أخر الاخبار

عروسي الهاريه الفصل الرابع والخامس والسادس والاخير كامله علي مدونة النجم المتوهج للروايات والوصفات

 


عروسي الهاريه

الفصل الرابع والخامس والسادس والاخير

(( الـفـصـل الـرابـع ))


وقفت أشجان أمام المرآة تعدل من هندامها ثم تناولت حقيبة يدها الصغيرة 

سارت إلى غرفة حياة لتلقي عليها نظرة قبل أن تغادر لاحقة بها 


دخلت بخطوات بطيئة ليلفت نظرها تلك اللوحة التي علقتها حياة والتي كانت ترسم بها والدتها !

ابتسمت برفق وهي تقترب أكثر متأملة تلك اللوحة المرسومة ببراعة!


تنهدت بعمق وأخفضت رأسها لترى تلك الورقة المطوية !

التقطتها ثم راحت تقرأها بعد أنا فتحتها ولكن سرعان ما عضت شفتيها بحزن 

كان ذلك قبل أن تأخذ الورقة وتخرج من المبنى لتذهب برفقة رؤوف إلى حيث ذهبت حياة!

           

                              ***


- زي ما بجولك إكده يا مِحمد ، حياة بت خالي رچعت 


ضيق محمد عينيه بتفكير قائلاً:

- أنتِ متوكدة يا مها ، شفتيها بعينك يعني ؟


قالت مها مؤكدة :

- ايوة متوكدة جوي ، ده فرصتنا يا محمد لازمن تخبر عيلتك 


أبتسم محمد بمكر ثم قال غامزاً:

- طب هملي الموضوع ده ليا ، اني هتصرف 


اومأت له ثم غادرت مبتعدة إلى منزلها وهي تمني نفسها بذلك الزواج !


عاد محمد متهلل الأسارير إلى منزل العائلة ثم جلس بالحديقة التي تحيط به 

راح يستنشق الهواء ويزفره على مهل وهو يخطط لما سيفعل 


- مِحمد !


هتف بها مجد ليبتسم محمد على الفور وهو يدير ظهره له قائلاً:

- خيير يا ولد عمي !


سار مجد تجاه أبن عمه بتروٍ ثم جلس بجواره قبل أن يقول بهدوء:

- شايفك فرحان رغم اللي حصل چوة !


ابتسم محمد بغموض وقال :

- مفرحانش ولا حاچة ، أنت چاي ليه ؟


ربت مجد على كتف محمد ثم قال بهدوء:

- چاي أجولك كام كلمة إكده تحطهم حلجة في ودنك يا أبن عمي 


= هات اللي عِندك !


- شوف يا محمد ، البت اللي أنت رايدها دي أنت تعرف زين إنها من عيلة السوهاچي ..

وبرضك تعرف زين إن عيلة السوهاچي دول جتلوا أخوك ، صُح ولا مصُحش!؟


عبس وجه محمد عندما تذكر شقيقه الذي قتل على أيدي عائلة السوهاجي 

لم يعقب محمد ليتابع مجد قائلاً بإهتمام:

- وچوازك من عندهم ده معناه إنك نسيت حج أخوك و إعتراف منيك إنهم مغلطوش 

و ده مش رچولة !!


ثار محمد غضباً واشتدت ملامحه ضيقاً اثر ما قاله مجد ولكنه ضحك ساخراً في النهاية وقال:

- خليك أنت كلمني عن الرچولة ومدريانش بحاچة 


نظر له مجد مستغرباً مما يفعل ثم قال بعدم فهم:

- جصدك اييه ؟


زادت إبتسامة محمد الساخرة قبل أن يقول :

- لاه مجصديش ، تعالى ندخل چوة عند أبوي .. في كلمتين محشورين في حنكي ولازمن اطلعهم


اومأ مجد بإستغراب لينهض محمد متجهاً إلى الداخل 


جلس مجد بجوار عمه بينما وقف محمد عاقداً ذراعيه ليقول:

- أنا عِندي ليكم خبر ، هيجلب الكفر كلاته


قطب عتمان حاجبيه ثم هتف بولده قائلاً:

- في ايييه يا محمد 


ابتسم محمد بشر قائلاً:

- حياة بنت رياض السوهاچي ، رچعت دارها من تاني !!


هب مجد واقفاً وقال:

- أنت بتقول ايييه !


= ومش بس إكده ، دا عيلة السوهاچي مكتمة ع الخبر وبتجول إنها بنت خالة الست نجاة .. وأسمها صفا !!


بدأت عينا مجد تقدح شرراً واتخذ الغضب مجراه إلى عروقه فصاح بقوة:

- كيف يعني ، أنت واعي للي بتجوله ده ولا داري أيه معناته !


أضاف عتمان أيضا بنبرة غاضبة:

- إحنا لا يمكن نسكتوا أبدا يا ولدي ع المهزلة دَي !


كور مجد قبضته ثم قال وقد بدأت عينيه القاتمتين تبوح بالكثير:

- أنا هعرف اتصرف معاهم كييف !!


                            ***

في منزل عائلة السوهاجي


جمعت حياة أدوات الرسم الخاصة بها ثم وضعتها بحقيبتها الصغيرة

أرادت أن تخرج وتفرغ طاقتها في لوحة ترسمها لبعض المناظر في القرية

ابتسمت بشجن ثم تناولت حقيبتها واتجهت إلى حيث والدتها لتقبل يدها قائلة:

- ساعتين كدا وهرجع يا ماما ، وأتمني تفكري في اللي قلتهولك تاني وتيجي معايا


تنهدت نجاة بعمق ولكنها ابتسمت في النهاية وقالت :

- ماشي يا حياة ، بس متتأخريش .. ربنا يحفظك يا بنتي وخدي بالك من نفسك


اومأت لها حياة بإبتسامة صغيرة ثم سارت إلى الخارج

جلست نجاة تتابع شاشة التلفاز الصغيرة وتنتقل من محطة لأخرى إلى أن غفت مكانها !


لم تدري كم من الوقت مر حين أفاقت على صوت ضجة عارمة قادمة من الخارج فنهضت مسرعة ولفت حجابها ثم خرجت إلى الشرفة لتتبين الأمر!


