رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الحادي والاربعون حتى الفصل الأخير بقلم الكاتبه رحمه سيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
![]() |
رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الحادي والاربعون حتى الفصل الأخير بقلم الكاتبه رحمه سيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
" وعندمـا تعطيـك الحياة ظهرًا للسعادة، تحلق في الأفـق وترفرف مهـللاً، غير حاسبًا لدخيـل يعترض على رغبة قدر !!!! "
نهضـت شمس تغتسـل لتؤدي فريضتها وبداخلـها كم طاقة هائلة، لا تشعر كيف أخترقتها ولا حتى متى اخترقتها، ولكنها تحثها على القـدم في تلك الفرصة التي لن تعوض مرة اخرى !!
أقتـربت من مالك الذي كان ينـام بقلق تخلله حتى وهو مغلق العينين، وكأن والده زرع له جواسيسًا في كل مكان فلم يعد يستطع الأرتيـاح ...
بدءت تحسس على لحيتـه القصيرة بأصابعها الناعمـة،
إبتسمـت بحنـان لتدقيقها لتلك الملامـح التي شعرت أنها محفورة بسحرًا من الحنان والجاذبية .. يجذبك دون أرادة أو مجازفةً للشفاء منه !!!!
أجفلت وهي تشعـر بحركتـه، فاستعدت للنهـوض، ولكن كالعادة يجذبها له لتصبح فوقـه، حاستـه العاشقة تنذره بمجرد قرب من معشوقته الفاتنـة ..
نظـر لعيناهـا بهيـام، ولسانـه الذي يسقط اثيرًا لقلبـه الذي لم يتركـه فيه العشق خلجه إلا وتخللهـا، ردد :
- صباح الأناناس على أحلى واغلى الناس
ابتسـمت برقـة مغمغمة :
- صباح النور يا ملوكي، كل ده نوم، قوم يلا هنتأخر
قطـب جبينـه بعدم فهم من طلبًا للأبتعـاد مبهـم بالنسبة له، وسألها :
- هنتأخر على أية ؟
إتسعـت ابتسامتـه التي اسرتـه بجمالها وهمست مقتربـة منه غير عابئة بأي أنذارات :
-عشان نصـلي يا روحي
ولأول مرة تمـر عليه كلمة غزل من معشوقتـه دون الـرد عليها بما يرضى شوقه لها !!
" نصلي " !!!!!!!!!
كلمة صغيرة ولكنها فتحت بئرًا عميقًا، بئرًا لا ينتهي من المحرمات التي فعلها ..
سجائر .. مخدرات .. سهر وخداع ونسـاء، ولكن يبقى الخط الأحمر الذي يفصله بين ذاك البئر من السحق " لم يكن زاني يومًا "
كانت مشاكسات سطحية .. قبلة ومغازلة واستمتاع بالوقت لا اكثر !!!
وبحواس مخدرة همـس وكأنه لا يستوعب الكلمة :
- نصلي !! انا وإنتِ ؟
شعرت بسؤاله أنه يتأكد ان يد النور الممدودة له لم تكن وهمية او مؤقتة، وإنما عازمة على إنتشاله من ظلمات روحه القهرية !
فأومأت مؤكدة بابتسامة بريئة :
- أيوة نصلي، وأنت الإمام
إبتلـع ريقـه، يظهر لها ما يخفيـه طيلة حياتـه بحرج تجلى في نبرته الرجولية :
- بس أنا آآ مُش بعرف أصلي
مسدت على يده كطفلاً يخجل من والدتـه، وهي لن تترك ذاك الدور .. بل ستتقمصه وتظل مع طفلها حتى يكبـر وينضج كاملاً من كل النواحي وبما فيهم الدينية ...
ثم قالت بحـزم ليـن :
_ عادي يا حبيبي، أنا هقولك أزاي، وأنت شاطر هتتعلم بسرعة أنا متأكدة
وهل يحق له غير أن يعشقها أكثر ؟!
بالطبـع لا .. إن كان الشيطـان يحاول جعل لذاك العشق مخرجًا، هي سدته بالكامل الان، بل ووصمت وصمة عشقها المُهللة !!!!! !!
فأحتضنهـا بصورة فاجئيـة، يشدد من قبضته التي لم ولن تلين من حولها ابدًا .. يحمد الله على نعمـة رُزق بها فجأة !!!
فأمسـك وجههـا بين يديـه الخشنة برقة تناقض ملمس بشرتـه، ومن ثم بصوت عاشق تزداد درجات حنانـه في كل ثانية ، قال :
- أنا أسف يا شمسي
سألته ببراءة تليق بمعالم وجهها المشدوهه :
- لية يا حبيبي بتقول كدة !!؟
وخرجـت تنهيـدة حارة تسبق الأعتذار الذي مس قلبها وبشدة :
- أسف على كل جملة ماعجبتكيش قولتها في حقك، أسف على صوتي اللي علي عليكِ في يوم، أسف على عنف أستخدمته معاكِ
ثم ثبت نظراتـه المخترقة على نظراتها المستسلمة للأختـراق، ليتابـع هامسًا :
- بس مش أسف على إني أجبرتك إنك تكوني ملكي، ولا أسف إنك بقيتي مراتي بالمعنى الفعلي
وأقترب اكثر حتى بات ملاصقًا كعادته في تلك الأوقـات، شفتـاه تتلهف لذاك الأقتراب، وأنفاسـه اشتعلت بلهب الرغبة والشوق ..
ليردف بنفس الهمس :
- لإني من اول ما عيني وقعت عليكِ وأنا هاموت عليكِ، مكنتش مصدق امتى تبقي ملكي
وشعـرت من دوامة تكاد تفقدها وعيها من كلمات الغزل التي تزيد من أطنـان خجلها الذي لم يزول منه !!
وقطـع شرودها تلك المرة دفئ شفتيه التي إلتهمت شفتاها دون القدرة على الثبات أكثر ..
وبحركة تلقائية لفـت يدها حول عنقـه تبادلـه قبلته الناعمة .. والتي سرعان ما تحولت لقبلات يوزعها على كل إنش بوجههـا .. وبالطـبع نالت رقبتها وكل جزء ظاهر منها جرعته الرقيقة من القبلات .. وشمس كدمية لم تعد لها القدرة على الرفـض، ولكنها قالت بصعوبة متلعثمة :
- مالك
نظر لها مغمغمًا بأنفاس لاهثة :
-روح مالك
اجابتـه بصوتًا رقيقًا يناسب حمرة وجهها التي طُبعت على كل ملامحها :
- هنصلي الأول .. لو سمحـت
ودون إرادة منه اومأ موافقًا بابتسامة هادئة .. وخبيثة بعض الشيئ :
-هنصلي، بس بعدها مش هاسيبك
ضحكت بخفة لتبعده عنها ناهضة .. تبعها هو للمرحاض لتتوضئ هي وهي تشـرح له، وبكل حركة تبتسم له ببراءة كأنها تشرح لطفل صغير ...
حتى انتهت وهو معها فسألته بخفوت :
-عرفت يا حبيبي
اومأ مؤكدًا :
-طبعاً يا قلب حبيبك
سحبته من يده للخارج بعدما انتهوا لتفرش المصـلاة متمتمة بسعادة لعاشـق بدء يحفـو أولى خطـوات السلام النفسي معها :
- يلا بقا يا ملوكي، أنا شرحت لك، يلا صلي بقا واقرأ اي سورة صغيرة مع الفاتحة، مثلاً الأخلاص
ثم سألته بابتسامة خافتة :
- أكيد عارفها صح ؟
اومأ بهدوء مرددًا وهو يتجه نحو اليسار، فهزت رأسها نافية وبلين يناسب شخصًا لا يدري أي مسار يتخذ نحو النور، قالت :
_ الإمام بيبقى على اليمين يا حبيبي
اومأ، ليبدءا بأول انارة للأيمان بحياتهم معًا .. راحة وسكينة لم تغمره منذ أن كان طفلاً عادت مُحملة بأطياف عشق !!!
وبعدما أنتهوا، قبل حبينها بحنو مستطردًا بصوت عاذب :
- ربنا يحفظك ليا يارب
ابتسمـت في حنو، همسـت بنفس الدعـوة التي تصل بقلوبهم :
- ويحفظك ليا يارب
وفي اللحظة التالية كان ينفذ كلمته " لن يتركهـا " .. حملهـا بين ذراعيـه المفتولتيـن ويداه تضغط على جسدها الذي ازداد اشتعالـه، وضعت رأسها بجوار صدره الصـلب .. وبعد قليل شعـرت به يضعهـا على فراشـهم، ينزع عنها - إسدالهـا - ببطئ مثير ويتلمس جسدها عن عمد وهو ينزعه، حتى باتت بقميصًا قصيرًا جدًا للنوم، همسـت وهي تـراه يقترب منها ليصبح فوقها :
- مالك، أبعد عني
إتسعت حدقتـاه من طلبًا لم يروق له ابدًا بل ولن ينفـذه وخاصةً بعدما إشتعل لهيبه، فقال بنـزق :
- نعم ياختي، ده لما تشوفي حلمة ودنك
هزت رأسها نافية، وبصوت طفولي أشبه للبكاء :
- ابعد عني، أنا مش عايزاك تقرب مني
عقـد ما بين حاجبيه في إنزعاج واضح :
- في إية يا شمسي، مالك ؟! أنا عملت لك حاجة !!
وفجأة طوقتـه بذراعيها لتهمـس بدلال مغوي :
- أنا بحبك أوي يا ملوكي
قهقـه بعدم فهم، وقبل أن يقبلها قال مشاكسًا :
- ربنا يصبرني عليكِ يا مجنونة يابنت المجانين إنتِ والعيل اللي هيقرفني قبل ما يجي ده
دفعتـه عنها مرددة بحنق جلي :
-أبعد بقا، دلوقتي أبنك بقا قرف صح، كرهته وكرهتني أنا عارفة
أسكتها بقبلة دامية يعتصر فيها شفتاها بحزم، وحنان، ورقة ونعومة معًا، يـداه تتحسس منحيات جسدها بأشتياق، ليبتعد بعد دقائق معدودة مردفًا :
- ده انا بعشق أمك
وابتسمت بتلقائية لتلف يداها حول رقبته، فما زادته تلك الحركة إلا إنقضاضًا عليه يلتهم كل تفصيلة فيها برغبة وعشق لا يزولا !!!!!
************
و زينـة أمام النيـل في سيارتـها، تشكـوا له بما يجيش في صـدرها ..
ترجـوها أن يكن عاقلاً لدقائق فيديرها نحو الصـواب !!!
والدمـوع فقط من كانت تصاحبها في تلك اللحظـات .. فقط الدموع من كانت تجري بين عينيها البنية تضامنًا مع ذاك الحزن الذي يغمـر قلبهـا !!
اصبحت مؤخرًا تجهل الأسبـاب الحقيقية التي تدفعها لبعض الأشيـاء !!!!!!!
مثلاً ذاك الصديق الذي اقتحم عالمهـا الحالك فجأة .. ولا تدري لمَ سمحت له بذلك الاقتحام ؟!
ولكن وكأن التشابه بينهما كان كوسيلة إجبارية لقبوله في قائمة المرحب بهم في تلك الحياة البائسة !!
واهم ثاني عقبة في حياتها الان هو رد فعل مالك عندما تخبره ...
مالك الذي لطالما كان متهـاون .. الان ستخرج هي الوحش الذي يكمن بداخله !!!!
ووالدتهـا ...
ربـاه من شعورًا يخنقهـا من مجرد التفكير فيما تعانيـه والدتها المسكينة الان!!
هبطـت دمعـة حارة مسحتهـا مسىرعة لتنهض وقد عقدت العزم على الذهـاب لمن كان له الفضل في إفتعال اكبر جزء من الألم في حياتها !!!!!!!!!
وبالطبع لم يكن سوى " زياد " ....
***********
وأخيرًا استطاعت " خلـود " إبعاد جفنيهـا عن بعضهمـا .. لتبتعد تلك الغمامة السوداء التي أحاطت عينيها ...
فحلت مكانهـا صـورة " مراد " و " والدتها " واخيرًا " شقيقها " المكروه بالنسبة لها الان !!!!
وبحـور ساخنة غاصت وسط موجات من الحزن إحتلت عيناهـا ..
نظـرت لمراد فقابلت اللهفة الطبيعية على معشوقتـه، ثم لشقيقها .. ندمًا يقطر بوضوح من نظراته وملامحه الخشنة .. ثم والدتها التي قذفت بسهامها الجامدة بوجهها رغم كل ما سمعته !!!!!!
فنظرت للأرض .. الأرض فقط من ستستطيع أظهار ضعف نظراتها لها الان !
سمعـت صوت مراد المتسـاءل بقلق واضح دُس وسط نبرته :
-خلود إنتِ كويسة يا حبيبتي ؟
فلم يجد ردًا منها .. فعاد يسألها بقلق ازدادت درجاته :
- خلود ردي عليا طب ؟!!!
ولكن ايضًا ما من مجيب، وكأن حرفيًا أحبالها الصوتية توقفت عن العمل بأمر من العقل الذي لم يعد يستعب ما حدث !!!
فهزها مراد وهو يحثها على الحديث :
- خلود طب اصرخي، زعقي، اعملي اي حاجة، مينفعش تفضلي ساكتة كدة
ولكن ايضًا ما من رد !!!!
فنطق تامر بأسف شابه الحزن العميق ؛
- خلود أرجوكِ ردي، أنا اسف حقك عليا سامحيني يا اختي
ولم ينل منها سـوى ابتسامـة متهكمة دلت له بوضوح على مدى أستحالة ما يرجوه !!!
فقال مترجيًا اياها بحرارة :
- طب بلاش تردي عليا، ردي على جوزك اللي هيتجنن ده من ساعة ما اغمى عليكِ
وايضًا لم ترد .. فشعروا أنهم في بحرًا من صمت لن ينقذهم أي شيئ من بين غرقـه ابدًا !!!!!!!
وفجأة نهضت خلود .. فنظروا لها بقلق عادا والدتها التي كان البرود والجمود خلفيـة تخفي قلقها العارم على أبنتها الوحيدة ...
فأبعدت مراد بحركة فجائية، ليمسك يدها قابضًا عليها بتساؤل جاد :
- خلود رايحة فين ؟
سارت بخطـى مترنجة نحو الخارج ممسكـة برأسها الذي تحوم فيه مائات من الأفكار المتهالكة !!!
ومراد خلفها تمامًا ينتظر حركتها بتوجس، ومن دون سابق إنذار ركضت للخارج بعدما إستعادة اتزانها من عقلها الذي ترحم بها قليلاً و.......... !!!!
************
بـدت الصدمـة واضحـة على وجـه زيـاد الذي لم يعـد يرى سوى وجه " زينـة " من بين كل الواقع من حولـه ..
عينـاه كانت مُثبتة عليها فقط بأمرًا من قلبًا كان الأشتياق حاكمة ..
زينة التي فاقت كل توقعاتـه في أفعالهـا !!!!!
زينـة التي كانت وستظـل شخصًا غامضًا جامدًا رغم قوة ضربة الظروف !!!!
زينـة التي كانت أكبر مثالاً للأحتمال والكتمـان !!!
زينـة التي لو كشفوا عما يحوم بين جنبـات صدرها لذُهلوا من كم الألم الذي يحتلها كليًا ...
واخيرًا إستطـاع تبديل الصدمة بهدوء ظاهري وهو يقول :
-أتفضلي يا زينة ؟
هـزت رأسها نافيـة بجمود :
-أنا مش جاية أتفضل يا زيـاد
سحبها للداخـل بليـن حاول زجـه بين لمساته علها تكـن ضمن أسباب الموافقة والرضا، ثم قال :
- طب تعالي نتكلم جوة مينفعش على الباب كدة، بغض النظر عن اللي جاية تتكلمي فيه
اومأت وهي تُيقـن خيوط الصدق التي تنسدل من كلماتـه ..
وما أن دلفوا وأغلق البـاب حتى هتفت من بين أسنانها :
-أظن كدة نقدر نتكلم
اومأ يحثهـا على الحديث في هدوء تــام :
- أتفضلي يا زينة، قولي أوامرك
ضيقـت ما بين حاجبيها في تعجب متساءل من كلمته :
- اوامري !!!!!؟
اومأ مجيبًا باستخفاف مرير إتضح لها كعين الشمس :
-أيوة، أصل إنتِ دايمًا بتيجي تديني أوامـرك وتمشي
اومأت موافقة ببـرود، لتسأله تمهيدًا لرغبتها الصادمة والقادمة :
- أنت قولتلي في التليفون إنك موافق صـح ؟
سألها بعدم فهم مصطنـع :
- موافق على إية بالظبط يعني ؟
ردت بجمـود :
- على الطلاق يا زيـاد
وبالتأكيد بعد ذاك البريق الذي سـاع عينـاها كاملـة، زفـر مغمغمًا باستسلام :
-ماشي يا زينة، براحتك، هطلقك حاضر
وظهـر شبـح ابتسامة منكسرة على وجهها، أي امرأة في نفس وضعهـا لكانت الان تحمل اكثر قدرًا من الحـزن لتخزنه ..
وبالفعل هي تحمله .. ولكن هنا السبب يختلـف !!!
هنا هي حزينـة لأنها صورة أمام الناس " الأنسة الغالية زينة " .. ولكن الصورة الأصلية والواقعية هي انها " مدام زينة العاهـرة " !!!!!!!!!!
حثـته على الأسـراع وكأنها ستحصل على جائزة غالية :
- طب يلا لو سمحت عشان عاوزة أمشي
اومأ متنهدًا .. لسانـه عاجزًا على فصل أخر رابط يجمعهم معًا !!!
عقل شُل عن الكلام المتوقع أن يصدر منه دفاعًا عن شخصيته الرجولية الشرقية ..
وتحت تأثير نظراتـها الشبه مترجية، نطقها عاجزًا عن فعل اي شيئ غيرها :
-إنتِ طاالق يا زيـنـة .. طالق .. طالق !!!!!!!!!!
***********
خرج مالك من المرحـاض عاري الصـدر يجفف شعـره الأسود الكثيف، ليقـع نظـره على شمـس التي كانت تجلس تمشـط خصلاتها الطويلة أمام المرآة ..
اقترب منها يحتضنها من الخلف، لتبعـد يده عنها بحركة تلقائية !!!
فعقد حاجبيه متعجبًا من تغير أصبح يتملكها دون سوابق !!!
ثم سألها :
- مالك يا شمس ؟ أية تاني !
لوت فاههـا مغمغمة بضيق :
- أه طبعًا زهقت مني، مابقتش مستحمل مني كلمة
هـز رأسه نافيًا بملل من ذاك التغير :
- لأ يا شمسي، أنا مابزهقش ومش هزهق منك ابدًا
مدت له الفرشـاه مرددة بشبه ابتسامة تسللت لملامحها العابثـة :
- طب خد
سألها فاغرًا شفتـاه متعجبًا بحق :
- إية دا اعمل اية يعني ؟
رفعـت كتفيها، وبلامبالاة أجابته دون تردد ظاهر :
- سرح لي شعري يلا، أيدي وجعتني من كتر ما عمالة أسرح فيه
اومأ موافقًا على مضض :
- ماشي، خلي بس الواد ده يجي وانا هنفخ امك وامه
ضحكت برقـة وهي تراه يتمتم، فسألته بحزم مصطنع :
- بتقول حاجة يا مالك ؟
هـز رأسه نافيًا بابتسامة رسمها على ثغره اجباريًا :
- لا يا حبيبتي مابقولش، مابقولش خالص
وأوقفتهم فجأة طرقـات بطريقة مريبـة على البـاب وصراخ الخادمة :
- يا استاذ مالك .. ألحق يا استاذ مالك
هرع يرتدي التيشرت الخاص به مسرعًا، ليفتح الباب هابطًا للأسفـل بسرعة، فصُدم بالشرطـة بالأسفل ..
وسرعان ما سأله الضابـط :
- أنت مالك جمال السُناري ؟!
اومـأ مالك مؤكدًا بتوجس :
- أيوة أنا خير ؟
وبصوت قاتـم رد الضابط بما زلزل كيانـه :
- مطلـوب القبض عليـك بتهمة قتـل سمر الشهـاوي !!!!!!!!!!!!
************
يتبـع
غزالة في صحراء الذئاب
الفصل الثانـي والأربعـون :
صمـت .. صدمـة .. نظـرات تائهه متشابكـة في سمـاء عدم التصديـق !!
تُرى هل يُفتـرض أن تكـون السعادة تتوغله الان، السعادة التي تنتشر بين نسمـات الهواء لهزيمة اكبر عدو الأبدية !!!
ولكن يبدو أنه من سيدفـع ضريبة تلك الهزيمة المفحمة بالنصر !!!!!
مستنقـع من الخـداع يكبر في حياتـه يومًا بعد يـوم ..
وصوتًا داخلـه يصرخ بهـلع " لم أفعـل " ...
ولكن بالطـبع كلهـا خيالات بين جنبـات صدمتـه الجامحـة ...
وسـؤالاً هادئًا على عكس ثورتـه النفسية الداخلية للضابط :
-ممكن أفهم أزاي ده حصل !!
رفـع الأخـر حاجبه الأيسر، وبتهكم من متهم يرسـم البراءة بمنتهى البراعة، قال :
-لا والله يعني حضرتك مش فاهم ولا عارف أنا بتكلم عن أية ؟
وبدون تردد هز رأسه مؤكدًا في تعجب :
-أيوة، أنا حالاً عرفت منك أنها ماتت أصلاً
وبصوتًا جامدًا رد الأخر :
-حاجة ماتخصنيش، كل ده تقوله في القسم بقا
ومازال " مالك " يتمسـك بكل قوتـه بأخر طرفًا للثبات يحفـو من امامه مغادرًا وهو يردف :
-ممكن أعرف إية دليلك الأول ؟
اومأ مجيبًا ببساطة لم يتكلفهـا :
-سلاح الجريمة بتاعـك أصلاً يا أستاذ مالك، الظاهر إنك من لخمتك نسيته عند المجني عليها
ولم يدع نقطة للثبـات بداخله إلا وقضى عليها بكلامه، فصرخ فيه مالك منفعلاً :
-لا طبعاً، دي واضحة زي عين الشمس إني مش أنا، لو انا يستحيل أسيب دليل مهم زي ده ورايا !!!!!
