القائمة الرئيسية

الصفحات

سيرة النبي الأعظم محمد صلي الله عليه سلم الحلقتان 29 والتكلمه ( الحلقة/ 29 ) مصير الكعبة بين سادات قريش !!



سيرة النبي الأعظم

محمد صلي الله عليه سلم

 الحلقتان 29 والتكلمه 

( الحلقة/ 29 ) مصير الكعبة بين سادات قريش !! 

قال عتبة : يا معشر قريش إن أبا طالب يغرر بكم، ويجلب عليكم سخط ربكم، فما يرضى الله عن الظلم ساعة . ويبرز الشيطان الجالس في صورة شيخ نجدي ويقول : أي وحق قريش، أي وحق هبل وإساف ونائلة أجل هذا ظلم . فاستنكر وجوده أبو طالب ولم يعرفه فقال له : ومَنْ الرجل ؟ . قال الشيطان : أنا شيخ من نجد . قال أبو طالب : ما علاقتك بهذا أيها الشيخ ؟ . قال الشيطان : إننا في نجد لنوقر بيتكم هذا مثلما توقرونه، وتقع مهابة قريش في نفوسنا لحمايتها الكعبة، وقيامها عليها، وكل كبير وصغير في نجد لا يداخل نفسه الشك من عدلكم وقولكم السديد، فأنتم على رأس العرب، ولكني أراك أيها الشيخ وأنت منهم، أراك تجلب سخط رب البيت على قومك .

ويثور أبو طالب ثم يتمالك نفسه ويقول له في غضب : ويحك أيها الرجل، لقد قلت زوراً والله، أحامي البيت يسخط ربه . ولا يرضى الوليد بن المغيرة لأبى طالب أن يُهاجم بمثل هذا، ينبري للشيطان قائلاً : أي سخط هذا الذي نقع فيه بهدمنا بناءً تهرأ وما أردنا إلا أن نعيده صلباً متيناً . ويلتفت الوليد إلى هذا الركن الذي يجلس فيه سادات بني عبد الدار ويوجه الكلام لكبيرهم : مالي أراكم تدفعون من يتكلم عنكم ؟، أسمعنا ـ يا قيس بن زيد ـ ما تخفيه في نفسك . فقام قيس بن زيد وقال : يا أبا الوليد لا يروق كلامنا لبني هاشم، فقد استبانت لنا سرائرهم، يريدون هدم الكعبة ويسهموا في إعادة البناء ليسلبونا حقاً من حقوقنا ـ الحجابة ـ فتجمع بنو هاشم بين السقاية والرفادة والحجابة .

ويغضب أبو طالب لظنهم به ذلك ويقول : وإني أقول يا قيس بن زيد وعلى ملأ من قريش حتى تطيب نفوسكم يا بني عبد الدار . الحجابة لكم حتى آخر الدهر لن ننازعكم فيها . قال الوليد : نعِم ما فعلت يا أبا طالب، وخير ما قلت . يا معشر قريش فلنشرع في هدم الكعبة، لنعيد بناءها .

ويخرج أمية بن خلف عن صمته، ويثير أمرًا، يدخل في نفوس المجتمعين الريب والخوف : يا أبا الوليد ليس قبل أن نطمئن على رضا الآلهة عما سنفعل، فهل قربتم القرابين لهبل ومناة وإساف ونائلة . ويجيبه ( أبو أمية بن المغيرة ) وكان أسنهم : لقد قربنا إليها يا ابن خلف، ولم نأت هنا إلا بعد أن اطمأنت قلوبنا .

فقال أمية بن خلف : وهل سألتم ربة الأرباب . قال أبو أمية بن المغيرة : ويحك يا ابن خلف لا نعرف للأرباب ربة . قال أمية : حية الكعبة . قال أبو أمية بن المغيرة في غضب : أتدخل على دين قريش ما ليس فيه، حية الكعبة ربة الأرباب ؟ . قال أمية : كبيرة الربات، سلوها فإن رضيت منها، وما أحسبها ترضى .

