رواية بنات السطوح الفصل الاول بقلم الكاتبه آيه طه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية بنات السطوح الفصل الاول بقلم الكاتبه آيه طه حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
على سطح بيت شعبي قديم، في عز الظهر، الحر خانق وريحة الشمس ناشفة في الغسيل
نوال (بصوت متقطع):
يااااه يا ضهررررررررررررررري... يا لهوي......دا شكله الطلق ولا ايه.. مش قادرة..
(بتسيب الملاية من إيدها وبتتكعبل في الحبل)
آآآآآه.. الطلق بيشد عليا من تاني.. يا رب.. يا ساتر يا رب.
صفية (حماتها، ست كبيرة وعنيفة):
انتي ياللى بتصرخي فوق انتي وهتلمي علينا الناس... مش ناقصة دلع، خلصي الغسيل الأول! هو أنا هلمه مكانك يعني؟ ولا تكوني فاكرة الجواز راحة يا روح امك؟!
قومييييي… خفي علينا شوية! ياتك القرف...
نوال (بتبكي وهي على الأرض):
غسيل ايه ودلع ايه.... بالله عليكي والنبي يا امي .. أنا حاسه البيبي نازل.. مش قادرة أقف.. دا انا خلاص قربت اولد..... ساعديني الله يخليكي ااااااه مش قادره من الوجع...
صفية (باحتقار):
يا سلام! صدقتك انا كدا وقلبي هيرق عليكي صح؟ وعايزة تولدي فوق السطوح؟ هو احنا ناقصنا فضايح كمان!
قوميييي انزلي لوحدك عالمستشفى، جوزك مش هنا وأنا ماليش دعوة. على اخر الزمن اجري بيكي انتي على المستشفيات ولا اشيليك ولا اراعاكي..... دا لولا العيبه كنت شيلتك ورميتك من السطوح..
نوال:
بس انا عملتلك ايه حرام عليكي والله مش قادره من الوجع وجوزي مش هنا في الشغل انزل واروح المستشفى لوحدي ازاى بس .. انتي اللى موجوده دلوقتي تساعديني واللى في بطني دا ماهو ابنكم ومن دمكم...... ليه الكره دا كله ليا ليه..
(بس بعد دقايق ولدت نوال على السطوح، بين الملايات والمنشر، لا دكتورة ولا عربية إسعاف، ولا حتى رحمة. بنتين توأم، صوتهم كان زي الزعيق في ودان صفية.. ومن أول يوم، اعتبرتهم لعنة نازلة على البيت.)
صفية (تبص في دهشة):
ده إيه ده؟!... دي بنتين؟!
يا نهار مش فاااايت!
بنتين؟! يا ساتر يا رب! ايه الهم دا كله انا قولت انتي مش هيجي من وراكي غير الهم والمصايب...
نوال (مرمية على الأرض وبتبتسم في ضعف):
الحمد لله... طلعوا بخير... ياااااه... كانوا جوه قلبي... حمد الله على سلامتكم يابنات قلبي... وفي ايه يا حماتى مالهم البنات يعنى مش نعمه ورزق من عندنا ربنا..
صفية (بتبص لها بغيظ):
بنتين؟! بنتين يا نوال؟!
ده حمدي هيكسر البيت لما يعرف!
إحنا ناقصين؟! يعني لا صبي ولا حتى ولد يملا العين؟
بنتين جايين من فوق السطوح؟ يا دي خيبة! يا دي الوكسه.... ياعيني عليك ياحمدي يابني ضربتين فى الراس توجع بصحيح..
نوال (بصوت ضعيف):
في ايه لكل دا..... هو انا اللى بختار اجيب بنات ولا ولاد ما كل اللى يجيبه ربنا كويس ونعمه ورزق واللى رزق المره دى بببنتين قادر يجبرنا بعد كدا بالواد اللى بتقولي عليه وحتى لو نحمده ونشكر فضله في غيرنا مش لاقيين ضفر عيل بلاش الجحود والتمرد على رزق ربنا... والبنات دول بناتي لوحدي مش بنات حمدي وبناتكم معايا.... بس دول بناتي... ماليش غيرهم...
