أعلان الهيدر

2021/10/07

الرئيسية ملاك فى قبضة الشياطين الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون والسادس والعشرون والاخير

ملاك فى قبضة الشياطين الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون والسادس والعشرون والاخير



🌷  ملاك فى قبضة الشياطين🌷

  الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون والسادس والعشرون والاخير

🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺

رفع خالد جسده بصعوبة عن الفراش ..

صفى ذهنه خلال ثوان فهب واقفا على قدميه وهو يقول برعب

- زينة .

بحث عن هاتفه ووجده فى جيب سترته التي كانت ملقاة على المقعد، كانت يده ترتجف وهو يبحث عن الرقم الذي يريده ولكن كل الأرقام التي أراد الوصول الى أصحابها لم يجيبه منهم أحد , زمجر بغضب والرعب يمسك بتلابيب قلبه ..

طلب رقما آخر وكان لأحد الرجال الذين أستعان بهم مؤخرا وسأله على الفور

- هل نفذت ما طلب منك ؟

أكد الرجل أسوأ مخاوفه

- بالطبع سيدي فعلت .

صاح به بعنف

- أين يرسو اليخت الأن ؟

- مازال فى ميناء أثينا .

لم يضيع خالد الوقت .. قطع الأتصال وطلب شركة الطيران ليحجز على أول رحلة الى أثينا وان لم يجد سوف يأخذ طائرة خاصة .. هم يريدونه هناك .. أخذوها لكي يصلوا اليه..

استقل سيارته يسابق الريح وهو يدعو الله أن يصل قبل فوات الآوان .. لأول مرة يلجأ الى الدعاء لله .. يتضرع له كي يساعده .. انسابت الدموع من عينيه وفاضت على وجهه وهو يتفادى السيارات ويضغط على دواسة البنزين أكثر وهو يتمتم

- يا رب .. أنا أستحق أي شئ يحصلي تكفير عن ذنوبي الكتيرة لكن زينة ملهاش ذنب .. هى معملتش حاجة عشان تستحق شخص زيى أو ان يحصلها حاجة بسببي .. يا رب .. يا رب ساعدني فى انى أوصل ليها قبل فوات الآوان .


*************

كانت مستلقية على وجهها ويديها ثابتتان بجوارها ..

بدأت تشعر بما حولها ولكنها ظلت مغلقة عينيها تحاول أن تستوعب ما يحدث ولتفهم سبب همدان جسدها .. كما لو كان قد تم تخديرها ..

تأوهت وهي تفتح عينيها وتحاول تحريك رأسها .. وتدريجيا بدأت تشعر بكامل جسدها .. كانت تقريبا ملقاة في منتصف فراش ما وقدماها متدليتان على الأرض ..

أين هي ؟ .. أنقلبت على ظهرها فأغشى نور مصباح الغرفة عينيها

- خالد ..

ريقها كان جافا فخرج صوتها متحشرجا فجلست بصعوبة تبتلع ريقها

- كلنا بأنتظاره حبيبتي.

أدارت زينة رأسها بحدة الى مصدر الصوت .. كانت فريدريكا تقف في زاوية الحجرة بوجهها الجميل وشعرها الأشقر مشدودا بشدة برباط خلف رأسها وكانت ترتدي سروال من الجلد الأسود يظهر نحافتها الشديدة ..

تذكرت كل شئ .. كانت مع خالد فى غرفة نومهما وأقتحم زوج تلك المرأة ومعه رجال آحرون المكان .. صعقوا خالد بصاعق كهربائي ومن ثم أخذوها ، صاحت برعب

- أنا فين ؟

ابتسمت لها قائلة

- أنت في نفس المكان الذي سبق وان هربتى منه من قبل .

أدارت زينة عينيها فى المكان بعدم تصديق .. اليخت مرة أخرى ؟.. وليس هذا فقط .. أنها نفس الغرفة التي قتلت فيها الرجل الذي حاول الأعتداء عليها.

قفزت عن الفراش واسرعت الى الباب وهي تردد بعصبية أقرب الى الهيستريا

- أنا مش هقعد هنا .. ليه ياربى يحصلي كل ده ؟

حاولت فتح الباب ولكنه كان موصدا وقالت فريدريكا ببرود

- لقد تعلمنا من خطأنا السابق .. وسوف تجدين الحواجز أمامك على طول الطريق.

استدارت زينة اليها قائلة بعنف

- انتوا عايزين مني ايه ؟

- نحن لا نريد منك أنتى شيئا .. صديقك .. عذرا .. أقصد زوجك هو من نريد .

ثم تأملتها بفضول وتابعت

- وكما هو واضح أنتى الطعم الذي سيجعله يأتي خاضعا ورغما عنه سينفذ ما نريده منه .

راحت فريدريكا تتقدم منها وعيناها تتفحص جسد زينة بطريقة جعلتها ترتعد وتشعر بالحاجة لستر جسدها ..

حمدت الله أنها مازالت ترتدي الثوب الأبيض الذي أصر خالد عليها أن ترتديه تعويضا عن ثوب الزفاف الذي لم يستمتع بخلعه عنها بنفسه كما قال ولم يكن قد حدث بينهما الكثير عندما أقتحم الرجال عليهما غرفة نومهما .

- أتعجب حقا لمدى تأثيرك عليه .. كيف أستطاعت فتاة مثلك اغواء ابليس .

مدت يدها الى شعرها المشعث

- تبدين عادية جدا .. جسدك صبياني نحيف وهو كان يفضل دائما الأجساد الممتلئة في المناطق المعينة.

ابتسمت بشهوانية شيطانية وتابعت

- أنتى تناسبيني تمام .

أتسعت عينا زينة وجحظتا بشدة وتراجعت الى الخلف وجسدها يرتعد

- أنتى .. أنتى .. اوعى تحاولى تقربي مني .

تحول جمال المرأة في عينا زينة الى وجها شيطانيا مثيرا للرعب والأشمئزاز ..

ضحكت برقة وعيناها تلمعان بتسلية

- أنتى مثل العصفور الصغير سأكون سعيدة باللعب معك .. نتسلى حتى ظهور رجلنا الوسيم .

ألتصق لسان زينة بحلقها وهي لا تصدق ما هي فيه وما تتعرض له من بشاعة من كانت تظنهم بشرا .. لا يمكن أن يكونوا بشرا ولا حيوانات كذلك ..

فتح الباب من الخارج واصدم بالجدار بعنف ..

وقف خالد بالباب ووجهه يعصف من شدة الغضب ورأى المشهد أمامه وحلله فى لحظة .. جسد زينة المنكمش والرعب والقرف يرتسمان على وجهها وفريدريكا التى وقفت قريبة منها ونظرة صياد منفرة على وجهها فصاح بها بغضب

- أبعدي إيديك القذرة عنها .

ضحكت فريدريكا ساخرة

- لا تكن طماعا هكذا .. دعنا نتشاركها معا فهي تبدو شهية جدا .

وبقصد استفزازه تقدمت من زينة أكثر ولكنها لم تدرك انها بذلك كانت تخرج أسوأ ما فيه .

أمسك برقبتها وجرها اليه فجحظت عيناها وهي تنظر الى الباب فقال بشراسة ..

- محدش هينجدك مني وزى ما كنتم مستعدين ليا انا كمان كنت مستعدلكم .. ثم أدارها بين ذراعيه وقبل أن تنطق بكلمة كان قد لوى رقبتها واستمعت زينة الى صوت كسرها فصرخت برعب ..

تركها خالد لتسقط على الأرض جثة هامدة في نفس المكان الذي سقطت فيه جثة الرجل الآخر .

نظر خالد الى زينة المصدومة وقال

- زينة .. مفيش وقت قدامنا .. اليخت هينفجر فى أي لحظة حبيبتي يلا بنا .

لاحظت أنه كان يحمل عند دخوله سترة نجاة أسقطها على الأرض .. فتناولها واقترب من زينة وأمرها أن ترتديها بسرعة ..

قالت وهي مازالت في حالة ذهول

- أنت قتلتها .

- كانت هتقتلنا احنا الاتنين لو مكونتش عملت كده .

أنهى قفل السترة وسحبها الى خارج الغرفة فسألته

- مين اللى هيفجر اليخت .

- أنا .. كنت أعلم أنهم لما يعرفوا انشقاقي عنهم هيسعوا للخلاص مني او اجباري على الرجوع فاسبقتهم انا للتخلص منهم ومن شرهم .. الحمدالله أني وصلتلك بسرعة .

