![]() |
الفصل الرابع والخامس
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
صرخات متتالية لا تنقطع، توسلات حارة تابعها ندم شديد لا و لن يجدي نفعًا على الأطلاق مع هذا الثائر.. الغاضب حد الجنون، كاد غضبه أن يحرق الأخضر و اليابس، ممسك بيده السوط الغارق بدماء تلك "سلسبيل" يعاقب به معذبها على فعلته الحمقاء بحق ابنته، رغم أنه لم يعد يصدق أن هذا المُجرم يكن والدها بعد ما فعله بها،
كلما تذكر هيئتها الدامية و هو يقوم بفك قيدها بنفسه ليتمكن من حملها بين يديه، كان جسدها ممزق حرفيًا من قوة و عنف ضربات الكرباچ على جلدها الرقيق، آهاتها الخافتة التي تقطع نياط القلوب، و تُبكي الحجر، و الأدهي من هذا همسها الضعيف بأسمه الذي وصل لقلبه قبل أذنه..
حالتها كانت و مازالت صعبة للغاية، لها أكثر من أسبوع فاقدة الوعي تمامًا، تفيق للحظات معدودة، و تغرق ثانيةً بأغماء أشبه بالغيبوبة، تحيا على المحاليل الطبية فقط و بين الوعي و اللاوعي تردد دائمًا حروف أسمه..
أطبق عينيه التي تتآجج منها نيران الغضب حين شعر
أنه مُدان لخاطرها بألف اعتذار، لكن ماذا عساه أن يفعل لها؟! ، هو رجل مكتفي بزوجته الخلوقة، يكن لها مقدار كبير من الحُب و الإحترام و لن يكون سبب جرح قلبها مهما حدث،بينما هناك في مكان ما بقاع قلبه جمرات صغيرة تزدهر سريعًا، و يزداد لهيبها، لهيب يسمي العشق..
"أعطيني بتي يا عبد الچبار بيه و هملنا لحالنا"..
قالها "قناوي" بأنفاس متهدجة، و صوت مبحوح أثر صرخاته المتواصلة..
"دلوجيت افتكرت أنها بتك يا عديم الرچولة"..
أردف بها و هو يقترب منه حتى توقف أمامه مباشرةً ليظهر فرق الطول الشاسع بينهما، انكمش "قناوي" بخوف من هيبته، و ضخامة جسده القوي، و ذراعيه المعضلة..
"أنت هتغور لوحدك من أهنة، ملكش بنات عندِنا، و لو عُدت مرة تانية هطُخك بالنار، و أنت خابر زين حديت عبد الچبار المنياوي "..أردف بها بصوت جوهري حاد، و هو يقبض على عنقه بكف يده كاد أن يزهق روحه..
جاهد "قناوي" و تحدث بصعوبة بصوت مرتجف متقطع..
" يا بيه أهمل بتي ليك كيف و أنت جولت مريدش چوازك منِها.. أكده الناس تاكل وشي، و أبجي مسخرة وسط الخلق"..
دفعه" عبد الجبار " بعنف، و أخذ يفكر في حديثه للحظات، و َمن ثم أجابه بتعقل، و نبرة لا تحمل الجدال..
"بتك ليها حق في ورث چوزها اللي هو أخوي الله يرحمه، و هتقعد في حقها معززة مُكرمة، محدش يقدر يمسها بكلمة واحدة طول ما هي في حمايتي"..
جحظت أعين" قناوي" بذهول مرددًا..
" أفهم من أكده إن سعادتك هتعطي بتي حقها في أرض چوزها و ماله، و الدوار، و شغله اللي في مصر وياك كمان!!!"..
"وه كُنت فاكرني هاكل حق الولاية و لا أيه يا واكل ناسك أنت "..
غمغم بها و هو يجذبه من ياقة جلبابه، و سحبه خلفه دفعه لخارج أسطبل الخيل الذي كان يحتجزه داخله دفعه أطاحت به أرضًا مكملاً بأمر..
" غور من قدامي.. معيزش أشوف خلقتك مرة تانية أهنة "..
" الله يعمر بيتك يا عبد الچبار بيه.. يا أصيل يا ولد الأصول.. يلي هتقعد بتي في ورثها "..
