القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخبار[LastPost]

عروسي الهاربه (( الـفـصـل الـثـانـي والثالث )) كامله علي مدونة النجم المتوهج للروايات والوصفات



عروسي الهاربه

 (( الـفـصـل الـثـانـي والتالت ))


///بـعـد مـرور سـت سـنـوات


///بـ مـحـافـظـة مـرسـي مـطـروح


///بـإحـدي الـأبـراج الـسـكـنـيـة


- حياة .. يا حياة ، يلا يا بنتي الأكل أتحط !


صاحت أشجان بتلك الكلمات و هي تضع الصحون علي طاولة السفرة ، لم تجد رداً لتتنهد بخفة و هي تتوجه لغرفة إبنة شقيقتها ، فتحت الباب بقوة لتجدها كـ العادة تجلس واضعة سماعات الرأس علي أذنيها و ترسم لوحتها ببراعة ، أبتسمت أشجان و هي تهز رأسها ، فـ تلك الفتاة أسم علي مسمي "  حـيـاة  " هي من ملئت حياتها الخاوية بعد موت صغيرها و زوجها في حادث سيارة منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عامًا ، حينها كانت في السادسة من عمرها لكنها كانت حادة الذكاء و تفهم كل ما يدور حولها ، لـ تستطيع بـ خفة ظلها و جمال روحها أن تنتشلها من حفرة الإكتئاب التي وقعت بها..


ظلت هي دافعها الوحيد للحياة ، ظلت المصباح الذي ينير حياتها البائسة إلي أن كان علي وشك الإنطفاء بسبب أبيها و عائلته لتتحرك حينها منقذة صغيرتها من ذلك الحاضر البائس و المستقبل مجهول الملامح آخذه إياها لـ أرض بعيدة عنهم ، بعيدة عن كل المشاكل لـ بداية جديدة مشرقة المعالم..


هزت رأسها بخفة تستعيد نفسها من سيل الذكريات الذي هاجمها للتو ، تقدمت من حياة ثم خلعت سماعات الرأس من علي أذنيها لتنتفض حياة بفزع ، وضعت يدها علي قلبها تهدأ من ضرباته القوية ثم نظرت لها بعتاب قائلة بصوت رقيق :

- خضتيني يا خالتو !


أبتسمت أشجان بحنان ، تشدقت و هي تملس علي خصلاتها البنية :

- سلامتك من الخضة يا عيون خالتك ، بس يلا عشان تفطري ، الأكل هيبرد !


هزت رأسها بإبتسامة صغيرة ، ثم نهضت قائلة :

- هروح أغسل إيدي و آجي علي طول !


أومأت لها أشجان لتخرج حياة من الغرفة نحو المرحاض ، كادت أشجان أن تخرج خلفها لكن لفت نظرها تلك اللوحة التي كانت ترسمها لتوها ، فتاة يظهر علي ملامحها المرح و تحتضن سيدة تشبهها في الملامح ، كسا الحزن وجه أشجان عندما أدركت أن تلك اللوحة عبارة عن مشهد لـ حياة و والدتها ، فـ هي تشتاق إليها كثيرًا..


ظلت واقفة لثواني شاردة بـ تلك اللوحة حتي أنها لم تلحظ أن حياة أتت ، حمحمت حياة برقة لتفيق هي من شرودها ، قالت و هي تخرج من الغرفة :

- يلا يا حياة !


= يلا..


جلست كلتاهما على مائدة الطعام وقد ساد الصمت بينهما لفترة ، كان ذلك قبل أن تقول حياة بتردد:

- خالتو ، ممكن لو سمحت استأذنك في حاجة


= قولي يا حبيبتي 

قالتها أشجان بترقب لتتابع حياة بعدما أخذت نفساً عميقاً:

-أنا عايزة أرجع أشوف ماما !


توقفت أشجان عن الأكل وهي تنظر لحياة بصدمة جلية قبل أن تعقب :

- ترجعي فين يا حياة ؟

أنتي بتقولي ايه !!


= ماما وحشتني جدا يا خالتو نفسي أشوفها 


أبتلعت أشجان آخر لقمة في حلقها ثم قالت متعجبة:

- وعيلة القناوي ؟

أنتي مش عارفة دول عايزين يعملوا فيكي أيه ، خصوصاً بعد ما هربتي منهم و...


قاطعتها حياة بإبتسامة عذبة:

- متخافيش يا خالتو أنا مش هروح كدا وأخليهم يشوفوني ، أنا هروح متخفية .. وبعدين دول ست سنين فاتوا أكيد مش هيعرفوني 


تنهدت أشجان بحيرة ثم قالت بجدية:

- لأ يا حياة مش هسيبك تروحي هناك


= بليييز يا خالتو عشان خاطري 


هتفت أشجان بحزم:

- لأ يا حياة ، وخالك رؤوف كمان إستحالة يسمح بكدا 


عبس وجه حياة بشدة وسرعان ما نم عن إبتسامة حزينة للغاية !

فقد كانت تود الذهاب منذ فترة كبيرة ولكنها رأت تأجيل ذلك ، كان هذا قبل أن يختطف الموت والدها والذي زاد من إصرارها على الذهاب قبل أن يختطف والدتها هي الأخري !!


نهضت حياة بهدوء وقد حاولت الإبتسام رغم الحزن المرتسم على وجهها قائلة :

- بالهنا يا خالتو أنا شبعت 


أنهت جملتها ثم توجهت إلى غرفتها وهي تفكر بأمر ما!!!


                      ***


و بمنزل عائلة القناوي 


جلس مجد بغرفته الواسعة ينظر إلى الأوراق التي تخص عمله

شعر بوجود أحدهم بالغرفة فالتفت بحدة ليقع بصره على شقيقه الأصغر حازم !


أبتسم له حازم بخفة قبل أن يقول بمرح:

- أمنور أنا ، صح؟


حدجه مجد بغضب محدق ثم قال:

- بتعمَل اييه عندك ؟


زادت إبتسامة حازم ليعقب :

- مفيش حاچة ، أنت كيف حالك ؟


أنهى جملته ثم هرع إلى الخارج صافقاً الباب خلفه قبل أن يلحق به مجد 

فغر فاه مجد من فعلة أخيه ثم نظر إلى حيث كان يقف ليرى أدراج الكومود الخاص به مفتوحة وما بها مبعثر بشدة !


تفحص أغراضه لتتسع عيناه بصدمة جلية ليركض بعدها خلف أخيه بسرعة هائلة وهو يصيح :

- خد ياد يا مچنون يا ابن المچنوونة ، عتعمل اييه بالسلاح!


تعالت ضحكات حازم من حديقة المنزل وهو ينظر للمسدس الذي بيده ، إنه فتى لم يتجاوز السادسة عشرة سوى بشهرين فقط !!

