يجعلها تشعر بالتحليق فى السماء ، من مجرد كلمة يخبرها بها تتضمن كل معانى الحب 


فهى لا تنكر حبها له ، ولكنه يشبه حالة من السكون والهدوء التى تجتاح مدينة صاخبة ، فهى تريده كعاصفة برياح دافئة لا تبقى ولا تذر من البرود والجفاء شيئاً ، يجعلها تشعر بأن كل دقيقة برفقته عمر أخر 


قطبت حاجبيها من كم تلك الأفكار التى تعيث أضطراباً بعقلها ، فعنفت نفسها على ما يراودها من أفكار ، فرفعت رأسها ترمقه بهدوء ، تحاول أن تستدعى بداخلها تلك الفتاة التى وقعت أسيرة خضراوتيه منذ أن رأته بالمرة الأولى ، ولكنها لا تعلم لما فشلت فى فعل ذلك الآن

______________

تلتفت الصغيرة حولها بهذا المكان المزدحم بالأطفال ، والذى لم يكن سوى مدينة الألعاب ، التى ترتادها دائماً برفقة جدتها أو ولاء ، ولكن تلك المرة الأولى التى يصطحبها بها أبيها ، فتضاعفت سعادتها بمجيئه وبترقبها لرؤية والدتها المنتظرة ،  فأنكمشت بجانب والداها تطالعة بإبتسامة ، وخاصة وهى تراه يبتاع لها حلواها المفضلة ، وتلك البالونات التى أبتهجت بشراءه لها  ، ولكن أبيها أخبرها بأنهما أتيان لمقابلة والداتها ، التى عادت أخيراً من سفرها ، رفعت رأسها تنظر لأبيها ، الواقف أمام أحد بائعى الحلوى ، واضعاً يديه بجيبى معطفه الأسود السميك ، ينتظر إنتهاءه من إعداد تلك الحلوى المسماة " غزل البنات" والتى تحب الصغيرة تناولها 


فشدت سجود أبيها من يده قائلة ببراءة :

– هى فين مامى يا بابى أنت مش قولت هنيجى نشوفها هى هتيجى هنا الملاهى علشان تلعب معايا


إستدار برأسه إليها فأنحنى إليها يحملها على ذراعه ، فقبلها على وجنتها قائلاً بأسف وترقب :

– سجود ماما مش هتيجى وهى مكنتش مسافرة أنا ضحكت عليكى سامحينى يا حبيبتى 


قطبت الصغيرة حاجبيها بعدم فهم مما يقوله أبيها ، فهى مازالت صغيرة لاتعى معنى إقدامه على الكذب ، بشأن وجود والداتها ، فعقلها الصغير مازال يرى العالم على أنه المدينة الفاضلة ، التى يسير كل شئ بها بالحب والسعادة ،ولكنها لم تعى بعد حجم تلك الشرور التى تسكن النفوس 


– مش هتيجى ليه يا بابى

نطقت عبارتها ، رغبة منها فى أن يقدم لها أبيها تفسيراً وإيضاحاً لما يخبرها به الآن ، فتململها على ذراعه ، كأنها تريد ترك مأوى ذراعيه ، بعد أن هدم أمنيتها التى أستيقظت عليها من نومها اليوم ، بأنها سترى والداتها ، تلك المرأة التى لم تسمع عنها سوى أنها راحلة خارج البلاد منذ أن سألت عنها بالمرة الأولى


فرد قائلاً بصوت شابه الارتجاف :

– مش هتيجى علشان أنتى معندكيش ماما يا سجود


تحفز جسده كاملاً ، وهو يرى صغيرته تريد الفرار من بين ساعديه ، وربما ستبدأ الأن فى البكاء والنحيب على صنيعه بها ، فحاول أن يهدأ من حركات جسدها التى بدأت تزداد وخاصة أنها بدأت بضربه بقبضتيها الصغيرتين على كتفه ، بعدما تطايرت البالونات من كفها الصغير ، وتلبط الهواء بقدميها رغبة منها فى أن يفلتها من حصاره


فصرخت بصوتها الطفولى بوجهه :