ظل يرددها" قناوي" بصوت مرتفع، و فرحة غامرة ظاهرة على وجهه الملطخ بالدماء بسبب الضرب المبرح الذي تعرض له، يريد أن يستمع لحديثه كل أهل البلد ليكون هذا مبرره بترك أبنته بمنزل أهل زوجها المتوفي..
بينما ظل" عبد الجبار " يقف مكانه يتابعه بشرود، و قد أدرك خطورة الوضع الذي أصبح فيه، فوجودها هنا بمثابة سكب الزيت فوق الجمرات المشتعلة بقاع قلبه..
.............................. لا إله إلا الله 💐...................
"سلسبيل"..
كلما أستعادة وعيها تجد "خضرا" تجلس بجوارها، تربت على شعرها تاره، تبكي على حالها تاره، تقرأ لها بعض الآيات القرآنية تاره أخرى،
ظلت ترعاها بنفسها بكل طيب خاطر تحت نظرات "بخيتة" المغتاظة، و كلماتها المسمومة التي تلقيها على سمعها، لكنها لم تتركها بمفردها بأذن من زوجها، أظهرت معدنها الأصيل، و رونق قلبها الصافي،عاملتها كما لو كانت بنت من بناتها..
و أخيرًا بدأت تستعيد عافيتها، و رمشت بأهدابها الكثيفة قبل أن تفتح عينيها الذابلة، تنظر حولها بنظرات مرتعدة،تسارعت نبضات قلبها،تلاحقت أنفاسها وقد ظنت لوهلة أنها مازالت بمنزل والدها.
تنفست الصعداء حين لمحت "خضرا" تجلس بجوارها على الفراش مستنده برأسها على يدها، و قد غلبها النعاس..
"أبلة خضرا".. همست بها "سلسبيل" بصوتها الضعيف، لكنه وصل لسمع تلك الحنونة، فنتفضت مسرعة تتفحصها بلهفة و هي تقول بفرحة..
" أنتي فوقتي يا خيتي"..
أرغمت "سلسبيل " نفسها على الابتسامة لها، و رسمت قوة زائفه على ملامحها الحزينة، و حاولت تعتدل جالسة.. لتسرع "خضرا" و تساعدها برفق، و تضع لها الوسائد خلف ظهرها بوضع أكثر راحة مدمدمة..
"أيوه أكده شدي حيلك و فوقي يا خيتي، و إني هچيبلك أحلى وكل من عمايل يدي يرم جتتك "..
جاهدت "سلسبيل" حتي تتحكم بعبراتها التي تغزو عينيها و هي تقول بامتنان.. "متتعبيش نفسك أكتر من كده يا أبلة خضرا.. كفاية كل ما أفتح عيني بلاقيكي جنبي" ..
صمتت لبرهةٍ تلتقط أنفاسها، و تابعت بتنهيدة مُتعبة..
" أنتي أول واحدة تعاملني بحنية كده بعد أمي الله يرحمها مع إنك المفروض تكرهيني علشان كنت هبقي دورتك"..
هنا بكت "خضرا" و ضمتها لصدرها بحنان بالغ، يدها ترتب خصلات شعرها الحريرية المشعثة..
"جلبي عليكي يا بتي.. لساتك أصغيرة على المرار و الغُلب ده كله"..
أستكانت "سلسبيل" بحضنها، عينيها تذرف العبرات دون بكاء، و ابتسامة باهته تزين شفتيها المزمومة، و قد تذكرت حضن والدتها التي حُرمت منه إلى الأبد منذ سنوات، و من حينها لم يحنو عليها مخلوق بعدها..
" أنا مش عايزة أخد منك جوزك يا أبلة خضرا والله.. و في نفس الوقت مش عايزه أرجع لأبويا، و مش عارفة أعمل أيه و لا أروح فين"..
قالتها "سلسبيل" بصوتها المُجهد، و ابتلعت ريقها و تابعت بجملة جعلت شهقات "خضرا" تزداد..
"أنا كنت بتمني أموت في أيد أبوي المرادي.. كنت هروح عند ربنا و أرتاح من عذابي ده"..
" بعيد الشر عليكي يا خيتي.. متقوليش اكدة مرة تانية"..
قالتها" خضرا" و هي تربت على صدرها بكف يدها، و تابعت بنبرة مُطمئنة..
