expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

الطريق الي النور ( الحلقة/ 47) مرافعة المسلمين أمام ملك الحبشة !!



 الطريق الي النور

( الحلقة/ 47) مرافعة المسلمين أمام ملك الحبشة !! 

وكان المسلمون في غفلة عما يُحاك لهم، رغم أنهم كثيرو التردد على العاصمة - أكشوم - لقضاء حاجياتهم ثم يعودون إلى القرى التي اتخذوها منزلاً على أطراف العاصمة، وكان جعفر لا يغيب عن العاصمة كثيراً، فهو أمير وفد المسلمين بالحبشة، ويهمه الإطلاع أولاً بأول على الأخبار الآتية من مكة، فقد يشي بعضهم إلى بطارقة النجاشي بما يفسد إقامتهم، وكان كاسام قائد حرس النجاشي يُطلعه على الأخبار الجديدة، كلما زاره جعفر في أكشوم، وكأن قلب جعفر بن أبى طالب يحس بشيء ما، فينطلق إلى كاسام ويسأله عن المستجد من الأخبار . ويجيبه كاسام بما أدهشه !! . 

قال كاسام : ذهب صاحبكم عمرو بن العاص أول ما ذهب إلى البطارقة، وأعطاهم الهدايا ليكسب ودهم، ثم عرَّج إلى البطرق الأكبر الذي يعهد إليه النجاشي بمراسيم الصلوات في الكنيسة، وأهداه أكثر ما جاء به من الجلود المدبوغة . قال جعفر وقد بدا على وجهه القلق : ما فعل ذلك إلا ليؤلب علينا قساوسة القرى التي نقيم فيها . قال  : بل هو يهدف إلى أبعد من هذا يا أبا علي . قال جعفر في اندهاش : أبعد من هذا ؟ . قال كاسام : إنه يريد أن يحمل النجاشي على التنكر لكم، وطردكم من بلاده . قال جعفر وقد أفزعه ما سمع : هذا أمر شديد، فهل وعده البطرق بشيء ؟ . قال كاسام : وعده بأن يُحدّث النجاشي في ذلك، وعلمتُ مما دار بينهما، أن البطرق سيحمل كثيراً من الجلود المدبوغة إلى النجاشي، هدية من أشراف مكة، دليلاً على الصداقة المزعومة، والرغبة في عدم إفساد تلك الصداقة . وأنه لا شيء يُسعد أهل مكة قدر ما يسعدها إعادتكم إلى مكة بالأصفاد . 

ويعود جعفر بن أبى طالب مهموماً حزيناً، يحمل لأصحابه أنباءً غير سارة، ويجلس إليهم يستعرض ما قصه كاسام حارس النجاشي، ويدور الحوار بينهم، فيقول أبو حذيفة : أتحسب يا ابن عوف أن النجاشي مسلمنا لعمرو وقد رأيت كيف يعاملنا وكيف به يخص جعفراً بدعوته لمائدته ؟ . 

قال عبد الرحمن بن عوف : ما أظن النجاشي يفعل هكذا، فالرجل يعدل بين الخصوم، فإذا وشى إليه واش سمع من الآخر قبل أن يحكم في الأمر . 

وفي ركن آخر يتواصل الحديث، ويقول عامر بن ربيعة لجعفر : يا أبا علي، أما ذهبت إلى النجاشي وأنت كما تعلم مكانك عنده، فقد كان أبوه (أبجر) صديقاً لجدك عبد المطلب، فتذهب وتستبق القول عنده قبل أن تصل سفارة قريش . قال جعفر : ما أحب الذهاب ولم يدعونى، وإذا دعانا في هذا الأمر ذهبنا ولن نُزوّرَ القولَ ولن نتقول، ولنتعاهد على الصدق فإنه منجاة لنا، ولنعرض ما عندنا قدر السؤال المطروح علينا . 

واستقر رأي المسلمين على جعل جعفر بن أبى طالب المتحدث باسمهم، وأناطوا به مهمة عرض رسالة الإسلام، ولا يذهبون إلى النجاشي إلا بعد أن تأتيهم دعوة منه . 