صفية (وهي بتنزل السلم بسرعة):
أنا هروح أقول لأبوهم... بس يا ترى هيرميكوا من فوق، ولا هيرمي البنات بس ويسيبك يا وش الغراب انتي؟
(بعد دقائق، صوت خطوات تقيلة على السلم، ودخول حمدي، ووشه مكشر، وجسمه كله تراب من الشغل)
حمدي (بحدة):
إيه الحكاية؟ سمعت بيقولو في ولادة حصلت فوق؟
مين قالك تولدي فوق يا نوال؟!
فين الرجالة؟! إنتي عايزانا نفضح وسط الحارة؟!
سعاد (بدموع على خدها):
كنت بنشر وبعمل شغل البيت اللى مامتك طلبته مني ومرحمتنيش وانا بقولها فيا وجع الطلق....وكنت لوحدي يا حمدي... ومامتك ما ساعدتنيش...هو انا يعني كنت عايزة اولد كدا على السطح ومن غير حد معايا خالص؟
وجبت بنتين...
حمدي (يسكت لحظة، وبعدين ينفجر):
بنتييييين؟!
يعني لا واد؟! لا ضهر؟!
ده أنا كنت بحلم بولد يلبسني العز!
جبتلي بنتين؟ بنتين فوق السطوح؟!
يعنى بعد ما استحملك دا كله واستنى تسعه شهور علشان بدل الهم والجرسه تجبيلي همين وفرحانه اوي وانتي بتقوليها
أنا مش ناقص رغي دلوقتي، انتي بتستعبطي؟
أنا أمي قالت من أول يوم: دي وشها مش خير!
سعاد (بتهمس وهي تبص للبناتها):
هم وجرسه اي بس ياحمدي.... حتى بس بص لهم...دول زي القمر...وربنا هيعوضنا المرة الجايه بالواد ان شاء الله..
صفية (من برا، بصوت عالي):
قمر؟ قمرين هيطلعوا علينا بنكد يا نوال!
استني بس لما يكبروا، ويشيلونا العار!
قال قمر قال.... قمر بالستر ياختي
ما أنا قولتلك يا عادل، البت دي ما وراهاش غير الهم..ده حتى الغجر بيخلفوا ولاد!
حمدي (بيشد الملاية من عليها):
قومي من هنا.. قومي وشيلي عيالك!
مش هتباتي هنا يوم تاني.. ولا انتي ولا عيالك دول؟ دول مش عيالي!
ده أنا هاروح أكتب على نفسي نعي في الجرنال بدل ما أفرح بخلفتي!
نوال (بترتعش):
يعني إيه؟! هتطردني؟ أنا لسه والدة!
صفية (بتقهقه):
وانتي فاكرة نفسك مين؟
ده البيت ده بيت الرجالة، مش بيت بنات!
لمي هدومك وانزلي تحت عند أمك، لو كانت لسه عايشة تستحملك.
( نوال مشيت وهي شايلة بنتينها، واحدة في حضنها والتانية مربوطة في ملاية على ضهرها. نزلت من على السطوح، ودموعها بتنزل تنقط على كل سلمة. ووش صفية طالع من الشباك زي شبح بينهق بالشماتة.)
بعد أسبوع – بيت أم نوال، أوضة صغيرة في حارة ضيقة
أم نوال:
كان لازم ده يحصل..
قولتلك كتير: حمدي ده قلبه حجر.. وأمه! يا لطيف على أمه..دول ناس متتعشرش وانتي نشفتي دماغك وقال ايه بتحبيه وهو بيحبك وهو في حد بيحبك يطردك انتى وعياله وانتى لسه والده ويكتب على غيرك دلوقتي علشان جبتي بنات...... ناس متخلفه وبتدخل فى رزق ربنا..
نوال:
مش فارق معايا أنا.. بس البنتين؟ هيبقوا فين ف الدنيا؟ مصيرهم هيكون ايه؟
محدش بيحبهم من ساعة ما اتولدوا، ولا حد حتى سماهم!
أم نوال:
هاتيهم في حضني يا نوال..
أنا اللي هسميهم..
ودي اسمها "ملك"، ودي "منى".
ووالله لا يهمني حمدي ولا أمه، دول ولادي من النهاردة!
(بعد سنين..... في أوضة بسيطة، نوال بتكوي هدوم البنات، وملك قاعدة تذاكر على الترابيزة، منى بترسم على الأرض)
نوال:
يلا يا منى، شوفيلك كتاب تقريه بدل الشخبطة دي!