أنفجار ضخم وقع فى جزء ما من اليخت جعل جسديهما يندفعان ويسقطان على الأرض وتدحرجت زينة بعيدا عن خالد الذي وقف بسرعة واسرع اليها يحملها على كتفه ويعدو بها الى سطح اليخت وكانت النيران تنتشر بسرعة به ..

صوت انفجار آخر كان أقرب اليهما وشعرت زينة بجسدها يرتفع عن كتف خالد ويطير من فوق حاجز اليخت فى الهواء .. لقد ألقى بها خالد وآخر شئ رأته وهي تهوي الى الماء جسد خالد والنيران تبتلعه بداخلها .. فتحت فمها لتصرخ بأسمه ولكن شئ ما طار واصطدم برأسها في نفس الوقت الذي أرتطم فيه جسدها بالماء المالح .


**************

سألتها خالتها

- لماذا رفضتى الزواج منه يا جنة ؟ .. أنتى تحبينه فلماذا رفضتيه بتلك الطريقة القاسية .

كانت قد أخبرت خالتها بما حدث بينها وبين حميد

- هو لا يعرف بحقيقة مشاعري نحوه ولن أجعله يعرف أبدا .. هو لم يكن حتى يعرفني قبل أن يراني هنا .. لم ينتبه لي من قبل أبدا .. فكيف يمكن أن أصدق أنه أحبني حقا .. لقد صدته وقلت له لا وذلك هو السبب فى طلبه الزواج مني .. لست غبيه لأصدق .

تنهدت خالتها وقالت

- أعرف أبني وأعرف مساوئه كلها ولكن أؤكد لكى أنه هذه المرة صادق .. شئ ما تغير فيه .

- سوف نرى .. الأيام سوف تثبت لنا ان كان قد تغير بالفعل أم لا .. وهل سيعود لفجره وفسوقه أم سيلتزم وينصلح حاله .

كانت من داخلها تدعو أن يكون قد تغير فعلا .. أحبته منذ سنين مراهقتها ولكنه كان مغرورا ومعتدا بنفسه لكي يلاحظ قريبته الصغيرة الغير مهمة .. كان يتألم قلبها وهي تتابع أخباره المشينة التي أمتلأت بها الصحف وسيرته السيئة لدى الناس .

- مهما كان مدى حبي له .. فأنا لن أربط حياتي بشخص سيجعلني أتجرع على يديه القهر .. لي كرامتي التي سوف أصونها مهما كان رأي قلبي فى هذا الأمر .


************

سألها والدها بحزن شديد

- هل مازلتى مصرة على الطلاق يا أروى ؟

أبتلعت ريقها وهي ترفع رأسها أمام والدها وكانا بحجرتها فى بيت ذويها

- بلى .. أنا مصرة على الطلاق .

- لقد أعتذر وقال أنه نادم على ما فعله .

- فليندم لنفسه فقط .. لم يعد يعنيني في شئ .

جادلها والدها برقة فهو مثل كل الآباء يكره أن يرى خراب بيت أبنته

- فكري في اولادك .

قالت

- لن يجوعوا ولن يشردوا .. لطالما كنت أربيهم وحدي وهو بعيدا يبحث عن ملذاته .. لن يتغير شئ فى حياتهما فوجوده مثل عدمه بالنسبة لنا .

هز والدها رأسه قائلا

- كما تشاءين .. لله الأمر من قبل ومن بعد .

أنسابت دموع أروى بعد خروج والدها .. تبكي حبها .. تبكي كبريائها .. تبكي سنين عمرها التي ضاعت بين الغش والخداع ..

ليس سهلا عليها أن تترك فراس .. فرغما عنها كانت تحبه ومازالت ولكن ان بقيت معه بعد ما أكتشفته لن تحترم نفسها بعد ذلك أبدا .. سوف تضحي بالبقية الباقية من كرامتها التي أهانها بقصد منه .. هذا غير الغيرة التي تقتلها كلما فكرت وتخيلت أنه كان ينام فى أحضان غيرها من النساء .. آه لو يشعر كل الرجال .. كيف يحترق قلب انثاه وتموت فى الثانية ألف مرة عندما ينتمي وليفها بجسده لغيرها .. لما فعل بها هذا .. قد تتحمل المرأة أحيانا غدر الرجل من أجل الحفاظ على أسرتها واستقرار أبناءها ولكنها أبدا لا تغفر ولا تسامح والجرح الذي شق صدرها بسكين غدره يظل مفتوحا لا تندمل جراحه أبدا .


************

صعد حميد الى القارب لا يعرف اذا ما كان ادم سوف يتقبل وجوده بعد ما حدث بينهما أم لا ؟

عرف من بيدرو ان أدم مازال يرسو بالقارب فى مونت كارلو وانه رفض العودة الى اسبانيا واصر ان يتركه وحده .. وصف بيدرو حاله له بأنه صعب .. حزينا ومكتئبا ولا يتحدث كثيرا .. وقال ان زينة اختفت وان ادم لم يستطع العثور عليها .. اراد حميد ان يكون بجوار صديقه يتحدث معه ويخفف عنه همه ويساعده فى العثور عليها ..

صعق حميد عند رؤيته لآدم .. الرجل القوي المعتد بنفسه المرفوع الهامة دائما تحول الى شخص ضعيف النظرات واهن الهمه بوجه شاحب وعينان خاويتان نظر اليه وابتسم ابتسامة صغيرة ليس لها معنى وقال

- تعالى .. انت كمان باين عليك انك مش على مايرام .

سار حميد خلفه الى الداخل وهو يتمتم

- هذا صحيح .

نظر اليه آدم من خلف كتفه وقال

- فراس هنا برضه .

تسمر حميد في مكانه وشحب وجهه فتابع آدم

- زوجته سابته وهو في حالة يرثى لها .

عبس حميد وقال

- كاميليا ؟

جاءه صوت فراس حادا من الممر المؤدي الى غرف النوم قائلا

- بل اروى .

ثم ضم شفتيه بقوة و تابع وهو يتقدم اليه

- اروى ما كانت لتسمح لك بمجرد النظر اليها .

رد حميد بخفوت وهو مطرق الرأس

- اعرف

قال فراس

- وما كانت لتجعلك ترى خصلة من شعرها

- انا متاكد من ذلك .

- اروى ما كانت لتلوث شرفي مع اي رجل .

حدق حميد وآدم فيه بصمت وكانا يعرفان انه يعاني كثيرا خاصة عندما قال بلوعة

- انها مصرة على الطلاق ولن تعود الي مرة اخرى ابدا .

اقترب منه حميد بتردد يخشى ان يرفض مواساته له ولكن فراس كان بحاجة الى من يطيب خاطره وكان حميد الاكثر لينا من آدم ولا يخجل من اظهار تعاطفه ...

تعانقا بقوة وقال حميد وبحلقه غصة

- انا آسف .. سامحني يا فراس .. كنت سيئا جدا واظن انني ادفع الأن ثمن اخطائي .

تركهما آدم وحدهما ليتصافيا فاخبره حميد عن جنة

- وجدت اخيرا فتاة جيدة جدا بالنسبة لي .. واظن انني أحببتها اكثر مما كنت اتوقع .. رفضها لي آلمني بشدة اكثر بكثير مما شعرت به عندما رفضتني زينة .. زينة كانت شئ جديد تعلقت به وتعاملت معها على انها جائزة يفوز بها الافضل منا .. لقد غيرت نظرتي للنساء ولكن جنة غيرت نظرتي للحياة كلها .

- انت لا تستحقها .. كما أنا لا أستحق أروى وآدم كان اغبى من فينا .

اعتدل حميد وقال

- سوف نساعده لكي يجدها .

أغتمت عينا فراس وقال

- زينة لم تضيع حتى نبحث عنها

سأل بدهشة

- أين هي اذن ؟

- تزوجت .

- ماذا ؟!!! من؟

- تزوجت من خطيبها السابق .

صرخ حميد باستنكار

- القواد ؟

هز فراس راسه بأسف

- نعم هو .. ونحن السبب .. وجدها بعد ان تخلينا عنها جميعا وتركناها .. عاد آدم للبحث عنها وكانت قد اختفت ولما وصل اليها كانت قد تزوجته .

شعر حميد بمزيد من الغضب من نفسه وحملها الوزر الاكبر لما حدث لها وقال بكدر

- وآدم ..

لوى فراس شفتيه بمرارة

- كما ترى حاله .. يتألم ويتوجع فى صمت .. وينتظر .

- ما الذي ينتظره ؟

- ينتظر أن تعود اليه .

