القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية ليتني لم أحبك الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه شهد الشوري حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 رواية ليتني لم أحبك الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه شهد الشوري حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج



رواية ليتني لم أحبك الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه شهد الشوري حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج


الشخصيات

جيانا أكمل النويري – (26 عامًا)

صحفية معروفة في إحدى الجرائد المشهورة، ذات شخصية قوية وشرسة، لا تهاب أحدًا، كما تتمتع بروح مرحة وعنيدة في الوقت ذاته.


تيا أكمل النويري – (22 عامًا)

طالبة في عامها الأخير بكلية التجارة، جميلة وترتدي الحجاب، تتميز بشخصيتها الهادئة والخجولة، على عكس شقيقتها الكبرى


رونزي – (27 عامًا)

فتاة فاتنة، ابنة أب مصري وأم ألمانية، قضت حياتها بالكامل في ألمانيا، تتميز بشخصيتها الخجولة بعض الشيء، وهي الصديقة المقربة لجيانا.


ديما محمد الزيني – (17 عامًا)

فتاة شقراء وجميلة جدًا، هادئة بطبيعتها، تمتلك شخصية طفولية وبريئة، ابنة أم تركية وأب مصري.


فريد محمد الزيني – (34 عامًا)

رجل وسيم وجاد، زير نساء من الدرجة الأولى، يدير شركات "الزيني" للحديد والصلب بعد أن ورث الإدارة من والده، ويشاركه في ذلك ابن عمه.


آسر النويري – (32 عامًا)

ابن عم جيانا وتيا، ضابط شرطة برتبة مقدم، طويل القامة ووسيم، يتمتع بشخصية مرحة، فقد والديه منذ عامين في حادث سيارة.


أيهم جمال الزيني – (34 عامًا)

ابن عم فريد وديما، لا يختلف كثيرًا عن ابن عمه، فهو أيضًا زير نساء من الدرجة الأولى ومرح، يدير شركات العائلة برفقة فريد.


فادي عبد الرحمن – (36 عامًا)

رجل ذو شخصية حقودة، يدير شركة والده، ويكن كراهية شديدة لفريد وأيهم.


هايدي عبد الرحمن – (25 عامًا)

فتاة استغلالية وأنانية، تسعى دائمًا للإيقاع بفريد والزواج منه، مثل شقيقها فادي


رامي أكمل النويري – (16 عامًا)

الشقيق الأصغر لجيانا وتيا، يتمتع بشخصية مرحة، ويبدأ دراسته في المرحلة الثانوية


باقي الشخصيات هتتعرفوا عليها في الأحداث ❤️🔥

..............................

الفصل الأول 


في مدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط

مشت بثقة نحو الممر المؤدي لغرفة مدير الجريدة

وقفت أمام الباب، وتنهدت بعمق....فكانت تعلم أنها على وشك الدخول في مشاجرة جديدة معه، كما اعتادت يوميًا


سمح لها بالدخول، وما إن دخلت حتى بادرها بغضب قائلاً الجملة المعتادة التي حفظتها عن ظهر قلب، وكانت تعي ان اليوم سيكون ناقصًا إذا لم تحدث تلك المشاجرة وتسمع تلك الكلمات :

أهلاً باللي ربنا بعتها ليا عشان تكفر عن ذنوبي


كتمت ضحكتها بصعوبة، وقالت بمشاكسة :

صباح النور يا أستاذ مدحت


رد عليها مدحت بغضب :

صباح زفت ومنيل على دماغك ودماغ اللي شغلك عنده !!!


ثم تابع بلهجة مليئة بالغضب والغيظ :

أنتي مش هترتاحي غير لما تقفلي الجريدة دي، وقبل كل ده مش هتسكتي غير لما تنهي حياتك بإيدك


ردت عليه بجدية وقوة :

سبق وقلت لحضرتك إني مش هسكت غير لما أكشف حامد صفوان للكل...أنا مش بعمل حاجة غلط، أنا بكشف حقايق للناس


رد عليها مدحت بحدة قائلاً :

أنتي بتتعاملي مع الموضوع كأنه انتقام للي حصل من حوالي كام شهر، مش على أساس إنه راجل فاسد عاوزة تكشفيه وتبيني حقيقته للناس


أجابته جيانا بغضب وبلهجة مليئة بالعزم :

مش فارقة، الاتنين بيوصلوا لنفس النتيجة، قولتهالك قبل كده وهقولهالك تاني يا جوز خالتي يا أنا يا حامد صفوان...هفضل وراه ومش هسيبه غير لما أخد حقي... يا أنا يا هو !!!!!


غادرت المكتب بوجه مكفهر، وقلبها مشتعل من الغضب كلما تذكرت ما فعله ذلك الحقير بها والحادث الذي تعرضت له، اشتعلت نار الانتقام في قلبها و أقسمت أنها ستجعل حسابه عسيرًا، ولكنها تعلم أن الصبر هو المفتاح، فكل شيء يأتي في وقته جميل


.......

في أحد القصور الضخمة، جلس ذلك الرجل يقرأ المقال الذي كُتب عنه في إحدى الصحف الشهيرة، وعيناه تشتعلان بالغضب الشديد


صرخ بغل وحقد بعد أن انتهى من القراءة :

البت دي مش ناوية تريحنا وتجيبها لبر ولا ايه !!


رد عليه ذراعه الأيمن "حسين" :

يا حامد باشا، من ساعة ما قرصنا ودنها من كام شهر، وهي مش بتسكت، بتدور ورانا أكتر من الأول


حامد بنبرة تهديد وشر :

تبقى هي السبب في اللي هيجرى ليها ، دبور زن على خراب عشه !!!


سأل حسين بجدية :

تأمر بإيه يا باشا


أجابه حامد بلهجة حازمة :

عينك تفضل عليها 24 ساعة، ما تغيبش عنها لحظة، وأنا هتصرف بطريقتي !!!!


أومأ حسين بالإيجاب، واستأذن للخروج بعد مغادرته، تمتم حامد بوعد مليء بالشر والانتقام :

خلاصك هيبقى على إيدي يا بنت النويري !!

.......

في صباح هادئ بإحدى المدن الألمانية، كانت تلك الفتاة الجميلة ذات البشرة البرونزية تجري في الشوارع تمارس رياضتها اليومية المعتادة


بعد انتهاء جولتها، جلست على أحد المقاعد الخشبية لتلتقط أنفاسها، ثم أخرجت هاتفها واتصلت بصديقتها الوحيدة التي تعرفت عليها صدفة، وكانت تلك الصدفة من أجمل الصدف في حياتها.


بمجرد أن أجابت صديقتها قالت بفرحة واضحة : جيانا إيه الأخبار، وحشتيني اوي


ابتسمت جيانا وأجابت بحب :

الحمد لله، طمنيني إنتي، أخبارك إيه، وناوية تنزلي مصر إمتى بقى يا رونزي وحشتيني أوي والله


ردت عليها رونزي بسعادة :

أنا خطوبتي بعد عشرة أيام، وهنزل مصر بكرة، العريس مصري وهيستقر في مصر، فطبيعي إني هعيش في المكان اللي هيعيش فيه جوزي


ضحكت جيانا وقالت بمزيج من الصدمة والمرح :

آه يا سوسة، هتتخطبي كده فجأة ومخبية عليا، كنتي ناوية تقوليلي يوم الفرح ولا إيه !!!!!


ضحكت رونزي وأجابت :

كل حاجة جات صدفة، صدقيني....هو عرض عليا الجواز من يومين، واتفقنا على كل حاجة


ابتسمت جيانا بسعادة وسألتها :

اتعرفتي عليه إزاي


رونزي بابتسامة جميلة :

كان فيه شغل بينه وبين بابا، وشوفته صدفة، واتقابلنا كذا مرة !!!


ابتسمت جيانا بفرح لأجلها وقالت :

اسمه إيه بقى سعيد الحظ ده


كادت رونزي أن تجيب، لكن هاتفها اهتز معلنًا عن وصول مكالمة أخرى، فقالت سريعًا :

سوري يا جيجي، مضطرة أقفل، بيرن عليا !!!


ضحكت جيانا وقالت :

روحي ياختي، كلميه، بس اتقلي كده ها


ضحكت رونزي وأغلقت المكالمة لترد على الاتصال الجديد بسرعة، بينما جلست جيانا على الأريكة، شاردة الذهن....الحماس الذي شعرت به رونزي الآن كان شبيهًا بما شعرت به جيانا في الماضي تجاه شخص لم يكن يستحق


أغمضت عينيها، وترددت في ذهنها كلمات قديمة من سبع سنوات :

حبك نعمة كبيرة، وغبي اللي يفرط في الحب ده أو يضيعه من إيده


ابتسمت بسخرية فقد كان هو أول من أضاعها أول من فرط بها وبحبها....بل كان أول من لقنها درسًا قاسيًا في الحياة " لا تثقي بالرجال "


نفضت تلك الذكريات من عقلها، مصممة على ألا تفكر فيه فهو لا يستحق حتى أن يخطر على بالها...لقد أصبح ماضيًا وانتهى

جلست خلف مكتبها، وركزت على عملها بجدية، متجاهلة تلك الذكريات التي حاولت اقتحام عقلها

.......