وبالرغـم من عقلانيـة تصرخ بالتظاهر بين حروفـه، إلا انه رد عليه بدبلوماسية :
-القانون مابيعترفش إلا بالدليل يا أستاذ
ثم أشـار - للعساكر - بحركة صغيرة ومباغته من يـده .. ولكنها قطعت أخر املاً لدى مالك،
وصرخت شمس بهلـع :
-لا مستحيل، مستحيل أكيد كذب
هبطت من السلم بخطى شبه راكضـة غير عابئة بأي شيئ سوى معشوق يسحبه الظلام له مرة اخرى !!!
اقتربت من مالك حتى أصبحت امامه، وبصوت غلفـه الدمـوع القهرية همست :
-مالك أوعى تسيبني هنا لوحدي
مسـح دموعها التي خانتها لتسقط على وجنتاها الساخنـة، وبثبـات هو يفقـده .. حاول التمسك به ولو لثواني وهو يخبرها :
-حبيبتي متقلقيش، بأذن الله المحامي هيخرجني منها بسهولة لأن ربنا عارف إني مظلوم وأستحالة أقتل
اومأت بابتسامـة منكسـرة، وإن حاولت التحلي بالهدوء والصبـر .. يبقى ذكر أسم جمال المُزعزع الوحيد لهدوءها المزيف !!!!!
وسرعـان ما قالت قبل أن يلتفت :
-طب هاجي معاك
وبرفض قاطـع غير قابل للنقاش أجابها :
-لا طبعاً مينفعش، خليكِ في البيت وماتخلطتيش بحد، خليكِ في أوضتك بس يا شمس
وبالطـبع كـان كلامـه المُبهم بالنسبة للأخرون، عندها هي يتضـح .. وكأنه شفـرة لا تُفـك إلا معهـا ..
وهي ستمتثل لأوامـره، ولن تختلط بشيطان الأنـس مادام هو لم يكن معها،
ولكن مهلاً ... هل لها الشجاعة من الأسـاس لتختلط به ؟!
بالتأكيد لا، هي أضعـف من أن تـزج نفسها في مواجهة ستخسر هي بها معه !!!
وتقريبًا .. كان يودعها بابتسامة صفراء وهو يشير لطفلهم :
-خلي بالك من نفسك، وبلغي المحامي هتلاقي رقمه على موبايلي
اومأت وهي تمنع نفسها بصعوبة من البكـاء هامسة :
-حاضر يا مالك، متقلقش
وإلتقـت نظراتهـم في نظـرة نبعـت من أرواحًا وقعت مرة اخرى اسيرة تحت رغبة خفية للقـدر !!!!!
نظرة كانت منكسرة من كلا الطرفين، كانت كمن يودع رفيقـه بأجبار ...
لتنقطـع مع مغادرتـه مع رجال الشرطـة، تاركًا خلفه تلك المسكينة تواجـه ذئبًا لا يرغب سوى في إفتراسهـا !!!!!!!
*************
وتقريبًا لم يمـر الكثير من الوقـت حتى وجدت شمس باب الغرفة يقرع بقوة، وكأن تلك الطرقات تمثـلت لها في مقدمـة للصدمات التي ستتلقاها على التوالي !!
وبأقـدام تجرهـا عنوة، اقتربت من البـاب تهمس بحروف لم تتعدى شفتيها :
-مييين !!؟
وكانت الأجابة حادة وغاضبة :
-إنتِ اللي مين ؟
ولكن .. " عند ذكـر الأنثى يُذكر اللين " وكأن صوت الأنثى كان كفيلاً أن يبعد أي افكار لقدوم العداء عن عقلها - مؤقتًا - تنهدت بأرتيـاح فطري عند سمـاع صوت فتـاة، فاستدرات ثم فتحت الباب ببطئ حتى إلتقت عيناها بنظرات زينة الحادة كسيفًا لا يتردد في قطـع أي دخيل !!!
وسرعان ما جذبت شمس من ذراعها وهي تسألها بحدة مفرطة :
-إنتِ مين وإية اللي جابك هنا يابت إنتِ
أبعـدت شمس يدها عنها بهدوء، وبنفس الهدوء الذي جعل زينـة تكاد تفقد عقلها، أجابت :
-أنا شمـس
زفـرت وهي تكمل اسئلتها كقاضي لا يملك وقتًا للتفاهم :
-أيوة يعني يا ست زفته، شمس مين وإية اللي جابك هنا ؟!!!!
لم تعطيهـا فرصة للرد فألقـت باتهامتها التلقائية تجاه تلك البريئة القلقة :
-اه إنتِ اكيد واحدة من اياهم بابا هو اللي جابك صح ؟!
وكأن عقرب لدغت شمس، فأصبحت تهـز رأسها بسرعة نفيًا :
-لا ابداً، أنا مليش أي علاقة بوالدك
مهلاً ... لطالما لا توجـد لها علاقـة بوالدهـا، قد يُمكن أن تلهمها فرصة للدفاع عن نفسها !!!
تلك الفرصة التي لا تُعطى لمن يقـرب شيطان الأنس ولو بعلاقة سطحية !!!!
بينمـا شمس عَلى النفور والرفض أفق عقلها من مجرد ربط أسمها بذاك الشيطان الذي تهابـه ..
فأسرعت تسأل زينـة بجدية مناسبة للموقف :
-إنتِ زينة صح ؟
اومأت زينة موافقة، ثم سألتها في تعجب :
-أيوة بس عرفتي منين، وبردو ماقولتليش إنتِ مين ؟
وبشيئ من التوتـر لأحتمالية تكذيبها ردت :
-أنا آآ أنا مرات أخوكِ
إتسعت حدقتا عينا زينة بحركة تلقائية !!
وهل أستطـاع اخيها المتهور .. الطائش .. الذي لا يهتم سوى برغباته أن يربط نفسـه بفتاة كهذه !!!!
وليس أي رباط .. رابط متين أبـدي إن لم يجـدوا كاسر له !!!!!
إنتشلتها شمس من صدمتهـا تخبرها :
-أرجوكِ مش وقت صدمة، تعالي لازم تتصرفي معايا
سألتها زينـة متوجسة :
-إية في اية ؟
تنهـدت شمس بقـوة أقنعت نفسها بواجب التحلي بها :
-مالك .. جم خدوه .. البوليس
شهقـت زينـة بقوة اثر الصدمة التي قذفتها بها، إنتشلتها من صدمة لتدفعها في دوامة من الصدمات وهي تسمعها تكمل ؛
-عشان .. عشان آآ بيقولوا إنـه قتل .. سمر
ذُهلت سمـر حرفيًا .. لا تدري لمَ يعاندهم القـدر هكذا !!!!!!
يُعاقب البرئ ويُكافئ المتهم !!!!
إنعكاس في الرغبـات، يجعلها ودت لو صرخت بأنهيار ....
وسألت شمس بصوت حانق وعاجـز :
-أزاي، مالك مستحيل يعملها
اومأت شمس، وقد انخلطت الدموع على صوتهـا وهي تردف :
-عارفة، والله عارفة .. أنا أتصلت بالمحامي زي ما قالي، وزمانـه على وصول
فيما هتفت زينـة بلمعان في جوفيها غريب :
-أنا متأكدة إن بابا هو اللي عمل كدة
اومأت شمس متأسفة على فتاة أعتقدت أن الصدمة لن تنحاز عنها عند معرفتها، ولكن وكأنها مُهيئة بحاجز قوي من شيطان الأنس !!!!!!!
لتصـرخ زينة فجأة :
-احنا لازم نتصل بـ مروان، أيوة مروان هو الوحيد اللي هيقدر يتصرف كويس
وبالطبـع لم تغفـو شمس عن تذكر " مروان " .. مروان والذي صدقـت زينة في قولها عنه
" هو من سينجد مالك " بل وربما .. هو من سيُعدل إنقلاب ما يحدث !!!!!!
***********
وأخيرًا أستطاع " مراد " الأمسـاك بــ خلود التي لم تتوقف عن الركض لحظـة ..
كانت وكأنهـا تركض من مستنقـع من الكسرة والصدمـات !!!
ولكنه بـات كالوحـل يجذبه لها مرة اخرى كلما أبتعدت !!!
وكأن الألم أقسم ألا يتركها إلا وهي مُدمـرة كليًا ..
ولكن لمَ لا يتركها الان !!!
هي بالفعل دُمـرت وبجدارة، ولكنه .. وفي، نعم نعم .. وفي لا يترك صديقـه بتلك السهولة بالطبـع !!!!!!!
ظـل يحاول إستعادة رباطة جأشـه قبل أن يصيج فيها منفعلاً :
-إنتِ مجنونـة !!!
اومأت ببـرود، قبل أن يخـرج صوتها متلبسًا حالة اللامبالاة :
-أيوة مجنونة، أنا فعلاً فاضلي تكه وأدخل مستشفى المجانين
تنهـد بقوة يغـرز أصابعه في شعره بقوة وكأنـه يسلب منها شحناتـه الغاضبة، واخيرًا إستطـاع التحلي بالهدوء وهو يخبرها :
-طب ممكن تيجي نروح بيتنا ونتكلم بالهداوة كدة
هـزت رأسهـا نفيًا مُصرًا :
-لأ، أنا عاوزة أتكلم مع شمس
حاول معها بخفـوت لتغيير قرارها الغير صائب وهي في هذه الحالة :
-حبيبتي مش هينفع، لازم تهدي الأول وتعرفي راسك من رجليكِ
-لأ، هروح لشمس ودلوقتي
قالتها والعنـد هو من اخرج حروفها تلك، فتنهـد وهو يقول بصوت جاد :
-خلود مش هينفع، الأول لازم تروحي وتهدي وتتكلمي مع مامتك تطمنيها عليكِ بقا
هـزت رأسها نافيـة، وكأن الضوضـاء التي تزداد بداخلها مع كل ثانية لن تهدئها إلا شمس فقط !!!!!!
فاستسلم وهو يومئ :
-ماشي يا خلود، هوديكِ لشمس
اومأت في حبور :
-متشكرة
سألها بصوتـه الأجـش مستفسرًا :
-عارفة عنوانهـا ؟
اومأت مؤكدة :
-ايوة في المعادي
أمسـك يدها برقة، ليشير لأحدى سيـارات الأجـرة ليستقلاهـا معًا بعدما اخبرت السائق بالعنـوان ...
فيما كانت هي على نفـس شرودها، هي من تتمسك بالشرود تلك المـرة، هي من تغوص فيه وكأن غيره لن يجدي نفعًا !!!
وتلقائيًا وجدت نفسها تميل برأسهـا لتضعها على كتفـه ..
فيما ملس هو على منابـت شعرها بحنان، بجوار همسه الهادئ :
-أنا حاسس بيكِ صدقيني
لم تنظـر له وإنما اجابـت بنفس همسـه الناعم :
-انا تعبانة أوي يا مراد، حاسه إن كل حاجة جاية عليا، أمي كنت بقول لنفسي معاها حق، إنما اخويا هبررله أزاي، أنت بعد ما خبيت عني هبررلك ازاي
زفـر بقوة مخجرًا تلك الشحنـات من بين جوفيـه، ليتـابع :
-انا كنت خايف عليكِ يا خلود، كنت بحاول أأجل الصدمة دي قدر الإمكان خوفًا عليكِ مش رغبة في اني اخبي عنك
قطـع حديثهم صـوت هاتفـه الذي بدء يـرن، فأخرجه بهدوء ليجيب :
-الووووو
-...................
-إية ازاي !!!!!
- ...................
-خلاص خلاص سلام أنا هتصـرف أنا
- .....................
أغلق ليمسـك يـد خلود مرتبًا عليها بجدية تناسب همسـه الحازم :
-هوديكِ عند صاحبتك، وهروج مشوار ضروري جدًا نص ساعة وهرجع أخدك
اومأت خلود موافقة بلامبالاة تعمدت إظهارها له ...
ليصلـوا بعد قليل الى المنزل الذي من المفترض أن تقطـن به شمش ...
ففغـر مراد فاهه وهو يهمس مصدومًا ونظره موجه امامه :
-اية ده ... ازااااااي !!!!!!!!؟
*************
-إلحقنـا يا بااااشا، يا جمـال بيـه إلحقنـا
صـرخ بها أحدهم وهو يقتـرب من جمال الذي كان يدخـن بشراهه جالسًا في الهواء الطلـق الهادئ والذي لا يناسب حالة ضيقـه وقلقـه العارم !!!!
ينصـب وينصب الكثير مت الخيوط الشيطانية الخبيثة دون كلل او ملل من الفشل !!!
لينظـر للرجـل متأففًا قبل أن يسـأله :
-في إية يا زفـت أنت
إبتلـع ريقـه بتوجـس، يخشى من إنفجـار قنبلته بوجهـه هو، فتلعثم قائلاً :
-الاول ممكن تهدى يا باشا
صاح فيه جمال مزمجـرًا بحنـق :
-ما تنجـر هو اختبار، أنا حر ابقى هادي ولا مش هادي أنت مش هتقولي أعمل اية !
هـز رأسه نافيًا بهـدوء متوتـر بوضـوح :
-لا بس الموضـوع ده اللي هقوله لجنابك يعني مُش سهل، فعشـان كدة عايزك تهدى الاول
كـز على أسنانه بغيظ مغمغمًا :
-ما تنطق يااض، إية اللي حصل اخلص ؟
أغمـض عيناه بخوف قبل أن يقـول :
-ابنك مالك سلم كل الورق للبوليس النهاردة والبوليس ابتدى يدور عليك
بدء تنفسـه يأخذ منحدر اخر في الاضطـراب، وبالرغم من ذلك قال :
-بردو قولهم ينفذوا، وفي اسرع وقت !!!!!!!!!!!
*************
وصـلت شمس الى المنـزل مرة اخرى بدون زينـة، تشعر أنها تحمل هموم الكون كله فوق كتفيهـا !!!
تشعـر أن روحهـا تكاد تُمزق من كثرة المشاكل التي تعصف بها دون توقـف لتمهل روحها واجب الصمـود.. !!!!
دلفـت إلى المنزل ثم اتجـهت الى غرفتها على الفـور ملتزمة بكلام مالك ....
وآآهٍ من مالك وأبتعاده المفاجئ بعد كل القرب الذي عاشـوه،
وكأن جرعات البُعد الذي كان من المفتـرض أن يأخذوهـا فأبعدوها، الان يأخذوها مع بعضها بصدمات !!!!!!!
وشعـرت بمن يسير خلفها، ولكن الأكيد ليست بزينة ..
زينة التي اخبرتها أنها ترغب في الانفراد بنفسها قليلاً بعد تيقنهم أن مالك لن يخرج من السجن إلا بعد الاثبات القوي !!!!!
والخوف بدء ينهش في التماسك المتبقي داخلها ...
فالتفتت بارتعاد تهمس :
-مين هنـا !!؟
ولكن ما من مجيب بالطـبع، فنظرت امامها مرة اخرى وكادت تركض لغرفتهـا تحتمي بهـا ..
ولكن كيف الركض الان وهي شعـرت بمن يكممها فجأة من الخلف، فمن من دون سابق إنذار سقطت فاقدة الوعي بين ذراعيـه !!!!!!!!!!!!!
*************
غزالة في صحراء الذئاب
الفصل الثالث والأربعـون :
لحظـات مـرت عليه كـمُهلة من الزمـن، يستعب فيها ما حـدث ...
كيف ومتى !!
لا يدري أهي نعمة من القـدر أم نقمـة تهدم فوقـه كل ما كان يسعى له !!!
أنتشلتـه كلمات خلود المتساءلة بتعجب بطن من موجـات تفكيره العارمة :
-مراد مالك في إية !!؟
واجابـته تبدلت بسؤال دون تردد :
-إنتِ متأكدة إن البيت ده بيت صاحبتك شمس دي ؟!
اومأت مؤكـدة على شيئ تحفظه عن ظهر قلب :
-ايوة هو، أنا جيت أكتر من مرة
ظـل يمسـح على شعـره عدة مرات، وسؤالاً واحدًا يتـردد بين صدى حيرتـه
" ماذا يفعل وبأي صفة يواجههم !!!؟ "
واستسلم لقرار اتخذتـه نفسه المتسرعـة وهو يقـول بجدية :
-طب يلا انزلي
وبـدت لها حالته تلك خلفيـة لسرًا ما مازال يخفيـه عنها حتى الان ..
فسألته متوجسـة من صدمات اخرى لم تصنـع لها ولو درعًا من الصمود :
-في إية يا مراد ؟
هـز رأسـه نفيًا، وبلامبالاة اصطنعها بقوة قال :
-لا مفيش، أنا بس فكرت إن ده بيت واحد اعرفـه
سألته والفضول زعيمها :
-مين ده ؟!
-واحد مات، أسمـه صابـر
قالهـا وهو ينظر أمامـه بأسـف، وكأنه يوضـح لها مدى إنحـدار درجة معنوياتـه لأنتصـار كان كاد ينسجم بين ظلال روحـه ولكن فجأةً، إنسحب ودون سابق عذر !!!
ليترك فجوات واسعـة بين روحه يبدو انها لن تـزول !!!!!
بينما هتفت هي بتعجب :
-امممم ربنا يرحمه
وسرعان ما عادت تقـول بفتور :
-والد شمس اسمه صابر، بس عايش ربنا يديه طولة العمر ويفك أسـره
سألهـا باهتمام لطرفًا صغيرًا ظهر من الخيط :
-لية هو ماله يعني ؟
تقـوس فاهها بشفقة مرددة :
-مسجون ظلم ... مؤبد
واسفًا تأكدت شكوكـه، وترابطت نقاط كلامهـا مع شكوكـه الفطنة بعقله !!!
إنسجمـت الأفكار لتتكون هالة واسعة من الحزن والضيق والألم معًا ..
ليتشاركوا الشفقة على من ظُلم وبجدارة !!!!
فأمسـك يدهـا عازمًا على التأكد وبنفسه :
-طب تعالي يلا ندخل
اومأت موافقة باستسلام :
-طيب
ترجلا من السيـارة وكان " مراد " الأسـراع،
وكأنه متأكد أنه يحفو نحو الحقيقة !!
بينما هي شعور بأنها مُصيرة لا مُخيرة يتملكها .. يتملكها ويزداد مع ريبـة مرتعشة من أسـرار مراد المكبوتـه بين حلقه حتى الان !!!!
بدأ مراد يطرق البـاب بينما هي سرعـان ما تبدل شعورها للحماس للقـاء الذي سيُلحم روحها المتفرقـة ...
ولكن كان التعجب أول من إفترش على ملامحهـا وهي ترى والدة شمس المُهلكة حرفيًا :
-إية ده !! في إية يا طنط مالك ؟!
رمقتـها بنظرة استهانـة لأجابـة تتمثـل فعليًا على تلك الملامـح المُشققة من صدى الألم والعذاب الذي تعاني منه ..
ثم قـالت متهكمة :
-مالي ! لا ابداً مفيش أنا كويسة اوي
أصـرت وكأنها لا ترى الاجابـة :
-مالك يا طنط ؟ وفين شمس مش باينة ولا بتتصل بيا
وكأن بكلامها " زادت الطين بلاً " فظهر القهر جليًا على " كريمة " التي أصبحت تنوح في شيئ من الأنفعال :
-وهي شمس بتتصل بحد، شمس متعرفش حد دلوقتي
عقـدت ما بين حاجبيـها، والتوجس إحتل كيانها كرد فعل طبيعي وهي تسألها:
-لية يا طنط مالها شمس ؟!!!
ظـلت تضرب على فخذيها بحركـة مباغتـة، ودموعهـا تسبق صوتها في الشكوى والصراخ وكأنها ستجدي نفعًا :
-آآه يابنتي، أنا اللي ضيعتها بغبائي، أنا اللي اديت الفرصة عشان تعاقبني بالبُعد ده
إحتـدت في سؤالها هذه المرة :
-أرجوكِ كفاية لعب على أعصابي أنا مُش ناقصة، مالها شمس في إية وهي فين !!؟
لـوت شفتيها بشيئ من التهكم القهـري وهمست :
-مشيت .. مع جوزهـا
شهقـت خلود وهي تضـع يدها على فاهها، بينما مراد ساكنًا تمامًا وكأنه شفافًا للتسجيل فقط !!!
وسرعان ما سألت " كريمة " بحنق جلي في نبرتها :
-هي شمس اتجوزت ! للدرجة دي أنا وهي الظروف بعدتنـا
وكان الغيظ هو بلا منازع من يحرق روح " كريمة " في هذه اللحظات ..
كـزت على أسنانهـا لجوار ضغطها لذاك الدفتر بين يديهـا، وكأنها حركة تستدعي بها المتبقي من الهدوء الساكن بين جنبات روحها !!!
ثم قـالت بنفس السخرية المريـرة :
-إنتِ اتصدمتي كدة، امال انا امها اللي عرفت بعد ما اتجـوزت خلاص اعمل اية
تـوالت الصدمات على تلك المسكينـة، فأمسـكت يد " كريمة " تحثها للدخول مرددة بثبات قد تدعيـه مؤقتًا :
-إنتِ لازم تحكِ لي كل حاجة يا طنط
هـزت رأسهـا نافيـة، لتـرد بعدها بأصرار غريب :
-لا، مش وقته، لازم اخرج دلوقتي
واخيرًا خـرج صوت مراد الذي سنحـت له الفرصـة للتدخل متنحنحًا :
-ممكن أعرف حضرتك رايحة فين طيب ؟
تخصـرت بضيق قبل أن تبادله السؤال :
-أنت مين أنت اصلاً
تقدمـت بخطوات شبه مترنجـة، وكأنها تعتمـد على مدى احتمال الألم فأصبحت مترنجـة من الطاقة الفارغة !!!!
لتصيح بصوتًا عالي :
-محدش له دعوة بيا، أمشي يا خلود وخدي ده معاكِ، شمس لا هاتشوفك ولا عايزة تشوف حد
وما زاد ذلك إلا اصرار على المعرفـة، فكررت سؤالها :
-طب حضرتك رايحة فين، هعرف بس ومش هامنعك
تنهـدت بقوة، قبل أن تهتف بصوت كاد يسمـع، نبرة غلب عليها الحسرة والاستسلام :
-رايحة أرمي دول في أقرب زبالة !!!
