رواية جميلتي الصهباء الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم الكاتبه علياء شعبان حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية جميلتي الصهباء الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم الكاتبه علياء شعبان حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
ليس علي المُحبين حرج ، إن ظلت مشاعرهم حبيسة الورقٍ .. فيجهل الطرفـان ما يخفق في صدورهما بلا ألم .. ولكن كيف وأن أصبح في العلن ؟! .. فالحُب أضعف من أن يجحد أحد أطرافه علي الآخر ، هي فقط كلمة "أُحبك" تغفـر الماضي وتبني حاضرًا مُشـــرقًا ...
------
توترت قليلًا وهي تجلس إلي المقعد المواجه له ، تنحنحت لوهلة وقد عَلت إبتسامة صفراء وجهها ، قطب ما بين حاجبيه في حيّرة واستفهام ليردف بنبرة هادئه ثابتة قائلًا :
_ فين نجوى ؟!
إقشعر جسدها هلعـًا جراء نظرته المُحدقه بها لتقول بنبرة مهزوزة يجتاحها قهقه خفيفة تائهه :
_ في الحمام وقالت ليّ هتظبط الميك أب ، فـ أنا قُلت هكلمك في موضوع ضروري قبل ما تيجي ؟
حانت منها إلتفاته إلي وجهه الذي طالعها بإستفهام وترقبٍ .. تنشقت الهواء داخلها ومن ثم أردفت بشجاعه ضارية :
_ آسر ؟ .. إنت ليه بتشتغل حرامي !!
ًاِفتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة جعلتها في حالة توتر فادح لتهتف بإستئناف :
_ قصدي يعني .. إنك كاچول وابن ناس من هيئتك .. لأ وكمان عندك بيت جميل جدًا ، ليه لجأت للمجال دا وانت مش بحاجه له كـ مُبرر يعني ؟!
مال بجذعه العلوي للأمام قليلًا ، ليستند بساعده إلي سطح الطاولة ، يرمقها بنظرة ثابتة ومازالت تلك الإبتسامة الواثقة يتشبث طيفها بثغره :
_ مين قالك أصلًا إني حرامي ؟
إنكمشت معالم وجهها في جهل تام بما أفصح عنهُ ، لتقول بإبتسامة خفيفة تتلهف لمعرفة أسبابه :
_ أمال إنت أيه ؟ .. وسرقت شنطتي بمناسبة أيه ؟
في تلك اللحظه إلتفت برأسه جهة اليمين ، يستفسر في عقل باله عن سبب تأخر ابنه خالته وكأنه يتهرب او يمتنع عن الإجابة، ذمت فداء شفتيها عبوسًا .. أمدت ذراعها ناحية وجهه وراحت تضع أناملها أسفل ذقنه لتدير وجهه إليها قائله :
_ إنت مين يا آسر ؟!
عــاد بظهره للخلف وقد إستقام في جلسته بعدما جدحها بنظرة غريبة جراء لمستها لهُ ، ليشرد بنظراته للبعيد مُتخطيًا إياه ليردف بهدوء :
_ آسر آيوب .. ابن المعلم آيوب صاحب مخبز عيش كبير .. كان راجل بيحب يتجوز كتير ، فـ كترت مسؤليته بسبب خلفته الكتير . فإتجه للسرقة هو ومجموعة من صحابه واتشهروا في البلد عندنا .. هو طبعًا كان سايبني انا وأمي الله يرحمها لوحدنا .. ولما مات بقيت انا (ابن الحرامي ) .. وصمة المُجتمع وصفني بيها وابن الحــرامي لازم ولابد يكون حرامي حتي لو مش دا طريقه .
رمقتهُ فداء بعينين جاحظتين وهي تفغر فاهها شدوهًا لتقول : يعني إنت مش حرامي ؟ ، أمال ليه سرقت شنطتي !!!
آسر بضحكة هادئه جراء صدمتها التي أضفت علي ملامحها طفولة خالصة :
_ المهم الشاب الصغير دا ، قرر يشتغل علشان يصرف علي أمـه ويجيب لها علاج جنب دراستهُ .. بس هي بعدها بفترة مـاتت وهو جمع فلوس كتير بالحلال .. أما سبب سرقتي للشنطة .. إني حاولت أهرب من وصمة المجتمع ليـا وما عرفتش فـ قررت أساعد الناس وكدا كدا اسمي حرامي ، بساعد واحدة وأرجع لها حقها .. أو واحد إتظلم وأضعف من أنه يجيب حقه .. بأستمتع بالمُخاطرة دي مش أكتر .
وضعت فـداء كفها المتكور أسفل ذقنها ، رمقتهُ بنظرة هائمة ومن ثم أردفت بصوتِ خفيض :
_ معاك مؤهل أيه ؟
آسر بقهقة خفيفة وكأنه يتذكر شيء ما :
_ أنا بقى يا ستي خريج كُلية تجاره ، إتشحتفت علشان أتخرج .. بعد أُمي مـا (ماتت) قعدت سنين نفسيتي متدمرة وبقيت بعيد سنة رابعة دي كتير ، عيدتها أربع مرات ،مش عارف أتخرج ومش قادر أخد خُطوة للمذاكرة نهائي ، أصلها تعبت معايا أوي وكان روحي فيها .
افتر ثغرها عن إبتسامة حانية ولم تخل نظراتها من معاني الحُب والحنو ناحيته لتقول بنبرة صادقة تواسيه :
_ ربنا يرحمها ، بس إنت كُنت ناوي تبلط العمر كُله في الكُلية ولا أيه ؟؟
آسر بإبتسامة هادئه : الظروف جات كدا بقى .
_ إنتِ واحدة حقيرة وشوارعية .. أنا مش فاهمه إنتِ موجوده في حياتنا ليه ؟
صرخت نجوى بنبرة باكية وهي تهرع ناحية الطاولة ، فزع آسر من رؤيتها علي هذه الحالة ليلتقطها بين ذراعيه هاتفًا بقلق :
_ نجوى ، أيه اللي حصلك ؟
صدحت نجوى بشهقة مُتقطعة ، وهي ترمق فداء بنظرات عُداونية مُتأججة بنار الغيظ :
_ الهانم اللي إنت دخلتها حياتنا ،سلطت واحده عليا وضربتني في التواليت ..مين المُقرفه دي يا آسر وجاي تقابلها بأي صفة !! .. صداقة ؟ مش عاوزينهــا .. أنا ماشيه ، جاي معايا ولا هتبقى ؟
إلتفت آسر ببصره إليها وبنبرة صارمة تابع :
_ انتِ فعلًا عملتي دا ؟
نجوى بحدة : إنت لسه بتستفسر منها ؟ ، تقدر بنفسك تسأل الست اللي كانت في التواليت .
تجنبت فداء النظـر إليه ، فيما هتف بها بنبرة جامدة أربكتها : ساكته ليه ؟ .. إنتِ فاكر علشان تهاونت معاكِ دا يديكي حق التمادي ؟ ، إنت بتعملي كدا ليه ؟ .. أيه هدفك من دا ؟
لم يتسنى لها فُرصة الرد علي إتهاماته لها ، همّت بفتح فاهها لتتحدث لتجده يضع كفه خلف ظهر (نجوى) يدفعها بخفة للسيــر أمامه دون أن يلتفت لنظراتها التي ترقرقت الدموع بهـا ...
--------
( بعد مرور أسبوعين ) ،،،
نُفخت البلالين ومن ثم أُلقيت داخل حوض السباحة بشكلِ مُبهج يتماشى مع هذا الحدث الجديد عليها ، أُضيء المكان بأنور خافتة وقد عُج المكان بالكثير من الناس وعلي رأسهم مجموعة من رجال الأعمــال الذين أتوا من كُل حدبٍ وصـوبٍ لحضور إفتتاحية الشركة (PaSsion) .. الذي ذاع صيتها قبل أن تواكب مشاريعها الأولى حتي ..
أخذت تسير بين ضيوفها بعنجهية وسعادة لا مُتناهية ، تبتسم لذاك وتتبادل أطراف الحديث مع ذاك .. وقف (قُصي) يستقبل الوفود أمام الباب الرئيسي للشركه، إلتفت يطالعها بعين الإعجاب فقد إنكبت علي العمل طيلة هذه الأسابيع تستعد لهذا اليوم كفراشة بكامل همتها فقد تحقق ما رغبت دون قيد أو شرط من أحد ،،،
إرتدت فستان من اللون النبيتي ، يصل إلي نهاية القدمين ويطول طرفه من الخلف قليلًا ومن الأعلي مُحكم بطوق ألماسي حول الرقبه دون أكمام .. قامت بلف شعرها كعكة أظهرت جمال ملامحها وبشرتها البيضاء الناصعة ..
حانت منها إلتفاته صوب الباب الرئيسي للشركه لتجده يُطالعها بتأملِ وتركيزٍ .. أشاحت بوجهها بعيدًا عنه .. فقد رأت تغيره ناحيتها وكيف يُعاملها بحُسن تصرف منه ولكنها تسد طُرق النقاش أو المُصادقة كذلك في وجهه .. فهي تبغضه حتي لو أنار بأنامله طريقها لتمر فهي لا تُقارن كبريائها بفظ مثله ، كما أنها أبعد من أن تلتفت أو تُدرك أن نظراته لهـا بداية عشق فهي للحُبِ أشد الأعداء وتري في المُحبين ضعفًا لا يليق بقوة شخصيتها ...
_ بس عنود دي طلعت ذكية ما شاء الله ، دي الحفلة ما تتكررش .. نيالك يا عم بشريكة زيّ دي .. مال وجمال وذكاء .
أنهي فايز حديثه ليجد صديقه يجدحه بنظرة باردة كاتمه ، ليهتف الآخر مستأنفًا حديثه :
_ إنت ما بتضحكش يابني ؟ .. إفرد الـ 111 اللي علي وشك دي ؟
توجه قُصي ببصره يستقبل الضيوف بإبتسامة صفراء ، ليهتف من بين أسنانه المُطبقه :
_ البت شايفه نفسها علي الأخر .. دي أصرت إن مكتبها يبقي في دور ومكتبي في دور تاني خالص ؟
وضع فايز كفه علي فمه كاتمًا ضحكته التي ظهرت جليًا في نبرته :
_ وإنت زعلان ليه ؟
صمت قُصي لوهلة .. شــرد في سؤال صديقه الآتي عن مزحة أغاظته ليرمقها بنظرة ثابتة وراح يقول :
_ مش عارف .. !
" علي إحدي الطاولات "
_ طيب إحلف بالله كدهون .. إن الإزازة اللي لونها نبيتي دي مش مُنكر يا مُنير ؟ .
زفر مُنير زفرة مُطولة ليهتف بغيظِ :
_ يا ستي قولت لك مش مُنكر .. مش مُنكر .. هو إنتِ عازماني علي الحفلة علشـان تقولي ليّ أشرب أيه ومأشربش أيه ؟
صرت فـداء علي أسنانها لتقترب منه وبنبرة صارخة تابعت :
_ في أيه يا ولا ؟ ..انت صديقي وانا لازم أوعيك ، لأن المُنكر دهون بيُذهب العقل وانت أصلًا ما عندكش منه .. فـ هيُذهب أيه مثلًا ؟! .
ومن ثم ضربت علي الطاولة بقوة لتهتز الزجاجات عليها وبنبرة صارمة تابعت :
_ إفرض تأثير البتاع دهون .. مالقاش عندك عقل ؟ .. فـ قرر يتجه لنواحي تانية .. فـ قام داخل علي طول الطريق السريع عِدل لحد ما وصل للمجاري اللي عند كُل بني آدم .. فـ أثر عليها وحصلك من بعدها تبول لا إرادي .. تبوظ ساعتها حفلة أُختي ؟
جدحها مُنير بنظرة مُستنكره ، ومن ثم رفع الكوب الزجاجي إلي فمه يرتشفه كاملًا ليردف :
_ أنا فعلًا ما عنديش عقل علشان صاحبتك.
ذم مُنير شفتيه عبوسًا فيما لانت ملامحها وهي تبتسم له بنبرة بلهاء قائله :
_ خلاص ما تزعلش يا light .. لـ الدنيا تعتم فجأه .. ما إنت عارف إن إنت الكابل اللي مشغل الليلة دي كُلها .. وبعدين سهلة يعني لو جالك تبول لا إرادي .. هرميك في البيسين وما حدش هيدرى بحاجه .. وأهو يبقى زيتنا في دقيقنا .
مُنير بنظرة غاضبة :
_ إتكلي علي الله ، شوفي بيسان بتنادي عليكِ .
فداء بنظرة تحد وقد أمدت رقبتها للأعلي قليلًا : عاوز تخلص مني ؟ ، بردو مش همشي إلا لما تقولي إيه دا ؟! .. مُنكر صح ؟
صر مُنير علي أسنانه ، ليهتف بنبرة حانقة :
_ ما أنا شارب قدامك كوبايتين أهو .. ما سكرتش ليه ؟ .. دا مشروب اسمه (مشـروب الشجاعه ) .. بيحفزك تعملي أي حاجة مُترددة فيها .