هرع مجد إلى الخارج وهو يصيح بحنق ليرى حازم يصوب تجاه أحدهم!!


تشدهت نظرات مجد لما يرى من كارثة ستحدث من قِبل شقيقه المتهور

صاح به مجد بصوت جهوري:

- أتعجل يا حازم وسيب السلاح 


= مهاسيبهوش يا مچد ، الواد أبن السوهاچي ده متعرِفش أبيعمل اييه ، وأنا أبوي علمنَي مسكتش على شرفي وااصل !!


كاد قلب مجد يقفز فزعاً مما سمع للتو !

هل هذا أبن عائلة " السوهاجي" !!

وأي شرف يتحدث عنه !

ما هذه الكارثة !

بلغ غضب مجد ذروته فصاح بشقيقه بقوة تهتز لها الأبدان:

- شرفك ايييه يا صرمة أنت !

و رحمة الغوالي لو عِملتها لأطخك ، سيب السلاح ياد !!


توترت حواس حازم ثم نظر إلى أخيه الذي راح يقترب منه بهدوء قبل أن ينتزع منه المسدس وهو يقول له بعينين تقدح شرراً :

- جدامي على چوة !


انصاع له حازم على مضض لينظر مجد إلى الشاب الآخر:

- حسابك معاي بعدين ع اللي سمعته !


ثم أنصرف إلى الداخل وهناك إعصار يعصف بداخله ...


                     ***


نظرت حياة إلى حقيبة الظهر الصغيرة التي أعدتها بإبتسامة شبه حزينة 

تأكدت من محتوياتها ثم تناولت ورقة من فوق مكتبها لتدون بها عدة كلمات وتضعها ثانيةً 

بدلت الأخيرة ثيابها بأشياء ساترة ومحتشمة ولفت حجابها البني اللون ومن ثم أنتعلت حذائها الرياضي الأسود وتناولت حقيبتها وهي تتنفس بتوتر !


فقد عقدت العزم بداخلها على المغادرة 

ستعود لترى والدتها ومن ثم ستعود مجدداً

هذا ما قررته حياة عندما أغلقت باب شقتها بعدما خرجت ، ولم تنسَ بالطبع أن تترك رسالة بغرفتها لخالتها توضح فيها كل شىء !


                  ***


عودة لمنزل عائلة القناوي

_ يعني ايييه اللي حصُل ده يا حچ عتمان !

صاح بها عبدالقادر بغضب ليعقب شقيقه صالح من بعده :

- كنكم عايزين ترچعوا اللي صار من ست سنيين


هتف بهم كبير عائلة القناوي الا وهو عتمان وهو يرفع عكازه ويهوي بها إلى الأرض محدثاً صوت إرتطام حاد :

- خلاص يا چماعة جلنا حصل خيير ، و بعدين أبنكم هو اللي غلط من الاول .. واللي حصُل ده رد فعل طبيعي من ابننا اللي مهانش عليه يشوف بناتنا بتتعاكس بالطريجة دي من حتت عيل !


قال عبدالقادر وهو يمسح على ذقنه الكثيف بتفكير:

- يعني هتنهي الموضوع أكده وتنسى أن كان في واحد مننا هينجتل !


وهنا فقد مجد السيطرة على أعصابه فقال بحدة مناسبة للموقف:

- ما جُلنا الموضوع خُلص وده طيش عيال ، ولا هو چر شكل وخلاص !

لحد أكده وكفاية وكل واحد يتفضل يشوف شغله ..ده اللي عندنا !


رمقه عبد القادر بضيق ثم قال بعدما نهض مستنداً إلى عكازه ليهم بالمغادرة:

- إحنا هنمشوا اه ، بس الموضوع مخُلصش لحد إهنه 


ضحك مجد بسخرية قائلاً:

- متنساش يا حچ عبدالجادر إن التار الجديم مخلصش وإن بتكم هربت ، لكن إحنا سكتنا بمزاچنا وغير إكده محدش له إنه يتكَلم


ألجمت هذه الكلمات لسان عبدالقادر فغادر بهدوء ساحباً شقيقه خلفه دون تعقيب !

ولكن مجد ابتسم بغموض متمتماً:

- بس هچيبك يعني هچيبك يا حياة ، ماهو مش هتهربي العمر كله يا بنت السوهاچي!!!


_ يُـتـبـع _(( الـفـصـل الـثـانـي ))


///بـعـد مـرور سـت سـنـوات


///بـ مـحـافـظـة مـرسـي مـطـروح


///بـإحـدي الـأبـراج الـسـكـنـيـة


- حياة .. يا حياة ، يلا يا بنتي الأكل أتحط !


صاحت أشجان بتلك الكلمات و هي تضع الصحون علي طاولة السفرة ، لم تجد رداً لتتنهد بخفة و هي تتوجه لغرفة إبنة شقيقتها ، فتحت الباب بقوة لتجدها كـ العادة تجلس واضعة سماعات الرأس علي أذنيها و ترسم لوحتها ببراعة ، أبتسمت أشجان و هي تهز رأسها ، فـ تلك الفتاة أسم علي مسمي "  حـيـاة  " هي من ملئت حياتها الخاوية بعد موت صغيرها و زوجها في حادث سيارة منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عامًا ، حينها كانت في السادسة من عمرها لكنها كانت حادة الذكاء و تفهم كل ما يدور حولها ، لـ تستطيع بـ خفة ظلها و جمال روحها أن تنتشلها من حفرة الإكتئاب التي وقعت بها..


ظلت هي دافعها الوحيد للحياة ، ظلت المصباح الذي ينير حياتها البائسة إلي أن كان علي وشك الإنطفاء بسبب أبيها و عائلته لتتحرك حينها منقذة صغيرتها من ذلك الحاضر البائس و المستقبل مجهول الملامح آخذه إياها لـ أرض بعيدة عنهم ، بعيدة عن كل المشاكل لـ بداية جديدة مشرقة المعالم..


هزت رأسها بخفة تستعيد نفسها من سيل الذكريات الذي هاجمها للتو ، تقدمت من حياة ثم خلعت سماعات الرأس من علي أذنيها لتنتفض حياة بفزع ، وضعت يدها علي قلبها تهدأ من ضرباته القوية ثم نظرت لها بعتاب قائلة بصوت رقيق :

- خضتيني يا خالتو !


أبتسمت أشجان بحنان ، تشدقت و هي تملس علي خصلاتها البنية :

- سلامتك من الخضة يا عيون خالتك ، بس يلا عشان تفطري ، الأكل هيبرد !


هزت رأسها بإبتسامة صغيرة ، ثم نهضت قائلة :

- هروح أغسل إيدي و آجي علي طول !