قالتها وهي تشير لهم بذاك الدفتر الصغير والعنـف يتشبـع ملامحها بجدارة !!!!!!!!!!
*************
كـان " مالك " يتخـذ وضـع الجنيـن في جلستـه، يضم ركبتـه الي صـدره الذي أصبـح مأوى ضيق للهواء فاتخذ الاختنـاق سبيلاً !!!
عينـاه مُثبتـه على الأرضية امامـه، تائهـه وشـاردة .. حزينـة .. منكسرة ومُطمئنة بعض الشيئ،
نعم مُطمئنـة، بالرغم من كم الخوف الذي كان كالأشواك يحيط روحه ...
اطمئنـان بنهكة القلق الذي لن ولم يزول لطالما كان - شيطان الأنس - على قيد الحيـاة !
تُرى هل يمكن أن يكون أبيـه فعليًا !!!!
بغض النظر عن تلك الورقة التي تربط اسمه به،
وبعد توجيه الضوء نحو تصرفاته وألاعيبـه الشيطانيـة ... بالطبع لا !!
لا وألف لا، أي أب هذا بحق الله
إن أطلقنا عليه شيطان فظلمنا الشيطان !!!!!!
الشيطان لا يُسلط ناره على أبنـه ابدًا ؟!!
وتنهيـدة عميقة وطويلة حارة خرجـت بصعوبة ساخنة من بين رئتيـه يتبعهـا همسه الشارد :
-هاتودينـا على فين تاني يا زمن !!!
وإبتسامـة ساخرة حلقت على أفق ثغره الملتوي قبل أن يتـابع :
-كل ما أقول يمين تيجي شمال
ضـرب الأرض بقبضتـه الخشنـة ليلتفت الباقيين له :
-بردو مش هاخليك تأذيهاااااا
أقتـرب منه شابًا ما، أمـلاه بنظـرات متفحصـة قبل أن يصدح صوتـه الأجش :
-مالك يا أخ ؟! عمال تزعق لية كدة
وظل ينظـر امامـه بسخريـة، وعلى حافة لسانـه جملة واحدة
" هو البعيد أعمى ولا اية !! "
رمقـه بنظـرة ساخطـة توازي قوله الحاد :
-لا ابدًا، أصلي مش لاقي المشروب اللي بحبه في السجن ده
جلس الاخر لجواره وهو يضحـك، للحظـة تمنى مالك أن يُبرد تلك الدماء المشتعلة بين أوردتـه فيصبح مثله !!!
فسمـع الرجل يستطرد بخشونـة خبيثة :
-لو محتاج أي حاجة قولي ماتتكسفش يعني
نظـر له مالك نظرة ذات معنى، ثم سأله بريبة :
-اي حاجة اي حاجة ؟
اومأ الأخر مؤكـدًا بفخـر لفجوة واسعة من الخطأ يُظهرها :
-أي حاجة، العبدلله ليه في كل حاجة وأي حاجة
أنهى جملتـه بغمـزة خبيثة من طرف عينـاه، بينمـا مالك أفكاره مُعلقه بين حروفـه ...
إن كانت الثقـة في مكانها الأساسي خطأ، فليجربها في تلك الوضعية مرة !!!!
ونال الرجل إلتفاته منه كدليل على جدية الموقف، قبل أن يقول مالك :
-امممم، يعني هاتقدر على اللي هقولهولك ؟
اومأ الاخر مؤكدًا دون تردد :
-اه طبعاً، بس كل حاجة بتمنها أكيد
اومأ مالك بشبح ابتسامـة تترقـب النصر :
-أكيد .. مفيش حاجة من غير مقابل يا ...
ثم ربت على كتفـه متساءلاً بدهاء :
-أسم الكريم إية ؟
اجابـه بابتسامة واسعة شقت تفاخـره :
-عبربوو يا باشا
عقـد حاجبيـه في تعجـب، ليهمس بتساؤل :
-أية !!!
تنحنح بجديـة هاتفًا :
-عبد ربـه يا باشا، بس أنا بحب الأختصار
إبتلـع مالك ريقـه، بغض النظر عن المعاناة التي ظهرت له في بداية طريق تعامله مع ذاك الشخص ..
إلا انه يثق تمام الثقة أن " المضطر يركب الصعب " !!!
أعـاد تركيزه نحوه مرددًا بصوت يكاد يسمع :
-عايز تليفون يا عبدربه، تقدر تجيبـه ؟
فغـر الاخر فاهه بصدمـة !!!
صدمـة من سيـره نحو طريقًا لينًا جدًا بالنسبة له .. فيما كان يظـن هو أنه سينحرف معه نحو اليسار ....
أستـفاق من تعجبـه على صـوت مالك الهادئ الذي شابته بعض التهكم :
-متقدرش صح !!؟ كنت عارف أنه لا
سـارع الاخر مبررًا :
-لا طبعاً، أنا بس استغربت إنك عاوز موبايل بس !
ثم رفـع كتفيـه بلامبالاة :
-ده معايا أصلاً يا باشا
واللهفـة كانت أسرع ما يمكن في الظهـور بين بحر عينـاه ...
فأردف ممسكًا ايـاه بسرعة :
-طب هاتـه بسرعة مستني إية
نهض مغمغمًا بتعجب :
-طيب طيب، ولسة ياما هنشووف
وبعـد دقيقتـان تقريبًا كان مالك يلتقـط الهاتف من بين اصابع الاخر ليكتب الرقم ثم زر إتصـال، فأتـاه صوت الاخر مرددًا بنبرة عادية :
-ايوة مين
-أنا مالك يابني
-أية ده جبت الموبايل منين يا مالك ؟
-مش وقتـه، ركز معايا بس
-ايوة معاك قول ؟
-عملت اللي قولت لك عليه ولا لا ؟
-أكيد يعني
-تمام ماشي، زي ما اتفقنا
-أكيد يا ريس، المهم انت كويس
-بخير ، يلا سلام مش هاينفع أطول
-ماشي مع السلامة
أغلق الهاتـف وهو يتنهـد ببعضًا من الأرتيـاح الذي أشفق عليه فجرعه جرعة صغيرة منـه ...
ليقول في قـرارة نفسـه بتوهان :
-كدة أحسن حل !!!!!!!
***********
وصـلت " زينـة " إلى المنـزل، ولكنها تختلف عن الباقيـن، فهي أعتـادت أن تتقاسـم همومها بين الأختفاء بين خبايا روحها أو الظهور والأنهيار في العلن ..
وعلى أي حال، الطرب الجديد من الألم لن يتغير عن ذي قبل كثيرًا
فأصبحت هي متهاونـة .. متلبسة قناع التماسك المزيـف الذي كـقشرة رقيقة من صدمة اخرى سيسقط حتمًا !!!!!!!
ظلـت تبحـث بعينيها عن تلك التي أعطت امرًا لعقلها أنها اصبحت " زوجة أخيها "
فخـرج صوتهـا بدوره مناديًا :
-شمس ...شمس
ولكن ما من مجـيب، ظلت تنادي بصوتًا عالي :
-درية، يا درية .. حسني، أنتوا فين
واخيرًا وجدت تلك " دُريـة " تركض نحوها بخفة مرددة :
-أيوة يا هانم خير ؟
سألتها زينة دون تردد بصوتًا قد يكـون صدح هادئًا :
-فين شمس يا دُرية ؟
نظـرت للأرضيـة أسفلها تفرك أصابعها، وبشيئ من الأرتباك، ردت :
-شمس مين يا ست زينة ؟!!!
إحتـدت نبرة زينة وهي تكرر سؤالها :
-فين شمس اللي كانت معايا من فترة يا درية، راحت فين ؟
رفعـت كتفيهـا بحركة مباغته تبرر :
-معرفشي والله يا ست زينة، أنا كنت نايمة أنا وجوزي بردو ومعرفشي عنها حاجة
صرخـت فيها زينـة بنفاذ صبر :
-يعني اية متعرفيش، امال مين اللي يعرف، هاروح أسأل الجيران مثلاً !
هـزت الأخرى رأسها نفيًا صادقًا، وراحت تفسر لها مقصدها بنفـس التوتر الذي كان كالقشـة تُحرك زينة :
-لا لسمح الله، أنا بس بقول لحضرتك إننا نمنا، فمشوفناش مين جه ومين راح، لا انا ولا جوزي الغلبان اللي قاعد بره
كـزت زينة على أسنانها بغيظ، لا تـدري لمَ ذهب ثباتها أدراج الرياح الان..
ولكن مؤكدًا لا مكان له بعد تلك المصائب التي بدت كالسيول لا تنتهي !!
فقالت بجمود :
-أقلبوا عليها الڤيلا، عايزاها تظهر من تحت الأرض
اومأت الاخـرى مسرعة بقلق :
-حاضر حاضر، إنتِ بس اهدي
سارت للأمام وهي تزمجر فيها غاضبة :
-ملكيش فيه، غوري في داهية، أنزل الاقيكم لقيتوها
اومأت الاخرى بلهفة لمغادرة ذاك الاعصار الغاضب :
-حاضر حاضر
غـادرت زينـة، فيما ظلت درية تضـرب على وجنتاها بهلع هامسة :
-يالهووي يالهووي، عملت كدة من مجرد اختفاء البت، امال لو عرفت اللي احنا عملنـاه هتعمل اية !!!!!!!
**********
-أزاي يعني الكلام ده يا بهيييم !!!؟
صـرخ بها جمـال الذي كان يقف في نفـس مكانـه الذي كمـا شهد على مخططاتـه الدنيئـة شهـد على عقابـه الحتمي والذي يقترب منه كل يوم عن ذي قبل !!!!!
بينما كان الأخر يرتجـف بقلق من ذاك الشيطـان الذي إن لم يتم كلامـه على أكمل وجه، فابالتأكيد ستكون سهامه السامة منغرزة بصدره فورًا ..
فابتعد قليلاً يسارع مبررًا بتوجس :
-أنا مليش ذنب يا بيه، أنا قولت لحضرتك ملقتهاش
ضغـط الاخر بكف يـده، ليصرخ بعدها بعلو صوتي :
-ازاي يعني، أنت عارف إنك لازم تلاقيها يا حمار، اتصررررف
هـز الأخر رأسه مردفًا بتلعثم :
-هحاول يا باشا، أوعدك هحاول حاضر
صـدح صوت تنفسـه المضطرب، والذي كان دليلاً قوي لأظهار مدى إنفعاله، ليتـابع بصوت صلب برغم درجات الأختناق التي تسربت لتبدأ السيطرة عليه :
-انا عارف إني مش هاينفع اعتمد على حد
ثم نظر له بقوة قائلاً :
-أنا هانفذ بنفسي
سـارع الأخر ينفـي بجدية:
-مينفعش يا باشا، ماتنساش إن البوليس موزع كل قواته في البلد كلها بيدور عليك، انت الادلة اللي اتقدمت ضدك كافية انها توصلك لحبل المشنقة
وكلمـا أستشف النهاية الحتمية فقط من خلال حروفهم المتوجسة ...
كلما شعر أن الاختنـاق يتوغله اكثر فأكثر، أن ارواح من ظلمهم تقبض على عنقه لتميتـه !!!!!!
أن اخر هذا الطريق سدًا منيعًا سيحمل جثمانه هامدًا !!!!!!!!!!!
صرخ بهيستريا مزمجرًا :
-انا عمري ما اتحبست، ومحدش يقدر يحبسني ابدًا
وفعليًا " العند يولد الكفر " برغم مما حدث، إلا انك لن ترى شيطانًا يعترف بخيطئته !!!!!!!!
وفجأة سقط واضعًا يده على قلبـه بصراخ متألم دوى صوته بين ارجاء المكان و........... !!!!
*************
وأخيرًا تمسكت " شمـس " بخيطًا رفيعًا جدًا للنـور كاد يفر من أمامها ليتركها بين الظلمات مرة اخرى !!
أخيرًا استطاعت إستعادة وعيهـا،
ولكن - أسفًا - هي لم تتمنى أن تستعيد وعيها ..
هي لا ترغـب بذاك العالم الذي يفقد أهم حجرًا فيه " مالك "
الغائـب الذي أنتشل منها روحهـا العاشقة معه، ليتركها بقايـا أنثى تبكي على الأطـلال !!!!!
وبالطـبع لم تغادر الدمـوع لؤلؤتيها، ويبدو أنها لن تغادر ألا بعد مغادرة أهم عدو بأرض قلبها " الألم " ...
إنتبهـت لصوت الأقدام التي تقترب منها، فسألت بخوف حقيقي :
-مين أنت !!!!
وعندما لم تجد ردًا تابعت والخـوف لم يقل بل ظهر وكأنه يتكاثر داخلها :
-أنت خطفتني لية وعايز مني إية !!
ولكن وهلة .. هي تتعجب من ذاك الذي يختطفهت ليتركها حرة غير مُقيدة !
يغلق عيناهـا ليترك يداها وقدماها حرة !!!!!!!
ماذا عساه يرغب في أن يفعل ؟!
وبمجرد التفكير فيما يمكن أن يكون .. شُلت جميـع أطرافها
وتحديدًا وهي تشعر بيداه تزيـل تلك العصبة عن عينيها الرمادية ....
وبمجرد أن رأتـه شهقت بصدمة تهمس :
-أنت !!!!!!!!!!
************
يتبــع
غزالة في صحراء الذئاب
الفصل الرابــع والأربعـون :
وتقريبًا كانت " شمس " فيما يشبـه حالـة الصدمـة المُغلفـة بالفـرح !
الفـرح لشخصًا أعتقـدت قناعـه من الكره، فصدمـت بيـده الحديدية الممدودة لمساعدتهـا ..
وعينـاهـا لمعت بوهـج خـاص وهي تتمعن النظر لــ " مروان " الساكن أمامهـا تمامًا وكأنه يترك لها فرصة ترجمة ألغازه !!
فهمست هي ببلاهـه :
-أنت يا مروان ؟
اومـأ مؤكـدًا، بجوار أجابتـه الهادئة :
-أيوة أنا يا مدام شمس
ولم تتغيـر حالتها وهي تسـأله:
-طب أزاي !!
ورده كان بنبـرة واثقـة مما يقـول :
-عادي يا مدام
صرخـت فيـه بنفاذ صبر، فأعصابها أصبحت تالفـة تمامًا، لا تحتمل ولو ضغطة واحدة :
-أنت مجنون، هو إية اللي عادي !! عادي إنك تخطفني ؟ سبحان الله
ظهـرت شبـه أبتسامـة باهتـه على ثغـره قبل أن يباغتهـا بقوله :
-مالك هو اللي متـفق معايا عشان أخدك من البيت
سألتـه بملامـح ساكنـة أثر الصدمة التي لم تتـرك لها تعبيرًا واضحًا تتخذه :
-لية ! عـشان آآ عـ
قاطعهـا بالأجابـة التي تحفظها عن ظهـر قلب :
-أيوة، عشان أبـوه ميأذيكيش
تنهـدت بأرتيـاح حقيقي، السجـن الطبيعي أهون لها من سجن ذاك الشيطان بالتأكيد !!!
فرمقتـه بنظرات ذات مغزى قبل أن تردف :
-شكراً ... يا مروان
وبابتسامة صفـراء تابـع :
-على إية ، ده واجبي تجاه أقرب أخ ليا مُش بس صديـق
اومأت وهي تتحـس بطنهـا بأرهـاق، شعـر بالألم الذي بدأ يأخذ منحناياتـه على ملامحهـا، فسارع بسؤالها :
-مالك في إية ؟
هـزت رأسها نفيًا، و قالت بأختناق :
-مفيش حاسه بطني وجعاني شوية بس
صدح سؤاله بصوت جاد :
-إنتِ أكلتِ من أمتى يا شمس ؟
أغمـضت عيناهـا، وخرج صوتها واهنًا :
-مأكلتش من ساعة ما أخدوا مالك
مـط شفتيـه باعتـراض واضـح، فراح يقول بلوم :
-مأكلتيش من ساعتها !! وهو في واحدة حامل تعمل كدة يا مدام هه
كادت تهتف بشيئً ما ولكنه قاطعها بصرامة محببة :
-بس خليكِ هنا وأنا هأروح أجيب لك أكل وهاجي بسرعة
اومأت موافقـة، ولكن سرعـان ما قالت بشيئ من القلق :
-طب آآ
أخذ يهدئهـا برفـق قائلاً :
-متقلقيش، في رجـالة برة بيحرسوا المكان وأنا مش هتأخر يعني
اومأت موافقـة بتردد، لينصـرف هو مغادرًا على عقبيـه ...
فيمـا عادت هي لشـرودها الدائم والذي أصبح يجمعهـا بحبيبها وزوجهـا " مالك "
وابتسامـة مُنكسرة هي من تحتل ثغرهـا .. تشعـر من زاويتها أن الـفراق لن ينتهي بهذه السهولة !!!
أن المسافة بينهم لن تتقلـص إلا في حالة واحدة ... مـوت شيطان الأنـس !!!!!!
************
ذُهـل كلاً من " مراد " و " خلـود " من تلك الرغبـة الهوجـاء والتي أعتقدوهـا جنون تسببـه فقدان الأبنـة !!!!!
ترغب في الذهـاب - الهـام - لتلقي بمجـرد قمامـة غير هامة ..
ولكـن لا، بالتأكيد تتـوارى رغبـة خفية خلف ذاك الأصـرار الغريب !
"" رغبـة خلـف ستـار الجنـون "" ...
شعـار تحملـه " كريمـة " فوق كاهليهـا وهي تُصمم على الإلقـاء بمن قد يجعلهـا في نفس وضـع زوجها المُميـت !!
سـارعت خلود تسـألها بنبرة مستنكـرة :
-حضرتك عاوزة تمشي عشان ترمي دول في الزبالة بس !!
اومـأت بما زاد من تعجبهم أطنـان :
-أيوة، لازم أخلص منهم
سألـها مراد بهدوء تــام وكأن تعجبـه يُزال بمرور الثواني :
-لية يا طنط ؟ ممكن أعرف
ومن دون وعي أظهـرت لهم الرغبـة الخفية التي تسير بين عشاش عقلها :
-لإن هما دول السبب في كل حاجة
ثم نظـرت لهم مكملة :
-هحرقهم قبل ما يحرقونـي هما !
وبغتـةً إلتقـط منها مراد الأشيـاء يتفحصهـا ليكتمل الشك الذي نبـع داخلـه ..
فيما صرخـت هي فيه بهيستريــا قوية :
-هات، ملكش دعوة بيهم أنت مش أدهم دول
اما هو فلم يكـن يوجد أسعـد منـه الان !!
بين يديـه الشيئ الذي لطالما كان يبحـث عنه بين الظلمـات ..
بين يديـه من سيعدل تلك الموازيـن المنقلبة !!
بين يديـه مفتـاح الأنتقـام العظيم والأبـدي ..
عاود النظـر لــ " كريمة " المنفعلة مرة أخرى، ليصيح فيها بعصبية خفيفة :
-إنتِ فين عقلك ! عايزة ترمـي حـق مليون شخص !
عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله :
-نعم !! حق مين يابو حق أنت ؟؟
اومـأ مؤكدًا وقد بدأ يشـرح لها ببعضًا من الهـدوء :
-أيوة، ده اللي هينتقـم لكـل الأشخـاص اللي راحوا فدى لخططهم الشيطانية
هـزت رأسهـا نافيـة بغيظ :
-لأ، حاجة ماتخصكـش، هات أنت مش أدهم صدقني
وبالطـبع هي لن تقابـل سوى الأصرار بعينيـه :
-لأ مستحيل، أنا بقالي سنين بـدور عليهم
ثم أنتبـه وهو يسألها :
-بس إنتِ جبتيهم منيـن !!!
نظرت أمامهـا وبشيئ من التوتـر ردت :
-كانوا مـع آآ مع جوزي
اومأ يؤكد ما برأسـه من حبالاً للأفكار ترابطت لتوهـا :
-المرحوم صابر .. صح ؟
اومـأت بأسـف، فيمـا شهقـت " خلود " بصدمة حقيقية ..
كل الصدمـات التي تلقتهـا كادت تمـر، ولكن تلك .. لا وألف لا، لن تمر بسهولة بالطبع !!!!!!!
غابـت فتـرة عنهم لتعـود فتجد أشواكًا من حديد تزداد مع الوقت ..
وهتفـت بحنق :
-مين اللي مات !! عمو صابر مات ؟ طب ازاااي، ده كان آآ كـ كان كويس !
تنهـدت كريمة قبل أن تقـول بصوت مختنـق :
-مات، مات من قهرة الظلم، ربنا ما يدوقها لحد ابدًا يابنتي
هـزت رأسها نفيًا بعدم تصديـق !!!
لا تصـدق كم الأحداث الصادمة التي تتلقاها واحدة تلو الأخرى ..
واخيرًا نظـرت لــ " كريمة " تهتف في ثبـات :
- لو ده دليل فعلاً يا طنط، أرجوكِ تثقي فيه
وسرعـان ما تذكـرت فقالت مسرعة :
-هو ظـابط ... سابقًا
قالت كلمتهـا الأخيرة بأسـف ظهر جلي في نبرتهـا !!
ليتـابـع مراد بقوة :
-صدقيني لو إنتِ أتأذيتي بسببهم، يبقى أنا اتدمرت مش بس اتأذيت بسببهم !
وبـدأ الإقتنـاع كشبحًا يتسلل لروحهـا .. فنظرت له مضيقة عينيها، ثم غمغمت :
-بس أنا مليش دعوة
اومأ مؤكدًا بحمـاس واضـح خطاته على محيـاه :
-أكيد. مش هقول إني اخدتهم من حد، أنا جبتهم بنفسي
اومأت بتردد، لتوليهم ظهرها تعاود مأواهـا وسجنهـا الصغير الذي أصبح حضنهت الوحيد الذي تبكِ فيه قهرًا !!!!!
فيمـا سارعت خلود تسـأل مراد بجدية محتنقة :
-مراد أنت لازم تفهمني وتقولي هاتعمل بيهم إية ؟
هـز رأسـه نفيًا، وقــال :
-هافهمك بس بعدين، لكن هعمل اية
ابتعـد قليلاً ممسكًا بهم أو لنقل متشبثًا بهم بكامل قـواه ...