"متشليش هم واصل.. أني اتحدتت مع عبد الچبار و قالي إنك هتقعدي حدانا في حقك"..
"حقي!!!"..غمغمت بها و هي تبتعد عن حضنها، و تنظر لها بعدم فهم، فتابعت" خضرا" بابتسامة و هي تزيل عبراتها..
" أنتي ليكي حق في ورث چوزك الله يرحمه.. و عبد الچبار قالي أقولك لو ليكي غرض تنزلي معانا مصر تقعدي حدانا في ورث چوزك يا مُرحب بيكي.. و لو رايده تاخدي حقك مال هو هيقدروا و يدفعلك حقك وزيادة كمان"..
تهللت أسارير "سلسبيل" عندما علمت أنهم سيأخذونها معاهم إلى مصر، هذا كل ما تريده، لا تريد الورث، و لا المال.. تريد حريتها فقط حتى تستطيع البحث عن عائلة والدتها..
" بجد يا أبلة خضرا هتاخدوني معاكم مصر؟!"..
فرحة" خضرا" لفرحتها، و احتضنت و جهها بين كفيها مردفة..
" إحنا كنا ناوين نقعد يومين اهنة و نعاود علشان مشاغل أبو فاطمة ياما.. و قعدنا كل الوقت ده لخاطرك يا ست البنتة..قولنا نستنى نطمن عليكي و تبقي زينة و نعاود طوالي"..
تحاملت" سلسبيل " على نفسها و غادرت الفراش بخطي مترنجحة و هي تقول بفرحة غامرة..
"أنا بقيت زينة أهو يا أبلة خضرا.. خدوني معاكم و خلينا نمشي من هنا قبل ما أبوي يجي ياخدني تاني الله يخليكي"..
اقتربت منها" خضرا " بخطوات مهرولة، و ساندتها قبل أن تسقط أرضًا بسبب عدم اتزان جسدها الهزيل..
"على مهلك عاد يا بتي.. خليني أوكلك لقمة تقويكي لول، و بعد أكده هتحدد مع عبد الچبار و أقوله إنك بقيتي زينة"..
حديثهم هذا بأكملة أستمعت له" بخيتة " الواقفة على باب الغرفة تتجسس كعادتها الحمقاء، تصطك على أسنانها بغيظ، و قد إذداد غضبها منهما أضعاف مضاعفة..
"فاكرة نفسها ست الدار خضرا بنت نفيسة و بتتحدد على هواها.. الله في سماه لطين عيشتك يا خضرا و ما هيرتاح ليا بال إلا و إني مچوزة ولدي عليكي"..
انتفضت راكضة حين أستمعت لصوت حمحمة "عبد الجبار" يعلن بها وصوله، و سارت متجهه نحوه بخطوات غاضبة و هي تقول..
"معقول الحديت اللي چاني ده يا عبد الچبار.. أنت صُح هتاخد اللي ما تتسمي سلسبيل معاك على مصر!!! "..
أجابها" عبد الجبار " بهدوء أغضبها أكثر..
" أيوه يا أمه.. و انتي كمان هتيچي معانا.. أني مههملكيش لحالك اهنة بعد أكده واصل"..
"بخيتة" بغضب، و صوت عالِ وصل لسمع" سلسبيل " جعل قلبها يسقط أرضًا من شدة خوفها.. "تيجي معانا بصفتها أيه العقربة دي.. لا هي مرتك، و لا أنت رايد تعقد عليها.. تبقي تسافر معانا ليه يا ولدي.. ارميها لأبوها و غورها من أهنة ملناش صالح بيها عاد"..
نظر لها" عبد الجبار " قليلاً نظرة جامدة، بينما "سلسبيل " تنتظر رده عليها بنفاذ صبر، و أنفاس متهدجة، و قد بدأ جسدها يرتجف بقوة بعدما انسحبت الدماء من عروقها تاركة وجهها شاحب من شدة فزعها..
" عبد الجبار " بعقلانية.. "أنتي خابرة زين أني لو رچعتها لأبوها هيقتلها من قسوته عليها"..
"ما يقتلها و إحنا أيه خاصنا بيهم"..قالتها "بخيتة" بجحود جعلت "عبد الجبار" يحرك رأسه بيأس من طباعها مردفًا بأسف..
"طول عمري بقول عليكي قوية يا أمه.. بس قوتك المرادي بقت جبروت"..