– أنت كذاب وبتضحك عليا مامى هتيجى أنا عندى ماما عندى مامااااا


ليتها تعلم أن تلك التى مازالت متشبثة بها ، لم تكن تريدها منذ البداية ، فهو يتذكر نزقها وكرهها لما تحمله بأحشاءها ، وإقدامها عدة مرات على التخلص منها قبل أن تبصر النور ، فهو من أستمات لمجيئها ، وبذل اقصى ما بوسعه لتلدها أمها بخير ، فهى قطعة منه من روحه وقلبه ، وكم ملأ البشر والفرح وجهه عندما علم بحمل والداتها بها ، ولكن هى من جعلته يعيش كل ثانية بقلق وخوف من أن لايراها ، مما جعله يفرض عليها قيود وأحكام حتى حانت لحظة ميلاد الصغيرة 


سكنه الخوف ربما تلك هى المرة الاولى منذ وقت طويل ، فحاول إسترضاءها بكلماته :

– خلاص يا حبيبتى ماما هتيجى خلاص متزعليش أنتى عندك ماما أهدى يا سيجو علشان خاطرى مش أنتى بتحبى بابى وبتسمعى كلامه


كفت الصغيرة عن الحركة ، وأبتسمت من بين دموعها ، بعدما أخبرها بتلك الكذبة ثانية ، شأنها شأن كذبه عليها بإتيانه لها هنا ، فهو رأى ان هنا ربما سيكون أفضل مكان يستطيع به التحدث معها بشأن عدم مجئ والداتها ، فظن انها ربما ستنسى السؤال عنها ، حتى وإن قدم لها تفسيراً بأن صوفيا توفت ولا يستطيعان زيارة قبرها ، فهى لم تدفن بمصر ، بل بمسقط رأسها فى إيطاليا ،ولكن قدميه لم تطأ تلك البلاد منذ أن عاد منها حطام رجل ومعاناته وشتى ألوان العذاب التى تلقاها هناك ، على يد رجلين ، لم يكن يعلم لما يفعلان به ذلك 


أودع الصغيرة أرضاً ، بعدما شعر بتلك الوخزات التى توخز قلبه قبل جسده ، فكأنما مازال يشعر بطعم الدم بفمه ، وضربات السياط والعصى الخشبية ، كأن مشهداً سينمائياً يمر أمام عينيه الآن 


عودة لوقت سابق

بغرفة لا يعلم أين تكون ، سوى أنها بأحد السجون المشددة يتدلى جسده من السقف ، معلق القدمين بأصفاد حديدية ، كالشاة الذبيحة ، يتأرجح جسده كلما ناوله ذلك الرجل الفظ ضربة بتلك العصى الخشبية ، ليعلو صوت صراخه من شعوره بأن عظامه ربما على وشك الكسر والتحطيم


ليقترب منه ذلك الرجل الغليظ ، يقبض على رأسه الذى يشعر بأن كثرة تدفق الدماء به ، ستودى بحياته بأى وقت 


فهمس بأذنه بصوت مرعب :

– ألن تخبرنى لما قتلتها أخبرنى هيا قل لما قتلتها 


ليعود ويسدد له عدة ضربات أخرى ، ليتأرجح جسده كورقة شجرة فى موسم الخريف بمهب الريح ، تنتظر أن تسقط من غصنها تتلقاها الأرض بصدر رحب ، فتطفر الدماء من جسده ، يشعر بأن روحه تستل من بين جنبيه ، فعندما يرى الرجل أنه نال كفايته ، يأمر بفك أصفاده الحديدية ، بعد أن يرى أنه سيصل لشفير الموت 


يجره رجلان أخران من تحت إبطيه ، جسده متراخياً ، تحتك قدميه بالأرض او ربما نصف جسده الأسفل كاملاً ، حتى يصلان لتلك الغرفة ، ويلقيان به على ذلك الفراش ، ليأتى طبيب لمعالجة جروحه ويتماثل للشفاء ، وتعاد الكرة مرة أخرى


لم  يكن يعلم أن ببلاد الغرب ، يوجد بالسجون تعذيباً كالذى يتلقاه ، ولكن يبدو أن الرجلان اللذان يتناوبان على تعذيبه ، يضمران له شيئاً خفياً ، فهما ساديان يمارسان عليه شتى أنواع التعذيب البدنى ، فكم من مرة توسلهما ليخبرا أهله بمصر بأنه ملقى بأحد السجون ، ولكن لم يعيره أحد منهما إنتباهاً ، كأنهما لايعرفان شئ يخصه سوى تلقيه العذاب على يديهما 