وكأنهم متمسكًا بأخر أمل له في هذه الحيــاة !!!
ليكمـل بنفس النبـرة :
-أكيد هاروح أسلم الأدلة لأمن الدولة، عشان كل واحد ياخد جزاؤوه !!!!!!!!!
************
ظـلت " زينـة " تصيـح في تلك الخادمـة التي تُدعى دُريــة ... تلقي بسهام غضبهـا الجم في وجههـم والسبب معـروف،
إختفـاء مُكـثف يزيـد من هالـة مشاكلها وألامهم اللانهائيـة !!!
لتصبـح الدوامـة أثنـان .. ولربمـا ثلاث !
رمقـت دُريـة بنظرة ناريـة، لتزمجر بوجههـا منفعلـة :
-يعني إية !! الأرض إنشقت وبلعتها ولا إية مُش فاهمـة
هـزت الأخرى رأسها نافية بصورة سريعـة شبه هيستيرية وهي تشرح لها للمرة التي لا تذكر عددهـا :
-معرفـش والله العظيم ما أعـرف يا هانم
كـزت زينة على أسنانهـا بغيظ قبل أن تصيح فيها :
-هو إنتِ مفيش على لسانـك غير معرفش معرفش !! إية متعرفيش غيرها
لـوت شفتيهـا في شيئ من التهكـم، ثم قـالت :
-شكلها فعلاً الأرض إنشقـت وبلعتها زي ما إنتِ قولتي
أقتـربت منهـا ولم يتركهـا هاجـس الشـك حول إرتباكهـا ..
فأمسكـت بذراعها تسألـها بصلابـة :
-إنتِ عارفة حاجة صح ؟
هـزت رأسهـا نافيـة بسرعة، ومن دون وعي أصبحت كأنها تقدم لها سببًا واضحًا ليزداد هاجس الشك في إمتلاكـه بسبب توترها، فصـارت تصيح بما يشبه الأنـفـعـال الخـفيـف :
-لا لا لا خالص، وهو أنا هاعرف منين وهاعرف اية اصلاً !؟
نظـرت لها " زينـة " نظـرة ذئبًا لا يخيـل عليه كذبًا إلا ويكتشفـه ..
فهمسـت من بين أسنـانهـا :
-إنتِ عارفة حاجة حصلت من ورايا صح
إبتلعت "درية" ريقهـا بازدراء، ثم هتـفت بلهفـة :
-لا لا أكيد مش هاتجرئ وأخبي عنك حاجة عملنـاها
رفعـت حاجبـها الأيسـر متهكمة :
-بس إتجرأتِ يا دُريـة
زفـرت بقـوة ثم تابــعت بتهديـد أعلن نفسـه بوضـوح بين حروفهـا :
-قسمًا بالله لو ما قولتِ أي حاجة أنا مُش عارفاهـا لكون مودياكِ ورة الشمس والدبان الأزرق ما هيعرفلك طريـق
وعند ذاك وكفـى !!!
هي لن تتحمـل ضريبـة نصـر لشخصًا اخر .. لن تـدُس نفسهـا بين ذئابًا لا ترى سوى المصلحة فقط !!!!!!
فأغمضـت عينيها وهي تهتف بصوت قارب للبكاء :
-والله العظيم غصب عني
سألتهـا زينة باهتمام شديـد لحقيقة قد تكون صدمة جديدة لها :
- هو إية اللي غصب عنك ؟ إنطقي بسرعة يلا مستنيـة إية
إضطـرب تنفسهـا وكـادت تهتـف ، ولكن قاطعهـا زمجرة زوجهـا الذي سارع بقوله :
-مفيش حاجة يا ست زينـة، أكيد مفيش حاجة
أشـارت له بأصبعهـا محذرة :
-بس، أنت تخـرس خالص لما أقولك أتكلم حتى تتكلم فااهم ؟
-حاضر، أنا بـس كنت بأفهـم حضرتك الحقيقة مش أكتر
قالهـا وهو ينظـر للأسفل محاولاً التحكم في ذاك التوتر الذي سيلقي بهم في الجحيم حتمًا !!
فيما قد وقـع نظرها على السكين الموضوعة لجوار طبـق الفاكهه، فركضت نحوه تمسك بـها، ثم أقتربت من دريـة تضعهـا على رقبتهـا وهي تصرخ :
-والله لو ما قولتي لاكون قتلاكِ دلوقتي حالاً كمان ... أنطقي يا حيوانـة
" وعندمـا تكون على حافة المـوت لا تـرى أمامـك سوى الحقيقة التي تظهـر بعد إنسحـاب أي كذبة بعقلك " !!!!
فسـارعت تهتف :
-طب أوعديني تسامحيني وماتعمليش ليا أي حاجة، لا انا ولا جوزي
ضغطت بالسكيـن على رقبتها وهي تحثها على الإسـراع :
-إنجزي مش هنقعد نتواعد دلوقتي
ونطقـت بما جعـل السكين تسقـط من بين أصابـع زينة ...
التي شُلت جميـع أعضاءها عن الحركة أو العمل بقول تلك :
-أنا اللي دخلت أوضة الست هانم التانية وجبت سلاح الأستاذ مالك وعطيته لجمال بيـه !!!!!!!!!
************
تقريبًا كان " جمـال " على فـراش المـوت، يضـع يـده على قلـبه الذي كان وكأنه يصـرخ من كثـرة الألم !!!
ملامحـه كانت كمساعدة للتعبير عن الألم الذي يفتعل بين خلجات صـدره ..
فصار يتأوه بصوتًا عاليًا معبرًا عن مدى تألمه :
-آآآه قلبي واجعني أوي
اومأ الطبيب بجديـة هادئـة يجيبـه :
-للأسفةيا جمال بيه أنت عندك القلب مُجهـد والمرض أتملك منه، لذلك أي إنفعال هايخليك تحس بالألم ده
ثم صمت برهه ليتـابـع بعدها :
-مش بس كدة، لا ده أنت ممكن تتعرض لجلطة تسبب الوفاة بعيد الشر لو إنفعلت زيادة
اومأ جمال بألم :
-يعني بقيت مريض كمان !
أشـار له الطبيب مكملاً بدبلوماسيـة :
-للأسف اه، وكتبت لك الأدوية دي خدها بانتظام، وياريت بلاش مجهود كتير
اومأ جمال ثم بدأ يحـاول النهـوض .. ولكن فجأةً ...
لم يعد قادرًا على التحكم بجزءه السفلي إطلاقــــًا !!!!!!!!!!!!!
**************
كان " مالك " بالمرحاض المخصص للسجـن، يتوضئ ليحاول الصلاة كما علمتـه شمسه الغائبة عنه سابقًا ..
شمسـه التي ابتعدت عنه - اجباريًا - فتركت حياتـه ظلمـات فقط !!
إنتهـى ثم كاد يخـرج بهدوء، ولكن فجأة ظهر شخصًا ما امامـه ينظر له بشراسـة ..
فسأله مالك بهدوء تام :
-خير ؟ أنت مين وعايز إية ؟؟
لم يجيبـه بل ظل يقتـرب منه رويدًا رويدًا وهو يهمس :
-عايز روحك يا مالك ... بيـه
حـدق به مالك بعدم تصديـق وهو يعود للخلف ..
بينما الأخر أستمـر في التقـدم نحـوه وقد اخـرج من جيبـه سكيـن صغير ...
فابتلـع مالك ريقـه مصدومًا وقد أيقن نيتـه السوداء و.......... !!!!!
*************
الفصل الخامس والأربعــون :
" عندمـا يُسيطـر الخـوف .. والمفاجأة معًا، فيصبح لا يوجد مكـان لذرة واحدة حتى من التفكيـر " !!!
لم يُسعفـه الوقت أو يمهله فرصة لأستيعاب مهاجمـة ذاك - الغريب الحـاد - وبأقل من لحظـات كان مالك يقاومـه بكل جهـده،
وأخيرًا إستطـاع تفاداة طنعتـه ليلقيـه أرضًا، وقد كانـت قوتـه البدنيـة خير درع حماية له خاصةً في هذه الأوقـات ..
ضغـط على رقبتـه بقوة يسـأله بصوت متهـدج أثــر إنفعالـه :
-أنت مييييين ؟؟ أنطق أنت مين ؟
بدأ الأخـر يسعـل بقـوة كلما ازداد شعـوره بالأختناق، كلما شعر بالهواء ينسحب من بين جوفيـه فيتركـه في حالة جفاء مُميتـة !!!!
إستطـاع النطـق أخيرًا ليجـيب بحروف متقطـعة ولاهثـة :
-أنا آآ عـ عبـدالله ... عبدالله
صـاح فيـه منفعلاً وقد نفـذت طاقتـه من الصبـر :
-عبدالله مين ؟ وتعرفني منيـن !
هـز رأسه نفيًا في سرعة هيستيرية :
-لا، أنا معرفكش يا باشا، معرفكش والله ما أعرفك خالص
عقـد مالك ما بيـن حاجبيـه في تعجـب حقيقي ..
ولكن سرعـان ما أدرك ماهية الأمـر، بالطبـع إن لم يكن الدافـع معنـوي داخلي يحثـه على فعل ذلك، فالمؤكـد الفعلي مادي مُجسـد من شيطانًا أهوج !!!!
وفي كلا الحالتيـن .. رده الطبيعي والحازم الذي تهفو به كل خلية من خلايـاه
" لن يسمح لهم .. ابدًا "
سـألـه مستفسرًا ولم تتغير النبرة ولو درجة :
-امــال عملت كدة لية ؟ لحساب مين
وبالرغـم من أن بينه وبين المـوت - عتبة - يظل الشيطـان حارسًا على لسانه من النطق الصادق، فأضـاف كذبة جديدة لقائمـة تاريخه القذر :
-معرفهوش، معرفهوش ولا شوفتـه
إزداد من ضغطتـه وكأنه يعرف أنها الوسيلة الوحيدة ..
وكرر سـؤالـه الحـاد والذي كاد يختنق :
-أنطق، بتشتغل لحساب مين ؟
صـرخ مسرعًا :
-هقولك، هقولك بس سيبني أنا مش عايز أموت
أمسـكه من تلابيـب قميصه ليزمجـر فيه كثورًا هائجًا لن يهدئ :
-جمال السناري صح ؟ أنطق يلااا
هـز رأسـه نفيًا، ثم قــال :
-لا، مُش ده، واحد تاني غيـره
كاد يخنقـه مرة اخرى إلا أنه قاطعهـا بقوله المستغيث :
-والله العظيم واحد تاني مش هو، أرجوك سيبني هموت في ايدك
كـز على أسنانـه كاملة بقوة حتى كادت تنكسـر، ثم أستكمل اسئلتـه :
-امال يعرفني منين ؟ ولية يكلفك تقتلني يعني ؟؟
لم يعـد قادرًا على الكذب مرة اخرى !!!
وكأنه على يمينـه الشيطـان وعلى يسـاره ملك المـوت .. والنتيجة واحدة كلا الحالتيـن !!!!!!!!
فهتـف بصوته الأجــش مُفسرًا :
-واحد تبـعه.. واحد تبـعه تقريبًا دراعـه اليمين، هو اللي قالي ودخلني السجن مخصوص عشان كدة !!!!!!!!!!!!!!!
*************
طيـلة الطريـق للوصـول لــ " أمـن الدولة " كان مراد يختلس النظـرات لذلك الدفتـر يقـرأ بعض السطـور منه ..
والتي كانـت كــ لهبــًا زاد إشتعـال الجمـرة التي تشتعل بين روحـه في هذا الوقـت !!
كلمـا تذكـر زوجتـه أو إبنـه الراحـل .. يشعـر بالزمـن يعيد نفسـه مرة اخـرى ولكن هذه المرة ليعطيـه فرصة الأنتقـام ..
فيمـا كانت " خلود " لا تـقــل شرودًا عنه !!
وكأنهم في تنافس قـوي فيمـن يصبح شـارد أكثر ..
تفكر وتفكر ... تتسـاءل عن تلك الأهميـة لتلك الفلاشـة التي تجهلها تمامًا !!!
بمـرور الزمـن تزداد حيرتهـا تقريبًا ...
فبدأ الإختنـاق يفرض مقاليـده عليهـا بجدارة !
واخيرًا إستطاعت سؤال مراد لتنتشله من موجـه ذكرياتـه الماضية :
-مراد ممكن تفهمني
وبالطبـع كان يتـوقـع ذاك السؤال، وتكفل عقلـه بتجهيز إجابتـه أيضًا !!
فإلتفت لها يـرد بفتـور :
-طب ممكن لما نرجـع بيتنـا مش دلوقتي
هـزت رأسهـا نافية والإصرار يُقيدها :
-لا لو سمحت فهمني كل حاجة دلوقتي، وحالاً .. أنا مُش هافضل زي الأطـرش في الزفـة كتير كدة يا مراد
اومأ بهـدوء، و راح يشـرح لها :
-أكيد مش هتبقي زي الاطرش في الزفة، بس ده موضوع طويل ومحتاج روقـان عشان أحكيلك بالتفصيل
هـزت رأسها نفيًا دون تـردد وقالت :
-لأ، عايزة أفهم دلوقتي يلا احكي
تنهـد بقـوة مستعيدًا رباطة جأشـه، ثم سألها هادئـــًا :
-ماشي يا ستي، عاوزاني أبدأ منين بالظبط ؟
نظـرت لما يحملـه بيده ثم أردفـت بنبرة حملت في طياتها الريبة الجـادة :
-من أول معرفتك بأصحاب الحاجـة دي
اومأ موافقًا، وقد عزم على سرد كل شيئ .. ولكنه وجد غصة الماضـي مانـعًا في حلقـه !!!!
شيئ ما داخله لا يدعوه لتذكار ما حدث فيفتح أبوابًا اُغلقـت من الألم ..
ولكـنه قاوم وهو يبـدأ بصوته الخشـن :
-زمان .. كنت متجـوز ليلى حبيبتي، كنت شغال ظابط زي ما إنتِ عارفة، بس مكنتش بسكت عن الحق ولو كان التمن حياتي !!! كان في لواء بردو نفس النظـام، طريقـه الحق وبس، اخيرًا بعد فترة قدرنـا نمسـك دليل على أكبر تجار مخدرات وفساد في مصر، في البداية الدليل كان معايا، رحت أنا اديتـه للواء لاني افتكرت انه هيبقى في امان اكتر ويقدر هو يسلمه في اقرب وقت، لكن هما ماكنش عندهم وقت، تاني يوم على طول راحوا على بيت اللواء، واللي هو نفس عمارة المرحوم صابر .. كان على علاقة طيبة بـ صابـر، هجموا عليه ولما ماقالهمش على مكان الفلاشة ضربوه بالسكينة عشان يقتلـوه، ومشيوا بعدها، وبالصدفة صابر طلع ولقى اللواء بيطلع في الروح، ولانه طبعاً مش بيثق في اي حد غيري وكان مستحيل يوصلي، قال لصابر على مكان الفلاشـة، ووصـاه يشوفها عنده قبل ما يمشي وقاله يديها ليا أو لظابط موثوق فيه، وطبعاً المرحوم ماكنش يعرفني ابدًا ولا عرف يوصلي، ولا حتى كان معاه الوقت الكافي يتصرف لانهم لبسـوه القضية على طول واخد فيها مؤبد، وأنا كان ممنـوع عليا ازوره، ومش بس كدة، دول وقفوني عن العمل بسبب قضية ذور، بقيت أنا بحاول أجمـع الأدلة وطبعاً بمساعدة خفيفة من بعض الناس الشريفة، ولما يأست قررت أروح بيت الراجل زي ما إنتِ شوفتي، يمكن مارحتش علطول لاني ماكنش ينفع أشرحلهم أو حتى لما يسألوني أنت بأي صفة بتحقق معانا هقولهم اية !! .. هي دي الحكاية. والباقي انتِ عرفاه !!!!!
وبوجـه واجم سألته :
-ومراتك ؟؟
إبتلـع ريقـه بازدراء، حاول المرور من تلك النقطـة، ولكن يبدو أنها مترقبة لها خصوصًا !!!!
فاستسلم وهو يجيبهـا بصوت مختنق :
-قتلوهـا قبل ما يقتلوا سيادة اللواء، الاول هددوني فكروا اني معاي الفلاشة وبأكذب، وقتلوهـا .. ولما برضـه ماقولتلهمش عرفوا إنها فعلاً مش معايا، بس بعد ما خسرت مراتي وابني !!
كـادت دموعـه تنـزلق أسفل قنـاع تماسكـه المزيـف ..
بينمـا هي كانت الصدمة ذاتها لا تكفي للتعبير عما تمر به الان !!!!
لا تصـدق، وهل يوجد ذئابًا هكذا ؟؟
وللأسف الاجابـة كانت واقعية حية أمام عينيها ...
وجدت نفسها تربت على كتفـه بحنان هامسة :
-معلش يا حبيبي، ربنا مابيضيعش حق المظلوم، وأديهـم كلهم هيتحاكموا غصب عن أي حد
اومــأ مؤكدًا بحماس، ووجد نفسـه يقـول بجدية لا تحتمل النقاش :
-هاتفضلي في العربية لحد ما أدخل وأجي، بعدها هاخدك ونروح أنا وإنتِ وليلى للمأذون
سـألته متوجسـة :
-لية ؟؟
اجابهـا دون ظهور أي رد فعـل :
-عشان هاروح أطـلق ليلى، بس كمان أكون رجعت حمدي !!!!!!!
*************
-أهم يا مروان، إتصـرف أرجـوك
قالتهـا " زينـة " متلهفة لــ " مروان " الذي حضر مسرعًا بعد محادثتها له ..
قالتها وقد بدت نبرتهـا مُرهقـة حرفيًا، مذبوحـة ومُنكسـرة !!!!!
يـأسـت من كثـرة التلبس بقشـرة الثبـات، فلم يعد يشكل فارقًا إن أظهرت ذاك الضعف ام لا ..
إن انهارت ام لا !!!!
النتيجة واحدة ومعروفـة " هي دُمــرت وأنتهى الأمــر " !!!!!!!!!
بينما نقـل مروان نظراتـه بين " دُريـة و زوجهـا " يتفحص هيئتهـم المرتعـدة ...
رعبهـم من الواقـع الذي حطم موجـات سعادتهم بالمال !!!
فقـال موجهًا حديثـه لــ " زينة " بنبرة جادة وصلبة :
-إنتِ متأكدة من اللي قولتيهولي ولا لا يا زينـة ؟
اومـأت مؤكدة دون تردد، وسارعت بقولهـا :
-هما اللي أعترفوا بنفسهم
اومـأ موافقًا، وقد ظهر الحماس في نبرته وهو بخبرها :
-هاخدهم وهاخد المحامي ونروح نشوف إية اللي هايحصل، وانا واثـق إنهم هايخرجـوه لإن جمال بيه متهم خلاص
اومـأت تدعو متمنيـة :
-ياارب ياااااارب يا مـروان
جذبهـم مروان بحدة مشيرًا نحو رجلاً كان معـه ليخرجـا معًا ..
فيما ظلت درية تهتف بخـوف :
-أنا مش عايزة أتسجـن، مش عايزة ادخل السجن
نهرتهـا زينـة بجمود مرددة :
-كان لازم تفكري فـ كدة لما بسببك أخويا دخل السجن ظلم
راحت تستعطفهـا برجـاء حـار :
-لا أرجـوكِ إنتِ وعدتيني يا هانم ارجوكِ، لو احنا وحشين ماتبقيش زينـا
اومأت موافقة بامتعاض :
-ربنا يسهلهـا
بينمـا سحبهم مروان معه، متجهين نحو قسم الشرطـة .. واخيرًا قد عاد القدر يبتسم لهم مرة اخرى !!!!
************
كـان " جمـال " يحـاول قـدر الإمكان تحريك قدمـاه، ولكن فشل !!!
لم يعد يستطـع السيطرة عليهم كما فقد سيطرتـه على كل شيئ ...
بدى كأنـه يُعافـر مع القدر وليس مع عضو من اعضاءه !!!
نظـر للطبيب هامسًا بصدمة جلية :
-أنا مش قادر أحرك رجلي خالص
وبالطبـع بدأ الطبيب يفحصـه، ولكن بعدها نظر له وكأنه يخبره بقرار القدر وعقابـه :
-للأسف يبدو إنك اتشليت، بس هنا مش هانقدر نعرف التفاصيل، لازم تعمل اشعة وتكشف في مستشفى ونشوف
ولكنه لم يسمـع باقي كلماتـه ... توقـف عقله عن الاستقبال عند تلك الكلمة " يبدو إنك اتشليـت " !!!!!!!
منـذ قليل أعتـرض على مرضـه .. ولكن بدى الموضـوع مثبتًا لجملة
" كما تديـن تُـدان " !!!!
لم يمهل الفرصـة لأي شخصًا يومًا، فلم يمهله القدر فرصة للأستيعاب وسقطت المطرقة الثانية المنتقمة على رأسـه، فأصبح يصرخ بهيستريـا :
-لاااااا انا ماتشليتش لااااا أكيد كذب اكيد مستحيييييل أنا سليم لاااااااااااا ليييييية كدة لييييية اكيد انت كداااب أنا مش هتشل، مش هابقى عاجز لاااا
ولكن بالطـبع إعتراضـه من زوايتـه لم يقابل سوى نظـرات من الشفقـة ..
ليجد الطبيب ينهض ليغادر، فصار يزمجر فيه بحدة مفرطة :
-أنت رايح فين ؟ أقعد هنا انت مش هاتمشي وتسيبني كدة، أنا كويس انا اللي حاسس بنفسي، انا تعبان شوية بس
ظل الطبيب يهز رأسه في أسف مرددًا :
-اعذرني يا جمال بيه مش بأيدي، لو خرجتك هايتقبض عليك وانا مش هاتحمل النتيجة، أنت مضطر تفضل عاجز !!!
وصـراخ وصراخ وصـراخ ...
صوت صراخـه الحاد يدوي بأرجـاء المكـان، ولكن بدى وكأن صراخه تحيط به هالة من اللامبالاة ..
فلا يهتم له اي شخص !!! ويبقى هو ينوح بعلو صوتـه ولكن .. لا من مجيب !!!!!!!!!