في إحدى المناطق الراقية التي تعكس ثراء سكانها تقع بناية فاخرة تطل مباشرة على البحر مكونة من عدة طوابق...مملوكة للمحامي الكبير "أكمل النويري" 


الذي خصص الطوابق الثلاثة العليا لعائلته، حيث يتصل آخر طابقين ببعضهما البعض ويقيم فيهما مع زوجته حنان وأبنائه جيانا، تيا، ورامي


أما الطابق الذي يقع أسفلهم فيقيم فيه "آسر" ابن أخيه الراحل وزوجته، الذين توفوا في حادث سير منذ عام ونصف تقريبًا


في الطابق الثاني من منزل أكمل النويري، في غرفة تيا التي يغلب عليها اللون الأبيض مع لمسات من اللون الزهري والتي تحتوي على حمام خاص، وسرير كبير، وخزانة ملابس كبيرة ومكتب صغير، وطاولة للزينة


استيقظت تيا من نومها. بعد أن قامت بواجبها الديني، ارتدت فستانًا طويلًا باللون الأزرق الفاتح وحجابًا باللون الأبيض، ثم أخذت متعلقاتها ونزلت إلى الطابق السفلي حيث كانت والدتها "حنان" تجلس في بهو المنزل تشاهد التلفاز


اقتربت تيا من والدتها وقالت برقة :

ماما، أنا رايحة الجامعة ، هخلص محاضراتي وهرجع


حنان بابتسامة دافئة :

ماشي يا حبيبتي، بس استني أفطري الأول


تيا بابتسامة معتذرة :

مستعجلة، هبقى أفطر في الجامعة مع السلامة


غادرت تيا المنزل وهمست والدتها بدعاء حنون :

ربنا يوفقك يا تيا....ويهديكي يا جيانا


لكن فجأة، انتفضت حنان بفزع عندما شعرت بابنها رامي يرمي نفسه بجانبها على الأريكة قائلاً بغيظ : طبعًا تدعي لتيا وجيانا، وأنا لأ ما أنا ابن البطة السودا مش كده !!!


نظرت له والدته بغيظ، وأمسكت بخفها، مما جعله يقفز من مكانه بسرعة وهو يقول بمرح :

لا، كله إلا الشبشب 


ألقت الخف عليه بغيظ قائلة :

امشي من وشي يا حيوان


نظر إليها بغيظ مماثل، ثم قال بغرور وهو يخرج من باب المنزل :

همشي، أصلاً أنا خسارة في البيت ده...وربنا ما أنا قاعدلكم فيه...أنا هنزل أصيع مع صحابي


ضربت حنان يدها بالأخرى وقالت مستسلمة :

عوض عليا عوض الصابرين يارب

.......

ركبت تيا التاكسي وهي تعبث بهاتفها، لكن السيارة توقفت فجأة نظرت إلى السائق وسألته :

وقفت ليه حضرتك


رد الرجل ذو الوجه البشوش والذي بدا كبيرًا في السن :

معلش يا بنتي، البنزين خلص انزلي خدي تاكسي تاني


أومأت تيا برأسها وقالت بابتسامة هادئة :

ولا يهمك


أخرجت النقود وأعطتها له، ثم نزلت ووقفت تنتظر تاكسي آخر وبعد فترة وجدته أخيرًا أشارت له قائلة : تاكسي


في ذات اللحظة، جاء صوت شخص آخر قائلاً :

تاكسي !!!


اقتربت تيا وفتحت الباب لتدخل لكنها وجدت الشاب الآخر يفتح الباب أيضًا وكاد أن يركب فقالت له بهدوء :

لو سمحت ، حضرتك أنا وقفته قبلك ممكن تشوف تاكسي تاني


رد  عليها بضيق :

أنا شاورتله قبلك، شوفي أنتي واحد تاني، أنا مش ناقص عطلة ع الصبح !!


تنهدت تيا بضيق وقالت :

أنا كمان عندي محاضرة ومتأخرة، فلو سمحت سيبني أركب وشوف تاكسي تاني


رد الرجل بحدة وعند :

مليش فيه، أنا وقفته وهركب اتصرفي أنتي ، كانت ناقصاكي أنتي كمان ع الصبح


فقدت تيا أعصابها وقالت بعصبية لكن ليس بصوت عالي :

جرى إيه يا أستاذ ، ما تتكلم باحترام وخلي عندك ذوق....إيه كانت نقصاكي دي ، قلة ذوق !!


صرخ عليها بغضب قائلاً :

جرى إيه يا بت، لمي نفسك ، واعرفي أنتي بتكلمي مين...ده أنا ممكن اوديكي ورا الشمس !!!!!


ردت عليه تيا بحدة :

هكون بكلم مين يعني.....بني آدم قليل الذوق ومش متربى، بلاش تهديد، لأني ممكن أهدد زيك...بس أهلي علموني ما أشوفش نفسي على حد أقل مني في الأخلاق والتربية


كاد أن يرد عليها بعجرفة، لكنه قاطعه صوت السائق الذي صاح بضجر :

ما تخلصونا بقى، يا أخونا ورانا أكل عيش مش طالبين خناق ع الصبح


نظرت تيا إلى السائق بغيظ، ثم أوقفت تاكسيًا آخر، أعطته العنوان وغادرت، تاركة ذلك الشاب المغرور يكاد ينفجر من شدة الغيظ

.......

في أحد المنازل الكبيرة ذات الذوق الرفيع في ألمانيا

جلس ذلك الشاب على الأريكة في بهو المنزل واضعًا قدمه على المنضدة أمامه


عم الظلام المكان بينما كان ينظر إلى الفراغ بشرود كان يفكر فيما إذا كانت الخطوة التي اتخذها صحيحة أم لا، خاصة أنها جاءت بدون مقدمات


تجاذب قلبه وعقله حوارًا داخليًا !!

قلبه كان يشتهي وصالًا أضاعه، في حين كان عقله يسعى لتخطي تجربة الماضي والبدء من جديد عسى أن يتمكن من النسيان


انتهى هذا الصراع الداخلي بجملته المعتادة التي يرددها كلما فكر في الأمر "من يريدها اضاعها من بين يديه وانتهى الأمر"


توقفت تأملاته على رنين هاتفه، فتلقى المكالمة من ابن عمه "ايهم" الذي رد عليه بمشاكسة :

إيه يا عريس، أخيرًا قررت ترأف بينا وتنزل مصر وتستقر بدل ما تقضيها سفر رايح جاي


ابتسم فريد قائلاً :

اه يا أخويا، أخيرًا !!!!


ثم تابع بجدية :

أخبار الشغل عندك إيه


أيهم بجدية مماثلة : كويس


ثم تابع بوقاحته المعتادة :

مجهزلك حتة سهرة، إنما إيه، لا تقولي مزز ألمانيا ولا بتاع الواد أركان، كلمته إمبارح وهيظبط الدنيا


ضحك فريد وقال بيأس :

مش ناوي تبطل عك وقلة أدب أنت وهو بقى


أيهم بسخرية :

شوف مين بيتكلم، حبيب قلب البنات. ده أنت تخطيت الرقم القياسي في العك وقلة الأدب


أغلق فريد عينيه بسخرية، ومع ذلك كان من الصعب عليه نسيانها...كلما اقترب من أخرى، كان يتخيلها هي بين ذراعيه ويذكر اسمها بشغف، لكنه في كل مرة يستيقظ ليشعر بالاشمئزاز من ذاته

آخر مرة رآها، ألقت عليه نظرة احتقار واشمئزاز لم يتمكن من نسيانها !!!


استفاق من شروده على صوت ابن عمه يصيح :

انت يا بني روحت فين !!


رد عليه فريد ببرود مصطنع :

بتقول حاجة


أيهم بتساؤل :

سرحت في إيه بقالي ساعة بكلمك ومش بترد


رد عليه فريد بنفس لهجته السابقة :

مفيش ولا حاجة


شعر برغبة في سؤاله عن شيء ما، لكنه تردد ، تدفقت الأسئلة في مخيلته

كيف هي الآن؟

هل تزوجت؟

هل أحبت؟

كيف تعيش حياتها؟

هل مازالت كما هي أم تغيرت؟


تلاطمت هذه الأسئلة في رأسه، لكنه حسم أمره بسرعة وأنهى المكالمة مع ابن عمه ثم ارتدى ملابسه وذهب إلى الشركة ليباشر عمله

.......

في إحدى الجامعات الخاصة بكلية التجارة

جلست تيا في الكافتيريا مع زميلتيها رغد ومي


رغد بغيظ :

مش عارفة امتحان إيه ده اللي حاطينه لينا وإحنا بدأنا الدراسة، مبقالناش شهر ونص


مي بضيق :

يلا، هنعمل إيه بقى هضطر ألغى سفرية الجونة، كنت نفسي أروح أوي


تيا بابتسامة :

يا بنتي، ارحمي نفسك شوية، حياتك كلها سفر ، ركزي في دراستك، دي آخر سنة ليكي


ضحك رغد قائلة :

سيبك منها، دي كل اللي بتفكر فيه هتسافر فين بعد ما تروح الجونة وترجع 


مي بغيظ :

انتوا هتمسكوني تريقة، أنتوا الاتنين ولا إيه


ثم تابعت بحماس فجأة :

متنسوش، الأسبوع الجاي عيد ميلادي، هستناكم و انتي يا تيا، خلي جيانا تيجي معاكي هي ورامي


أومأت تيا بهدوء : حاضر


استمر الحديث بينهم لعدة دقائق، ثم توجهن الثلاثة إلى المحاضرة الثانية 

......


انقضى اليوم سريعًا، وجاء المساء جلست تيا في غرفتها أمام حاسوبها تبحث عن شركة للتدريب، مثلما يفعل باقي الطلاب


بعد بحث طويل، وجدت العديد من الخيارات لكن مع شروط متنوعة ورغم أنها تفي بجميع الشروط

كان عليها اختيار الأنسب


اختارت تيا الشركة الأفضل وقررت التقديم عليها غدًا، داعيةً الله أن يوفقها...أغلقت الحاسوب وبدأت تراجع دروسها قليلاً قبل أن تنام

......


في قصر الزيني الفخم، الذي يعكس الثراء الشديد لأصحابه، اجتمع الجميع حول مائدة الطعام الكبيرة يتناولون الطعام في صمت


قطع صلاح الزيني هذا الصمت قائلاً :

أيهم فين


ردد جمال الابن الأصغر ووالد أيهم قائلاً :

خلص شغله وخرج مع أصحابه


رد صلاح بتهكم :

هي شلة الصيع دي تتسمى أصحاب


ثم توجه بكلامه إلى ابنه الأكبر محمد :

أنا صبرت كتير على طيش ابنك، أنت وجمال، لكن للصبر حدود ، إذا ما كنتوش قادرين تربيوا عيالكم، أنا هربيهم


تدخلت دولت زوجة محمد.قائلة.بضيق :

"ابني متربي كويس، يا عمي...وبعدين هو هيتجوز قريب، وبعد كده يعمل اللي يعوزه...طالما سيرة العيلة محدش مسها، ده راجل مش بنت


رد صلاح بغضب وسخرية :

مش عارف كنت متوقع إيه منه...طبيعي يتصرف كده طالما إنك أمه...أمه اللي محاسبتهوش على غلطاته، وبتسانديه في كل تصرفاته، سواء كان شرب وسهر كل ليلة  وعلاقاته  مع واحدة كل يوم.