سار من أمامها متجهه نحو زوجته التي خرجت للتو من غرفة" سلسبيل " تاركة بابها موارب قليلاً، و تابع بصرامة قائلاً..
"نهاية القول أرملة أخوي في حمايتي من انهارده يا أمه من غير ما اتچوازها.. لأني متچوزش ست الحريم كلياتهم..
و سلسبيل هترچع معانا على مصر وقت ما تقوم على حيلها و تبقي زينة "..
أنهى جملته و اقترب من" خضرا" الواقفة تنتظرة بابتسامة هائمة تزين ملامحها الطيبة التي أضاءتها الفرحة بحديث زوجها، لف يده حول كتفيها و سار بها تجاه غرفتهما المقابلة لغرفة ابناتيهما التي أصبحت تمكث بها" سلسبيل" مؤخرًا، فتح الباب و دلف بها للداخل، و هو يميل عليها يحاوط خصرها بكلتا يديه ضمها له بعناق محموم ظهرها مقابل صدره غالقًا الباب خلفهما بقدمه..
كانت "سلسبيل" تتابعهما بأعين منذهلة، لم تري بعمرها الذي لم يتعدي العشرون عام رجل يحتضن زوجته، رغم أنها كانت زوجة لخمسة أعوام لكنها لم تجرب هذا العناق خلالهم ولا مرة..
اعتلت ملامحها ابتسامة خجوله حين رن بأذنها أسمها بصوته الذي لمس شيء بداخلها شديد الحساسية، فاغمضت عينيها ببطء و هي تهمس بأسمه هذه المرة و هي بكامل وعيها ببوادر إعجاب..
"عبد الچبار"..
انتهى الفصل..
تفاعل جبااااااااااااااااااار يشجع على الكتابة يا بنات علشان انزل الحلقة الجديدة على طول بإذن الله..
هستني رأيكم يا حبايبي..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل الخامس..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..
أشرقت شمس نهار يومًا جديد،استيقظ الجميع منذ بكرة الصباح يجمعون أغراضهم إستعدادًا للسفر برفقة "عبد الجبار" إلى مصر، بينما "سلسبيل" لم تأخذ شيء معاها مطلقًا،حتي إنها قامت بخلع ثيابها البيتيه بأكمالها، و ألقتهم بالقمامة ، و ارتدت عباية سوداء كبيرة للغاية على جسدها الصغير و حجاب من نفس اللون أخذتهم من "خضرا" ، لا تريد أخذ شيء من هذا المنزل يذكرها بما عانته، و قد حسمت قرارها فور خروجها منه لن تعود إليه مرة أخرى، بل لن تعود إلى البلد ثانيةً..
كان قلبها يرفرف بفرحة غامرة بين ضلوعها، كالطير الحبيس لسنوات داخل غرفة مظلمة ، و أخيرًا رأي شعاع نور الحرية عندما صعدت برفقتهم سيارة "عبد الجبار" المجهزة لسفر المسافات الطويلة ،لسوء حظها جلست بجوارها "بخيتة" بينما جلست "خضرا" خلفهما بجانب أبنتيها، و جلس "عبد الجبار" كعادته بجانب السائق، يتابعهم عبر المرآة بأعين كعيون الصقر..
لم تبالي "سلسبيل" لنظرات "بخيتة" الحارقة و كلماتها السامة التي تلقيها على أذنها من حين لآخر،حتي وصل بها الأمر أن تلكمها بعنف بكوعها مرات متتالية ببطنها من شدة غيظها منها، و لكن بنفس الوقت كانت سعيدة بقدومها معاهم، و بداخلها تنوي أن تزوجها لابنها رغمًا عن أنف "خضرا" ..
كانت "سلسبيل" مستندة برأسها على نافذة السيارة التي تحركت بهم للتو، نظرت للطريق بشرود تتذكر عندما أخذها والدها من عائلة والدتها بعد وفاتها و هي لم تتم عامها السابع بعد، و أتى بها إلى زوجته التي أذاقتها معه كل أنواع العذاب، و كانت وراء زيجتها السيئة و هي طفلة بعمر الرابعة عشر..
وبالرغم لكل ما حدث لها على يد والدها، إلا أنها تريد أن تودعه قبل أن تغارد البلد، أطلقت زفرة نزقة من صدرها، و نظرت تجاه "عبد الجبار" و تنحنحت بحرج و هي تقول..