أتسعت عينا نجاة وهي ترى العديد من الرجال يحيطون بالمنزل ويتوسطهم عتمان الذي كان يصيح قائلاً وعينيه لا تبشر بالخير:

- اخرچ يا عبدالجادر ، اخرچ وكلمني لو راچل 


خرج عبدالقادر مستنداً إلى عكازه ومحاطاً ببعض الغفر ثم هتف بتأهب:

- عايز اييه يا عتمان ، چاي تجر الشكل من تاني لييه


صاح عتمان مرة ثانية ولكن بقوة يسمعها الجميع بوضوح:

- فين حياة حفيدتك يا عبدالجادر ، يعني مشايفهاش واجفة چارك !


قفز قلب نجاة رعباً وقد خمنت ما يرمي إليه مجد ، ولم يكن عبدالقادر أقل خوفاً منها ، ولكنه نجح بإخفاء خوفه من خلال كلمات قالها بثبات:

- ايه الكلام الخرفان اللي بتجوله ده يا مچد ، كيف تجف چاري يعني !


ضحك ساخراً مما يقوله عبدالقادر ولكنه سرعان ما تابع بصوته الجهوري:

- يعني حياة مرچعتش دارها ليلة إمبارح !!


لم يعقب عبد القادر بشىء أبدا وإنما وقف متصنماً عاجزاً عن النطق 

ولكن مجد لم يمهله فتابع هذه المرة بهدوء مخيف:

- هاتها بالهداوة بدل ما نخلوها حرب ونسيحوا دم إهنه !


قال عبدالقادر كمحاولة أخيرة للحفاظ على حفيدته:

- حياة مش چوة يا مچد ،وده آخر كلام عِندي 


وكأنها كانت الإشارة لمجد ليهتف برجاله قائلاً:

- فتشوا الدوار كلاته واللي يعمل حركة إكده ولا إكده طخوه !


صدحت أصوات تعمير سلاح رجال عائلة السوهاجي ليهتف عبدالقادر بقوة :

- خطوة چوا الدوار و هنقلبها دمدرة ، هو أنتوا فاكرين أن مفيش رچالة إهنه و لا أييية !


أصبح التحدي علي أشده الأن لتُحبس الأنفاس ترقبًا لـ تلك المعركة الحامية التي علي وشك النشوب الآن..

       

                      ***


وصل كلٌ من أشجان ورؤوف إلى القرية حيث كانا على مقربة من منزل العائلة


ترجل كلاهما سريعاً ثم سارا بإتجاه المنزل 

ولكن أشجان تجمدت مكانها عندما سمعت صوتاً يصيح قائلاً:

- ارمحوا في الكفر كلاته وچيبوها قبل ما تهرب من تاني !!


في تلك اللحظة صرخت أشجان بخوف وأسرعت بالركض ومن خلفها رؤوف إلى أن وقفا أمام مجد وعتمان 

لم تستطع أشجان التحمل فأنسابت عبراتها خوفاً مما قد تقدم عليه صغيرتها لا محالة!


همس لها رؤوف قائلاً بحزم:

- أدخلي جوا يا أشجان وأنا هحاول الحق حياة ، لازم نطلعها من هنا بسرعة


اومأت له موافقة ليبتعد هو مسرعاً في الحال


                      ***  


جلست بهدوء فوق العشب الأخضر وهي تتنفس هواء قريتها العذب بتمتع ، منذ وقت لم تجلس بمكان هادىء كهذا لذا فقد حانت الفرصة للإسترخاء  


أخرجت أدواتها ثم بدأت ترسم صورة لجزء من القرية ، جزء أخضر جذاب يبهج من يشاهده ويسحر العيون التي تبصره 


مرت دقائق مطولة كانت فيها حياة ترسم بسعادة غامرة ،ولكن انقبض قلبها فجأة عندما سمعت أصواتا عالية تقترب منها !


أرهفت سمعها لتتبين ماهية تلك الأصوات ، ولكن قفز قلبها فزعاً عندما سمعت أسمها يُنادى بقوة!


جمعت أشيائها بسرعة بالغة وركضت لتخرج من ذلك البستان وقد تسارعت أنفاسها خوفاً

وقفت فجأة تتلفت يمنة ويسرة ، حيث شعرت أن الأصوات تحيط بها من كل جانب 


وبالفعل ، ظهر ثلاثة رجال أمامها قبل أن يهتف أحدهم :

- أنتي ميين ؟


شعرت بأنها ستفقد السيطرة على قدميها قريباً ، حيث راحت قدماها تتخبط ببعضهما بقلق ولكنها استجمعت شجاعتها وقالت :

- أنا صفا !


= وأخيراً وجعتي يا حياة !!


هتف بها مجد الذي أقبل ببعض الرجال الآخرين قبل أن يتابع بشر :

- چيتي برچليكي لحد إهنه ، ومهتهربيش تاني مني أنا مچد الجناوي !


اتسعت عيناها برعب بالغ عندما سمعت إسمه!!

راحت أسنانها تصطك ببعضها البعض خوفاً مما سيحدث

فهذا إن دل فإنما يدل على أنها لن تخرج من هنا بسهولة ، أو ربما لن تخرج أبداً !!!!


_يُــتــبَــع_(( الـفـصـل الـرابـع ))


وقفت أشجان أمام المرآة تعدل من هندامها ثم تناولت حقيبة يدها الصغيرة 

سارت إلى غرفة حياة لتلقي عليها نظرة قبل أن تغادر لاحقة بها 


دخلت بخطوات بطيئة ليلفت نظرها تلك اللوحة التي علقتها حياة والتي كانت ترسم بها والدتها !

ابتسمت برفق وهي تقترب أكثر متأملة تلك اللوحة المرسومة ببراعة!


تنهدت بعمق وأخفضت رأسها لترى تلك الورقة المطوية !

التقطتها ثم راحت تقرأها بعد أنا فتحتها ولكن سرعان ما عضت شفتيها بحزن 

كان ذلك قبل أن تأخذ الورقة وتخرج من المبنى لتذهب برفقة رؤوف إلى حيث ذهبت حياة!