تنهد صلاح بغضب وأضاف :

بتقولي متربي ، طيب الشرب والسهر والعلاقة  مع واحدة كل يوم...دي كلها من أصول التربية


اعترض محمد قائلاً :

بابا !!!


قاطعه صلاح بحدة :

خليك ساكت....العيشة معاكم تقصر العمر واحد رامي بنته وميعرفش عنها حاجة غير اسمها، وكل ده عشان خاطر عيون دولت هانم ، والتاني وقف حياته على موت مراته واهمل ابنه، والتالتة معرفتش تربي عيالها....طلعتهم طماعين والغل والحقد مالي قلوبهم


قالها وخرج من غرفة الطعام تاركًا خلفه جمال بحزن، ومحمد بضيق، ودولت بغل شديد لطالما كانت تكره صلاح بشدة

.


......

انتهى اليوم سريعًا ليبدأ يوم جديد مليء بالأحداث

في منزل أكمل النويري، بغرفة جيانا، ارتدت ملابسها الكاجول كما تحب دائمًا، وأخذت متعلقاتها بعد أن رفعت شعرها بعشوائية


نزلت للأسفل إلى غرفة الطعام حيث كان الجميع جالسين يتناولون الإفطار بهدوء وسحبت مقعدها وجلست عليه قائلة :

صباح الخير


رد الجميع بتحية الصباح لكن حنان نظرت إلى ملابس ابنتها بعدم رضا ثم قالت بضيق :

جيانا، إيه رأيك تنزلي مع تيا النهاردة أو بكرة وتشتري شوية فساتين ،هيبقوا حلوين أوي عليكي


جيانا بهدوء :

حضرتك عارفة إني مش بحب الفساتين...أنا مرتاحة في هدومي دي أكتر


حنان بحدة ونفاد صبر :

بس أنا قولت يبقى تعملي اللي أنا قلته ، إنتي ما بتسمعيش كلام حد، وأنا زهقت منك ومن تصرفاتك اللي لا تطاق دي نفسي احس إني مخلفة بنتين مش واحدة بس


ابتلعت جيانا غصة مريرة دون أن تدري والدتها أنها بحديثها ضغطت على جرحها الغائر


دون أن ترفع رأسها أو ترد على أي أحد أخذت أغراضها وغادرت المنزل متوجهة إلى عملها، متجاهلة نداء اختها تيا وكذلك رامي


بعد أن غادرت ذهب رامي إلى مدرسته، فهو في الصف الثاني الثانوي، بينما ذهبت تيا لموعدها


التفت أكمل إلى حنان وقال :

ليه كده يا حنان....أنا قلتلك هتكلم معاها 


تنهدت حنان بحزن قائلة :

اهو اللي حصل بقى ، مش هاين عليا افضل ساكته وأنا شايفة بنتي غرقانة في شغلها ومش عايشة حياتها زي باقي البنات دي عندها 26 سنة، واللي في سنها بتكون متجوزة ومخلفة يا أكمل !!!


تنهد أكمل بضيق قائلاً :

سيبيها النهاردة...بكرة الصبح هكلمها....بالمناسبة، قالتلي امبارح إن صحبتها جاية تقعد معانا فترة لحد فرحها....فجهزي لها اوضة


أومأت له حنان فقبل رأسها ثم غادر متوجهًا إلى عمله وهو مشغول بتفكيره في ابنته التي يشعر أنها تخفي شيئًا منذ زمن


وصلت جيانا إلى مكان عملها، صعدت إلى مكتبها سريعًا، ثم دخلت وأغلقت الباب خلفها


جلست على أقرب مقعد لها تتنفس بعمق كلمات والدتها أثرت بها كثيرًا....لا أحد يفهمها أو يشعر بها


الجميع يظن أن سبب رفضها للزواج هو حبها لعملها وعدم رغبتها في الانشغال عنه ، يعتقدون أنها قوية لكنهم لا يعلمون أن بداخل هذه الفتاة القوية توجد فتاة حزينة تبحث عن شخص يحبها كما هي ، دون شروط !!

تريد شخصًا يتحملها بكل ما فيها، وقد أقسمت أنها حينها ستتغير لأجله ، لكنها لم تجد من أحبته بصدق خذلها !!!


ذهبت إلى المرحاض الموجود بمكتبها تصفع وجهها بالماء ثم جففته وخرجت لتتابع عملها بتركيز بعدما نفضت تلك الذكريات بعيدًا عن رأسها

جاءها اتصال من مكتب المدير يطلب منها الذهاب إليه....تنفست بعمق وذهبت وعندما دخلت قال بابتسامة :

تعالي اقعدي عايزك في شغل مهم


أومأت جيانا وجلست على المقعد الموجود أمام مكتبه قائلة بهدوء :

اتفضل حضرتك


بدأ مدحت الحديث بجدية قائلاً :

طبعًا عندك خبر بالمستشفى الخيرية اللي بناها رجل الأعمال أيمن الغانم


أومأت له فتابع مدحت قائلاً بجدية :

حفلة افتتاح المستشفى هتكون بعد تلت ايام، هتروحي أنتي ونادين وهند لتغطية الحفلة دي بدل مكرم ، وتعملوا لقاء صحفي مع الموجودين، وتصوروا كل حاجة لأنه هيبقى بث مباشر على صفحتنا


تنفست بعمق وقالت :

حاضر ، حاجة تانية !!!


نفى برأسه قائلاً بابتسامة :

لا، مفيش...قوليلي، مالك ، باين عليكِ متضايقة ، حصل حاجة !!


ردت عليه بابتسامة باهتة :

مفيش....اتخانقت مع ماما كالعادة


سألها بتفهم :

طبعًا عشان نفس الموضوع


أومأت له بنعم ثم قالت بمرح باهت :

أنا أصلاً اتعودت خلاص...لو عدت يوم الصبح من غير ما أسمع الكلمتين دول يومي ميكملش


ضحك مدحت بخفوت، فاستأذنت جيانا وغادرت بعد أن أخبرته أنها ستغادر باكرًا لأن لديها موعد !!!!!

.......

البارت خلص ♥️

مستنية رأيكم يا قمرات ♥️

ايه رأيكم في البداية.......؟؟

توقعاتكم للقادم......؟؟


#الفصل_الثاني

#رواية_ليتني_لم_أحبك

#الكاتبة_شهد_الشورى

أتى المساء سريعًا، وبدأت جيانا تستعد للذهاب إلى المطار لاستقبال رفيقتها وخطيبها.


أغلقت حاسوبها، رتبت أوراقها، ثم أمسكت بحقيبتها وغادرت مقر الجريدة بخطوات واثقة. ركبت سيارتها، وانطلقت تشق الشوارع المزدحمة، بينما تتسابق الأفكار داخل رأسها، تترقب لقاءً افتقدته طويلًا.


عند وصولها، أوقفت سيارتها خارج المطار، ثم دلفت إلى الداخل، حيث امتلأت صالة الاستقبال بصخب المسافرين والمودعين، لكن عينيها لم تكن تبحث سوى عن شخص واحد. راحت تتلفت يمينًا ويسارًا، تبحث عن رونزي بين الجموع، لكن لم تكن هناك...


فجأة، شعرت بيد دافئة تُغطي عينيها، تزامنًا مع صوت مألوف يهمس بحماسة:

"أنا مين؟!!"


ضحكت جيانا، ورسمت ابتسامة مرحة على شفتيها قبل أن تجيب دون تردد:

"أنتِ اللي بحبه أنا"


انفجرت رونزي ضاحكة، ثم احتضنتها بشوق قائلة:

"قلبااااي! خش في حضن أخوك يا فواز."


ضحكت جيانا بحرارة وهي ترد لها العناق بلهفة:

"وحشتيني اوي!"


تراجعت رونزي قليلًا، دارت حول نفسها بغرور مصطنع، ثم قالت بنبرة مازحة:

"إيه رأيك؟ بقيت قمر، صح؟!"


رمقتها جيانا بنظرة مليئة بالحب قبل أن ترد بصدق:

"طول عمرك قمر، مش جديد عليكي يا رونزي."


أشارت رونزي إليها بمرح وهي تهز رأسها بيأس:

"إنتي.بقى، ما اتغيرتيش يا بنتي! نفسي مرة أشوفك بفستان، حققيلي أمنيتي بقى"


قهقهت جيانا وردت بمشاكسة:

"سيبك مني، وقوليلي، فين سعيد الحظ خطيبك؟"


تنهدت رونزي وهي تجلس على أحد المقاعد:

"بيخلص ورق السفر وجاي ورايا."


أومأت جيانا برأسها، وبدأت الاثنتان تتبادلان الأحاديث، يضحكان تارة، ويسترجعان الذكريات تارة أخرى. لكن رونزي سرعان ما زفرت بضيق وهي تراقب الساعة في يدها.

"مش عارفة اتأخر ليه... هستناه شوية كمان، ولو طول، نمشي."


مرت الدقائق، لكن لم يظهر خطيبها بعد، فقررت الاتصال به، وحين أخبرها أنه سيحتاج بعض الوقت، قالت بنبرة مرهقة:

"خلينا نمشي بقى، هو لسه مطول."


تحركتا معًا إلى السيارة، وضعتا الحقائب في الخلف، ثم استقلاها متجهتين إلى منزل جيانا


عند وصولهما، دلفت رونزي بخجل إلى المنزل، تتلفت حولها بتردد، وكأنها تخشى أن تكون ضيفًا ثقيلًا.