أومأت لها أشجان لتخرج حياة من الغرفة نحو المرحاض ، كادت أشجان أن تخرج خلفها لكن لفت نظرها تلك اللوحة التي كانت ترسمها لتوها ، فتاة يظهر علي ملامحها المرح و تحتضن سيدة تشبهها في الملامح ، كسا الحزن وجه أشجان عندما أدركت أن تلك اللوحة عبارة عن مشهد لـ حياة و والدتها ، فـ هي تشتاق إليها كثيرًا..


ظلت واقفة لثواني شاردة بـ تلك اللوحة حتي أنها لم تلحظ أن حياة أتت ، حمحمت حياة برقة لتفيق هي من شرودها ، قالت و هي تخرج من الغرفة :

- يلا يا حياة !


= يلا..


جلست كلتاهما على مائدة الطعام وقد ساد الصمت بينهما لفترة ، كان ذلك قبل أن تقول حياة بتردد:

- خالتو ، ممكن لو سمحت استأذنك في حاجة


= قولي يا حبيبتي 

قالتها أشجان بترقب لتتابع حياة بعدما أخذت نفساً عميقاً:

-أنا عايزة أرجع أشوف ماما !


توقفت أشجان عن الأكل وهي تنظر لحياة بصدمة جلية قبل أن تعقب :

- ترجعي فين يا حياة ؟

أنتي بتقولي ايه !!


= ماما وحشتني جدا يا خالتو نفسي أشوفها 


أبتلعت أشجان آخر لقمة في حلقها ثم قالت متعجبة:

- وعيلة القناوي ؟

أنتي مش عارفة دول عايزين يعملوا فيكي أيه ، خصوصاً بعد ما هربتي منهم و...


قاطعتها حياة بإبتسامة عذبة:

- متخافيش يا خالتو أنا مش هروح كدا وأخليهم يشوفوني ، أنا هروح متخفية .. وبعدين دول ست سنين فاتوا أكيد مش هيعرفوني 


تنهدت أشجان بحيرة ثم قالت بجدية:

- لأ يا حياة مش هسيبك تروحي هناك


= بليييز يا خالتو عشان خاطري 


هتفت أشجان بحزم:

- لأ يا حياة ، وخالك رؤوف كمان إستحالة يسمح بكدا 


عبس وجه حياة بشدة وسرعان ما نم عن إبتسامة حزينة للغاية !

فقد كانت تود الذهاب منذ فترة كبيرة ولكنها رأت تأجيل ذلك ، كان هذا قبل أن يختطف الموت والدها والذي زاد من إصرارها على الذهاب قبل أن يختطف والدتها هي الأخري !!


نهضت حياة بهدوء وقد حاولت الإبتسام رغم الحزن المرتسم على وجهها قائلة :

- بالهنا يا خالتو أنا شبعت 


أنهت جملتها ثم توجهت إلى غرفتها وهي تفكر بأمر ما!!!


                      ***


و بمنزل عائلة القناوي 


جلس مجد بغرفته الواسعة ينظر إلى الأوراق التي تخص عمله

شعر بوجود أحدهم بالغرفة فالتفت بحدة ليقع بصره على شقيقه الأصغر حازم !


أبتسم له حازم بخفة قبل أن يقول بمرح:

- أمنور أنا ، صح؟


حدجه مجد بغضب محدق ثم قال:

- بتعمَل اييه عندك ؟


زادت إبتسامة حازم ليعقب :

- مفيش حاچة ، أنت كيف حالك ؟


أنهى جملته ثم هرع إلى الخارج صافقاً الباب خلفه قبل أن يلحق به مجد 

فغر فاه مجد من فعلة أخيه ثم نظر إلى حيث كان يقف ليرى أدراج الكومود الخاص به مفتوحة وما بها مبعثر بشدة !


تفحص أغراضه لتتسع عيناه بصدمة جلية ليركض بعدها خلف أخيه بسرعة هائلة وهو يصيح :

- خد ياد يا مچنون يا ابن المچنوونة ، عتعمل اييه بالسلاح!


تعالت ضحكات حازم من حديقة المنزل وهو ينظر للمسدس الذي بيده ، إنه فتى لم يتجاوز السادسة عشرة سوى بشهرين فقط !!

هرع مجد إلى الخارج وهو يصيح بحنق ليرى حازم يصوب تجاه أحدهم!!


تشدهت نظرات مجد لما يرى من كارثة ستحدث من قِبل شقيقه المتهور

صاح به مجد بصوت جهوري:

- أتعجل يا حازم وسيب السلاح 


= مهاسيبهوش يا مچد ، الواد أبن السوهاچي ده متعرِفش أبيعمل اييه ، وأنا أبوي علمنَي مسكتش على شرفي وااصل !!


كاد قلب مجد يقفز فزعاً مما سمع للتو !

هل هذا أبن عائلة " السوهاجي" !!

وأي شرف يتحدث عنه !

ما هذه الكارثة !

بلغ غضب مجد ذروته فصاح بشقيقه بقوة تهتز لها الأبدان:

- شرفك ايييه يا صرمة أنت !

و رحمة الغوالي لو عِملتها لأطخك ، سيب السلاح ياد !!


توترت حواس حازم ثم نظر إلى أخيه الذي راح يقترب منه بهدوء قبل أن ينتزع منه المسدس وهو يقول له بعينين تقدح شرراً :

- جدامي على چوة !


انصاع له حازم على مضض لينظر مجد إلى الشاب الآخر:

- حسابك معاي بعدين ع اللي سمعته !


ثم أنصرف إلى الداخل وهناك إعصار يعصف بداخله ...


                     ***


نظرت حياة إلى حقيبة الظهر الصغيرة التي أعدتها بإبتسامة شبه حزينة 

تأكدت من محتوياتها ثم تناولت ورقة من فوق مكتبها لتدون بها عدة كلمات وتضعها ثانيةً 

بدلت الأخيرة ثيابها بأشياء ساترة ومحتشمة ولفت حجابها البني اللون ومن ثم أنتعلت حذائها الرياضي الأسود وتناولت حقيبتها وهي تتنفس بتوتر !


فقد عقدت العزم بداخلها على المغادرة 

ستعود لترى والدتها ومن ثم ستعود مجدداً

هذا ما قررته حياة عندما أغلقت باب شقتها بعدما خرجت ، ولم تنسَ بالطبع أن تترك رسالة بغرفتها لخالتها توضح فيها كل شىء !


                  ***


عودة لمنزل عائلة القناوي

_ يعني ايييه اللي حصُل ده يا حچ عتمان !