قال أبو أمية : عجبت يا قوم لما أسمع !! . يا أمية لِمَ لا تراها ترضى ؟ . قال أمية : ألا ترونها تصعد كل يوم من بئرها داخل الكعبة فتتشرق على الجدار تحميه . ولم يتحمل أبو طالب سماع أكثر من هذا فقال : إنما هي حية من الحيات، ألفت المكان، قد طالما تعرضتُ لها لأقتلها فما مسني الضُر . قال أمية : ولن تستطيع لو عاودت يا أبا طالب، لأنك لن تنال من ربة الأرباب، بل أنا أخشى عليك إن اقتربت إليها بسوء يمسكم منها ما لا أحبه لك . ووجه كلامه إلى الملأ من قريش فصاح أمية : يا قوم قد أخفيت عنكم إيماني بها، كما أخفى الكثيرون من أهل مكة إيمانهم بالربة، وأخشى عليكم إن ضربتم المعول للهدم أن تسقط عليكم السماء أو تصيبكم بما لا تستطيعون دفعه .

قال الوليد ساخراً : وهل في مكة من لا يعرف تلك الحية اللعينة التي تخرج من مكانها في شقوق الكعبة، ثم تتشرق على الجدار وتفح فحيحها الشيطاني، تدخل في نفوس الضعفاء أمثالك الرعب . قال أمية : لا تسبها يا أبا الوليد , فتصيبك بائقة، إنها حارسة الكعبة . قال الوليد : إن كانت هذه الحية التي زعمتم كما زعم الآخرون هي عقبتنا في الهدم، فواللات لأريحن الناس من شرها . قال أمية : قد حذرتك يا أبا الوليد . قال الوليد : وسأفعل الساعة . 

وينطلق الرجل الجسور سيد مكة , وينفض الجمع، ويعدون خلفه بخطوات سريعة ويمسك الوليد بمعول، ويعرج إلى داره، يحمل سلمه ويضعه على الجدار المتهرأ للكعبة، ويلتف الناس من حوله، منهم من يخاف عليه، ومنهم من يريده قتلها، وما إن صعد الجدار حتى أحست به الحية، فخرجت من شقوق الجدار، وصاح الناس أسفله : يا أبا الوليد دعك عنها، دعك عنها، إنها تقترب منك . 

قال الوليد : لا تراعوا لأقتلن الحية الشيطانية التي فتنت الناس في دينهم . وفتحت الحية  فاهها وكشت لما سمعت ضجيج الناس أسفل الكعبة، وخشى الناس عاقبة فعل الوليد . وقال بعضهم : إنها لا ترضى عن هدم الكعبة . واستعر الغضب بالوليد فصاح : وإني واللات لقاتلها الساعة، وفي جسارة عُرف بها سيد مكة الوليد بن المغيرة، اقترب وهو على السلم منها، والحية تزحف بفحيحها البشع على الحجارة المهترأه صاعدة هابطة . فقال أمية : يا أبا الوليد ابتعد عن الجدار وإلا قتلتك الحية . فصاح الوليد المتوثب بها : بل أنا واللات قاتلها الساعة . واقتربت المسافة بين الوليد وبين الحية الفاتحة فاهها في وجهه، والأنظار مشدوهةً مشدودةً إليهما، وتملك الحضور الرعب، وينصحه الناس بالابتعاد عنها وتركها، وبينما هما في ذلك إذ بطائر ضخم على هيئة النسر، يهوي فجأة أمام أعين المحتشدين، ويلتقت بمنقاره الكبير الحية من عنقها، وترى قريش آية أخرى في رضا الله عما عزموا، خطف النسر الضخم الحية وهي تتلوى ولا تعرف كيف تنجو منه، واختفى بها وراء جبال مكة . 

فقال حذيفة بن المغيرة : يا معشر قريش، يا معشر قريش لقد أراد الله أن يهلك الحية التي كنا نخشاها ونهابها – وقال أبو أمية بن المغيرة : ما أرى لكم يا قوم إلا أن الله قد رضي لما عزمنا – وقال الوليد : انصرفوا الساعة راشدين، وغداً نجتمع في دار الندوة لنعد لأمر الهدم والبناء عدته .

وفي دار الندوة يدور التشاور بين سادات مكة لوضع خطة البناء . وطال تفكيرهم في كيفية البناء , فليس في مكة من يحسن صنعة بناء الحجارة، وهم لا يعرفون سوى بناء الطين، والكعبة أحجار متراصة لها طريقة في البناء تعرفها الشام ومصر . احتاروا من أين لهم ببنَّاء الحجر، ثم إن بناء الحجر يحتاج إلى أخشاب طويلة غير موجودة في بلاد العرب مثل هذه الألواح الضخمة .