"لو سمحت يا أبو فاطمة!!"..
زمجرت "بخيتة" بشراسة، و لكمتها بكوعها بقوة مرددة..
"كك خابط اسمه سيدك عبد الچبار"..
"وبعدهالك عاد يا أمه.. مش أكده أمال".. قالها "عبد الجبار" و هو ينظر لهما من فوق كتفه، و تابع موجهه حديثه ل"سلسبيل " التي ترقرقت بعينيها العبرات..
" كملي حديتك"..
ابتلعت لعابها بصعوبة، و قد ظهر الخوف على ملامحها الحزينة، و همست بصوت مرتجف..
"عايزة أسلم على أبوي قبل ما نطلع من البلد"..
" أصيلة يا خيتي".. نطقت بها "خضرا" و هي تمد يدها و تربت على كتفها بحنو، لتشهق" بخيتة" بقوة و ترمقها بنظرة حادة مدمدمة..
" اممم أصيلة.. دي كهينة و مية من تحت تبن يا عبد الچبار أسألني أني"..
ساد الصمت لدقائق قطعه عبد الجبار بصوته الصارم قائلاً..
" قناوي بيكون فى غيطه دلوجيت مش أكده؟"..
حركت "سلسبيل" رأسها له بالايجاب سريعًا رغم أنه لم يكن ينظر لها، لمحها في المرآة و قد رسمت ابتسامة باهته على محياها المرتعدة، و عينيها تنظر له بامتنان و انبهار بشخصيته القوية..
"فوت على أرض قناوي فى طرقنا يا حسان"..
" حسان" بطاعة.. " أمرك يا كَبير "..
مرت دقائق قليلة و توقفت السيارة على جانب الطريق الخارجي المؤدي للأراضي الزراعية..
"سلمي عليه و ترچعي طوالي.. متعوجيش"..
قالها "عبد الجبار" دون أن ينظر لها..
"حاضر.. أنا مش هتأخر والله.. بس متسبونيش و تمشوا ونبي".. أردفت بها "سلسبيل" بصوت تحشرج بالبكاء، و هي تتنقل بنظرها بين "خضرا" و زوجها..
"خضرا" بابتسامة حنونة.. "اطمني يا بتي هترچعي تلاقينا مستنيك أهنة"..
فتحت" سلسبيل" الباب بيد مرتعشة، و خرجت من السيارة على مضض، و هي تستجديهم بنظرتها المذعورة أن لا يتركوها.. نظرتها هذه جعلت" عبد الجبار" ينفخ بضيق، و تحدث بنفاذ صبر قائلاً..
" روح معاها يا حسان و عاود بيها، و أوعاك قناوي يمسها بسوء.. هو خابر زين أنها في حمايتي"
انصاع" حسان" لحديثه على الفور، و غادر السيارة، و سار برقفة "سلسبيل" التي تخطو بخطي غير ثابتة بسبب أرتجاف بدنها الملحوظ أثر خوفها..
ساروا مسافة ليست بقليلة حتي رأت والدها ممسك بالفأس و منشغل بعمله في الزراعة..أخذت نفس عميق تملئ رئتيها بالهواء بعدما شعرت بأنفاسها تتلاشي، و نبضات قلبها تتباطئ..
"أبوي".. قالتها و هي تقترب منه بحذر، و تفرك يديها ببعضهما بتوتر..
توقف "قناوي" عما يفعله عندما وصل صوتها لأذنه، استدار ينظر تجاه مصدر الصوت بوجهه مكفر اشتعل بالغضب فور رؤيتها برفقة الغفير الخاص ب "عبد الجبار" ، و قد ظن أنها أخطأت بحقهم فأرسالها له مرة أخرى..
" هببتي أيه تاني يا بت المركوب".. نطق بها و هو يهجم عليها دون سابق إنظار، و أمسكها من حجابها و بدأ يكيل لها الصفعات مرددًا..
"غلطتي في الحاچة المرادي و لا في البيه الكبير نفسه.. انطقي لأدفنك مكانك"..
هرول تجاهه "حسان" و حاول دفعه عنها و هو يقول بذهول..