صاح بها عبدالقادر بغضب ليعقب شقيقه صالح من بعده :

- كنكم عايزين ترچعوا اللي صار من ست سنيين


هتف بهم كبير عائلة القناوي الا وهو عتمان وهو يرفع عكازه ويهوي بها إلى الأرض محدثاً صوت إرتطام حاد :

- خلاص يا چماعة جلنا حصل خيير ، و بعدين أبنكم هو اللي غلط من الاول .. واللي حصُل ده رد فعل طبيعي من ابننا اللي مهانش عليه يشوف بناتنا بتتعاكس بالطريجة دي من حتت عيل !


قال عبدالقادر وهو يمسح على ذقنه الكثيف بتفكير:

- يعني هتنهي الموضوع أكده وتنسى أن كان في واحد مننا هينجتل !


وهنا فقد مجد السيطرة على أعصابه فقال بحدة مناسبة للموقف:

- ما جُلنا الموضوع خُلص وده طيش عيال ، ولا هو چر شكل وخلاص !

لحد أكده وكفاية وكل واحد يتفضل يشوف شغله ..ده اللي عندنا !


رمقه عبد القادر بضيق ثم قال بعدما نهض مستنداً إلى عكازه ليهم بالمغادرة:

- إحنا هنمشوا اه ، بس الموضوع مخُلصش لحد إهنه 


ضحك مجد بسخرية قائلاً:

- متنساش يا حچ عبدالجادر إن التار الجديم مخلصش وإن بتكم هربت ، لكن إحنا سكتنا بمزاچنا وغير إكده محدش له إنه يتكَلم


ألجمت هذه الكلمات لسان عبدالقادر فغادر بهدوء ساحباً شقيقه خلفه دون تعقيب !

ولكن مجد ابتسم بغموض متمتماً:

- بس هچيبك يعني هچيبك يا حياة ، ماهو مش هتهربي العمر كله يا بنت السوهاچي!!!

(( الـفـصـل الـثـالـث ))


وصلت حياة إلى القرية أخيراً وبعد طول إنتظار !

تنفست بعمق حابسة أكبر كمية ممكنة من الهواء بصدرها لتطلقها بتمهل 

كم أشتاقت لذلك المكان الذي ذكرها بطفولتها التي كادت أن تُغتصب !

ورغم تلك الذكريات السوداء التي داهمتها تواً إلا أنها أبتسمت بعفوية عندما رأت أطفال القرية يلهون سوياً والسعادة تملأ وجوههم 


تقدمت بخطوات ثابتة وهي تحث ذاكرتها لتتذكر مكان منزلها وقد حاولت إخفاء وجهها بالشال الذي لفته حول عنقها 

مرت دقائق مطولة لتقف أخيراً أمام منزل عائلتها الضخم الذي يشبه القصر

جابت بناظرها المكان لتتأكد من خلوه سوى من بعض الحراس 

تحرك تجاه البوابة ليستوقفها أحد الحراس قائلاً بلهجة حادة:

- رايحة على فيين ؟


حمحمت بتوتر ثم قالت بنبرة مترددة:

- مش دا بيت الحج عبد القادر ؟

اومأ لها الحارس لتتابع هي :

- أنا ضيفة جياله ، ممكن أدخل ؟


تفحصها الحارس بنظرات ثاقبة قبل أن يعقب :

- شكلك مش من إهنه ، أستني عندك أبلغ الحچ عبد الجادر !

اومأت له بإيجاب ليدخل هو فتتنهد بإرتياح !

خرج الحارس بعد عدة ثوانٍ وقال بهدوء:

- أدخلي 


ابتسمت بخفة ثم دلفت إلى الداخل وهي تتفحص أركان البيت سريعاً لتتدفق إليها ذكريات طفولتها ..

كان هذا قبل أن يقع بصرها على جدها "عبد القادر" !!

وقفت قبالته تتأمل قسمات وجهه التي أشتاقت لها ، هتف عبد القادر متبيناً:

- مين أنتي؟


لم ترد على سؤاله وإنما زادت إبتسامتها المشتاقة ولكنها سرعان ما أرتمت بين أحضانه وهي تحاول كبح دموعها المنهمرة !

صُدم عبد القادر من فعلتها ليقول بسرعة:

- استغفر الله العظيم ، ايه يا بت اللي بتعمَليه ده ميصحش أكده !


قالت الأخيرة بصوت مكتوم من بين أحضانه:

- وحشتني يا جدو


أتسعت عيناه لتنم عن صدمة جلية بداخله فأسرع يبعدها عن أحضانه ويتفرس بوجهها بنظرات متمعنة 

لم يصدق ما يراه !

أهي حفيدته بالفعل قد عادت الآن؟!

ولكن كيف ؟

همس بتعجب قائلاً:

- حياة !!


اومأت له بإيجاب ليضمها بقوة باثاً لها كل أشواقه إليها طوال ست سنوات وهو يقول بنبرة مهتزة:

- أتوحشتك جوي يا بنتي ، كنتي فين كل ده ؟


ردت حياة وهي تحتضنه بقوة:

- مش مهم كنت فين يا جدو ، المهم إني جيت عشان أشوفك وأشوف ماما 


أبعدها قليلاً متحسساً وجهها بيده قائلاً:

- الحمدلله بسلامتك يا بنتي..


***


- يا حياة !


هتفت بها أشجان عدة مرات بتعب ولكنها يأست في النهاية من إمكانية أن ترد عليها حياة 

خمنت أنها ترتدي سماعات أذنها مجدداً وتقوم بإكمال إحدي لوحاتها ، فهي تعشق الرسم مما جعلها ترتاد كلية الفنون .. وبالتأكيد فإن لحياة طقوساً خاصة بالرسم


نهضت أشجان بتثاقل وقد حثت الخطى إلى غرفة أبنة شقيقتها لتفتح الباب قبل أن تُصدم بعدم وجودها !

خرجت باحثة عنها في أنحاء البيت ولكنها لم تجدها !

صاحت بإسمها العديد من المرات ولكن بلا فائدة!

أخرجت هاتفها لتتصل بها آملة بأن ترد عليها ولكنها لم تحسب أنها أغلقت هاتفها 


وضعت يدها على صدرها قائلةً بخوف:

- يا ساتر ، البنت راحت فين ياربي!!


شعرت بالعجز في نهاية المطاف فأسرعت تتصل بشقيقها على عجل 

رد رؤوف بنبرة ناعسة قائلاً:

- الوو


هتفت أشجان بهلع:

- الحقني يا رؤوف ، حياة مش في البيت وتليفونها مقفول 


أنتفض رؤوف بإنتباه وقال بجدية:

- اييه ، ازاي يعني .. هي خرجت من غير ما تقولك ؟


= اه 


- طب أقفلي أنا جاي حالاً!!!


***


جلست حياة بجوار عبد القادر ليتحادثا سويا!