جاء صوت آدم يكمل ما يقوله فراس

انا وعدتها انى هفضل هنا فى انتظارها .. هى تستحق انى انتظرها باقى عمري .

وقف حميد واقترب منه ولم يتردد في معانقته كما فعل مع فراس .

- لن تنتظر طويلا للأسف .. فأنت تستحق أن تعاني وانا لا انوي ان أخفف عنك .

استدار ثلاثتهم الى مدخل حجرة الجلوس وصرخوا بصوت واحد وهم في حالة عدم تصديق

- زينة !!!

كانت تقف أعلى الدرج وقد نحفت كثيرا وكان هناك جرح فى طريقه للشفاء أعلى جبهتها .. وجهها بدا مرهقا ونظراتها كئيبة وقالت

- الاقى عندكم وظيفة ليا ؟ .. فأنا بقيت وحيدة من تانى .

🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺

***** ملاك فى قبضة الشياطين

 ***** الفصل الخامس والعشرون

----------------------------------

ها قد عادت روحه الى جسده ..

عادت زينة وعاد الأمل يزدهر فى قلبه الميت من جديد ..

كاد أن يفقد الأمل .. بل أن هناك أوقاتا مرت به كان قد فقده فعلا .. وما أبقاه حيا هى البقية الباقية من انفاسه المتمسكة بالحياة .. غريزة البقاء ..

كان فراس وحميد قد أسرعا اليها بصخب يسألون عن أحوالها ووقف آدم يحدق بها عاجزا تماما عن الحركة أو النطق واكتفى بالنظر اليها متعطشا عطش السنين لملامحها .. لم يمر الكثير عن آخر مرة رآها ولكنه أفتقدها وكأن قد مر عشرات السنين .. أفاق من جموده عندما لاحظ ان فراس وحميد قد تراجعا وأصبحا بجواره ينظران الى زينة بحذر والتي قالت بنبرة حازمة راضية

- كده أفضل .. اللى حصل قبل كده مش هيتكرر .. فى حدود هحطها ومش هأقبل ان حد بتخطاها .

ثم نظرت الى آدم

- أنا هروح معاك لاسبانيا عشان اشتغل عند والدتك زى ما كنت خططت فى الاول .

لم تكن تريده أن يقترب منها وقد شعر بذلك فألتزم مكانه وسألها والفضول ينهشه

- وجوزك ؟

كانت الكلمة ثقيلة على لسانه ولكنه أراد أن يفهم

- مات .

ساد الصمت والذهول للحظات طوال .. أبتلعت زينة ريقها بصعوبة وهي تتذكر اللحظات المرعبة التي مرت بها وكيف أنفجر اليخت ومات خالد وهو يحاول أنقاذها مضحيا بنفسه من أجلها ثم أفاقت وهي في المستشفى وظلت لثلاثة أيام فاقدة للذاكرة اثر الخبطة التي تلقتها من قائم طار من اليخت بسبب قوة الأنفجار وارتطم برأسها .. وعندما عادت لها ذاكرتها دخلت فى نوبة بكاء وانهيارا عصبيا .

رفعت وجهها الشاحب اليهم تمنع عقلها عن التفكير بما حدث وقالت بأنفعال

- انا كل عمرى 25 سنة .. وبقيت أرملة عذراء .. وإتيتمت مرتين .. وشوفت من الدنيا أبشع ما فيها ومن فيها .. فقدت براءتي بأقسى طريقة يمكن إنها تمر ببال حد .. إتلونت عينية باللون الأسود وفقدت الثقة بكل البشر ومش عايزة أنتمي لأى حد .. كلامى كده مفهوم ؟

تنهدت بتثاقل وتابعت وهي تنظر للوجوه التي تراقبها بحذر

- الشئ الوحيد اللي مازلت عاجزة عن مواجهته .. هو الخوف من إنى ابقى فى الدنيا وحيدة من غير اهل او معارف .. مش عايزة أبقى لوحدي .

دمعت عيناها رغما عنها وارتعشت شفتيها .. التظاهر بالقوة والشجاعة توقف عند هذا الحد .

أقترب منها آدم وهو يتألم لألمها .. لم يعد يفكر فى نفسه الأن وأنها قد عادت اليه وأصبحت حرة من جديد وفوق كل ذلك لم تمس .. ولكن كل ذلك أصبح فى المرتبة الثانية .. لقد مر ملاكه بالكثير من الحزن والألم وما يريده حقا هو أن يواسيها ويخفف عنها عذابها ..

مد يده اليها بحذر مخافة أن تصده ولكنها لم تفعل بل قربت رأسها من يده ووضعت وجنتها على كف يده .. أغلقت عينيها بتعب وارتجاف ... فأخذ رأسها على صدره وارتعشت أنفاسه وهو يضم جسدها الضعيف اليه بقوة ..

بكت بين ذراعيه ولم يستطع أن يمنع دموعه من مصاحبة دموعها .. بكت بنشيج مرتفع وبكى هو فى صمت .


*************

تكورت زينة فوق فراشها الصغير وهي تشعر بالراحة والأمان من جديد ولكنها لم تعد تؤمن أن الآمان دائم ... وخاصة لها ..

رفضت أقتراحهم أن تأخذ الحجرة التي كانت لجليلة لتقيم بها وأصرت أن تنام في غرفتها الصغيرة ..

كانوا يحومون حولها يرجون راحتها ولكنها صدت كل محاولاتهم حسنة النية وعاملتهم بجفاء شديد بما فيهم آدم .. لحظات ضعفها بين ذراعيه لن تعيدها مرة أخرى أبدا .

حاولت أن تنام ولكن ذكرياتها الأليمة كانت مصرة على الطفو فوق عقلها .. تحقيقات الشرطة اليونانية أرهقتها وقد كانوا قساة معها في البداية لأنها الشخص الوحيد الذي نجا من الأنفجار ولأن ذلك اليخت كان مشبوها وقد حدثت فيه حادثة وفاة من قبل فأصبح الأمر مريبا ولم يطلقوا سراحها والسماح لها بالسفر الا بعد صدور تقرير الطب الشرعي عن سبب الأنفجار وتأكدوا أن فتاة صغيرة مثلها لا يمكن أن يكون لها دخل بالتخطيط للأمر وأنها كما أدعت كانت ضيفة هي وزوجها والأنهيار الذي عانت منه جعلهم يظنون أن حزنها على وفاة زوجها هو السبب .

عادت الى مصر وكانت المأساة الأكبر هو رد فعل نبيلة على موت خالد .. اتصلت بها زينة من شقة خالد وطلبت رؤيتها دون أن تطلعها على شئ .

أنهارت نبيلة تماما ولم تصدق زينة ما وصلت اليه حالتها عند سماعها بخبر موته .. راحت تصرخ بلوعة وتبكي بحرقة عليه .

جلست زينة بجوارها على الأرض وسألتها بأشفاق

- انتى كنتى بتحبينه ؟

رفعت لها عينيها الغارقتين بالبؤس

- أكتر من روحي .. لكن هو عمره ما إهتم بيا أبدا .. ازاى هأعيش من غيره دلوقتى ؟

- هو مكنش ليكى أبدا .. عيشي عشان طفلك وربيه بطريقة كويسة عشان يكون أفضل منك ومنه .

ثم وقفت وقالت وهي تنظر حولها

- الشقة دى ليكم .. وكل حاجة سابها هى برضه ليكى ولطفلك مش هاخد منه حاجة .

وقفت نبيلة تقول بمرارة

نبيلة : ولا أنا .. أنا هربي أبني بمال حلال .

زينة : خالد ليه ميراث من والده ملوثوش أبدا بشغله .

هذا ما أخبرها به محاميه وهو يستقبلها بالمطار ولم تعرف كيف عرف بعودتها وبرقم رحلتها وهي لم تسأله ... ولأنها لم تعتبر نفسها أبدا زوجة حقيقية له قررت التنازل عن حقها لنبيلة وطفلها بعد أن يتخلصا من المال الحرام أولا وما سمعته من نبيلة أراحها فقررت أن تترك لها الأمر لتتصرف فيه وحدها .

وصل جثمان خالد أو ما تبقى منه وقامتا بدفنه سويا ودعت له زينة بالرحمة وأن يتقبل الله توبته .

طلبت زينة من المحامي أن يأتي لها بتأشيرة سفر الى اليونان ومن هناك استخدمت جواز سفرها الأسباني الى مونت كارلو لكي تقطع أي صلة لها بماضيها الى الأبد وقالت لنبيلة وهي تودعها

- أهتمي بأمي كويس .