حدقت فـداء به لتقترب من أُذنه هامسة بنبرة خفيضة :
_ أي حاجة .. أي حاجة ؟!
أومأ مُنير برأسه إيجابًا ، فيما أسرعت هي دون تفكير تلتقط إحدي الزجاجات القابعة علي الطاولة ومن ثم تضعها داخل حقيبتها قائله بحسمِ :
_ خليها معايا بقى يمكن نحتاجها .. أما أروح أشوف بيسو .
إتجهت فداء صوب الطاولة التي تجلس عليها شقيقتها ، فقد تطورت حالتها بصورة سريعة ومُرضية للتخلي عن المكوث إلي ذاك المقعد المُتحرك وتبدأ في السير علي قدميها بإستخدام عكازين ، خاصةً بعد خضوعها لعدة جلسات مُكثفه منــه .. كانت بيسان تجلس إلي جوار عمتها في شرود تــام .. فـ مُنذ إنقطاع أحاديثه معها وهي تشعر بالذنب تجاهه ، فلم يُقدم لهــا سوى الخير فقط .. يتردد صدى كلماته علي مسامعها كُل ليلة .. باتت تُدرك بأن خطيبها قد رحل بالفعل .. صراخه بها أيقظ ذاك الجانب الثائر علي حالتها داخلها ، وأكثر ما يؤلمها الآن .. الفيض الواسع منه تجاه صحتها الجسدية في نظير ذلك فيض أكبر جراء تجافيه لهــا ،،،
كان يجلس إلي طاولة الرجال بصحبة جمال وسالـم ، نحت ببصرهـا إليه لتجده قد إنغمس في أحاديثهم دون أن يُعيرها إهتمامـــًا لتزفر بحنق وهنا قطع شرودها به صوت فـداء التي لثمت جبينها قائله بحُب :
_ الجميل سرحان في أيه ؟
انتبهت بيسان لشقيقتها التي جاورتها في المقعد الآخر لتقول بنبرة هادئه :
_ تقريبًا نعســت .
مُنى بهـدوء وهي تتوجه بحديثها إلي ابنها الأصغر : روح يا مراد هات لهـا قهوة .. دا إحنا لسه في أول الحفله .
مُراد وهو ينظُر صوب الباب وقد أطلق صفيرًا عاليًا بعض الشيء :
_ القمـــر نزل علي الأرض يا جدعان ؟
إلتفتن حيث أشار مُــراد ، رمقتها بيسان بلا مُبالاة .. فيما أطلقت فداء زفيرًا خاليًا من أي أنواع الأمل ، فقد دعته لحضور هذه الحفلة وبذلت قصارى جُهدها في الإعتذار منه ، والآن هو لا يُلبي دعوتها حتي ، فقد إستغنى عن هذه الصداقة والتي في أصلها ، حُب مكبوت .
علي النقيض من هذا ، جدحتها عنود بنظرة عدوانية .. ذأبت في سيرهــا حيث الباب لتقف في مجابهتها وبنبرة حــادة تابعت :
_ هانيا الرفاعي ؟ .. بتعمل أيه هنا ؟!
أطلقت هانيا قهقه خفيفة جراء حديثها مُستهنية به ، وبنبرة مُتصنعة للبراءة رددت :
_ بحضر حفلة صديقتي ؟ .. ولا إحنا مش صحاب !!!
جدحهما قُصي بنظرة ثابتة .. وضع كفيه في جيبي بنطاله يراقب هذه الشرارة النارية التي تصدر من شريكته في حين أردفت عنود بنبرة باردة :
_ هو انتِ مين أصلًا علشان تنولي شرف صداقتي !! .. إنتِ نكره يا مـاما .. نكره ؟
أنهت عنود حديثها لتدفعها بقوة ، فيما إرتدت الأخرى للخلف .. ليقترب حارسها الشخصي من عنـود وهمّ أن يضغط علي ذراعها يردعها عن الإقتـراب .. خرج قُصي من صومعة صمتهٍ بعراك يختص سيدات .. ليهرع إليهمـا ومن ثم يضغط علي كف الرجل بحركة فُجائية آلمته ليهتف بصوتِ أجشٍ :
_ عيب .. تتدخل بين الحريم .. مش كدا ولا أيه ؟ .
وما أن تلفظ بجُملته تلك حتي فاجأه بلكمة علي وجهه ، إرتد الرجل علي أثرها للخلف مُحاولًا الإتزان في وقفته ...
شهقت عنــود بفزعِ من تحوله هذا .. فيما صرخت به هانيـا بحدة :
_ إنت مجنون ؟ .. وبتدخل بصفتك أيه ؟!
قُصي وهو يجدحها بنبرة قاسية : بصفتي صاحب المكان ، يالا خُدي رجالتك وورينا جمال خطوتك .. ولو عجبتينا نبقى نجيبك تشتغلي عندنا موديلز .. يالا هنرأف بحالتك .
جحظت عيناي (هانيا) بإندهاش من طريقته الفظة معها .. أثرت عنود الصمت ترمقهـا بإبتسامة ساخرة لتنسحب هانيا من المجابهة وتعود حيث أتت .
إلتفت قُصي ببصره إليها ليباغتها بسؤال كانت تتوقعه وهو يغمز لها :
_ مين ؟ .. هـــا !!!
افتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة جاهدت في إخفائها ، ومن ثم أردفت بثبات :
_ واحدة ما عندهاش ضمير .. كُنت بشتغل في شركتها .. وكانت بتاخد تصاميمي وتنسبها لنفسها .. ولما جبت أخري قررت أنهي شغلي معاهــا .
قُصي وهو يهز رأسه بتفهم :
_ بس البت حلوة مافيش كلام !!
جدحته عنود بإستنكار وإزدراء ، تنحنح قليلًا قبل أن يرفع سبابته نافيًا :
_ بس الشكل ما يغفرش عندي .. طبعًا .
كانت فـداء تُراقب شقيقتها عن بُعد مُنذ قدوم هذه الفتاة ذات الهيئه الغير مُريحة ، أوشكت أن تشتبك مع حراستها حينما نهضت من مقعدها في ثورة وسرعان ما هدأت عندما وجدت قُصي ينوب عنهـا لتقف في مكانها ...
تهللت أسارير وجهها وبدأ قلبها في الخفقان دُفعة واحدة ، فقد رأتهُ يدلف من باب الشركه يتلفت حولهُ بحثًا عنها .. أخذت تُهندم ملابسها إستعدادًا لإستقباله .. تتنفس الهواء داخلها ثم تُخرجه ببطء .. فـ لم ترهُ مُنذ أسبوع أو أكثر ،،
هرعــت فداء إليه ، وقد ظهر علي ثغرها إبتسامة عريضة لتقول بتوتر :
_ آســـر ؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة هادئه ، ليردف بنبرة ثابتة :
_ إزيك يا فـداء ؟
فداء بتلقائية شديدة : كُنت مستنياك من بدري وفقدت الأمل .. بس حاليًا أنا كويسه جدًا .
هزّ آسر رأسه عدة إيماءات خفيفة .. تلعثمت في عباراتها قليلًا قبل ان تقوده إلي طاولة مـا وبنبرة هادئه تابعت :
_ آسر .. إنت لسه زعلان مني ؟
رمقها آسر بنظرة ثابته وبلهجة نافية أردف :
_ لو مازلت زعلان .. ما كُنتش هاجي أبدًا ، أنا دلوقتي هنا علشان نفتح صفحة جديدة ، أنا حبيت إنك موجوده في حياتي .
فداء بلهفة أردفت : بجد ؟
آسر باستئنـاف : بجد .. وحبيت أعزمك علي خطوبتي كمان ، وعلشان تصلحي علاقتك بـ نجوى .. فـ حابب تكوني معانا بُكرا وإحنا بنختار الدهب .
تسايرت السعادة عن وجهها .. وقد ذبلت إشراقة وجهها ترمقهُ بحُزنِ خفيّ ومـا أن لاحظ صمتها حتي تصنعت إبتسامة لم تصل إلي عينيها لتقول بنبرة مُتحشرجة تحتبس الدموع بها :
_ خطوبتكم ؟! .. فرحت جدًا .. مبروك .
آسر بإبتسامة خفيفة : الله يبارك فيكِ .. ها هتكوني معانا بكرا ؟
أخذت تفرك كفيها بألم داخلي ، ألهب قلبها لتردف وهي تتجنب نظراته لهـا حيث أوشكت علي البكاء :
_ مش عارفه هقدر ولا لأ .. ربنا يسهل .
أومأ آسر برأسه في خفة .. ليقف مُنتصبًا في مكانه يعلن إنتهاء حديثهمــا .. ومن ثم سـار مُغادرًا المكان .. ابتلعت فداء غصة في حلقهـا
فرغم احساس الألم الذي يعتصر قلبها إلا أنها أظهرت رباطة جأش وضحت مــدى ثباتهـا وإتساع قُدرة تحملها ..
قـامت بدفع يدها داخل حقيبتها لتلتقط هذه القنينة كرزية اللون وتبدأ في إرتشافها جُرعة بعد الأخري وهي تحسم أمرًا مــا في قرارة نفسها ...
إنشغل الجميع بالحفل ، حينمـا أعاد (يامن) إقتراحه بشأن حملة التوعية من جديد .. تذمر سالم في باديء الأمــر فهو يعرف ان ابنته مُندفعه وغير أهل بهذه الخُطوة فيما نَاصر (جمال) رأي يامن بها قائلًا :
_ انا بصراحة بوافق يامن في النقطة دي ، معاك إن فداء مُندفعه بس مش هبلة !!
سالم بتفكير أرهقه : مش عارف .. هكون قلقان عليها ؟! .. ولا هكون قلقـان علي الناس منها .. علي العموم هاخد بنصيحتكم وهتكلم معاها بخصوص الموضوع دا .
إلتفت يامن في تلك اللحظه إليها ، تجلس إلي الطاولة المُجاورة له ، ليجدها ترمقه بحُزن طفوليّ يفهمه ومـا أن لاحظت انتباهه لها حتي أخفضت بصرها بتوترِ ليتيه هو في وِجنتيها الورديتين .. ناسيًا ألمـه السابق منهـا .. فـ الآن يرى بؤرة أمل تدعوه لعالمهـا ،،،
--------
إرتشفت مـا بداخل القنينة بأكملها ، أخذت تترنح في مشيتها صوب الباب تترجل منه بعدما تمكنت من الاستيلاء علي مفاتيح سيارة صديقهـا ،،،
دلفت داخل السيارة بجسد غير مُتزنٍ .. نبشت مقدمة رأسها بأحد أظافرها لتقول بنبرة نصف واعية :
_ هي دي عربية ولا طيارة ؟! .. طيب هي بتمشي ولا بتطير !! .. أنا هحرك البتاعة المدورة دي وخلاص بقى .. وديني عند آسر عارفة المكان ولا لأ ؟!
أطلقت قهقة عالية وهي تضغط علي مقود السيارة مُنطلقة بهـا .. عَلت قهقهاتها رويدًا رويدًا لتقول بنبرة شاردة :
_ هو انا شربت مُنكر ولا أيه ؟ .. بس دا كان كركاديه !!
أخذت هلوثاتها تزداد طوال مسافة الطريق ، شعرت بثقلِ يداهم رأسهــا جراء إرتشافها للقنينة كاملة .. ومـا أن وصلت أمام بيته حتي تابعت بنبرة آمرة تُخاطب السيارة :
_ يالا أقفي هنا ! .. أقفي يا عربية ؟
في تلك اللحظه تذكرت أنها من المفترض ان تضغط علي دواسة السواقة ولكن بعد أن فات الوقت لتصطدم السيارة إلي أحد الأسوار ،،،
هــرع آسر إلي شرفة بيته يتفقد هذا الصوت العالي الذي صدح في جنبات المكانٍ ، رغم اصطدام رأسها بزجاج السيارة الأمامي إلا أنها تحاملت علي نفسها حتي ترجلت خارج السيارة ،،،،
تجمع من بالمنزل علي أثر الصوت ، منهم من يقف في فوهة البيت وآخرون في الشرفات لتقف هي فاردة ذراعيها وبنبرة واهنة أردفت وقد رفعت وجهها عاليًا ترمقهُ بحبِ :
_ آسر ؟ .. انا مش بحب نجوى دي خالـص .. بت مايعة وشبه التعلب المكار ، عارف ليه ؟!
فغرت نجوى فاهه بصدمة وحنقِ وهي تقف بجانبه في الشرفة ، قطب ما بين حاجبيه بإندهاش يشك بأمر تصرفاتها .. فيما استأنفت حديثها المُغيب عن عقلها قائله بنبرة أشبه لأنين ضعيف :
_ علشان أخدتك مني .. وأنا بحبك أكتر منها ....... !!!!
يتبع
#علياء_شعبان
الحلقه (13).. "جميلتي الصهباء " .
-----------
يتسلل الشوق بين أوتار قلوبنـا ولا يؤذينا ، كالعلقم المُــر ولكنه يداوينا ، تسأم ألم اللحظات في البعـد وتتلاشى الأوجاع مع كلمة تنادينا فـ تغمرنا حنينـا ...
