القائمة الرئيسية

الصفحات

الطريق الي النور ( الحلقة/ 45 ) ويلقى صلى الله عليه وسلم العنت من قومه !!


الطريق الي النور

 ( الحلقة/ 45 ) ويلقى صلى الله عليه وسلم العنت من قومه !! 

وكانت قريش على حق حينما شعرت بخطورة إسلام عمر، وكان الرسول على حق حينما تمنى إسلام أحد العمرين - عمرو بن هشام أبى الحكم أو عمر بن الخطاب - لتأثيرهما على المجتمع المكي . 

ولم تمض سوى أيام على إسلامه، حتى يراه المسلمون يقف دون الصحابة في دار الأرقم ويقول للرسول : يا رسول الله ألسنا بمسلمين ؟ . قال رسول الله : نعم . قال عمر : فعلامَ نخفي إسلامنا ؟ . قال النبي : صدقت . 

فقام النبي صلى الله عليه وسلم، وفصل الأحرار من المسلمين عن الأرقاء والموالي، وأحصى عدد الأحرار منهم وكانوا أربعين رجلاً، صفَّهم وترك العبيد والموالي داخل دار الأرقم .. صفَّهم إلى صفين، وأمرهم بحمل السلاح، وجعل على رأس الصف الأول عمر بن الخطاب، وعلى رأس الثاني حمزة بن عبد المطلب، وأخذ الرسول مكانه في المقدمة، وتحركوا في نظام ناحية الكعبة، وقريش كلها تنظر لهذا المشهد العجيب .. أشراف مكة وأحسابها الذين دخلوا الإسلام ينتظمون في صفين، وأخذ الموكب طريقه للكعبة وهم يرددون - لا إله إلا الله محمداً رسول الله، الله أكبر . الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله محمداً رسول الله - وقريش مذهولة لا تستطيع فعل شئ، فدخول عمر الإسلام كان سبباً فيما يحدث الآن أمامهم فاعتز الدين، وقويت شوكته، وانطلقت الدعوة جريئة .

واستبد الغضب بقريش، وخرجت كلمات السباب والقذف من أفواههم لمحمد وأصحابه، ويرد عليهم المسلمون بما يليق وإسلامهم من الكلمات لردعهم، وينسى أبو جهل أنهم البادؤون في التطاول ويذهب إلى النبي ويقول له : يا محمد لو سببت آلهتنا لنسب الله . وينزل الوحي على الرسول، يكف المسلمين عن فعل ذلك { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا } ويمتنع المسلمون بعدها عن الرد عليهم، وتبقى أسباب التوتر قائمة بين الجانبين . 

وبادر أحد أشراف مكة ذات يوم لتخفيف وطأة الصراع وتسكين الأمور، فدعا النبي إلى طعام أعده له، وقبل النبي دعوة - عقبة بن أبى معيط - وأمَّل الرسول في إسلامه، فلما وضع الطعام أمام النبي قال صلوات ربى وسلامه عليه له : والله ما أمد يدي في طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . فتَّسمر عقبة مكانه، ولم يجب الرسول، فهو لم يدعوه ليُسْلم على يديه، وإنما هو وسيط في تهدئة الأجواء، ورفض الرسول أن يأكل، وخشي عقبة بن معيط أن يخرج الرسول دون أن يقرب طعامه، وهذا أمر يعيب العرب ويشينهم وتتحدث به الناس، فلما رأى من الرسول إصراراً قال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ومد الرسول يده في طعامه . وسرعان ما طار الخبر إلى قريش، وتناقله الناس " صبأ عقبة بن أبى معيط . ودخل في دين محمد " . 

وكان أُبى بن خلف صديقاً حميماً لعقبة، لا يخفي أمره عنه، وكان أعتي أعداء الدعوة وأكثرهم عداوة لمحمد، سمع بما حدث في دار عقبة بن أبى معيط، فسعى إليه والشرر يتطاير من عينيه وقال له : أُخبرت أنك صبأت " . 

قال عقبة : لا واللات يا ابن خلف، إنما قلت ما قلته لمحمد، كي لا ينصرف عن طعامي فتُعيّرني العرب . قال أبى بن خلف : إذن دفعك بحيلة إلى ذلك، فوجهي من وجهك حرام إلا أن تتفل في وجهه، لعلك إن فعلت وبصقت في وجهه تصوب ما أعوج من أمرك . 