"وه وه وه أيه اللي بتهاببه ده يا راچل يا مخبول أنت.. بعد عنِها دي في حماية عبد الچبار بيه"..
كان "قناوي" قابض على شعرها من فوق الحجاب بقبضة من حديد جعلت" حسان" يفشل في أبعاده عنها، و يده الأخري تهبط على وجنتيها الناعمة بصفعات أدمت شفتيها و أنفها، و مع كل هذا كانت "سلسبيل" لا تبكي، و لا حتي تُدافع عن نفسها، تركته يصب جم غضبه عليها كعادته،
ركض "حسان" عائدًا تجاه سيارة رب عمله، و هو يصرخ بصوت جوهري..
"ألحق يا عبد الچبار بيه.. قناوي هيموت بته في يده"...
"يا مُري.. الحقها يا أخوي من يد الراچل المفتري ده
أحب على يدك".. صرخت بها "خضرا" و هي تضرب على صدرها حين وصل سمعها صرخات "حسان" المستغيثة من بعيد..
صك "عبد الجبار" على أسنانه بقوة كاد أن يهشمه، و غادر السيارة بثبات و هدوء رغم الضجيج الثائر بداخله، رفع عبائته على كتفه و سار بخطوات واسعة، و ملامح غاضبة لا تبشر بالخير أبدًا..
"بعد يدك عنِها!!!"..
قالها بصوت جوهري قبل أن يصل لهما، و لكن لم ينتبه له "قناوي" بعد، مما دفع هذا الغاضب لمد يده داخل جيب جلبابه، و أشهر سلاحه المُرخص، و أطلق عيار بالهواء يصم الأذان..
انتفض "قناوي" قفزًا بمكانه حين رأي "عبد الجبار" يقترب عليه مهرولاً، كان القلق واضحًا عليه لمرآي تعابير وجهه الغضوب، و تحول القلق إلى خوف حين وجده يستعد للهجوم عليه فدفع ابنته من يده بعنف أسقطها على الأرض الغارقة بمياه الري..
هنا صرخت "سلسبيل" عندما انحصرت العباية و كشفت عن ساقيها أمام أعين "عبد الجبار" الذي لجمته الصدمة و تقطعت نياط قلبه حين لمح أثار حروق متناثرة بطول قدميها منهم القديم، و منهم الحديث، و أيضًا أصبح مذهولاً لعدم أرتدائها شيئًا أسفل ملابسها، لكنه انتبه حين أسرعت هي بستر نفسها أن هذه العباية تكن لزوجته، و أدرك حينها بعقله الواعي أنها بالتأكيد تركت جميع ثيابها عن قصد..
حينها قام بخلع عباءته من حول كتفيه، و ألقاها عليها بغمضة عين كساها بها،
"يا مُرحب يا كبير"..
قالها "قناوي" و هو يبتعد عنه للخلف بخوف ظاهر على ملامحه القاسية مكملاً..
"خير يا كبير عملت أيه تاني بت الفرطوس!!"..
قطع حديثه حين قبض "عبد الجبار" على عنقه بعنف، و تحدث بغضب عارم قائلاً..
"أنت صنفك اييييه يا ابن ال *** علشان تعمل في بتك اللي من لحمك ودمك أكده!!!!! "..
أنتهي جملته و سدد له ضربه عنيفه بجبهته جعلت "قناوي" يصرخ متألمًا..
"أبوي"..صرخت بها" سلسبيل " وهي تنهض من مكانها بصعوبة، و هرولت تجاه "عبد الجبار" تمسكت بذراعه بكلتا يدها تحاول ابعاده عن "قناوي" و هي تقول بتوسل..
" خلاص يا سي عبد الجبار سيبه الله يخليك"..
لم تتزحزح يد "عبد الجبار" عنه، و ظل قابض على عنقه، و من ثم مال على وجهه و نظر بعينيه و هو يقول بصوت أجش..
"بتك چاية لحد عندِك تسلم عليك قبل ما تسافر بعد كل عمايلك المقندلة فيها.. تقوم تُضربها تاني حتي بعد ما قولتلك أنها بقت في حمايتي!!!! "..
فور إنتهاء حديثه سدد له ضربة أقوى جعلت أنفه تنفجر منها الدماء..