-------
مـال بجذعه العُلوي للأمام قليلًا ليلتقط طرف الغطاء بأنامله ثم يبسطه علي كامل جسدهـا ، رمقها بنظرة هادئة وقد نامت علي الأريكة كالحمل الوديع تتناثر خُصلاتهـا من حولها ليقطع عليه شروده صوتها وهي تهتف بحنق :
_ ناوي تفضل تبص لهــا كدا كتير ؟!
استقام في وقفته من جديد ، ليجد نجوى تتخصر أمامه في غضب جمّ .. هوى بجسده إلي الأريكة المجاورة ، يمسح علي جبهته بطرف أصابعه في إرهاق ليقول بنبرة صارمة :
_ بطلي هبل يا نجوى ؟ .. وأحسبي كُل كلمة قبل ما تقوليها .
امتعق وجهها غيظًا لتردف بنبرة نارية ثائرة :
_ أحسب أيه ؟ .. انت خليتني أكلم أهلها علي إني صاحبتها وهتبات عندي .. كُنت تقدر تبعتها مع أي واحد من رجالتك لحد البيت ما عملتش كدا ليه ؟
إحتقن وجهه غضبًا ، ليرفع بصره إليها يجدحها بنظرة حادة أربكتها ليردف بنبرة خفيضة جأشة :
_ إنتِ مجنونة رجالة أيه ؟ ، دي واحدة مش في وعيها أسيبها مع شوية عيال شاربين ؟.. ما تتخطيش حدودك بالكلام ، إنتِ فاهمه ؟
لانت ملامحها تستعطفه لتجلس إلي جواره ومن ثم إلتقطت كفه تقول في نبرة هادئة :
_ شوفت ؟ .. حتى بتوطي صوتك خايف علي مشاعرها ؟
آسر بصوتٍ أجشٍ : أيوة خايف علي مشاعرها ، وإتفضلي علي أوضتك .. أنا دماغي مش فيّا .
نهضت في مكانهـا بحركة عصبية .. لتتجه صوب الباب وقبل أن تترجل خارجه إلتفتت من جديد تردف بحنق :
_ اللي بيحصل دلوقتي .. مالهوش غير تفسير واحد ، راجع نفسك يا آسر بيه قبل ما نبدأ مع بعض صفحة جديدة من حياتنا .
صفقت (نجوى) الباب خلفها .. عــاد بظهره للوراء قليلًا .. حانت إلتفاتة منه إليها فأخذ يتفحص معالم وجهها النائم .. فالتي أمامه الآن لا تمت لتلك العنيدة المُشاكسة بصلة .. جأش صدره همـًا ليتحدث في نفسه بنبرة متحيّرة :
_ وبعدين معاك يا آسر ؟ .. هو إحنا مش رافضين الحُب من زمان ، أيه عاوز تجيب طفل ويتقال عليه زيّ ما إتقال عليك (حرامي) ، وبعدين انت مش هتكون أب مُشرف في كُل الأحوال .. وإنت عارف إن جوازك من نجوى علشان زنها عليك وإنت حابب تحمي بنت خالتك وتفضل قدام عينك ، فوق ما تخليش قلبك ياخدك لمكان إنت مش حابه أو مش هتلاقي نفسك فيه .
نكس وجهه أرضًا يتأمل الفراغ حيث وضع رأسه بين كفيه ، يرفض التفكير بها مليًا .. فهي أحق أن تترك قلبها بين يدٍ لن تُسكت نبضاته يومــًا ، ألقى به تفكيره في نهاية المطاف بأنها كانت غائبة عن الوعي نصفيًا وأن ما ورد عنها لا يشترط أن يُعترف به ...
--------
" في صباح اليوم التالي ،،،
_ إنتِ كويسه النهاردا ؟
أردف آسر بتلك الكلمات وهو يرمقها بنظرة هادئة واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ، إبتلعت فداء ريقها بصعوبة فقد تذكرت ما قامت به بالأمس .. لتردف بنبرة مُتوترة :
_ آآ .. الحمد لله .
تنهـد آسر بعُمق ، ليستأنف حديثه بثبات :
_ نجوى كلمت أهلك علي إنها صاحبتك وقالت لهم إنك هتباتي عندها علشان حفلة خطوبتها .
شهقت فداء بصوتِ عال بعض الشيء ، لتنهض في مكانها علي الفور وبنبرة حانقة تابعت :
_ وهي جابت رقم أهلي منين ؟
آسر بثبات : عنود إتصلت وهي ردت .. مش أختك اسمها عنود بردو !!!
تلفتت فداء حولهــا تبحث عن حقيبتها وما أن وقعت عيناها عليها حتي إلتقطتها وذأبت في مشيتها صوب الباب ، قطب ما بين حاجبيه ليلحق بها هاتفًا بجمود :
_ إنتِ رايحة فين ؟
نظرت إلي يده الممدودة إليها بألم داخلي ، لتردف بنبرة باردة لا حياة بها :
_ هرجع بيتي ؟ .. في مشكلة يا آسر بيه !!!
ضيق عينيه في شرود بعصبيتهـا وعنادهـا ليردف بإبتسامة هادئة :
_ هنروح نجيب الدبل إزاي وإنتِ مش معانا ، وبعدين أنا عاوز سوء الفهم بينك إنتِ ونجوى ينتهي .. وكمان هي حابة إنك تختاري معاها الفستان لحفلة بُكرا .
فداء وهي ترمقه بنظرة باردة من فوق كتفها :
_ أختار معاها ؟ .. معلش يا آسر أعذرني مش هينفع .
عَدل آسر من وضعية سترته لتمتد يده إلي رابطة عُنقه يرتبها بثبـات .. رمقتها هي بنظرة مرتبكة فيما باغتها مُتسائلًا :
_ ما قولتليش ، أيه تعليقك علي كلام إمبارح ؟
توترت خلجات وجهها كثيرًا حيث سعت أن تواري رعبها من كلماته خلف إبتسامة باردة لتقول :
_ بصراحة مش فاكرة أي حاجة عن إمبارح ولا عاوزة أفتكر .
أومأ آسر برأسـه مُتفهمًا ومن ثم مرر رأيهُ دون نقاش حيث إمتدت ذراعه إلي ظهرها يدفعها بخفة وثبات قائلًا :
_ هتروحي معانا ومافيش كلام بعد كلامي .
فداء بنبرة مُعترضة : آسر بعد إذنك ما تفرضش عليا رأي انا مش حاباه .. يا آآآ ..
قطع حديثها المعترض ، كفه الذي إمتدت إلي فمها يمنع كلماتها الساخطة تجاه قراره ، فما كان منها إلا أن صمتت وهي تنظُر له يبتسم إليها في حنو ...
-------
جلست إلي أرضية مكتبها .. تناثرت الأوراق حولها بغير ترتيب .. غطت زاوية عينيها جميع هذه الأوراق فهي لهم بالمـرصاد ، أخذت تفرك عنقها بإرهاق فقد إنكبت علي عملهـا هذا مُنذ أربعة ساعات دون توان لتلحق عرض الأزياء الذي سيتم في دبي الشهر القــادم ...
رفعت خُصلات شعرها عاليًا وراحت تستخدم أقلام الحبر في تثبيتهم حتى أصبحت كالتي طُعنت بالسيوف في رأسهـا وأصبح الأمر مُثير للضحك .. وكذلك وضعت قلمًا آخر في فمها وهي تتحدث إلي نفسها بشرود قائلة :
_ التصميم دا ناقصه حاجه ، يا ترى ناقصه أيه؟
في تلك اللحظه هتف قُصي بنبرة ضاحكة بعد أن دلف إلي داخل المكتب في غفلة منها :
_ خير يا عنقوده ؟ .. بتكلمي نفسك !!
ذمت عنود شفتيها بإستنكارِ لتجدحه بتلك النظرة التي يعشقها رافعة حاجبها دون أن تنبس ببنت شفةٍ .. سـار بخُطواته جالسًا بجوارها إلي الأرض ومن ثم شرع في نزع الأقلام عن رأسها مُرددًا بنبرة ثابتة :
_ إنتِ عارفه علبة الأقلام اللي حطاها في راسك دي بكام ؟
عنود تهتف بحنقِ من بين أسنانها المطبقة :
_ بكام يعني ؟!
قُصي بثبات ونبرة أشبه للجد : العلبه دي بـ 30 جنية للكتابة أما شعرك الأحمريكا دا .. إشتري له بنس .. وبعدين إنتِ قاعده علي الأرض كدا لية ؟ وفين صُبحي السكرتير !!!
إشتدت حدة عينيها غيظًا لترفع أحد كتفيها أمامه بعنجهية لا مُتناهية وراحت تردف بثبات :
_ وديته لـ طاقم الأمن الخاص بالشركة وجبت بنت مكانه .
مال قُصي بوجهه إليها ومن ثم تابع بنبرة هامسة بالقرب من أذنيها :
_ ليه هـا ؟
شهقت خيفة وأصاب جسدها رعشة خفيفة أربكتها لمّا رأتهُ يقترب بجسده منها لتقول وهي مُحدقة العينين تنظُر أمامها بتوجسِ :
_ عـ ع ، علشان أنا وقت شغلي بحب أقعد علي الأرض وأتصرف بتلقائية وأحيانًا بتخذ وضعيات بتساعدني علي الإبتكار والإلهـام .. فـ لما أطلب قهوة ولا شاي ، ألاقي بنوتة هي اللي جاية فـ أفضل بتلقائيتي يعني .. إنت فاهم حاجه ؟
إبتعد قُصي بوجهه عنها قليلًا ليقول بنبرة هادئه : فهمتك .. عندك حق ، هكافأك علي التفكير دا .
عنود وهي تكز علي أسنانها غيظًا :مش عاوزة مُكافأه .. عاوزاك تخرج من هنا وتقفل الباب دا وراك ، العرض باقي عليه أقل من شهر .
أومأ قُصي برأسه إيجابًا ، مـد يده إلي كتفيها يحاوطهما بخُبث ونظرة مُتعاطفة معها ، حجظت عيناها في صدمة لتجدهُ يضغط علي كتفها حتي وقعت رأسها علي صدره وراح يقول :
_ ما تقلقيش .. انا كلمت منسقين العرض وتم الإشتراك وبعد أسبوع بالظبط هيبعتوا لنا جواب فيه اسم الخصم في المواجهة وبعدها هيكون في تصفيـات والشركة الحاصلة علي المركز الأول هتسافر أمريكـا لإستلام الجوايز وهيتم فتح فرع خاص لـ شركتها هنـاك علشان تسوق لتصاميمها .
تقهقرت بجذعها العلوي للوراء مُحاولة الابتعاد عن لمسته لتجده يضغط علي خصرها وعلامات البراءة المتصنعة تحتل خلجات وجهه وهنا أردفت بنبرة تحذيرية :
_ شيل إيدك دي لأقطعها ؟ .. قُصي ؟
قُصي متصنعًا الدهشة وهو يبعد يده عنها :
_ ها ؟ .. ايه دا ، ايه اللي جاب إيدي عند وسطك !!.. أكيد تأثرت بالجايزة .. أصلها حلوة أوي .
رمقتهُ عنود بنظرة جامدة ومن ثم أردفت بنبرة مُتسائلة : ممكن أفهم إنت كُنت جاي ليه ؟
انتصب قُصي واقفًا في مكانه ليقول في شيء من البساطة : جاي أتطمن عليكِ .. وبعدين أنا طلبت أكل ؛ علشان نتغدى سوا وتقدري تكملي شغل ، ولا مش عاوزه تاكلي معايا !!!
عنود وهي تلحقه واقفةً ، لتهتف بنبرة باردة :
_ تمام .. بس ياريت العمال ينتهوا من المطبخ وتجهيزاته علشان حرام العمال يشتروا أكل من برا .
تنحنح قُصي قليلًا .. وضع كفيه في جيبي بنطاله وبنبرة ثابتة وهو يُصلب أنظاره بها :
_ عنود ؟ .. هتفضلي زعلانة مني ؟ ، دا إحنا شركا وقريب هنبقى عيلة !!
مالت بجسدها تلتقط الأوراق عن الأرض ومـا أن سمعت كلماته حتي توقفت لتردف بنبرة مُتسائلة :
_ ونبقى عيلة ليه ؟
قُصي ببساطة شديدة : أصلي ناويت أناسب (سالم العامـــري ) .
هتفت وهي تنظُر إليه بعينين جاحظتين :
_ تناسبه في مين ؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة عابثة ليقترب منها بخُطوات وئيدة وسرعان ما أردف غامـزًا بعينيه لهـا :
_ هتجوز بنته عنـود ..تفتكري هتوافق !!!
ضغطت عنود علي عينيها بقوة ، ومن ثم أشارت بذراعها إلي باب الغرفة لتقول بنبرة مُستشيطة :
_ إتفضل علي مكتبك يا قُصي ! ، إتفضل .
كانت ماتزال مُغمضة العينين .. حين سار واقفًا بجوارها وبعدها طبع قُبلة قصيرة علي وِجنتها ليردف ببرودة المعتـاد :
_ إنتِ مكسوفه ؟ .. خلاص السكوت علامة الرضا إن شاء الله .