وتوجه عمرو بن العاص ومعه عمارة بن الوليد، وتظاهر عمرو بإرضاء عمارة حتى لا يفسد الخلاف سفارتيهما، لكنه أضغن في نفسه ما حدث على السفين ريثما ينهي ما جاء من أجله، واستأذنا في الدخول على النجاشي بعد أن سلما الحاشية هدايا الملك، وكان البطرق الكبير عند النجاشي في انتظار اللقاء المرتقب، ولما دخل عمرو قال البطرق : أيها الملك هذا عمرو بن العاص من مكة، وقاطعه النجاشي وقال : لا تعرفني بابن العاص، فأنا أعرفه، جاءني في مرات عديدة متاجراً، وقد علمت سمعته وسيرته في قومه، وكان أبو النجاشي (أبجر) نزيل دار (أُبى شيخ بني هاشم) أيام محنته ولقي من العاص بن وائل والده كل إكرام وحسن ضيافة أثناء نفيه من الحبشة . 

قال النجاشي : مرحباً بك يا عمرو . قال عمرو : مرحباً بك أيها الملك . 

ويزج عمارة أنفه في الحديث قائلاً : ما أحسب أيها الملك إلا أن قومي من بني مخزوم قد منعوا أباك الملك السابق - أبجر - ليسترد عرشه . 

قال النجاشي : قد أرادوا والله ذلك يا فتى، ولكن والدي أبى أن يفعلوا، فلا طاقة لقريش بعداوة الأحباش، ثم وجه النجاشي كلامه إلى عمرو : ما اسم صاحبك يا ابن العاص ؟ . قال عمارة : أنا فخر بني مخزوم أيها الملك - عمارة بن الوليد بن المغيرة - سيد قومه، وصاحب حلقة قريش وحكيمها الذي لا تُرد له كلمة .  

قال النجاشي : إنك تحب الفخر يا فتى، ولا أحد يلوم فتى مثلك قسيمًا وسيمًا صبيح الوجه إذ قال ما قال . قال عمارة : بوركت أيها الملك . 

قال النجاشي : هذا طبعنا نحن الأحباش يا ابن الوليد، نحب الوجوه المليحة، ونأنس بأصحابها .

وبعد أن أديا مراسم التحية دعاهما النجاشي إلى الاقتراب منه والجلوس أمامه، وأخذ النجاشي يحادثهما ويسأل عمرو عن حاله وحال مكة . قال عمرو : بخير أيها الملك وزادني شرف أن أجلس أمامك، وأسمع عنك الطيب من الأخبار . 

قال النجاشي : نشكر لك يا ابن العاص هذه الهدايا العظيمة . قال عمرو : ليست هذه هداياي فحسب، بل هي هدايا أشراف قريش لجلالتكم . قال النجاشي : هل قابلت قومك من العرب ونزلت إليهم وعرفت ما فعلتُه لهم من إكرام وتفضل ؟ . 

قال عمرو وقد أقلقه ذكر النجاشي لأصحاب محمد بخير وإكرامه لهم : لا أيها الملك لم أقابلهم . قال النجاشي مستغربًا : ظننتك قابلتهم قبل مجيئك لي ! .. قال عمرو بعد أن أطرق نظره في الأرض وجاهد في دفع الكلمات : إنما إنما جئت إليك أيها الملك من أجلهم . .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تكملة ( الحلقة/ 47) مرافعة المسلمين أمام ملك الحبشة !! 

ويحس النجاشي أن هناك أمرًا غير الزيارة جاء من أجله ابن العاص، فقال له : إذًا هناك شيء غير السؤال والزيارة دفعك إلى المجيء للحبشة ؟ . قال عمرو : نعم .. هم أيها الملك، إن قومي الذين أكرمت نُزلهم قد أساءوا إلى أهلهم وخالفونا، وفروا إليك فرارًا من العقوبة التي عليهم . ويندهش النجاشي وينظر إلى عمرو بحدة ويقول : ماذا ؟ . أساءوا إليكم، أفصح عما تكنه يا ابن العاص . قال عمرو وقد أعد للقول أحسنه : وهل أبلغ من الإساءة إلى دين المرء أيها الملك ؟ . قال النجاشي : صدقت في هذا، ماذا فعلوا ؟ .. قال عمرو : رغبوا عنا وعن آلهتنا ولم يدخلوا في ديننا . 

قال النجاشي : ولكني لا أعرف أنهم تنصروا . قال عمرو : لا دخلوا في دينك ولا بقوا على دين الأجداد، بل جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قريش لتردهم إليهم . وينظر النجاشي وهو في حيرة للبطرق الأكبر صاحب المراسيم وكان قد دنا من المجلس بعد أن رأى الحديث ينحو صوب ما دبر هو وعمرو .. قال النجاشي : دين مبتدع !! . أحقاً هذا أيها البطرق ؟ . قال البطرق : أجل أيها الملك، إنهم لا يقربون كنائسنا . 