نظرت اليها نبيلة بوجهها الذابل

- وأنتى أهتمي بنفسك يا زينة وارجعيلنا في أي وقت ومش هكون البنت الشريرة مرة تانية .

بالكاد استطاعت زينة الأبتسام لها فلم تجد لديها القدرة على مسامحتها بشكل كامل ولكنها دعت لها بالهداية .


************

- ليس عليكى أن تقومي بكل هذا العمل .

أنهت زينة تجفيف الأطباق ونظرت الى فراس المتوتر واستشفت أنه يريد أن يقول شيئا .. فطوال ثلاثة أيام لم تسمح لأحدهم بأن يتحدث اليها وكان فراس أشجعهم بعد أن أتي ووقف أمامها معرضا نفسه للأحراج

- عايز ايه ؟

- أريدك أن تشفقي على آدم .. لقد أخطأ فى حقك ولكنه تعذب ايضا وندم على تركه لكى واتهامك بتلك الطريقة .. أنه حزين ويفتقدك .. ترك أهله وعمله وبقى هنا من أجلك .

- مطلبتش منه يسيب اللى وراه ويقعد هنا عشانى .

- هو لن ينتظر حتى تطلبي منه .. سيبقى هكذا رهينا لحبك حتى تصفحي عنه .

كان فراس يتحدث بمرارة شديدة وكانت عيناه بائستان وكأنه يشعر بمثل ما يشعر به آدم .. ولأول مرة تلاحظ زينة التعب على وجهه والحزن الكامن في عينيه .. فسألته بأهتمام لم تكن تنوي أن تظهره لأحدهم

- وانت ايه اخبارك ؟ .. انتوا ليه لسة مع بعض ووصلت لإيه علاقتك بكاميليا؟ 

لم تكن زينة تعلم ما حدث فقص عليها كل شئ ولكن المرارة الشديدة لم تظهر الا عند ذكره لزوجته أروى

- أنها تريد الطلاق وهذا حقها ولكني غير قادر على منحه لها .. أنفصالها عني كأنفصال روحي عن جسدي .

ثم نظر اليها برجاء وتابع

- ماذا أفعل لترضى عني وتسامحني ؟

تنهدت زينة واغلقت عينيها تستلهم الصبر ثم قالت

- انا حقيقى مش قادرة أفهم .. الراجل مبيفكرش غير فى نفسه بس .. هى بتعاني من جرحك لكرامتها واهانتك لكبريائها ده غير أحساسها بخيانتك ليها 

- أنا نادم حقا وأريد أن أعوضها ولكنها رفضت كل سبل الصلح معها .

قالت بقسوة وهي تضغط على المنشفة بيدها

- وطبعا كبرياءك خلاك تيجى هنا تندب حظك وتبكي على حالك ..

ثم زفرت بغضب وتابعت

- ليه مجربتش إنك تهين نفسك شوية زىما أهنتها ؟.. ليه متقفش قدام الجميع وتتنازل عن كبرياءك وتقول قدامهم أنك ندمان وتستحق الجلد على عملته معاها ؟ .. خليك قريب منها .. أهتم بشئونها وشئون أولادك .. إتذلل ليها ليل نهار ومتملش لغاية ما ترضى عنك ويشفى جرح قلبها اللي اتسببت فيه بخيانتك ليها .

قال بصدق

- أنا مستعد لأفعل أكثر من ذلك .. لا أهتم لما تسمينه كرامة مادامت ستعود الي في النهاية .

ابتسمت له زينة

- طيب روحلها .. مستنى ايه .

نظر اليها بأمتنان وقال

- أريد أن أعتذر لكى يا زينة .. لقد تسببنا لكى بالكثير من الأذى رغم أن نيتنا كانت أن نحميكى ونساعدك .

هزت رأسها متفهمة وتمتمت بعد ذهابه

- اللى يشوف هموم الناس تهون عليه همومه .

تقدم منها آدم قائلا

- وطبعا أنا أكبر الهموم دى .

تفاجأت زينة من ظهوره المفاجئ ولكنها لم تندهش .. فهو لا يبتعد كثيرا عن أي مكان تتواجد فيه .. أختفى الشخص العصبي قليل الصبر وأصبح تقريبا مستأنسا يحاول أرضائها بشتى الطرق ويمد لها يد المساعدة في أي عمل تقوم به حتى أنه كان ينظف الغرف ويمسح الأرضيات بدلا منها ولم تظهر له أنها تلاحظ ما يفعله بقصد التودد لها وقد سألته مرة

- احنا هنفضل هنا لإمتى ؟ .. امتى هترجع لاسبانيا عشان أبدأ عملي مع والدتك .

أشاح بوجهه حينها ورد بأقتضاب

- أنا لسة في اجازة .

ولكنها كانت تشعر أنه يتعمد التأخير تاركا عمله ويقضي وقتا طويلا هو وحميد بمكتبه بكابينة القيادة يديران أعمالهما المتأخرة

رفضت الرد عليه فقال وهو يميل على الكاونتر الرخامي أمامها

- أنا عايز أقضي أكبر قدر من الوقت معاكى بس انتى مش بتدينى الفرصة 

لم تستطع السيطرة على أحمرار وجهها ولا على خفقان قلبها .. كانت مصرة على عدم التأثر به ولكن كلمات فراس عنه منذ قليل ورقته فى التعامل معها جعل قلبها يلين

- ولو سمحتلك .. ايه اللى هتعوزه مني ؟ .. اننا نكون اصدقاء لغاية ما تقرر موقفك مني زى ما قلتلي قبل كده ؟

- كنت غبي ومعرفتش أنتهز الفرصة اللى كانت هتخليكى ملكي .. أنا صارحتك أني مكونتش أؤمن بالحب لكن فكرتى اتغيرت دلوقتى وبقيت أؤمن بيه .. أنا أحبك بجد يا زينة وأنتى عارفة كده كويس بس انتى عايزة تعذبيني .

أغتم وجهها بحزن

- أعذبك ؟

غامت عيناها بحزن وتابعت

- أنا عمرى ما اتسببت فى عذاب حد .. معملتش كده مع اللى غدر بيا وخانني وإتسبب فى أذيتي .. فإزاى هعمل كده فيك أنت .

سألها بلهفة

- يعنى أنا مهم بالنسبالك ؟

رقت نظراتها وقالت

- أكتر أهمية مما تتخيل .

- طيب ليه سيبتينى فى قلقى وظنونى ؟ .. ليه بتصدى كل محاولاتي للتقرب منك .

- أحتاج للوقت .. انا تعبت وعايزة أفكر بصفاء ذهن ومن غير اى ضغوطات .

سأل بعصبية

- وهو أنا بضغط عليكى ؟

- وجودك بقربي بيشوش على عقلي .. فبعجز عن التفكير.

عبس بغضب وقال

- ان كنتى تقصدى أنك محتاجة الأنفصال عني لمدة تحددى فيها قرارك فده مش هيحصل .. فكرى وانتى معايا .. ولما أخدتك لأمي هيكون ده عشان تبقي معاها كضيفة لغاية ما تنتهي عدتك ونقدر نتجوز بعدها وهكون معاكى فى نفس المكان ومش هبعد عنك زى ما بتفكرى .

قالت بحنق وقد أحتد صوتها بدورها

- انت لسة مستبد ومتغيرتش .

غضبه الذي كان متواريا خلف رقته الزائفة طار في لحظة

- ظنى فيا زى ما انتى عايزة بس مش هسيبك تبعدى تانى عنى ابدا .

تهدلت اكتاف زينة بأحباط وهو يرتقي الدرجات الى السطح بخطوات غاضبة . تركت المطبخ وألقت بجسدها على أحد المقاعد الجلدية بحجرة الجلوس بتعب .

ظهر حميد أمامها آتيا من أعلى

- ماذا حدث له ؟ .. كان مروضا جيدا خلال الأيام الماضية منذ عودتك ولكنه الأن ينفث نارا وكأنه تنين خارج عن السيطرة .

أبتسمت زينة رغما عنها فأبتسم حميد لها بدوره

- أخيرا ظهرت الأبتسامة على وجهك .. لقد أفتقدناها جميعا .

تقدم وجلس على المقعد المقابل لها وقال

- وصلتني رسالة من نيكول .

عبست زينة من جديد وقالت

- سيبها فى حالها لو كنت مش بتحبها .

- مهلك قليلا .. لم أقل أنني أنوي العودة اليها .. في الحقيقة أنا تغيرت .

