expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

صاحبة السعاده والسيد حزن البارت الاول والتاني



صاحبة السعاده والسيد حزن

البارت الاول والتاني

 ١-عفريت الخرابة


دخل الي الحارة في ذاك الوقت المتأخر من الليل .. كانت هذه عادته ان يتسلل الى حجرته بعد ان يكون الجميع قد هجع للنوم حتى لا يكون مضطرا لمقابلة صاحب البيت المتهالك الذي يسكن فيه مطالبا بأجرة الغرفة المتأخر في سدادها للشهر الثالث على التوالي .. 


وصل الى البيت ودفع بوابته الحديدية الصدئة فأصدرت صريرا مزعجا ينم عن غضبتها لإيقاظها من رقادها في هذه الساعة .. 


صعد الدرجات الأربعين التي تفصله عن سطح البيت حيث غرفته الوحيدة به .. اخرج مفتاحها من جيب جلبابه وعالج به القفل بصعوبة في هذا الظلام المنتشر حوله.. 


دفع الباب في حذّر وولج للحجرة واضعا ربابته على الطاولة العرجاء وجلس بحرص متأوها في إرهاق على ذاك الفراش الذي يدفع النوم بعيدا عن الاعين دفعا قسريا بهذه المرتبة المتأكلة والوسائد التي خلت تقريبا من القطن وألواحه التي فُقد بعضها فأصبح المسافة بين كل لوح وأخيه كافية لينزلق جسده بينهما .. 


تمدد متطلعا للسقف المشقوق بالأعلى وهمس لنفسه وهو يلتف لينام على جانبه الأيمن :- مش مهم ..كله هايبجى تمام  باذن الله ..  


واغمض عينيه يحاول ان يوازن جسده على الفراش الخرب حتى راح في سباب عميق لايدرك كيف سيأتي الغد وهو لا يملك بجيبه ثمن إفطاره .. ولا يعلم كم سيصبر عليه صاحب البيت من اجل أجرته المتأخرة .. لكنه نام يحلم رغم ذلك بالغد الوردي .. 


            •••••••••••••••


صرخت نعمات في صدمة وهى تضرب بباطن كفها على صدرها في لوعة :- اتجوز عليا !؟.. حسبنا الله ونعم الوكيل .. اشوف فيك يوم يا سعيد يابوالسعد .. يجي ويحط عليك .. 


هتفت سعادة وهي تربت على كتفها تحاول تهدئتها:- معلش يا خالتي .. عادة ابويا ولا هيشتريها يعني !؟..ما هو اتجوزك على خالتي سنية ومن قبلهم كانت امي الله يرحمها ..  


صرخت بها نعمات في غيظ :- قطيعة تقطعك انتِ وأبوكِ ف ساعة واحدة .. ولما هو بسلامته اتجوز سايبك ليا اعمل بيكِ ايه !؟.. حاجة من ريحته !؟.. مستكفية ياختي كفاية عليا دوول .. 


وأشارت لإخوة سعادة المبعثرة أجسادهم


 نيام .. 


هتفت سعادة في اضطراب :- قصدك ايه يا خالتي..!؟..


جذبت نعمات كف سعادة ودفعت بها باتجاه باب الشقة التي لا يصح ان يطلق عليها لقب شقة من الأساس .. فهي عبارة عن حجرة بدورم كانت ف الأصل غرفة مخزن مكونة من اتساع كبير تم تقسيمه بأغطية الفراش الممزقة لحجرات يتجمع بها اخوتها الخمس كما تراهم اللحظة حتى انه لا متسع لحركة قدم توضع ما بين إلتصاق أجسادهم.. فتحت نعمات الباب ودفعت بسعادة خارج الشقة هاتفة :- روحي ياختي لأبوكِ ومراته الجديدة .. خليها تنفعه وتتفعك .. 


وأغلقت الباب في وجهها بعنف اجفل سعادة التي وقفت على أعتابه متشبثة بأسياخ الطاقة الحديدية وطرقت في تضرع :- افتحيلي والنبي يا خالتي.. افتحيلي ومن النجمة همشي .. طب ابات الليلة دي بس وبعدين اعرف ابويا فين وأروح له .. 