"أبوس أيدك سيبه يا عبد الجبار".. همست بها بتقطع من بين شهقاتها الحادة، و هي تقف على أطراف أصابعها وتمسك كف يده الضخمة بيدها الصغيرة، و تبعد أصابعه عن عنق والدها حتي خلصته من بين قبضته الفولاذية..
"يله مشي قدامي من أهنة قبل ما أرتكب چناية انهاردة"
..قالها "عبد الجبار" و هو يلقي عباءته على كتفه مرة تانية بعدما سقطت من "سلسبيل" فلتقطها "حسان"، اعطها له..
أنصاعت "سلسبيل" لحديثه على الفور و سارت أمامه بخطوات متعبه، و عينيها تطلع لوالدها بنظرات وداع، فهي على يقين أنها لن تعود له ثانيةً مهما حدث..
"مع السلامة يا أبوي"..قالتها بغصة يملؤها الآسي، و كم تمنت أن تستمع منه و لو كلمة واحده يطيب خاطرها بها إلا أنه خيب ظنها به كالعادة حين قال بنبرة محذرة..
"إياكِ يوصلني شكوة واحدة منِك.. يوصلني خبرك و لا يقولولي كلمة بتك قليلة الرباية دي مرة تانية يا سلسبيل.. فاهمة يا واكلة ناسك"..
" أتمنى يا أبوي.. أتمنى يجيلك خبري ساعتها أنا اللي هرتاح".. غمغمت بها و هي تسير بجوار "عبد الجبار" الذي أطبق عينيه بقوة بعد جملتها هذه الذي اعتصرت قلبه..
" جبر يلم العفش".. قالها" عبد الجبار " و هو يلقي نظرة أشمئزاز أخيره على" قناوي"..
بينما" سلسبيل" شهقت بصوت خافت حين شعرت بيد"عبد الجبار" تضع حولها عباءته، و يتحدث بصوته الصلب بنبرة أمره..
" متقلعهاش واصل"..
أمسكت طرفيها تضمهم عليها بيدها بصمت، فعباءتها كانت ملطخة بالوحل و المياه التي جعلتها لاصقة بجسدها..ظلت خافضة رأسها لم تستطيع النظر له من شدة خجلها،
حتى وصلوا للسيارة مرة أخرى و همت هي بالصعود لكنه اقافها حين قال..
"فاطمة هاتي خيتك و اقعدي چار چدتك"..
عملت من جملته هذه انه كان يري ما تفعله والدته بها منذ صعودهم السيارة،ضيقت "بخيتة" عينيها و رمقته بنظره مغتاظة، بينما تراقص قلب "سلسبيل" بفرحة غامرة من أهتمامه هذا الجديد عليها كليًا، و الأكثر من عبق رائحته التي تملئ عباءته، حواطتها و داعبت حواسها..
"تعالي يا خيتي جلبي عليكي ".. قالتها" خضرا" و هي تفتح ذراعيها لها، ارتمت "سلسبيل" داخل حضنها عالقة عينيها بتعب، فهي و النوم على وفاق حينما يأتي توقيت الهرب، لأول مره منذ سنوات طويلة تغرق بنومٍ أمن بعدما انطلقت بهم السيارة أخيرًا مغادرة البلد..
مرت ساعات ظلت" سلسبيل " نائمة خلالهم تصارع كوابيسها الدائمة التي جعلتها تصرخ بفزع فجأة أكثر من مرة ، حتي شعرت بيد حنونه تربت على وجنتيها الظاهر عليهما أثار صفعات والدها..
"أصحى يا حبيبتي"..
رمشت بأهدابها أكثر من مرة، و نظرت حولها لم تجد سوي "خضرا"، و السيارة فارغة، ببنما" عبد الجبار" يقف خارج السيارة ينتظر خروجهما..
"إحنا وصلنا مصر يا أبلة خضرا!!!"..
ابتسمت لها "خصرا" مغمغمة.. "أيوه الحمد على السلامة.. نورتي مصر يا ست البنته"..
" الله يسلمك يارب".. نطقت بها "سلسبيل" بسعادة بالغة و هي تستند عليها و تغادر السيارة بخطي مترنجحة قليلاً أثر انفعالتها المتضاربة..
"ما تهمي يا حُرمة منك ليها علشان تچهزولنا الوكل"..
كان هذا صوت" بخيتة" الغاضب الواقفة بالشرفة التي تطل على حديقة المنزل الواسعة..