فتحت عينيها واسعًا تنظُر أمامها في صدمة ليتجه هو صوب الباب ثم يترجل منه بأريحية شديدة لقد آثر استخدام البرود معهـا لأنها ذات طبع حامي وعصبية مُفرطة .. إلتفتت بوجهها ناحية الباب ، أخذت تُلقى بالأقلام التي بين يديها صوب الباب المُغلق وبنبرة صارخة يُخالطها الحنق رددت :
_ حيوان .. نجوم السما أقرب لك مني يا تافه .
---------
ارتدت نجوى الخاتم حول إصبعها لتتأكد من قياسه ، تارة تنظُر للخاتم بسعادة وأخرى ناحية فداء بتشفِ .. جلست فداء إلي المقعد البلاستيكي القابع في زاوية من المحل ، تنظر للحوار الدائر بصمتِ شديدٍ ليردف آسر بثبات :
_ كويس دا يا نجوى ؟ ولا تختاري شكل تاني ؟!
نجوى بنبرة رقيقة : حلو أوي يا آسر .. ربنا يخليك ليا .. أنا بقى اللي هختار لك الدبله .
هزّ آسر رأسه بخفة ليتوجه بنظراته إلي تلك الصامته قائلًا :
_ فداء .. إنتِ جايه تقعدي ولا أيه ؟
فداء بإبتسامة لم تصل إلي عينيها :
_ هختار معاكم الفستان والبدلة .. ما تقلقش .
أنهت جملتها هذه وراحت تنظُر أرضًا وكأنها تواسي نفسها حتي لا تنهار قدرة تحملها فتفشل في إخفاء دمعاتها .. لا شك بأن داخلها قد اتقد من نيران الغيرة ولكن .. ماذا وإن أظهرت ضعفها أكثر من ذلك ؟ ، لن يتغير شيئًا .. هو لا يُحبها ولن تنل سوى خسارة نفسها ...
إنتهوا للتو من إنتقاء الدبل لتظل نجوى ترتدي خاتمها رفضًا منها بأن تنتظر حتي الغد مُعلقةً علي ذلك بأن مزاجيتها ستتغير إن لم تفرح بإرتدائه الآن ، ليتجهوا معـًا حيث الطابق العلوي الخاص بقسم الفساتين والسهرات بهذا المول .. ولجت نجوى بين التصاميم تنتقي منها مـا تشاء في سعادة غامرة ، كانت فـداء تتابع الفساتين بعينيهـا عندما هتفت نجوى بتذمر خفيف :
_ آسر إختار معايا .. أنا محتاره بجد ؟
آسر بإبتسامة خفيفة : ممكن فداء تساعدك في الإختيار .. أما أنا ما أعرفش في شغل الحريم دا .. أنهي أحسن يا فداء ؟
فداء وهي تشير بإصبعها السبابة تلقائيًا ناحية هذا الفستان الذي راقها من اللحظة الأولى لتردف :
_ دا جميل أوي !!
لوت نجوى شدقها بحنق لتقول بنبرة مُستخفة :
_ ذوقك وحش جدًا .. أنا هقيس دا .
أسرعت نجوى تلتقط أحد الفساتين ، لتتجه به إلي غرفة تبديل الملابس وأثناء سيرهـا أردفت بحدة :
_ آسر تعالى معايا علشان تقفلي سوستة الفستان ؟
جحظت عيناي فــداء في صدمة وهي تنظُر له ، همّ آسر أن يهتف رافضًا للأمر حتي هتفت فداء بغيظِ ونبرة إنتقامية :
_ عيب يا حبيبتي ، ما ينفعش يشوفك بالفستان إلا يوم الخطوبة .
رمقتهُ فداء بنظرة لائمة لم يفهمها قبل أن تستتبع خُطوات الآخرى .. أزاحت الستار لتقف أمامها بجمود فيما أردفت نجوى وهي تنزع الخاتم عن إصبعها تثير إستفزاز فداء :
_ إمسكِ الخاتم دا وحافظي عليه كويس ، أصلي خايفه عليه لـ الفص بتاعه يقع .
إندفعت فداء إليها تلتقطه منها بعُنف ومن ثم استدارت تواليها ظهرها قائلة :
_ إلبسي الفستان وأبقي نادي عليا علشـان أقفل لك السوسته .
ترجلت فداء خارج غرفة تبديل الملابس ، مشت بخُطوات باردة حتى وقفت أمامه ، مدت يدها داخل حقيبتها لتلتقط زجاجة المياة الخاصة بهـا .. أمسكت الخاتم بين طرفي أصابعها تلوح به أمام وجهه ...
قطب آسر ما بين حاجبيه في إستغراب مما تفعل ، لتلقي الخاتم في فمها وتبدأ في رشف قطرات المياة من بعده .. فغر آسر فاهه بينمـا مازالت هي ترتشف المياة حتي إنتهت ، إنتابتها شهقة خفيفة نتيجة إبتلاع هذا الخاتم ...
آسر مازال في حالة صدمة من أمره :
_ أيه اللي انتِ عملتيه دا ؟
فداء وهي تقترب منه تردف ببرود صقيعي :
_ ما تستغربش أوي كدا يا أستاذ آسر ، الخاتم دا رخصة لـ وجع قلبي دلوقتي .. اشتري لها واحد جديد .. سلام ؟
استدارت تواليه ظهرها ليهرع إليها ضاغطًا بقبضته علي ساعدها وبنبرة صارمة أردف :
_ إنتِ عايزه أيه يا فـداء ؟ .. ليه مُصره تنهي صداقتنا مع إنك سعيت إنها تكون موجوده بينّا .
تلألأت قطرات الدموع في عينيها .. مُحاولة التملص من قبضته فيما حدق الأخر بعينيها قائلًا بثبـات :
_ إنتِ ساكته ليه ؟ ، ولا مافيش أي مبرر لـ تصرفاتك دي ؟
فـداء بنبرة جامدة تتصارع ضد بكائها :
_ لأ في يا آسر .. وإنت عارف إنه في .. عارف كُل حاجه بس بتأذيني زيهم ، بتأذيني وإنت بتقولي تعالي معانا نختار الدبل ؟؟ .. كُل الكلام اللي قولته إمبــارح ما أثرش فيك أبدًا .. إنت جبل ما بتتهزش ؟؟؟
أخذت تضرب صدره بقبضتها الأخري ، ظل يستمع إلي ما تقوله في ثبات فقد أدرك هذا سابقًا ولا داعي للإندهاش مما تقوله ليجد صوتها يتردد صداهُ بهذه الجملة مُجددًا :
_ عـارف إني بحبك .. وعارف إني ما كُنتش مُغيبه وأنا بقولهـا وما رحمتنيش .. حتى لو مش بتحبني ، ما تأذنيش بوجودي في لحظة زيّ دي .
دفعته بقوتها المُنهـارة من فرط إختناقها ليُحرر قبضتها بتراخ داهم أعصابه ، هـرولت من أمامه في تلك اللحظه تُغادر المكان .. حدق بهـا في وجع وتبكيت ضمير ، حتي توارت خلف باب الخروج ولم يعُد لها أثر ليبتلع هو غصة في حلقه ، وهنا قطع عليه حبل أفكارهِ بها مجيء هذه التي وقفت أمامها تهتف بسعادة فيما اتسعت عيناه المتعبتان في صدمة وهو ينظر إلي كتفيها العاريين تتمايل أمامه ...
-------
_ يا بيسان إتغدي بقى علشان خاطري .. إنتِ ما أكلتيش حاجه النهاردا خالص .
أردفت مني بتلك الكلمات وهي تجلس بصحبة بيسان في حديقة القصرِ .. عبست الآخرى تضع كفها الصغير أسفل ذقنها وراحت تقول بطفولة فذّة :
_ مش هاكل خالص .. يامن رافض تمامًا يكلمني ومش بيرد علي فونه !! ، أنا متضايقه إنه زعلان مني يا عمتو .
ربتت مني علي ظهرها بحنو جـارف ومن ثم أردفت قائلة :
_ أكيد مشغول بالمرضى في العيادة ، إنتِ عارفه إن هو وصاحبه بيشتغلوا مع بعض فيها .
بيسان بتوجس وحُزن طفوليّ : يعني بيعالج بنات زيّ حالتي كدا ؟
لم تفهم (مُنى) سبب سؤالها وبنبرة تلقائية أردفت : أكيد .
ذمت بيسان شفتيها حُزنًا لتضيق مني عينيها تبحث في سبب حزنها هذا وسرعان ما أجفلت عيناها ورفعت حاجبيها عاليـًا لتقول :
_ إنتِ غيرانة يا بيسان ؟
نحت بيسان بوجهها إليهــا .. عضت شفتها السُفلي بتوترِ لتقول بهدوء :
_ بصراحة أنا ما بقيتش فاهمة نفسي ، كُنتوا بتقولوا عليا مجنونة أكيد .. وانا متوهمة بوجود واحد ميت .. ولوقتي يمكن بتوهم إن قلبي بيتحرك لما بشوفه ؟
مني وهي تهز رأسها نافيةً : مش بتتوهمي ، إنتِ حبيتي إهتمام يامن وحُبه ليكِ .. أنا دلوقتي بكلم بنتي عن واحد ما أعرفهوش ، واحد شوفت كُل حُب الدُنيا في نظراته ليكِ .
فتحت بيسان شفتيها وهمّت أن تتفوه بشيء مـا لتجده يدلف داخل الباب الرئيسي للقصر لتستعين بعكازيها ومن ثم تنهض واقفه تستند عليهمـا .. سعت بخُطواتها ناحيته وهي تنوي اختبار مُسامحته لهـا لتهتف بنبرة رقيقة :
_ إلحقيني يا عمتو .. مش قادرة أحرك رجلي .
ارتاع قلبه هلعــًا عليها ليهرع إليها ومن ثم يضمها إليه بخوفِ :
_ بيسان ، مالك ؟ .. مالها رجلك حبيبتي !!
افتر ثغرها عن إبتسامة عريضة وقد تلاقت أعينهمـا في تلك اللحظه لتقول بعفوية شديدة :
_ كُنت بهزر .. خوفت عليا ؟!
صر يامن علي أسنانه غيظًا ، ليحاوط خصرها جيدًا حتي تتوازن في وقفتها وبرفعة حاجب من عينيه تابع :
_ ما خوفتش ولا حاجه .. انا بس زعلت علي مجهودي في الجلسـات .
أنعقدت قسمات وجهها ترمقهُ بنظرة حزينة .. لتجدهُ يميل واضعًا أحد ذراعيه أسفل ساقيها والأخر أسفل ظهرها ثم يحملها عائدًا بها إلي مكانها من جديد ...
بيسان بنبرة ساخطة علي تصرفاته معها :
_ يامن لو سمحت خلاص بقى ، أنا أسفة صدقني !!
يامن بجدية مُصنعة وهو يضعها إلي مقعد الطاولة قائلًا : أسف دي مش بتأكل عيش .
لوت بيسان شدقها وبنبرة تائهة رددت :
_ عيش أيه دا يا عمتو ؟!
افتر ثغر مني عن إبتسامة حنونة ، بينما جلس هو إلي جوارها وبنبرة ثابتة تابع :
_ النهاردا يا أمي .. شوفت بنت .. ما شاء الله قمر .. زيّ الفرنسيات بالظبط .. بس أنا حبيبتي ماليا عيني .
انفرجت أسارير وجهها بخجلِ وأخذت تفرك كفيها من كلماته لتتساير السعادة عن وجهها وهي تستمع إلي النصف الآخر من حديثه عندما قال :
_ حبيبتي الفرنسية في عيني ، أجمل بنات الدنيا .
بيسان بحنقِ : ربنا يخليكم لبعض .
قطع حديثهم مجيء (فداء) التي رددت بنبرة هادئه علي غير عادتها :
_ السلام عليكم ..
رددوا جميعًا السلام ، لتتجه فداء إلي شقيقتها ومن ثم إحتضنتها وهي تُقبل خصلات شعرها بحنو جـارف قائلة :
_ وحشتيني يا بيسو .. أنا أسف مقصره معاكِ الأيام دول .. بحبك أوي .
شددت بيسان علي خصر شقيقتها بكلتا ذراعيها ، تسللت نبرات فداء الحزينة إليها ، فتقول بتساؤل :
_ فداء ، إنتِ كويسة .
إبتعدت فداء قليلًا عنها ومن ثم بدأت تلثم وجنتيها تارة بالجانب الأيسر وبعده الأيمن في شيء من المرح الذي لا يليق بحالتها .. لتقرر في نهاية المطاف الإتجاه إلي غرفتها ...
إتجهت صوب الدرج تلتهمه صعودًا لتسير في أروقة القصر مُنكسة الوجهِ تخطت غرفة (مراد) بخُطوتين .. لتجد نفسها تتقهقر للـوراء مجددًا حتي وجدت نفسها تطرق الباب دالفةً للداخل ،،،
ترك مراد الكتاب جانبًا ، ليردف بنبرة مرحة :
_ بلاء في أوضتي ؟ .. دا أنا أطلب قوات مُكافحة البلطجه .
