القائمة الرئيسية

الصفحات

الطريق الي النور ( الحلقة/ 42) الفرار من العذاب إلى الحبشة !!

 


الطريق الي النور

( الحلقة/ 42) الفرار من العذاب إلى الحبشة !! 

ويتألم النبي صلى الله عليه وسلم أشد الألم لتعرض أصحابه للتعذيب، وليس في وسعه عمل شيء سوى الدعاء إلى الله لهم بالثبات، وأن يجعل الله للدعوة مخرجاً مما وقعت فيه، ومما تلاقيه من قسوة المشركين، وتوالت شكوى المسلمين إلى رسول الله، يسألونه الدعاء ويأتي (خبَّاب بن الأرت) إلى رسول الله صلى الله عليه وهو جالس عند الكعبة حزيناً على أصحابه .. يقول خبَّاب له : لقد لقينا من المشركين شدة ألا تدعو الله . فطال صمت الرسول صلوات ربى وسلامه عليه واحمَّر وجهه وقال : قد كان من كان قبلكم يُؤتى بالرجل ويُمشط بأمشاط الحديد، تنزع لحم الرجل عن عظامه وما يصرفه عن دينه، ويُوضع المنشار على مفرق رأسه فيُشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، ولكنكم تستعجلون . فلم يجد الرسول أمامه من وسيلة إلا تثبيت أصحابه، حتى يأتي الله لهم بمخرج من هذا العنت . 

وما من يومٍ يمر إلا ويأتي من يسأل النبي المخرج من هذا، فيأتي عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت النبي معه .. قال : يا رسول الله قومي من بني أمية ضيَّقوا عليِّ حياتي، وأنزلوا بي العذاب الشديد . وينظر إليهما الرسول وقد تغيَّر لون وجهه، وأخذ يُقلبُ الفكرَ في أمرهما، وأمر سواهما من المسلمين الذين اشتد بهم أذى قريش، وذات يوم يأتي عامر بن ربيعة وزوجه ليلى قال : يا رسول الله عمر بن الخطاب يبطش بنا بطشاً شديداً، ولا يكف عن إيذائي وزوجى، ويقول لنا : " واللات لنجتز أصحاب محمد من الأصول " . 

ويزداد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم ويأتيه أبو حذيفة بن عتبة وزوجه سهلة بنت سهيل يقول : يا رسول الله قومي أمعنوا في تعذيبي، وأرادوا أن يُفرّقوا بيني وبين زوجي ولا ينقطع سيل الشكوى، شكوى المسلمين من فرط ما يلاقونه من العذاب، ومما يتعرضوا له من السب والشتم والتطاول على الدين، ويقرر الرسول أمراً فيقول عليه الصلاة والسلام : مَنْ فرَّ بدينه من أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب له الجنة، تفرَّقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم . 

ويطول تفكير المسلمين في مكان ذلك المهجر، إلى أين والأرض كلها كافرة، والمشركون كالذئاب يتلمزون إلى دماء المسلمين ؟ . كان لبعضهم أحباء وأصدقاء من ثقيف بالطائف، فلما علمت ثقيف بأمرهم أرسلت إليهم : لا يأتينا أحد منكم إلا رددناه إلى مكة في القيود . 

وذهبوا إلى رسول الله بما جاءهم من ثقيف، فقال عليه الصلاة والسلام : اخرجوا إلى جهة الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحدٌ، حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنتم فيه . 

وتحدد مكان المهجر – الحبشة – وليست الحبشة بقريبة من أرضهم، دونها البحر العجاج، ولكنهم آثروا المشقة والجهد على البقاء في قرية لا يجدون فيها الأمن والأمان .  

= وضاقت بهم الأرض :-

مكة في شتاء العام الخامس بعد البعثة النبوية الشريفة، رجل أسمر شديد الأدمة طوال ذو جمة، يُرسلها على كتفيه، يتحسس طريقه في سكك أم القرى في عتمة الغروب، ويلمحه فتى في الخامسة والعشرين، ويحيك في صدره شيء من هذا الذي يسير على غير هدى، ويتلفت يُمنة ويسرى، وتوقف ثم يسير .. أدرك أن هذا الرجل يريد شيئاً أو أحده . 

فقال له الفتى : أيها الغريب كأنك تبحث عن شيء ؟ . قال له : أبحث عن دار لرجل تربطني به عروق الأجداد . قال الفتى : ومن ذاك ؟ . لاشك في أنه مثلك هكذا أسمر شديد الأدمة . قال الغريب : هو حبشي وأنا حبشي . قال الفتى : وما أكثر من يقيم في مكة يا أخا الحبشة ممن هاجروا إلى مكة من الأحباش، جاءوا إليها من الحبشة ومن مصر، من ذاك الذي تبحث عن داره ؟ . 