"همليهم يرتاحوا لول، و الوكل چاي في الطريق يا أمة..متشليش هم واصل"..
قالها "عبد الجبار" و هو يتجه لسيارة أخري كانت مغطاه بحديقة المنزل، و يقوم برفع الغطاء من عليها، و استقل مقعد السائق مكملاً..
" هوصل للشركة اطمن على الشغل"..
"متتأخرش علينا يا أخوي..هنستناك على الوكل"..
أردفت بها" خضرا "بنبرة راجية، و هي تتنقل بنظرها بينه و بين والدته التي ترمقهم بنظرات ثاقبة..
"متقلقيش هعاود طوالي".. قالها وهو يتحرك بالسيارة لخارج المنزل..
هنا ابتسمت "بخيتة" ابتسامة خبيثة، و تحدثت بأمر قائلة..
" خضرا شهلي و نضفي البيت الا التراب ياما.. حركي جتتك اللي شايلة لحم دي"..
صمتت لوهلة و تابعت بجحود قائلة..
"عارفة تتخني و تشيلي لحم زي البهيمة اللي بنعلفوها للضحية، و منتيش عارفة تشيلي حته عيل يشيل أسم ولدي"..
جملة أصابت "خضرا" بمقتل، جعلتها تسمرت محلها تحملق فيها بأعين تحجرت بها العبرات، و قد شعرت أن الدنيا تدور من حولها، و سقطت فجأة مرتطمة بالأرض الصلبة مغشيًا عليها ..
" أبلة خضراااااا"..
انتهي الفصل..
يهمني رأيكم يا حبايبي..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
أطلقت "سلسبيل" شهقة قوية و كادت أن ترتطم بالوجهة الأمامية للسيارة عندما فرمل "عبد الجبار" فجأة لولا أنه أمسك ذراعها بأحكام على أخر لحظة..
لم تكد تلتقط أنفاسها من أثر المفاجأة المفزعة، لتسمع صوته من جانبها ينطلق بلهجة خفيضة لا تخفي غضبه المشحون أبدًا..
"قولتلك ألبسي الحزام الطريق اهنة واعر"..
"معرفتش أقفله والله.. أنا أسفة"..همست بها بصوت مرتجف و هي تحاول غلق حزام الأمان بتوتر، و جسد ينتفض بوضوح..
نفخ"عبد الجبار" بضيق و أوقف سيارته بمكانٍ جانبي قليلًا على الطريق السريع خالٍ من الناس، و استدار نحوها أمسك هو الحزام يضعه حولها بنفسه فأصبح محاصرها بجزعه الضخم بين ذراعيه،
رغم حرصه الشديد حتي لا يلمسها إلا أن قربه منها إلى هذا الحد جعل أنفاسها علقت بصدرها، تطلع له بأعين هائمة، و كالمغيبة رفعت يدها و لمست بأصابعها ذقنه الكثيفه، هنا رفع وجهه لها بصدمة و تقابلت عينيهما حينها تزلزل كيانها كله دفعه واحده،
بينما هو يرمقها بنظرة جامدة و ملامح منذهلة من فعلتها الجريئة بالنسبة له، و هم بالابتعاد عنها لكنها أسرعت و أمسكت ياقة جلبابه، جذبته عليها أكثر حتي اختلطت أنفاسهما، و نظرت بعمق داخل عينيه و هي تقول بغصة مريرة يملؤها الأسى..
"أبلة خضرا بس اللي منعاني عنك"..
بكت بنحيب و تابعت بتقطع من بين شهقاتها..
"حاولت أدور على غلطة واحدة امسكها عليها تكون مبرر ليا أريح بيه ضميري لو ختك منها.. بس ملقتش.. معاملتها الطيبة معايا و حبها الصادق لكل اللي حواليها خلاني أدوس على قلبي اللي حبك و هبعد عنكم.. و بالذات عنك أنت يا عبد الجبار"..
أقتباس من حلقات جاية..
اتمني تفاعل قووووووي جددداااااا علشان أنزل الحلقة الجديدة يا حبايبي..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
أحبابي الغاليين أدخلوا وحملو التطبيق ده واستمتعوا باحسن الروايات الحصريه والجديده من هنا 👇👇👇👇👇👇
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇
تعليقات
إرسال تعليق