يجلس على الأرضية الباردة لايستر جسده سوى سروال قصير ، لايصل لمنتصف فخذيه ، يضم ساقيه بذراعيه ، ويستند برأسه على الجدار ، يحملق بالفراغ ، فهو يتم إيداعه بتلك الغرفة كنوع أخر من التعذيب النفسى ، قبل أن يذهب لإحدى جلسات التعذيب البدنى ، وخاصة سماعه لصوت خرير الماء المتواصل المثير للجنون ، من كثرة سماعه بهذا الصمت المطبق بالمكان ، فحتى حيلته فى أن يصم أذنيه عن سماع الصوت ، لا تأتى بثمارها ، فعوضاً عن ذهابه للمحكمة لمقاضاته بتلك التهمة المنسوبة إليه ، يجلس هنا ، فعقله يكاد يجن من كثرة التفكير ، فهناك شئ خاطئ لا يستطيع تفسيره ، فى خضم تلك المعاناة التى يعانيها ، وهو لما يعذبانه هكذا ؟


حاول أن يتذكر كم مضى على وجوده هنا بهذا المكان ؟ أيام لم يحسن عدها وحسابها، فعقله لا يفكر بشئ سوى أن يجد تفسيراً لما يحدث معه ، ولكن ظل عقله عاجزاً عن إيجاد إجابة شافية تريحه من كثرة التفكير ،  ولكن ربما هو هنا منذ خمسة أشهر كاملة ، أنتزعت منه أدميته ، أهدرت كرامته و كبرياءه ، ربما إذا ظل هنا أكثر من ذلك ، سيصل لحافة الجنون أو سيقتل من كثرة التعذيب


– تناول طعامك أيها الإرهابى 

قالها أحد الرجال المختصين بإحضار طعامه وشرابه ، وهو يلقى الطعام أمامه ، الذى تناثر نصفه على الأرضية ، فدائماً ذلك الرجل يدعوه بتلك الكلمة " الإرهابى " كونه  شاباً مسلماً وعربياً أيضًا 


لم يقرب الطعام جوفه ، فهو حتى غير قادراً على بلعه ، وغير قادراً على مد يده لأخذه ، فعاد وأستند على الجدار يغلق عيناه ، يشعر بدماء دافئة تسيل من شفته العليا ، أحس بطعمها بجوفه ، الذى لم يعد يشعر بشئ به سوى طعم الدم 


عاد من إحدى ذكرياته السوداء ، وهو يشعر بدماءه تسير حارة بجسده ، كمن فاقت درجة الغليان ، فحتى ثيابه الثقيلة أحس كأنها جبال لا طاقة له على حملها ، كأن الهواء منع عنه فجأة 


يعلو صدره ويهبط بحركة مستمرة ، يغمض عيناه حتى تمر تلك السحابة السوداء من ذكرياته ، ويستعيد هدوءه وتوازنه 


شدت سجود على يده وهى تقول :

– بابى فى إيه 


فتح سوداوتيه ونظر لطفلته قائلاً بصوت يكاد لا يسمع :

– مفيش يا سجود يلا بينا نروح 


كأن الطريق للوصول لسيارته صار طويلاً ، أو أن قدميه متعثرة الحركة ، ولكن تلك هى حالته عندما تعصف به ذكرى من تلك الذكريات التى يرغب أحياناً بفقدانه لذاكرته ، حتى يتسنى له أن يعيش براحة ، فعقله سيصير حينذاك كصفحة بيضاء مُحيت منها كل تلك الخطوط السوداء التى عتمتها ولايرى بها بارقة أمل من أن يعود لما كان عليه سابقاً ، فبعد ما لقاه لم يعد لديه سوى الشعور بالبرود الذى غلف قلبه وحياته بأكملها ترافقه نظرة سوداوية لكل ما يجرى من حوله


فدمدم هامساً :