اختك قربت تخلص المنهج كله، وانتي لسه في درس التعبير! مش كل يوم على الموال دا يا منى ارحميني شويه وذاكري يابنت الناس...
منى (ببراءة):
انا مبحبش المذاكرة ياماما...... أنا بحب الرسم اوووي.. نفسي أبقى رسامة كبيرة!
هارسم صورك انتي وملك ونعلقه في الصالة.ايه رايك؟
ملك (بابتسامة):
وانا نفسي أطلع وكيلة نيابة.. زي ما قالي المدرس بتاع الدراسات! ايه رايك يا ماما؟!
نوال (بفرحة وهي بتدعي):
يا رب أشوفكم في أحسن مكان..
وتكبري وارفع راسي فيكي يا ملك، وانتي كمان يا منى..انتو نور عنيا الاتنين واللى عايشه علشانكم وليكم....
(يدوب لحظة وبيخبط الباب جامد، نوال بتقوم تفتح، بتتصدم لما تلاقي حمدي واقف، لابس جلابية مكوية، ووشه شاحب)
نوال (بجمود):
خير؟!
مالك جاي على غفلة كده؟ عايزه ايه تاني ما كفايه اذى بقى لحد كدا مش كفايه سنين بتاذي اروح فين تاني منك؟! ارحم بقى ياشيخ ارحم...
حمدي (بصوت ناعم زائف):
براحه على نفسك شويه يا نوال انا كنت معدي من هنا.. قولت أطمن..
البنات عاملين إيه؟ مش ناقصكم
نوال (بتهكم):
البنات؟ قصدك الكارثة اللي طردتني عشانهم؟
ولا الطفلة اللي مرضيتش تسميها؟ مش دول اللى كانو فضيحه وجرسه وكنت فين انت لما رمتني وطردتنى انا هما طول السنين دى كلها جاي دلوقتي تقول وتشوف اذا ناقصنا حاجه؟! لا والله فيك الخير....
حمدي (ببرود):
اللي حصل كان زمان.. وخلاص.
أنا جيت النهاردة أقولك إني عايز أرجع ملك عندي.
سمعت إنها متفوقة وطلعت الأولى ع المدرسة.
دي تستاهل مدارس خاصة وتعليم محترم.
أنا أبوها! وهعرف اوفر ليها كل دا احسن من وجودها في الفقر والحق اللى انتو عايشين فيه ازاى......
ملك (من جوه، بصوت عالي):
مش عايزة أروح معاه!
هو فكر فجأة إني موجودة ليه؟ عشان جيبت درجات؟
لو كنت سقطت كان جه؟ يعني جاي بردو علشانك مش علشاني..... بعد ما ابنك الفاشل ابن مراتك التانيه مش فالح والناس كلها بتعايرك بيه عايز ترجعني علشان تتفشخر بيا وان عندك بنت ناجحه ومتفوقه زي....... اسفه بس المسؤل عن نجاحي وتفوقي دا هي ام مش حد. تاني...
منى (بدمعة):
ومين هياخدني أنا؟ ولا أنا ملهاش لازمة؟
ولا انا مش بنتك كمان زي ملك يا بابا؟!
نوال (بتكتم القهر):
اسمع يا حمدي..
ملك مش هتروح مكان، وأنا اللي ربيتها، مش انت.
وإنت فاكر التعليم مدرسة؟ لأ يا خويا..
التعليم بيت يطبطب ويشجع ويحتوي، مش بيت طردني فوق السطوح وأنا بنزف!
(خناقة كبيرة في الشارع قدام بيت نوال، الناس متجمعة، صوت حمدي عالي وهو بيزعق)
حمدي (صوته طالع في السما):
أنا أبوها!
و أنا ليا حق فيها!
مش هسيبها تتربى وسط الفقر والجهل، وامها اللي بتشتغل في البيوت!
نوال (بدموع وغُصة):
وأنا اللي ربيتها!
انت شفتها امتى؟ لما بقت شاطرة؟
كنت فين وهي عيانة؟
كنت فين لما كانت بتبات جعانة؟
الناس بتحاول تهدي.. ومنى واقفة ورا أمها، ماسكة هدوم ملك ومخضوضة
صفية (من العربية، بتفتح الباب):
هتفضلوا تعيطوا لحد امتى؟
اركبي يا بت!