رفعت فداء أحد حاجبيها بثبات وهي تتجه إلي الفراش ومن ثم هوت بجسدها عليه لتردف بإختناق :
_ عامل أيه في مذاكرتك يا مودي ؟ .. أوعي تكون مقصــر !!!
ضيق مراد عينيه بقلقِ من تجمد ملامحها ، ليتجه ناحيتها بتوجس قائلًا :
_ إنتِ هادية كدا علشان انا أندمج وتروحي راشقاني قفا .. دا أنا بقيت حافظك .
افتر ثغرها مُبتسمًا رغمًا عنها .. ومن ثم تابعت بنبرة مرحة تتناسى ما يخنقها :
_ بقولك أيه يا مـراد .. علميًا كدهون لو واحدة بلعت دبلة .. يجرا لها أيه ؟!
قطب مراد حاجبيه من غرابة سؤالهـا ليقرب مقعده جالسًا بالقرب منها :
_ هيعمل لهـا تلبك معوي ومشاكل في الإخراج وممكن صديد في المعدة وممكن تموت ، بس لو ربنا بيحبهــا هتتخلص منها علي خير .
فداء فاغرة فاهها : أموت ؟
مراد بترقب : دبلة أيه اللي بلعتيها دي ؟
فـداء وقد شعرت بوعكة في معدتها ، لتقف في مكانها وتثني جذعها العلوي قليلًا في ألم ، إقترب مراد منهــا بقلقِ لترفع ذراعها عاليًا ثم تضرب عنقة من جديد وهي تهرول صوب الباب :
_ أنفعلت فـ ضربتك بالقفا .. بيوحشني أوي أقسم بالله .. أما ألحق أروح الحمام ، مش قااااادرة .
مراد وهو يضرب كفًا بالآخر: إنتِ في أيه ولا أيه ؟ .. بتموتي وماحدش قادر عليكِ بردو .
فداء وهي تترجل خارج الغرفة : أخرس يا حيوان سمعاك .. وربنا لأتسلى على قفاك صُبح وليل بعد كدا .
------
_ غابت الشمس وراء الأصيل _
تمددت إلي الفراش وعلي جانبيها تتواجد شقيقاتها .. رفعن الثلاثة قدمًا فوق الأخرى وكذلك وضعن ذراعهن الأيمن أسفل رؤوسهـن ، يشاهدن أحد الأفلام الكرتونية لتنساب الدموع من جانب عيني فداء وهي تقول :
_ مافيش حُب حقيقي .. الكرتون دا كذب في كذب ..اقفلوا التليفزيون دا وناموا .
إلتفتت الفتاتان بوجهيهما إليها ، يرمقانهـا بدهشة لتقول عنود بترقب :
_ فداء ؟ .. إنتِ بتعيطي !!
فداء وهي تعتدل جالسة في الفراش :
_ يعني دلوقتي .. يوچين بيحب روبانزل وقرر يخلصها من قوة الشريرة وعمل كُل حاجه علشانها .. وكُل دا ما بيحصلش ، يبقى يكذبوا علينا ليه ؟؟ .. حسبي الله فيهم .
بيسان بتوجسِ : هم مين ؟؟؟
توقفت فداء عن العويل .. لتمسح عينيها ثم أنفها بمنديلًا ورقيـــًا مرددة بنفاذ صبر :
_ وانا إيش عرفني يابيسان ؟ .
عنود رافعة حاجبيها بثبات :
_ إنتِ من أمتي بتتأثري بالكلام دا .. ما طول عُمرك بتحبي الكرتون وعادي !! .. في أيه يا فداء ، الحرامي اللي إنتِ فرحانه بيه .. أكيد عمل حاجه ضايقتك ؟؟ وبعدين كُنتِ فين إمبارح وأيه حكاية خطوبة صاحبتك دي !! ، أنا عديتها إمبارح وحاولت أقنع بابا بالكلام .
همّت فداء أن تتحدث بكُل ما يعتصر قلبها ، فـ دائمًا ما تحكي لـ شقيقاتها عن كُل ما يؤلمهـا فيحتضننانهـا ويزول ألمها قليلًا ولكنها لا تود تشويه صورته أمامهمـا .. توقفت عن النطق عندما أطل والدهن من خلف الباب يردد بنبرة حانية :
_ مساء الوردات الچوري ؟ .. وحشتوني يا بنات .
إتجهت الفتيات إليه يحتضنانه في سعادة ، فقد إنغمس في عملهِ طيلة الأيام السابقة ، إلا هي بقيت جالسة في مكانهـا لا تُعينها قدماها علي النهوض ليردف سالم بهدوء :
_ أيه يا فـداء .. ما وحشتكيش ؟
فداء بنبرة حزينة لائمة : أزاي تقول كدا يا بابا؟ .. واحشني طبعًا .. بس حاسة بألم في رجلي .. بعتذر منك .
إتجه سالم ناحيتها جالســًا إلي طرف الفراش ليتابع بعد أن لثم جبينها بحنو قائلًا :
_ طيب يا ستي أنا جاي أعرض عليكِ حاجه ، ولكِ حق القبول أو الرفض .
فـداء وشقيقاتها بترقب وهتاف في آن واحد : _خير ؟
افتر ثغر سالم عن إبتسامة عريضة ليتجه ببصره إلي فداء قائلًا :
_ في حملة توعية .. حبيت أعملها للقرية اللي كُنا عايشين فيها زمان وعايش فيها عمو جمال وابنه قُصي دلوقتي .. القرية دي كتر فيها حكاية جواز البنات القاصر والموضوع مضايقني جدًا ، فـ كُنت عاوزك تروحي هناك لمدة 15 يوم بس .. وعمك جمال هيستضيفك إنتِ وطقم التوعية في بيته .. انا مُتأكد إن الحملة دي هتفرق معانا كتير !!!
فداء بنبرة حزينة : أقعد 15 يوم من غير ما أشوف إخواتي !! .. إنت عارف إني ما أقدرش .
سالم وهو يربت علي كتفها بنبرة حانية :
_ يعني هو إحنا اللي نقدر ، تغيبي عننا ساعة واحدة .. إنتِ هتروحي وتاخدي معاكِ بيسان علشان هي الكنترول .. أصل انا عارف إنك مُندفعة .. وكُل نهاية إسبوع هنيجي انا وعنود .. هـا ؟
رمقتهُ فداء بنظرة مُستسلمة .. فقد شعرت لوهلة بأنها بحاجه ماسة للهرب والإنشغال بأشياءً أُخرى .. تنهدت بقوة تهرب من الألم الذي حاصر ثنايا قلبهـا لتقول بثبات :
_ موافقه يا بـابا .. أنا فعلًا محتاجه أبعد وأغير جو .... !!!!
الحلقه (14) (15).."جميلتي الصهباء " .
--------
أعلنت الحرب على قلبها بقسوة مُنقطعة النظير ، لا عـاد يروقها الحُب وأسفها على ما فقدته كان ضرير .. ومَن منا عندما يفقد رونق روحه يبقى جميل ؟! .. كلنا وخزات وآلام لا يعلم بحالها سواهُ ، القدير ...
--------
مر يومان على قرار ترحالها بصُحبة شقيقتها وابن عمتها إلى هذه القرية .. فقد رفض يامن تركهن وأصر على أن يقود الحملة معهن ، تغير الكثير في يوميــن .. أصبح قلبها يبابـًا بعدما تعلق بقشة أمل ، فغرقا معًا ،،،
كبا غبار السيارة فجأه عندما وجد (يامن) مجموعة من الأحطاب على مدخل القـرية تسد عليهم الدخول ،تنهد يامن تنهيدًا ممدودًا بعُمقِ وهو ينظُر لهن من مرآة السيارة :
_ من أولها غباء .. إتفضلوا ، مش فاهم أنا قفلين الطريق ليه ؟
أخرجت فداء رأسها من باب السيارة تتفحص الأمر بنفسها ومن ثم عضت على شفتيها غيظـًا وراحت تقول بوجه عابس :
_ لو أعرف مين اللي عمل كدا ؟،همسكه السلك عريان وأرحم العالم من غبائه .
في تلك اللحظه صدح أصوات طلقات نارية في الأرجاء ، أخذ الصوت يعلو رويدًا رويدًا لتهتف بيسان بتلعثمٍ :
_ إنتوا سامعين ؟؟ .. دا صوت طلقــات نار !!
وضعت بيسان كفها على قلبها هلعــًا فيما قرر هو الترجل خارج السيارة ومعرفة ما يجرى لتهتف بيسان بقلقِ :
_ يامن ، إنت رايح فين ؟؟ .. ما تنزلش !
افتر ثغرهُ عن إبتسامة حانية وقد هزّ رأسها ليهدأ من روعها قائلًا بنبرة حانية :
_ ما تخافيش .
أسبل يامن أجفانهُ وقد فغر فاهه وهو يجد بعض الرجال يهرعوا صوبهم ليهتف أحدهم بهلع :
_ إنتوا مين وأيه اللي جايبكم إهنه؟ .. إنفدوا بچلدكم !!
فتح يامن فمه ليحدثه مُستفسرًا فيما لم ينتظر الرجل وأسرع مُهرولًا خارج حدود القرية ليضرب يامن كفًا بالآخر في إستغراب :
_ هو في أسود جوا القرية ولا أيه ؟؟
نفخت فداء شدقيها وقد إشتد السأم بها ليسمعوا صوت أحد الرجال يأتي من الخلف قائلًا :
_ إنتوا ضيوف حضرة العُمده ؟؟
رمقهُ يامن بثبات ومن ثم أومأ برأسه إيجابًا ليتابع :
_ أيوة إحنا .. بس زيّ ما إنت شايف مش عارفين ندخل ؟؟؟
إبتلع الرجل ريقة بصعوبة ليردف يحثهم على على الترجل من السيارة :
_ في تــار بين عيلتين في البلد ، والدنيا مشعللة وعلشان كدا جمال بيه بلغني أدلكم على سكة تانية نوصل منها للدوار بسهولة .
ترجلت فداء خارج السيارة بتفهم ، لتعاون شقيقتها كذلك ..أمسكت بكفها يسرن معـًا خلف هذا الرجل الأربعيني ، فيما يسير يامن خلفهن حتى يبقين نصب أعينه ...
هتف الرجل بثبات بعد أن تدلى بجسده إلى مُنحدر صغير ، ليواجههم بنبرة حاسمة وهو يمد أحد ذراعيه :
_ هنمشي في الزراعية بين الخوص ديه ، وفي نهايته هنكون وصلنا .
تأبد المكان عليهم ، لتقول بيسان بتلعثمٍ :
_ بس الشجرات دي أكيد فيها حشرات وحيوانات مُضرة .. أنا خايفة .
أومأ الرجل برأسه إيجابًا ليفتر ثغرهُ عن إبتسامة عريضة مُرددًا بنبرة بلهــاء :
_ فيها ديابه وكُل حنش والتاني .. متربي علي الغالي يا ست هانم .. بس ما تخافوش أنا معاكم .
قطب يامن تقطيبة صارمة ليحاوط خصر بيسان بأحد ذراعيه وبنبرة ساخطة أردف مُتجهًا بحديثه للرجل :
_ إنت شايفها قلبها ميت يعني ، علشان تسرح بخيالك ؟؟
وهنا كشرت فداء عن أسنانها في تلك اللحظه لتضع كفها بين كف الرجل الممدود تقول بنبرة مُنفعلة :
_ حنش أما يلهفك يابعيد ، نقطنا بسكاتك وإلا هدفنك حي !!!
إبتلع الرجل ريقه قلقًا ليعاونها على الهبوط ، استتبعهما يامن بعد ذلك نزولًا ..لم يتبقَ سواها ليضع ذراعين قابضًا على خصرها ومن ثم حملها بخفة وثبات حتى انزلها إليهما لتقول بخوف :
_ يامن ، خلينا نرجع بيتنا ؟
يامن وهو يضمها إليه : ما تخافيش ، أنا معاكِ أهو .
إرتاحت ملامحها قليلًا أثر كلماته ، لتسير مُنكمشة على نفسها تتشبث بطرف قميصه ،،،
ساروا داخل هذا العُشب الطويل في توجس وقلقِ ومـا أن وصلوا لنهايته وبدأت أعينهم ترى هذه البنايات القديمة من جديد حتى هتف الرجل بفرحة وكأنه حقق إنجاز من أخطر المهام الصعبة عليه :
_ الحمد لله وصلنا .. دا جمال بيه هيفرح جوي .
قادهم حتى هذا البناء الكبير ..يتكون من عدة طوابق الواحد يعلو الأخر وقد إتخذ البناء ألوان زاهية .. يوجد حديقة كبيرة داخل حدود هذا البناء ويحاوطها سياج عالي قليلًا ويقف على الباب الرئيسي ذاك الرجل الوقور ليهتف بنبرة سعيدة :
_ حمدلله على سلامتكم يا ولاد !!
يامن وهو يصافحه بحرارة : ياااه .. دا إحنا لو في مؤامرة ضد الموساد الإسرائيلي مش هنغامر كدا .