استقبلتها حنان بابتسامة دافئة، صافحتها برقة، بينما أكمل وتيا ورامي رحبوا بها بدورهم. شعرت رونزي بموجة من الارتباك وهي تردد بصوت خافت:

"أسفة لو هسبب ليكم إزعاج بوجودي."


تدخل أكمل بهدوئه المعتاد، قائلاً بنبرة ودودة:

"متقوليش كده، ده بيتك، لا إزعاج ولا حاجة، أنتي زي بنتنا، وجيانا وتيا ورامي إخواتك، مش كده ولا ايه؟"


ابتسمت رونزي بسعادة وهي تردد بصدق ومحبة:

"طبعًا إخواتي يا أونكل."


قالت والدة جيانا بحنان وهي تربت على يدها:

"تعالي أوريكي أوضتك ترتاحي من السفر، لحد ما الأكل يجهز."


أومأت رونزي، وتبعتها إلى غرفة الضيوف، حيث ألقت بجسدها المرهق على السرير !!!


بعد وقت قصير، اجتمع الجميع حول مائدة العشاء، تبادلوا الأحاديث والضحكات، ثم انسحب كل منهم إلى غرفته، منهكين بعد يوم طويل، تاركين خلفهم بداية جديدة تحمل في طياتها الكثير من الحكايات.

........

في قصر الزيني

وقف الجميع بترقّب لاستقبال فريد، اشتياقهم واضح في أعينهم، باستثناء صلاح الزيني، الذي ظلّ صامتًا للحظات قبل أن يقطّب حاجبيه ويقول بسخرية لاذعة:

"فرع الشركة اللي في ألمانيا هيبقى تحت إشراف حدّ ثقة، وانسى إنك تسافر تاني، وإذا كنت فاكر إني مش هعرف عن المسخرة اللي كنت بتعملها هناك، فأنت غلطان!"


رمقه فريد بنظرة جامدة، لكن قبل أن يرد، التفت صلاح نحو أيهم وأضاف بحدة:

"واضح إنكم متربتوش كويس... وأنا هعرف أربيكم، أنتوا وفادي وهايدي! وإذا الأمور وصلت إني آخد منكم الفلوس اللي بتصرفوها على المسخرة وقلة الأدب، هعملها!"


كان الصوت حادًا كالسيف، يقطع صمت القاعة، قبل أن يلتفت صلاح نحو محمد، ويأمره بنبرة لا تقبل الجدال:

"من بكرة، هبعت لبنتك تيجي تعيش في بيت العيلة، واللي مش عاجبه، الباب يفوّت جمل!"


لم ينطق محمد، وكأنه ليس المعنيّ بالكلام، وكأنهم يتحدثون عن شخص غريب، وليست ابنته... ابنته التي لم يدافع عنها يومًا!


كان الغضب يتفجر في عينيّ دولت، لكن قبل أن تتكلم، دوّى صوت فريد غاضبًا، ناريًا:

"البت دي، لا هي ولا أمها هيدخلوا القصر على جثتي! ولو حصل ودخلوا... هيحصل اللي مش هيعجب حد فيكم أبدًا!"


لم تستطع دولت إخفاء ابتسامتها، رغم أن قلبها يشتعل، نظرت لصلاح بتحدٍ، بينما الأخير لم يغيّر ملامحه الصارمة. ثم عاد ينظر إلى فريد بقوة وهو يقول:

"اطلع على أوضتك دلوقتي... وكلامك ده هنتحاسب عليه بعدين... يا بن دولت"


زفر فريد بضيق، ثم التفتت إليه دولت وسألته بنبرة مهتمة:

"قولي يا فريد، فين البنت اللي هتتجوزها؟ كان اسمها رونزي، صح؟"


أومأ برأسه وهو يرد بهدوء يخفي وراءه الكثير:

"هتقعد عند واحدة صاحبتها لحد ميعاد الفرح، بكره الصبح هتيجي عشان أعرّفكم عليها."


لم يعلق صلاح، بل رمقه بنظرة ساخرة، ثم صعد إلى غرفته غاضبًا، وتبعه الجميع، كلٌّ إلى غرفته الخاصة، لينتهي يوم آخر في قصر الزيني... لكنه لم يكن يومًا عاديًا !!!!!

......

في غرفة فريد

دخل وأغلق الباب خلفه، ثم ألقى بجسده على الفراش، عينيه تتجولان في زوايا الغرفة التي شهدت معاناته على مدار سنوات.


ابتسامة صغيرة ظهرت على شفتيه، لكن لم تكن سعيدة، بل ساخرة، تحمل في طياتها وجعًا عتيقًا. هنا، داخل هذه الجدران، كبر وهو يشاهد والديه يخوضان معارك يومية، يشعلان النار من أجل امرأة كرهها من كل قلبه.


جلس على حافة الفراش، يحدّق في الفراغ بشرود. لم يعد بإمكانه إنكار الحقيقة التي ظلّ يهرب منها طويلًا... لقد وقع في هواها، أحبها بصدق، لكنه خذلها!


يومان فقط كانا كفيلين بأن يغيّرا حياته رأسًا على عقب. بعدهما، لم يعرف طعم الراحة، لم يعرف سوى الألم.


عاد بذاكرته إلى آخر مرة التقيا فيها... يوم وقفا وجهًا لوجه، وبينهما نيران مشتعلة، كأنها تجسّد كل ما حدث بينهما.


كان ينظر إليها بحزن، بينما هي تردّدت في عينيها مشاعر أكثر مما يمكن وصفه... لم تبكِ، لم تثُر، لم تصرخ، بل اكتفت بضحكة خافتة، ضحكة كانت أقسى عليه من أي دموع أو صرخات.


لم تتكلم، لكنها لم تكن بحاجة لذلك... عيناها قالت كل شيء. رأى فيهما الخذلان، رأى الألم، رأى كيف حطمها!


وتردّدت في أذنه كلماتها، تلك التي لم تفارق عقله لحظة واحدة منذ ذلك اليوم:

"الخيانة والخذلان، مفيش أسوأ من وجعهم، وعلاجهم صعب أوي... الخيانة بتفقد الثقة، والثقة لو خسرناها، صعب نرجّعها... والخذلان كده بردو!"


أغمض عينيه بقوة، محاولًا طردها من رأسه، لكن هيهات... فقد صارت جزءًا منه.


حاول إقناع نفسه بأن كل شيء انتهى، بأن قريبًا جدًا سيصبح متزوجًا من أخرى، لكن قلبه لم يصدّقه، ولا حتى روحه التي ظلّت معلّقة بها.


تنهد بعمق، ثم أغمض عينيه مجددًا، متمنيًا لو يراها في أحلامه ولو لمرة واحدة فقط... لكن حتى أحلامه باتت تعاقبه، تحرمه من رؤيتها، كأنها انتقمت منه بأقسى طريقة ممكنة.

........

في منزل أكمل النويري – صباح اليوم التالي

كانت الشمس تنثر أشعتها الدافئة عبر النوافذ، بينما اجتمع الجميع حول طاولة الطعام في منزل أكمل النويري.

"قوليلي يا حبيبتي، خطوبتك هتبقى إمتى؟"

سألتها حنان بابتسامة دافئة وهي تملأ فنجانها بالشاي.


أجابت رونزي بابتسامة هادئة:

"بعد عشر أيام."


ابتسمت حنان ودعت لها بمحبة:

"ربنا يسعدك يا بنتي ويتمملك على خير."


أحست رونزي بالدفء في كلماتها، نظرت إليها بحب، فتابعت حنان برقة:

"قوليلي، محتاجة أي حاجة وأنا أساعدك فيها؟ أنا زي ماما يا حبيبتي، لو احتجتي أي حاجة، أنا موجودة."


ساد الصمت للحظات، وكأن الكلمات وجدت طريقها إلى قلب رونزي وأثارت مشاعر دفينة بداخلها، قبل أن تهمس بحزن وتمنٍ:

"صدقيني، ياريتك كنتي أمي، متقارنيش نفسك بيها... أنتي أحسن منها."


نظر الجميع إليها بحزن، لتسألها حنان بلطف:

"هي والدتك عايشة؟"


أجابت رونزي بحزن يخفي خلفه سنوات من الوحدة:

"هي ووالدي عايشين، بس زي المنفصلين من وأنا عندي سبع سنين، كل واحد فيهم مشغول بشغله، تقريبًا نسيوا إن عندهم بنت، ونسيوا إنهم زوج وزوجة."


كانت كلماتها تحمل جرحًا لم يندمل، جعلت الجميع ينظرون إليها بشفقة، لكنها سرعان ما بدلت الأجواء قائلة بمرح:

"عارفة يا طنط، بصراحة مستغربة إزاي اللي جابت تيا الرقيقة دي تجيب جيانا!"


ضحكت حنان بخفوت، بينما نظرت لها جيانا بغيظ، فقالت حنان بيأس مصطنع:

"نفس السؤال بسأله لنفسي والله!"


ضحكت رونزي بمرح، بينما رامي، الذي كان يتابعها بإعجاب، علّق مازحًا:

"هيييح، هو في قمر كده!"


زجرته حنان بحدة: 

"ولد! اتأدب!"


لكن رامي لم يتراجع، بل رد بحماس وهيام:

"اتأدب إيه بس يا حنون، أنا عايش مع غفر في البيت أقسم بالله، فمعذور لما أشوف العسل ده كله ع الصبح!"


انفجرت رونزي ضاحكة، بينما لكزته جيانا في كتفه قائلة بغيظ:

"اتلم يا حيوان!"


قاطع حديثهم رنين هاتف جيانا، نظرت إلى الشاشة، ثم قالت لرونزي قبل أن تغادر على عجل:

"سلميلي على خطيبك لحد ما أشوفه، عندي شغل لازم أمشي بسرعة!"


"حاضر، خلي بالك من نفسك!"

أجابتها رونزي بابتسامة.


بعد مغادرة جيانا، استأذنت تيا للذهاب إلى عملها الجديد بعد أن حصلت على موافقة والدها على التدريب في إحدى الشركات. تبعها رامي إلى مدرسته، وأكمل توجه إلى عمله.