قال عبد القادر بحزن واضح:

- ليه عملتي أكده يا بنتي ، ليه هملتينا ورحتي لحالك وعصيتينا


أبتسمت حياة بحزن عميق ثم قال:

- مقدرتش يا جدو ، مقدرتش أتحمل الهلاك اللي كنتوا هتودوني ليه بإيديكم ، أنتوا كنتوا هتتدفنوني بـ الحيا


نظر لها قائلاً:

- وهو الچواز دفن بالحيا يا بنتي ؟


طالعته بنظرات ذات معنى وقالت:

- لما يبقى في السن دا آه يا جدو ، وكمان لما يبقي جواز بالشكل دا .. جواز عبارة عن تخليص تار بين عيلتين ، ساعتها يبقى اه يا جدو


تنهد الآخر بعمق وقال محاولاً السيطرة على أعصابه:

- بس أنتي لازم تتچوزي مچد يا حياة ، خلاص أنتي كبرتي والموضوع ده لازم ينتهي 


= متقساش عليا يا جدو ، متعملش معايا زي بابا ، أنا جيت عشان عارفة أن قلبك حنين عليا ، و أد أية أنت بتحبني و بتخاف عليا ، و الموضوع القديم دا أنا عارفة أنه كان غصب عنك عشان مكانش في بنات لسة متجوزوش في العيلة غيري ! 


ردد عبد القادر بتحسر :

- مرچعتيش لية يا إبنيتي لما أبوكي كان عايش ، لية مخليتهوشي يملي نضره بيكي ؟ !


أبتسمت بسخرية و هي تردف :

- أنا طول عمري يا جدو كنت بحس أن بابا بيكرهني عشان أنا جيت بنت مش ولد ، و كرهه دا للأسف بهت عليا و مبقتش أحس بأي حاجة ناحيته..


رفعت جانب وجهها قائلة ببطء و قد ترقرقت الدموع بـ عينيها :

- حتى لما مات محستش بـ أي شعور ، سواء كان حزن ، ألم ، يُـتم ، سعادة محستش بـ أي شئ ، قسوته عليا و علي أمي كانت طاغية علي كل حاجة ، كانت معلمة فيا.. !


أخذت نفساً عميقاً متهدجاً ثم أكملت و هي تهرب بعينيها بعيدًا عنه :

- إبنك وجعني أوي يا جدو ، كان هيدبحني بـ سكينة تلمه و يا ريت كان غصب عنه ، لأ دا كان راضي !


صمت عبدالقادر لدقائق ثم قال بإبتسامة بشوشة :

- خلص يا بتي اللي أنتي عايزاه عيكون ، بس أهم حاچة أن محدش يعرف أنك بت ولدي حياة ، أنتي إهنيه جريبة نچاه ، لحسن لو حدا إهنه شم خبر أنك رچعتي عيلة الجناوي ما عتسكوتش و هيركبونا العيبة !


إبتسامة واسعة شقت وجه حياة و هي تنقض علي جدها معانقة إياه بقوة ، ضحك عبد القادر قائلًا :

- براحه عليا يا حياة ، أنا بجيت راچل عچوز مش جَدك !


غمزت له قائلة بمشاكسة :

- دا أنت لسة شباب يا جدو يا مز انت ، تعرف لوما أنك جدي لا كنت خطفتك خطف كدة !


قهقه عبدالقادر من قلبه علي تلك المشاكسة الصغيرة التي أتت لتعيد الحياة في ذلك المنزل الكئيب ، جاءت إعتماد قائلة بحاجب معقود :

- عندينا ضيوف و لا إية يا بوي ؟ !


أرتبكت حياة قليلًا عندما وجدت عمتها تدلف للمكان ليسارع عبدالقادر بقوله الصارم :

- تعالي يا إعتماد سلمي علي بنت خالة الست نچاة !


رسمت إعتماد إبتسامة علي ثغرها و قالت و هي تتقدم منهما :

- يا مورحبا يا مورحبا بـ زينة البنات ، كيفك ؟ !


سلمت عليها و أمطرتها بوابل من القبلات و الأحضان كما هم معتدين في الريف و الصعيد بسبب تلك الألفة التي تكون بينهم ، جلست إعتماد بجانبها ، ربتت علي ظهرها قائلة بتودد :

- إسمك إية يا بنيتي ؟ !


ردت حياة و هي تفرك جبينها بحرج :

- اااا إسمي صفا !


أبتسمت إعتماد بـ تكلف ثم قالت :

- عروح أني أجيب البنتة عشان يسلموا عليكي يا صفا !


أومأت لها بإبتسامة مرتعشة لتنهض إعتماد متجهه نحو بهو المنزل ، تنهدت حياة بـ راحة ثم ألتفتت لجدها الذي كان يضحك بخفوت ثم قالت :

- هي ماما فين ؟ !


ردد بأبتسامة صغيرة :

- أدلت علي المجابر عشان تزور أبوكي !


أومأت بخفة ثم شردت قليلًا في رد فعل خالتها عندما تعلم أنها تركت المنزل..


                     ***


= سافرت الصعيد ، أيوة سافرت الصعيد أنا متأكدة !


هتفت أشجان بهلع واضح ليقول رؤوف محاولًا تهدأتها :

- أهدي بس كدا يا أشجان هـ..


قاطعته صارخة بحنق :

- أهدي أية و زفت أية يا رؤوف ، حياة راحت بـ رجليها للنار و أنا هنا زي الهبلة معرفتش أمنعها !


زفر ببطئ و هو يردف :

- طب هنعمل أية ؟ !


رددت بـ أعين تشع عزم :

- هروح الصعيد يا رؤوف ، أنا مش هاسيبها لوحدها !


                      ***


///فـي الـيـوم الـتـالـي


أبتسمت بحب و هي تستشعر دفئ أحضان والدتها الحبيبة التي نامت بجانبها الليلة الفائتة ، تنهدت بخفة و هي تتذكر ردة فعل والدتها عندما قابلتها ، حقًا كما كانت تشاهد في الأفلام و المسلسلات من بكاء و أنهيار و أحضان و قبلات غادقة..


فـ كم كانت تشتاق لها كثيرًا ، منذ أن أستقرت بـ مرسي مطروح و هي لم ترها أو تسمع صوتها حتي ، قطبت جبينها بحيرة متمتمة :

- يا تري جدو هيخليها تيجي تقعد معانا في مطروح ؟ !


                     ***


///فـي مـنـزل عـائـلـة الـقـنـاوي


هبط مجد من علي الدرج الخشبي و هو قاطب الجبين ، فـ أصوات شجار عمه و إبنه الحامي وصلته للأعلي ، دلف لـ غرفة المعيشة هاتفًا بـ نزق :

- في إيه يا عمي ، صوتكم چايب لأخر الدنيا !


صرخ عتمان بغضب جلي :

- تعالث يا مچد ، شوف ولد عمك رايد إييية ، رايد يتچوز مها بنت السوهاچي !