ولا هتفضلوا في الشارع تتبكبكوا زي الستات؟ ما انتو تربيه شوارع صحيح هتجيبوا الادب منين يا بنات نوال...
ملك (بصوت مخنوق):
مامااا.. مش عايزة أروح.. والنبي يا ماما!
نوال (بتحضنها وهي بتنهار):
هترجعيلي يا ملك..
هتفضلي بنتي.. ومهما عملوا فيكي، إوعي تنسي أنا مين!
(حمدي يمد إيده ويشد البنت من حضن أمها غصب.. الناس بتتفرج.. الجيران بعيونهم حزن وقهر.. العربية تمشي.. ونوال تقع على الأرض تصرخ)
*****************
بيت عادل – الصبح – أوضة صفية
(صفية قاعدة على الكنبة، بتلف فوطه على راسها، ملك واقفة قدامها، لابسة يونيفورم مكوي، عينيها منفخة من العياط)
صفية (بغل):
ابقي قولي لأمك إن البيت هنا مفيهوش دلع.
اللي يصحى بدري ياكل، واللي يكسل يتبهدل.
غسلتي الحمام؟
نضفتي البلاط؟
ولا لسه قاعدة تستني حد يخدمك؟
ملك (بصوت واطي):
انا مكنتش نايمة ولا كسلانه... أنا كنت بذاكر..
صفية (بصوت حاد):
بتذاكري؟!
ده أنا اللي ربيت أبوكي وطلعته راجل!
وانتي فاكرة نفسك مين؟
بنت الشغالة؟! جايه تعلمينى انا الصح والغلط واربيكي ازاي؟
تقوم تشد من شعرها وتضربها
صفية:
من هنا ورايح مسمعش غير كلمه نعم وحاضر ولا تقاطعي ولا تجادلي يابت الشغاله مفهوم.... شكلك عايزه تربيه وانا اللى هربيكي من اول وجديد..
(كل يوم، ملك بتصحى على صوت الصريخ.. بتنام على إهانة.. بتاكل من غير نفس.. تلبس لبس شكله نضيف لكن ريحته فيها وجع.
أبوها؟ بييجي من الشغل، يبص لها، ويسأل: "ذاكرتي؟"
لكن ما بيحضنهاش، ما بيضحكش معاها، ما بيقولهاش "وحشتيني".
بتروح المدرسة وهي مش طايقة نفسها.. والمدرسين لاحظوا إن البنت اتحولت.)
*****************
المشهد في المدرسة – مكتب الأخصائية الاجتماعية
الأخصائية:
يا ملك، مالك يا حبيبتي؟
كنتي دايما منورة الفصل.. دلوقتي دايما ساكتة؟ وصحتك فى النازل... وعلى طول زعلانه.... انتي كويسه يا حبيبتي؟!
ملك (بصوت مخنوق):
لا مش كويسه.... انا وحشتني ماما..
ووحشتني منى..
وحشتني ريحة السطوح.. حتى لو كان صغير.. كان فيه حب.
الأخصائية (بتكتب ملاحظاتها):
(تكتب: "حالة نفسية متدهورة.. البنت تحتاج جلسات دعم نفسي.. يفضل إعادة النظر في بيئة المعيشة")
*****************
بيت نوال – بالليل
(منى قاعدة بتحط راسها في حجر نوال، وهي بتعيط)
منى:
ماما ملك وحشتني اووووي.... ملك مش مبسوطة يا ماما..
سمعتها في التليفون النهاردة صوتها بيترعش وخايفه وزعلانه وقفلت معايا على طول...
نوال (بتكتم الغيظ):
عارفة..ووحشتني انا كمان والله والله اعلم بيعملوها ازاى هناك....
بس مش في إيدي حاجة دلوقتي.
أبوها واخدها شرعي.. ولو حاولت أروح له، هيرميني ف الشارع تاني.
منى:
اقولك على حاجه يا ماما انا مش عايزة أبقى شاطرة.. خايفة ياخدني انا كمان.ويبعدني عنك وابقى زي ملك كدا...
نوال (بتمسك وش بنتها):
لا يا منى..
أنا اتكسرت مرة، بس مش هتكسر تاني.
هتفضلي معايا، وهجيب أختك..
حتى لو موتي التمن. وانتي هتكوني شاطره وهتتفوقي وهتكوني احسن من الكل وتثبتيلهم ان تربيتي تربيت السطوح مش غلط يا منى....
*****************
في مكتب محامي بسيط، الحيطان باهتة، والمروحة بتلف فوق دماغهم صوتها عالي، نوال قاعدة قدامه، ماسكة ورقة قديمة، ومنى قاعدة جنبها، باين عليها الخوف)
نوال (بصوت مبحوح):
أنا مش جايه أشتكي عشان أضايقه..
أنا جايه أسترجع بنتي..
اللي أخدها مني غصب، بالعافية، قدام الناس كلها.من غير وجه حق وياريته اخدها علشان يعزها ويعيشها احسن ولا بمستوى احسن من اللى كانت عايشه معايا فيه..... حضرتك انا ربنا اعلم ببنتى ازاى عايشه معاهم وفي وسطهم دول ناس ميعرفوش ربنا ولا في بقلوبهم رحمه....
المحامي (بيبص في الورقة):
فهمتك يعنى هو اصلا رماكي انتى والبنات وقت الولادة وطلقك غيابي ومن وقتها ولا وفر بيت ليكم ولا نفقه ولا بيسال ولا اى حاجه مع انه ميسور الحال... البنت عنده بقالها قد إيه؟
منى:
انا ياعمو بقالي شهر مش شايفاها..
كل مرة أكلمها في التليفون تقولي "كويسة" وتهرب.بس هي مش كدا دى تؤامتى وانا بحس بيها....
نوال:
هي مش كويسة..
أنا حاسة بيها..
أنا أمها.. بتوجع وأنا نايمة.
كل يوم بنام ببص على سريرها فاضي، بحس قلبي مش في مكانه.
المحامي (بحزم):
طيب بصي يا مدام نوال،
إحنا هنرفع دعوى ضم حضانة فورية،
وهنرفق معاها شهادة من الأخصائية الاجتماعية، وشهادة من الجيران اللي شافوا الخناقة،
بس محتاجين تقرير طبي لو تقدري.
نوال:
أنا عملت كل حاجة.. رحت المدرسة، والمدرسة نفسها قالتلي البنت اتغيرت، سكتة على طول.ودا تقرير الاخصائيه انا بنتى وصل بيها الحال انها محتاجه لدكتور نفساني ومذكور فى التقرير ان البيئه المعيشه هى السبب باللى هي فيه ودا بعد ماراحت عند ابوها
منى (بعيون مليانة خوف):
كنت نايمة مرة، لقيت أختي بتتصل بيا ٣ مرات الفجر..
ولما رديت، قالتلي: "مش عايزة أصحى بكرة هنا." تيتا صفية بتضربها كتير وبتخليها تشتغل شغل البيت كله وتنظف الحمامات وعلى طول تهينها وتقولها يابنت الشغاله وتشتمتها....
(المحامي يكتب الملاحظات، يهز راسه)
المحامي:
حكم الحضانة في صالحك، البنت لسه صغيرة، وانتي الحاضنة، ومالكيش أي قضايا أو مخالفات.
بس استعدي.. القضايا دي طويلة ومؤلمة.
***************
بعد أسبوعين – جلسة المحكمة الأولى
(نوال داخلة المحكمة، لابسة طرحة سودا، شايلة ملف في إيدها، وبتشد منى بالايد التانية، الجلسة قايمة، وحمدي واقف لابس بدلة رمادية باهتة، صفية قعدة وراه، شكلها مغرور زي النمرة)
القاضي (بصوت رسمي):
أستاذ حمدي، على اي اساس اخدت البنت من امها..... هل لديك ما يثبت سوء معيشة البنت في حضانة الأم؟ او ليظك ما يثبت سوء سمعة الام وفساد اخلاقها؟
حمدي:
حضرتك البنت كانت بتتعلم في مدارس حكومية، وأنا جبتها عشان تدخل مدارس أحسن.
غير كده، البيت هناك مليان مشاكل.. الأم بتشتغل شغلانة مش مناسبة، والبنت مالهاش خصوصية.
محامي نوال:
يا سيادة القاضي، ما جابش إذن المحكمة، وده اسمه اختطاف قاصر.
وإحنا معانا شهود بيأكدوا إنه أخدها بالعنف، وكسر حضانة الأم.
كمان معانا تقرير من المدرسة إن البنت حالتها النفسية تدهورت بعد النقل. ودي تقارير بمستوى التعليمي طول فترة إقامة البنت عند موكليتي دايما متفوقه ودراجاتها عاليه ومن الاوائل بمقارنة بمستواها التعليمي بعد النقل منخفض يا سيادة القاضي... واذا كان كلام الاستاذ حمدي صح ليه ماخدتش منى اخت ملك التؤام لو كان مصلحته البنات ومعيشتهم ودراستهم ليه اخد ملك بس؟!
نوال (بدموع):
أنا كنت قاعدة في بيت أمي، مش مقصرة في حاجة..
بناتي متعلمين، وملك كانت الأولى في المدرسة.
هو ما فكرش ييجي يسأل عنها إلا لما سمعتها بقت حلوة.
أنا اللي ربيت.. وأنا اللي سهرت..
ما ينفعش بعد كل ده ياخدها غصب، ويحبسها عند أمه اللي عمرها ما طبطبت على حد.علشان يعرف يرد على طليقته واهلها انه فاشل ومش نافع فى حاجه وابنه طالع فاشل ومش نافع بس دلعهم الزايد فيه هو وامه علشان كانو بيفرقوا بين البنت والولد فاخد بنتي علشان ينسب نجاحها لنفسه وانه عمل حاجه كويسه ويرجع يرفع راسه تاني ويتفشخر بيها ادام الناس..
القاضي (يبص لحمدي):
حضرتك، ليه ما سعيتش لضم البنت بشكل قانوني؟ وليه بس فعلا اختارت ملك وما ضمتيش البنتين؟
ليه خدت قرار فردي؟
هل كانت في خطر حقيقي؟
حمدي (بيتلكك):
أنا خفت عليها..
البيئة اللي حوالين أمها مش مريحة. ومش مناسبه لبنتي تتربى فيها وانا كنت هاخد ملك وبس شويه وارتب اموري وهاخد مني كمان وانا مقصدتش اخطف بنتي هو فى حد يخطف بنته بردو يا سيادة القاضي بس زي ما قولت لحضرتك البيئه اللى عايشه فيها وشغل امها مش كويسين ولا مريحين دي واحده بتخدم فى البيوت وبترجع بالليل وبتطلع من اذان الفجر ازاى اسيب بنتى معاها...
نوال (بصوت عالي لأول مرة):
إنت خفت؟
فين كان خوفك لما كنت سيبنا أبات جعانة هي وأختها؟
ولا لما طردتني من فوق السطوح وأنا لسه نازفة؟
لو بتحب بنتك، كنت ربيتها، مش استخدمتها.
صفية (بتقوم من مكانها، بتزعق):
ده كلام يتقال في محكمة؟
البنت دي مش بتاعتك لوحدك!
أنا اللي شلتها وهي صغيرة! دي حفيدتي كمان وبنت ابنى ولينا حقوق فيها ولا انتي زرعتيها شيطاني يا نوال
القاضي (بهدوء):
لو سمحتي يا حاجة، الجلسة مش مكان للمقاطعة.
القرار النهائي بعد الإطلاع على المستندات.
********************
بيت حمدي بعد الجلسة
(ملك قاعدة في أوضتها، الإضاءة خافتة، وشها شاحب، عينيها فيها وجع كتير، الباب بيتفتح، صفية تدخل ومعاها طبق فيه شوية عدس)
صفية:
كلي..اكلك قطر
شدي حيلك للمدرسة، مش عايزين فضايح.
وحسك عينك كلمه تطلع كدا ولا كدا هناك هقطع خبرك انتي سامعه..... وش هم زي امك يا تك القرف..
ملك (من غير ما تبص):
أنا مش جعانة.ومش عايزة اكل
صفية:
والله صح انتي نكدية زي أمك.
ده اللي اخدناه منها ربنا ياخدك وياخدها فى ساعه واحده ونخلص منكم عيله وش هم ميجيش من وراكم غير الفضايح.
ملك (تقوم فجأة):
أنا مش نكدية..
أنا موجوعة!