نظرت اليه بشك فقال مدافعا عن نفسه

- ألم تلاحظي ذلك ؟ .. لم أعد أشرب .. فهل وجدتى أي خمور على القارب منذ حضورك .. هه ؟

- لا .. فعلا ملقتش خمور .. بس ايه اخبار الستات معاك؟

رفع يديه لأعلى وقال بجدية

- لا مزيد من النساء .. كدت أفقد أقرب صديقين لي بسببهم .. ثم ان هناك واحدة فقط أصبحت أريدها بعد أن امتلكت قلبى .

أبتئست عيناه كما حدث مع فراس منذ قليل ولكن حميد لم ينتظر لكي تسأل وراح يحدثها عن جنة ويوصف لها بحنق شديد معاملتها السيئة له ولم تجد زينة قدرة على كبت ضحكتها فقال

- تضحكين ؟ .. لقد عضتني وشعرت بالإذلال .. أقسم أن الطبيب وممرضته الخبيثة عرفا سبب الجرح .. فكل سنة من أسنانها كونت غرزة .

لم تستطع زينة التوقف عن الضحك وما لبث حميد أن أنفجر ضاحكا بدوره وهنا أقتحم آدم المكان وهو عاصف الوجه ونظر الى حميد كما لو كان يود أقتلاع عينيه من محجريهما .

- وايه بقى سبب كل الضحك ده ؟

كانت الغيرة واضحة عليه فقالت زينة متجاهلة وجود آدم المرعب

- أنا حبيت جنة دى .. هى شكلها ايه ؟

رمق حميد آدم بقلق ثم أجاب

- أنها تشبهك .

رفعت زينة حاجبيها بدهشة فتابع بسرعة

- ليس في الشكل ولكن في الروح .. في التربية وفي الأعتزاز بالنفس .. أنها فتاة يصعب أغواؤها .

وقف آدم عاقد الحاجبين ونظرت اليه زينة ثم لوت شفتيها بتسلية وقالت لحميد

- حذرني آدم منك فى يوم وقال انك بتجرى ورا أي حاجة لابسة جيبة حتى لو كانت مكنسة .

نظر حميد ضاحكا الى وجه آدم الغاضب وقال

- كان معه حق .. ولكن الأن أنا لن أسعى أبدا خلف أي تنورة الا اذا كانت جنة من ترتديها.

أتسعت ابتسامة زينة فزمجر آدم بغيظ وصاح بغضب

- دلوقتى بتوزعى الأبتسامات والضحكات وتخلى التكشير ليا أنا .

نظرت اليه ثم أشارت الى حميد وقالت

- شايف ؟ .. انا مش الملاك الوحيد .. فلكل شيطان ملاك يغويه .

خرج فراس في هذه اللحظة يحمل حقيبة ملابسه فسأله حميد متعجبا

- الى أين أنت ذاهب ؟ ألم تقل أنك ستظل معنا حتى ..

قاطعه موبخا

- لدي زوجة وأطفال في حاجة لوجودي معهم .. لست مرفها مثلك .

قالت زينة بأبتسامة

- هيروح لملاكه .. مش أنا لسة قايلة الكلام ده دلوقتى ؟

وقبل أن يذهب استدار ينظر الى حميد

- وأنت مش هتروح تعمل حاجة مع جنتك اللي بهدلتك؟ .

عبس حميد ولكن عيناه كانت تضحك بتسامح وقال آدم بغضب ساخر .

- وأنا بقى هعمل ايه؟ .. مفيش نصيحة ليا انا كمان ؟

هز فراس رأسه موبخا له وهو يشير الى زينة

- لقد عادت اليك .. ما الذي تريده أكثر من ذلك لكي تفهم أنها تريدك .

أحمر وجه زينة وتجنبت النظر الى آدم الذي سلط نظراته على رأسها المنحني بتفكير.

بعد رحيل فراس فعل حميد المثل وقرر أن يلحق بجنة ويجرب حظه معها من جديد وهو أكثر اصرارا على الفوز بها .

أصبحت زينة وحدها مع آدم والوضع لا يجب أن يستمر هكذا .. أنها لا تخاف منه ولا تقلق من ضعفها تجاهه ولكن المظهر العام كان محرجا لكليهما أو لها وحدها لأنه لا يبالي .

- أنا آسف .

كانت تقف مستندة على سور القارب فأرجفها صوته واستدارت له وتابع بتوتر غريب عليه

- كنت سئ المزاج فأنا ..

ثم صمت فأنتظرت زينة بصبر ليتابع

- زينة .. أنا راجل مش صبور بطبعي ولكن على أستعداد إنى أصبر عشانك .. إحنا بقينا لوحدنا وأعرف أن الوضع مش هيريحك .. شوفت ده فى ملامح وشك بعد رحيل حميد .. هنتحرك دلوقتى .. أو نركب الطيارة لأسبانيا .. زى ما تحبى .. واول ما نوصل هنعلن خطبتنا والشهور اللى باقية من العدة هنجهز فيها لحفل الزفاف .

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت

- تعرف يا آدم أنك مطلبتش مني الجواز لغاية دلوقتى ؟

أقترب منها وابتسم لها بتملق

- أنا آسف لو كنت أعتبرت موافقتك كتحصيل حاصل .. يمكن يكون اللى قاله فراس قبل ما يمشى أستقر بقناعاتي .. لو مش عايزانى بجد طب ليه رجعتلى .. مش صح برضه ؟

ابتسمت له بحب وهي تقترب منه بدورها

- ايوة صح .. فى الاول .. كنت مستعدة إنى أتبعك لأي مكان برغم أنك مكونتش وعدتنى بأى حاجة .. ومفكرتش بعد ما بقيت حرة غير انى ارجعلك انت .. حسيت أن مش هيكون ليا وجود غير بالقرب منك .. حتى لما استسلمت لمصيري ووهبت نفسي لرجل تانى كنت عارفة ان سعادتي أنتهت الى الأبد ومبقاش لحياتي معنى بفراقي عنك .

مال عليها وهمس بمكر بالقرب من أذنها

- تعرفى يا زينة أنك لغاية دلوقتى مقولتليش أنك تحبيني ؟

أبتسمت وقد أحمر وجهها حياءا وردت بمكر

- آسفة لو كنت أعتبرت معرفتك بحبي ليك كتحصيل حاصل .. فاللى قاله فراس قبل ما يمشى استقر بقناعاتي .. فلو مش بحبك اوى وعايزاك جدا جدا مكونتش سيبت العالم ورايا ورجعت ليك .. مش صح برضه ؟

ضحك بسعادة وتألقت عيناه بشدة

- ايوة صح ..

🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺🌷🌺

***** ملاك فى قبضة الشياطين

.................

 ***** الفصل السادس والعشرون ( الأخير )

-------------------------------------------

زينة ..

كيف حالك ...

أفتقدتك كثيرا جدا ..

أخبرني حميد عن تطور علاقتك بآدم وفرحت كثيرا من أجلكما ..

أنتى فتاة طيبة وآدم جيد بطريقته الخاصة .. لطالما عاملني بأحترام لم أكن أستحقه وهذه حقيقة .. أنتى السبب في أنني كشفت روحي أمام نفسي .. كنتى مرآة رأيت فيها حقيقتي ولم يعجبني ما رأيت وشعوري تجاه ذاتي لم يكن جيدا أبدا .. أنهيت عقدي مع شركة الأزياء الفرنسية وعدت الى لبنان .. الى مزرعة والدي .. لا تتخيلي كم المعاناة التي تسببت لهم بها ولم أكن أستحق مسامحتهم لي ولا كمية دموع الفرح التي ذرفوها من أجل عودتي .. أخي جان كما أخبرتك سابقا لديه طفلان .. صبي وفتاة .. أتعلمين ماذا سمى طفلته ؟ .. نعم .. سماها نيكول لتذكرهم بي .. أرأيتى ما الذي فعلتيه من أجلي وأجل عائلتي ؟ .. أنا شاكرة لظهورك في حياتي .. انتى ملاك من نور أنار ظلام دنياي... لقد قررت أن أبقى بلبنان وأفتتح بها دار أزياء خاص بي فقد أصبح لدي من الخبرة والمال ما يؤهلني لذلك الأن .. حبي لحميد لم أتخلص منه تماما ولكني أصبحت على ثقة من أنني قادرة يوما ما على نسيانه خاصة وقد عرفت منه أنه وجد انسانة أحبها حقا وينوي الأرتباط بها وأنا أتمنى له السعادة والخير .