           

                              ***


- زي ما بجولك إكده يا مِحمد ، حياة بت خالي رچعت 


ضيق محمد عينيه بتفكير قائلاً:

- أنتِ متوكدة يا مها ، شفتيها بعينك يعني ؟


قالت مها مؤكدة :

- ايوة متوكدة جوي ، ده فرصتنا يا محمد لازمن تخبر عيلتك 


أبتسم محمد بمكر ثم قال غامزاً:

- طب هملي الموضوع ده ليا ، اني هتصرف 


اومأت له ثم غادرت مبتعدة إلى منزلها وهي تمني نفسها بذلك الزواج !


عاد محمد متهلل الأسارير إلى منزل العائلة ثم جلس بالحديقة التي تحيط به 

راح يستنشق الهواء ويزفره على مهل وهو يخطط لما سيفعل 


- مِحمد !


هتف بها مجد ليبتسم محمد على الفور وهو يدير ظهره له قائلاً:

- خيير يا ولد عمي !


سار مجد تجاه أبن عمه بتروٍ ثم جلس بجواره قبل أن يقول بهدوء:

- شايفك فرحان رغم اللي حصل چوة !


ابتسم محمد بغموض وقال :

- مفرحانش ولا حاچة ، أنت چاي ليه ؟


ربت مجد على كتف محمد ثم قال بهدوء:

- چاي أجولك كام كلمة إكده تحطهم حلجة في ودنك يا أبن عمي 


= هات اللي عِندك !


- شوف يا محمد ، البت اللي أنت رايدها دي أنت تعرف زين إنها من عيلة السوهاچي ..

وبرضك تعرف زين إن عيلة السوهاچي دول جتلوا أخوك ، صُح ولا مصُحش!؟


عبس وجه محمد عندما تذكر شقيقه الذي قتل على أيدي عائلة السوهاجي 

لم يعقب محمد ليتابع مجد قائلاً بإهتمام:

- وچوازك من عندهم ده معناه إنك نسيت حج أخوك و إعتراف منيك إنهم مغلطوش 

و ده مش رچولة !!


ثار محمد غضباً واشتدت ملامحه ضيقاً اثر ما قاله مجد ولكنه ضحك ساخراً في النهاية وقال:

- خليك أنت كلمني عن الرچولة ومدريانش بحاچة 


نظر له مجد مستغرباً مما يفعل ثم قال بعدم فهم:

- جصدك اييه ؟


زادت إبتسامة محمد الساخرة قبل أن يقول :

- لاه مجصديش ، تعالى ندخل چوة عند أبوي .. في كلمتين محشورين في حنكي ولازمن اطلعهم


اومأ مجد بإستغراب لينهض محمد متجهاً إلى الداخل 


جلس مجد بجوار عمه بينما وقف محمد عاقداً ذراعيه ليقول:

- أنا عِندي ليكم خبر ، هيجلب الكفر كلاته


قطب عتمان حاجبيه ثم هتف بولده قائلاً:

- في ايييه يا محمد 


ابتسم محمد بشر قائلاً:

- حياة بنت رياض السوهاچي ، رچعت دارها من تاني !!


هب مجد واقفاً وقال:

- أنت بتقول ايييه !


= ومش بس إكده ، دا عيلة السوهاچي مكتمة ع الخبر وبتجول إنها بنت خالة الست نجاة .. وأسمها صفا !!


بدأت عينا مجد تقدح شرراً واتخذ الغضب مجراه إلى عروقه فصاح بقوة:

- كيف يعني ، أنت واعي للي بتجوله ده ولا داري أيه معناته !


أضاف عتمان أيضا بنبرة غاضبة:

- إحنا لا يمكن نسكتوا أبدا يا ولدي ع المهزلة دَي !


كور مجد قبضته ثم قال وقد بدأت عينيه القاتمتين تبوح بالكثير:

- أنا هعرف اتصرف معاهم كييف !!


                            ***

في منزل عائلة السوهاجي


جمعت حياة أدوات الرسم الخاصة بها ثم وضعتها بحقيبتها الصغيرة

أرادت أن تخرج وتفرغ طاقتها في لوحة ترسمها لبعض المناظر في القرية

ابتسمت بشجن ثم تناولت حقيبتها واتجهت إلى حيث والدتها لتقبل يدها قائلة:

- ساعتين كدا وهرجع يا ماما ، وأتمني تفكري في اللي قلتهولك تاني وتيجي معايا


تنهدت نجاة بعمق ولكنها ابتسمت في النهاية وقالت :

- ماشي يا حياة ، بس متتأخريش .. ربنا يحفظك يا بنتي وخدي بالك من نفسك


اومأت لها حياة بإبتسامة صغيرة ثم سارت إلى الخارج

جلست نجاة تتابع شاشة التلفاز الصغيرة وتنتقل من محطة لأخرى إلى أن غفت مكانها !


لم تدري كم من الوقت مر حين أفاقت على صوت ضجة عارمة قادمة من الخارج فنهضت مسرعة ولفت حجابها ثم خرجت إلى الشرفة لتتبين الأمر!


أتسعت عينا نجاة وهي ترى العديد من الرجال يحيطون بالمنزل ويتوسطهم عتمان الذي كان يصيح قائلاً وعينيه لا تبشر بالخير:

- اخرچ يا عبدالجادر ، اخرچ وكلمني لو راچل 


خرج عبدالقادر مستنداً إلى عكازه ومحاطاً ببعض الغفر ثم هتف بتأهب:

- عايز اييه يا عتمان ، چاي تجر الشكل من تاني لييه


صاح عتمان مرة ثانية ولكن بقوة يسمعها الجميع بوضوح:

- فين حياة حفيدتك يا عبدالجادر ، يعني مشايفهاش واجفة چارك !


قفز قلب نجاة رعباً وقد خمنت ما يرمي إليه مجد ، ولم يكن عبدالقادر أقل خوفاً منها ، ولكنه نجح بإخفاء خوفه من خلال كلمات قالها بثبات:

- ايه الكلام الخرفان اللي بتجوله ده يا مچد ، كيف تجف چاري يعني !


ضحك ساخراً مما يقوله عبدالقادر ولكنه سرعان ما تابع بصوته الجهوري:

- يعني حياة مرچعتش دارها ليلة إمبارح !!