موجوعة عشان محدش في البيت ده بيحبني، لا إنتي، ولا بابا، ولا حتى الحيطة دي! امي اللى مش عجباكم دي هى اللى ربتني وعلمتني وخلتني حاجه وكبرتني انتو عملتلولي ايه غير الاهانه وكسرة النفس والخاطر وكل دا ليه علشان مجتيش ولد ولما ربنا رزقكم بالولد عملكم ايه وطى راسكم فى الطين واتسجن فى الاحداث هو دا اللى يشرفكم واللى يعجبكم لكن لو بنت محترمه ومتربيه نبقى هم ووش نحس ونكد...
صفية:
وطي صوتك يا بيت! والله طلعلك صوت وبقيتي توقفي وتبجحي فى ستك ياعديمه الربايه وبتقولي على نفسك محترمه ومتربيه...... ما انتي تربيه السطوح والشوارع ويابنت الشغاله.....
ملك:
أنا مش هسكت تاني..
أنا هرجع لماما، ومش هعيش هنا، ولو آخر يوم في عمري.
**********************
بعد أسبوع – حكم المحكمة
قدام المحكمة، نوال واقفة، إيديها بتترعش، منى جنبها، القاضي بينطق الحكم)
القاضي:
بناءا على المستندات والتقارير،
تقرر المحكمة إعادة ضم البنت إلى حضانة الأم فورا،
مع توجيه إنذار قانوني للأب بعدم تكرار الواقعة.والا هتكون عقوبتها السجن والغرامه والزامه بدفع نفقه البنتين وتوفير سكن مناسب للام للحاضنه للبنات... رفعت الجلسه.
(نوال بتنهار من العياط، بتبص على المحامي، منى بتزغرط، وملك بتجري من ورا صفية وبتحضن أمها جامد)
ملك:
رجعتلك يا ماماااا...
رجعتلك.
نوال (بتحضنها):
ومش هسيبك تاني..
لو اتحرق الكون كله، انتي جوه قلبي..
أنا أمك..
وأنا اللي هربيك، مش أمه اللي عمرها ما عرفت يعني إيه "حضن". ولا" حنيه".
في زمن الورق بيحكم، الكلمة اللي بتتقال من القلب بتنتصر.
ونوال، رغم فقرها وقهرها، رجعت بنتها، مش بقوة القانون بس،
برجوع الحنية لأصلها، ورجوع البنت لحضنها اللي عمره ما خانها.
**********************
(بعد شهر من رجوع ملك لنوال)
(بيت نوال.. شقة فوق السطوح، صوت الغسالة شغال، ونوال في المطبخ بتجهز أكل، ومنى بتذاكر، وملك قاعدة بتقرا كتاب)
نوال (بهدوء وهي بتبص على بنتها):
رجعتيلي بس قلبك لسه هناك... عجبك العز والعيشه النضيفه والمدارس الخاصه يا ملك؟ ندمانه يا كبد امك انك رجعتي للفقر تاني؟
ملك (بصوت خفيف):
بالي مش هناك يا ماما.. هو مكنش في مكان من أصله.
(تبص في الأرض)
أنا بس بقيت أخاف أنام.. كل ليلة بشوف تيتا صفية بتزعقلي في الحلم، وكل ما أغمض عيني، بحس بابا هيخدني تاني.
نوال (تحضنها):
مش هيقدر.. لا هو ولا هي. أنا بقيت نار. اللي يقربلك، يتحرق بيا.. انا مستحيل اسمح تغيبي عن عيني لحظه واحده بس..
منى (بصوت صغير):
بس يا ماما، انا سمعتك وانتي بتكلمي عمو المحامي قال في التليفون إن تيتا صفية عايزة ترفع قضية تشويه سمعة... عشان الناس اتكلمت عليها في المنطقة بعد حكم المحكمة.عايزه تشوه سمعتك انتي كمان وتاخد حقها على حسابنا يا ماما.... مفكرتش فيا ولا في اختي اهم حاجه نفسها وصورتها ادام الناس زي بابا بالظبط...
نوال (بسخرية):
تشويه سمعة؟ دي كانت بتغسل وشها كل يوم الصبح بالكلام الوحش من زمان!
سبحان مغير الاحوال.... واللى خلاها هانم تشتري وتبيع في ناس كدا بس في ربنا فوق خليها ترفع.. إحنا ما شتمناش، إحنا قلنا الحقيقة.واللى معاه الحق عمره ما يخاف ولا يطاطي ولا يستخبى....