************
وصـل " مراد " مع رجال من الشرطـة الذين توصلوا لمكان جمال، بعدما قدم الدلائل التي كانت بحوزتـه لشخص موثوق منه في الشرطة ...
بالطبع لن يفـوت تلك اللحظة التي أنتظرها لأيام عديدة ..
لن يفـوت اللحظة التي ستتكفل بأثبـات رغبة القدر فعليًا امامه !!!!
سيتأكد حتمًا أن " كما تدين تدان "
سيتأكد أن - الدنيا دي دوارة - وأن بالطبـع
- يوم ليك ويوم عليك -
الكثير والكثير من الكلمات التي عاش يهدئ بها نفسه ...
الان ستتحقق لتخبـره " أنا لم اذهب سُدى "
طرقوا الباب بعنف وبعدها بدقائق كانوا داخل المنزل يسمعوا صرخات جمال التي ستزداد حتمًا بعدما يراهـم ...
وبمجـرد أن رأى الشرطة فعليًا ازداد صراخه الجنوني :
-ابعدوا عني .. سيبوووني انتوا مش عارفين انا مين ولا اية، ابعدوووا عني لااااااااا
اقتـرب منه مراد، ينظر له بتشفي وظفر، ليهتف بعدها بصوته الأجش :
-جاااالك يوووم يا شيطان الأنـس !!
ولكن بالطبـع ذاك الشيطان ليس هو من يستسلم بهذه السهولة ..
أخـرج سلاحًا صغيرًا أسود من جيب بنطاله يوجهه نحو مراد ... ليطلق الرصاصـة بجنون و.... !!!!!!!!!!!
************
يتبـع
غزالة في صحراء الذئاب
الفصل السادس والأربعـون :
وإنطـلقت الرصاصـة صوب مراد الذي حاول تفاديهـا ولكنها كانت وكأنها تعرف دورهـا الخبيث من شيطان الأنـس فـ اُصيـب مراد في ذراعـه فقط لحسن حظـه ...
صـرخ متألمًا وهو يمسـك ذراعـه الأيسر :
-آآه دراعي .. حسبي الله
فيما ركضـت خلود نحـوه تتفحـص ذراعه الذي بدأ ينـزف الدماء بغزارة، فأصبحـت دموعها تهبط تلقائيًا وكأنها مُبرمجـة عند رؤيـة إيذاء من تعشقهم !!!
فرمقـت جمال الذي ازداد صراخـه مع محاصرة الشرطة له بنظرات حاقدة، لجوار قولها المتمني :
-ربنا ياخدك ويريـح الناس من شرك
ووقعـت عيناهـا على قطعة صغيرة من القماش على الأريكـة، فإلتقطتها على الفور لتضمد جرحه قدر الإمكان ...
وتلقى مراد سؤالاً من الضابـط المتوجس :
-أنت كويس ؟
اومأ مراد مغمغمًا بألم :
-إن شاء الله
أشـار للعساكر ليجذبـوا جمال الذي ظل ينوح بإنفعال :
-لا سيبوني، أنا هاوديكوا في ستين داهية، أبعدوا عني يا كلااااااب
ولكـن صوتـه كان يُخلط مع نسمـات الهـواء المشحونة بالسلب، فيمر على اذنيهم مرور الكـرام دون إخراج ردًا مناسبًا !!!
فيما قال الضابط لمراد بجديـة مناسبة :
-أنت والمدام هتركبوا مع العسكري تروحوا المستشفى
اومأ كلاً منهم، ليتابـع مراد بصوته الذي بدأ ينحدر نحو الأختناق :
-شكراً يا حضرت الظابط
هـز الأخر رأسـه نافيًا، وبأمتنـان حقيقي صدح صوته يقول :
-لا شكراً ليك أنت، أنت عملت حاجة الشرطة كلها ماقدرتش تعملها
تقـوس فمه بابتسامة ساخـرة قبل أن يستطرد بنبرة تليق بسخريته وحنقـه :
-للأسف الشرطة تقدر ... بس هي مُش عاوزة مش مُش قادرة يا حضرت !!
تغاضى الضابط عن جملته وهو يخـبره :
-في النهاية الفضل ليك، ربنا يكتر من أمثـالك
أبتسـم مراد أبتسامة صفـراء، ليهمس :
-متشكر، يارب
يحاول التماسك قدر المستطـاع، ولكن ومـع مرور الثواني كان الألم الذي يشعر به كأنها دائـرة تزداد في الأتسـاع كل لحظة !!!
إستقـلا سيارة الشرطـة ليتجهـوا نحو احدى المستشفيـات الخاصة ...
**************
واخيرًا بعد فتـرة ... تم الإفـراج عن " مالك " بضمـان محل إقامـته وخاصةً بعد سجـن " جمال " مما أثبـت إمكانيـة قتلـه لسمـر ...
وصـلت شمـس مع مـراد إلى القسـم، وبالطبـع كانت شمـس تحتـل أولى درجـات السعادة، بل كانت السعـادة تغمـر كل ذرة فيهـا، واخيرًا إنتهـت فتـرة البُعد الاجباري، ليصبحـوا في فترة إجتمـاع قلوب العشـاق ...
الابتسامـة السعيدة المُهللة تزين ثغرهـا، وشعـورًا كزهرة متفتحة ينمـو داخلها بالنصر لأول مرة .. وخاصةً بعد معرفتها بالقبض على " شيطان الأنـس "
وبمجـرد أن رأت مالك أمام القسم حتى ركضت له تحتضنـه غير عابئـه بأي شيئ سوى أن عيناهـا تتحلى برؤية حبيبها الاول والاخير و زوجهـا العاشـق ...
بينما " مالك " لم يكـن أقـل سعـادة منها، بل كان كفـراشـة أخيرًا عادت لما تستنشقـه دومًا فأصبحت ترفرف بجناحات عشقها !!
طـوقهـا بذراعيـه يشدد من ضغطتـه لهـا، يود لو ادخلهـا بين جنبـات صـدره فما عادت تفارقـه ابدًا ..
دقـات قلبه تتراقص بجنون بين قفصـه الصـدري، وعقلـه يهفو بانتصـار
" صبـرت ونولـت !! "
وقطـع لحظاتهـم المُشتاقة حد الجنون صـوت مروان الذي كان كمقص غليظ :
-خلاص يا ملوكي لما تروحوا بيتكوا أبقوا اعملوا كل اللي انتم عايزيـنه
رغمًا عنه أبتسم مالك ولكـنه رد بغيظ من بين أسنانـه :
-وحياة أمك لأوريك يا مروان
بينما هي طغت الحمـرة قسمـات وجههـا، فنظرت للأرضيـة بخجل حقيقي ناتـج عن موقف محرج كهذا ..
أشتياقـها الغير محدود كان خلفيـة مزدهرة لتصرفهـا الأحمـق ..
وتدخـلت " زينـة " تنطـق بنبـرة جُسدت فيها نصـف مقدار السعادة :
-مبروووك يا مالك، ويارب ماتدخلهوش تاني ابدًا إلا في الخير
اومـأ بابتسامة هادئـة ومتمنيـة شقت وجهه :
-امين ياااارب
وبأشـارة منـه كانت تقتـرب منه يحتضنها بحنان، حنـان بثـه له بدفئ حضنـه وأرتيـاح غامـر استلـم قلبها المنكسـر فكان له كـمهدئ مؤقـت !!
نعم مؤقت .. سعده لن تكتمـل، كـ دورة ينقصهـا لفـة أخرى لتحرير والدتها الحبيبة وحينهـا ستصبـح كاملة مُكملة ..
قـبل مالك جبينهـا، ونطق لسانـه تلقائيًا بمـا زحـف نحوه قلبـه الحاني مؤخرًا :
-وحشتيني أوي يا زينتـي
أحتضنتـه مرة أخـرى تردد بأشتيـاق لعودة طيبة كهذه :
-وأنت وحشتني اكتر يا قلب زينتك
صـفق مروان بيـده متدخلاً بقوله المـرح :
-خلاص يا جماعة نخلي الحب ده لبعدين، انا واحد عايز أروح أنام
قهقـه مـالك بمـزاح مجيبـــًا :
-فدايـا الدنيا كلها يا حبيبي مش تعبك بس
كـز الأخـر على أسنانـه والغيظ زعيمه ليتـابـع بعدها :
-اه طبعاً يا برنـس
وبصـوت مكتـوم همـس بصوت ظنـه في قرارة نفسـه فقط :
-الله يخربيت اليوم اللي عرفتك فيه
سـأله مالك وقد اصطنـع الجديـة في صوتـه :
-بتقول حاجة يا مروان ؟
هـز رأسـه نافيًا في سرعـة خفيفة، ليردف بعدهـا مقلدًا شخصًا مرتعدًا :
-لا لا ابداً، ولا عمري هاقول ياسطى ابداً
فصـدح صـوت ضحكـات الجميـع على لعبة القط والفأر التي يتمازحون تحتهـا وأجنحـة السعادة تُضللهم .. الى حين غير معـلوم !!!!!
*************
وقـف " سعـد " مسـاعد شيطـان الأنـس وذراعـه اليميـن، يـده التي يأمرهـا بـزرع الشـر فيتركهـا تجول لتنـفذ ما اُمـرت به على الفـور ..
ولكن تلك المـرة لم يكن هادئ ككـل مرة وهو يرسـم حُفـر الشـر أينما اومـر في أرض الله الواسعـة !!!
بل كان مشطاطًا غاضبًا ناريًا .. نيـران تتدفق بين عينيـه الواسعـة الحـادة ...
نظـر للرجـل الذي يـقف لجـواره ليهتف بصوتًا عاليًا قد لا يناسب كم الأشتعال الذي ينهش في روحـه :
-ماقدرش .. برضه ماقدرش، هو اية مالك ده اييييييييية !!!!
أجـاب الرجل وهو منكـس الرأس من خيبـة يبدو أنها لُصقـت بهم :
-قطة بسبـع أرواح يا باشا، لا مش قطة ده ذئـب مش مكتوب له يموت ابدًا
عَلى صـوت تنفسـه المضطـرب والذي كان أكبر دليل على غضبـه، قبل أن يصدح صوتـه قائلاً بخشونـة :
-موتـه ماكنش هايعمل لي إلا حاجة واحدة
سألـه الأخر بنبرة متعجبة :
-صح يا باشا، كدة كدة جمال بيه أكيد هايعترف ومش هايقـع لوحـده يعني موت أبنه ده مش هايغير حاجة لأن الأدلة اتسلمت للبوليس وزمانهم ابتدوا يدوروا على الباقي
اومـأ موافقًا، وقد أحتل الشـرار أكبر جزءًا من حروفـه الحاقدة :
-أيوة، بس هاكون إنتقمـت منه على تدميرنا، والواد الظابط ده كفاية عليه اللي حصل له
صمـت برهه ثم عاد يردد في خشونـة :
-وبعدين جمال أكيد مش هايعترف على الباقي، هو مش واطي للدرجة
تقـوس فمه بابتسامـة ساخرة وهو يجـادلـه :
-ده واحد بينه وبين الموت عتبة يا باشا، أكيد مع الضغوطات ومش بعيد التعذيب هايعترف فورًا كمان
اومـأ موافقـــًا بأسـف حقيقي شابـه الغيظ :
-للأسف، بس أنا مُش هافضل كدة مستني قدري يجي لحد عندي
قال الأخر متساءلاً يستفســر :
-هاتعمل إية يعني يا سعـد باشـا بقا ؟
نظـر أمامـه والإصرار الغريب يغلف نظراتـه الحاقدة هذه المرة :
-أكيد هاخرج برة البلد قبل ما يوصلوا لي !!!!!!!!!!!
***********
عـاد كلاً من " مراد " و " خلـود " إلى منـزلهم بعد مداواة جـرح مراد والذي لم يتأذى منه كثيرًا لحسـن حظـه ..
وبمجـرد أن رأتـهم " ليلى " حتى إتسعـت حدقتـا عينيها، و راحت تهتف في هلـع :
-إية ده إية اللي حصلك يا مراد ؟؟
ردت خلود التي ظهـر الحنق مرسومًا بين خطوط قسمـات وجههـا أثـر مناداتـها له دون أي ألقـاب :
-إتصـاب أصابة بسيطة بس
اومـأت ليلى، لتـردف بصوت خافـت :
-ألف سلامة عليك
ظهـرت شبح أبتسامة صفراء على ثغـره المُهـلك :
-الله يسلمك يا ليلـى
وضـع يـده على ذراعـه المُصـاب، ليستأذنهـا مغمغمًا بأرهـاق واضح :
-عن اذنك يا ليلى، شوية وأكيد راجعلك لإن في كلام كتير لازم نتكلم فيه
اومـأت موافقة بهدوء :
-ماشي هستنـاك
إتجـه هو وخـلود نحـو غرفتـهم، وبمجـرد دلوفهـم أغلقت خـلود البـاب بعدهم ..
ساعدتـه في الدلـوف للمرحاض ليغتسـل ثم تبديل ملابسـه لملابس مريحـه ...
وما إن انتهوا وتسطـح على الفـراش ببعضًا من الأرتيـاح والهمـدان ،
شعـر في تلك اللحظـات أنها نصـفه الثاني فعليًا، أنها يـده السليمة بدلاً من المصابـة، أنها روحًا طيبة وعاشقة متجانسـة مع روحه الثائرة التي هدأت لتوهـا !!!
حمدالله في قـرارة نفسـه على نعمـة من الله وعد نفسـه ألا يفرط فيها ابدًا ...
نظـر لخـلود التي كان وجههـا واجـم، فسألهـا بصوته الرجولي الهادئ :
-مالك يا خوختي ؟
أبتسمـت ابتسامة صفـراء قبل أن ترد نافيـة :
-لا مفيش أنا عادي اهوو
هـز رأسـه نفيًا وقد أصـر على شيئ ما يراودهـا دون أن يراه او يعرفـه :
-لا مش عادي، إنتِ عايزة تقولي حاجة، قوليها يلا ؟!
تنهـدت قبل أن تستطـرد بصوت جاد :
-كل حاجة في أوانهـا كويس
ضـيق عينيـه، وخرجـت حروفـه المُخلدة العاشقة بأمرًا من دقاتـه العالية :
-بس أنا .. أحب أعرف كل حاجة بتدور بعقلك، حتى قبل ما توصل للسانك يا حبيبتي
ابتسـمت برقـة أذابـت جليد همـومـه، لتقـول بصوتهـا الحنون المشتـاق :
-عـايزة أروح لــ ماما وأفضـل أعتذر لها وأترجاها تسامحني حتى لو اضطريت افضل كدة لحد ما أمـوت، وأكيد هأروح لــ طنط كريمة أعرف منها اللي حصل لـ شمس بالتفصيل
ثم ربـتت على كتفه في حزم ليـن مرددة :
-بس أنت ارتاح عشان دراعك يخف بسرعـة
قـبل جبينهـا بعشق خالص إتضـح في قبلتـه، ليهمس :
-ربنا يخليكِ ليا يا روحي
ثم نهـض ممسكًا بذراعـه، ليجزم بعدها :
-بس لازم أعمل حاجـة قبل ما أرتاح وأنام
سألته مستفسرة بهدوء :
-حاجة إية دي ؟
إتجـه نحو دولابـه، ليخـرج كل ما يخص " ليلى " يضعه في طبقًا حديديًا على الأرض لينتهي من تفريغ كل شيئ داخله، وتحت انظـار خلود المتعجبة والمترقبة في آنٍ واحد ليشعحل النيـران فيهـا وهو يـردد بصوت حازم :
-كدة صفحة ليلى أتحرقت بالكامل، وخصوصًا بعد ما نفـذت إنتقامـي !!!!
***********
واخيـرًا ... اُغـلق عليـهم بابًا واحدًا بمفردهـم، يشعـر أنـه شابًا مراهقـــًا لأول مرة يختلي بمعشوقتـه الوحيـدة !!
ينظـر لها وعينـاه تمـوج عشقًا بدى لا نهائيًا .. وتقرأ هي بين سطـورها ما لم ينطقـه لسانه !
لحظـات من الصمـت مرت عليهم وكان صوت تنفسهـم المضطرب أثـر الأقتـراب النعيمي بعد الفـراق الحتمي هو موسيقى هادئـة يسمعون فيها غزل صامت !!!
كان يسـارع لتبديـل ملابسـه المتسخـة، ولم يصـدق وهو يراها امامه اخيرًا وهم معًا في غرفتهم ...
بـدأ يقـترب منها رويدًا رويدًا منها، وكل خطـوة يقتربهـا يشعر بدقاتـه تزداد سرعـة !!!
مـد يـده لها يهمـس بصـوت عاشق ولهـان :
-تعالـي يا شمسي
أبتسمـت برقة لتقترب منه ببطئ، وما إن أصبحت امامه حتى جذبهـا له يلصقها به، ليتـابـع همسه المشتاق :
-وحشتيني .. وحشتيني أوي أوي أوي
نظرت له وقد لمعت لؤلؤتيها الرمادية ببريق عاشق يعرفه جيدًا، فلم يتمالك نفسـه اكثر وهو ينقض على شفتيهـا يلتهمهم في قبلة جائعـة وعاشقة ...
يملي شوقـه الجارف لها طيلة هذه الأيـام، ويدعـو ألا يضطروا لبُعدًا كهذا مرة اخرى !!!!
ويـداه تعبث بحريـة بقميصها القصيـر، لاحقًا ابتعد عن شفتاها التي كادت تتورم، فــ ضمهـا له بحنـان مُشتـاق، ورأسها تجاور صـدره، فـ رفعت رأسها تنظر له لترفع نفسها قليلاً تُقبـل ذقنـه الخفيفة وجانـب شفتـاه، دُهـش من الجـرأة التي اصبحت تتحلى بـها مؤخرًا، ولكن سرعان ما قال مداعبًا وهو يطوق خصرها النحيل :
-أتعلمتي الوقاحـة ع فكـرة يا شمسي
ضحكت بمـرح، لتداعب أنفـه بأنفـها مرددة بمشاكسة :
-من بعض ما عندكم يا ملووكي
ولم يكن ليترك شفتاهـا تمر بعيدًا عنه مرور الكرام، فقبضهـا يلتهمها بنهم ...
رفعـها عن الأرض ليحملها معه وهو يقبلها نحو غرفتهم، فأغلق الباب بقدميـه ثم اتجه نحو الفراش يضعها عليـه وهو فوقهـا ..
يقبل كل جزء بوجههـا الأحمر بدايـةً من عيناها المنغلقة حتى منحنايات صدرهـا، ويـداه تعـرف دورهـا الخبيث فتزيل عنها ملابسها الخفيفة ....
وهمس بجوار اذنها قبل أن يغوصا في رحلة طويلة من العشق والهُيـام بعد حرمان لا يقدره عشاق مثلهم !!! :
-بحبك .. لا بحبك اية ده انا بعشقك يا شمس حياتي .... !!
...........
بعد فتـرة ليسـت قصيرة كانت تتسطـح على فراشهم بجواره، تضـع رأسهـا على صدره العالي فتسمـع دقاتـه الثائـره ... وضعـت ذقنها على صدره لتنظر له قائلة بتساؤل ناعم :
-مالك .. نفسـك في ولد ولا بنت ؟
ضيق ما بين حاجبيـه، ليقترب منها يسألها مشاكسًا :
-يا ترى إنتِ نفسك في إية يا شمسي ؟
إتسعـت ابتسامتهـا وهي تهمس بتمني :
-نفسي في تؤأم ولد وبنـت
أبتسم هو الاخر، ليلصقها به تستشعر سخونة جسـده، قبل أن يقول بخبث دفيـن :
-انا بقا نفسي في عشر تؤااام
شهقـت مصدومـة، لتستطرد ؛
-نعم !!! لية هو انا أرنبـة ولا إية يا حبيبي ؟ ضحك من قلبـه على تلك الطفلة التي ستنجب طفل مثلها !
لتنجرف شفتاه نحو شفتاها الورديـة، لتخرج حروفـه بين شفتاها :
-واحنا ورانا اية يعني ؟ أنا عايز أخلف منك عيل
ثم ختم كلمته بقبلة طويلة من شفتاها، ثم اكمل ؛
-واتنين
ثم بدأ يُقبل كل إنش في وجههـا، ثم تابع :
-وتلاتة واربعة وخمسة وستة وسبعة و... إلخ
فإنطلقت شفتاه توزع قبلاتـه المتلهفة على كل جزءًا من جسدهـا ويداه تتحسس جسدهـا بطريقة أثارت القشعريرة في جسدهـا ...
وقطـع لحظاتهـم صوت رنين هاتفـه، فتأفف مالك وهو يلتقطـه ليجيب بضجر :
-الووو ايوة
وسرعان ما إتسعت حدقتـاه وهو يهمس مصدومًا :
-إيييييييييية !!!!!!!
***********
غزالة في صحـراء الذئاب
الفصل السـابـع والأربعـون ( الأخير ) :
يجهـر ويجهـر التعجـب .. عندمـا تفـر السعادة هاربة أدراج الريـاح، لتترك أسيرًا بين طيـات الحزن المتـردد !!!!!
ظـل " مالك " للهاتـف بتعجب ممـزوج بالضيق الذي لاحظـته شمس الساكنة بجـواره، ينتظـر لوهلة عله يخبره أنها مجرد خُدعـة !!!!
ولكن ما كان يتمنـاه صار وأنتهى الأمر ..
أنتشلتـه شمس من بين موجـاته التي كادت تسحقـه بينها بصوتها العذب وهي تسـأله :
-اية يا مالك في إية ؟
وبمـاذا يجيب الان !
تحقق ما كـنت أسعى له أم يبكِ وينـوح متمثلاً للطبيعة الفطرية لأي شخص ؟!
ولكن غالبًا سيطـر شر " شيطان الأنـس " أكثر من خيـره، فأجـابها بجمود :
-بـابا ...
صمت برهـه يحـاول الإكمـال الذي عجـز عنه، فسـألتـه تحثه على النطـق بما يجـب :
-ماله ؟ عمل إية تاني المرة دي !!