أما رونزي، فقد نزلت إلى الأسفل حيث كانت السيارة التي أرسلها لها فريد في انتظارها.....

........

في قصر الزيني

وصلت رونزي إلى القصر، خطواتها كانت متوترة قليلًا وهي تترجل من السيارة. كان فريد ينتظرها عند المدخل، وما إن رأته حتى همست بقلق:

"فريد، أنا متوترة أوي!"


رد عليها بهدوء وابتسامة مطمئنة:

"مفيش داعي للتوتر، اهدي... الكل مستني جوا وعايزين يتعرفوا عليكي."


أومأت برأسها، وحاولت تهدئة نبضات قلبها، ثم مشت بجواره إلى داخل القصر.


في الصالون الفخم، كان الجميع في انتظارها، جده، والديه، عمه، أيهم، عمته وأبناؤها.


تقدمت دولت بخطوات ثابتة، بينما قال فريد بتقديم رسمي:

"دولت هانم، والدتي... ودي رونزي، يا أمي."


نظرت دولت إليها من أعلى لأسفل بتقييم واضح، ولم تنكر أنها أُعجبت بها. وجدتها مناسبة لابنها من جميع النواحي—عائلة ثرية، مظهر جذاب، تعليم جيد.


استفاقت من شرودها على صوت رونزي وهي تمد يدها لمصافحتها قائلة باحترام:

"أهلًا بحضرتك يا طنط."


أومأت دولت بابتسامة وصافحتها، لتنتقل بعدها إلى هايدي...


لكن هايدي لم تبادلها المصافحة، بل اكتفت بقول بارد:

"أهلًا."


شعرت رونزي بالحرج، فسحبت يدها بتوتر، قبل أن تواجه فادي الذي كان ينظر إليها بطريقة لم تعجبها أبدًا—عيناه مليئتان بالفضول......والمكر !!!!


لم تصافحه، بل اكتفت بابتسامة مصطنعة، ثم وصلت إلى صلاح الزيني.


لاحظت على الفور عدم رضاه عن فستانها الأصفر القصير، لكن عكس ما توقع، أمسكت يده باحترام وقبلتها قائلة بأدب:

"اتشرفت بمعرفة حضرتك."


تفاجأ صلاح قليلًا، لكنه ابتسم قائلاً:

"الشرف ليا يا بنتي."


رغم مظهرها الذي لم يعجبه، شعر أن الفتاة ليست سيئة، لكنه قرر أن يصبر.......فالأيام كفيلة بكشف كل شيء.


جلست رونزي بينهم، وسرعان ما بدأ الحديث في مواضيع متعددة، بينما هي تحاول التأقلم مع أجواء العائلة الجديدة التي تستعد لأن تصبح جزءًا منها قريبًا......!!!!!

........

في حديقة قصر الزيني

وقف أيهم مستندًا إلى شجرة ضخمة، أخرج سيجارة ووضعها بين شفتيه قبل أن يعطي أخرى لابن عمه.


"أيمن الغانم بكرة هيفتح المستشفى الخيري، ولازم نروح... بعت لنا مخصوص!"

قالها أيهم وهو يشعل سيجارته.


أومأ فريد برأسه دون تعليق، فتابع أيهم قبل ان يغادر:

"الواد أركان مجهز سهرة، إنما إيه! بكرة بليل بعد حفلة أيمن هنتقابل هناك."


لم يرد فريد، فقط اكتفى بالتحديق في الفراغ بشرود، حتى شعر بيد توضع على كتفه. التفت ليجدها هايدي... تلك الفتاة التي لم تعرف الحياء أو الأخلاق أبدًا.


دفع يدها بعيدًا عنه بحدة قائلًا بضيق:

"نعم يا هايدي؟ خير؟"


اقتربت منه أكثر بدلال وهي تهمس بصوت ناعم:

"إيه يا فريد، موحشتكش هايدي؟ ده أنت حتى وحشتني موت!"


نظر لها باشمئزاز قبل أن يبعدها عنه قائلاً بغضب:

"احترمي نفسك يا هايدي، واعملي اعتبار لأخوكي وأمك اللي قاعدين جوه دول."


ضحكت بسخرية وهي ترد عليه بوقاحة:

"وإنت ما عملتش اعتبار ليهم ليه لما قربت من بنتهم من وراهم، يا بن خالي؟"


تصلب جسده، نظر إليها بحدة قائلاً:

"هي بنتهم، لو كانت محترمة ما كانتش جت وعرضت نفسها على واحد سكران... وأنتي عارفة ومتأكدة، لو كنت في وعيي مكنتش هعمل كده."


نظرت له بغضب، عيناها تمتلئان بالحقد، قبل أن تهتف بتهديد واضح:

"هقول لجدو على كل حاجة، لو ما اتجوزتنيش! مش هتغدر بيا بعد ما أخدت غرضك!"


ابتسم فريد بسخرية قائلاً:

"بقولك إيه يا هايدي، الأحسن إنك تشيليني من دماغك ومتعيشيش في الدور....أنا ما عشمتكش بحاجة، ولا قلتلك تعالي تسلميلي نفسك، أنتي اللي جيتي وعرضتي نفسك على واحد سكران!"


نظر لها باشمئزاز، قبل أن يتابع بسخرية قاتلة:

"وبعدين، متعشيش في دور الشريفة ده كتير....لأن أنا وإنتي عارفين إني مش أول واحد يعني!!!!!!"


اتسعت عيناها بغضب، نظرت له بغيظ قبل أن تهمس بحقد:

"مش هتكون لغيري يا فريد....خليك عارف إني أقدر أعمل كتير أوي، وأي حد هيفكر ياخدك مني، هقتله!!!!"


لم يعرها أي اهتمام، فقط دفعها بعيدًا عنه ودخل إلى الداخل، تاركًا إياها تنظر إلى أثره بعينين يملؤهما الغضب والقهر.

.........

في أحد أحياء القاهرة الشعبية

في منزل صغير متواضع، تعيش فتاة في السابعة عشرة من عمرها مع والدتها "زينب".


البيت بسيط، يتكون من طابق واحد، وغرفتين صغيرتين، مرحاض، مطبخ ضيق، وصالون متواضع جدًا.


في إحدى الغرف، جلست الفتاة تذاكر دروسها بتركيز شديد. إنها ديما، طالبة في سنتها الأخيرة من الثانوية، تحلم بالدخول إلى كلية الألسن والعمل لمساعدة والدتها، حتى لا تضطر الأخيرة للعمل كخادمة في المنازل.


وقفت زينب على باب الغرفة، تراقب ابنتها بحنان وقهر. لم تعرف ديما معنى الأبوة، لم تعش في رفاهية كما يعيش ابن والدها وزوجته الأخرى!!!!!


توجهت الأم إلى غرفتها لتأخذ قسطًا من الراحة قبل أن تذهب للعمل، وقبل أن تغلق عينيها، تمتمت بقهر:

"بكرهك يا محمد....منك لله يا بن الزيني!!!!"


أما ديما، فقد رفعت رأسها عن الكتب، أراحت رقبتها قليلاً، فالتعب بدأ ينال منها. لا تأخذ دروسًا خصوصية، تذاكر بمفردها كي لا تُرهق والدتها بتكاليف إضافية.


أمسكت بهاتفها، راحت تتصفح الصور التي احتفظت بها من مواقع التواصل الاجتماعي... صور لوالدها، ابنه، زوجته، وعائلته بأكملها. لم يهتم بها أحد منهم يومًا!


خانتها دموعها، انسابت على وجنتيها، لكنها سرعان ما مسحتها، وهتفت لنفسها بصوت ثابت:

"في إيه يا ديما، بتعيطي ليه؟ متفكريش في حد فيهم! هما نسيوكي، انسيهم أنتي كمان وفكري في دراستك عشان تحققي حلمك!"


نهضت من مكانها، دخلت المرحاض لتغسل وجهها، ثم عادت إلى غرفتها وبدلت ملابسها. ارتدت فستانًا طويلًا باللون الأخضر الفاتح، مطرزًا بورود بيضاء صغيرة، بأكمام طويلة تصل إلى معصمها. كان هذا الفستان هدية من صديقتها العام الماضي في عيد ميلادها، وهو أجمل قطعة في خزانتها المتواضعة.


توجهت إلى والدتها، فوجدتها غارقة في النوم، يبدو عليها الإرهاق الشديد. لم ترد إيقاظها، فاكتفت بكتابة ورقة صغيرة وضعتها بجوارها:

"أنا روحت درس الإنجليزي عند صحبتي ريهام، وهرجع في ميعاد كل مرة."


ثم حملت حقيبتها، وغادرت المنزل متجهة إلى بيت صديقتها ريهام، حيث سيشرح لهما شقيقها مادة الإنجليزي دون مقابل، فهو يعلم بظروف ديما ويعتبرها مثل أخته.

.........

فيلا فادي عبد الرحمن


في زاويةٍ معزولة من الفيلا الفاخرة، جلس فادي في غرفته الفسيحة، محاطًا بأجواء قاتمة تعكس اضطراب روحه. أمسك بكأس الخمر، يتأمل السائل الذهبي بنظراتٍ جامدة، بينما الغضب يتصاعد داخله كبركانٍ على وشك الانفجار.


عبثًا حاول تهدئة أفكاره، لكنها كانت كأمواجٍ هائجة لا تهدأ، تتلاطم في رأسه بصوت جده الذي لا يزال يرنّ في أذنيه:

"أسلفك فلوس؟! عشان تروح تضيعها على القمار والستات زي ما طول عمرك بتعمل؟! أنا ممكن أديك الفلوس دي عادي، بس لما أحس إنك راجل يُعتمد عليه، مش عيل ضيع فلوس أبوه اللي مات وهو بيحاول يأمّنلك حياتك، بدل ما تحافظ عليها، صرفتها على المسخرة وقلة الأدب!!"