**********************
(في شارع جانبي، صفية قاعدة مع محامي، وشها كله حقد، بتولع سجاير واحدة ورا التانية)
صفية:
أنا عايزة أخرب بيتها.. عايزة البت الصغيرة دي ترجع، حتى لو بالقانون أو من غيره.
ده بيت ابني، ومالوش غير بنت واحدة، دي لازم تكمل في حضنا، مش في حضن وحدة خربتله حياته.
المحامي (بتردد):
بس يا حاجة، البنت مش قاصر بس، دي دلوقتي تحت حضانة قانونية.. وأي محاولة تانية ممكن تتحسب عليكم جناية.
صفية (بحدة):
يعني نسيبها تاخدها كده ببلاش؟!
أنا اللى شلتها وهي صغيرة، أنا اللى ربيتها...
(لحظة صمت، وبعدين صوتها ينكسر شوية وتمثل انها غلبانه):
هو ده جزاتي؟ بنت ابني تسيبني كأني غريبة؟
المحامي:
أصل التربية مش دايما حضن.. أوقات تبقى قسوة، وده اللي حصل... حضرتك مقدمتيش غير قسوة فمستحيل تلاقي المقابل حنيه وحضن...
*************************
(ملك في مدرسة جديدة، جاية، عينيها شايلة هم سنين)
المدرسة (بحنان):
مالك يا ملك؟ مش بتتكلمي ليه في الحصة؟ وليه دايما كاشه في نفسك كدا وخايفه؟! انتى كنتي نوارة الفصل واكتر واحده بتتكلمي وبتعملي حس ليه ايه اللى حصل؟!
ملك (بصوت مخنوق):
أنا لما كنت هناك... محدش كان بيسألني بجد أنا مالي. كنت دايما في المطبخ أو الأوضة...
كنت ساكتة علشان اللي بيتكلم بيتضرب.
المدرسة:
بس انتى هنا في المدرسة وهنا محدش هيضربك... هنا فيكي ترجعي تكتبي، ترسمي، تحلمي...
وإنتي عندك حكاية لازم تتقال يا ملك، فاكرة؟
(ملك تبتسم ابتسامة صغيرة، للمرة الأولى من شهور)
***************************
بيت نوال، بالليل
(نوال قاعدة على البلاط قدام باب الشقة، لابسة جلابية بيت، ومعاها كباية شاي، بتبص للنجوم)
منى (تخرج بهدوء وتقعد جنبها):
فاكرة يا ماما لما كنتي بتقوليلي إن الرجالة هما اللي بيكسبوا في الآخر؟ لما كنت بشتكيلك من ابن الجيران واحنا بنلعب...
نوال (تضحك):
أهو حصل العكس أهو... إحنا اللي كسبنا، وملك رجعت، ووشها رجع ينور.
بس الصراحة؟ أنا ما كسبتش علشان المحكمة... كسبت علشان ما سكتش.
ولو الزمن رجع بيا، هطلع أصرخ من فوق السطوح مش من المحكمة.
منى:
يعني لو جالك راجل تاني، هتتجوزي؟
نوال (تضحك وتفرك إيدها):
مش بعد ما بقت الحياة أخيرًا هادية..
أنا عندي بناتي، وهما أحسن راجل في الدنيا. وهما العوض والسند ليا فى حياتي وهما اللى مليين عليا دنيتي....
(ملك تخرج وتجري عليهم، تحضن نوال من وراها)
ملك:
وأنا خلاص... مش هخاف تاني.
أنا هعيش، حتى لو وجعوني. وهعمل زيك يا ماما مش هسكت تاني ابدا وهصرخ وهقول الحق وانتي بجد بطلي وقدوتي فى الحياة يا ماما ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك ابدا....
نوال (بصوت واثق):
وإحنا هنعرف نوجع اللي حاول يكسرنا.. بالسكوت؟ لأ.
بالحب اللي بيربي، بالحضن اللي بيشيل، وبالست اللى عرفت تبقى جيش لوحدها.
************
النهاية
في حارة ضيقة فوق السطوح، بنت رجعت لأصلها.. ست طلعت جبل بأديها، وبنت صغيرة بدأت تصدق إن الحياة ممكن تبتسم.
والقهر؟ لسه موجود.
بس الحنية؟ أقوى.
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم


تعليقات
إرسال تعليق