راسليني ان أستطعتى وان حدث يوما وزرتى لبنان أرجوكى أجعليني أراكى وسوف أرسل لكى عنواني ورقم هاتفي ومعك الأن عنوان بريدي الأليكتروني سأنتظر ردا منك .

والى لقاء قريب

نيكول

دمعت عينا زينة تأثرا برسالة نيكول .. أغلقت الهاتف ووضعته على المنضدة أمامها .. الهاتف الذي أهداه آدم لها فور وصولهما الى اسبانيا حتى يطمئن عليها أثناء وجوده بالعمل ..

اليوم الذي وصلا فيه كانت خائفة وقلقة من ردة فعل عائلته على خطبة آدم لها ورغم تأكيده المستمر بأن ليس هناك اى داعي لقلقها الا أنها لم تأخذ بكلامه الا بعد مقابلتها لأمه .. كانت سيدة وقورة جدا وتبدو صارمة .. تشبه في ذلك آدم كثيرا وبمجرد أن قدمها آدم اليها على أنها خطيبته أختفت صرامتها بقدرة قادر وعلت البشاشة محياها وأحتضنت زينة بقوة , 

دهشت زينة من ردة فعلها ففسر لها آدم الأمر قائلا بسخرية وابتسامة عريضة على شفتيه

- أعذري أمي يا زينة .. كانت فقدت الأمل في جوازى وكنت صعب اوى قدام مؤامراتها هي واخواتى البنات لما كانوا بيدبروا ليا فخ الجواز .

أبعدتها أمه عنها على بعد ذراع تتأملها وتتفحصها بسعادة

- أد ايه أنتى جميلة ورقيقة .. وباين عليكى انك صغيرة جدا كمان .

أحمر وجه زينة حياءا ونظرت الى آدم الذي قال متبرما ولكن عيناه تمزحان

- انا مش عجوز يا ماما .

وأكدت زينة كلامه بسذاجة غير مدركة لتمرير المزاح بينهما

- ايوة هو مش كبير وأنا مش صغيرة جدا وان كان ده اللى باين عليا ..

ضحك الأثنان بمرح فازداد وجهها أحمرارا .. أحتضنتها أمه اليها من جديد

- متقلقيش أنا كنت بهزر .. وصدقيني حتى وان كنتى أكبر منه في السن مش هأعترض فأنتى واضح انك بنت رائعة تدخلى القلب على طول واللى قلتيه دلوقتى يدل على صفاء نية مش بنقابله كتير الأيام دى .

عقب آدم على كلام والدته قائلا

- ماما عندها نظرة ثاقبة في البشر متخطئش أبدا ومن دلوقتى بقيتى تحت حمايتها واكيد لاحظتى أنها مسبتكيش من بين ايدها من ساعة ما شافتك .. وكان الله في عوني من دلوقتى .

أنتهى المزاح وكانت والدته متحمسة لمعرفة موعد الزفاف وبالطبع الأسئلة شملت السؤال عن عائلتها وعندما رأت شحوب وجه زينة وتعلق نظراتها اليائسة بآدم توقفت عن طرح الأسئلة وقالت بذكاء

- الظاهر ان فى حاجات صعب تتحكى فى القاعدة دى وتحتاج لشرح طويل .

هم آدم بالكلام لكن والدته نهته ووقفت تسحب زينة معها

- لا .. انا هآخذ زينة لاوضتها عشان ترتاح الأول وبعدين نبقى نقعد أنا وهي وتحكيلي كل حاجة .. وأنت يلا روح شوفلك أي حاجة مفيدة اعملها بدل التدخل بيننا .. هي من دلوقت بقت بنتي زى ما أنت أبني .

عبس آدم في وجه أمه مازحا ثم مال على وجنتها وقبلها بحب ولكن حركته أدهشتها وجعلتها تنظر الى زينة وتقول

- أبني بقى رقيق وده عجيب .. بالتأكيد ده من تأثيرك عليه .. متقلقيش يا بنتى مهما كانت مشكلتك فهي مش هتغير من مكانتك عندي أبدا .

تابع آدم رحيل زينة مع أمه وزفر براحة وابتسم لها مشجعا .

تركوها تستحم وترتاح من السفر ثم استدعتها حماتها المستقبلية لتناول الغداء معها .. 

كان منزلهم عبارة عن فيلا في حي راقي بمايوركا الأسبانية ومن بعد القارب الشراعي والفنادق الفخمة لم تندهش زينة من حجم الفيلا ولا روعة تصميمها وحاولت أن لا تشعر نفسها بأنها دون المستوى فهي بالأخير لا تهتم بالمال ولا تسعى خلفه .. فقد تركت ثروة خالد ولم يفرق معها الأمر وبالتأكيد آدم يعرف ذلك ولن ينظر اليها على أنها باحثة عن الذهب .

بعد الغداء جلستا في الشرفة الواسعة التي تطل على الحديقة والتي تضم حوض كبير للزهور .. أعجبت به زينة وتعلقت عيناها به فقالت حماتها

- هبقى أعرفك على زهوري وياريت تبقى تساعديني فى العناية بيهم فالبنتين متجوزين وكل واحدة منهم عايشة فى بلد .

بعد قليل من التردد بدأت زينة تحكي قصتها وأنصتت اليها المرأة بهدوء ولم تقاطعها الا لتستفسر عن شئ ما ... وبعد أن أنتهت زينة كان الحزن والأسى جليا على وجهها وقالت

- محستش بكم الحزن اللى انا حساه دلوقتى من يوم وفاة جوزى والد آدم الله يرحمه .

مالت على يد زينة تربت عليها برقة وقالت

- خلاص ياحبيبتى انتهى الحزن والخوف .. أنتى دلوقتى فى أمان معانا ومتخافيش من اى حاجة أبدا .

أبتسمت لها زينة بأمتنان

- شكرا ليكى .. وشكرا لأنك قبلتى بيا وأنا من غير عيلة .

أعتدلت والدة آدم ولوحت بيدها قائلة بصرامة

- ده كلام فاضى .. اليتم مش عيب وانا شوفت كتير بنات حسب ونسب وكانوا أقل من العاهرات .. لكن أنتى لازم أن تفتخري بنفسك وأبني زى ما هو واضح فخور بيكى اوى .

ومنذ تلك المكاشفة بينهما تغيرت حياة زينة وان كان بها شئ من الخشية لأن تغدر بها الدنيا من جديد .. أصبحت الأن تعرف أن لها عائلة مستقبلية ستحبها وتحميها على الدوام .


*************

لقد تعب حقا وطلعت عيناه كما يقولون ..

تلك الفتاة سوف تفقده عقله لا محالة .. تجعله يدور حول نفسه طوال الوقت ... تلاعبه وتحيره حتى فاض به الكيل .

بعد أن ترك القارب وعاد الى المغرب وجدها قد رحلت بعد أنتهاء العرس مباشرة وسأل أمه عن عنوان خالته فقالت له أمه بعدم رضى

- ألا تخجل من نفسك وأنت تعترف بجهلك بعنوان خالتك الوحيدة

هز رأسه بنفاذ صبر وقال

- آسف .. أنا حقا آسف .. آسف على أشياء كثيرة فعلتها وأشياء أكثر لم أفعلها .. فهل ستعطيني عنوان جنة أم لا ؟

- سأكتبه لك .

أخذت ورقة من مفكرتها التي تحتفظ بها قريبة منها دائما وبعد أن كتبت العنوان ناولته له .. 

تألقت ملامحه وهو يمني نفسه بقرب لقائها ولكن ما لبث أن تجهم وعقد حاجبيه قائلا بأستنكار

- ماذا ؟ .. افريقيا الوسطى ؟

- خالتك تعيش بالرباط ان كنت تريدها .. ولكن ان كنت تريد جنة فهي من ضمن بعثة أطباء بلا حدود وهي الأن بأفريقيا الوسطى .. أنتظر عودتها ان كنت غير مستعجل .. سوف تعود بعد عام ان لم يحالفها الحظ بأخذ اجازة قبل تلك المدة .

شعر حميد بالحنق الشديد ووقف لفترة لا يدري ماذا يقول ثم راح يتمتم بغيظ وهو يخرج من حجرة والدته

- أنا لن أذهب الى هناك .. لا أفهم ما الذي دفعها للسفر الى تلك البلاد ان لم تكن فتاة مجنونة .

ولكن بعد أسبوعين كان يستقل الطائرة متوجها الى جمهورية وسط افريقيا بعد أن أخذ الكثير من اللقاحات حتى شعر بأنه ذاهب الى منتجع للأوبئة .