قبض على الكأس بيدٍ مرتعشة، ثم ألقاه بعنفٍ نحو الجدار، فتطايرت شظاياه على الأرض، زفر بمرارة، يضغط على أسنانه وهو يتمتم بحقد:

"آه طبعًا.. لو كنت فريد أو أيهم كان زمانك رحت جريت وجبتلي الفلوس! دايمًا هما رقم واحد عندك يا صلاح باشا، وأنا اللي يتداس عليا عادي!!"

.......

في الغرفة الأخرى


على الأرض الباردة، جلست هايدي متكئة على السرير، ممسكة بزجاجة النبيذ، تجرع منها وكأنها تحاول إطفاء النيران التي تشتعل داخلها. نظراتها مسمومة بالحقد، شفتاها ترتعشان بغضب، وأفكارها تغزل خيوط انتقامٍ لا تعرف له حدودًا.


تذكرت كلماته، ذلك الرفض المهين، النظرة التي جعلتها تشعر وكأنها لا شيء. ضغطت على الزجاجة بيدها حتى ابيضت مفاصلها، قبل أن تهمس بغلٍّ:

"الأيام بينا يا فريد...الأيام بينّا وبكرة تشوف، مش هتكون لحد غيري، فاهم؟! مش لحد غيري!!


فجأة، فُتح الباب بعنف، لتقف والدتها عند العتبة، تتفحص المشهد بصدمةٍ لم تستطع إخفاءها. زجاجاتٌ متناثرة، ابنتها في حالة يرثى لها، والكره يملأ الغرفة كضبابٍ كثيفٍ خانق.


تقدمت نحوها بخطواتٍ غاضبة، تردد بصوتٍ قاطعٍ يحمل بين طياته انكسار الأم التي فقدت السيطرة:

"إيه اللي بيحصل هنا؟!


لم تتحرك هايدي، لم ترفع حتى عينيها نحو والدتها، فقط تابعت النظر للفراغ، تردد بنفس النبرة المليئة بالغل:

"الأيام بينا يا فريد.. الأيام بينا!!"


اقتربت الأم أكثر، قبضت على ذراع ابنتها تحاول انتشالها من دوامة الضياع التي غرقت بها، لكن الأخيرة صرخت في وجهها بجنونٍ:

"مالكيش دعوة!!"


اتسعت عينا الأم، تجمدت ملامحها للحظة، ثم زفرت بحسرةٍ امتزجت بغضبٍ مكبوت. نظرت لابنتها، لتلك الكائن الهش الذي فقدت السيطرة عليه، وأدركت أنها لم تفشل فقط كأم، بل صنعت وحشًا لا تعرف كيف تروضه.


تنفست بعمق، قبل أن تهتف بصوتٍ حاسمٍ كالسيف حين يقطع الهواء:

أنا عارفة هعمل ايه، هقول للي هيعيد تربيتكم من الأول وجديد !!!!!


ثم استدارت، غادرت الغرفة دون أن تلتفت، بينما هايدي ظلت مكانها، تشد قبضتها حول الزجاجة بغل...!!!!!!

........


#الفصل_الثالث

#رواية_ليتني_لم_أحبك

#الكاتبة_شهد_الشورى

داخل الملهى الليلي...

تراقصت الأضواء الخافتة فوق رؤوس الساهرين، امتزجت الموسيقى الصاخبة مع الضحكات والهمسات العابرة، بينما جلس أيهم عند البار، يدور بكأسه بين أصابعه، عينيه تمسحان المكان بحثًا عن صيدٍ جديد لليلته، كما اعتاد أن يفعل.


لم تمضِ سوى لحظات حتى شعر بحركة بجواره، فالتفت ليجد شخصًا يسحب مقعدًا ويجلس بقربه... أركان. الصديق المشترك بينه وبين فريد، ذلك الرجل الذي يشاطره الماضي والحاضر، وربما المصير ذاته !!!


أيهم بتساؤل:

"اتأخرت ليه؟"


أركان ببرود، وهو يرتشف من كأسه:

"مكنتش ناوي أجي أصلاً"


أيهم بدهشة:

"ليه؟!"


أركان بلا مبالاة:

"مليش مزاج."


ثم ألقى نظرة خاطفة حوله قبل أن يسأل:

"فريد فين؟ ما جاش ليه؟"


أيهم بلامبالاة وهو يرفع كأسه إلى شفتيه:

"معرفش.. يمكن مع زوجته المستقبلية."


ضحك أركان بسخرية، هز رأسه وهو يتمتم:

"مش قادر أتخيل فريد وهو متجوز! الكلمتين دول مش راكبين في جملة واحدة."


أيهم بسخرية مماثلة:

"عندك حق... صحيح، جهزت لسهرة بكرة؟"


أركان بحماس، وهو يغمز بعينه:

"طبعًا، دي هتكون ليلة فل الفل."


أيهم ببرود:

"أما نشوف..."


ارتشف أركان من كأسه قبل أن يميل قليلاً نحو أيهم، يقول بنبرة يكسوها شيء غريب:

"النهارده قابلت بت.. حاسس إني شوفتها قبل كده... فضلت أفكر لحد ما افتكرتها"


أيهم بفضول وهو يرفع حاجبه:

"مين؟"


طلب أركان كأسًا آخر، ارتشف منه بهدوء قبل أن يقول ببرود:

"البنت اللي فريد كان ماشي معاها زمان... نسيتها ولا إيه؟!"


اتسعت عينا أيهم بصدمة، شحب وجهه للحظات قبل أن تطغى عليه موجة من الذكريات... ليلة من الماضي، لحظة غيرت كل شيء، سر لم يعلم به سوى هو وفريد وتلك الفتاة....!!!!!!


أفاق من شروده على صوت أركان وهو يسأله، متفحصًا ملامحه المرتبكة:

"مالك؟ سرحت في إيه؟"


أيهم متصنعًا اللامبالاة وهو يشيح بوجهه:

"مفيش... هتروح ولا هتقعد؟ هتعمل إيه؟"


رد عليه أركان بعبث:

"أروح وإيدي فاضية؟ مستحيل، تعالى ناخد اتنين ونروح البيت عندي."


ضحك أيهم بخفوت، وكأنهما اتفقا ضمنيًا على دفن الحديث السابق، وما هي إلا دقائق حتى كان الاثنان يغادران الملهى، وبيد كل منهما فتاة، متوجهين إلى منزل أركان، حيث سيتورطان فيما تهتز له السماء، وترتعد له الأرض !!!

........

مع شروق الشمس

انبثقت أشعة الصباح من خلف المباني الشاهقة، معلنة عن يومٍ جديد، يومٍ لن يخلو من المفاجآت.....


في مكتبها، جلست جيانا أمام الأوراق، تحاول التركيز، لكن الإرهاق كان واضحًا على وجهها.


لم يمر وقت طويل حتى فُتح الباب، ودخلت نادين، رفيقتها في العمل، وهي تضحك قائلة:

"البت هند هتولع من ساعة ما الأستاذ مدحت قال إنك إنتي اللي هتشرفي علينا في الحفلة، وهتولع أكتر لما ننفذ اللي هتقولي عليه!"


ابتسمت جيانا بسخرية، لم تكن هند شخصًا غامضًا بالنسبة لها، تعرفها جيدًا منذ أيام الجامعة، تعرف غيرتها العمياء منها، وحقدها الدفين الذي لم يتغير بمرور السنوات.


لاحظت نادين شحوب صديقتها، فاقتربت تسألها بقلق:

"مالك يا جيانا؟ شكلك تعبانة!"


ردت عليها جيانا بابتسامة متعبة :

"أنا كويسة."


نادين بإصرار:

"كويسة إيه باين عليكي التعب جدًا، روحي استريحي، وأنا وهند هنتصرف النهاردة، أو حتى ممكن عزت ينزل مكانك."


جيانا بجدية وحزم، وهي تنظر مباشرة في عينيها:

"نادين، أنا مش تعبانة... روحي شوفي شغلك، لازم نتحرك بدري النهاردة ونكون في المكان قبل الكل ما يحضروا."


تنهدت نادين، فهي تعرف جيانا جيدًا، وتدرك أنها عنيدة، لن تتراجع عن قرارها مهما كان.


أومأت برأسها، عادت إلى مكتبها، لكن بين الحين والآخر، كانت تنظر نحو جيانا، يملؤها القلق....!!!!

........

في منزل أكمل النويري...

جلست رونزي على سريرها، تمسح طلاء الأظافر فوق أصابعها بدقة، بينما تنساب الموسيقى في الأرجاء، تبعث في الأجواء هدوءًا مزيفًا. لكن سرعان ما كُسر هذا الهدوء برنين هاتفها، التقطته بسرعة، لتتفاجأ باسم المتصل... فريد.


أجابت بصوت ثابت، فجاءها صوته الحازم مباشرة:

"رونزي، جهزي نفسك الليلة... هنروح حفلة سوا."


قطبت جبينها، متسائلة:

"حفلة إيه؟"


أخبرها فريد بكل التفاصيل، استمعت إليه بصمت، ثم سألته بهدوء:

"تمام... هتعدي عليا ولا هتبعتلي السواق؟"


جاء رده قاطعًا، لا مجال للنقاش:

"لا، هعدي عليكي مع أيهم، هو كمان جاي معانا."


أنهى المكالمة دون إطالة، لتنزل رونزي الهاتف ببطء، شاردة الذهن.


شعور غريب يتسلل إلى أعماقها... تشعر أن فريد يتعامل معها بجفاء وجدية دائمًا، وكأنها مجرد التزام فرض عليه، لا أكثر !!


في البداية، اعتقدت أنه يملك ولو ذرة إعجاب نحوها، لكن الآن لم تعد متأكدة من أي شيء... لا تفهمه، ولا تعرف عنه الكثير.


تشعر بأنها ربما قد تسرعت حين وافقت على الخطبة، وربما على فكرة الزواج بأكملها !!!!!


حتى جيانا مشغولة دائمًا، بالكاد تجد فرصة للحديث معها. في النهاية، لم تجد حلًّا سوى أن تواجه فريد بنفسها....عليها أن تفهمه، ولو لمرة واحدة !!!

.........

في الحفلة الخيرية...