فتحت نعمات الباب بالفعل لكن ليس لان قلبها رق لابنة زوجها ولكن لتدفع ببعض ماء من دلو قذر امام باب الشقة حتى تمنعها من النوم حتى على الأعتاب مما دفع سعادة لتشهق في صدمة تحاول تجنب الماء حتى لا تبتل ملابسها مندفعة باتجاه الدرج تعتليه للخارج وهتفت في قلة حيلة وزوجة ابيها تهم بغلق الباب :- طب هاتي هدومي من جوه .. 


هتفت نعمات في غل :- هدوم ايه يا ام هدوم .. هي الهلاهيل دي بتسميها هدوم !؟..روحي ياللاه اتكلي على الله .. روووحي .. 


صرخت عنايات بكلمتها الأخيرة في غضب وهي تغلق الباب بوجه سعادة في عنف كاد ان يخلعه لتتركها وحيدة في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل لا سقف يظلها ولا تملك مليما واحدا تضمن به قوت يومها على الأقل .. 


كانت تنوي النوم امام عتبة البيت حتى الصباح لكن ما باليد حيلة وقد اصبح المكان كله مبتلا بماء قذر مما دفعها لتكمل صعود الدرجات التي تفصلها عن باب البيت متطلعة للعالم المجهول خارجه لا تعلم ما عليها فعله .. 


             *****************


ما هذه الصرخات والهتافات المدوية .. اما من سبيل للنوم براحة في هذه الحارة المنكوبة بسكانها.. 


تعالت الصرخات من جديد ليستشعر ان الأرض تميد به مترنحة وتنبه لتحذير واحد وصل لمسامعه جعله ينتفض من سباته ملتقطا ربابته واندفع يقفز الدرج في سرعة ليتزاحم جسده مع باقي سكان العقار الذي يبدو انه ينهار في تلك اللحظة على رؤوس قاطنيه .. 


لحظات وكان يلتقط أنفاسه في تتابع من اثر الصدمة بعدما ايقن انه نجى باعجوبة من الموت تحت انقاض ذاك البيت الذي يبصره بالكاد من بين غبار ركامه المتطاير والمنتشر هنا وهناك حاجبا الرؤية عن الجميع .. 


جلس بأحد الأركان البعيدة عن ذاك الصخب والعويل وقد استيقظت الحارة كلها على صوت انهيار المنزل ليتحول بها الليل لنهار .. 


ما عاد له بقاء بهذه الحارة ولم يعد لديه ما يربطه بها .. هو يعلم حظه التعس .. وماذا بعد الحزن اسما حتى يعلم ان الحزن سيرافقه دوما طوال حياته .. الا يقولون ان لكل امرؤ نصيب من اسمه.. فماذا ينتظر واسمه هو..  حِزن ..


كان امامه العديد من البيوت ليسكن بها لكنه لم يختر الا هذا البيت .. وما العجب وقد ايقن تماما ان لا اختيار جيد واحد قام به في حياته ..


نهض مبتعدا وسار حتى كلت قدماه ولازال النهار بعيدا وهو تقريبا لم يغمض له جفن .. وجد نفسه


امام خرابة بنهاية احدى الحارات ..دخلها وجلس على احد الأحجار الموجود بها مستندا برأسه  على الجدار الملاصق محتضنا ربابته متشبثا بها  وراح في نوم عميق ..


              •••••••••••••••••••


كان البرد ينخر عظامها وهي لا ترتدي الا تلك العباءة التي لا تقيها قرصاته .. كانت ترتجف موضعها لكنها قررت العبث بما حولها لعلها تجد غطاء ما ممزق او بعض القطع الكرتونية التي يمكن جمعها لتصنع لنفسها حائط صد امام تيارات الهواء البارد الذي يكاد يحولها الى تمثال متجمد .. 


تحركت هنا وهناك وما ان عثرت أخيرا على بغيتها ووجدت ذلك الصندوق الكرتوني حتى سمعت صرخات رجولية مصدومة تهتف في ذعر:- عفريتة .. عفريتة الخرابة .. 


تطلعت لموضع الصوت محاولة استيضاح مصدره في ذاك الظلام الدامس الا من لمبة خافتة الضوء بأحد أعمدة الإنارة التي تقف كأشباح ما عادت تخيف أحدا لتجده لشاب يقف مرعوبا ملتصقا بالحائط خلفه .. 


اقتربت منه تحاول إظهار حقيقتها الا انه صرخ من جديد :- عفريتة .. لا تأذيني ولا ااذيكي .. 


انصرفي .. انصرفي .. 


لكنها لم تنصرف بل كانت تقترب منه اكثرا بغية تهدئته وتأكيد هويتها البشرية لكنه لم يحتمل الصدمة وسقط غائبا عن الوعي .. 


               •••••••••••••••••••


انتفض مبتعدا ما ان لامس وجهه رزاز المياه الذي اندفعت تحضره من اقرب صنبور عمومي وهم بان يصرخ من جديد وهو يرى ذاك الشبح لامرأة متشحة بالسواد تطل عليه في رقدته الا انها هتفت في محاولة لطمأنته :- انا مش عفريتة متخفش .. انا إنسية .. 


هتف في شك :- احلفي بالله انكِ بني ادم زيي زيك.. 


هتفت مؤكدة :- والله العظيم انا بني أدمة زيك بالظبط .. 


هتف متعجبا :- طب ايه اللي چابك الخرابة ف وجت زي دِه !؟.. 


هتفت مجيبة :- هو نفس السبب اللي جابك .. 


اعتدل قليلا وهو لايزل يتوجس منها لتستطرد متسائلة :- انت صعيدي !؟.. 


اكد في اعتزاز:- ايوه .. ليه !؟.. 


ابتسمت هاتفة في سخرية :- امال اترعبت ليه ووقعت من طولك..!؟..


هتف في غيظ :- اني مترعبتش .. اني بس اتاخدت على خوانة .. 


هتفت تشاكسه :- اتاخدت على خوانة !؟.. هو العفاريت ف بلادكم بتديك خبر قبل ما تظهر ولا ايه !؟.. 


هتف في غضب :- لاااه بجولك ايه !؟.. اني محدش يتريج عليّ .. دِه اني راچل وسيد الرچالة كمان .. 


همت بالنهوض هاتفة :- تشرفنا يا سيد الرجالة .. 


هتف متعجبا :- على فين يا اسمك ايه انتِ !؟.. 


هتفت مجيبة بلامبالاة :- اسمي سعادة .. سعادة سعيد ابوالسعد.. 


قهقه وقد واتته الفرصة للأخذ بثأره على طبق من فضة :- حصل لنا منتهى الانشكاح .. 


تجاهلت سخريته متوجهة الي حيث وجدت صندوقها الكرتوني لتحمله حيث ذاك الطرف الخفي من الخرابة لتحصل على قسط من النوم في تلك الليلة العجيبة التي يبدو انها بلا نهاية .. 


وهتفت تستحثه ليعود لموضعه مبتعدا عنها :- انت يا صعيدي .. ارجع مكانك بقى وسبني ف حالي .. خلي الليلة دي تعدي على خير .. كفاية البرد اللي متوصي بيا ده .. هموت متجمدة .. 


وهمست تحدث نفسها حتى ظن انها جُنت :- ليه كده بس يا عم سعيد !؟.. ده وقت جواز !؟.. طب كنت استني الصيف واتجوز براحتك .. اهو مكنش الواحد اترمى ف البرد ده .. 


سمع همهماتها فاستحثته نخوته ليقترب من موضعها يخلع عنه كوفيته الصوفية التي كان يتلحف بها ومد كفه بها اليها هاتفا :- خدي يا ست بهجة .. 


هتفت متطلعة من خلف جدارها الكرتوني :- اسمي سعادة .. وبعدين اخد ايه !؟..مش ..