بقيت نظراتـه متوجهه أمامـه والشـرود خير سكـون فيهـا، وكأنه إنسـان آلـي يُردد ما يمليه عليه عقلـه فقط، قـال :
-لأ، المرة دي أتعمل فيه، مش هو اللي عمـل يا شمس
إبتلعـت ريقهـا بتوتر، قبل أن يصدح صوتهـا شبـه مُهللاً :
-بجد ؟ يعني أخد جزاؤوه ؟
اومـأ مؤكـدًا، وعلى وتيرة نفس النبـرة، إستطـرد :
-مـات يا شمس ... مات وأنتهى
شهقـت مصدومـة، أعتقـدت النهايـة الحتميـة بعيـدة جدًا عنه، ولكنها باغتتها بقـربها المؤكـد !!!
أعتقـدت ان الواقـي بينه وبين المـوت والدمـار لن يـزول .. ولكن باغتهـا بأنسحـاب مصيري على الفـور !
مفاجأت ومفاجـأت، ولكن دُسـت بينهم نصـر ونشـوة لم تزورها منذ زمـن ...
رمقـت " مالك " بنظرة ذات مغزى، قبل أن تـردف بصوتًا جـاد :
-طبعاً زعلان .. صح ؟
نـالت منه إلتفاتـه ترى فيها عينـاه التي تمـوج بين الحـزن والنصـر، ليـرد بصوت تقريبًا مهزوز :
-مش عارف، والله ما عـارف، أزعل لإن أبويـا مات، ولا أفرح لإن عدوي الوحيد أخذ جزاؤوه من الدنيـا
ضيقـت عيناهـا وهي تسـأله بفضـول متـردد :
-هو آآ .. هو مات إزاي يا مالك ؟
وذاك السـؤال تحديدًا غُـرز في جـرح الأبـن المنكسـر من بعد وفـاة والـده !!!
فأطـرق رأسـه أسفًا وهو يـردد بخشونة متأسفـة :
-أتخـانق مع ناس في السجـن فـ ضربـوه، وهو اساسًا مشلول فضلوا يضربوا فيه عدمـوه العافيـة وخلوه يمسـح السجـن كله بكرسيه المتحـرك برضه، يعني أستلموه من ساعة ما دخل السجـن، كأن ربنا مسلطهم، لحد ما هو شنـق نفسـه بحبل وطبعاً محدش فكر يمنعـه حتى
جـزاء قاسـي ...
كلمـة ظلـت تتردد بعقلـها ألاف المـرات !! كلمـة تمثـلت حروفها الشنيعة أمام عينيهـا حرفًا حرفًا ..
عضـت على شفتهـا السفليـة تحاول منـع تجـاوز الحروف الشاتمة من بين شفتيهـا، ولكنها همسـت :
-الجـزاء من جنس العمـل
اومـأ متيقنًا من تلك الجملـة، وشعـور يلازمـه بالحـزن الحقيقي !!
نظـر لها ليقـول بصـوت مبحـوح وكأن حروفـه عزمـت ألا تخـرج في حالات الإنكسـار :
-أعتـرف على بقيت الناس قبل ما يمـوت
وشعـر بشيئً ما يلتف حـول روحـه يخنقهـا رويدًا رويدًا ..
ربمـا ذكريـات الطفل المشاغب والأب الحنـون !!!!
بالطبـع قبل أن يدخـل الطمـع بيـن طياتـه فيُفسـد ذاك الحنان الفطري محولاً إيـاه لجشـع لا يـرى علاقـات أبويـة بالعين المجردة !!!
ورغمًا عنـه أكمـل هامسًا :
-عمل حاجة واحدة صـح في حياتـه قبل ما يمـوت
اومـأت شمس موافقـة وقد نالهـا الحزن على حـال زوجهـا الذي لأول مرة ينضـح حب والـده بين جحـوره ..
ليتـابـع بعـدهـا :
-ربنـا يرحمـه ويسامحـه
رددت خلفـه بنفـس الهمـس :
-يا رب
فيمـا وضـع هـو رأسـه على قدميهـا، ويـداه تقيد خصرهـا، لتهبـط دموعـه بصمت قاتـل !!!!
دمـوع ؟!
وهل كـان يتـوقع أن تتسـلل دموعه خلف قشـرة جموده المزيفة حزنًا !!
وليس الحزن على أي شخص، بل حزنًا على هزيمـة أكبر عدو له ...
إنقـلب حـالـه وتغير المتـوقع، ليبصم القدر بصمته الأخيرة في هذه العلاقة المأساويـة ..
مسحـت على شعـره بحنان وهي تزيـد من ضمتـه، تعـلم عن ظهر قلب أن حب الأبن لأبيه شيئ فطـري إلهـي !!
لا يمحيـه قسـوة او حقد أو جشـع ..
ويتردد بداخلها صدى ألالامها على والدهـا الراحل !!
ليتشاركـا الألم معًا بين أحضان بعضهـم، كلاً منهم يحاول إمتـصاص حـزن الأخر الذي يدمي قلـبه ....
************
سـار " سعـد " في مطـار القاهـرة الدولي، بخطـوات أشبـه للركـض، يحـاول الفـرار من بين براثـن القـدر المحتوم له !!
ولكـنه بـات كـ وشمًا لن يُـزال إلا بنيـران الجـزاء المؤلمة ..
مثـله مثل آمـره الراحـل ...
يدًا لن يختلف جزاؤوه عن باقي الكمال !
وقلـبه ساكنًا تمامًا وكأنه توقـف عن العمل لحين غير معـلوم ..
بينمـا عقلـه الشيطـاني يحثـه ويحثـه نحو الإسـراع في الفـرار ،
ولكن أي فـرار هـذا ؟!
لقد وُضعـت الأقفـاص من حولـه، وبقى فقط نقطـة الغلق الأبديـة !!!
وبالفعـل وجد الشرطـة تحاصـره من كل مكـان، وعلى رأسهـم الضابـط الذي يعلم " سعد " عن ظهر قلب أنـه لا يـرى في حياتـه سوى انـوار الحق ..
وحُذفـت الظلمـات منذ زمـن الجزاء الذي نـاله !
نظـر له سعـد متـوترًا، يحاول تلبس الثبات الذي فـر هاربًا أدراج الريـاح :
-خير يا حضرت الظابط في إية ؟
رفـع حاجبـه الأيسـر، وبتهكم صريـح رد :
-لا والله !! يعني حضرتك مُش عارف في إية بالظبط ؟
اومـأ " سعد " مؤكدًا، وقد زحـف الخـوف من ذاك المصير لملامحـه بوضـوح، فصـار يغمغم :
-لا، لا معرفش أي حاجـة
أشـار نحو عساكـره، ليـردد بصـوت أجش مُنتصـر بجدارة :
-طب أكيد أحنا هنعرفك كل حاجة في السجـن
إنكشف الغمـوض، و زالت الأستـرة المزيفة، فصـار يصـرخ بهلـع :
-لا لا، مش من حقك تقبض عليا، أبعد كدة أنت وهو محدش يقرب مني
ولكـن بالطـبـع لا حيـاة لمن تنـادي ..
لا إجابـة لظالم كان يتغاضى عن مناداة البشـر الذي يُدمرهم بلا رحمة !!!
ومـع إستمرار هتافـه العالي :
-أبعد من وشي، أنا مسافر دلوقتي، أيوة ميعاد سفري أبعدوا خلوني أمشي
فـ زجـره الضابـط بخشونـة غاضبـة :
-أمشي بهدوء كدة أحسـن ما تمشي غصب عنك وتجيب الإهانـة لنفسـك
وبالفعـل سـار كـ قطـة مبللة عاشت طيلة حياتهـا تخدش في براءة البشـر ..
وعندمـا سقطت بين براثـز قدرهـا المحتـوم صـار الخـوف والهلـع تعبيرها الوحيد !!!!!!
************
مـر الوقـت بطيئًا بعض الشيئ على " خلود " التي كانـت أكثر من متلهفـة للقـاء والدتهـا الحبيبة مرة أخرى ..
متلهفة للرجـاء الذي تتمنى أن يجدي نفعًا،
ومتلهفة لنـورًا واحدًا من الرحمـة تراه يشـع بين بحر عيناها البنيـة على أمل أن تغفر لها والدتهـا !!
متلهفـة لحضنًا تـراه من زاوية أفعالها بعيدًا جدًا عن أي معنى ينتمي للحنان ..
تتمنـى وتتلهف وتدعو وترجـو ... ولكن خـط الواقـع هو من سيحـدد نهاية تلك الأمانـي الكثيرة !!
إنتهـت من إرتـداء ملابسـها، لتحمل حقيبتهـا وهاتفهـا الصغير الذي أشترتـه مؤخرًا ...
خرجـت لتجد " ليلى " تجلس على نفس حالتها، شعـرت بنغـزة من الغيرة بمنتصف قلبهـا العاشق لتركهم بمفردهم ..
ولكن بغتةً تذكـرت حـرق ذكريـاتهم نهائيًا، والتي كانـت كـ بابًا مفتوحًا للأرتيـاح ليغمرهـا ..
فنظـرت لــ " ليلى " تبـادر بالقـول :
-أنا رايحة مشـوار، وإن شاء الله مش هتأخـر، لو عوزتي أي حاجة أعتبري البيت بيتك هه
اومـأت الأخرى بابتسامة بريئـة إزدادت من إطمئنـان خلود المتوجسة :
-إن شاء الله، شكرًا يا خلود
إبتسمـت بهـدوء، لتغـادر متجهـة لمنـزل والدتهـا،،
وبعد فتـرة ليست بطويلة كانت تترجل من سيارة الأجـرة، لتدخل البناية التي تقطـن بها والدتهـا وشقيقها - الخائـن -
طـرقت البـاب بهدوء ينـاقض ثورتهـا النفسية الداخلية !
وبمجـرد أن رأت والدتها، ونظرتها التي لم تعتقـد أنهـا تغيـرت، شعرت بأشواكًا تحط بحلقها فـ تُعجزها عن الكلام !!!
أنتبهت لقول والدتهـا الجامـد :
-خير إن شاء الله ؟ شرفتينـا تاني لية ؟؟
وحاولت عنـوة إخـراج تلك الحروف التي كانـت تجاهد في تعيينها لطلب السمـاح، فقـالت بما يشبه الهمس :
-جاية أترجاكِ تسامحينـي، ومش هيأس إنك هتسامحيني أكيد مهما طال الوقت
تقـوس فاههـا بسخرية مريرة، قبل أن يصدح صوتها كحكم الأعدام على تلك المسكينة :
-قولتلك قبل كدة من سابع المستحيلات اسامحك !
صمتت برهه تكبـح الدمـوع التي كادت تنهـال بسخونة مؤلمة على وجنتاهـا، لتتابـع بعدها :
-إنتِ ماكسرتيش طبق صيني هزعل عليه شوية وهقولك خلاص يا حبيبتي فداكِ، إنتِ كسرتي ثقتي فيكِ، وماعتقدش إنها ترجـع تاني
وأصبـح صـوت خلود متقطعًا وهي تترجـاها بشهقـات متتاليـة :
-أنا اسفة سامحيني، كنت غبية
لوهـلة كادت تستجـيب لنداء روحهـا وترضـخ لحنانها الأمـومي !!
لوهلـة كادت تدفنها بين أحضانهـا تشبع غريزتها الأمويـة من قربها الطفولي ..
ولكنها بـاتت أحلام مُعلقة بين شباك الواقـع المرير ...
فنظـرت للجهـة المعاكسـة تـردف بصلابـة تليق بموقفهـا :
-غبية !؟ يبقى إنتِ تتحملي نتيجة غبائك ده مُش أنا
تعالـت شهقاتهـا، ولم تيـأس وهي تترجاهـا :
-أرجوكِ يا امي سامحيني، أفتكريلي أي حاجة حلوة
كـزت على أسنانهـا كاملة بقوة، ومن ثم بدأت تغلق البـاب وهي تستطرد بصوت جاد وقوي ظاهريًا بالطبع :
-للأسف مش عارفة أفتكر، وياريت ماتتعبيش نفسك إنك تيجي تاني
وأغلقـت البـاب، لتعطيه ظهرها وتهبط دموعها بغزارة ..
دموع الأشتيـاق التي كانت تحاول كبتها وهي تنهش روحها طيلة حديثهم !!
بينمـا ظلت خلود تطرق الباب وهي تنادي بحروف مُتقطعة خرجـت بصـورة منكسرة :
-امي لاا، سامحيني والنبي أنا تعبت، أبوس ايدك ارحميني بقا
ولكـن بات بين كلامهـا وأذن والدتها عازل قـوي، صُمم خصيصًا لفسد محاولاتهـا !!!
فظلت تبكِ أمام الباب جالسة على الأرض شاردة وحزينة شهقاتها تقطع نياط القلب، غير عابئة بأي شخص يراها ...
سوى بتلك الأم التي صنعت قلبًا من جليد مؤخرًا !!!!!!
************
إنتهى " مالك " من إرتـداء ملابسـه،
يشعـر بروحـه تحترق بنيران العذاب مع مرور اللحظـات !!
و بالرغـم من محاولاتـه لتمرير الأمـر والذي كان محتومًا منذ زمن ... ولكن رد الفعل لم يكن محتومًا بهذا الشكل إطلاقًا !!!!
وكانت " شمس " تقـف خلفـه بعدما انتهت من ارتداء ملابسهـا هي الأخـرى، فـ ربتت على كتفـه الذي تشعر به يحمل ما لا طاقة له به، لتسـأله بصوتًا هادئًا علها تخرجه من بين مستنقـع الظلمات ذاك :
-حبيبي
رد بوجـوم دون أن يلتفت لها :
-إية يا شمس ؟
تغاضـت عن الصلابـة التي تحتلـه، حتى عواطفـه الجياشة لم تسـلم من تلك الصلابـة المتألمـة !!!
فقـالت برقـة مناسبـة :
-بعد ما تـروح السجن وكدة، هاترجع هنـا ؟
هـز رأسـه نفيًا، وتابـع بنفس النبـرة التي دبت اليأس في قلب شمس :
-لأ، هروح البيت أشوف زينـة وماما
عقـدت ما بين حاجبيهـا في تعجب وسألته مرة اخرى :
-مش المفروض كنت تشوفها امبارح ؟
تأفـف وهو يـرد هذه المرة :
-لأ، زينـة قالتلي إنها سافـرت وإنها محتاجة تقولي على حاجات كتير، بس النهاردة
ثم إلتفـت لها يطالعها بنظـرات لم تعهدهـا منه يومًا، ولم تُصـوب نحوهـا ابدًا، قبل أن يستطرد بعصبية خفيفة :
-ها في تحقيقات تانية ولا امشي ؟
بالطبـع لن تلومـه .. وكيـف تلومـه وهي تشعر بتلك الأشـواك المؤلمة التي تحيط به فتمنعه من أن يكون على طبيعتـه !!!
فنظـرت له بنظـرة رأى فيها خيـوط اللوم والعتاب التي تنسدل منها، لترد بهدوء ظلت متمسكة به :
-لا مفيش، أنا أسفة بس مش قصدي
أستـدار وكاد يغادر، إلا انها اوقفتـه بقولها الجاد :
-طيب أنا .. هأروح لـ ماما
أجابهـا بكلمـة واحـدة خرجـت منه على هيئة نبرة منهية أي نقاش كان على وشك البدء :
-لأ
ركضـت خلفـه لتلحق به قبل أن يغـادر، ثم سـألتـه بصوت أجش :
-يعني إية لا ؟! أنا عاوزة أروح أزور ماما، مُش هافضل بعيدة عنها اكتر من كدة واقول الظروف اللي مابتخلصش دي
كـز على أسنانـه، والغيظ يمتلكه لأسباب لا يعرفهـا، ثم زجرهـا ببعضًا من الحدة :
-لأ يعني لأ، مش دلوقتي يا شمس
هـدوء ... وعنـاد ... وحنق !!
كانـت في صـراع داخلي بين تلك المشاعر المتضاربـة، تحاول الزحف خلف الصـواب، ولكن باتت طبيعة الأنثى هي من تُسيطر، فقـالت بعناد وقوة مماثلة :
-لأ، أنا اتأخرت عنها كتير أوي، وأكيد مقهورة مني
زمجـر بوجههـا بحدة إتضحـت كـ عين الشمس لا تتوارى خلف شيئ :
-وإنتِ لسة فاكرة تروحيلها دلوقتي
إرتعشـت من صوتـه العالـي والذي كان له أثرًا واضحًا عليهـا ...
فـ تلقلقت الدمـوع في عينيهـا، وأسفًا تُيقن صحة كلامـه !!!
ولكنها .. تبتعـد لتثبت لوالدتها أنها لم تكـن سلعة تُشترى وتُبـاع يومًا، ليس لتعذيبها أطلاقًا !!!!
فنظـرت للأرضية، تهتف بصوت واهن ومبحوح :
-عندك حق، بس أديني أفتكرتها اهو، وبعدين أنت ف وسط كل اللي حصل اللي كنت بتقولي أستني الجو يهدى وهاوديكِ
مسـح على شعـره عدة مرات، قبل أن يوليهـا ظهـره مغادرًا دون أي كلمة اخرى !!!
فيما مسحت هي دموعهـا، قبل تمسـك بالأموال وتغادر متجهه لمنزل والدتها !!!!!!!!!
*************
وبعـد إنتهـاء مالك من دفـن والـده، وأتـم جميـع الاجراءات، كـان يشعـر أنـه أنهـى كل شيئ خاص بالماضي !!
كل حـزن وألم قهـر .. كل أنتقـام اقسم على فعله ...
ولكنه كان متمسـك بالبرود الظاهري لأقصـى حد، فكاد يواجـه سهام التعجب والصدمة من الجميـع حول ذاك البرود !!!! وما كان منه إلا ان يواجهم بلامبالاة ظاهرية تحرقه هو قبل اي شيئ ..
وصل الى القصر الذي كان يعيش فيه معهم مسبقًا ..
يـعيد ترتيـب تلك الكلمات بعقلـه، يعيد تنظيم السوط الذي سيسقـط على رأس تلك المسكينة " زينـة " التي سيزيـد من إنكسارها دون ان يدري !!!
جلسـا سويًا والهدوء خير خلفية مزيفـة، فقطعت زينة ذاك الصمت بقولها :
-عامل إية دلوقتي يا مالك
اومـأ بهـدوء مرددًا :
-الحمدلله، إنت كويسة ؟ وفين ماما !
إبتلعـت ريقهـا بازدراء، لتـرد بصوت يكاد يسمـع :
-ماهو انا كنت عايزاك ضروري عشان كدة
وشعـر بأخطار صدمـة اخرى على أعتـاب حياتـه،
فسألـها بحـذر :
-خير يا زينة إية اللي حصل وماما مالها ؟
إختنـق صوتها وهي تخبره بأسف :
-ماما في مستشفى أمراض عقلية يا مالك
جُمـدت أطرافـه من الصدمة ...
يوم عن يوم يتأكد ان الصدمات تزداد وليس العكس !!
يوم عن يوم يتأكد أن الفجوة تكبر في حياته ولا تصغر !!!!
نهض وهو يصيح في زينة منفعلاً :
-إزاي يعني ؟؟؟ اية اللي حصل
أغمضـت عيناهـا تكمل بأسفًا واضـح خرج من بين أعماقها المتألمة :
- بابا
صمـت برهه لتلقي في وجهه القنبلة التالية :
-هو اللي خلاهم يجوا ياخدوها، وأنا معرفتش اخدوها فين حتى
زمجر فيها بعضب كعاصفة لن تهدئ بعد كم الصدمات هذا :
-وازاي ماتقوليليش يا زينـة ؟
سَارعت تبرر بجدية :
-ما انت دخلت السجن يا مالك، واهو لحتى عرفت اقولك عشان تتصـرف وتلحقهـا
ظل يجول المكان ذهابًا وإيابًا يحاول التصرف بخيوط علاقاتـه وعلاقات والـده ليعرف مكانـها ..
واخيرًا توصل لأسم المستشفى فأنطلق هو وزينة نحوهـا على الفور ...
وبمجرد وصولهم كانت المفاجأة التالية في إنتظارهم ، فـ بعد طلب الطبيب الخاص بها، والذي أصر على مقابلتهم اولاً، تقدم منهم ثم جلس امامهم، فسارع مالك بسؤاله :
-امي مالها يا دكتور ؟
اطـرق الاخر رأسـه بأسـف، ثم قال :
-للأسف يا استاذ مالك والدتك ........... !
*************
غزالة في صحراء الذئـاب
الفصل الثـامن والأربعـون ( الخاتمة ) :
بـدت له الصدمة التاليـة أقرب ما يمكـن من تلك الزاويـة، دقاتـه تتـرقب مفاجأة أخرى صادمـة تجعلها تضطرب كعادتـه، وعقـله يثبـت خيوطًا من الثبـات حول دورة تلك الدقـات، فتثبتها ولو قليلاً ..
و راح يحـث الطبيـب على الإسـراع في النطق، فمـا عاد يتحمل ذاك التلاعـب الذي مـزق أوتـار روحه حرفيًا :
-قول يا دكتور مالها أمي ؟ حصل لها إية يا دكتور ؟؟
تنهـد الطبيب بقـوة هادئـة، قبل أن يـُهدئـه :
-أهدى يا أستاذ مالك عشان تفهمـني
هنـا لم تتحمـل زينـة التي أكلهـا التوتر وأنتهـى، فـ صاحـت فيه شبه منفعلة :
-لو سمحت يا دكتور تقولنا اللي حصل ومن غير مقدمـات
إهتيـاج نفسـي وتـوتـر ... مقدمـات تسـد خانـة الصدمـة مؤقتًا، وتنسحـب رويدًا رويدًا لتتـرك سيل الصدمات يخرج من بين شفتـا هذا الطبيب على هيئة حروف مسمومـة :
-والدتـك حالتها النفسية أزدادت سوءً من ساعة ما جت هنا، مابقتش بتتكلم مع حد، أو حتى بترد على حد، أحيانًا بس بتهذي في الكـلام زي " انت كداب .. ربنا ينتقم منك.. مش هتأذي ولادي " وما شبه ذلك
صمـت برهه يستشـف الصدمـة التي كانـت مرسومـة على وجه مالك !!!
امـا زينـة فكـانت الصدمة تدغدغ أعماقهـا، ولكن ليس بنفس تأثيرهـا على مالك ..
هي الصدمة أصبحت جزءً منها في أغلب الحالات !!