صاح محمد بحنق :

- و فيها إيه يابوي ، ما هو مچد كان عيتجوز بتهن زمان !


ردد عتمان من بين أسنانه :

- كان عيتچوزها لجل يوجفوا التار اللي بينتنا يا مخ البجرة أنت !


طالعه محمد بحنق ثم خرج من الغرفة كـ الإعصار تتبعه نظرات مجد الهادئة ، تهاوي جسد عتمان علي الأريكة بضياع لـ يجلس مجد بجانبه ، ربت علي ساقه قائلًا :

- و لا يهمك يا عمي ، أنا هعجلهولك !


أومأ له عتمان و قال بإبتسامة صغيرة ممتنة :

- يا ريت يا مچد ، أنت زي أخوه الكبير برضك !


إبتسم مجد من زاوية فمه ثم نهض حتي يلحق إبن عمه المتهور قبل أن يفتعل ما لا يحمد عقابه..


                       ***


= يعني ما وفجوش يا مِحمد ؟ !


صاحت مها بصوت مستنكر باكي مخاطبة محمد الذي يكلمها علي الهاتف ، صمتت لثواني قبل أن تقول بحزن :

- متخافش يا جلبي ، أنا هحارب زييك و أكتر منيك كومان عشان چوازتنا إتم !


صمتت لثواني أخري قبل أن تتنهد و هي تردف :

- مع السلامة !


أغلقت مع المكالمة ثم أخذت تبكي و هي تندب حظها العثر ، فـ عندما عشقت ، عشقت إبن العائلة التي بينها و بين عائلتها عداوة كبيرة..!


سمعت صوت إعتماد والدتها تناديها فـ قالت بصوت عالٍ نسبيًا و هي تمسح دموعها :

- چايه يامااا ، چايه !


أدلت ساقيها من علي السرير ثم وقفت لتتجه بعدها للباب ، فتحته بهدوء ثم خرجت و سارت بـ الطرقة قليلًا لكنها ما لبثت أن تصنمت و هي تسمع صوت نجاة و هي تقول بصوت خافت بعض الشئ :

- مينفعش يا حياة ، مينفعش أسيب البيت هنا ، الكل هيشك في الموضوع !


رفعت حاجبها و هي تقترب أكثر لتتصنت عليها ظنًا منها أنها تتحدث في الهاتف لـ تأتيها الصدمة علي هيئة صوت تلك الفتاة المسماه بـ صفا و هي تقول بـ ترجي :

- أرجوكي يا ماما ، أنا بعدت عنك كتير ، 6 سنين بحالهم و أحنا متفرقين ، مش جيه بقااا الوقت أننا نجتمع ، و بعدين أنا جيت هنا لية مش عشان أشوفك و أخدك معايا و مفكرتش و لا ثانية في اللي ممكن يحصلي لو حد عرف إني حياة بنت رياض ؟ !


شهقة خافتة صدرت من مها و هي تتراجع للخلف غير مصدقة لما تسمع ، هل إبنة خالها حياة عادت لـ البيت و كذبت علي الكل بـ شأن كنيتها الحقيقة ؟ !


تمتمت مها بعدم تصديق :

- دا أنتي طلعتي داهيه يا حياة ، تاچي الصعيد و تمثلي أنك قريبة خالتي نچاة ؟ !


لا تعلم متي بـ التحديد أشعت تلك الفكرة في رأسها لتبتسم بـ مكر و هي تقول :

- چاتلك ع الطبطاب يا مها ، دلوكيت لو عيلة الجناوي عرفوا أنها إهنه أكيد هيچوزوها لـ مچد و ساعتها هيبجي عادي أتچوز أنا من محمد !


عضت علي شفتيها بحماس ، فـ هي حلت مشكلتها أخيرًا بعد سنين علي يد تلك البلهاء ، ما عليها الآن سوي أن تنشر ذلك الخبر للشخص الصحيح حتي تعلم عائلة القناوي..!


ضربت كفيها ببعض و هي ترجع لـ غرفتها مرة أخري حتي تنفذ مخططها غير عابئة بـ ذلك الجحيم الذي ستضع به تلك المسكينة..!


_ يُـتـبـع _(( الـفـصـل الـثـالـث ))


وصلت حياة إلى القرية أخيراً وبعد طول إنتظار !

تنفست بعمق حابسة أكبر كمية ممكنة من الهواء بصدرها لتطلقها بتمهل 

كم أشتاقت لذلك المكان الذي ذكرها بطفولتها التي كادت أن تُغتصب !

ورغم تلك الذكريات السوداء التي داهمتها تواً إلا أنها أبتسمت بعفوية عندما رأت أطفال القرية يلهون سوياً والسعادة تملأ وجوههم 


تقدمت بخطوات ثابتة وهي تحث ذاكرتها لتتذكر مكان منزلها وقد حاولت إخفاء وجهها بالشال الذي لفته حول عنقها 

مرت دقائق مطولة لتقف أخيراً أمام منزل عائلتها الضخم الذي يشبه القصر

جابت بناظرها المكان لتتأكد من خلوه سوى من بعض الحراس 

تحرك تجاه البوابة ليستوقفها أحد الحراس قائلاً بلهجة حادة:

- رايحة على فيين ؟


حمحمت بتوتر ثم قالت بنبرة مترددة:

- مش دا بيت الحج عبد القادر ؟

اومأ لها الحارس لتتابع هي :

- أنا ضيفة جياله ، ممكن أدخل ؟


تفحصها الحارس بنظرات ثاقبة قبل أن يعقب :

- شكلك مش من إهنه ، أستني عندك أبلغ الحچ عبد الجادر !

اومأت له بإيجاب ليدخل هو فتتنهد بإرتياح !

خرج الحارس بعد عدة ثوانٍ وقال بهدوء:

- أدخلي 


ابتسمت بخفة ثم دلفت إلى الداخل وهي تتفحص أركان البيت سريعاً لتتدفق إليها ذكريات طفولتها ..

كان هذا قبل أن يقع بصرها على جدها "عبد القادر" !!

وقفت قبالته تتأمل قسمات وجهه التي أشتاقت لها ، هتف عبد القادر متبيناً:

- مين أنتي؟


لم ترد على سؤاله وإنما زادت إبتسامتها المشتاقة ولكنها سرعان ما أرتمت بين أحضانه وهي تحاول كبح دموعها المنهمرة !

صُدم عبد القادر من فعلتها ليقول بسرعة:

- استغفر الله العظيم ، ايه يا بت اللي بتعمَليه ده ميصحش أكده !


قالت الأخيرة بصوت مكتوم من بين أحضانه:

- وحشتني يا جدو


أتسعت عيناه لتنم عن صدمة جلية بداخله فأسرع يبعدها عن أحضانه ويتفرس بوجهها بنظرات متمعنة 

لم يصدق ما يراه !