أخرست كفه الممتدة بكوفيته لسانها متطلعة اليها في رغبة لجذبها على الفور لكنها همست متسائلة رغم ادراكها مقصده :- ايه ده !؟.. 


هتف مؤكدا :- الكوفية عشان تدفيكي .. البرد الليلة دي شَديد جوي .. 


همست وهي تمد يدها بالفعل تتناولها متسائلة :- وانت !؟.. 


اكد مشيرا لصدره :- متجلجيش .. اني متعود ع النوم ف الطل .. 


بدأت في فرد الكوفية الصوفية العريضة متلحفة بها في سعادة غامرة وقد شعرت ان الدفء قد بدأ يغزو جسدها قليلا فهتفت ممتنة :- انا متشكرة قوي يا .. 


ثم هتفت متسائلة :- صحيح ..مقلتش هو انت اسمك ايه !؟.. 


تردد قليلا قبل ان يهتف أخيرا :- حِزن .. 


تطلعت اليه في شك لكنها ما ان ايقنت انه اسمه الحقيقي فعلا حتى انفجرت ضاحكة وهتفت من بين قهقهاتها :- بتهزر صح !؟.. 


اكد في غيظ :- لاااه .. دِه اسمي يا ست سعادة .. 


حِزن عايش الضنك ..واوعاكِ تضحكي والا هرچع ف كلامي واخد كوفيتي واغور.. 


لم يكن الامر محتملا .. حاولت ان تضغط على نفسها لتمنع تلك القهقهات التي تتزاحم بحنجرتها لتخرج صادحة .. جاهدت جهاد الابطال لوأدها لكنها لم تستطع لتخرج مجلجلة في تلك الساعة من الليل .. 


وفي ظل محاولاتها لتحد من صخب تلك القهقهات تعجبت عندما وجدته يشاركها ضحكاتها في أريحية ولم يغضب كما كان يدعي بل انه هتف من بين ضحكاته :- ليكِ حج تضحكي والله  .. هو دِه اسم يرضي ربنا !؟.. اجول ايه بس !؟.. 


الله يسامحك ياما .. 


ابتسمت ولم تعقب ليهتف وهو يشير لموضعه السابق :- اني راچع مكاني .. لو احتجتي حاچة نادمي عليّ .. جولي يا حِزن الحزن هتلاجيني جصادك .. 


ضحكت لمزاحه هاتفة :- زي جزر بتاعت إسماعيل ياسين !؟..


قهقه مؤكدا :- تمام .. الله ينور عليكِ .. ياللاه .. تصبحي على خير .. 


همست بدورها خلفه :- وانت من اهل الخير .. 


اتجه الى موضعه الأول وانزل طاقيته الصوفية حتى مستوى أذنيه وضم جسده بذراعيه جلبا لبعض الدفء محاولا الخلود للنوم من جديد قبل ان تستيقظ الحارة .. 

٢- وش السعد 


هتف ذاك المجذوب المهلهل الثياب والذي يحمل عدد من المسابح المتباينة الطول حول جيده ويحرك مبخرة تفوح منها رائحة المسك في تواتر هاتفا بصوت جهوري :- ياكرييييم .. يا رازق الهاجع والناجع والنايم على صرصور ودنه .. 


انتفض حزن موضعه بعد ذاك الهتاف متطلعا حوله في تيه وأخيرا مسح وجهه بباطن كفه يحاول طرد بقايا من نعاس عالقة بأهدابه .. ألقى نظرة سريعة على موضع رقادها ومن ثم نهض يعدل من هندامه مندفعا خارج الحارة بعد ان خبأ ربابته في حرص شَديد بين أكوام المهلات داخل الخرابة..


تمطأت هي موضعها وجالت بناظريها حولها لبرهة حتى ادركت اين هي بالضبط .. تنبهت لكوفية حزن الصوفية التي لاتزل تدثرها فشعرت بالامتنان لذاك الرجل الذي جاء لها نجدة من السماء في تلك الليلة التي ظنت ان الدنيا قد أغلقت أبوابها في وجهها بكل قسوة .. 