لم يعقب عبد القادر بشىء أبدا وإنما وقف متصنماً عاجزاً عن النطق 

ولكن مجد لم يمهله فتابع هذه المرة بهدوء مخيف:

- هاتها بالهداوة بدل ما نخلوها حرب ونسيحوا دم إهنه !


قال عبدالقادر كمحاولة أخيرة للحفاظ على حفيدته:

- حياة مش چوة يا مچد ،وده آخر كلام عِندي 


وكأنها كانت الإشارة لمجد ليهتف برجاله قائلاً:

- فتشوا الدوار كلاته واللي يعمل حركة إكده ولا إكده طخوه !


صدحت أصوات تعمير سلاح رجال عائلة السوهاجي ليهتف عبدالقادر بقوة :

- خطوة چوا الدوار و هنقلبها دمدرة ، هو أنتوا فاكرين أن مفيش رچالة إهنه و لا أييية !


أصبح التحدي علي أشده الأن لتُحبس الأنفاس ترقبًا لـ تلك المعركة الحامية التي علي وشك النشوب الآن..

       

                      ***


وصل كلٌ من أشجان ورؤوف إلى القرية حيث كانا على مقربة من منزل العائلة


ترجل كلاهما سريعاً ثم سارا بإتجاه المنزل 

ولكن أشجان تجمدت مكانها عندما سمعت صوتاً يصيح قائلاً:

- ارمحوا في الكفر كلاته وچيبوها قبل ما تهرب من تاني !!


في تلك اللحظة صرخت أشجان بخوف وأسرعت بالركض ومن خلفها رؤوف إلى أن وقفا أمام مجد وعتمان 

لم تستطع أشجان التحمل فأنسابت عبراتها خوفاً مما قد تقدم عليه صغيرتها لا محالة!


همس لها رؤوف قائلاً بحزم:

- أدخلي جوا يا أشجان وأنا هحاول الحق حياة ، لازم نطلعها من هنا بسرعة


اومأت له موافقة ليبتعد هو مسرعاً في الحال


                      ***  


جلست بهدوء فوق العشب الأخضر وهي تتنفس هواء قريتها العذب بتمتع ، منذ وقت لم تجلس بمكان هادىء كهذا لذا فقد حانت الفرصة للإسترخاء  


أخرجت أدواتها ثم بدأت ترسم صورة لجزء من القرية ، جزء أخضر جذاب يبهج من يشاهده ويسحر العيون التي تبصره 


مرت دقائق مطولة كانت فيها حياة ترسم بسعادة غامرة ،ولكن انقبض قلبها فجأة عندما سمعت أصواتا عالية تقترب منها !


أرهفت سمعها لتتبين ماهية تلك الأصوات ، ولكن قفز قلبها فزعاً عندما سمعت أسمها يُنادى بقوة!


جمعت أشيائها بسرعة بالغة وركضت لتخرج من ذلك البستان وقد تسارعت أنفاسها خوفاً

وقفت فجأة تتلفت يمنة ويسرة ، حيث شعرت أن الأصوات تحيط بها من كل جانب 


وبالفعل ، ظهر ثلاثة رجال أمامها قبل أن يهتف أحدهم :

- أنتي ميين ؟


شعرت بأنها ستفقد السيطرة على قدميها قريباً ، حيث راحت قدماها تتخبط ببعضهما بقلق ولكنها استجمعت شجاعتها وقالت :

- أنا صفا !


= وأخيراً وجعتي يا حياة !!


هتف بها مجد الذي أقبل ببعض الرجال الآخرين قبل أن يتابع بشر :

- چيتي برچليكي لحد إهنه ، ومهتهربيش تاني مني أنا مچد الجناوي !


اتسعت عيناها برعب بالغ عندما سمعت إسمه!!

راحت أسنانها تصطك ببعضها البعض خوفاً مما سيحدث

فهذا إن دل فإنما يدل على أنها لن تخرج من هنا بسهولة ، أو ربما لن تخرج أبداً !!!!

(( الـفـصـل الـخـامـس ))


أهتزت حدقتيها بخوف جلي و هي تراقب وجه مجد الذي رُسم عليه بـ إحترافية ملامح الشر المستطير ، لم تمهل نفسها ثانية للتفكير و إنما رمت أشيائها أرضًا و رفعت فستانها الفضفاض ثم أنطلقت بعدها تسابق الرياح وسط الحقول الخضراء غافلة عن أنها دلفت لـ عرين الأسد و لا مفر منه..!


كاد رجال مجد أن ينطلقوا خلفها لكن بإشارة من يده توقفوا ، تمتم بإبتسامة متسلية :

- خلص يا رچالة متشكرين جوي لحد إكده ،  أرمحوا دلوكيت علي دوار السوهاجي عشان توجفوا چار عمي و أبوي !


أومؤا له بطاعة ثم ذهبوا لتلوح في عينيه نظرة ماكرة و هو ينطلق راكضًا نحو فريسته..


                      ***


= برضو مش بترد !


هتف رؤوف بـ عصبية مفرطة و هو ينزل هاتفه من علي أذنه ، مشط بعينيه البستان بـ تركيز و هو يخطو بـ ثبات إلي أن أسترعي إنتباهه صوت تحطم شئ تحت قدمه ، نظر أسفل قدمه بـ حاجبين مقطوبين ، أتسعت عيناه بـ صدمة و هو يجد أدوات الرسم الخاصة بـ حياة ملقاة علي الأرض بإهمال ، خفق قلبه بعنف فـ يبدو أن أحدهم وجدها !


وجد أصوات أقدام خلفه ليلتفت مستعدًا لـ تلك المعركة بـ ملامح قاتمة ، أرتخت ملامحه شيئًا فـ شيئًا عندما أخبره أحدهم :

- إحنا تبع الحاچ عبدالجادر ، بعتنا ليك عشان منسيبوكش لوحديك !


أومأ له ثم قال بـ ضيق :

- في إحتمال إن حد لقي حياة !


أشار علي أشيائها ثم تابع :

- أو تكون هي عرفت تهرب منهم عشان كدا رمت حاجتها هنا !