– يارب ريحنى من العذاب اللى انا فيه يارب


قاد سيارته بحذر ، يلتفت من حين لأخر ، لطفلته التى غفت على المقعد المجاور له ، ولكن رأى بوضوح أثار الحزن على وجهها البرئ ، فإلى متى سيظل هذا الحال ؟ فربما هو سينتظر وقتاً طويلاً حتى يخبرها بحقيقة والداتها ، ولكن يخشى عليها الصدمة مما ستعلمه بحق تلك اللعينة ، التى كتب لها القدر أن تكون أمها وزوجته بوقت من الأوقات 


فهتفت ببحة صوت متأسفاً :

– سامحينى يا سجود أنا السبب فى كل ده من الأول أنا السبب


ظل يجلد ذاته بسياط الندم ، التى تجعل جراحه لا تندمل ، فبحق السماء كيف حدث له كل ذلك ؟ وأى وعى كان لديه عندما تزوجها ، كمن تجرع من الخمر ما جعله لا يحسن التصرف ، فحسنها أغواه ، كغواية الثمرة المحرمة التى جعلت أدم وحواء يتركان الجنة 


فهو ترك عقله وثقافته و تنشئته بمجتمعه الشرقى ، ليركض لاهثاً خلف تلك المرأة الأجنبية ، التى لم يخفى عليه منذ البداية ، بأن حياتهما سوياً كأختلاط الزيت بالماء ، فلن يذوب أحدهما بالآخر ، بل سيظلان متنافران كقطبى مغناطيس لا يجتمعان ، ولكن كانت تستطيع صرف تفكيره هذا ، بأن تذيقه النعيم من شفاه تسلبه كل ما لديه من صلابة ، فهو عشقها حد الجنون ، لم يكن شيئاً تريده وارد الرفض ، بل كان يسعى دائماً لجعل كل مطالبها محل التنفيذ 


أسترعى إنتباهه وهو ينظر بمرآة السيارة الجانبية ، رؤية سيارة سوداء ذات دفع رباعى تتبعه ، فضم حاجبيه بتفكير ، ولكن ظن أنه ربما يتوهم ذلك ، فأكمل بطريقه ، حتى رآى السيارة تتجاوزه ، تقطع عليه الطريق ، فأوقف محرك السيارة حريصاً على أن لا يفزع الصغيرة النائمة 


فخرج من السيارة ثلاثة رجال ضخام الجثة يحملون بأيديهم أسلحة نارية ، بديهياً أسرع بإخراج سلاحه هو الآخر الذى يحمله معه من أجل حمايته 


فتقدم رجل من باب السيارة من جهته قائلاً بصوت خشن :

– أنزل من غير صوت لو خايف عليها 


نظر إلى أبنته التى حمد الله انها مازالت غافية ، حتى لا تفزع من رؤية ما يحدث ، فأغلق النوافذ كافة وفتح الباب من جانبه وترجل من السيارة 


نظر للرجل بدون أن يرف له جفن قائلاً :

– فى إيه وعايزين إيه منى 


دفعه رجل ليتقدمه بالمسير حتى يبتعدان عن السيارة ، فأستشاط غضباً من فعلته ، فلم يعى راسل سوى وقدمه تركل الرجل بمنتصف معدته يطرحه أرضاً 


فصوب سلاحه بوجه قائلاً بصوت جهورى:

– حسك عينك تمد إيدك عليا كده تانى يا كلب فاهم 


فتقدم أخر يسحب سلاحه من يده ، فلم يفلح فى فعل ذلك ، فبدأ العراك بينه وبين هؤلاء الرجال ، حتى سمعوا جميعهم ذلك الصوت الذى شق السكون بذلك المكان الخالى ، الذى حرص على أن يقابله به


– أنا قولتلكم هاتوه من غير ما حد يمد إيده عليه يا بهايم ، مش عايز مشاكل وشوشرة 


بعد تلك العبارة ، ساد الصمت ووقف الرجال بخنوع بعد سماع صوت ذلك الرجل ، ولكن تلبست راسل الشياطين  بعد رؤيته ، وخاصة على إقدامه بأن يفعل معه ذلك 


فصاح راسل بصوت ساخط على ما حدث :

– أنت اللى عملت كده ، عارف أن أنا بإمكانى أقتلك رجالتك دى وأقتلك أنت كمان معاهم

___________

يتبع....!!!!!

أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين ❤️❤️♥️

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇👇👇👇


من هنا


تعليقات

التنقل السريع
    close