فداء وهي تلتفت إلي ذاك الرجل مُرددة بحنقِ : مين دا يا عمو صحيح ؟؟
جمال بضحكة هادئة :
_ دا عيد مسؤل الحرس بالبلد ، أوعى يكون زعلكم ؟؟
بيسان بتدخل وإبتسامة خفيفة : لأ ، خالص يا عمو .. تشرفنا يا أونكل عيد .
عيد بضحكة عريضة : الشرف ليا يا ست الكُل .
اصطحبهم جمال إلى الداخل .. طلب منهم الإسترخاء قليلًا حتى إنتهاء طعام العشاء ، كانوا جميعـًا في حاجه ماسة للنوم ومـا أن إنتهت العاملات بالقصر من إعداد الطعام حتى تجمعوا حول مائدة الطعام ...
بدأ جمال في وضع الطعام أمامهم بشيء من السعادة ، فهو يُحب صديقه وكُل ما يأتي من طرفه ليردف يامن بإبتسامة هادئة :
_ إحنا بناكل أهو ياعمي .. إرتاح إنت .
جمال بإبتسامة حانية : أنا عايزكم تاكلوا وتشبعوا دا بيتكم .
رمقتهُ فداء بثبات ومن ثم راحت تقول بإهتمام وافر :
_ هو أيه اللي بيحصل في القرية يا عمي ؟؟
تنهــد جمال بحُزن ليعود جالسًا إلى مقعده وراح يقول بنبرة مهمومة :
_ والله يابنتي أنا تعبت أوعي الناس للصح والغلط ، ودلوقتي بيقتلوا في بعض علشان واحد كبير إتجوز بنت وماتت منهُ يوم الفرح .
شهقت بيسان برقة وقد إنتابتها علامات الهلع الشديدة لتهتف ثائرة بحنق :
_ هم أغبية ؟ .. إزاي يبيعوا طفلة صغيرة لـ واحد أد جدها ؟
ظهرت إبتسامة ساخرة من جانب فم جمال ليقول مُستأنفـًا :
_ وهو دا بقى اللي أنا قاصدكم فيه ، عندي أمل أنكم تكونوا سبب في هداية الناس دي .
فداء وهي تزفر بضيقِ : ودول نعالج تفكيرهم إزاي ، دول محتاجين تحول جذري وكُلي .. غسيل مُخ من الجذور .
بدأت الخادمات يقفن على باب الغرفة يتهامسن فيما بينهن .. إحداهن تُصرح بمدى جمال الفتايات والأُخرى تؤكد على أنهن نُسخة مُصغرة عن (ملاك) والدتهن ..
انقضت هذه الساعات على خير حتى حل مُنتصف الليل،جلسن بجوار بعضهن علي مقاعد بلاستيكية في حديقة القصر لتضع بيسـان رأسها على كتف شقيقتها ، ينظُرن للسماء بتأمل لتتابع بيسان في نفسها :
_ إنتِ غريبة أوي يا بيسان ، إزاي طول السنه دي عايشه على ذكرى مش ليكِ ..حاجه خلصت وإنتهت .. وليه فجـأه يامن خد قلبك منك ؟! ، اوعي تكوني حبيتي إهتمامه بس !! .. إنتِ عملتي كدا زمــان وهو كان بيستخدمك لعبة في إيدهُ، الحُب مطلوب بس في وقته المُناسب وللشخص المُناسب ، بلاش تسرع في قرار زيّ دا ؟ .. يامن بيحبك ودموعه خرجت في لحظة يأس منه ، رغم إنك عارفة كويس إن يامن مش بسهولة دموعه تنزل ولو نزلت بتبقى فيض من الوجع .. لازم تقفلي الصفحة اللي فاتت من حياتك ..علشان تبقي جديرة بيه هو يستحق إنك تحسي بقلبه .
رمش جفنيها بخفة وقد افتر ثغرها عن إبتسامة تلمع ، لتتذكر حديثه لهـا حينما أخذت تعد النجوم بأمر منهُ لتشير بأصابعها مُجددًا ناحية السماء .. وهنـا قطع أندماجها وقوفه أمامها مُباشرة وهو يحمل كوبين من الحليب ليردف بإبتسامة صادقة :
_ يااااه ، إنتِ لسه عندك أمل تعدي النجوم ؟؟
نحت بيسان ببصرها إليه لتلتقط منهُ كوب الحليب بإبتسامة عذبة قائلة :
_ الأمل موجود .. بس في رب النجوم .
إلتفت بجسده ناحية "فداء" الشارده في عالمها الخاص ليتنحنح قليلًا قبل ان يهتف بها :
_ فيدو ، اللبن .. الخاله حُسنية مأكدة عليا إنكم تشربوا اللبن دا .
إلتقطته فداء منه لتقول بإبتسامة هادئة :
_ الست دي بتفكرني بـ منمن .. وحشتني أوي والواد مودي كمان .
يامن بقهقة خفيفة : يامن اللي وحشك ولا قفاه
باغتته فداء بإبتسامة هادئة فيما إنتقل بحديثه إلى (بيسان) مُرددًا بحنو :
_ أيه رأيك نتمشى ؟
هزّت بيسان رأسها بخفة ، ليمد كفه لهـا حتى إستندت عليه واقفة .. فـ اليوم أصبحت تتحسس خُطواتها بمفردها دون مُساعدة فقد تطورت حالتها بشكل جيد .. فاجأها يامن وهو يحاوط كتفها بذراعه يمشيان معـًا في هدوء وسكينة ...
رمقتهمــا فداء في هدوء وفرحة صامتة وقد ناب ثغرها المُبتسم عنهـا ..لتُعاود مسيرة شرودها من جديد عندما تغيرت معالم وجهها للحُزنِ الضاري وقد إنقبضت نفسها إنقباضًا شديدًا وهي تعود بمُخيلتها لـ ليلة سابقة ،،،
Flashback ,,
أقام آسر حفل خطوبتهما داخل حديقة بيته التي يُحاوطها سياج من العواميد الحديدية ، تكشف مـا يقبع ورائها ،ازدانت الأرض بالورود وكذلك الأضواء التي غطا ضوئها المكان بأكمله قادتها قدماها إلي البيت مُجددًا ، لم تأتِ إليه حتى تستعطفه لـ مداواة قلبها .. أتت فقط لتوديعه حيث وقفت تتوارى خلف جُدران هذا السياج ترمقهُ بنظرة مُنكسرة من بين فجوات الأعمدة الحديدية .. اتقدت نيران الغيرة في قلبها وكأنها تُسارع ضد نبضات قلبها التي كادت ان تتوقف ، همعت عيناها بالدموع لتشهق بنبرة مُتحشرجة وراحت تنادي اسمه بصوتِ واهن تسمعه هي فقط :
_ آســـر ؟؟ .
خارت قواها في تلك اللحظه وقد هوى جسدها أرضًا مُستندة على جدار المبنى ، ضمت ساقيها إلى صدرها وراحت تبكي بمرارة أدمت روحها :
_ أنا معاك إنك ماحبتنيش، بس ليه لما حسيت بحُبي ليك بدل ما تبعدني وجعتني ؟! .. انا عارفه إن اللي زيّ مكتوب عليهم الوجع بس والحُب مش بيليق عليّا .. أنا ما كُنتش ضعيفة بالطريقة دي غير وانا معاك ،،
سارعت بمحو فيض الدموع الذي سال على وجنتيها لتقول بنبرة مُتأججة :
_ أنا عارفة إن طول الوقت بمثل إني قوية ومش بيهمني الوجع .. بس كُل بني آدم منا له جوانب ضعيفة .. عارفة كمان إن برغم قوة شخصيتي قدام العالم بس بردو بحتاج للحُب وبصدق بسرعه ... أنا نفسي صعبانة عليا أوي .
أنهت حديثها لتمحي قطرات الدموع عنها ، إستندت بذراعها علي الحائط حتي نهضت وهي تترنح بجسدها قليلًا لتلتقط حقيبتها وقد أقسمت على إنهاء مـا سعيت هي بنفسها لبدأه
Back ,,
تنشقت نسمات الهواء العليل بداخلها ، عقدت ذراعيها أمام صدرها .. الآن قد قابلها عقلها بالحقائق الدامغة ،هو ليس من حقها وما عادت هي تؤمن آخر على قلبها ،،،،
--------
" في صباح اليوم التالي ،،،،
أغمضت عينيها قليلًا ، في شيء من الثبات لتتنشق الهــواء داخلها تستمد ثباتها في نفحاته ، أمسكت بهذا المظروف بين كفيها وهمّت أن تفتحه بعد قليل من الوقتِ ، لقد أتى هذا المظروف لتوه من مُنسقى عرض الأرياء بـ دُبي ليُعلماهـا بماهية خصمها الذي سيقود معها المُنافسة هُنـاك .. حيث يستقبل العرض ثُنائي فقط من كُل دولة .. يتنافسـا علي الصعود للمرحلة النهائية ومـا أن نظرت داخله حتى هبّت في مكانها واقفة ، أخذت تقفز في الهواء بسعادة غـــامرة .. فهل ما رأتهُ واقعــًا ؟ ، هانيا الرفاعــي هي خصمها بالعرض .. أخذت تصيح بشيء من التحدِ:
_ يااااس ، أهلًا بيكِ يا هانيا في منطقتي .
أسرعت بإلتقاط هاتفها على الفـــور ، فلا تجد أفضل من شقيقاتها حتى تُخبرهن بهذا الخبر الســـار ،،
" على الجانب الاخر "
ظلعت حديقة القصرِ بسُكان القرية ، فقد أتوا ما أن علمــوا بقدوم بنات (سالم العامــري) ابن هذه القرية .. فكانوا يحبون (ملاك العامري) كثيرًا حيث أغدقت عليهم من فضل ربها بوفرة وكانت تقف بجوارهم في كُرباتهم وتسعى لـ حلها ... إلتفـوا حول فداء التي تجلس إلي طاولة مـا وتُجاورها شقيقتها وابن عمتهــا ، ضاق المكان كثيرًا حيث وقفوا إلى جوار بعضهم ولم يعُد هنـاك فجوة يأتيهم الهواء منها لتردد إحدي السيدات الواقفات وهي تربت على ظهرها بفرحة :
_ أهلًا يا بنت الغالية .. كُلي يا حبيبتي دا إنتِ شكلك ضعفـانه .
بادلتها فداء إبتسامة هادئة ، فقد إمتلأت الطاولة أمامهم بكُل ما طاب ولذ .. لقد أتى أهل القرية بكُل هذا الطعام وهنـا تابعت أُخرى وهي تضع الطعام في فم فـداء :
_ دوجي الفطير بتاعنا ، هيعجبك جوي .
تناولت فداء الطعام منها .. لاف يامن الطعام في فمه وهو ينظُر إلى فداء التي تغير لون وجهها من تكدس الطعام في فمها .. فـ الفتاة قد أوشكت على الإنفجار .. فيما تابعت بيسان بنبرة رقيقة وهي تُشير إلى أحد الأطباق :
_ أنا عايزة من دا ؟
سارعت إحداهن بوضع قطعة من الطعام في فمها لتقول بنبرة ضاحكة :
_ ديه اسمه وِز .. كُلي يا حبيبتي دا إنتِ حتى شكلك ضعفانه .
في تلك اللحظه صدح هاتف فداء باتصال من شقيقتها ..نحت ببصرها إليه تستبين عن ماهية صاحب الاتصال لتقول بنبرة غير مفهومة وقد إنتفخ فمها :
_ ودي أرد عليها إزاي ؟
أخذت تلوك الطعام في فمها بحركة أكثر سرعةً لتضع الهاتف على أذنها وتجيب :
_ عنقودتي .. وحشتيني يا قلبي ؟
عنود بضحكة حانية : وانتِ كمان يا فيدو ، أنا مبسوطة أوي .. النهاردا جالي جواب من مسؤلي العرض وعرفت مين الخصم قصادي .
فداء بفضول وترقب : مين ؟؟
عنود وقد تهللت أسارير وجهها : هانيا الرفاعي
سعدت فداء لهذا كثيرًا ، فتعلم مدى طموح شقيقتها في إسترداد حقوقها وما أن فتحت فمها حتى تبارك شقيقتها حتى وحدت إحدي السيدات تضع الطعام في فمها دون سابق إنذار فتقول :
_ يابنتي .. الحديت على الوكل ما يصوحش .
جدحتها فداء بنبرة مُغتاظة ، حاولت مليًا استكمال حديثها مع شقيقتها ولكنها لم تستطع لتهتف بكلمات مُبهمة لا تُفهم .. وهنا أردفت عنود بإستفهام :
_ فداء ؟ ، صوتك راح من الفرحة ولا أيه؟ .. وأيه الدوشه اللي جنبك دي ؟!
في تلك اللحظه انقطع الاتصال على فجأه ، لتنهض فداء من مكانها وهي تصرخ بغيظ :
_ كفاااااية ياوليه إنتِ وهي .. هـ ههـ أ ...
أخذت أنفاسها تتلاحق وقد آلمتها معدتها بشدة من كمية الطعام المُبالغ بهــا.. لتردف إحداهن تنوب عن حديثها بترقب :
- هـ أيه ؟ .. هتطرشي !!!