أهي حفيدته بالفعل قد عادت الآن؟!

ولكن كيف ؟

همس بتعجب قائلاً:

- حياة !!


اومأت له بإيجاب ليضمها بقوة باثاً لها كل أشواقه إليها طوال ست سنوات وهو يقول بنبرة مهتزة:

- أتوحشتك جوي يا بنتي ، كنتي فين كل ده ؟


ردت حياة وهي تحتضنه بقوة:

- مش مهم كنت فين يا جدو ، المهم إني جيت عشان أشوفك وأشوف ماما 


أبعدها قليلاً متحسساً وجهها بيده قائلاً:

- الحمدلله بسلامتك يا بنتي..


***


- يا حياة !


هتفت بها أشجان عدة مرات بتعب ولكنها يأست في النهاية من إمكانية أن ترد عليها حياة 

خمنت أنها ترتدي سماعات أذنها مجدداً وتقوم بإكمال إحدي لوحاتها ، فهي تعشق الرسم مما جعلها ترتاد كلية الفنون .. وبالتأكيد فإن لحياة طقوساً خاصة بالرسم


نهضت أشجان بتثاقل وقد حثت الخطى إلى غرفة أبنة شقيقتها لتفتح الباب قبل أن تُصدم بعدم وجودها !

خرجت باحثة عنها في أنحاء البيت ولكنها لم تجدها !

صاحت بإسمها العديد من المرات ولكن بلا فائدة!

أخرجت هاتفها لتتصل بها آملة بأن ترد عليها ولكنها لم تحسب أنها أغلقت هاتفها 


وضعت يدها على صدرها قائلةً بخوف:

- يا ساتر ، البنت راحت فين ياربي!!


شعرت بالعجز في نهاية المطاف فأسرعت تتصل بشقيقها على عجل 

رد رؤوف بنبرة ناعسة قائلاً:

- الوو


هتفت أشجان بهلع:

- الحقني يا رؤوف ، حياة مش في البيت وتليفونها مقفول 


أنتفض رؤوف بإنتباه وقال بجدية:

- اييه ، ازاي يعني .. هي خرجت من غير ما تقولك ؟


= اه 


- طب أقفلي أنا جاي حالاً!!!


***


جلست حياة بجوار عبد القادر ليتحادثا سويا!


قال عبد القادر بحزن واضح:

- ليه عملتي أكده يا بنتي ، ليه هملتينا ورحتي لحالك وعصيتينا


أبتسمت حياة بحزن عميق ثم قال:

- مقدرتش يا جدو ، مقدرتش أتحمل الهلاك اللي كنتوا هتودوني ليه بإيديكم ، أنتوا كنتوا هتتدفنوني بـ الحيا


نظر لها قائلاً:

- وهو الچواز دفن بالحيا يا بنتي ؟


طالعته بنظرات ذات معنى وقالت:

- لما يبقى في السن دا آه يا جدو ، وكمان لما يبقي جواز بالشكل دا .. جواز عبارة عن تخليص تار بين عيلتين ، ساعتها يبقى اه يا جدو


تنهد الآخر بعمق وقال محاولاً السيطرة على أعصابه:

- بس أنتي لازم تتچوزي مچد يا حياة ، خلاص أنتي كبرتي والموضوع ده لازم ينتهي 


= متقساش عليا يا جدو ، متعملش معايا زي بابا ، أنا جيت عشان عارفة أن قلبك حنين عليا ، و أد أية أنت بتحبني و بتخاف عليا ، و الموضوع القديم دا أنا عارفة أنه كان غصب عنك عشان مكانش في بنات لسة متجوزوش في العيلة غيري ! 


ردد عبد القادر بتحسر :

- مرچعتيش لية يا إبنيتي لما أبوكي كان عايش ، لية مخليتهوشي يملي نضره بيكي ؟ !


أبتسمت بسخرية و هي تردف :

- أنا طول عمري يا جدو كنت بحس أن بابا بيكرهني عشان أنا جيت بنت مش ولد ، و كرهه دا للأسف بهت عليا و مبقتش أحس بأي حاجة ناحيته..


رفعت جانب وجهها قائلة ببطء و قد ترقرقت الدموع بـ عينيها :

- حتى لما مات محستش بـ أي شعور ، سواء كان حزن ، ألم ، يُـتم ، سعادة محستش بـ أي شئ ، قسوته عليا و علي أمي كانت طاغية علي كل حاجة ، كانت معلمة فيا.. !


أخذت نفساً عميقاً متهدجاً ثم أكملت و هي تهرب بعينيها بعيدًا عنه :

- إبنك وجعني أوي يا جدو ، كان هيدبحني بـ سكينة تلمه و يا ريت كان غصب عنه ، لأ دا كان راضي !


صمت عبدالقادر لدقائق ثم قال بإبتسامة بشوشة :

- خلص يا بتي اللي أنتي عايزاه عيكون ، بس أهم حاچة أن محدش يعرف أنك بت ولدي حياة ، أنتي إهنيه جريبة نچاه ، لحسن لو حدا إهنه شم خبر أنك رچعتي عيلة الجناوي ما عتسكوتش و هيركبونا العيبة !


إبتسامة واسعة شقت وجه حياة و هي تنقض علي جدها معانقة إياه بقوة ، ضحك عبد القادر قائلًا :

- براحه عليا يا حياة ، أنا بجيت راچل عچوز مش جَدك !


غمزت له قائلة بمشاكسة :

- دا أنت لسة شباب يا جدو يا مز انت ، تعرف لوما أنك جدي لا كنت خطفتك خطف كدة !


قهقه عبدالقادر من قلبه علي تلك المشاكسة الصغيرة التي أتت لتعيد الحياة في ذلك المنزل الكئيب ، جاءت إعتماد قائلة بحاجب معقود :

- عندينا ضيوف و لا إية يا بوي ؟ !


أرتبكت حياة قليلًا عندما وجدت عمتها تدلف للمكان ليسارع عبدالقادر بقوله الصارم :

- تعالي يا إعتماد سلمي علي بنت خالة الست نچاة !


رسمت إعتماد إبتسامة علي ثغرها و قالت و هي تتقدم منهما :

- يا مورحبا يا مورحبا بـ زينة البنات ، كيفك ؟ !


سلمت عليها و أمطرتها بوابل من القبلات و الأحضان كما هم معتدين في الريف و الصعيد بسبب تلك الألفة التي تكون بينهم ، جلست إعتماد بجانبها ، ربتت علي ظهرها قائلة بتودد :

- إسمك إية يا بنيتي ؟ !


ردت حياة و هي تفرك جبينها بحرج :

- اااا إسمي صفا !


أبتسمت إعتماد بـ تكلف ثم قالت :

- عروح أني أجيب البنتة عشان يسلموا عليكي يا صفا !