حتى أصبحت اوتـارهـا لا تجـدي أنغامًا متوقعـة عليها مرة اخرى ... بل تصـدر أصواتًا مكتومـة !
أستفـاقت من صدمـتها على صـوت " مالك " الواهـن وهو يستأذن الطبيب :
-طب أنا ممكن أشوفها عادي، صح ؟
اومـأ الطبيب مؤكدًا في بعضًا من الحمـاس وهو يشرح له :
-أيوة، وكمان أنا متوقـع إن ده هيجي بنتيجة إيجابية عليها جدًا
اومـأت زيـنة مؤيـدة :
-طيب كويس جدًا، يلا نشوفهـا بقـا
نهضـوا جميعًا متجهيـن لتلك الغرفـة التي لطالما كـانت سجنًا لـتلك المسكينـة ...
حتى وصلـوا فـ دلف الطبيب اولاً، مشيرًا لهم أن ينتظروا قليلاً ..
دلـف ليجـدها كعادتهـا تجلس أمام تلك الشـرفة، عينـاها السـوداء تائهـه بين ملكـوت العالم الخارجـي الأسـود .. تائهه بين شبـاك ظلمـاته التي زجتها نحو حبسًا إجباريًا كهـذا !!!
وما يهـون عليها هو تلك الذكريـات القليلة التي تحـوم بين طيـات ذاكرتهـا،
ضجـة وأصواتًا عاليـة تُعشش بين جحورهـا لتذكرهـا بما مضى ...
الماضـي الذي كلمـا تذكرتـه وبخاصةً الأيـام التي كانت بينهم كنسمـات الهواء الضائعـة !!!
تجعل ضجيج الألم يعـاود التشقق بين روحهـا المُنكسـرة حرفيًا ..
بقيـت تنظـر للطبيب باستخفاف وكأنها تخبـره بنظراتها أن يتراحع عما أتى له، أن يُسلم لواقـع أنها اصبحت مثلها مثل الجماد .. ذات مشاعر محترقـة !!
تقـدم اكثر منها ثم جلس لجوارهـا يُنظم تلك الكلمات التي من المفنرض ان تخترق عزلتها المميتة ..
ليبـدء كلماته بقولـه الهادئ :
-ازيـك يا مدام رشا ؟ عاملة اية دلوقتي ؟
نـال منها نظـرة ساخطة، ألا يـرى حالها ؟! ألا يرى الإنكسار ينحدر على ملامحها التي كانت ذات يوم مشرقـة ..
ربما بل بالتأكيد يرى نتائـج خطط "شيطان الأنـس " الخبيثة على ذبـلان روحها التي كانت ذات يوم مرحة !!!
بينما تابـع هو حديثه الذي بدأ ينحدر نحو الجدية :
-أنا جاي اقول لحضرتك حاجة يمكن تفرحك .. جدًا
وأخيرًا تبدلت نظراتها للاهتمام ولو قليلاً .. فتشجـع هو وهو يشعر بها تفتح له باب مستنقعها المظلم بنظرتها تلك ، وقال :
-ولاد حضرتك تقريبا اسمهم مالك و زينة .. جايين عشان يشوفوكِ
بالرغم من تهـلل أساريرها .. بالرغم من إنفراج تلك القسمات المتقلصة .. إلا أنها شعـرت بغصة مؤلمة تخص كرامتها .. الان فقط تذكروها ؟!
الان شعروا بعامود منزلهم الذي كاد ينكسر تمامًا من كثرة تحمله !!!
وهمسـت بشرود لم تعي أنها تحدثت :
-ياااه لسة فاكريني، كتر خيرهم والله
تغاضى عن اعتراضها، و راح يردف بنصـر لاخراجها عن حالة الصمت تلك التي كادت تقتلها حية :
-على فكرة هما مشتاقين لك جدًا وكانوا عاوزين يدخلوا لك بس انا قولت لهم استنوا ادخل افاجئها بنفسي
بقيت صامتـة تحت تأثير الصراع النفسي الذي تشعر به حاليًا ... فراشات السعادة تُهلل داخلها للقاء ولديها الحبيبن .. وذراعا شيطانها يجذبانها نحو حافة الغضب الحارق !!!
فنـادى الطبيب بصوته العالي :
-اتفضل خش يا استاذ مالك .. أنسة زينة
ودلفوا سويًا بهدوء تام يقوده الاشتياق لها .. وياللهول من صدمتهم التالية !!
وما أصعب من أن يروا والدتهم الحبيبة ذبلت حرفيًا !!!
خطوط من الهالات السوداء تحيط بوجهها الذي كان مشرق - مسبقًا - خطوط لوهلة شعر مالك أنها تعترف على جمال بوضعه لها !
أقترب منها مسرعًا يحتضنها بكل ذرة حنان تجرعها مسبقًا فبعث بها لها عن طريق لمساته الرقيقة ... وكادت دموعه تخون امره وتنجرف أسفل رمشيه فظل يهمس بخفوت مرددًا :
-وحشتيني اوي يا امي
ورغمًا عنها بكت !! سمحت لتلك الدموع الملتهبة أثر البُعد أن تأخذ منحناها على تقاسيم وجهها الذابلة فتعطيها مظهر اكثر شفقة !!
شدد من قبضتها على ظهره تخبـره بصوت واهن بشدة :
-وأنت أكتر يا حبيب امك .. وحشتني اووي يابني
وابتعد مالك بعد دقائق لتحتضنها زينة على الفور بلهفة حقيقية .. فيما ظلت الاخرى تردد :
-مش هاخليه يأذيكوا ابدا يا حبايبي
نظـر مالك للطبيب يسأله بجدية مناسبة :
- هاخدها البيت عادي .. صح يا دكتور ؟
اومـأ الطبيب ومن ثم اجابـه :
-اه مفيش مشكلة بس روح لدكتور القلب اللي كان متابعها عشان حالة القلب كانت متدهورة اخر فترة
اومـأ مالك بقلق يسألـه :
-هو فين ؟
اشـار له وقال :
-هتلاقيه في الطرقة دي الاوضة اللي ع الشمـال...
وبعد فتـرة انتهوا واستعدت رشا للرحيل بشعادة لم تفرض مقاليدها على حياتها البائسة منذ فترة ...سار معهم مالك وهو يتذكر كلام ذاك الطبيب الاخر :
-قلب والدتك كان ضعيف من الاساس والضغط النفسي ده اضعفه بزيادة ولو الضغط زاد ممكن تتعرض لسكتة قلبية بعيد الشر، فـ ياريت ماتتعرضش لأي ضغط ويستحسن لو اخدتوا الممرضة معاكم فترة لحد ما نطمن ع استقرار الحالة
وتلقائيًا احتل الحنق اجزاءه من والده الراحل .. واصبح فعليًا لا يدري أيدعو له ام عليه ؟!!!!
*****************
وصلت شمس الى منزلها السابق .. وتتلاطم امواج الذكريات داخلها، بجوار تلك المشاعر المختلطة .. الحـزن الهدوء والقلق من رد فعل لا تتوقعـه !!
"لكل فعل رد فعل" وبالطبـع لكل هجـر وابتعاد غاضب .. حنق لا يُوصف تجاهها !!
طرقـت باب المنزل بهدوء متردد .. حتى تلك اللحظة تخشى فـوران غضب والدتها فربمـا تحبسها معها !!؟
ربما تظل تضربها حتى تتسبب بمـوت طفلها التي لم يرى الدنيا بعد !!!
وساويس ووساويس من ذاك الشيطان يدعوها للفـرار .. يدُس المخاوف بعقلها كدعوة صريحة للتقدم نحو الهرب مرة اخرى !!
ولكنها تمسكت بكل طرفًا للثبـات وهي تزيد طرقاتها وبعد ثواني فتحت لها كريمة بوجه واجم سرعان ما تبدل للسعادة المُهللة التي توزعت على ملامحها فور وقوع نظراتها على أبنتها المهاجرة !!!
ولم تترد وهي تقترب لتحتضنها بكل ما لها من قوة .. تملأ رئتيها برائحتها الطيبة .. وتهمس بصورة هيستيرية :
-يااه يا شمس .. هونت عليكِ يا بنت بطني هونت عليكِ تبعدي عني ده كله ؟ هونت عليكِ متسأليش عني حتى !!
رمقتـها شمس بنظرة ذات معنى وهي تبادلها الهمس :
- وانا كنت هونت عليكِ يا امي تجوزيني لـ واحد زي يحيى ومن غير تردد حتى ؟!!! هونت عليكِ تقولي عني هايتجوزك يستر عليكِ ؟!!!! لية من امتى وانا جايبة لك العار ؟!!!!
بالطبع لم تـرد كريمة بل اطرقت رأسها خزيًا من فعلتها الشنيعة وتصرفاتها الغسر مقبولة بالمرة في قاموس اي ام !!
فقـالت بصوت اجش تخبرها بما توقعته شمس الى حدًا ما :
- أنا عرفت غلطي يا بنتي، بُعدك عن حضني كواني وعرفني الغلط اللي كنت برتكبه في حق نفسي قبل حقك
ظهرت شبح ابتسامة على وجههـا، لترد بنفس النبرة :
-وأنا عرفت قسوة رد فعلي يا امي
فاحتضنتها مرة اخرى وقد انهمرت دموعها كشلالات لن تهدئ !!
ثم اشارت لها قائلة بفتور :
-طب خشي يلا .. تعالي نفسي اتكلم معاكِ كتير اووي
وبالفعل دلفت شمس بابتسامة لم تزول.. سعادة حقيقية تتوغل خلاياها التي كانت بائسة مترددة قبل وصولها ،
سألتها والدتها بحنان :
- عاملة اية يا قلبي ؟ كنتِ عايشة ازاي ؟
اجابتها شمس دون تردد :
- كنت عايشة مع جوزي يا ماما .. مع مالك
سألتها ببعضًا من التعجب :
-انتِ كنتِ متجوزاه فعلًا ؟؟
اومـأت شمس مؤكدة، وعشق مالك الوردي يتردد بين طيات قلبها قبل عقلها، لتتابـع بعدها :
-اه .. مالك شخصية جميلة اووي يا امي، انا متأكدة انك لما تقعدي معاه هاتحبيه زيي
لم تـدري ما اعترفت به للتـو .. لم تـدري أن قطرات عشقها الأبدي ظهرت بوضوح بين حروفها !!
فسألتها والدتها بذهول :
-إنتِ حبتيه يا شمس ؟ حبتيه بجد !!
إبتلعت ريقها بتوتر، ثم بدأت تشرح لها بخفوت مُحرج :
-الكمال لله وحده طبعا، بس مالك شخصية شبه متكاملة يا امي، حنين وراجل وبيحبني واتغير عشاني كمان، شال قسوته الخارجية وظهر معدنه الحقيقي، وكمان جه سبب تاني يخليني اتمسك بيه اكتر
سألتها هادئة :
-أنا آآ أنا .. حامـل
شهقـت والدتها مصدومة !! ولكن سرعان ما تحولت للفـرح الفطري في موقف كهذا .. إنفجرت ابتسامتها الهادئة لأخرى تعدت مراحل الفرح لسعادة غامرة !
فاحتضنتها بحنان مرددة بصوتها الهادئ :
-مبروووك يا حبيبتي الف الف مبروك
بادلتها شمس الحضن والسعادة ... ومـر الوقت وهم يتحدثوا بشتى الأمور .. كلاً منهم تطمأن على الاخرى بلهفة حقيقية وواضحة ...
وبعد ما يقرب من الثلاث ساعات تنحنحت شمس تستأذن والدتها بجدية :
-بعد اذنك يا ماما انا هامشي
أمسكت والدتها يدها بحركة تلقائية تسألها متوجسة :
-عايزة تبعدي عني تاني يا شمش
هـزت رأسها نفيًا :
-لا لا طبعا بس مالك زمانه رجع البيت وأنا جيت غصب عنه اصلًا
ضيقت والدتها عينيها في بعضًا من الضيق :
-لية هو مش عايزك تشوفيني ولا اية ؟
هـزت رأسها نفيًا مسرعة وراحت تبرر لها :
-لا طبعا ياامي بس هو مش على طبيعته بسبب موت والده، وحاجات كتير حصلت معانا اكيد هاحكيهالك لما نيجي انا وهو بكرة عشان ميزعلش من تأخيري
اومأت والدتها مستسلمة :
-ماشي .. ربنا ما يجيب بينكم زعل ابدا يا قلبي
بادلتها شمس الابتسامة ثم نهضت لتغادر على عقبيها، استعدادًا لدائرة الشجار التي ستنشب بينها وبين مالك بعد قليل !!! ..
***************
" وعندما يظل ما تريده يفـر هاربًا منك .. تظل أنت في نفس سبيبلك .. منتظرًا منه ان ينتهي فيأتيك هو " !!
فتحت" عبير " الباب صدفةً لتقـع عيناها على تلك خلود التي مازالت تجلس بنفس للمظهر الذي تركتها به .. شهقت مصدومة ولم تتخيل أن اصرارها يصل لاعتبـاب الجنون هكذا !!!!
بينما هبت "خلود" واقفة تستعيد رباطة جأشها قبل أن تهمس برقة منكسرة :
-ماما
بينما الاخرى ومن دون تردد أحتضنتها على الفور .. تحقق ما ظلت تتمناه بين قرارة نفسها، تحقق ما ظل مجؤد امنية عالقة بين شباك واقعها القاسى !!!
بينما الاخرى ظلت متشبثه بحنان الذي كان يزداد قطراته مع مرور ثواني اللين بينها وبين والدتها ..
فظلت تهتف باكيـة برجاء حار :
-سامحيني يا امي سامحيني بالله عليكِ بقاا
اشتمت "عبير" ريحق شعرها الفواح، لتقول دون تردد بحنان :
-مسمحاكِ يا روحي مسمحاكِ
عند تلك النقطة ازدادت شهقات خلود التي ظلت تشدد من احتضانها وهي تردد بهذيـان :
-ربنا يخليكِ ليا وميحرمنيش منك ابدا ياااارب
أخذتها والدتها نحو الداخل بهدوء ... جلستا سويًا ليخـرج "تامر" الذي يبدو انه استيقظ لتوه من نومتـه القصيرة !!
وسرعان ما همس ببلاهه :
-اية ده خلود هنا ؟!!!
اومـأت والدته باقتضاب .. هي مازالت تضع خطوطًا سوداء بينها وبينه، خطوطًا صنعها غضبها الحارق من خطأ ابنها الشنيع ..
بينما قال هو بشبه ابتسامة :
-حمدلله على سلامتك يا خوخه
ردت عليه الاخرى بجدية :
-شكؤا الله يسلمك
اقترب منهم .. ينظر لهم بخزي وحزن معًا، أصبح مُحرجًا منهم بدرجة كافبة أن تجعله لا يضع عيناه في مواجهة عيناهم ابدا !!
فهتف بصوته الاجش مستسمحًا اياهم :
-ارجوكم بلاش النظرات دي انا والله العظيم استويت، سامحيني يا امي زي ما سامحتيها، وانتِ يا اختي انا اسف من هنا لبكرة سامحيني
عضت خلود على شفتها السفلية، وما حدث منذ قليل .. جعلها ترد مجبرة بحبور :
-مسمحاك يا تامر ..مهما كان انت شقيقي
فيما تنهدت والدتهم بقوة، كلمة "امي " كسحرًا فطريًا تجبرها على مسامحتهم مهما كانت الاخطاء !!
فأومأت بحنو مرددة :
-تعالي يا حبيبي
ثم اشارت لهم لاحتضانها .. واحتضنت كلاهما بحنان وحب حقيقي ... لن يقطعه سوى تعكير انسحب من حياتهم منذ زمن !!!!
**************
وصلت "شمس" الى منزلها، تأخذ نفسًا قويًا تختزنه داخلها .. فلربما تنقطع أنفاسها حزنًا على ذاك الشيطان الذي دلف بين نسمات حياتهم السعيدة ليعكرها بخبثه !!
طرقت الباب وهي متأكدة أن مالك بالداخل والفضب يتهافت امامه وبين ضلوعه مع قلبه المحترق اثر فراق والده المحتوم !!
وبالفعل فتح لها والغضب فقط من كان بين سطور عيناه، جذبها من ذراعها يدخلها وهو يغلق الباب بقوة ...
وسرعان ما انفجر بوجهها يهتف في حنق :
-برضه عملتِ اللي فـ دماغك وروحتي !؟؟
اومأت شمس تجيبه بجدية مناسبة :
-ايوة، انت عارف اني كان لازم اروح لـ ماما
صـرخ بوجهها بنفاذ صبر :
-قولت لك اصبري، قولت لك لا لكن كلامي كله في الارض وبرضه بتمشي ورة عنادك وبتعملي اللي على مزاجك
إبتلعت ريقها بازدراء، لتردف بصوت خافت :
-طب ممكن تهدى شوية عشان نعرف نتكلم
الهدوء !!!!
وهل اصبح يعرف للهدوء معنًا بعد كل تلف الاعصاب هذا ؟!
هل مازال يوجد ولو ظلاً واحدًا للهدوء في حياته التي اصبحت المشاكب تتوغل كل جزءً منها !!!؟
يشعر كما لو انه يتحمل كل ماكان من المفترض ٱني يتحمله من فترة فتراكم فوق كتفيه !!
ولكنه لم يعد يحتمل فعليًا، انهارت سفينة ثباته المزيف التي حاول ان يبعثها لـ روحه الثائرة ...
ورغمًا عنه صرخ بوجهها منفعلاً بصوت عالي وحاد :
-متقوليليش اهدى.. انا هادي .. أنتِ اللي غبية وهاتفضلي طول عمرك كدا
ابتلعت تلك الاهانة على مضض، وما يشفع له هي حالته المرزية تلك،
فكزت على اسنانها تستطرد بهدوء حذر :
مالك .. آآ
ولكنه قاطعتها بزمجرته المزلزلة لكيانها :
-بلا مالك بلا زفت قرفتيني
هنا لم تعد تحتمل .. صراخه وصل اعماقها المتحجرة لتُختم اهانته عليها كأنثى شرقية !!
فبادلته ذاك الصراخ المجنون :
-لا بقا لهنا وكفاية، مش هاسكت لك ابدا
اقترب منها ببطئ مخيف، ليرد بعصبية محتقنة :
-مش هاتسكتِ هاتعملي اية يعني ؟! هه هتعملي اييية !!؟
رغمًا عنها ارتعشت اطرافها خوفًا، فهي مازالت تتذكر مالك القديم .. مُعذبها القاسي متحجر القلب !!!
ولكنها قالت :
-هاعمل كتير ..وابعد ماتقربش تاني
بالفعل كانت تتقزز من رائحتـه لسبب مجهول.. ولكنه بالطبع طفلهم الذي لم يولد بعد، تقلصت امعائها بألم فدفعته بقوة .. فيما دُهش هو وتطاير الغضب من بين جحوره ...
شرارات من الغيظ علقت بلهيب ألمه !!!
فأردف كازًا على اسنانه بحنق :
-مش طايقة قربي .. طب انا بقا هاوريكِ
ونظرته كانت لا توحي بالخير ابدا، وازداد شبح الخوف تكبرًا داخلها وهي تراه يخلع التيشرت الخاص به ونظرة تعرفها جيدا تُدس بألم بين طيات قلبها و... !!!
**************
يتبــع
غزالة في صحراء الذئـاب
الفصل التاسع والأربعون ( الخاتمة ج2 ) :
كـانت تـرتـجف امامـه، يظهـر وحش الماضـي مرة اخرى امامهـا على هيئة ذاك الحبيب، وكأنه يخبرهـا أنه مثل ظلها تمامًا !!! وسيظل هكذا دومًا ..
أختنـاق ... شعـور تمثل لها على هيئـة وشاحًا أسمه " لعبة القدر " يُطبق على صدرهـا بقوة فيمنـع تلك الدقـات التي ما زالت تهفـو بأسمـه من الصعـود !!!
بينمـا هو ... الغضـب كان ستـارًا من صنع ذاك الشيطـان الأهوج ..
يعميـه عن عشقـه .. عن روحـه .. عن من تربعت على عـرش قلبـه !!
أقتـرب منهـا مرة أخرى، ولأول مرة يصبـح أقترابه مؤلم .. حار .. به شيئً من الحساسية بينهم !
عـازل نفسي يـقف بينهم عازمًا عدم التصـدع إلا تحت خضـوع سيطرة النظـرات !!!
إلتـصق بها تمامًا، لم يكـن يقربها ليُعذبهـا، بل كان هو اكثر من يحتـاج القرب .. هو من يحتاج الأحتـواء وخاصةً في هذه اللحظات ...
تلك اللحظات التي مـرت عليه ولم يكاد يفقد محبوبته فقط، بل بالفعل فقـد نفسه المتحكمـة .. وقلبـه العاشق !
بـدأت دموعهـا في الإنهمـار .. تبكِ بحرقة، بين علاقتهم والدمـار نقطة فقط ..
نقطـة صغيرة تكاد تكون معدومة إن تخطاهـا فقد تخطى كل شيئ حلو !!!
وكان وجهه أمام وجههـا تمامًا، لا يـرى دموع ولا يرى همسات .. ولا يرى حتى رجائهـا، كل ما كان يعلق بعقله الصلب هي تلك الهموم المميتة ...
واخيرًا إستطاعـت هي تحريـك شفتيهـا التي كادت تتجمـد أثـر هجومـه، وبارتعاشـه همسـت :
-مالك .. وحيـاة أبننا ماتعملش كدة، مش بالغصب، بالله عليك مش بالغصب
جملتهـا تلك كانت كـ صفعة بالنسبة له .. صفعة أفاقتـه وإنتشلته من حالة اللاوعي التي كانت تتلبسـه !!
ظل يحدجهـا بنظـرات مصدومة .. مذبهلة، أهو من كان سيفعل ذلك بمحبوبتـه ؟!
هو سمـح للخوف أن يتوغلهـا بعدما كان وعده لها بالأمـان يرتكز في مقدمة علاقتهم ...
وبدلاً من أن يهجم عليها كما توقعـت، أحتضنهـا .. أحتضنها بقـوة وكأنـه يُذكرها بحنان الذي كاد يذهب أدراج الريـاح !!
ورغم ذلك تشبثت هي بـه وراحت تبكِ بحرقـة ..