أومــأت فداء برأسها إيجابًا ، أطلق يامن قهقهة خفيفة على وجهها الذي كاد أن ينفجر لتضع يدها على معدتها قائلة بعينين مُتسعتين :
_ الحمام فين ؟؟؟
بيسان بضحكة خفيفة : أجري يا مجدي .
همّت أن تدلف داخل القصـر ليستوقفها شابًا في أواخر العشرينات يحمل بين ذراعيه طائر (ديك رومي ) وبنبرة مُتلطفة تابع :
_ أنا چيبت لك الرومي ديه ، علشان تربيه عيندكم في البله (الڤيلا) دي ..ديه أليف ماتخافيش .
حدقت فداء به في إستغراب لتجد الطائر قد تحرر من ذراعيه مُحاولًا الإقتراب منها ، فتحت فداء عيناها واسعــًا من إقترابه منها ومـا أن إبتعدت قليلًا حتى وجدتهُ يهـرول ناحيتها وأخذ يقفز عاليًا عدة قفـزات .. شهقت فداء بصدمة لتُهـرول في استغاثة فيما يُطاردها هذا الطائــر الكبير لتصرخ بفزعِ :
_ ألحقوني .. دا بيجري ورايا وعاوز يعضني .
فغر الشـاب فاهه في دهشة وراح يضرب جبهته مُتذكرًا لـ شيء مـــا :
_ يا حِزن الحِزن !! .. دا البت شعرها أحمر ؟
يامن وهو ينهض من مكانه مُحاولًا مساعدتها وقد توجه بالحديث إلى الشاب :
_ أمسك البتاع دا ، أخلص ؟
الشاب وهو ينظُر إلى الأخرى بعينين جاحظتين :
_ يادي النيلة ؟ .. خبي دهين اللي جاعده علشان شعرها أحمر .
يامن بعدم فهم : أيه علاقة شعرها بالموضوع !
الشاب ببلاهة : ما الديك بيكره اللون الأحمر .
أخذت فداء تهرول في كُل زاوية بالحديقة ومـازال الطائر يُلاحقها .. لتقترب ناحية الشاب ومن ثم تهوى بكفها على عُنقة من الخلف هاتفة به في حزم :
_نيهاهاي .. عليك واحد ، أبعد البتاع دا عنـي !!
رفع الشاب ذراعه يتحسس أثر الضربة وبنبرة أشبه للبكاء تابع :
_ أيه إيدك التجيلة دي ؟ .. طب وربنا ما انا حايشه .. إن شاء يجلعهولك شعراية شعراية.
كان قد أغمض عينيه يعترض على ضربتها له في سخط ، ليشعر بنفس الضربه السابقة تلامس عُنقه .. أخذت السيدات يضحكن ملء شدقهن .. ومــا أن فتحت حُسنية الباب الخلفي للقصر حتى هـرعت فداء إليه تدخله ثم صفقته خلفها وهي تتنفس الصعداء ،،،،
أخذ الطائر يُهرول من بعيد وهو يقترب من الطاولة مرة أُخرى .. ليسرع يامن بضم بيسان إليه فيمـا تابعت الأخري بنبرة مُتلعثمة يُخالطها الخوف وهي تدس شعرها داخل سترته :
_ أهو .. انا لابسه حجاب .. ما تعضنيش .
يتبع
#علياء_شعبان
الحلقه (15).."جميلتي الصهباء " .
--------
كُن طموحـًا .. تكُن أقوى .. ذا قامة مشدودة على أرض صلبة لا تُنهيك العراقيل ولا تقتل الأمل فيك ، لا الاستسلام حليفنا ولا عن أحلامنـا نغفلُ ...
-------
قربت قالبين من الطوب الأحمر إلى جوار بعضهمـا ومن ثم جلست عليهما بجوار هذه السيدة الوقــور وبنبرة مُتسائلة تابعت :
_ طنط حُسنية .. هو أيه دا ؟
أردفت بيسان بتلك الكلمات في ترقب ، وقبل أن تُجاوبها السيدة .. تدخلت فداء هاتفة في ثبات وثقة :
_ بيتهيألي كدهون ..إن دا عشه للفرخات ؟
أطلقت حُسنية قهقهةً خفيفة ، لتوميء برأسها نافية وقد ركزت بصرها ناحية هذا الفرن الصغير المصنوع من الطين تمسك عصـا من الخشب تلتصق في أخرها خرقة لتُنظفه بها وبنبرة حانية أردفت :
_ كيف عشة فرخات بس يا بنتي ؟ .. دا انا جايده النار فيها حتى ؟
فـداء بنبرة بلهاء وهي تفرد ذراعيها جانبها :
_ عادي ما إنتِ هتدفيهم ؟؟؟ .. بما إننا داخلين على الشتا !!
بيسان بترقب وحيّرة : أمال دا أيه يا طنط ؟
حُسنية بنبرة هادئة : ديه اسمه فُرن بلدي ، بنطيب فيه الوكل .. بيكون طعمه زيّ العسل .
مــالت فداء بجذعها العُلوي قليلًا لتلثم وِجنة السيدة حُسنية وبضحكة عابثة تابعت :
_ دا إنتِ اللي عسل يا نانو .
حُسنية بقهقهة خفيفة : وأيه نونا دا كمان ؟
بيسان وهي تُتابع ما تفعله (حُسنية ) :
_ بتدلعك يعني .. بس أزاي دا فرن ومن الطينة ؟ .. كدا الأكل هيتوسخ ويكون في ميكروبات !!!
حُسنية بإستئناف : لأ .. ما تخافيش ، دا طين يابس ، وانا بحط فيه طواجن البامية وصواني الرجاج .. وهتاكلوا صوابعكم وراه كمان .
صمتن عن الحديث للتو ما أن وجدن (يامن) يمشي في الباحة الخلفية من القصر وقد رفع هاتفه عاليًا وأخذ يغمغم بكلام مُبهمٍ لتهتف فداء بإستفهام :
_ يامن ؟! ، رافع الفون كدا ليه ؟.
يامن وهو يزفر بضيقِ ومن ثم نحى ببصره إليهن يتابع بتأففِ :
_ مافيش شبكة هنـا خالص .. بكلم صديقتي من فرنسا في شغل بس الشبكة تجيب ضغط .
حدقت بيسان إليه في دهشة ، إستندت على ساعد شقيقتها وما أن وقفت حتى صرخت بنرفزةً وحدة :
_ بتكلم مين ؟ .. ماسمعتش !!
كان كلامهُ تلقائيــًا قد خرج من بين شفتين دون ترتيب .. لم يحسب لـ غضبها أبدًا لأن الأمر يخص عمله ومـا أن وجد نيران الغيرة قد اتقدت في مُقلتيها حتى استلذ بإثارة غيرتها أكثر ليقول بنبرة ثابتة :
_ صاحبتي من فرنسا ؟ ، إحنا على تواصل مُستمر مع بعض .. متضايقه من حاجه ؟؟
بيسان وهي تلوي شدقها بغضب طفولي ، فهي تعلم جيدًا انه يُمثل تجاهله ناحية غضبها لتردف بنبرة حانقة :
_ مش متضايقه أصلًا أساسًا .
قطب يامن ما بين حاجبيه ليردف بنبرة تتصنع الإندهاش :
_ يا نهار أبيض ! .. أصلًا وأساسًا في جُملة واحدة ؟؟ .. دا إنتِ خارقة للطبيعة بقى .
رفعت بيسان كتفها عاليًا في إمتعاض ومن ثم أنزلته وقد ذمت شفتيها غيظًا لتتجه لـ داخل القصر فيما تابع هو بنبرة ظافرة :
_ مالك بس يا بيسو ..أيه اللي زعلك ؟
كانت فداء فاغرة فاهها تشاهد المشاداة بينهما في صمتٍ وترقُب ومـا أن نظرت لهــا السيدة حُسنية حتى تحول فمها المفتوح إلى إبتسامة عريضة أثارت ضحكات حُسنية فيما تابعت الأخرى :
_ روميو وشوليت في نفسهم قوي ، مـا شاء الله .
حُسنية وهي ترفع أحد حاجبيها مُعترضة على ما قالته فداء ، لتردف بثقة :
_ اسمهم ، روميو وچوليتا .
فداء وهي تنظُر لها بإستنكار وقد زاغت عيناها قليلًا لتقول في استسلام :
_ چوليتا ؟ .. إحنا مالنا يا نانو .. هو إحنا هنطلع لهم بطاقة !!!
قطع حديثهمـا في تلك اللحظه ذاك الفتى من جديد ، يسير بخطواته إليهما ،يعمل "مصطفى" داخل قصر جمال الدمنهوري كـ صبي لـ عاملات المطبخ ، يشتري الحاجيات التي تنقصهن .. فـ هو من أصحاب العقول الخفيفة قليلًا .. تختلط معالم طفولته في تصرفاته بشكلِ واضح .. وهنـا تابع مُصطفى بإبتسامة عريضة :
_ السلام عليكم يا به يا أحمريكا شبه عُرف الديك ؟ .
صرت فداء على أسنانها ، لتربت حُسنية على ساعدها كاتمة ضحكتها وبنبرة ثابتة أردفت :
_ اوعي تزعلي من كلامه ؟ ،مُصطفى ابن حلال بس عَجله على جده حبتين وبيحب يهزر إكده على طول .
أومأت "فداء" برأسها في تفهمٍ وبنبرة هادئة تابعت وهي تُشير له بأصابعها تحثه على القدوم :
_ بقولك أيه يا مصطفى ، تعالى جنبي عاوزاك في حاجه !!
رفع مُصطفى شفته العُليا قليلًا من جانب فمه وبنبرة مُتنبهة لها وهو يرمقها بنصف عين :
_ أچي جنبك ؟ .. دا بعينك .. علشان أول ما أتبَع كلامك ..تديني بالجفا وتچري !!
فداء مُتصنعة الحُزنِ : ليه كدا يا موستاااافا ؟، زعلت منك ؟
مُصطفى بإستنكار : أيه يا بت المياعة ديه ؟ ، إتمسكني يا أحمريكا إنتِ .. وإنت بشعرك دهون شبه اللهم إحفظنا يعني .
أطلقت فداء قهقهة عالية ومن ثم هبّت واقفة في مكانها وراحت تقول بنبرة ضاحكة :
_ يا مصطفى يا مصطفى ؟!
مصطفي بتوجس من إقترابها منه : نعم ؟؟
فداء بإبتسامة عريضة : أنا بحب قفاك أوي يا مُصطفى ؟!
تراجع مصطفى للوراء يحترز من إقترابها وبنبرة جامدة أردف :
_ لأ ، ما تحبوش .. هجول للعمده .. باااس .
فداء وهي تضع ذراعيها خلف ظهرها قائلة بهدوء :
_ مش هعملك حاجه ، عاوزة منك بس خدمة .
مصطفى بتساؤل : عاوزة الديك تاني ؟؟
فداء بصراخِ : لاااا.. الله الغني .. عوزاك بس تلف في البلد وتقول للستات إن أستاذة فداء طالبكم في بيت العمدة ضروري .
أومأ (مُصطفى) برأسه مُتفهمًا ومـا أن همّ بالمغادرة حتى وجدها تتابع بإستئناف :
_ أيوة صحيح يا مُصطفى ، لو عندك بيبي فرخات .. هاته معــاك .
إقترب مصطفى منها قليلًا .. ليضع كفه أسفل ذقنه ومن ثم ضيق عينيه مُتابعًا بعدم فهم منه :
_ أچيب أيه ؟؟
تنحنحت فداء قليلًا ومن ثم أعادة صياغة جُملتها بهدوء :
_ أقصد .. فرخة لسه مولودة ؟ .. اسمها أيه ؟
مُصطفى بإندماج في حديثها :
_ تجصدي كتكوت ؟؟؟
هزّت فداء رأسها عدة إيماءات سريعة ومن ثم أردفت بإبتسامة عريضة :
_ أيوة .. هو دا .
رفع مصطفى أحد حاجبيه ليقول بنبرة ممتعضة : ليه ؟؟؟
فداء وهي تكظم غيظها من أسألتهِ المُتكررة :
_ هحتاجه علشان أفهم الناس ، إن الكتاكيت ما ينفعش تتاكل غير لما تكبر و...
وقبل أن تستكمل حديثها قاطعها هو هاتفًا بنبرة عالية وهو يرفع إصبعه السبابة بثبات :
_ فتح الله عليكِ يا أخت أحمريكا .
فداء وهي تعض على شفتها السُفلي غيظًا :
_ هو انا كُنت لسه كملت ؟؟
مُصطفى بحذقِ وثقة : ايوة ما انا فاهم كُل حاجه ، إنتِ بتوعيهم،إن الكتاكيت دهين لساها لحمة طرية .. ما كبرتش ولظلظت .. فـ كيف هناكلها ؟؟
تنشقت فداء الهواء داخلها ، أسبلت أجفانها بنفاذ صبر وشدوه لتردف :
_ لظلظت ؟؟ .. فتح الله عليك يا أخ مُططفى .