وتتواصل الاجتماعات الطارئة في دار الندوة عدة أيام، علهم يجدوا مخرجاً لهذا، ولما أعياهم الخوض في التفاصيل قدموا الأولويات في الطرح –  فقال أبو وهب بن عمرو خال عبد الله والد النبي : يا معشر قريش عليكم بتدبير المال اللازم للهدم والبناء قبل أن تتحدثوا عن كيفية البناء – قال الوليد : صدقت واللات يا عماه فانظر لنا كيف ندبر المال اللازم –  قال أبو وهب : يا معشر قريش لا تدخلوا في نفقات البيت مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا تجعلوا فيه شيئاً غصبتموه من غزو ولا قطعتم فيه راجماً، ولا انتهكتم فيه حرمة بينكم وبين أحد من الناس – وتجلت في هذه الصيغة التعريف الفطري للمال الحلال، قبل أن تأتي الرسالة وتُعرفه فخطت قريش ببراعة فائقة خطاً فاصلاً بين المال الحلال والمال الحرام، بين ما يصلح للكعبة وما لا يصلح، ولا يأخذ ممن تقوم تجارتهم على تأجير الجواري في البغاء، ذلك أن المجتمع القرشي شهد في بعض جوانبه هذا السلوك الشائن ـ مهر بغي ـ ولا يأخذ ممن تجارتهم بالربا . فقد كانت قريش تنفر من هؤلاء وتأبى التعاطي معهم في معاملة . والبيت أولى أن يسلم من أموال هؤلاء، وكذا لا يأخذ من المتلاعبين بالحقوق والمتحايلين على العقود لغصب الناس وسلبهم حقوقهم . صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

____________________________________________________________

تكملة ( الحلقة/ 29 ) مصير الكعبة بين سادات قريش !! 

وتيسر لهم المال . ليس الكافي، ولكنه يفي بأغلب الغرض، فلم يستكثروا من جمع المال خشية دخول المال الحرام، وآثروا القلة المباركة عن ذلك .

وتفرغ قريش من سد باب الاكتتاب لنفقات الهدم والبناء، وتعود أدراجها إلى النقطة التي أعيا النقاش فيها سادات مكة، ويقول أمية بن خلف : عجباً لكم ومن أين لكم بالأخشاب والحجارة ؟ . ومن يقوم بالبناء ؟ . ما أحسب أحداً منا اشتغل بهذه الصنعة من قبل ؟ . ما لكم سكتم !!! .

قال حذيفة بن المغيرة : لن تعوزنا الحجارة، فما أكثر الأحجار الصلدة النارية في جبال مكة – قال أمية : ومن أين لنا بالأخشاب الطويلة لربط الأحجار حين البناء ؟ - قال الوليد : لقد تيسر لنا المال نشتريها من الشام أو اليمن .

قال أبو طالب : صدقت يا أبا الوليد، نجمع من أموالنا ما نشتري به ما نريد من الشام أو من اليمن – قال أمية بن خلف : فلننتظر حتى تأتينا الأخشاب من اليمن أو من الشام، بعد عام أو عامين – قالها في سخرية – فصاح في وجهه الوليد وزجره بقوله : ويحك يا ابن خلف، ألا يرضيك شيئاً، ماذا تبغي من كلامك هذا ؟ . تثبط همة الناس ؟ . ولا يفوت أبو طالب فرصة تعنيف أمية قال له : يا أمية بن خلف أن لهذا البيت رباً هو حاميه، حماه من ( تُبع اليماني )، وحفظه من كيد (أبرهة الحبشي)، وما أحسب رب هذا البيت إلا هادينا إلى ما يصلح به أمر البناء .  

وانفض المجلس دون أن يتخذ سادة مكة قراراً حاسماً في أمر الهدم والبناء، لم يمر على هذا الاجتماع الصاخب شهر، حتى رأى الناس رجلاً في الثلاثين من عمره، يدخل مكة من جنوبها، ثيابه غير ما ألفوه من ثياب أهل الشام وأهل اليمن . على رأسه غطاء من قماش يلمع على ضوء شمس مكة الساطع، وأخذ يسأل : أين سيد هذه القرية ؟ . ويلقاه أحد المارة : وما شأنك بسيد هذه القرية ؟ . من أنت وما تريد ؟ . قال : اسمي ( باقوم ) وأنا من بلد يقال لها مصر، وقد قدمت ماشياً على قدمي من ساحل البحر حتى ها هنا، هل أنت سيد هذه القرية ؟ . قال الرجل: لا سيد مكة هو الوليد بن المغيرة – قال باقوم : فخذني إليه الساعة . 