أشرأبت بعنقها تتطلع لموضع نومه لكنها لم تجده هناك .. اتراه رحل !؟.. ربما .. 


قررت النهوض والبحث عن عمل ما يضمن لها  قوت يومها على اقل تقدير حتى تتوصل لعنوان ابوها وساعتها ستعرف ما عليها فعله .. 


مر النهار بطوله وهي تنتقل من موضع لموضع بحثا عن عمل مؤقت يضمن ان يكفل لها صاحبه وجبة تسد رمقها او يدفع اليها بضع قروش تؤمن لها الحصول على واحدة تعينها للصمود لليوم الثاني .. 


لكن ما بين رفض اوحتى استغلال لعملها دون اجر مرت ساعات اليوم بلا طائل ولم يدخل جوفها لقمة في ذاك البرد القارص الذي زاد عليه قرصة الجوع والعوز .. 


قادتها قدماها لبيت زوجة ابيها فدخلت وطرقت على بابه ففتحت نعمات الطاقة الموجودة به وهتفت في سخرية :- اهلًا .. نعمين !؟.. 


هتفت سعادة في إعياء :- معرفتيش أي حاجة عن ابويا يا خالتي !؟.. 


هتفت في غل :- هعرف منين !؟.. هو ابوكِ لما بيغطس الغطسة دي حد بيعرف له طريق جرة !؟.


همست سعادة وهي تتشبث بأسياخ الطاقة الحديدية الصدئة :- طب هعمل ايه دلوقتي !؟..هبات ف الشارع تاني !؟.. 


هتفت نعمات في لامبالاة :- مليش فيه .. اتكلي على الله ..


همت نعمات بغلق الطاقة فوضعت سعادة كفها تمنعها هاتفة في توسل يدمي القلب :- طب احدفيلي أي هدمة تقيلة يا خالتي من جوه .. هموت م البرد وقلة الزاد .. 


أغلقت نعمات الطاقة عنوة فاعتقدت سعادة انها لن تستجيب لطلبها وصعدت الدرجة الأولي في السلم متوجهة لخارج البيت لكن باب الشقة شُرع قليلا ووجدت عباءة صوفية مهلهلة أُلقيت بوجهها حينما استدارت تستطلع الامر .. 


احتضنت العباءة التي داب نسيجها تقريبا كأنها كنز ثمين وجرت قدميها جرا في اتجاه الخرابة .. 


وصلتها ودخلت الي حيث جدارها الكرتوني الواهي تستتر خلفه تضم العباءة الصوفية على جسدها لتقيها تيارات الهواء التي تنخر جسدها وكذا كوفيته التي أمنت لها بعض الدفء لكن ما الذي يقيها قرصات الجوع التي تفتك بأمعائها..!؟..


هتف ذاك الصوت الذي أدركته من بين غيمات اعيائها فرفعت رأسها تتطلع اليه وهي تحاول التركيز على ما يقول .. 


جلس بالقرب منها ووضع صحن من طعام مغطى برغيف خبز قبالتها وهتف في أريحية وهو يجلس القرفصاء ذراعاه مفرودتان وكوعاه مسندان على ركبتيه :- الچودة بالموچود يا ست سعادة .. 


دمعت عيناها ولم تعقب وهو يستطرد في ادب 


جم :- معلش .. حاچة مش من مجامك بس والله ليكِ فضل كَبير فيها بعد ربنا ..


تطلعت اليه من بين سحابات الدمع المنذر بالهطول على خديها وهو يقص حكايته من بداية اليوم متطلعا الي المجال حوله لا اليها كعادته غاضا الطرف عن محياها :- اني صحيت وجلت اچري على رزجي وكلنا على باب الله .. كل مرة ارچع يد ورا ويد چدام .. لكن المرة دي خرچت مع التملية وانفار اليومية والعچيب ان ريس العمال اختارني اني بالذات من دونهم كلهم رغما انه كل نوبة بجعد اتنطط چدامه زي الجرد ع السجرة ولا بيعبرني .. 