قال الغريب : وحق المسيح ما أعرف اسمه، ولكني أعرف أن أباه يُدعى – (رباح بن حمامة) ..قال الفتى : أبوه رباح بن حمامة ؟ . فأنت تريد بلال بن رباح، تعال أدلك على داره .

ويأخذه الفتى جعفر بن أبى طالب إلى حيث دار بلال بن رباح، وإذا ما التقيا وتعانقا، عرف جعفر أنه - كاسام الحبشي - من أقارب بلال بن رباح البعداء . وينصرف جعفر ليخلو الحديث للمشتاقين، كاسام الضيف الذي حلَّ على بلال من أسفار بعيدة، ويدور الحديث بينهما . فيقول بلال : أجئت يا ابن العم كاسام في تجارة لك ؟ . قال كاسام : وبعتها في أرض اليمن، ورأيت أن أعرج على مكة بوصية أمي . قال بلال : وبِمَ أوصتك أمك . قال كاسام : كنت أتحدث معها قبل خروجي من الحبشة متاجراً عمن نفتقدهم من أقاربنا، الذين تشتتوا في بلاد الدنيا منذ اشتد بهم بطارقة النجاشي، وجاء ذكر جدك وأبيك، وأنك تعيش رقيقاً في أرض العرب، فعزمت على أن آتيك، إن معي يا بلال ما أفك به رقبتك فتعود معي إلى الحبشة . 

قال بلال وقد أسعده سماع هذا : بوركت يا أخي كاسام، قد فعل هذا قبلك أخُ لي في الدين اشتراني من صاحب رقبتي وأطلقني حراً، وأنا الآن حر يا كاسام . قال كاسام : أية حرية هذه التي تلجئك إلى دار لا تقيك برد الشتاء ولا حر الصيف . قال بلال : ذلك أخي أن أهل مكة يضيقون علينا فلا نكسب طعامنا إلا بشق الأنفس . قال كاسام : كيف والذي نعرفه في الحبشة أنه كان بمكة شيخ يملك أمرها ولا يظلم عنده أحد يُدعى عبد المطلب . قال بلال : عبد المطلب مات منذ سنين طوال، وما أكثر وأعجب الأحداث التي مرت على مكة وأهلها بعد موته . ثم شاء الله أن يمن علينا بدين رفع شأن المستضعفين من الناس ولم ينزل بأشرافهم . 

قال كاسام : أي دين، دين جديد غير النصرانية، غير المسيح ؟ . 

قال بلال : المسيح نبي ومحمد بن عبد الله نبي، ولو سمعت ما عندي ياأخي كاسام لزالت عنك هذه الدهشة التي ترتسم على وجهك يا أخي . الطعام أولاً ثم الحديث .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تكملة ( الحلقة/ 42) الفرار من العذاب إلى الحبشة !! 

وقضى الحبشيان بلال بن رباح وقريبه البعيد كاسام، قضيا الليلة مع الذكريات البعيدة القريبة . قص بلال على كاسام قصة بدء الإسلام في مكة، وكيف كذَّب أهلها بالرسول وألحقوا به وبأصحابه أشد الأذى . قال بلال : كان أبي وأمي في ملك رجل من أثرياء مكة يُدعى - أمية بن خلف - فلما ولدت صرت مثلهما، أمري كله إلى سيدي أمية، كان في أول أمره يحدب علينا، ولما ماتت أمي أحسن مواساتي ومواسة أبي، فلما أسلمت وتابعت رسول الله لقيت منه أبشع العدوان وأقسى ألوان التعذيب . قال كاسام : وكيف لم يدفع عنك أشراف مكة ؟ . قال بلال : كلهم فعلوا بمن أسلم مثلما كان أمية بن خلف يصنع بي، كان يخرجني إلى رمضاء مكة ويضع الحجر الثقيل على صدري، ويصيح بي اكفر بمحمد، فلا ينطلق لساني رغم ما أنا فيه من العذاب إلا بما علمنا رسول الله، من أن ربه واحد أحد فرد صمد لا إله إلا هو، كان هذا يغيظ أمية ويجمع أصحابه ليسعدوا بعذابي، وأنا لا أكف عن أن أصيح رغم ما أنا فيه من عذاب أحد، أحد، أحد . 