الإنهاك ينهش جسدها، لكنها تحاملت على نفسها وصعدت إلى منزلها، استبدلت ملابسها بسرعة، ثم التقطت حقيبتها ونزلت متجهة إلى الحفلة الخيرية حيث ستُجري المقابلات الصحفية والتصوير، كعادتها، اختارت ملابس كاجوال عملية، تناسب أسلوبها البسيط.


بمجرد دخولها إلى القاعة، لمحت نادين وهند بانتظارها، ألقت عليهما نظرة جادة قبل أن تقول بتركيز:

"هند هتكون مسؤولة عن التصوير، ونادين هتعمل الحوارات الصحفية معايا."


أومأت نادين سريعًا، بينما اكتفت هند بالنظر إليها بحقد دفين، لطالما كرهتها... ولطالما حسدتها!


تركتهم جيانا واتجهت إلى أيمن الغانم، مؤسس المستشفى الخيرية، بدأت معه مقابلة قصيرة، تسأله عن تفاصيل المشروع.


لكن ما إن انتهت، وابتعدت قليلًا، حتى سمعت صوتًا مألوفًا خلفها:

"جيجي، بتعملي إيه هنا؟"


التفتت لتجد طارق، ابن خالتها، يقف أمامها بابتسامة ساخرة. رسمت على شفتيها ابتسامة مماثلة وهي ترد بسخرية:

"والله كلك نظر،حفلة فيها صحفيين كتير، أكيد هكون من ضمنهم... سؤال غبي أوي يعني"


نظر إليها بغيظ، وقال مقلدًا أسلوبها:

"إنتي يا بت، لسانك ده مسحوب منه؟ كان هيحصل إيه لو رديتي بأدب؟"


رفعت حاجبها ببرود:

"والبيه بيعمل إيه هنا بقى؟"


لم يتردد في الرد بنفس سخريتها:

"والله كلك نظر، حفلة افتتاح مستشفى خيري، وفيها دكاترة، وأنا أكيد منهم....سؤال غبي أوي يعني"


نظرت له بغيظ، فقهقه بخفوت قبل أن يقول:

"الواد آسر وسمير لسه مرجعوش من المهمة اللي كانوا طالعينها"


ردت عليه بتنهيدة خفيفة:

"لأ، لسه."


قال بنبرة متمنية:

"ربنا يكون معاهم، وحشوني أوي."


أومأت موافقة، لكن التعب كان يسيطر على ملامحها، مما دفعه ليسأل بقلق:

"جيانا، إنتي كويسة؟"


ابتسمت بإرهاق وردت عليه:

"مفيش، شوية إرهاق بس....كلها شوية وتخلص الحفلة وهروح أرتاح."


أمسك بذراعها بلطف، قائلًا بإصرار:

"تعالي أوصلك دلوقتي، شكلك تعبانة أوي."


لكنه يعرف جيانا، ويعرف أنها عنيدة بشكل لا يُطاق.


بدلًا من الجدال، غيرت الموضوع بمرح متعمد:

"يا بني، أنا كويسة، متخافش... قولي، هنعمل إيه لما العيال دول يرجعوا؟"


لم يتردد في مجاراتها، ضاحكًا:

"لازم نسهر كلنا مع بعض، ونحتفل برجوعهم سالمين بإذن الله."


جيانا بحماس:

"ياريت والله، عايزين حاجة مجنونة بقى"


أضاءت عيناه بمكر:

"عندي فكرة حلوة"


جيانا بفضول:

"إيه هي؟"


انحنى نحوها قليلًا، هامسًا بمكر:

"نسرق اليخت بتاع جوز خالتك ونطلع بيه رحلة يوم كامل... من غير ما يحس"


انفجرت ضاحكة:

"إنت اتجننت؟ ده هيعلقنا! إنت عارف أبوك بيحب اليخت ده قد إيه؟ ده حتى أمك لو عملت أي حاجة مش بيخليها تطلع عليه"


ألح عليها بإصرار:

"يا ستي مش هيعرف... هيبقى يوم جامد أوي"


واصلت الضحك، ثم قالت:

"أما يرجعوا بالسلامة ناخد رأيهم ونشوف."


أومأ لها موافقًا، استمر الحديث بينهما دقائق قليلة، ثم استأذن منها ليتحدث مع أحد الأطباء، تاركًا جيانا مع أفكارها المتشابكة، ودوامة الإرهاق التي كانت تزداد قوة بداخلها...!!!


تراجعت قليلًا، وقفت في زاوية بعيدة، تلتقط بعض الصور للحاضرين بكاميرتها الخاصة.


لكن فجأة، شعرت بدوار مفاجئ، توقفت عن التصوير، استدارت مستندة بيدها على الطاولة، تحني رأسها قليلًا، تمسك جبهتها بيدها الأخرى، تحاول أن تستعيد توازنها.


في الجهة الأخرى...


وصل فريد وأيهم ورونزي إلى الحفل. كان فريد يقف بجوار أيمن الغانم يهنئه على افتتاح المستشفى، قبل أن يرن هاتفه، فابتعد قليلًا ليجيب.


أنهى المكالمة بعد دقائق، وكان على وشك المغادرة، لكن شيئًا ما لفت انتباهه...


فتاة تقف بمفردها، تعطيه ظهرها، تمسك رأسها وكأنها على وشك السقوط...


شعر بدافع غريب للاقتراب منها، لا يدري لماذا، فقط تحرك دون تفكير، وقبل أن يصل إليها، اهتزت خطواتها فجأة وكادت تسقط.


تحرك بسرعة ممسكًا بذراعها، صوته خرج منه لا إراديًا، مليئًا بالقلق:

"إنتي كويسة؟!"


ذلك الصوت...!!!


جمدت في مكانها، تجمد معها الزمن، تجمدت أنفاسها... كأن الهواء اختفى فجأة من حولها.


كيف لا تعرفه؟!


كيف لا تحفظ تلك النبرة عن ظهر قلب؟!


نبرة كانت وطنها، كانت عشقها الأول... كانت أمانها ذات يوم.


لكن الأوطان أحيانًا تخون، والعشق قد يتحول إلى رماد، والأمان قد يصبح أكبر مخاوفنا.


قبضت على المقعد بقوة، كأنها تتشبث بشيء يمنعها من الانهيار، بداخلها رجاءٌ أخير، أملٌ كاذب أن تكون مخطئة، أن يكون مجرد وهم خلقه إرهاقها.


لكنها لم تكن...


كان هو... بكل ثقله في قلبها، بكل أوجاعه العالقة في روحها.


وما إن التقت عيناهما، حتى غاصت في بحر من الذكريات التي حاولت إغراقها لسنوات، لكنها الآن عادت، بلا رحمة، بلا شفقة.


صدمة... كانت نصيبها ونصيبه.


هو ينظر إليها كمن وجد ضالته بعد ضياع، كمن أدرك للتو حجم الفقد، كمن لم يكن يعلم أن الاشتياق يمكن أن يكون قاتلًا بهذا الشكل.


أما هي؟ فقد وقفت أمامه بملامح جامدة، ميتة، تخفي خلفها قلبًا ينزف خيبة، روحًا ما زالت تحمل الندوب التي تركها ورحل.


لكن رغم كل شيء... الشعور الطاغي بينهما كان واحدًا... الصدمة!


تحرك نحوه دون وعي، كما لو أن شيئًا أكبر منه يقوده إليها، امتدت يده، يريد فقط أن يلمسها، أن يتأكد أنها ليست وهمًا خلقه شوقه.


لكنها كانت أسرع... أمسكت بيده قبل أن تصل إليها، قبضت عليها بقوة، كأنها تسجنه في تلك اللحظة، تفرض عليه حقيقة قاسية لم يواجهها من قبل.


ثم رفعت عينيها إليه...


نظرة واحدة فقط... كانت كافية لتحرقه بالكامل.


كانت كافية لتخبره بكل ما لم تقله يومًا، بكل ما حاولت دفنه، بكل ما أراد أن ينساه.


"ألم أخبرك من قبل؟ من يتركني، لن يصل إلي حتى في أحلامه، وليس فقط في واقعه."


نفضت يده عنها بقوة، وكأنه مجرد ذكرى يجب أن تُنتزع من حياتها، وكأن لمسته قد تصيبها بلعنة تريد الهروب منها.


هو لم يكن مجرد شخص في حياتها، كان جرحًا لم يندمل، كان خذلانًا لم تنسه، كان الدليل الحي على أن الحب قد يكون أقسى من الكراهية.


نظر إليها بحزن، بحسرة، بندم تأخر كثيرًا، لكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء...


جاء صوت آخر، صوت يعرفانه جيدًا... لكن هذه المرة، كان صوتًا قادرًا على نسف كل شيء:

"جيجي! بتعملي إيه هنا؟!"


- رونزي!!!!!!


نظرت إلى جيانا، ثم إلى فريد، قبل أن تسأل باستغراب:

"فريد! إنتوا تعرفوا بعض!!!


ابتسمت رونزي وهي تعرفهما ببعضهما ببراءة، غير مدركة للعاصفة التي انفجرت بينهما منذ لحظات:

"جيجي، ده فريد.....خطيبي!!!!!!!"


ثم التفتت إلى فريد وهي تقول بحماس:

"ودي بقى، صحبتي الوحيدة جيانا، اللي حاليًا أنا مقيمة في بيتها....!!!!!!"


وكأن الزمن توقف للحظة...


جيانا صديقة رونزي الوحيدة؟!


ورونزي... "زوجته المستقبلية"؟!


لم يكن لديه وقت لاستيعاب الصدمة، لأن جيانا شعرت بالدوار مجددًا، فتشبثت بالمقعد، استندت إليه بقوة حتى لا تسقط، فاقتربت رونزي منها بقلق شديد:

"جيانا! مالك؟ إنتي كويسة؟!"


لم تجب، فقط أخرجت هاتفها، بعثت برسالة قصيرة، وبعد أقل من دقيقة، وقف أمامها ذلك الشخص الذي دائمًا ما يكون حاضرًا حين تحتاجه :

"جيانا، إنتي كويسة، إيه اللي واجعك؟!"