-------
( داخل شركة Passion) للأزياء ،،،
أخذت تسير بين الماكينات في همّة ونشاط ، تُراقب حركة السيــر بين العاملين داخل ساحات التصميم والإنتاج،استطاعت بجهودهـا ومُثابرتها على تصميم النماذخ المرغوب بها للمُشاركة بعرض الأزياء في دُبي .. تبقى أسبوعان على إجراء العرض ولكنها إنتهت بالفعل .. تهللت أسارير وجهها فرحــًا وهي تتفحص النماذج برضا داخلي ، فكما توقعت تمامًا .. أخذت تجوب ببصرها المكان ، تبتسم لـ هذا وذاك في شيء من التشجيعِ ،،،
في تلك اللحظه إقتربت من أحد الموديلات تتفحصه بعناية ، لترفع أحد حاجبيها ومن ثم تلتقطه وهي تنتوي فعل شيء مـــا .. وفعلت نفس الشيء مع أحد الموديلات الأخرى .
صارت بهما صوب حجرة البروڤا الخاصة بالعرض الإفتراضي لـلعارضات .. استتبعتها سكرتيرتها الخاصة (صابرين) نحو الغرفة أيضًا وقبل أن تدلف عنود داخلها استدارت لها ثم أردفت بإبتسامة هادئة :
_ صابرين ، لو سمحتي .. ممنوع حد يدخل أوضة البروڤا وانا جوا .
أومأت صابرين برأسها إيجابًا ومن ثم تابعت بنبرة مُتلعثمة :
_ تحت أمرك يا عنود هانم .
دلفت عنود داخل الغرفة بهدوء وافــر، تنشقت الهواء داخلها وبإبتسامة هادئة راحت تنظُر إلى المرآه بالحجرة فقد صُممت جُدران الحائط الأربع على شكل مرايا بطولها لتضع الثوب على جسدها في ثبات وراحت تقول بنبرة خفيضة :
_ شكله زيّ ما رسمته بالظبط .. وبالتالي لازم أقيسه .
تجذفت في سيرها إلى الحائط الخشبي القابع بآخر الصالة لتبدأ في تبديل ملابسها بذاك الثوب الذي يصل إلى ما فوق الرُكبة .. بدأت تمشي بثقة وعنجهية تليق بهـا .. تتأمل الثوب في المرآه برضى وأريحية شديدة .. فـ الآن تمكنت من بناء كيانها المُستقل ولن يسلم كُل من جابهها ، يلتهم حقها ،،،
كانت في شرودها بهذا العرض ولم تلحظ دلوفه إلى الغرفة أبدًا .. وضع قُصي كفيه في جيبي بنطاله ومن ثم أردف بنبرة ثابتة :
_ شكله يجنن عليكِ .
التفتت عنود إليه في ذُعر بعد أن شهقت برقة وريبة ..ذمت شفتيها حنقـًا وبعدها هتفت بنبرة صائحة :
_ إنت بتعمل أيه هنـا في أوضة العارضات ؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة ولم ينبس ببنت شفةٍ لتعبر قسمات وجهها عن الإمتعاض لتنهره بحدة :
_ إنت لا بتسمع ولا بتفهم ؟؟
أخذ قُصي يقترب منها بخُطوات وئيدة لتتقهقر هي في سيرها للوراء وهي تبتلع ريقها بتوجسِ وفي تلك اللحظه إرتطم ظهرها بالحائط بخفة ليحاوطها هو بكلا ذراعيه مردفًا بثبات :
_ مين اللي ما بيفهمش ؟؟
أخذت عنود تجوب ببصرها بين ذراعيه اللذان يحيطاها ترمقه بعينين واسعتين وبشراسة أردفت :
_ إنت وأبعد إيدك دي لأقطعها لك .. وعلى فكرة بقى أنا بعدي بمزاحي ، بس نجوم السما أقرب لك مني يا ابن الدمنهوري وكُل الحوار اللي إنت بتعمله دا مش هيجيب نتيجة معايا أنا عملية فقط .. شغلي وأخواتي وبابا هم الناس كُلها عندي .. جواز وحُب !! .. يعني أيه جواز وحُب أصلًا !!!
قُصي وهو ينظُر إلي مُقلتيها مُباشرة وبنبرة باردة إستفزتها أردف :
_ هعرفك يا قلبي لما نتجوز .
ضحكت عنود ملء شدقيها وبنبرة صارمة أردفت : إنت عبيط يا قُصي !!!
قُصي بثبات ورباطة جأش : في الحقيقة يا قلبي إنتِ اللي لسانك عاوز قطعه وانا بردو بعدي بمزاجي .. هو انا كُنت زيك مش بعترف بالجواز .. بس إنتِ دخلتي دماغي يا حرم قُصي الدمنهوري .
صرت بأسنانها غيظًا حتى كادت تحطمهم ومن ثم كورت قبضة يدها غيظًا لتجده يقترب بوجهه من شفتيها .. وهنـا أدركت بأنها تمسك منديلًا ورقيـــًا لتعود بوجهها للخلف وبعدها رفعت كفها وراحت تزج المنديل داخل فمه وهي تردد بإبتسامة ظفـــر :
_ أبقى خُد برشام برد وسخونة ، لأنك بدأت تهلوث .
قالت جُملتها وهي تُهــرول صوب الباب في فزعِ مما فعلته به ..إحتدمت الدماء في عروقه ليبصق المنديل يتخلص منه أرضًا وهو يردف بوعد ووعيد :
_ الصبر يا بنت العامري .. واللي يضحك في الأخر !!!
--------
_ اللي يطمنك يا جمال ، لو حصل أي تطورات بلغني .. وخلي بالك من البنات .. وانا على نهاية الإسبوع هكون عندكم مع عنود .
أردف سالم بتلك الكلمات في حماس وهو يتحدث إلى صديقه هاتفيــًا فيما تابع الأخر بهدوء :
_ إنت هتوصيني على بناتي يا سالم ؟ ،دا حتى أهل البلد فرحانين بيهم أوي .. ربنا يبارك لك فيهم يا صاحبي .. هستنك .
سالم بإمتنان :
_تسلم يا غالي .. إن شاء الله .
أغلق سالم الهاتف على الأثر وأعقب ذلك دلوف مُراد بصحبة والدته وهو يهتف بإعتراض : لو سمحت يا خالي .. أنا عاوز أغير جو .. ايه المُشكلة لمــا أسافر أسيوط معاكم أخر الأسبوع !!!
مُنى بلهجة صارمة : يا مــراد يا ابني ، فاضل لك شهرين على الإمتحانات .. شد حيلك فيهم ولما تخلص على خير أبقى أخرج وسافر براحتك .
مراد بحنقِ : أنا حاسس إني في مُعتقل .
سالم بإبتسامة هادئة : معاك حق يابني ، بس انت على مشارف مُستقبل جديد .. لازم تتقن الخُطوة الأخيرة ومن بعدهـا هتكون حطيت حجر الأساس لـ كيانك ودورك في مُجتمعك إحنا خايفين على مجهودك طول السنه .. ماينفعش يضيع في الأخر .
-----
إمتلأت صالة القصر بجمع كبير من السيدات اللواتي أتين بدعوة من (فداء) .. جلسن على أرضية الصالة .. فيما وقفت فداء أمامهما ويُجاورها مصطفى وبنبرة ثابتة تابعت :
_ انا جمعتكم النهاردا .. علشان عاوزه أتكلم معاكم في موضوع خاص بالكتكوت دهون .
مصطفى وهو يتولى مقاليد الحديث منها :
_ وأي واحدة مش عارفة الچواب ما تفتيش ، دي مسألة حياة ولا موت وقد زعتر من بعتر .
جدحته فداء بنظرة صارمة ، ليفتر ثغرهُ عن إبتسامة عريضة ومن ثم وضع كفه على فمه في صمت .. تنحنحت فداء قليلًا قبل أن تقول بنبرة رسمية :
_ هات الترابيزة دي يا مصطفى وحُط الكتكوت دا عليها .
إنصاع مصطفي ممتثلًا للأوامر الصادرة منها ليضع الطاولة أمامها وبنبرة ثابتة تابعت وهي تتوجه بحديثها إليهن :
_ عنوان القاعدة دي اسمه (الرفق بالحيوان) ، وانا بصراحة كُنت عاوزة أخد رأيكم في حاجه كدا .
رفعت كتفيها بثبات وثقة .. ومن ثم أشارت بإصبعها السبابة إلى هذا الطائر الصغير لتردد بنبرة تتصنع بها الحُزن :
_ أنا بحب الكتكوت دا أوي ..وبصراحة بقى أنا عندي مرض خبيث .
إحدى السيدات وهي تلطم صدرها فزعًا :
_ يالهوي بالي .. عندك سرطان !!!
رمقتها فداء بحنق وبنبرة صارمة تابعت :
_ في أيه يا وليه إنتِ !! .. بعد الشر عني ، دا مغص وشوية برد في المعده ،وياريت محدش يقاطعني تاني .
أرتخت معالم وجهها مُجددًا وعادت تفتعل الحُزن قائلة بنبرة تستعطفهم بها :
_ المهم.. انا عاوزة أفرح بالكتكوته دي قبل ما أموت وأجوزها .. فهل حد عنده كتكوت أعزب ونفرح بيهم سوا !!!
عَلت غمغمات عالية في المكان ، بين حانق ومُستغرب .. لتهتف إحداهن بإستنكار :
_ كتكوتة أيه اللي تچوزيها دي ! ، إحنا بنستنى عليهم لما يكبروا ويبجوا فروچات من اللي بتشوفيهم دول .. ونچيب لهم ديك ويبيضوا .
فداء وهي ترفع أحد حاجبيها :
_ يعني إنتوا مُعترضين إنهم صغيرين !!!
السيدات بتأكيد : إيوة .
في تلك اللحظه مــالت فداء بجذعها العلوي قليلًا ومن ثم إلتقطت عطا غليظا من الخشب وراحت تهتف بنبرة صارخة وهي تقترب منهن :
_ ولما هو انتوا ما بتجوزوش الصغيرين .. بتجوزوا البنات ليه يا بومة إنتِ وهي ؟!
فـزعت السيدات مما تفعله ، ليبدأن بالخروج من باب الصالة مُهرولات .. بينما هي تضرب بعصاها على الطاولات القابعة بالغرفة وهي تهرول خلفهن :
_ عندكم رحمة أوي ومستنيين لما الكتكوته تكبر .. طيب ورحمة أُمي ما أنا سيباكم يا مبعجرة إنتِ وهي .
هــرول كل من بالقصر إلى صالة الإستقبال ، ليشاهدوا هذا المنظر .. السيدات تهرولن منطلقات خارج باب القصر وفداء تهاجمهن بعصاهـا .. ولم تكتفِ بهذا فحسب بل كلفت مصطفى بجمع قطيع من الكلاب ومـا أن هرولن السيدات بالخارج حتى أطلقت صراح هذه الحيوانات يطاردن السيدات أيضًا .
لتردف فداء وهي تضع ذراعها حول خصرها وتهزّ قدميها بثبات :
_ أنا فداء العامري يا بلد .. اللي ما تعرفش يعني أيه خوف ولا بيهمها حد .
ربت أحدهم على كتفها من الخلف ، إمتعق وجهها غيظًا لتلتفت إليه بثقة لتجد مُصطفى يمسك بين يديه ذاك الطائر مُجددًا (رومي) وبنبرة بلهاء أردف وهو يرميها به :
_ طب خافي بجا .
أخذت تصيح هلعـًا وهي تُهرول مُبتعدة عنه تهتف بإنفعال :
_ لأ .. كُله إلا دا .
--------
( في نهاية الإسبوع ) ،،،،
ضربت عنود بكفها علي المكتب لتواجهه بكُل حزمٍ وثباتٍ عندما وقف أمامها يُخبرها بأنه سيأخذها حيث القرية بسيارته ، لتهتف عنود بلهجة صارمة :
_ مش هسافر معاك طبعًا .. ريح نفسك .
قُصي وهو يصر على أسنانه غيظـًا : مش بمزاجك .. دي تعليمات عمي سالم .. لأنه مش هيقدر يسافر بسبب القضية اللي ظهرت فجأه وشغال عليها .
عنود وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :
_ شيء جميل إنك بتنفذ تعاليم بابا .. بس هو لما يعرف إني مش عاوزة أسافر معاك .. مش هيجبرني على فكرة .
قُصي ببرود صقيعي : أسمع دا بنفسي !!
قطع حديثهمـا دلوف (صابرين) التي جابت ببصرها بينهما وقد رأت بأن نيران اشتباكهما طالتها بالخارج بسبب صيحاتهما العالية ، لتردف بنبرة مُتلعثمة :
_ في شاب ساب لـ حضرتك الجواب دا .
عنود وهي تلتقطه منها بتفهم وهدوء :
_ شكرًا يا صابرين .. إتفضلي إنتِ .
ضيقت عنود ما بين حاجبيها بفضول لتفتح المظروف بهمّة وثبات ، وجدت مجموعة من الصور داخله .. إلتقطتهم بين كفها لتفتع عينيها واسعًا وبنبرة مصدومة تابعت :
_ تصاميمي !!!!!!!!
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق