القائمة الرئيسية

الصفحات

صاحبة السعاده والسيد حزن التالته والرابعه

 


صاحبة السعاده والسيد حزن

التالته والرابعه


٣- جبتك يا عبدالمعين 

تطلعت اليه بنظرات غائمة من بين دموعها وهتفت في وجع :- للدرجة دي !؟.. هتتجوزني شفقة !؟.. 


هتف حِزن في سرعة :- لااااه .. ليه بتجولي كِده بس !؟.. دِه اني اللي طالب منك تجبلي ..عارف اني مش أملة .. بس چوازك مني هيصلح حالي .. اني ف يومين من ساعة ما جابلتك والخير نازل عليا واللي كنت بكسبه ف أسبوعين بالضالين ربنا بعته ف يومين .. الچواز شكل بس عشان تبجي ف امان وليكِ باب مجفول عليكِ وضامنة جوت يومك .. اديكِ شايفة محدش من أصحاب البيوت هيرضى يسكني لحالي عشان بطولي وف نفس الوجت لو هاتسكني لحالك هتبجي مطمع .. يعلم ربنا اني عرضت عليكِ الچواز واني عارف اني مش مجامك بس عشان اصونك لحد ما ابوك بس يظهر.. وبعدها اعملي اللي يريحك .. 


تطلعت اليه في صمت وأخيرا هتفت في ثبات عجيب وقد ادركت ان لا حل لها الا القبول :- انا موافقة .. 


ابتسم مهللا في سعادة :- الله اكبر .. طب ياللاه بينا ع المأذون عشان نلحجوا صاحب البيت جبل ما يأچر الاوضة لغيرنا ..


تحركا بضع خطوات قبل ان يهتف متسائلا :- مجلتليش انتِ عِندك كام سنة !؟.. 


ابتسمت هامسة :- لسه تامة التمنتاشر من كام شهر.. 


ابتسم هاتفا :- طب تمام .. اني اكبر منِك بياجي سبع سنين ..


توقف عند باب المسجد وأمرها في لطف :- دجيجة استني هنا اشوف سيدنا الشيخ .. 


دخل حِزن باحثا عن امام المسجد حتى وجده قد فرغ لتوه من صلاته جلس جواره هامسا في ادب :- حرما يا سيدنا الشيخ .. 


نظر اليه الرجل في مودة :- جمعا يا ابني باْذن الله.. 


همس حِزن :- بجولك يا عم الشيخ .. بره موجودة معايا واحدة بت حلال واني عايز اتچوزها وهي موافجة بس ملهاش ولي .. مش عارفين نعتروا ف ابوها واني خايف يكون غيبته هتطول وهي ملهاش حد ومينفعش تتساب لحالها .. تبجى مطمع .. ينفع تبجى وليها وتروح نعجد عليها !؟.. ولاه لازما ابوها !؟.. 


ابتسم الشيخ وربت على كتفه في اكبار هاتفا :- انت باين عليك ابن حلال .. وطالما غاب الولي بحيث تعذر الوصول لمكانه يبجى تختار رجل من المسلمين يكون وليها ..قوم ياللاه معايا نجوزكم .. 


نهض الشيخ ومعه حِزن وخرجا من المسجد وما ان طالع سعادة حتى هتف يسألها في حنو مشيرا لحِزن :- الراجل الطيب ده عايز يتجوزك يا بنتي.. انتِ موافقة !؟.. 


هزت سعادة رأسها إيجابا وهمست في حياء:- اه يا عم الشيخ .. موافقة .. 


هتف الشيخ يسألها :- ابوكِ صح غايب !؟..


هزت رأسها بالإيجاب من جديد :- ايوه .. اتجوز وغاب مع مراته الجديدة ومحدش عارف له طريق ولا نعرف هيظهر امتى .. ومراته القديمة طردتني من بيتها ف الشارع .. وانا مليش حد .. 


تطلع الشيخ اليها ولمس الخزلان في حروفها فهتف يستأذنها :- تقبلي يا بنتي أكون مطرح ابوكِ وأكون وليك .. 


هتف في إجلال :- طبعا يا عم الشيخ .. ده انا أتشرف .. 


ابتسم الشيخ هاتفا :- طب ياللاه معايا ع المأذون .. هو بعد حارتين من هنا .. 


سارا ورائه وكل منهما نظراته لا ترتفع عن الأرض يستشعر سعادة عجيبة تسربله لا يعلم لها سببا ولا يجد لها مبررا .. فكلاهما يعلم تماما انه زواج مؤقت وشكلي .. لكن على الرغم من ذلك كانت الفرحة التي ترتسم على قسمات وجهيهما لا يمكن إغفالها او تجاهلها .. 


               ****************


جذب المأذون ذاك المنديل الأبيض من فوق كفيّ حِزن والشيخ صالح هاتفا في حبور :- مبارك ان شاء الله .. بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير .. 


هتف الشيخ صالح :- امين .. 


وتطلع الى سعادة التي كانت تجلس في حياء بالغ بأحد الأركان هاتفا :- مبارك يا عروسة .. ربنا يجعله الزوج النافع وسندك وأبو اولادك يا بنتي .. 


تلعثمت لهذا الدعاء الذي مس شغاف قلبها وما ان همت بالرد الا وانتفضت لاأراديا عندما هتف حِزن في حماسة :- اميييين .. 


ليتفجر كل من المأذون والشيخ صالح ضاحكين ..


وتبتسم هي في خجل بدون ان تعقب بحرف .. 


نهض الجميع مغادرين وما ان هم الشيخ صالح بتركهما حتى هتف به حِزن :- معلش يا سيدنا الشيخ .. اني عارف اني بتجل عليك .. بس اصلك صاحب البيت مش هايرضى يأچر لنا الاوضة الا بجسبمة الچواز ودي لسه عليها شوية.. يعني لو هتعبك تاچي تجوله انها مرتي عشان يدينا الاوضة لحد ما اچيب الجسيمة .. 


ربت الشيخ صالح على كتف حِزن هاتفا في مرح:- حاضر يا سيدي .. وليك عندي يا عريس فطار الصباحية .. 


نكس حِزن رأسه حياءً وهتف في سعادة :- ربنا يبارك لنا فعمرك يا سيدنا الشيخ .. 


واتجهوا جميعا لصاحب البيت الذي قبل بإعطائهما الغرفة الموجودة بسطح داره .. 


توجها اليها يسيران جنبا الى جنب ليهتف حِزن في سعادة :- مبروك يا عروسة .. 


تطلعت اليه هامسة متجاهلة الرد على مباركته:- احنا على اتفاقنا .. صح !؟.. 


اكد هاتفا :- معلوم .. اني مغيرش كلمتي ابدااا .. 


هزت رأسها في اطمئنان وقد وصلا للبيت صعدا الدرجات التي قادتهما للسطح ومنه للحجرة التي اخرج مفتاحها من جيب جلبابه الوحيد وعالج به القفل حتى انفرج الباب .. مد كفه باحثا عن ذر الإضاءة ضاغطا عليه حتى انارت الغرفة ليدخل اليها مبتعدا عن الباب ليسمح لها بالدخول كذلك .. 


توقف كل منهما يتطلع لمحتويات الغرفة في استطلاع لمعرفة ما ينقصها .. 


كان هناك حصيرة متهالكة يتمدد عليها مرتبة قطنية متوسطة الحال ومغطاة بغطاء صوفي بسيط وبأحد الجوانب هناك زير فخاري تحته يقبع طبق من الصاج وبالجانب الاخر يوجد طاولة خشبية تترنح قليلا عند الاستخدام موضوع عليها (وابور) وبعض الاطباق الصاج وهناك بعض المسامير المغروسة بالحائط لتعليق الملابس عليها .. اما الحمام فكان بخارج الحجرة وما بين الحمام والحجرة يوجد حوض ماء صغير الحجم بصنبور نحاسي مطفأ اللون يتدلى من فوهته قطعة صغيرة من خرطوم مطاطي .. 


هتف حِزن متحرجا :- معلش مش مجامك .. بس أهي حاچة تجضي الغرض لحد ما ربنا يسهل .. 


ابتسمت سعادة ممتنة :- تسلم يا سي حِزن .. دي تكفي وزيادة .. وبعدين ايه حكاية مش قد المقام اللي انت ماسكها دي !؟.. هو انت فاكر اني بنت السلطان !؟.. انا بت يتيمة عاشت مع كل ست من مرتات ابوها اكتر ما عاشت مع أمها اللي متفتكرش حتى شكلها وطبعا انت عارف وشفت بنفسك واحدة فيهم عاملتني ازاي !؟.. 


هتف مؤكدا :- برضك دِه مش مجامك .. وربنا يرزجني واني اچيب لك الاحسن.. واني متأكد انه هيرزج .. يا وش السعد .. 


ابتسمت منكسة رأسها في حياء ..طال الصمت بينهما ليهتف هو مشيوا لاحد الأركان :- بصي اني هچيب حبل من حبال الغسيل اللي بره وهشده بعرض الاوضة واحط عليه ملاية من الملايات وانجل لك فيه المرتبة ودي تبجى اوضتك الخصوصي .. 


هتفت تسأله :- وانت !؟.. 


تطلع اليها مؤكدا :- اني هاخد الحصيرة دي واجعد ف الركن التاني دِه .. واهو سجف مدارينا بدل ما كنّا نايمين فالطل بين فيران الخرابة وجرفها .. 


همست مؤكدة :- صدقت ..


شمر ذراعيّ جلبابه هاتفا في همة :- استعنا ع الشجا بالله .. 


حذت حذوه وطفقا ينظفان الحجرة ويعدلا منها كما اتفقا ..


ملأت دلو من الصفيح بالماء بغية مسح الغرفة للتخلص من الحشرات التي قد تزحف عليهما نياما 


وما ان همت بحمله حتى شاهدها فاندفع نحوها هاتفا في عتب :- لاااه .. ليه تشيلي تجيل واني موچود !؟.. 


حمل الدلو ووضعه خارج الغرفة متسائلا :- هااا.. عايزاني اساعد ف ايه !؟.. 


هتفت في خجل :- يعني ولو كان ممكن تشيل المرتبة تخرجها بره عشان اعرف امسح الاوضة.. 


هتف في حماس :- يا سلام .. دي حاچة بسيطة ..


واندفع يجمع اطراف المرتبة التي يتكوم القطن في بعض أجزائها ويخاصم الأخرى مندفعا بها خارج الغرفة ملقيا بها على سُوَر السطح .. 


ساعدته في جمع الحصير وإخراج الطاولة والزير وبدأت في سكب المياه وانحنت توزعها باستخدام قطعة من الخيش بكل الأركان مما دفعه ليحيد بناظريه عنها متطلعا لخارج الغرفة حتى استقامت معتدلة تمسح بعض من قطرات العرق التي تجمعت على جبينها .. 


عاودت الكرة تحاول تجفيف الأرض المبتلة الملساء فإذا بقدمها تنزلق لتسقط ارضا مما دفعه ليعيد النظر الى الغرفة بعد سماع هذا الصوت .. 


شهق مندفعا لها هامسا وهو ينحني قبالتها محاولا الا يصل الماء الى اطراف جلبابه الذي لا يملك غيره بعد ان ضاع كل ما يملك تحت ركام البيت المنهار الذي كان يسكنه سابقا :- انتِ بخير يا ست سعادة !؟.. 


تأوهت في وجع هامسة :- الحمد لله بس واضح ان الواقعة جامدة .. 


هتف في حذّر وهو يمد كفه لها :- طب هاتي يدك وجومي كفاياكِ كِده اني هكمل عنك .. 


مدت كفها بالفعل وما ان هم بجذبها لتنهض حتى انزلقت قدمها من جديد ليسقطا معا هذه المرة.. 


كان سقوطهما مدويا وخاصة ان حِزن قد اسقط الدلو في طريقه مفترشا الأرض مما جعل المياه تغرقهما معا .. 


لحظات من الصمت لم يقطعها أيهما وأخيرا هتف حِزن وهو يتطلع اليها ممددة جواره وقد علت قسمات وجهها الصدمة :- چيبتك يا عبدالمعين تعيني.. 


همست هي تكمل المثل :- لقيتك يا عبدالمعين تتعان .. 


تطلعا مرة أخرى لبعضهما ثم انفجرا ضاحكين لينهض حِزن في حرص شَديد مادا يده لتعطي له كفها في أريحية لينام بحضن كفه .. جذبها لتنهض مندفعة تحاول التعلق بشئ ما حتى تتحاشى الانزلاق من جديد فلم تجد الا صدر جلبابه فتشبثت به في امان .. تطلع هو اليها وهي اليه قريبة بهذا الشكل الحميمي الذي غاب معه واقعه ظنا انه يحلم حلما ورديا لا يريد ان يستفيق منه.. 


رفعت ناظريها اليه فتنبهت لنظراته وكفيها المعلقتين بصدره كأنما تستجديه البقاء قربها مما اثارارتباكها وحاولت ان تتحرك مبتعدة لكنه كان احرص منها فلم يترك كفها مبتعدا حتى اطمأن انها بأمان من السقوط .. 


خرجت من الغرفة لينحني هو مكملا ما بدأته وما هي الا بضع دقائق حتى هتف وهو يخرج من الغرفة متطلعا اليها وهي تجلس على تلك المسطبة الموضوعة بشكل ملاصق للغرفة تجعلك كاشفا للسطح الواسع كله وهمس في مودة :- الاوضة بجت تمام .. أي خدمة تانية يا وش السعد !؟.. 


تطلعت اليه مبتسمة وهمست شاكرة :- لااا .. تسلم ايدك .. شوية تنشف الارض وندخل المرتبة والحصيرة وننام بقى.. 


هتف بأريحية :- هنام بهدومنا دي !؟.. 


تطلعت اليه متعجبة :- قصدك ايه !؟.. 


هتف مبتسما عندما لاحظ تغير ملامحها :- جصدي انها مبلولة .. والدنيا برد .. تعيي بالهدوم المبلولة دي .. 


همست :- طب هنعمل ايه !؟.. هو احنا حيلتنا غيرها .. 


هتف مشيرا للغرفة :- زمان الاوضة نشفت هفرش شوية چرايد ع الأرض واحط لك المرتبة واني علجت الحبل وفاضل الملاية وخشي غيري هدومك وألبسي العباية اللي چبتيها من مرت ابوكِ.. وأغسلي لبسك دِه وانشريه .. 


هتفت :- طب وانت !؟.. 


ابتسم في وداعة :- اني متعود على كِده متجلجيش.. ياما نمت ف الطل فعز البرد والدنيا بتشتي ..متشيليش هم .. 


واندفع ينفذ ما اتفقا عليه ..  


            ********************


طرقات على باب الغرفة جعلتهما يتنبها فنهض هو من موضعه ليفتح بينما ظلت هي خلف ستارها المهترئ تستطلع من القادم .. كان احد الغلمان وقد ارسله الشيخ صالح كما وعده بإفطار الصباحية .. 


تمتم في سعادة شاكرا وهو يحمل الصينية عن الفتى ويدخل بها مغلقا الباب في حذّر حتى لا يوقظ سعادة التي كان يعتقد انها لاتزل غافية .. 


تنحنحت وجمعت شعرها تحت غطاء رأسها وأزاحت الستار بينهما هامسة في هدوء وبابتسامة خجلى :- صباح الخير .. 


همس متطلعا لوجهها الصبوح :- يا صباح السعادة.. اكيد چعانة .. مش بجولك الرزج واسع من ساعة ما وعيت لك .. اهااا فطار چايلنا لحد عندينا .. همي .. 


نهضت متوجهة لموضع جلوسه وجلست قبالته بينهما صينية الطعام وما ان همت بمد كفها لأحد الأرغفة حتى كان هو الأسبق يمد كفه اليها بلقيمة صغيرة بها بعض الغموس رافعا إياها لفمها متطلعا اليها في حنو ولم يهمس بحرف لكن عيناه كان تخبرها الكثير .. ترددت في قبول كفه الممدودة لكنها وجدت نفسها بلا إرادة منها تقترب في وجل تلتقم كسرة الخبر من بين أصابعه ليبتسم في حبور ابتسامة واسعة كأنما حاز الدنيا وما فيها.. 


بدأ حِزن في إلتهام الطعام بشهية شديدة وهي تتطلع الى ذاك الرجل الغريب عنها الذي يعاملها باحسن ما كانت بين جدران بيت ابيها .. وتاهت في تفرس قسمات وجهه الأسمر الخشن الا من عينيه التي تحمل بريقا صادقا من مودة وحنو لا يمكن إغفالهما .. ارتفعت نظراته اليها يحثها على تناول الطعام فإذا به يمسك بها متلبسة في تفرسه مما جعلها تنحى بناظريها عنه في خجل بينما ابتسم هو في سرور غامر أورثه شعورا طاغيا لم يتملكه من قبل .. 


نهض نافضا كفيه وهتف :- اني نازل مش عايزة حاچة !؟.. 


هزت رأسها نافية وهمست :- عايزة سلامتك .. 


انتفخت أوداجه في فخر وانحنى يضع كل ما بجيبه تقريبا على الصينية امامها وكذا مفتاح الغرفة وهمس في مرح :- دِه كل اللي ف چيبي .. خليه معاكِ ..من هنا ورايح انتِ ست البيت .. اجصد ست الاوضة.. 


قهقهت ونهضت خلفه تودعه للباب الذي فتحه وغادر في انتشاء مترنما بموال قديم عن العشق والعاشقين تناهى لمسامعها وهو يهبط الدرج وصوت قهقهاتها يصاحبه في مسيرة

٤- عاشقان 


تطلعت الى القروش القليلة التي كانت ملقاة على الصينية النحاسية وانحنت لتجمعها واخذت تعدها في فرحة فهي المرة الاولي التي تحتضن كفها هذا العدد من القروش وتشعر انه ملكها .. 


قفزت الى ذهنها فكرة فقررت على الفور تنفيذها 


فخرجت من الحجرة تتأكد ان عباءتها قد جفت فانتزعتها من على الحبل ودخلت تبدلها وخرجت مغلقة الباب خلفها .. 


غابت بعض الوقت تبحث عن ضالتها المنشودة حتى وجدتها أخيرا فقررت العودة ادراجها قبل ان يعود حِزن للغرفة فلا يجدها .. 


دخلت الحارة وما ان وصلت لمنتصفها تقريبا حتى ظهر امامها ذاك الرجل الذي يشبه جبل انشقت عنه الأرض ببنيته الضخمة وشعره الأشعث  وشاربه الكث الذي تغيب تحته شفته العلوية وحاجبيه الكثيفين ونظراته الغير مريحة بالمرة والتي كانت تتفرسها في وقاحة منقطعة النظير ..


حاولت تجاهله والمرور جواره كانها لم تره الا انه اعترض طريقها من جديد هاتفا بصوت جهوري لبعض من تابعيه ومن على شاكلته من رواد المقهى الذي كان يديره :- مين الوارد الجديد دي..!؟.. مشفتش قبل كِده الجمال ده ف الحتة !؟.. 


هتف احد تابعيه :- دي مرات واد صعيدي اسمه حِزن .. 


قهقه الرجل بقوة اجفلها ساخرا :- يا حِزن الحِزن.. بقى دي تبقى مرات الحِزن !؟.. امال مرات الفرفشة والانبساط تبقى ايه !؟.. 


قهقه تابعيه مجاملة لترتجف سعادة لا تدري ما عليها فعله وكل ما جال بخاطرها هو الجري هربا من امام ذاك الضخم حتى تصل لعتبة البيت الذي تقطنه لكنها عدلت عن الفكرة فقد يتبعها ورجاله .. 


وقفت في اضطراب تحاول المرور مبتعدة عن طريقه لكنه لم يتح لها فرصة لذلك .. 


تضرعت داخليا ان ينقذها احدهم لكن ابدا لم يتحرك احد لنجدتها فقررت الدفاع عن نفسها امام بطش ذاك البلطجي وليكن ما يكون وهتفت في سخط :- اوعى من طريقي خليني اروح اشوف حالي .. 


هتف البلطجي في مجون :- طب مينفعش أبقى انا حالك يا جميل .. 


دفعت به مبعدة آياه عنها عندما مال نحوها في جرأة وهتفت من جديد بلهجة اشد سخطا :- بقولك ابعد عن طريقي احسن لك .. 


هتف بلهجة سمجة :- هتعمل ايه يا قمر قولي !؟.. 


همت بدفعه من جديد والانحناء لتناول حذائها كسلاح في مواجهته الا ان صوته كان النجدة التي انتظرتها من الله وهو يهتف في غضب :- هي مش هاتعمل حاچة .. بس چوزها اللي هايعمل .. 


وصل لموضعها في لحظة ليجعل من جسده حائطا فاصلا بينها وبين ذاك البلطجي مستطردا في حمية امرا إياها :- اطلعي على فوج واجفلي عليكِ الباب ومتنزليش مهما حصل .. سمعاني !؟..


اومأت في طاعة واندفعت تدخل باب البيت وأغلقته خلفها مدعية صعودها لغرفتهما لكن قلبها لم يطاوعها فظلت تختلس النظرات الى موضع وقوفه بجسده الذي على الرغم من قوته الا انه لا يعادل نصف جسد ذاك الرجل الذي يشبه المقطورة .. 


دفع عزوز البلطجي بحِزن في قوة هاتفا في غضب :- بقى انت بتتحداني !؟.. طب انا هوريك مقامك .. 


وجذب زجاجة من زجاجات المياه الغازية من على احدى طاولات القهوة وضربها بقوة بالجدار القريب منه محتفظا بنصفها المكسور بيده واندفع كالثور الهائج في اتجاه حِزن الذي لحسن الحظ ابصر احدى العصي بيد شخص قريب منه فانتزعها في سرعة وفي اللحظة المناسبة أشاح بها لتطيح بالزجاجة وبحركة ماهرة نزل بها على عزوز لتشج رأسه لينفجر الدم من موضع الإصابة فيترنح في عدم اتزان وخر على ركبتيه متطلعا الى حِزن في غل واضح .. 


قذف حزن بالعصا من يده وهم بالابتعاد لداخل البيت الذي يقطنه الا ان ذاك الضخم نهض فجأة منقضا عليه في ثورة يحمل مطواة قابضا عليها بكفه وملوحا بها في رعونة .. حاول حِزن تفادي ضربات المطواة التي كان يلوح بها ذاك الاحمق في عشوائية لكنها اصابته في كتفه ممزقة جزء من جلبابه ومصيبة الكتف بجرح نافذ جعل حِزن يترنح واضعا كفه بكاملها مبسوطة على موضع النزف الذي بدأ يتسرب مغرقا أصابعه .. 


سقط ذاك البلطجي كذلك بين يدي اتباعه والذين حملوه لتطييب جراحه بينما سقط حِزن مضرجا في دمائه بين يديّ سعادة التي صرخت مدفوعة اليه من خلف باب البيت .. لتتلقفه بأحضانها صارخة باسمه .. 


                ****************


جال بناظريه في تيه يحاول ان يتذكر اين يكون 


حتى وقع ناظريه عليها وهي تنكفئ بجبينها على ذراعيها المتشابكين فوق ركبتيها المضمومة لصدرها بالقرب من المرتبة التي من المفترض انها موضع نومها .. 


حاول النهوض لكنه توجع رغما عنه فانتفضت متطلعة اليه هاتفة في لهفة :- سي حِزن .. انت كويس !؟.. 


استند متحاملا على ذراعه الأخرى بعيدا عن موضع الإصابة بالقرب من كتفه الأيسر وما ان اعتدل قليلا حتى هتفت سعادة :- حمدالله ع السلامة .. خضتني عليك .. 


وما ان همت بالنهوض لتحضر له بعض الطعام ليستعيد ما فقده من قوة بعد نزيف جرحه حتى جذبها من كفها لتسقط على صدره تشهق في صدمة .. تطلع اليها في غضب :- ايه اللي نزلك الحارة من غير أذني !؟.. اني مش جايل لك جبل ما انزل عايزة حاچة جلتي لاااه !؟..


تطلعت لعينيه بنظرات دامعة مما أورثه شعورا بالذنب لمعاملتها بمثل هذه الخشونة التي لم تعتدها منه .. لكنه ظل متحجر الملامح وهي تهمس بصوت متحشرج تأثرا :- معدتش تتكرر.. انا مكنش قصدي انزل من غير اذنك .. ولا كان ف بالي انزل من أساسه .. بس .. 


تطلع اليها متسائلا وقد لانت قسماته بعض الشئ:- بس ايه !؟.. ايه المهم جوي دِه اللي يخليكي تنزلي وتسمعي كلمتين بايخين من اللي يسوى واللي ما يسواشي !؟.. 


همست من جديد وهي لا تقو على رفع نظراتها لتقابل ناظريه :- اصل لقيتك سايب لي فلوس فقلت يعني .. 


قاطعها هاتفا :- اشتريتي حاچات لنفسك يعني !؟.. طب وماله .. بس كنتي جلتي .. 


نكست رأسها ولم تعقب ليهمس مطيبا خاطرها وهو يمد كفه ليرفع ذقنها ليتطلع لناظريها الدامعتين :- خلاص سماح المرة دي .. 


نهضت من وضعها تحضر له الطعام ليتناول ما بقي من طعام الإفطار ويحاول النهوض لينام على حصيرته الا انها ابت ان ينهض تاركة له المرتبة لهذه الليلة ليتمدد عليها وذهب للنوم سريعا من شدة الإرهاق .. 


              ******************


حاول ان يتمدد بطول المرتبة وان يتقلب عليها بأريحية الا انه شعر بوجع موضع جرحه تحت كتفه الأيسر والأعلى من موضع القلب عدة ستنيمترات جعلت النجاة من طعنة عزوز البلطجي منة وفضل من الله .. 


تحرك في حرص لكن قدمه ضربت شيء ما فتطلع اليه يحاول ان يستوضحه عبر بصيص الضوء النافذ من خصاص النافذة الوحيدة بالغرفة والأقرب الى مكانه اللحظة .. 


استجمع قوته ومد كفه متناولا تلك اللفافة متذكرًا انه قد أعطاها لها عندما امرها بالصعود للغرفة قبل بدء المعركة مع عزوز .. 


ضم اللفافة البنية اللون لصدره وشعر بالذنب لانه قسى عليها البارحة .. حاول ان يتمدد من جديد في انتظارها حتى تستيقظ الا انه سمعها تهمس من خلف الستار القائم بينهما :- انت صحيت يا سي حِزن !؟.. 


همس بدوره مضطربا لسماع نبرات صوتها الشجي :- اه .. صحيت من دجيجتين .. 


همست :- طب هقوم اعمل لك لقمة تاكلها .. 


هتف يستدعيها :- لاه تعالي عايزك ف الأول .. 


نهضت من موضعها على الحصير الممدود بالقرب من الساتر الذي ازاحته قليلا فرأته يحتضن تلك اللفافة فنكست رأسها ليهتف هو بنبرة تحمل بعض من اعتذار وندم وهو يمد كفه باللفافة:- مدي يدك خدي دي ليكِ .. 


همست متعجبة :- بس دي تخصك يا سي حِزن !؟


هتف متعجبا :- تخصني كيف !؟.. مش هي دي اللفة اللي عطتهالك ساعة العركة !؟.. 


هزت رأسها نفيا اشارت حيث كان هناك لفافة أخرى بنفس اللون تقبع على الطاولة .. 


زم حِزن ما بين حاجبيه مندهشا ونفض اللفافة الورقية بذراعه السليمة ليمتد نسيج جميل من لون رمادي فرده امام ناظريه ليكتشف انه جلباب جديد لأجله .. رفع رأسه متطلعا اليها في محبة وهتف ممتنا :- دي عشاني !؟.. 


هزت رأسها مؤكدة دون ان تفوه بحرف ليستطرد متسائلا :- دي اللي نزلتي لجل ما تشتريها بالفلوس اللي سبتهالك !؟.. 


هزت رأسها إيجابا من جديد وهمست في تلعثم :- اصل انت محلتكش الا الجلابية اللي انت لابسها وكان لازم يبقى معاك حتى واحدة تانية .. قلت اجبها اهو تقلع القديمة تتغسل وتلبس الجديدة وتبدل فيهم .. 


ازداد تمعنه في محياها الخجل وما عاد قادرًا على النطق بحرف .. لقد فكرت به وفضلت ان تشتري له ما ينقصه على ادخار المال من اجل الطعام .. 


همس بصوت متحشرج :- طب ما تشوفي اللفة التانية فيها ايه !؟.. 


تحركت باتجاهها وفضتها في وجل متطلعة لذاك الثوب في انبهار وهتفت في فرحة :- ده ليا يا سي حِزن !؟.. 


هتف مازحا :- اومال ليا !؟.. اني لسه مچربتش ألبس چلبيات فيها ورد ودانتيلة .. 


تطلعت اليه وعلى وجهها سعادة لا يمكن وصفها فقد تذكرها كما تذكرته .. احضر لها ثوبا جديدا رغم انه كان يمكنها الاكتفاء بما لديها نظرا لضيق الحال .. لكنه لم يبخل وهو اكثر الناس حاجة .. 


لم تستطع ان تعبر عما بداخلها وهو لم ينتظر كلمة شكر واحدة بل هتف يستحثها :- روحي چربيه وفرچيني .. يا رب أكون عرفت اچيب المجاس الصح .. 


مدت كفها في حرج وسحبت الستار القائم بينهما ليهتف في مشاكسة :- هو لازما يعني !؟.. 


قهقه عندما نظرت اليه عاتبة وهتف مؤكدا :- كنت بضحك معاكِ ..تحبي اجوم ابني لك حيط مسلح عشان ترتاحي !؟.. 


أكملت جذب الستاربينهما هاتفة في لهجة مازحة بدورها :- بعد ما تقوم بالسلامة ان شاء الله .. 


مرت بضع دقائق قبل ان تهتف في خجل :- انا خلصت .. 