رد أحدهم بقوة :

- متخافش يا رؤوف بيه ، محدش هيجرب من حياة هانم !


زفر رؤوف بقوة ثم تابع بحثه عن إبنه أخته مع الرجال..


                      ***


ظلت تركض في الحقول بسرعة حتي نال منها التعب ، نظرت خلفها و هي تلهث بشدة فـ لم تجد أحداً يلحقها فـ خال لها أنهم أضاعوا أثرها ، توقفت واضعة يدها في خصرها و هي تتنفس بسرعة أثر المجهود الذي بذلته ، رفعت وجهها و هي تتنهد بعمق مغمضه الأعين ، ما لبثت حتي شهقت بذعر عندما جذبها أحدهم بقوة من الخلف لـ تلتصق بصدره ، كادت أن تصرخ لكنه كان الأسرع بتكميم فمها ، أحاط خصرها جيدًا و هو يقول بنبرة خافتة تحمل من المكر و الخبث الكثير :

- فكرك عتعرفي تُهربي يا حياة تاني ؟


تلوت بين يديه بعنف و هي تغمغم ببعض الكلمات الغير مفهومة ليتابع مجد من بين أسنانه :

- أستعدي يا .. يا عروسة !


زمجر بغضب عندما عضت كف يده بقوة لتهتف حينها بإهتياج :

- لا مش هتجوزك و ههرب تاني زي ما هربت أولاني ، أنا مش هكمل حياتي مع واحد زيك.. أعااااااا نزلني يا مجنوووون !


أثناء كلامها أستغل مجد الفرصة ليحملها علي كتفه كـ " شوال البطاطا " بتملل من حديثها ، سار بها وسط الحقول حتي يخرج من المكان لتصيح بحنق و هي تضرب علي ظهري  :

- نزلني يا همجي يا بربري ، أنا لا يمكن أقبل أني أعيش مع واحد همجي زيك ، أقولك أبقي تُف علي قبري يا أسمك أية أنت لو أتنفذ اللي في دماغك !


ضحك بسخرية و هو يقول :

- متخافيش يا حياة عتوف و بضمير كومان !


زمجرت بحنق و تضربه بغيظ علي ظهره ليقرصها من ذراعها بقوة و هو يقول بحنق :

- وااه ، ما تسوجيش فيها يا ست السفيرة عزيزة !


تأوهت بحنق ليبتسم حينها مجد بإتساع ، فها هو قد نجح بإصطياد فريسته و جاء بها..


///أمـام مـنـزل عـائـلـة الـسـوهـاجـي


أقتحمت الشرطة المكان فور أن جائتهم إخبارية بـ أن هناك حرب علي وشك النشوب بين العائلتين ، و بعدما أخمدت الموقف قليلًا توجه أكبر الضباط الموجدين رتبة مع عبدالقادر و عتمان حتي يحلوا الموضوع..


و فجأة تدخل محمد و هو يقول بصرامة :

- و أنا عندي الحل لكل حاچة !


ألتفت له الجميع يناظرونه بتساؤل ليتلوي فمه بإبتسامة ماكرة و هو يقول :

- أنتوا مش رايدين تنهوا الخلاف اللي بينتنا و خلص ؟ !


لاقي الصمت ليتابع بثقة :

- أنا يشرفني ويسعدني إني أطلب يد بتكم مها ، عشان ننهوا الخلاف ده!!


ذهل الجميع مما يقوله ولكن توجهت أنظارهم إلى مجد الذي وصل حاملاً حياة وهو يقول بغضب:

- مهيحصلش !


ثم هتف بمحمد بعد أن أنزل حياة أرضاً وقد برزت عروقه من الغضب :

- ارچع ع الدوار يا محمد 


كاد محمد أن ينطق ولكنه وجد عتمان له بالمرصاد يرمقه بنظرات حادة ، فاومأ على مضض ثم عاد وهو يتوعد مجد بالكثير!


وهنا نظر مجد لحياة التي راحت تركض صوب والدتها لتحتمي بين أحضانها قائلاً:

- إحنا هنكتبوا الكتاب بكرة بأمر الله ، واللي عنده إعتراض يچيني و يوريني روحه 


نظرت له حياة بأعين دامعة مليئة بالكره

فأدار وجهه بعيداً عنها ثم قال :

- وحسابك معاي بعدين يا عبدالجادر ، يلا بينا يا رچالة !


غادر مجد ورجاله بينما تنهدت نجاة بحزن عميق وراحت تربت على كتف صغيرتها في حين مسح عبد القادر وجهه قائلاً:

- چيب العواجب سليمة يارب مجدمناش حاچه تانية


أنهى جملته ثم دلف إلى الداخل وقد اختلطت أفكاره داخل عقله..


                     ***


صباح جديد أشرق على عائلة السوهاجي التي بات معظم أفراد عائلتها في دوامة من الأفكار 

نهض الجميع من أسرّتهم عدا حياة التي لم تذق للنوم طعماً منذ الليلة الماضية 


جلست تنظر من نافذة غرفتها بأعين خالية من أي تعبير ، سمعت عدة طرقات على باب غرفتها فقالت بصوت يكاد يُسمع:

- ادخل


لم تشعر بالإستغراب عندما دلف جدها إلى غرفتها ، بل كانت تتوقع قدومه من قبل 

جلس عبدالقادر إلى جوارها ثم قال بجدية:

- اسمعيني يا حياة ، خلاص خُلص وجت النحيب ومعادش فيه فرصة نتهربوا من الموضوع ده 


= عايز تقول ايه يا جدو


قالتها حياة بحزن دفين فتابع عبدالقادر:

- شوفي يا ابنيتي ، التار ده عمره عشر سنين وأكتر ، ولازمن يخلص لأن غير إكده نسل عيلة السوهاچي هينجطع .. وكلمة حق تتجال يا بنتي ، إحنا منجدرش على عيلة الجناوي ، فــ لازمن تتضحي التضحية دي يا حياة


ابتسمت حياة بسخرية وقالت:

- وكلمة حق برضو تتقال يا جدو ، الواحد ميأمنش على نفسه بينكوا ، والتضحية اللي هضحيها مش هتنسف حد غيري 


شعر عبدالقادر بالضيق لما قالت حفيدته كأنها تقول أنهم ليسوا أهلين للثقة و لا للمحافظة علي من هم يخصوهم ولكنه تحامل على نفسه وأكمل على مضض:

- يا حياة افهمي ، لو هربتي من تاني أو حد مننا عارض هنموت كلنا ، بما فيهم أنتي وامك 

عشان إكده اسمعيني زين ، مچد ده دماغه كيف الصخر .. حاولي تتفاهمي معاه يا بنتي واوعاكي يا حياة تحاولي بحركاتك ده إن تخليه يطلجك

الرچالة إهنه عارفين الحركات دي زين وساعتها ما هينوبك غير وچع الجلب


أغمضت عينيها ببطء وقالت:

- وأطلق ليه ؟ ، ماهو لو أطلقت هيبقي عار عليا برضو ، خليها على الله يا جدو ومن فضلك سيبني لوحدي شوية


اومأ الآخر مضطراً قبل أن يخرج تاركاً إياها بمفردها

نهضت حياة واخذت نفساً عميقاً ثم قالت محدثة ربها:

- ربِ استودعتك نفسي فأحفظني ونجني من شرهم يالله..............!!


_يُـــتْــبَــع_


_يُــتــبَــع_

(( الـفـصـل الـسـادس و الـأخـيـر ))


حل الليل معلنا عن حدث كبير بالقرية ، فقد امتلأ المكان بأصوات الطبل والزمر العالية ليعلن عن الزفاف المنتظر منذ ست سنوات ، إنه زفاف حفيد عائلة القناوي وحفيدة عائلة السوهاجي !


هبطت حياة سلالم المنزل بفستانها الأبيض البسيط وقد تزينت بشكل بسيط علها تخفي ما بداخلها من حزن وتظهر بعض مظاهر الفرح


جلست بجوار جدها وقد حاولت أن تمنع عبراتها من الهطول ، ولكنها لم تلحظ نظرات مجد المصوبة نحوها ، كان يشعر أنها ستنهار في أية لحظة ، هذا ما حدثه به إهتزاز وجهها وإضطراب حركتها 


شعر بالضيق من نفسه وراح يلوم نفسه على هذا ولكنه أقنع نفسه بأن هذا ما كان يستوجبه الأمر !


مرت دقائق كانت كالجحيم بالنسبة لـحياة ، خاصة تلك اللحظة التي صرحت فيها بموافقتها على ذلك الزواج 


علت صوت الزغاريد عقب إتمام مراسم الزواج تبعها صوت الطبول التي راحت تدق من جديد !


وعلى الجانب الآخر وقفت مها تنظر لما يدور حولها بإغتياظ شديد ، لم يكتمل مخططها الذي أرادته ، وإنما انقلب ليتحول إلى كابوس مزعج لها 


تحركت بخفة لتقف أمام محمد الذي نظر لها بترقب فقالت هي متحفزة:

- هنعملوا اييه يا مِحمد 


لم يرد الأخير عليها ، وإنما راح يتذكر ما قاله له مجد صباحاً 


                 (( فلاش باك))


حدجه مجد بصرامة ثم قال وقد قصد أن يضغط على بعض الحروف ليبرز معناها:

- أسمعني زين يا أبن عمي ، اللي تبيع حد من أهلها عشانك أعرِف إنها هتبيعك مع أول ضيجة تمر بيكم ، ومش هي داي بت الأصول اللي تستاهل جلبك


أدار محمد وجهه بعيداً وقال بسخرية:

- وأنت همك ايه ، مانت خدت اللي أنت رايده لروحك وچاي بالآخر تديني حكم ومواعظ 


= أني الكلمتين دول بجولهوملك عشان مصلحتك وعشان أنت زي أخوي يا محمد ، وعموماً أني ملياش صالح ، بس مترچعش تبكي وتولول في الآخر زي الولايا


قال كلماته وأنصرف تاركاً خلفه أبن عمه يتمعن بما قال


                    ((باك))


تنهد محمد تنهيدة مطولة مردفًا ببعض الحدة :

- مهنعملوش خلص يا مها ، الحكاية خُلصت !


و كأن دلو ماء مثلج سقط عليها ، تجمدت تعابيرها بشكل مخيف و هي تتمتم بعدم تصديق :

- الحكاية خُلصت ، إكدة بالبساطة داي ؟ !


= بصي يا بت الناس إعتبري اللي كان بينا دا كانو محصولش عشان منأذيش بعض ، ما هو يا عالم لو أتچوزتك و أمنتك علي إسمي و شرفي عتملي أية فيا و أنتي بايعة أهلك و خيناهم دا غير إنك أذيتي بت عمك عشان مُصلُحتك !


صاحت بترجي و قد تساقطت دمعاتها النادمة :

- بتعايرني عشان بحبك يا مِحمد ،دا أنا كنت بعمل ده كِلاته لجل خاطرك إنت و بس ، عشان نتلم في مُطرح واحد و ملتفتش لحكاية التار اللي بينتنا ده واااصل !


طالعها محمد ببرود ثم قال و هو ينفض عباءته :

- أشوف وشك علي خير يا .. يا مها !


ليتركها مكانها متحسرة علي ما أرتكبته يديها لأجل إنسان تافهه و حب أعمي يودي بـ حياة صاحبه ، لطمت علي وجهها بقوة و هي تقول بمرارة :

- يا مرك يا مها ، يا حنضلتك يا مها ، يا يومك اللسود يا مها ، كان يوم إسود و مهبب بـ طين لما شوفتك يا وش الفجر..


قد يقول الجميع أنها تستحق لكنها معذورة فـ الحب يا سادة عندما يدق قلب الشخص و يتغلل به يعميه عن أي شئ ، الصواب و الخطئ ، الحلال و الحرام ، حتي مصلحته..