وقلب عقبة الأمر في رأسه، أيصر على ما قاله لمحمد ولو كان ذلك على حساب خسارة صديق عمره وخسارة قريش ؟ . أم يرجع عن قوله ويخسر محمد ودعوته ؟ . وانتهى إلى اختيار الدنيا، اختار صديقه وآثاره على الإسلام . فذهب عقبة إلى النبي ليبرهن في وقعة أمام الملأ، أنه في حل مما قاله آنفاً، فنادى على النبي وهو بين نفر من أصحابه، فلما التفت إليه النبي صلوات ربى وسلامه عليه، بصق اللعين في وجهه، وانتاب النبي حزن شديد، وسكت عن فعلته الشنعاء، وأطال النظر فيه متأملاً، كيف يسوق الشيطان صاحبه إلى الهلاك لهذا الحد ؟ . وتتنزل الآيات { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } . 

ويعود عقبة بن أبى معيط ويُطمئن خليله أُبى بن خلف على إيثاره لصداقته وتخليه عن دين محمد، وتهدأ نفس أُبى لعودة صديقه إليه، ويصحح أبى بن خلف موقف عقبة في دار الندوة بعد الشائعات التي ترددت عن إسلامه .

وفي كل يوم يمر، يزداد يقين قادة قريش بخطر هذا الدين، الذي أخذ يسري في شقوق المجتمع المكي، متربصاً بعقلاء مكة وذوي أحلامها من علية القوم، وكلما تذكروا الوسائل التي جربت ولم تنجح، ازداد ألمهم وهاجت مشاعرهم ولكن بعضهم لم ييأس، فتشاوروا علهم يعثروا على سبيل لم يسلكوه من قبل، فانتهوا إلى عرض يقدمونه لمحمد، لو قبله فهو من وجهة نظرهم صيغة تحوى حلاً وسطاً . يعترفون بدينه ولا يدخلون فيه على أن يعترف هو بدينهم دون أن يترك دينه . 

قالوا : يا محمد نعرض عليك أمراً جديداً، وإنه والله لهو أشد الأمور علينا وأقساها . قال النبي : إلي به . قالوا : قد رأيناك مصراً على دينك هذا وإننا ندعوك أن تعبد آلهتنا يوماً فنعبد نحن إلهك يوماً، فنصير سوية بالسوية . وكان الرد حاسماً من النبي : لا أفعل . فتشاوروا وجاءوا إليه مرة أخرى قالوا : نعبد إلهك أسبوعاً وتعبد آلهتنا يوماً . قال النبي : لا أفعل . هم يريدون بذلك إمساك ولو حالة واحدة فيها الرسول يسجد لأصنامهم بعدما شاع عنه الكفر بها وإهانتها وما قد يترتب عليه من بلبلة صفوف أتباعه وشكهم في صدقه فضلاً عن أصراف من هم يقتربون من دينه خفية ولا يعرفونهم .. فتشاوروا مرة ثالثة وقالوا له : نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا يوماً . أملوا في تلك المرة أن يقبل بهذا فإن قبله كان ذلك بمثابة إقرار منه على شركهم فلو عبد آلهتهم يوماً واحداً لقوض ذلك أركان دينه وخرج بذلك عن ثوابته عندها ينفض عنه الناس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقع في مثل هذا أبداً، فأساس دعوته قائمة على هدم وتحطيم كل ما عدا الدين الذي جاء به . وتتنزل الآيات { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وقوله تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } تمنوا أن يلين وهم على أتم الاستعداد للملاينة . ويغضبهم أشد الغضب إعراضه عما عرضوا، وأحسوا بدواعي الرفض، وأنها استهزاء بدينهم، فانفلت ثباتهم .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة .. هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى


تكملة ( الحلقة/ 45 ) ويلقى صلى الله عليه وسلم العنت من قومه !! 

وانفجر تراكم الأحداث السالفة، وعدم جدوى المساعي المُتبعة في القضاء علي دعوة الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، فراحت قريش تتخبط في اتخاذ القرارات وهي في حالة هزيان . مزقوا عهدهم مع أبى طالب بعدم التعرض له بالأذى، وضربوا باتفاقهم معه عرض الحائط، وعاد التطاول والأذى سيرتهما الأولى، ضيَّقوا على النبي حياته . فكان عمه أبو لهب والحكم بن أبى العاص وعقبة بن معيط وعدي بن حمراء الثقفي، كان هؤلاء يجاورنه السكن، فما تركوا شاة تُذبح، أو بعير يُنحر إلا وأتوا بجزوعه وأحشائه، وألْقوها أمام داره  . 

فإذا خرج تأذى وساءه ذلك، فكان  يتحمل أذاهم ويصبر عليهم، فيأخذ القاذورات ويجنبها الطريق وينظف أمام باب داره ولا يزيد عن قول : أهكذا حق الجوار ؟ . ويعاودون الكرة في يوم آخر، جعلوا من أمام منزله مقراً لأحشاء الذبائح والقاذورات، وتغلي الدماء في عروقهم كلما رأوا منه الصبر على الأذى، وتزداد حميتهم للأذى، حتى إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ذات صباح يسجد عند الكعبة، وكان بالقرب من مذبح قريش - إساف ونائلة - بعير يذبح . قال أحدهم : من يحمل جزوع هذا البعير ويضعه على رأس محمد وهو ساجد، فينهض ألد أعداء الرسول عقبة بن أبى معيط ويقول : أنا . 