أزاح هو الستار متطلعا اليها في أنبهار وهمست وهي تقف في حياء :- هااا .. حلو .. 


هتف وهو يملي عينيه من جمال قسماتها المليحة هاتفا :- حلو بس .. دِه ياخد العجل .. دِه احلو عشان انتِ اللي لبساه ..  


همست في اضطراب :- ربنا يجبر بخاطرك يا سي حِزن ..


واندفعت تحاول الهرب من حصار نظراته مستطردة :- اما اروح احضر لك لقمة ترم عضمك بيها.. 


أشعلت (وابور الجاز) بعد بعض الجهد لتضئ عينه معتمدة على قليل من الكيروسين الذي كان بخزانه .. دقائق وكان الحساء مصبوبا بأحد الصحون الثلاثة الموجودة على الطاولة وتقدمت تضعه امامه مع بعض الخبز الناشف المسمي


( قرقوش) .. 


تطلع حِزن للحساء الذي كان به بعض اللحم والى الخبر كذلك ومن ثم رفع ناظريه متطلعا اليها في حنق هاتفا :- انتِ نزلتي الحارة لوحدك تاني !؟.. وچبتي منين فلوس الأكل دِه !؟.. 


هتفت في عجالة في محاولة لتجنب غضبته :- لا منزلتش والله .. ولا جبت الاكل .. ده الشيخ صالح الله يستره لما عرف اللي جرى جاب الحاجات دي بنفسه ودخل طل عليك ولما رفضت اخدهم قالي انتِ وافقتي أكون مطرح ابوكِ ف كتابة عقد جوازك .. يعني متقوليش لا لما ادخل عليكي انتِ باللي يلزمك وجوزك راقد تعبان .. لكن والله ما عتبت بره الباب ده من ساعة ما شالوك على هنا وانا جنبك ومتحركتش .. 


هدأت نيران غضبه ومد كفه للملعقة يتناول الحساء ملتهما قطعة اللحم لتمد هي كفها تكسر الخبز اليابس بالحساء حتى يتناوله متشربا بالمرق.. 


همس دون ان يرفع ناظريه اليها وهو لايزل يتناول طعامه :- كلتي !؟.. 


همست بدورها :- لا .. بس كل انت الأول وبعدين انا .. 


قاطعها رافعا شريحة من اللحم بكفه امام فمها وابتسم يهز رأسه امرا لتتناولها .. فتحت فمها وألتقمتها وعينيها معلقة بنظراته الحانية التي اسرتها كليا .. 


ظل يتناول بعض الحساء ويرفع لها كفه ببعض اللحم حتى انتهيا ولاتزل النظرات على تعلقها المحموم بنظيراتها ..


همس مشيرا لجيب جلبابه الكائن على الجانب المصاب من جسده والذي كان بعيد المنال عن يده السليمة :- حطي يدك بچيبي وطلعي اللي فيه .. 


اقتربت منه بشكل حميمي وانحنت تضع كفها بجيبه تحاول اخراج ما هو موجود .. كانت لحظة الاقتراب تلك مهلكة وهو يستشعرها اقرب اليه من أنفاسه .. كانت تجاهد لإخراج حافظة نقوده ورفعت ناظريها معتذرة :- معلش .. شكلها مش.. 


تقابلت نظراتهما من جديد ليخرسها ذاك البريق العجيب بعمق عينيه .. اتحدت الأرواح للحظة وتألفت بعد التعارف .. وقد ايقن كلاهما ان قلبه اصبح ملكا لصاحبه .. وان الوصل محتم ونهاية رحلة التيه والبعاد قد حانت .. 


همس باسمها في صوت مهتز النبرات يشي بكل ما يعتمل بدواخله من مشاعر :- سعادة .. 


انتفضت عندما همس باسمها وكأنما كانت تنتمي لعالم اخر وتطلعت حولها في اضطراب تحاول ان لا تتعلق نظراته بعينيه من جديد فتقع باسر اخر لن يكون لها القدرة على الفكاك منه .. وأخيرا نهضت مبتعدة تحتمي بحصيرتها ليسود الصمت للحظات وينهض هو في تثاقل مستندا على جدران الغرفة حتى الباب الذي فتحه وخرج لبراح السطح الذي اصبح اكثر اتساعا من براح روحه يحاول استنشاق الهواء البارد لعله يطفئ بعض من نار الجوى المستعرة بين جنباته .. 


               *****************

تعليقات

التنقل السريع
    close