قال عمرو : دعهم لنا أيها الملك نحن أدرى بهم وأعلم بحالهم . قال البطرق : نعم أيها الملك دعهم لعمرو فهو منهم، وأهلهم أعلم بما فعلوا معهم وأجرموا في حقهم . 

وغضب النجاشي وأحس من تجاذب الحديث وتناغمه بين البطرق وعمرو أن هناك تنسيق تم لأمر ما، فقال النجاشي : لا والله لا أفعل حتى أسألهم عما زعمت يا عمرو، وأعرف كل شيء على حقيقته الجلية، لابد لي من سماع قولهم، وأقولها لك يا عمرو . إن كان على غير ما قلت، فلن أسلمك هذا الرهط من العرب، وسيكونون في جواري ومنعتي . 

وتذهب رسلُ النجاشي إلى أقرب قرية على حدود - أكشوم العاصمة - حيث يقيم بعضهم وفيهم جعفر، ويتلقى جعفر الدعوة بالمثول أمام النجاشي، ويأخذ جعفر معه وفد من المسلمين، ثم يتوجه بهم إلى قصر النجاشي، وعند الباب يطلب جعفر من الحاجز إخبار النجاشي أصحمة - أن حزب الله - أتى بناءً على طلبه، ويتشاور المسلمون قبل الدخول فيما بينهم، ويقول عامر بن ربيعة لجعفر : فإذا سألك عن ديننا وهو لا يعرفه، فبماذا تجيب ؟ . قال جعفر : سأقول له ما علمنيه رسول الله . يقول عامر بن ربيعة : وإذا سألك عن عزوفنا عن دين الآباء ؟ . قال جعفر : سأقول الصدق في ذلك ولن أتقول . 

ويدخل الحاجز على النجاشي ويقول : أيها الملك حزب الله في الخارج ينتظر الإذن وعلى رأسه جعفر بن أبى طالب . ويلتقط الكلمة عمرو بن العاص ويقول النجاشي : أسمعت أيها الملك، إنهم يكنون أنفسهم بحزب الله . ويقول النجاشي : دعني أنظر في الأمر ولا تتحدث يا عمرو حتى آذن لك . 

ويأذن النجاشي للمسلمين بالدخول، ويدخل الرهط من المسلمين، ويلقي جعفر تحية الإسلام على الملك، ويرد عليه النجاشي التحية، وقد أكبر له عدم السجود أمامه كما يفعل الزائرون .

قال النجاشي : يقول عمرو إنكم تدينون بدين جديد ابتدعتموه، فما حديث ذلك الدين ؟ . قال جعفر : أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . 

وتسكن نفس النجاشي الثائرة قبل سماع هذا تسكن لصدقه وتركن لحسن مقاصده فيقول : ما أجمل هذا كله ! . قال جعفر : فصدّقناه أيها الملك واتبعناه على ما جاء به من الله، عبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا . قال النجاشي : نعم ما قلت . قال جعفر : فعدا علينا قومنا، وعذبونا وفتنونا في ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله، وظلمونا وضيقوا علينا فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على سواك .  

قال النجاشي : وصاحبكم هذا الذي علمكم هذا الدين . من أين جاء به ؟ 

قال جعفر : أوحى إليه من السماء، وإنه ليتنزل عليه الملك جبريل بآيات من الله بينات . قال النجاشي : فاتلو بعضه عليِّ، فقد تغربت زمناً في بلادكم، وأعرف غرائب لغتكم . 

وتلا عليه جعفر بصوته الندي بعضاً من سورة العنكبوت، وفاضت عينا النجاشي بالدمع وقال : هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . 

ويزداد قلق عمرو بن العاص، يزداد كلما رأى جعفر يأخذ بقلب وعقل النجاشي، إزداد لما رأى الإصغاء والخشوع استبدا بالملك فقال : أتصدق أيها الملك أن هذا الكلام من عند الله حقاً . قال النجاشي : ما أعجب أمرك يا عمرو، ما علمك بالله وأنت تعبد حجارة صماء لا تسمع ولا تتكلم ولا تضر ولا تنفع ؟ 

قال عمرو : إنما نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى . قال النجاشي : لو أخذت بنصيحتي يا عمرو لتبعت دين هؤلاء القوم إذا عزفت عن النصرانية .. قال عمرو :تعني أيها الملك إنك لن تسلمنا هؤلاء القوم . قال النجاشي في حسم : لا إنهم في جواري ثم نادى يا جعفر . قال جعفر : أجل أيها الملك . قال النجاشي : انطلق وأصحابك فلا والله لا أسلمكم إلى أحد .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة .. هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close