قال كاسام : لقد لقيت يا ابن العم عذابًا شديدًا حقاً، أشبه بما كان يلاقيه شهداء المسيحية في روما كما كان يذكر لنا قساوسة النجاشي، كانوا يلقونهم إلى الأسود الجائعة، وماذا كان يفعل لكم صاحبكم هذا الذي علمكم ما علمكم ؟ . قال بلال : رسول الله يسير بيننا في أماكن تعذيبنا ويعدنا بالجنة، ويثبت فؤادنا ولا يجسر أحد على أن يقربه بأذى . قال كاسام في استغراب : ولم أهو ساحر ؟ . قال بلال : كفار مكة يقولون عنه هذا، وهو من الذرا في قومه، جده عبد المطلب بن هاشم . 

قال كاسام : ذاك كما علمنا كان ملك مكة . قال بلال : لم يكن لمكة ملك، وإنهم قوم تجار أثرياء يعيشون على رحلتي الشتاء إلى اليمن والصيف إلى الشام، تكثر أموالهم فينفقون على كعبة الرحمن وضيوفها في موسم الحج . 

قال كاسام : تلك مكرمة لا تتفق مع ما كانوا يصنعون بك ! . قال بلال : في أول أمرهم صبوا على المستضعفين جام غضبهم، الموالي والعبيد والإماء لي أخٌ في الدين يُدعى - خباب ابن الأرت - كان صاحبه يخرجه عارياً إلى رمضاء مكة، ويشعل ناراً ثم يقربه بظهره منها حتى أوشك بأن يفتنه . قال كاسام : ومات صاحبك هذا في عذابه ؟ . قال بلال : أصيب ظهره بما يشبه البرص حتى اشتراه أخي عثمان بن عفان وأعتقه . ومازال بلال يحكي لابن عمه البعيد كاسام الحبشي ما يلقى أصحاب الرسول من المستضعفين من ألوان العذاب الذي يصبه عليهم كفار مكة صباً، وكيف أن أبا بكر الصديق بادر بشراء المعذبين وأطلق سراحهم . 

قال كاسام وقد روَّعه ما سمعه من بلال : ويل هؤلاء . ويل هؤلاء . يقتلون النساء ويعذبون الإماء، أي شرف لهؤلاء !! . أي كرامة !! . كأنما تكفل صاحبك أبو بكر هذا بشراء المعذبين والمعذبات إنقاذاً من عذاب شياطين قريش .

قال بلال : أبو بكر، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف وهم من ثراة مكة أعتقوا بأموالهم المعذبين . قال كاسام : لعل صاحبك هذا لقى من أشراف مكة أذى كثيراً . قال بلال : تحرشوا به، وتطاولوا بالأيدي عليه، وقاطعوه، وسعوا في طلاق بناته . قال كاسام : وما بقاءه وبقاءكم في مكة على هذا الضيم ؟ . قال بلال : إننا يا كاسام لنحب مكة وبيت الله حباً لا يعدله شيء، وكلما نما إلى علمنا أن رسول الله يفكر لنا في مهجر نأوي إليه فارين بديننا من عسف قريش دمعت عيوننا . قال كاسام : أو يفكر لكم في مهجر ؟ . 

قال بلال : أجل في أرض الحبشة، قال لنا ذات يوم، لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه . 

قال كاسام : صدق والله صاحبكم، أيكون بادئكم بالهجرة إلى الحبشة ؟ . قال بلال : لا يا كاسام : إنه باق في مكة لأمر يريده الله . قال كاسام : وأنت ؟ . قال بلال : أنا أينما يكون حبيبي محمد رسول الله أكن، لا أفارقه حتى أموت يا كاسام . قال كاسام : لأشد ما تحبه ! . قال بلال : أو لا يحب المرء من هداه إلى الله، والله يا كاسام لو رأيته وجلست إليه لأحببته كما يحبه أصحابه . قال كاسام : وددت أن أذهب معك وأراه وأسمع منه، ولكن هذا يفسد ما أريد أن أعينكم عليه تحقيقاً لرغبة صاحبك . قال بلال : وما ذاك ؟ . 

قال كاسام : الهجرة إلى الحبشة، لو ذهبت إليه لأسرع بعض أشراف مكة بالدس لي عند النجاشي وأنا من حراسه، وإن بعض تجار مكة ليأتون إلي بلادنا ومعهم الهدايا للنجاشي والبطارقة فلو قالوا له إنني أعاون أصحاب رجل على غير دين النصارى للهجرة إلى الحبشة، لظن أنكم تريدون إحداث فتنة في بلاده، خاصة وبعض الأحباش يتربصون به . قال بلال : أخي كاسام أتعرف الفتى الذي دلك على داري ؟ . إنه جعفر بن أبى طالب ابن عم الرسول، فلو جالسته، وتدارست معه الأمر ونقلنا ذلك كله إلى رسول الله لكان في هذا الخير كل الخير .

صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة .. هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تعليقات

التنقل السريع
    close