وما أصعب بكاؤوها الذي كان يُمزقـه حرفيًا، ظل يـربت على ظهرها بنعومـة تناقض حالة الهيـاج التي كانت تحتـل أطرافـه، ويردد بإنفعال حاني :
-أنا أسف، أسف يا شمسي .. أسف سامحيني
ظـلت عالقـة بين شبـاك أحضانه التي إرتخـت، وبعد ثواني عاد لها ذاك التقزز المريـر.. فأبعدتـه برفـق وامعائها تزداد في التقـلص، فيما رمقها هو بنظرات ذات مغزى، ثم اردف :
-تاني ؟!
هـزت رأسهـا نفيًا، وبـررت مسرعة :
-والله غصب عني، معدتي وجعاني اوي وخصوصا لما تقـرب مني
شيئً ما من الألـم شـق منتصف صـدره من ذاك الأعتـراف المُهيـن له ..
ذاك الأعتراف الذي لم تكلف نفسها بأن تزيـن حروفـه ولو قليلاً !!
فكـاد يبتعـد، ولكن تحمالت على نفسـها وهي تقـترب منه مرة أخـرى، تقلصت أبتسامتها المصطنعة وهي تخبـره :
-صدقني مش بمزاجي، أكيد أبنك هو السـبب
بادلهـا الابتسامـة الحنونـة، وآآهٍ من ذلك الحنـان الذي يتدفق منها دون إنتهـاء !!
مازالت تخشـى حزنـه ؟!
مازالت تخشى عبسـه البسيـط وهي مُرغمة !!
وهو .. هو جعلهـا تعيش لحظـات تُعد تحت خانة - أسوء اللحظـات -
لحظـات مسروقـة من " النكد " الذي أفتقدوه منذ فتـرة ليست بقصيرة ..
أحتضنهـا مرة أخرى، وكأنه يثبت لشيطانه أنها معه وله .. للأبـد،
وظل يهمس تلقائيًا والآمـر قلبه هذه المرة :
-أسف يا شمسي، إنسي .. وسامحي زي ما بتعملي دايماً
اومـأت دون تـردد، ثم قـالت :
-يمكن اللي خلاني أسامح المرة دي هي الظروف اللي أنا متأكدة إنها هي اللي خلتك تعمل كدة
مـد يـده يتحـسس وجنتاهـا بعشق خالص، وكأنه يـسـأل يـده الخشنة التي تناقض بشرتها الرقيقة الناعمة .. من أي شيئ خُلقت تلك ؟!
فـ والله لولا خشيتـه من الله .. لكان زعم بأنها ملاكًا على الأرض !!
إستفـاق على صوتهـا المُحـرج نوعًا ما :
-طيب إلبس التيشرت يلا
أنتقـل لـ خبثـه مرة اخرى ولو لدقائق، دقائق ينتشلهـا من بين طيات تلك الهموم التي لم ولن تتركـه ..
فأصبـح يستطرد بخبث تعرفه هي جيدًا :
-وألبسه لية لما أنا ممكن أقلعه تاني ؟ هو انا فاضي ولا إية !؟
ضحكـت بنعومـة أذابتـه حرفيًا، هي تعشقـه .. تعشق خبثـه ذاك .. تعشق عبوسـه .. حتى غضبه الأهـوج تعشقـه ..
كل ذرة بها تتهاتف بأسمـه، مالك ... وبالفعل هو مالك، مالك قلبهـا الذي لم ولن يدخله غيـره .. ابدًا !!
فبادلها الابتسامـة قبل أن يـهتف :
-تؤ تؤ .. إنتِ كدة هاتزيدي من تهوري على فكرة، والله على ما اقول شهيد
إزدادت ضحكاتها الرنانـة التي صدحت بين أرجاء المنـزل، فأستندت على كتفـه تهمس بهيـام :
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي
وبغتةً .. فاجئهـا بحملـه لها، ظلت تهـز قدماها في الهواء وهي تعترض بخفوت مُدلل :
-لا لا لا ماتفقناش على كدة، سيبني يا مالك صدقني هارجـع من البرفان ده
هـز رأسه نافيًا والأصرار حليفـه :
-مليش دعوة، أنا حذرتك وإنتِ ماسمعتيش الكلام، وقد اعـذر من ذرذر
فتحت فاهها وكـادت تعتـرض ولكنـه وبحركة مباغتة إبتلـع حروفها بين شفتيـه، يلتهـم شفتاها باحتيـاج ..
وبعد ثواني كان يضعها على الفـراش برقة معهودة منه، نظر لوجههـا الخجول يملي عينيه منه، ويحفظ قسماتـه المرسومة بأبـداع، فرفـع ذقنها بيده يقول :
-اللي هايمنعني عنك بس الواد ده
ثم هبـط لبطنهـا يخبط عليها برقـة وهو يستطرد بسخطف :
-يلا يا حبيب بابا ماتطولش جوة عايزين نفكر في اللي بعدك أحنا ماعندناش وقت
فأنطلقت ضحكات شمس على عبثـه الذي أصبـح يُحلى حياتها، وأصبحت هي تتمنى ألا يـنتهي بمرور الأيام بموجاتها المتقلبـة .. ابدًا ...
***********
وصـلت " خلـود " إلى منزلهـا مرة اخـرى، لأول مرة بدأت تشعـر أن ذلك الجبل فوق كاهليها إنـزاح .. إنزاح وقد عفى عنها !!
تشعـر أنها حُـرة غير مُقيـدة بذاك القيد الذي يُدعى الأختنـاق !!!
نعم الأختنـاق بالبُعد ولو كان إجباري ..
إتجهـت الى غرفتهم على الفـور، لا ينقصهـا لقـاء ولا شعـور بالغيـرة ..
هي ترغب في الشعور بالكمال ولو لمرة في حياتهـا، مرة واحـدة تتمتـع براحـة البـال التي كانت دومًا بالنسبة لها طيفًا لا تستطيـع مسـه !!
وجـدت مراد مازال يغفـو بارتيـاح، قسمات وجهه رائقـة ليست مُعكـرة ..
ملامـحه أصبحت تنم عن الصفـاء النفسـي .. عن الأشـواك التي كانت تغـوص روحـه فلملمها على الفور واخيرًا ..
أقتربت منه تمسـد على شعره بحنان لم تتكلفـه.. وتزين وجههـا أبتسامـة صافيـة حانيـة لا تُقدر مقدار حبها له ولو لدرجة !!
شعـرت به يتململ في نومتـه، فكادت تبتعد إلا أنـه أمسك ذراعهـا يسحبهـا له برقـة ...
ليهمـس أمام شفتيهـا بحالمية :
-هتهربي فين بعد ما عملتِ جريمتك
شهقـت مصدومـة وقد إتسعت حدقتاها باصطنـاع بارع، ولكنها قررت مجاراته وهي تـرد بدلال يُذيبه دون جهدًا منها :
-إية ده جريمة أية ؟ أنا مأعرفش حاجة عن الجريمة دي يا باشـا
ضيـق عينيه السـوداء وهو يخبرها :
-إنتِ ازاي تتأمليني وأنا نايم كدة ؟ مراتي لو شافتك هتقطعك
إنطلقـت ضحكاتها الرنانـة في مـرح، فيما تابـع هو بتحذير خبيث :
-قومي يابت احنا كدة هنتمسك اداب يخربيتك
ثم سرعان ما قيد خصرهـا النحيف بذراعيـه المفتولتيـن .. كانا قيد حبـه وإفتتانـه بها !
ليستطـرد بعدها بنبرة مشاغبـة لم تهطل على أذنيها منذ فترة :
-وانا بصراحة معنديش مانـع
أبتعـدت عنـه و تلك الابتسامـة وكأنها حُفـرت على ثغرهـا بثمار عشقهم الأبدي، ثم رمقتـه بنظـرة ذات مغـزى بجوار قولهـا الهادئ :
-تؤ تؤ .. الأول هتعمل اللي مفروض يتعمـل
نالت منه أبتسامـة مؤيـدة على ما قالتـه، ثم نهـض مغمغمًا بتأكيد :
-شور يا بيبي، بس بعدها مش هتفلتي مني، العمر بيجري وعايز أفرح بعيل ليـا
رغمًا عنها شعـرت بالجفاف في حلقهـا عند تلك السيـرة ..
تعلم أنها لم تتزوج منذ فترة كبيرة، وتعلم أن الصبر مفتاح الفـرج ..
ولكن ما ذنبهـا إن كان قلبها يتـوق لتلك الكلمة - أمي - التي تُشبـع غزيرتها الحنونة !!!!
ما ذنبهـا إن كان القلق دائمًا يكن في ذيل حروف ذاك الموضوع تحديدًا ..
إنتشلها من شرودهـا صـوت مراد وهو يقول بخشونـة :
-روحي قولي لـ ليلى تجهـز نفسها، هنطلع على المأذون الأول
اومـأت موافقـة ومازال الشرود يفرد أزداله على عقلهـا، فنهضت متجهة للخارج تاركة اياه يغتسل ليبدل ملابسـه سريعاً ..
فيمـا تنحنحت هي قبل أن تبـدأ حديثهـا مع ليلى التي كانت تجلس بشـرود كعادتهـا، فهتفت بهدوء :
-ليلى .. بتعملي إية ؟
أجابتـها بأبتسامـة صفـراء :
-ولا حاجة، قاعدة زي كل يـوم
ضيقت " خلود " عينيها في خبـث، ثم سألتهـا بنبـرة ماكرة خالت على " ليلى " :
-اممم، بتتأملي صورة ... آآ
و حكـت رأسهـا بطرف إصبعها كعلامة على التفكير الوهمـي، ثم أكملت :
-أسمه حمدي تقريبًا مش كدة ؟
زحفـت الحمـرة كشبحًا يتلبس وجههـا الأبيض، فنظـرت أرضًا تـردد متلعثمة بحـرج :
-آآ هو آآ يعني عـ عشان صديق .. صديقي الوحيد وآآ وقريب مني بس
إتسعـت إبتسامـة " خلود " وفي قرارة نفسهـا أيقـنت أن " ليلى " تعشق حمـدي ليس تحبه فقط ..
" العشق والخجل " شعوران مترافقـان، إينما وُجد واحدًا منه وُجد الاخر مرافقًا له رحلة العشق تلك !!
عادت للواقـع تردف بصوت جـاد دال على جدية الأمر :
-طب قومي إلبسي بقا عشان هنروح مشوار كدة
سألتهـا دون تردد :
-مشوار إية ؟
تأففت بملل مصطنـع، و راحت تهتف مداعبة :
-مفاااجأة ياستي، قومي يلا مفيش وقت، وأنا هدخل برضه ألبس
اومـأت ليلى موافقـة على مـضض ..
لتنهض كلاً منهم لترتـدي ملابسها، إستعدادًا للقـادم !!
***********
-نورتـي المكـان يا ست البنـات
قالهـا " يحيى " لـ "زينة " التي إقتربت منه تجلس على الكرسي أمامـه تفصلهم منضدة صغيرة وقد إنفـرجت ابتسامتـه وبدأت دقاتـه تعـاود ذاك الاضطـراب مرة اخـرى ...
يشعـر بـكيانـه البـارد يُزلزل بمجرد رؤيتهـا، يشعـر بالشـوق المُمـيت يُجمد أطرافه مطالبًا إياه بالاقتـراب ...
صارخًا فيـه لم أعد أحتمل .. يأكله كالصدئ في الحديـد، يؤلمـه دليلاً على عدم تواجد ما يتأكل فيـه ..
إستـرد صحته ولكنـه يشعـر بمرض يُدعى الحب يُطرق بابـه ..
لا يعلم كيف ولا متى حدث .. وحتى لا يرغب في أن يعلـم، كل ما يهمـه هو أن وصل بداية أدرابـه فقط !!
فيمـا أبتسمـت زينـة بهـدوء، لم تكـن كالبقية صافيـة وسعادة .. بل مازالت بعض الشوائـب تُعيق سعادتها !!!
مازالت تشعـر بالرعب كلما تذكرت أنها لم تخبر أخيها، لم تطلب منه السمـاح ..
هي تـحبس نفسها بغرفتها بمجرد أن تشعر بذاك الألم يعاودها .. تدخل في صـراع معه بين الانصياع له او التمـرد عليه ...
أحيانًا تفـوز واحيانًا ينتهي الأمر بفقدان وعيها لتستيقظ تجده قد ذهب ادراج الرياح وكأن مهمته إنتهت !!!
تعلم أنها ستعاني قليلاً .. لا بل كثيرًا حتى تسلخـه نهائيًا من حياتهـا، ولكن ها هو المفتـرض ..
إستفاقت من شرودها على صـوت يحيى يقول مشاكسًا :
-سرحانة في إية يا قمري ؟
ظهرت ابتسامة صفراء على ثغرهـا قبل أن تنفي :
-لا ولا حاجـة
لفـت نظـره تلك الورقـة التي تكورها بين أصابعهـا، فلم يتردد وهو يسألها فضوليًا :
-إية الورقة اللي هتقطعيها دي ؟
إبتلعت ريقها بازدراء .. قد حـان الوقت، دقت ساعة الصراحة وإقتربت النهاية !!
نظـرت له بثبـات ظاهري تلجأ له في تلك الحالات، ثم تشدقت بــ :
-هو ده اللي كنت هأقولك عليه لما أنت إتصلت بيا وطلبت تشوفني عشان تعترف لي باللي انا وانت عرفينه
عقد ما بين حاجبيه في تساؤل متوجس :
-ده إية قلقتيني ؟ في إية يا زينة ؟
تنهـدت تنهيدة طويلة وقوية تحمل بين طياتها الكثير والكثير، ثم مدت له الورقـة يتلقى هو تلك الصدمة بنفسـه ..
وبالفعـل تجمـدت ملامحـه وهو يقـرأ تلك الورقـة، يدقق بتلك الحـروف علها تُظهر مبطنها الحقيقي ... ولكن بلا فائدة !!
نظـر له مبهوتًا في قوله :
-إية ده يا زينة ؟ معناه إية ده ؟؟؟
أجابتـه بكلمة واحـدة ولكنها كانـت كسيفًا قطـع كل احلامه الوردية :
-مُطلقة .. أنا مُطلقة يا يحيى
بقي هادئًا تمامًا بعكس ما توقعـت، يفكر ويفكر وهو يطـرد التسرع من بين أعماقـه، لأول مرة يحاول التقمص في شخصية العاقل الرزين المتحكم في أعصابه التي كادت تتلف ...
وبعد دقائق من الصمت قـال بجدية :
-ممكن أفهم إزاي ؟
اومـأت موافقة بنفس الجديـة ثم بدأت تشـرح له كل شيئ من البدايـة المُنهية .. حتى إنتهـو فمسحت تلك الدمعة التي فـرت هاربة من بين جفونهـا، ثم غمغمت بصوت يكاد يسمـع :
-دلوقتي القرار ليك، تعترف أو ماتعترفش، وأنا راضية بأي حاجة
أغمـض عينيه وراح يقـول في خفوت :
-زي ما إنتِ اعترفتي لي بالحقيقة، أنا كمان لازم اعترفلك بحاجة، وساعتها هنبقى متساويين
صمت برهه ثم بـدأ يقـص عليها كل شيئ، علاقتـه بـ شمس، وحبه الوهمي لها، إمتلاكـه المكروه لها !!!
واخيرًا محاولة الإنتقـام منها،
ضغط على جرحها الذي لم يُشفى بعد من دون قصد .. فلولا وقفة القدر هذه المرة لكانـت تحملت نتيجة أختيار اخيها مرة اخرى !!!!!
انتهـى لينظـر لها مثبتًا نظراته على عينيهـا في شيئ من الهُيـام، ليردد بثبـات جعل قلبها يُرفرف بأجنحة سعادتـه :
-وبرضه عايز أقولك إني بحبك .. بحبك وموافق بكل حاجة، وعايز أقابل أخوكِ واشكره لانه كان السبب اني اعرفك !!!
************
كـانت " ليلى " تسير بجـوار مراد وخلـود شاردة سعيدة ومُهللة .. انتهى كل شيئ وثبتت انها مازالت على قيد الحياة ..
الحريـة !!!!
كلمة قد ظنتهـا بعيدة جدًا عن مستوى الواقـع، ولكنهـا بيوم وليلة أصبحت هي الواقـع في حد ذاتـه ..
لقد نالت حريتها اخيرًا .. أصبحت حُـرة غير مُقيـدة برابط الزواج من شخصًا لا ترغبـه ؟!
ذاك الرابـط الذي كان يخنقها أكثر يومًا بعد يوم ..
كانـت تسيـر كـ عصفورًا حرروا أجنحتـه لتـوه !!! الابتسامة لم تزول من ثغرها ابدًا، بينما مراد و خلود يراقبانها بنفس الابتسامة الهادئـة ...
وبعد قليل وصلوا الى المكـان المقصود، دقـوا البـاب ليفتـح لهـم ... حمدي !!
العاشق الولهـان الذي ابتعـد عن معشوقته بما فيه الكفايـة ..
ومن دون مقدمـات احتضـن ليلى بسعادة غطت على كلاهمـا ..
فـ تنحنح مراد بجدية مصطنعة يقول :
-احم احم نحن هنا
ضحكت خلود، فيما ابتعدت ليلى مسرعة وقد طغت الحمرة الخجولة على وجههـا، فأشـار حمدي لهم أن يدلفـوا ..
جلسـوا جميعهـم، فسـارعت ليلى تسألهم :
-ازاي ؟ هربت منهم ؟
رد مراد بصوته الأجـش شارحًا وهو ينظر لخلود :
-في اليوم اللي كنت مع خلود فيه، كان حمدي هو اللي اتصل، بقولي انه هرب وحتى قبل ما الناس دي يتقبض عليهم، فـ أنا وصلته للشقة دي بتاعت واحد معرفـة، وفضل قاعد هنا مستخبي لحد ما عرفته انه اتقبض عليهم، فـ بقى عايش حياته طبيعي وبيشتغل كمان فـ مشروع كدة هنعمله انا وهو، اصلي قررت اني مش هرجع للشرطة تاني ابدا، لان البلد دي مش عايزة حد نضيف يبقى سلطة فيها
عـم الهـدوء بين الجميـع .. هدوء تاام يتنفسه الجميع بين نسمات الهواء كلاً منهم يُسعد بحياته التي اصبحت مُهندمة اخيرًا !!!
قطـع ذاك الصمـت صوت حمدي الذي قال بامتنان لـ مراد :
-أنا مش عارف أقولك اية ؟ بس ربنا يديك على قد نيتـك على كل اللي عملته معايـا
ابتسـم مراد، ومن دون مقدمات بدأ يقص عليه علاقتـه السابقـة بـ ليلى منذ ان عرفهـا ...
فختـم الحديـث بقولـه الهادئ :
-ده قدر .. وانا مأقدرش اعترض على رغبة ربنـا !
**********
تم الحكم على " سعـد " وكل معاونيـه بالمؤبـد مع العمل الشـاق ..
لقد كان الحكم هيـن جدًا نسبـة لقائمة اعمالهم الشيطانيـة !!!
ولكنـه حكمًا كان تقريبًا كـ فرصة لهم من الله ثم القدر ليحاولوا التمسـك بأطراف التوبة ولو قليلاً ...
......
اما زيـاد .. لقـد أطـل الظلام بحلكته المميتة على حياته التي اصبحت بائسة من دون زينـة، مرت تلك الفترة قبل أن بطلقها رسميًا والأمل ينبت بداخله يومًا بعد يوم يزداد أن تعود له زينة وتسامحه ..
ولكن الوقت أثبت له العكس تمامًا !!!
فاستسلم لرغبة قدرًا لا تقبل المعارضـة وطلقهـا رسميًا ...
بعدما عزم ان يكـرث حياته للعمل .. ولـ زياد نفسه فقط .. لا حب ولا عالم وردي سينال منه نظرة او إلتفاته مرة اخرى !!!!!
*************
وبعد مـرور ثماني شهـور ...
-يارب ياااا ربنا تكبر وتبقى قدنـا ..وتيجي تعيش وسطنـا ... وسط الحبايـب، تكبر وتروح المدرسة .. وتصاحب شلة كويسة .. وتشوف عيون أمك وأبوك .. فرحااانة بيـك ...
صـدح صـوت الأغنيـة المصريـة التي تصدح في " سبـوع المولود " تملئ الاجواء بالسعادة والفـرح ... معلنـة عن مرور أسبـوع على ولادة نبتـة العشق " مليكة مالك السُناري "
ابنتهـم الاولى وبالطبـع ليست الاخرى إن شاء الله .. والسعادة خير خـتام ...
الابتسامـة التعبير الوحيد الذي يتلبسه الجميـع ..
شمس تحمل مولودتها الحبيبة بجوار مالك الذي لم يغيرهم الزمن او يزيدهم سوى عشقًا وخاصةً بعد أن زادت " مليكة " عشقهم متانة !!
ودائـرة من حولها تُشكل ثنائيات من تعرفهـم ...
زينـة و يحيى الذين أتـوا من " شهـر العسل " لتوهم .. واخيرًا عرفت زينة معنًا حقيقيًا للسعـادة .. لازالت تشعر بالغصة المؤلمة في روحهـا كلما تذكرت موقف مالك منها عندما علم .. ضربها .. سبهـا .. ولكنه ختم ذلك باحتضانها، وبالطبـع السبب معلوم
' هو من كان سببًا بذلك .. بل هم جميـعًا !! .. تفكك أسرتهم من كان السبب الأساسي '
ولكن تختم فكرهـا بمقولة حازمة
" ولكنها راضية .... "
وعلى الجهـة الاخرى خلـود و مراد متشابكين الأيادي ينتظرا مولودهم الذي أتم شهره الثاني لتـوه ...
وقـد أيقن كلاً من مراد و مالك أن كلاً منهم أنتقم من نفس الشخص على طريقته بعد معرفتهم بالحقيقة !!
...
بجوارهم " ليلى " و " حمدي " عصافير الحب الصغيرة الذين يستعـدا للحبس في قفـص الزواج الأبـدي ....
والسعادة خير ختـام .. السعادة التي كانت خير خلفية لنهايـة حتمية !!!
************
"تمت بحمدالله "
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇


تعليقات
إرسال تعليق