ابتسمت ولم تعقب ليلقي بنظرة سريعة عليها فوجدها لم تمس الطعام بعد فمد كفه للرغيف مسلمها ايه هاتفا :- لاه كلي .. هو انتِ هتجعدي تسمعي للحكاوي ومتكليش .. 


وهم بالنهوض مستطردا :- ولاه اجوم يمكن مستحية تاكلي جدامي ..!؟.. 


هتفت تستوقفه :- لا .. خليك يا سي حِزن ..انا هاكل اهو .. بس كمل ايه اللي حصل !؟.. 


عاد لجلسته من جديد وقد بدأت في وضع اول لقيمة بفمها شاعرة بامتنان شَديد لذاك الرجل الذي لولاه لماتت جوعا وبردا وهتف مستطردا حكايته:- ابدا يا ستي .. جعدت النهار بطوله اطلع ف شكاير أسمنت ورمل .. واشيل ف مونة وطوب .. لحد ما خلص النهار وخدت اليومية ورچعت چري على هنا .. اجول يا ترى مشيت ولاه لساتها موچودة !؟.. 


همست في وجع :- هروح فين !؟.. خرجت ادور على شغلانة بس اكتشفت ان الدنيا وحشة قوي .. 


ادار ناظريه اليها مستشعرا وجيعتها وهمس مؤكدا:- انتِ هتجوليلي .. دِه انا شارب الوحش كله شرب .. كفاية عليا اسمي اللي بسببه باخد تريجة للصبح .. حِزن عايش الضنك .. يضحكوا واجولهم والله دي حالتي ماهو اسمي .. 


هتفت تسأله في فضول :- بس انت قلت اني ليا يد في الشغلانة !؟.. ازاي !؟.. 


هتف مبتسما :- اصلك زي ما جلت لكِ.. كل مرة ببجى جدام ريس العمال دِه ومبيعچبوش خلجتي لله ف لله .. المرة دي اختارني اني بالخصوص من بين العمال كلهم .. جلت ف نفسي دِه رزجك وربنا بعتهولك عن طريجي ..انتِ وش السعد .. معلوم .. سعادة سعيد ابوالسعد .. أسماء تشرح الجلب مش حِزن وهم وبلا ازرج .. 


قهقهت وهي تمد يدها اليه ببعض الرغيف :- انت بتقول انك جيت على هنا على طول يعني مكلتش انت كمان..!؟.. 


تمنع هاتفا :- كلي انتِ بس وأشبعي .. 


هتفت معترضة :- والله ما اكل الا لو مديت ايدك..


حتى عشان يبقى عيش وملح .. 


مد كفه متناولا قطعة الخبز التي مدت بها كفها فتلامست أصابعهما .. ارتجف كلاهما وسحب هو يده في سرعة بعد ان اصبح الخبز في كفه.. 


تجاهل تلك الرعشة اللذيذة التي سرت بجسده وقطع كسرة من الخبزواخذا يتناولا الطعام في صمت .. 


انتهى الخبز وفرغ الصحن من غموسه عن بكرة ابيه لينهض هو مصفقا ينثر بقايا الطعام عن كفيه وجلبابه وهتف في مرح :- هرچع بجى لفرشتي ولو احتچتي حاچة عرفتي هتجولي ايه !؟


قهقهت تومئ برأسها إيجابا فغض الطرف عنها وهو يؤكد مازحا :- احنا چيران ف خرابة واحدة .. والچار للچار وانتِ اول چار .. 


هتفت تستوقفه :- سي حِزن .. 


توقف ملتفتا اليها بكامل جسده هاتفا :- اامري .. 


استطردت في امتنان :- ربنا يسترك .. 


هز رأسه متفهما واندفع مبتعدا لموضعه واخرج ربابته من مخبائها ونهض متوجها للقهوة التي كانت قائمة بالقرب ليجلس على احد مقاعدها عابثا بأوتار ربابته ليهتف به احد الجالسين :- ما تسمعنا حاجة يا صعيدي .. 


تقدم اليه صبي القهوة هامسا له :- المعلم صاحب القهوة بيقولك سمع الزباين اللي يعجبهم والحساب يجمع اخر الليل .. 


انبسطت أسارير حِزن هاتفا :- معاهم للصبح وهمس في فرحة غامرة :- بركاتك يا ست سعادة.. 


واخذ يعزف على ربابته في سلطنة عالية جذبت اليه القاصي والداني .. 


             *****************


عاد منتشيا في سعادة يدندن الطريق بطوله منذ خروجه من القهوة التي عاش روادها مع ربابته ومواويله ساعات مبهجة حتى ان معلم القهوة طلب منه القدوم يوميا لإمتاع الزبائن وأجزل له العطاء.. وضع كفه على سيالة جلبابه يتحسس القروش التي منحه إياها في فرحة .. 


لم تكن سعادته من اجل حفنة من مال بل كانت سعادته الحقيقة انه سيستطيع ان يُؤْمِن لها قوت يومها لبضعة ايّام قادمة .. 


دخل الى ذاك الزقاق الضيق المفضي للحارة التي تنتهي بالخرابة التي ما ان بلغها حتى توقفت قدماه في صدمة وبدأ يقترب في حذّر .. 


كانت همهمات تخرج مكتومة تود لو تصرخ لكن شيء ما يجثم عليها مطبقا أنفاسها .. 


كان رجل قذر يمسك بسعادة يحاول وأد صرخاتها بحلقها وهي تقاومه في بسالة .. 


تقدم حِزن في حرص وما ان اصبح خلفه مباشرة حتى غرس مقدمة الربابة بظهره في قوة امرا إياه في لهجة تهديدية :- سيبها والا هفرغ بچتتك الطبنچة .. 


اضطرب الرجل وبدأ في سحب كفيه من على فم وجسد سعادة لتنتفض هي مبتعدة تلتقط أنفاسها في صعوبة من اثر صراعها مع ذاك الحقير .. 


هتف حِزن امرا الرجل :- مشي جدامي من غير نفس .. ومتفكرش ف أي حركة غدر والا هتلاجي السلاح طوّل وانت الچاني على روحك .. 


أطاعه الرجل الذي كان يترنح سكرا حتى ما ان وصلا لبداية الزقاق الا ودفع به حِزن امرا إياه:- جوم غور من هنا وإياك تعتب الحارة دي تاني والا فيها موتك يا نچس .. 


انتفض الرجل هاربا يتعرقل في خطواته الغير متزنة ليعود حِزن سريعا اليها .. اقترب متحنحا 


يسأل في قلق :- انتِ زينة يا ست سعادة !؟.. 


كان بكائها الدامي هو ما حصل عليه كإجابة على سؤاله .. 


جلس بالقرب محترما وجعها وما ان استشعر انها أفرغت كل ما بجعبتها حتى همس متسائلا من جديد :- بجيتي زينة دلوجت !؟.. 


همست بصوت متحشرج :- لو مكنتش انت جيت كان ايه ممكن يحصل !؟.. 


هتف مؤكدا :- بس اني چيت وربنا بعتني ليكِ ف الوجت المناسب .. ومش هخلي اللي حصل دِه يتكرر تاني .. 


رفعت رأسها تحاول استوضاح مقصده لكنها لم تبصر قسمات وجهه بهذا الظلام فهتف متسائلة :-ازاي !؟.. 


هتف في عزم :- هاخد لك اوضة تسترك من شر الطريج .. 


هتفت متعجبة :- منين !؟.. وليه تتحمل ده كله !؟


هتف مجيبا :- مش بجولك ربنا بعت رزجك عن طريجي .. ورزج واسع كمان .. اول ما نصبح هندور على اوضة كويسة وسعرها مهارد .. 


هتفت تتسأل :- وانت !؟.. 


ابتسم مجيبا :- اني مش مشكلة .. اتلجح ف أي حتة .. مش هاتفرج .. 


همست في حرج :- وطب عليك من ده بكام وانت راجل ارزقي وعلى باب الله !؟.. 


هتف في حرج :- هو اه اني راچل على باب الله بس منيش عويل يا ست سعادة .. 


هتفت تعاتبه :- بعد الشر .. مين يقدر يقول عليك كده !؟.. ده انت سيد الرجالة .. كفاية وقفتك معايا.. وكل اللي عملته عشان خاطري ..ربنا ما يوقعك ف ضيقة .. 


همس محرجا وهو ينهض عائدا لموضع رقاده :- تتمسي بالخير .. 


تطلعت اليه يبتعد وما ان اطمأنت انه اتخذ موضعه المعتاد حتى هدأت وتغلغل الأمان لنفسها وتسرب النعاس لأجفانها وقد وعت انها نسيت ان تعيد اليه كوفيته فتدثرت بها شاعرة انها تتسربل في شعور من حماية وامن ما عهدتهما يوما .. 


               *******************


توقف حِزن امام صاحب البيت الكائنة به الغرفة المراد تأجيرها هاتفا في هوادة :- يا حاچ كِده كَتير.. دي اوضة فوج السُطح مش عمارة !؟ هاود ف السعر شوية .. 


هتف صاحب البيت في نزق :- بقولك ايه !؟.. انا أصلا مش هأجرها باقل من كده !؟.. ده اللي عندي .. 


تدخلت سعادة في الفصال الدائر وقد اقتربت من موضع وقوفها حيث امرها حِزن حتى يتم اتفاقه مع الرجل وهتفت تحاول استدرار عطفه :- يعني يرضيك يا معلم ابات ف الشارع !؟.. ده انت صاحب ولايا برضو و..


قاطعها صاحب البيت هاتفا في انشراح موجها حديثه لحِزن :- مش تقول انك متجوز !؟.. 


تطلع اليه حِزن في صدمة ثم ألقى اليها نظرة جانبية ليجد وجهها قد تخضب خجلا ليستطرد الرجل في راحة :- يا راجل ده انا قاعد اعلي عليك ف السعر عشان مش بسكن عزاب عندي .. بس طالما متجوز .. الاوضة تحت امرك بالسعر اللي يريحك ..ها قولت ايه !؟.. 


هتف حِزن في فرحة :- هجول ايه غير لا اله الا الله .. على بركة الله يا حاچ ..


هتف الرجل :- على بركة الله .. روحوا جيبوا عزالكم وقسيمة الجواز .. والاوضة تحت امركم.. 


هتف حِزن مضطربا :- جسيمة چواز ايه يا حاچ..!؟.. ما اني لسه جايل لك ان البيت اللي كنّا فيه وجع وضاع كل ما لينا .. يعني لا عزال ولا جسيمة  .. 


هتف الرجل منهيا حواره :- من غير قسيمة جواز مفيش اوض ليكم عندي .. روحوا اتصرفوا وتعالوا .. وده اخر كلام .. سلام عليكم .. 


وقف كلاهما لا يعلم ما عليه فعله يتحاشى النظر الى رفيقه حتى هتفت سعادة :- انا هرجع لمرات ابويا يمكن يكون رجع ونفضها سيرة .. 


لم يعقب بحرف لكنه سار جوارها حتى وصلت لشقة نعمات وطرقت الباب لتفتح نعمات الشراعة كما هي عادتها هاتفة في كدر :- يوووه مش هانخلص بقى .. قلنا ابوكِ هيغيب ويقول عدولي.. مش كل يوم هتنطي تسألي عليه .. 


وأغلقت الشراعة في غضب لتتحرك سعادة في خطوات متثاقلة حيث ينتظرها حِزن اعلى الدرج وقد سمع كل ما هتفت به زوج ابيها .. 


خرجت من باب البيت وهو بعقبها يسير جوارها ولم ينبس بحرف حتى رأي دمعاتها تسيل على وجنتيها في قهر فاندفع هاتفا :- ست سعادة .. تتچوزيني !؟.. 


يتبع

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close