أومأت لها بإبتسامة مرتعشة لتنهض إعتماد متجهه نحو بهو المنزل ، تنهدت حياة بـ راحة ثم ألتفتت لجدها الذي كان يضحك بخفوت ثم قالت :

- هي ماما فين ؟ !


ردد بأبتسامة صغيرة :

- أدلت علي المجابر عشان تزور أبوكي !


أومأت بخفة ثم شردت قليلًا في رد فعل خالتها عندما تعلم أنها تركت المنزل..


                     ***


= سافرت الصعيد ، أيوة سافرت الصعيد أنا متأكدة !


هتفت أشجان بهلع واضح ليقول رؤوف محاولًا تهدأتها :

- أهدي بس كدا يا أشجان هـ..


قاطعته صارخة بحنق :

- أهدي أية و زفت أية يا رؤوف ، حياة راحت بـ رجليها للنار و أنا هنا زي الهبلة معرفتش أمنعها !


زفر ببطئ و هو يردف :

- طب هنعمل أية ؟ !


رددت بـ أعين تشع عزم :

- هروح الصعيد يا رؤوف ، أنا مش هاسيبها لوحدها !


                      ***


///فـي الـيـوم الـتـالـي


أبتسمت بحب و هي تستشعر دفئ أحضان والدتها الحبيبة التي نامت بجانبها الليلة الفائتة ، تنهدت بخفة و هي تتذكر ردة فعل والدتها عندما قابلتها ، حقًا كما كانت تشاهد في الأفلام و المسلسلات من بكاء و أنهيار و أحضان و قبلات غادقة..


فـ كم كانت تشتاق لها كثيرًا ، منذ أن أستقرت بـ مرسي مطروح و هي لم ترها أو تسمع صوتها حتي ، قطبت جبينها بحيرة متمتمة :

- يا تري جدو هيخليها تيجي تقعد معانا في مطروح ؟ !


                     ***


///فـي مـنـزل عـائـلـة الـقـنـاوي


هبط مجد من علي الدرج الخشبي و هو قاطب الجبين ، فـ أصوات شجار عمه و إبنه الحامي وصلته للأعلي ، دلف لـ غرفة المعيشة هاتفًا بـ نزق :

- في إيه يا عمي ، صوتكم چايب لأخر الدنيا !


صرخ عتمان بغضب جلي :

- تعالث يا مچد ، شوف ولد عمك رايد إييية ، رايد يتچوز مها بنت السوهاچي !


صاح محمد بحنق :

- و فيها إيه يابوي ، ما هو مچد كان عيتجوز بتهن زمان !


ردد عتمان من بين أسنانه :

- كان عيتچوزها لجل يوجفوا التار اللي بينتنا يا مخ البجرة أنت !


طالعه محمد بحنق ثم خرج من الغرفة كـ الإعصار تتبعه نظرات مجد الهادئة ، تهاوي جسد عتمان علي الأريكة بضياع لـ يجلس مجد بجانبه ، ربت علي ساقه قائلًا :

- و لا يهمك يا عمي ، أنا هعجلهولك !


أومأ له عتمان و قال بإبتسامة صغيرة ممتنة :

- يا ريت يا مچد ، أنت زي أخوه الكبير برضك !


إبتسم مجد من زاوية فمه ثم نهض حتي يلحق إبن عمه المتهور قبل أن يفتعل ما لا يحمد عقابه..


                       ***


= يعني ما وفجوش يا مِحمد ؟ !


صاحت مها بصوت مستنكر باكي مخاطبة محمد الذي يكلمها علي الهاتف ، صمتت لثواني قبل أن تقول بحزن :

- متخافش يا جلبي ، أنا هحارب زييك و أكتر منيك كومان عشان چوازتنا إتم !


صمتت لثواني أخري قبل أن تتنهد و هي تردف :

- مع السلامة !


أغلقت مع المكالمة ثم أخذت تبكي و هي تندب حظها العثر ، فـ عندما عشقت ، عشقت إبن العائلة التي بينها و بين عائلتها عداوة كبيرة..!


سمعت صوت إعتماد والدتها تناديها فـ قالت بصوت عالٍ نسبيًا و هي تمسح دموعها :

- چايه يامااا ، چايه !


أدلت ساقيها من علي السرير ثم وقفت لتتجه بعدها للباب ، فتحته بهدوء ثم خرجت و سارت بـ الطرقة قليلًا لكنها ما لبثت أن تصنمت و هي تسمع صوت نجاة و هي تقول بصوت خافت بعض الشئ :

- مينفعش يا حياة ، مينفعش أسيب البيت هنا ، الكل هيشك في الموضوع !


رفعت حاجبها و هي تقترب أكثر لتتصنت عليها ظنًا منها أنها تتحدث في الهاتف لـ تأتيها الصدمة علي هيئة صوت تلك الفتاة المسماه بـ صفا و هي تقول بـ ترجي :

- أرجوكي يا ماما ، أنا بعدت عنك كتير ، 6 سنين بحالهم و أحنا متفرقين ، مش جيه بقااا الوقت أننا نجتمع ، و بعدين أنا جيت هنا لية مش عشان أشوفك و أخدك معايا و مفكرتش و لا ثانية في اللي ممكن يحصلي لو حد عرف إني حياة بنت رياض ؟ !


شهقة خافتة صدرت من مها و هي تتراجع للخلف غير مصدقة لما تسمع ، هل إبنة خالها حياة عادت لـ البيت و كذبت علي الكل بـ شأن كنيتها الحقيقة ؟ !


تمتمت مها بعدم تصديق :

- دا أنتي طلعتي داهيه يا حياة ، تاچي الصعيد و تمثلي أنك قريبة خالتي نچاة ؟ !


لا تعلم متي بـ التحديد أشعت تلك الفكرة في رأسها لتبتسم بـ مكر و هي تقول :

- چاتلك ع الطبطاب يا مها ، دلوكيت لو عيلة الجناوي عرفوا أنها إهنه أكيد هيچوزوها لـ مچد و ساعتها هيبجي عادي أتچوز أنا من محمد !


عضت علي شفتيها بحماس ، فـ هي حلت مشكلتها أخيرًا بعد سنين علي يد تلك البلهاء ، ما عليها الآن سوي أن تنشر ذلك الخبر للشخص الصحيح حتي تعلم عائلة القناوي..!


ضربت كفيها ببعض و هي ترجع لـ غرفتها مرة أخري حتي تنفذ مخططها غير عابئة بـ ذلك الجحيم الذي ستضع به تلك المسكينة..!

_ يُـتـبـع _

الفصل الرابع والخامس والسادس والاخير هنا 👇👇

من هنا


بداية الروايه من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات

CLOSE ADS
CLOSE ADS
close