وفي بيت الوليد بن المغيرة يروي باقوم المصرى قصته، قال : إنني يا سيد قومك من بلد يقال له مصر – قال الوليد : هاجر أم أبينا إسماعيل من مصر، فأنتم أخوالنا، وأهلاً بك في مكة، وما مجيئك إلى هنا يا باقوم ؟ . قال باقوم : إنني من أهل الإسكندرية وصناعتي البناء، وقد حدث أن أراد إمبراطور الروم أن يعاون الأحباش على إعادة بناء كنائسهم  على الطراز البيزنطي، فطلب إلي حاكم الإسكندرية أن يُعد سفينة بالرخام والخشب والحديد، وأدوات البناء لتنحدر في البحر إلى الحبشة، وجمع من أجل ذلك عدداً من عمال البناء البارعين في صنعتهم، والمشهود لهم بالكفاءة في فنهم ـ نجارين وحدادين وبنائين ومشرفين على التنفيذ ـ وكنت أنا من بين هؤلاء الذين وقع عليهم اختيار حاكم الإسكندرية للقيام بمهمة إعادة بناء كنائس الحبشة على الطريقة الرومانية . 

قال الوليد : وهل جئتنا من الحبشة يا باقوم ؟ . قال باقوم : كلا يا سيد مكة، كانت السفينة تمخر عباب البحر، وفجأة اضطربت الأمواج، وهاجت الرياح العاصفة وعبثت السفينة عبثاً ألقى الرعب في قلوبنا جميعاً، وأراد الربان أن يتقي الأمواج العالية وسط البحر , فانحرف بها نحو الشاطئ ثم أخطأ الحساب، فاندفعت السفينة تتماوج مع الريح، ثم أرتطمت بالصخور – قال الوليد : وماذا حدث للسفينة ؟ . قال باقوم : تحطمت في لحظات، وألقى البحارة والعمال أنفسهم في الماء، أملاً في النجاة، غرق الكثيرون، ولم ينج سوى أربعة رجال، من بينهم ربان السفينة . قال الوليد : وما كان على السفينة من رخام وأخشاب وحديد وأدوات للبناء ؟ . قال باقوم : ذهب كل شيء مع الأمواج عدا الأخشاب، فقد دفعها الماء على الشاطئ، فجمعناها وجعلناها أكواماً وقال الربان بعد أن استعدنا بعضاً من قوتنا الذاهبة ( ليس أمامنا إلا البقاء ها هنا، حتى تمر بنا سفينة عائدة من الحبشة تحملنا إلى مصر، أو قادمة من مصر تحملنا إلى الحبشة ). فقلت له : ( وأين لنا بالماء أيها الربان ؟ ) قال لي : ( لا أشك أننا سنجد حاجتنا منه في الآبار القريبة من الساحل، وأرى أن ينطلق واحد منا إلى أقرب القرى إلى مكاننا هذا، ويعرض على أهلها شراء ما استنقذناه من الماء ). فقلت له : ( وهل توجد قرى قريبة من مكاننا هذا، إن هذه صحراء لا حدود لها ) . فقال : ( بل إني أعلم أن شرق هذا المكان قرية يسمونها مكة، يشتغل أهلها بالتجارة مع الشام صيفاً ومع اليمن شتاءً، وأحسب أن من يذهب إليها سيجد أهلها راغبين في شراء ما على الشاطئ من أخشاب ) – قال الوليد : ووقع اختيار الربان عليك لتأتي إلى مكة ؟ . قال باقوم : بل اقترعنا بيننا نحن الأربعة فوقع السهم عليِّ – قال الوليد وقد سره ما سمع : يا باقوم إننا في حاجة إلى ما على الشاطئ من أخشاب وأشياء أخرى قد تصلح لبناء بيت الله في أرضنا، نعظمه ونكرمه فعسى ألا يغالي صاحبك في الثمن علينا – قال باقوم : إذا أسرعتم معي إلى حيث زملائي بالطعام والشراب، لم تجدوا بائعاً أكثر من صاحبي سماحة وكرماً - قال الوليد : قلت لي إنك من عمال البناء ؟ . قال باقوم : من أمهرهم يا سيد مكة – قال الوليد : فهل تعاوننا إذا اشتريت أخشاب صاحبك في إعادة بناء كعبتنا ؟ . قال باقوم : لك ذلك إن أجزلتم لي العطاء – قال الوليد : وإنا لفاعلون، تعال معي لأريك كعبتنا – قال باقوم : ليس قبل أن نسرع إلى الشاطئ بالطعام والشراب إلى أصحابي .. .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى


تعليقات

التنقل السريع
    close