                       ***


صعدت للغرفة و هي تتأبط ذراعه علي مضض و خلفهم المدعوين و هم يغنون و يطلقون الزغاريد الصاخبة ، لم يفت علي مجد تأففها الواضح منه ليظهر قناع البرود و اللامبالاة ، نعم يتميز غيظًا منها و يريد أن يصفعها بقوة حتي تفقد وعيها بسبب هروبها منه قديمًا لكن ذلك القلب اللعين يرق لها ، آه و ألف آه ؛ فـ لو تعلم أنه دق لها منذ أن إصتدمت به منذ ما يزيد عن الست سنوات أثناء هروبها ، أحب تلك الطفلة ذات الملامح الناعمة المرتعبة بـ خصلاتها السوداء الجامحة التي تمردت و خرج البعض منها من أسفل حجابها الصغير ، ست سنوات و هو يكذب نفسه و يقول أنها مجرد طفلة ليست إلا ، يقول أنها فتاة لا تنفعه ، فـ هي تربت بـ المدن و هو تربي في قلب صعيد مصر ، هي متحررة في معتاقداتها قليلًا أما هو فـ لا ، متشدد ، الصحيح صحيح و الخطأ خطأ في نظره لا يجمله ، لكن ليس له علي قلبه سلطان ، أحبها و قضي الأمر..


أما الأخري كانت تسير بروح خاوية بـ جانبه ، كأن تلك " الهيصة " كما أسمتها ليست أحتفالًا بـ زواجها المشؤوم ، يا الله كيف لها أن تعيش مع ذلك الذي يسير بجانبها مرتقيًا معها درجات السلم الخشبي ، ألقت نظرة عابرة عليه و هي زامة شفتيها ثم نظرت أمامها و هي تقلد عبوسه بسخرية ، ضحكة صغيرة فلتت منها لم تظهر وسط الأصوات الصاخبة الأخري لكنها أثارت إنتباه مجد ، قطب جبينه بدهشة و هو يرمقها بنظرات متسائلة لكنه ما لبث أن هز رأسه بقلة حيلة و هو يكمل صعود الدرج..


دلفت للغرفة بـ قلب مرتجف رغم مرحها منذ قليل مع نفسها فقد جاءت لحظة الحسم ، غاب قليلًا في الخارج لـ تغمض عينيها متمتمة برجفة و هي تقبض علي طرفي فستانها :

- يا رب .


سمعت صوت غلق الباب بـ المفتاح و بعده خطواته ثابتة نحوها لتحبس أنفاسها مرتقبة ما سوف يفعله ، خلع العمه و ألقاها بإهمال علي الأريكة ، وقف أمامها يطالعها بغموض و هو يشد علي خصلات شعره المتوسطة بـ حنق ، فـ هو في موقف لا يحسد عليه ، بينها و بين العادات و التقاليد و عائلته !


هتف فجأة بصوت أجش :

- أصرُخي !


فتحت أعينها مطالعه إياه بصدمة ، ماذا يقصد بـ تلك الكلمة المقتضبة  ؟


أردفت بدهشة :

- أفندم ؟ !


زم شفتيه بضجر و هو يقول ملوحًا بمنديل أبيض متوسط الحجم كان بـ جيب جلبابه :

- ما هو إنتي أكيد خابرة زين هما عايزين إية !


ما أن أدركت مقصده حتي شحب لونها ، هي لا تريد هذا ، لا تريد !


ترنحت قليلًا في وقفتها ليسارع مجد بإسنادها مرددًا ببعض اللهفة :

- ما تخافيش و الله ما هعملك حاچة بس إسمعي حديتي زين و نفذيه !


نظرت له بأعين ضائعة تحاول أن تجد الصدق في عينيه و بـ الفعل وجدته ، أغمضت عيناها آخذه نفس عميق و فجأة أطلقت صراخ حاد تبعه قولها المترجي و هي تعدل نبرة صوتها للبكاء بـ طريقة إحترافية :

- لالالالالا ، حرااااام عليك لاااااااااا ، أعاااااا !


أرتفع حاجبيه بإبتسامة متعجبة من تلك الفتاة ، فـ مكانها ليس هنا بل بـ معهد التمثيل !


أشار له بأن تصمت ثم قام بـ التوجه لـ خزانة الملابس ، أخرج زجاجة صغيرة تحمل سائل أحمر قاتم ليقوم بفتحها ثم نثر بعض من محتواحها علي المنديل ، جعلها تجلس في ركن منزوي من الغرفة حتي لا يراها أحد أثناء فتحه للباب ، خرج من الغرفة حتي يعطيهم ما يريدون و ما هي إلا ثواني حتي أنطلقت الزغاريد و الأعيرة النارية ، حمدت ربها بخفوت أن ذلك الـ " مجد "  أهل للثقة و لتفاديه ذلك المنعطف الحاد الذي حتمًا كان سيضر بها ، سمعت صوت غلق الباب لترفع عينيها نحوه مخاطبة إياه بخجل :

- شـ .. شكرًا .


رمي بثقل جسده بجانبها علي الأريكة متوسطة الحجم لتتزحزح هي بإستحياء نحو حدودها ، أغمض عينيه مستندًا برأسه لظهر الأريكة ثم قال بهدوء :

- متخافيش يا بت الناس مش بعُض !


حمحمت قائلة بنزق :

- لا مش قصدي ، بس أنا مش متعودة عـ .. عليك يعني !


ابتسم من جانب شفتيه بهدوء فـ يبدو أن هناك أمل يلوح في الأفق..!


                       ***


إقتحم الغرفة و الشرر يتطاير من أعينه بشكل مخيف ، شهر كامل منذ زواجهم و هي تتجنبه بشتي الطرق و هو يتقبل الموضوع برحابة صدر ، و يقول الصبر ثم الصبر ، لكنها أفقدته آخر ذرة تعقل عندما رآها منذ قليل تقف ضاحكة مع أخيه الأصغر بـ كل أريحيه و تلك الخصلات الغجرية تتمرد من أسفل حجابها ، حقًا جُن جنونه حينها ، هي لا تضحك معه هكذا ، لا تمازحه هكذا بل و الأدهي أنها كلما يدخل الغرفة تنزوي مع نفسها و لا تحدثه سوي بكلمات لا تسمن و لا تغني من جوع عاشق كـ :

- أحضرلك الغدا ؟

- عايزة أروح عند ماما !

- حمدلله علي سلامتك.


فقط ، هل هذا ما تعطيه إياه فقط  ؟ !