تفاجأت جنة عند رؤيتها له في المخيم وظلت طوال دقيقتين كاملتين تنظر الى وجهه المرهق والعرق والغبار الذي يغطيه وسألته غير مصدقة

- ماذا تفعل هنا ؟

رد بغيط وقد شعر حينها بأنه يود ضربها لأنها جعلته يمر بتلك المحن على الطرق الغير صالحة للسفر والغابات التي قطعها .. هذا غير كمية الحشرات التي تعرض للدغ منها

- أقسم أنني ندمت على وجودي هنا .

توقع أن تغضب وتطلب منه الرحيل ولكنها أنفجرت في الضحك بمرح وقالت

- مرحبا بك أيها الثري المدلل في أرض الشقاء .. تعال نحن بحاجة الى الكثير من المساعدة هنا ولا نقول لا لأي يد تمتد الينا .

عرفته جنة على زملائها من أطباء وباحثين من مختلف الجنسيات .. وبعد بضعة أيام من التذمر والتعب الشديد والأرهاق بسبب الحر بدأ يتأقلم .. وما كان يخفف عنه هو وجوده بجوار جنة طوال الوقت وكانت تضغط عليه بأستمرار وتتحداه أن يستمر كان يعرف أنها تراقبه وتنتظر أن يستسلم ويرحل ولكن ما رآه أثر فيه حقا وجعله يقدر ما تقوم به جنة ورفقاؤها .. الأمراض وسوء التغذية الذي يتعرض له السكان بسبب العنف والأضطرابات السياسية .. وقد أخبره رئيس البعثة وأحد الباحثين وكان ألماني الجنسية

- حتى بعد الأنتخابات الديمقراطية التي تمت فى 2016 الا أن الوضع مازال خطيرا .. فهناك 2.3 ملايين انسان أي ما يعادل نصف السكان يعتمدون على المساعدات الأنسانية للبقاء على قيد الحياة والنظام الصحي بالكاد يعمل في ظل النقص الحاد في العاملين الصحيين المؤهلين والأمدادات الطبية .. لذلك نشكر لك وجودك بيننا .

بعد ذهاب الرجل جلست جنة في المكان الذي تركه حول طاولة الطعام الخشبية التي تتوسط المخيم وسالته

- لماذا أنت هنا ؟

رد ساخرا

- أبعد كل هذا الوقت تسألين ؟

أشاحت بوجهها بتجهم وقالت

- لا أعرف لماذا تتعب نفسك بالمجئ الى هنا وأنت تعرف رأيي بك جيدا .

- ربما أود أن أجعلك تغيرين رأيك بي وتدركين أنني جاد فيما يخصك .

عادت للنظر اليه وقالت بتجهم

- حميد .. وجودك هنا لأسبوع أو حتى شهر لا يعني أنك تغيرت .. ستكون مجرد مغامرة بالنسبة لك ... وبعد أن ترحل أشك أنك ستجرؤ على اعادتها مرة أخرى .

قال بأنفعال غاضب

- أنا لا أقول أنني سعيد بالبقاء هنا ولكني أقدر الهدف السامي الذي تسعون لتحقيقة وأتمنى أن أساهم فيه وأن السبب الوحيد لوجودي هو محاولة أقناعك بالزواج مني وأنا لم أخفي هذا عنك أو عن أي أحد آخر .. هذه هى الحقيقة .

وقفت تقول بتصميم وعناد

- أذن ابقى عام .. هو مدة بعثتي .. أثبت لي تفانيك و ..

وقف بدوره يقاطعها قائلا بغضب

- أنتى تقومين بتعجيزي .. تعرفين أن لدي عمل ينتظرني .. ومؤهلاتي لا تناسب المكان هنا .. لكنك تنتقمين مني بوضع شروط تعجيزية لسبب لا أفهمه ..

أحبك يا جنة وأطلب منك الزواج .. لدي ماضي أعترف أنه ليس مشرفا ولن أتباهى أمامك أو أمام غيرك به .. لذلك سأطلب منك للمرة الأخيرة .. هل تقبلين الزواج بي أم لا ؟

أستولى الحزن على عينيها ولكنها قالت بصورة قاطعة

- للأسف .. لن أقبل .

حتى لو كان يضع أحتمال رفضها فى الحسبان .. الا أنه صدم منه وشحب وجهه ولم يقل شيئا وفي صباح اليوم التالي كان يحمل حقائبه ويضعها في السيارة الجيب التي أستأجرها لتقله الى المدينة ومن هناك سوف يأخذ الباص لساعات حتى العاصمة ليستقل الطائرة من هناك .

لم يودعها ولم يقل لها أنه سيرحل وقد قابل رئيس البعثة في الصباح الباكر وسلمه شيك بمبلغ كبير تبرعا منه للمنظمة ووعده بأنه سيستمر بذلك فشكره الرجل بأمتنان شديد وودعه بنفسه عند السيارة وسأله

- وماذا عن دكتور جنة ؟

قال حميد بمرارة ساخرة

- يبدو أنها تفضل البقاء هنا عن البقاء معي .

ولكنه لم يتوقع أن تلحق به جنة الى المطار

- لماذا لم تخبرني أنك راحل ؟

كان مندهشا من ظهورها أمامه قبل دقائق من أقلاع الطائرة

- لم أعتقد أنك ستهتمين .

أحمر وجهها بشدة وقالت وكأنها تنتزع الكلمات أنتزاعا

- ألم تنتبه الى أنني توقفت عن أنتقادك وتوجيه السباب لك ؟

قال ساخرا

- بالطبع لاحظت ولكن أفترض أنك توقفتى عن ذلك فقط حفاظا على واجهتك الأجتماعية والثقافية أمام زملائك النبهاء .

- غبي .. مازلت مغرورا رغم محاولاتك المضحكة لأثبات العكس

فاض به الكيل وقال بحنق شديد

- أنتى الغبية والعنيدة لا أنا .. ان كنتى تريدينني فأهلا بك .. وان كنتى لا .. فدعيني أذهب في سلام .

واستدار يسير وهو يجر حقيبته خلفه والغضب والأحباط يتفاقمان بداخله

- تذهب في سلام .. أم تذهب لصديقاتك الجميلات .

صاحت من خلفه بحدة فتوقف واستدار اليها صائحا بدوره

- ومالك أنت بي .. أذهب حيث أشاء ولمن أشاء فلا تتدخلي في حياتي فقد تنازلتى عن أي حق لكى بها .

عاد يتابع طريقه ولكنه سمع خطواتها تعدو من خلفه

- حميد .. أنتظر .

توقف من جديد وقد قرر أن يعاملها بقسوة ولكن الدموع التي كانت تغرق وجهها ألجمته وجعلته عاجزا وضعيفا وهي تتابع

- لا تتركني ولا تذهب لأي أمرأة أخرى .. أنا آسفة ..

ثم تنهدت بقوة تحاول السيطرة على أنفعالها وهى تتابع

- انا حقا أحبك .. وقبل ان تحبني انت .. أنا موافقة ..أن أتزوجك .

لم يصدق أذنه للحظات ولم يصدق ان سعادته بموافقتها على الأرتباط به ستصل الى هذه الدرجة .. ترك حقيبته وأحتضنها بشدة .. أستكانت جنة بين ذراعيه وبعد دقيقة كاملة أبتعدت عنه وقد أحمر وجهها خجلا وقالت

- ستكون مدة الخطوبة عاما كاملا .

رفع يده يهم بضربها ولكنه أوقف يده بالهواء فقالت بعناد دون أن يرف لها جفنا

- هذا شرطي الوحيد ما رأيك ؟

وافق بالطبع فلا خيار آخر أمامه .


************

وقف فراس أمام الباب الخارجي لمنزل والد أروى ينتظر خروج ولديه .. فقد أعتاد خلال الأسابيع الماضية أن يأتي لزيارتهما وأخذهما كلما سمح وقت عمله لقضاء الوقت بصحبتهما .. في البداية كان يقبل دعوة حماه ليدخل وينتظرهم بالداخل وكان يقبل على أمل أن يرى أروى ولكنها كانت ترفض الخروج من حجرتها حتى يذهب .. لم يترك أحدا من العائلة والأصدقاء الا وترجاه أن يتدخل للصلح بينهما .. الى ان قرر أن يستمع الى نصيحة زينة ويتنازل عن كبرياؤه ليداوي كبرياءها وقد كرس كل وقت فراغه من أجل التودد اليها والأهتمام بطفليه .

- بابا .