ويحمل الفاجر أحشاء البعير المذبوح، والقوم يضحكون في سخرية واستهزاء ويضعها على رأس النبي الساجد لربه، وينظرون إلى جزوع البعير وهي تتدلى من رأس النبي، وتتعالى الضحكات وهم يتمايلون على بعضهم من فرط ما هم فيه من الضحك . وترى فاطمة بنت النبي التي لم تطق رؤية أباها في حال كهذا، فتعدو مسرعة إليه، تلقي ما برأسه وهي تبكي وتنظف رأسه ويرفع النبي صلوات ربي وسلامه عليه رأسه وينظر إليهم وقد أفقدهم الضحك وعيهم فقال  بصوت عال : اللهم عليك بعقبة بن أبى معيط، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بالوليد بن عتبة بن ربيعة سمي النبي في دعائه فعلة الأثم العظيم به وحق على الله أن ينزل فيهم قصاصاً عادلاً

 .. 

وتبيت قريش ليال مظلمة، يلف الفزع دورهم التي يأون إليها إذا كان المساء، ويحف الخوف مجالسهم التي يحطون فيها إذا كان النهار، وإذا غاب سيد من سادات قريش لعذر ألم به عن مجلس من المجالس، انطلق إلى أقرب الناس إليه، يستقي منه جديد الأخبار . فالكل في مكة يعلم أن هذا الأمر الذي جاء به محمد مقدم لا محالة على تقويض أركان السيادة والشرف، وقلب حياتهم رأساً على عقب، ليكون المعيار الجديد فيه . القوي غير القوي، والشريف غير الشريف . 

ويسير أبو سفيان بن حرب الذي غاب عن ندوة قريش لأيام خلت، يسير إلى دار أبى جهل، يسمعه ما عنده من أخبار أتته من خارج مكة، ويسمع منه ما حدث في غيبته . قال أبو جهل : هل علمت شيئاً عن أمر أصحاب محمد الذين فروا إلى الحبشة عند النجاشي ؟ . قال أبو سفيان : عجبت لما علمت عنهم !! . لقد أكرم النجاشي وفادتهم، ووصلني أنهم صاروا عنده في منعة وجوار . 

ويتبدى الغضب من وجه أبى جهل ويقول في ضيق : واللات لئن صدقت الأنباء التي وصلتك لتدور علينا الدوائر يا أبا سفيان . ويندهش أبو سفيان لفزع صاحبه ويقول : ويحك أبا الحكم، أي دوائر تلك التي تدور علينا، أو نسيت أننا أسياد هذه البلاد، والعرب كلها تجلنا وتنزل لرأينا ؟ . بربك يا أبا الحكم لا تعظم أمر هذه القلة التي اتبعت محمداً . 

قال أبو جهل : لا واللات يا أبا سفيان . الأمر ليس كما ترى، إنهم الآن قلة، وغدًا يتحولون لعدد كثير ومن ثمَّ يظهروا علينا وتضيع حينئذ مكانتنا، وتذهب هيبتنا، تلك التي تتحدث عنها العرب يا أبا سفيان، ففي كلام محمد سحر يسحب النفوس، إذا سمعه غيرنا تأثر به ودخل رأسه، وقلب عقله وسلب لبه، ألم تر يا أبا سفيان أن في هذه القلة عقلاء مكة وبعض أشرافها . قال أبو سفيان وهو يطأطأ رأسه : رأيت . رأيت يا أبا الحكم . 

قال أبو جهل : أخشى واللات يا أبا سفيان أن تكون ضربتنا القادمة من الحبشة، أن يعودوا إلى مكة وقد كثر أتباعهم ودعمهم النجاشي ثم ينتقموا منا لما فعلناه بهم . قال أبو سفيان : يا أبا الحكم هل حدث بدار الندوة حدثاً في تلك الأيام التي انقطعت عن المجيء فيها ؟ .

قال أبو جهل : الحدث ليس في دار الندوة وإنما في طرقات مكة وعند المسجد، فلا يكف ابن الخطاب منذ أن تابع محمداً عن استفزازنا، وقد فعل فعله بعضهم، لقد تجاسروا علينا بعد دخول عمر في هذا الدين . قال أبو سفيان : صدقت واللات يا أبا الحكم جرَّأهم ابن الخطاب على الجهر بدعوتهم .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تعليقات

التنقل السريع
    close