أنتفضت حياة من علي السرير أثر دخوله العاصف بحال لا يبشر بـ الخير أبدًا ، جلست علي ركبتيها و هي تراقبه بخوف و هو يقترب منها بهدوء خطير ، وقف أمامها بشموخ قائلًا من بين أسنانه :

- كيف تنزلي إكده من جوضتك من غير العباية و الشال ، لع و بتتمايعي مع حازم و بتضحكي ملو خاشمك كومان ؟ !


شهقت بحنق و قد توسعت عيناها من تلك الطريقة التي تختبرها لأول مرة منه منذ أن تزوجته ، هبت واقفة علي السرير و هي تصرخ بحنق مشيرة إليه بإصبعها :

- لا مسمحلكش ، أنا الحمدلله لبسي محتشم و طويل و ملهاش أي لازمة الحاجات اللي بتقول عليها دي ، و بعدين حازم زي أخويا الصغير عادي يعني أضحك و أهرج معاه !


أمسكها من خصلاتها ببعض اللين مرددًا بـ غيظ :

- لا مش عادي يا حياة ، أي راچل لسانك ما يخاطبش لسانه حتي لو كان ابوي او خالك او حتي چدك ، أنا صبرت كتير و صبري نفد يا بنت الناس ، و بعدين تعالي إهنيه ، شعرك دِه طالع من حچابك لية ، هه ؟ !


صاحت بحنق و هي تضرب منكبه ببكاء :

- بس بقاااا أنا زهقت و الله ، حابسني في الأوضة و مفيش خروج منها إلا للأكل و بس ، حتي أهلي مش مخليني أروحلهم ، و الله حرام عليك ، أنا مستحقش كل الكره دا منك !


أرتخت تعابيره فجأة بصدمة ، أتعتقده يكرهها بـ الفعل ، ألا تعلم كيف يحبها تلك المجنونة أم ماذا ؟ !


مسح علي وجهه بإنهاك بينما الأخري أنهارت لتسقط علي السرير باكية ، طالعها بهدوء ثم جلس بجانبها لـ دقائق بلا أي إنفعال ، فجأة سحبها لتستقر بين أحضانه متمتمًا بخفوت :

- أنا بعمل إكده عشان بحبك يا حياة !


توسعت عيناها بصدمة ليكمل و هو يملس علي رأسها بحنان :

- إيوة بحبك من لما كنتي لسة عيلة صغيرة ، كان حب من أول نظرة زي ما بيجولوا ، حاولت أخرچك من جلبي و عَجلي كتير معرفتش ، فضلت أدور عليكي كتبر بس ملجتكيش ، فجدت الأمل ساعتها إني ألاقيكي تاني بس أتفاجأت إنك لغاية إهنه في البلد ، ساعتها الفرحة مكانتش سيعاني بس كنت بتظاهر بغير إكده عشان أهلي ميشكوش في حاچة !


تنهد بحزن و هو يكمل :

- أنا بس اللي عايزة منك إنك تسيبيني أعلمك تحبيني مش أكتر و لا أجل !


صمت دام لدقائق تبعه قولها و هي تبتعد عنه ماسحة لدموعها :

- و أنا مستعدة يا مجد ، علمني أحبك إزاي !


إبتسامة واسعة شقت وجهه ، فـ هي قد أعطته الإشارة الخضراء أخيرًا ، ضمها في عناق ساحق قائلًا و هو يتنهد بحرارة :

- بحبك جوي يا عيون و جلب مجد !


إبتسامة متوترة تشكلت علي ثغرها و هي تبادله العناق بخجل ، هي تثق به ، و يكفي ذلك لتسلمه قلبها قبل عقلها...


                       ***


/// بـعـد مـرور عـامـيـن و نـصـف


/// فـي حـديـقـة مـنـزل كـبـيـر


صاح مجد بحماس و هو يمد ذراعيه في الهواء :

- هه ، يلا فاضل حتة إصغيرة !


قهقه الصغير كريم صاحب العام و النصف و هو يسير نحو والده بخطوات صغيرة غير متزنة ، ما أنا وصل إليه حتي رفعه مجد في الهواء ضاحكًا بإتساع ، صاح بفخر و هو يربت بحنان علي ظهره الصغير :

- عاش ، طالع أسد زي أبوك يا واااد.


= مجد ، يلا هات كوكي عشان أأكله !


صاح مجد بنزق و هو يدلف للمنزل من خلال الشرفة الواسعة :

- أية كوكي دِه ، دا راچل يا حياة مش بت عشان تجوليلوه الدلع الماسخ دِه !


ظهرت حياة أمامه لتتخصر قائلة بمكر و هي ترفع حاجبها :

- أية مش عجبك و لا أية يا حبيبي ، عمومًا هغيره و هغير معاه دلعك .. هرجعه للقديم فاكره ؟ !


تشدق بغيظ و هو يجز علي أسنانه :

- لو نطجتي الإسم المايع دِه جدامي هعلجك علي النجفة اللي فوجك دي يا حِلوة !


هتفت ببراءة مصطنعة و هي تقترب منه آخذه صغيرها الذي كان أكثر من مرحب :

- و علي أية يا حبيبي دا سر طبعًا حتي مستجرأش أقوله لنفسي !


رمقها بنصف عين لتستدير هي هامسة لـ كريم بعبث :

- كنت بقول لـ بابا يا دودو !


= حياااااااة !


صرخ مجد بحنق و هو يتجه لها لتفر هي هاربة و قد تصاعدت ضحكاتها هي و كريم و معهم مجد الذي بدأ بـ الركض خلفها بمرح..!


قد تأتي أقدارنا كـ الحلوي المغلفة بـ غلاف قاتم غير مُسِر للعين فـ تظن أنها مرة كـ العلقم لكنها بعد مرور الوقت تنزاح عنها ذلك الغلاف لـ تظهر بـ شكلها الذي ستشتهيه نفسك ، هكذا هي حكايتها ، أساءت الظن في البداية لـ تجد شئ آخر يفوق تخيلاتها ، كان فقط يحتاج لـ يُروي بـ الحب حتي يظهر أجمل ما عنده و هي قد برعت في ذلك...


_ تـمـت _

بداية الروايه من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close