رفع فراس نظراته الشاردة ونظر الى حمدان أبنه الأكبر

- نعم حبيبي .

كانوا جالسون فى أحد المطاعم يتناولون الغداء

- أنت تريد ماما أن تعود اليك .

بالطبع .. حمدان لم يعد صغيرا وأنفصالهما وأسبابه لا تخفى عليه

- لقد أخطأت في حقها ولها كل الحق لأن تغضب .

- ولكنك تحبها وتريدها أن تعود اليك .. أليس كذلك ؟

أبتسم له وقال

- نعم هذا ما أريده .. ولكنها ترفض رؤيتي أو الحديث معي .

قال نجد وهو يحاول أبتلاع الطعام المحشو به فمه

- تحدث اليها على الهاتف أو أكتب لها رسائل على الواتس آب .

نظر حميد بدهشة الى ولديه وقال

- وهل سوف تجيب ؟

قال حمدان

- حاول بابا لن تخسر شيئا .. نريد أن نعود الى منزلنا .. كما أن أمي حزينة جدا .

قال نجد بعفوية

- وتبكي بأستمرار .

تألم قلبه وكره حاله لأنه السبب في بؤسها وعندما أعاد الطفلين الى بيت جدهما وعاد هو وحيدا الى البيت أخذ بنصيحتهما وبدأ يرسل الرسائل الى أروى وأنتظر بعد أول رسالة التي كان يسأل فيها عن حالها ولم يكتشف أنه كان يحبس أنفاسه الا عندما زفر بقوة بعد أن فتحت الرسالة وقرأتها فتشجع وأرسل رسالة أخرى دون أن ينتظر الرد على الرسالة الأولى وأخبرها فيها أنه يفتقدها .. رأت الرسالة ولكنها لم ترد عليها أيضا .. بعد أسبوعين كان فراس قد أرسل مئات الرسائل دون أن يستلم ردا واحد .. أخبرها كل شئ .. ما فعله وما يشعر به .. أخبرها عن شوقه وألمه والحب الذي يكنه لها .. أخبرها عن عمله وأصدقاؤه واتضح له أنه لم يكن يحكي معها أبدا وأنه لم يعتبرها يوما سوى زوجة فرضها القدر عليه لتكون أما لأولاده وقد أخبرها ذلك أيضا .. أعترف بضعفة وجبنه وندمه .. وفى آخر رسالة أخبرها أنه مستعد ان يتذلل لها أمام العالم لترضى عنه ان كان هذا ما يرضيها لكي تغفر له وتعود اليه.. وكالعادة لم ينتظر ردا على رسالته الأخيرة .. لذلك عندما سمع صوت رنين الرسائل أمسك الهاتف بشئ من الملل ليرى من يراسله .. توقف النبض لديه للحظة ثم عاد لينبض بقوة ... ظن أن قلبه لن يتحملها وفتح الرسالة كما لو كانت لغما على وشك الأنفجار وكان فيها :

( لا عشت ولا كنت لو جعلت زوجي ووالد أبنائي يتذلل أمام الناس من أجل أي أحد أو أي شئ )

لا تكفي الدموع لتعبر عما شعر به وهو يعاود قراءة رسالتها مرارا وتكرارا .. هل هناك من هو أسمى وأكرم وأشجع من تلك المخلوقة !!.

رسالة أخرى ظهرت أمامه

( سأكون بأنتظارك غدا صباحا أنا والأولاد كي تعيدنا الى البيت )

هب فراس عن الفراش وهو يقول بانفعال

- لا والله لن أنتظر حتى الصباح .

ستبيت زوجته وأولاده تحت سقف بيته هذه الليلة .. سيذهب ولا يهم ان كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل .

لم يلاحظ أنه يرتدي بيجامة النوم سوى وهو فى الطريق ولم يفكر مجرد تفكير فى العودة لتغييرها .

طرق الباب ورن الجرس بألحاح .. أنيرت أضواء البيت بأكمله وسمع أصوات قلقة وخطوات تتحرك .. فتح حماه الباب وقال بدهشة

- فراس ؟ .. ما الذي أتى بك فى هذه الساعة ؟

قال فراس وهو ينظر الى ما خلفه حيث تقف أروى وأمها متسعة العينين من الذهول

- جئت لآخذ زوجتي وأولادي .

ألتفت والدها اليها يسألها وهو لا يفهم شيئا

- أروى ؟

أبتسمت وأطرقت برأسها

- الأولاد نائمون .

دفع فراس حماه من أمامه ودخل يقول بأصرار

- سأحملهما ولا داعي لأخذ أي شئ اليوم .. لا أريد سواكم .


************

وقف آدم ينتظرها بشوق قرب شاطئ البحر

كان زفافا أسطوريا ..

تهادت زينة بثوبها الأبيض الطويل ..

ينقصها جناحا ملاك وتكون لجحيمه هلاك ..

تهللت شمس النهار فوق خصلات شعرها ..

وانحصرت أمواج البحر خجلة من لمس طرفها ..

غارت الزهور من ورود خدودها فقبلت أن تكون مداسا لأقدامها ..

أنها الملاك الذي أستطاع أغواء الشيطان بداخله ..

أستطاع أنتزاع دنسه بطهره ..

قضى على خبثه ببراءته ..

أنها ملاكه وقد أصبح قلبه جنتها ..

أمسك يدها المرتجفة وضمها الى قلبه معلنا بعيناه وكل خلاياه أنها كل ما يريده من هذه الدنيا .. نسيا لحظة أن ألتقت عيونهما أن هناك عالم من حولهما وهمس

- بقيتى ليا .

ردت بصوت يرتجف من شدة مشاعرها

- ايوة .. بقيت ليك .


************

الختام

فوق سطح القارب حيث كان يرسو قرب شواطئ مارسيليا الفرنسية ..

جلس آدم وحميد وفراس فى دائرة وكل منهم يحمل طفلته بين ذراعيه .. العجيب أن زينة وجنة وأروى أنجبوا بالتتابع فتيات بين كل واحدة منهن شهرا تقريبا

تثاءبت أبنة آدم البالغة من العمر عشرة أشهر وكانت أكبر الفتيات وأكثرهن هدوءا , قال وهو يهدهدها بحنان

- ملاكي عايز ينام .

ابتسم فراس ثم قبل وجنة أبنته ذو التسعة أشهر بحب

- وملاكي أنا أيضا فى طريقها الى النوم كذلك .

نظر حميد الى أبنته ذو الثمانية أشهر وقال بأمل وكان العشق فى عينيه يمحي أي أثر للتبرم فى صوته

- ليت ملاكي التي تشبه أمها تنام أيضا .

أستدارت الطفلة بين ذراعيه وضربته على وجهه بكفها الصغير ثم أنفجرت ضاحكة .. كشر حميد فى وجهها ممازحا وقال

- ألم أقل لكما أنها تشبه أمها .

جاءت جنة من خلفه تسأل بحدة

- ماذا تقول ؟

أنفجر آدم وحميد بالضحك فضاقت عينا جنة عليه بتركيز أكبر فقال بسرعة يتملقها

- أنا جائع .

أنضمت زينة وأروى اليهم وقالت أروى

- الغداء جاهز هيا .

وقف فراس وناول أبنته لزوجته ثم أحاطها بذراعه وسار بها الى الداخل وهو يهمس بشئ فى اذنها جعلها تبتسم .

وقف حميد وأسرع يحتضن جنة بذراعه بدوره

- حبيبتي .. ماذا أعدتم لنا اليوم .

تقبلت جنة مداهنته لها وقالت وهي تأخذ أبنتها الضاحكة من بين ذراعيه

- تعال الى الداخل وسترى .

بقى آدم وزينة وحدهما .. وقفا وأبنتهما بينهما وقد مالت برأسها على صدر والدها وبدأت تغلق عينيها , قالت زينة بحنان

- دى نامت حبيبتي .

- تعالى ننيمها فى سريرها .

ثم مال وقبل وجنة زينة بحب شديد

- وحشتينى .. ايه رأيك نجهز رحلة لينا لوحدنا .

ابتسمت له وهزت راسها بالموافقه فضمها اليه ولحقا بالأخرين

أنها ثالث أجازة صيفية يقضوها معا على متن القارب بصحبة أصدقاؤهم ..

سارا معا الى الداخل وشعور بالراحة والهناء يحوطهما والمستقبل أصبح أكثر وضوحا عما كان عليه فى أي وقت كان .

تمت بحمد الله

اتمنى أن تكون قد نالت اعجابكم وشكرا للمتابعة 💖💖💖👋👋

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
close