لم تقل سوى ثلاث كلمات بصوت ضعيف، لكنها كانت كافية ليُدرك أنها تريد مغادرة هذا المكان فورًا:

"روحني البيت، يا طارق!"


لم يسأل، لم يجادل، فقط أومأ برأسه، ثم أحاطها بذراعه وسار بها خارج القاعة، بينما ظلت رونزي تراقبهما بقلق، ثم لحقت بهما بعد أن أخبرت فريد الذي لم يكن يسمع أي شيء على الإطلاق.


كان فريد واقفًا في مكانه، متجمدًا تمامًا، وكأن الزمن عاد به إلى نقطة اللاعودة.


جاء صوت ابن عمه أيهم، يسأله باستغراب:

"واقف عندك بتعمل إيه يا فريد؟!"


نظر له، عيناه غارقتان في صدمة لم يكن يتوقعها يومًا، قبل أن ينطق باسمها بصوت مختنق:

"جيانا...!"


عبس أيهم، وسأله بحيرة:

"مالها؟ وإيه اللي فكرك بيها دلوقتي؟!"


وكأنه يسأله كيف يمكنه أن ينساها !!

لكنه لم ينساها... لم ينساها أبدًا !!

كيف ينسى من استوطنت روحه؟ كيف ينسى من ضاعت منه بسبب أشياء كثيرة....."الخوف... الخيانة... الكذب"


رفع عينيه إلى أيهم، وصوته خرج بالكاد:

"جيانا... تبقى صاحبة رونزي، اللي عايشة عندها!"


الصدمة لم تكن له وحده هذه المرة، اتسعت عينا أيهم، وهو يردد بعدم تصديق:

"إنت بتهزر؟!"


نظر إليه فريد بشرود، بالكاد يسمعه، قبل أن يدير ظهره ويرحل بسرعة، يقود سيارته بجنون، دون أن يعرف إلى أين يذهب أو ماذا يفعل.


فقط شيء واحد كان يملأ تفكيره بالكامل...."جيانا" !!!!


لكن السؤال الأهم الذي ربما يدور في أذهانكم الآن...

إذا كان يحبها بهذا الشكل، لماذا ابتعد؟! لماذا سيتزوج غيرها؟!.......ولماذا افترقا من الأساس؟!!!!!!!!

...........

بمنزل أكمل النويري...

ما إن دخل طارق إلى المنزل وهو يسند جيانا برفقة رونزي، حتى شهقت حنان بفزع:


"بنتي! إيه اللي حصل يا طارق؟!"


أجاب طارق وهو يجعلها تجلس برفق:

"مفيش يا خالتو، هي بس داخت شوية... جبت الشنطة معايا، هكشف عليها وأطمنك."


أومأت حنان بقلق، وفي نفس اللحظة دخل أكمل ورامي وتيا، والقلق مرسوم على ملامحهم تمامًا مثلها.


اقترب أكمل من ابنته، جلس بجانبها وسألها بقلقٍ واضح:

"حصل إيه يا بنتي؟"


لم تجب، فقط ظلت تنظر إلى الفراغ، وكأن عقلها لم يكن حاضرًا.


تابع طارق فحصها، وهو يقيس ضغطها ويهز رأسه بأسف:

"بنتك كالعادة، بتهلك نفسها في الشغل ومش بتاكل كويس... ضغطها واطي كمان"


نظر أكمل إليها بعتاب، لكن نظراته لم تصل إليها، فقد كانت غارقة في مكانٍ آخر، عالقة بين الماضي والحاضر...


ثم، فجأة... قامت، وتحركت بخطواتٍ سريعة باتجاه غرفتها، أغلقت الباب خلفها، ورمت نفسها على الفراش.


ضغطت رأسها بين يديها، كأنها تحاول إيقاف الضوضاء في عقلها، لكن الأصوات كانت أعلى من قدرتها على الاحتمال...


صرخات... ضحكاتٌ رخيصة... أصواتٌ بعيدة لكنها قريبة، تقتحم ذاكرتها بعنف، تعيد مشاهد من الماضي كأنها تعيشها من جديد.

لم تكن مجرد ذكريات، بل كابوسٌ يلاحقها حتى في يقظتها.


أغمضت عينيها بقوة، محاولةً الهروب من الواقع، متمنيةً أن تستيقظ في الصباح لتجد كل هذا مجرد حلم سيئ... لكن قلبها كان يعلم أن لا شيء من هذا سيحدث !!!!!

.........

في فيلا فادي عبد الرحمن...


كان صلاح يجلس بثبات، عيناه تلمعان بغضبٍ، بينما تقف ابنته "عليا" بجانبه، تحكي له كل ما فعله فادي وهايدي.


لم يكن يحتاج إلى أكثر من ذلك.


الغضب اجتاح صدره مثل إعصار، وفور انتهائها من حديثها، أمرها بجملةٍ واحدة:

"خليهم يجولي دلوقتي."


أومأت عليا، وبعد دقائق كان الاثنان يقفان أمامه، ينظران إليه بترقبٍ وقلق.


لحظات من الصمت المشحون، قبل أن يخترقه صوت صفعتهما.


صفعة قوية على صدغ فادي، وأخرى أشد على وجه هايدي!!!


تراجع الاثنان في صدمة، بينما تردد صوت صلاح في الأرجاء، قاطعًا كل مجالٍ للنقاش:

"غوروا من وشي دلوقتي....جهزوا حاجتكم، هتيجوا تعيشوا في قصر الزيني، وأنا هعرف أربيكم التربية اللي أبوكم وأمكم معرفوش يربوها....!!!!"


نارٌ من الحقد اشتعلت في قلبيهما، لكنهما لم يجرؤا على الاعتراض.


صرخ صلاح بغضب أشد، وهو يشير نحو الباب:

"قلت غورواااااااااا"


تحركا دون نقاش، مجبرين لا مخيرين، بينما نظرت عليا إلى والدها بقلق:

"بابا... انت ناوي على إيه؟"


أجابها بصوتٍ منخفض، لكن غموضه كان كفيلًا بأن يرسل الرعب في أوصالها:

"ناوي أربيهم... وهايدي بالذات، أنا عارف أنا هعمل معاها إيه.....وبكرة تعرفي."


فتحت فمها لتعترض، لكنه قاطعها بإشارة من يده أن الحديث انتهى !!!!


قطبت جبينها بضيق، فوالدها لا يتغير أبدًا... لا يخبر أحدًا سوى بما يريدهم أن يعرفوه، مهما حاولوا.


رحلت، تحمل معها الكثير من الأسئلة التي لن تجد لها إجابة الآن......أما هو، فقد كان قد اتخذ قراره بالفعل وسينفذه قريبًا جدًا !!!!!

...........

#الفصل_الرابع

#رواية_ليتني_لم_أحبك

#الكاتبة_شهد_الشورى

أشرقت شمس يومٍ جديد، لتعلن عن بداية مختلفة... بداية قد تغير كل شيء !!!


دخل فريد إلى القصر بعد يومٍ طويل قضاه بالخارج، منذ الأمس لم يهدأ له بال.

الصدمة لا تزال تسيطر عليه... لقد رآها والأدهى انها كانت رفيقة من سيتزوجها !!!!!


صعد إلى غرفته مسرعًا، ودخل إلى الحمام، وقف أسفل المياه المتساقطة بلا حراك، يحاول أن يطفئ نارًا اشتعلت داخله منذ الأمس.


أغمض عينيه، فخيالها لا يفارقه... هيئتها، نظرتها، ملامحها التي ازدادت جمالًا


لكنه تذكر فجأة... لقد كانت مريضة، بل وذهبت مع رجل !! من هو؟

هل يكون زوجها؟ أو ربما... حبيبها؟


تملكه شعور لا يُوصف، غيرة حادة بدأت تعبث بقلبه دون إذن.

خرج من الحمام، لف خصره بمنشفة، وما إن فتح الباب حتى اتسعت عيناه بذهول...!!!!


كانت تجلس على الفراش، بكامل زينتها، تحمل في نظرتها جرأة لا تليق بفتاة ابدًا، فصرخ عليها بصوت غاضب :

–إنتي بتعملي إيه هنا؟!


ابتسمت بدلال، واقتربت منه بخطوات واثقة، ثم أحاطت عنقه بذراعها وهمست:

– وحشتني... مش نفسك نعيد الليلة اياها ؟


تراجع خطوة وهو ينظر لها بذهول، ثم دفعها بهدوء واحتداد معًا وقال باشمئزاز:

– غوري برا ومش عايز أشوفك في أوضتي تاني، مفهوم ولا مش مفهوم.... انا مش ناقصك


لكنها تجاهلت كلامه، واقتربت منه من جديد، تلمس صدره، قائلة بدلال :

– ما تخافش... حبيبتك مش هتعرف حاجة


– يالله !!!!

قالها وهو يزفر بضيق، وكأن الحياة تصر على إثقال كاهله.


وفي اللحظة التي أوشكت أن تتجاوز حدودها، فُتح الباب فجأة، ليتنفس فريد الصعداء وهو يرى أيهم يدخل.


رمقها أيهم باشمئزاز، دون أن يتكلم، بينما فريد أمسك بيدها، وسحبها للخارج دون كلمة، ثم أغلق الباب بقوة 


وقفت هايدي بالخارج تهمس في نفسها بمكر :

– لو مش النهاردة... هيبقى بكرة، المهم اللي أنا عاوزاه هو اللي هيحصل يا بن الزيني !!!


ثم ضحكت بخبث، وغادرت تخطط لشيء أكبر مما يتخيله الجميع !!!!!

........

في الداخل، جلس أيهم على الفراش، وقال بسخرية:

– كنت فاكر هدخل ألاقيك قالب الدنيا، ومش طايق حد ولا طايق نفسك اتاري الباشا مش مضيع وقت خالص


رمقه فريد بنظرة حادة وقال :

– أخرس خالص، مش نقصاك هي ع الصبح، مش كفاية الزبالة التانية دي كمان !!!


رد عليه أيهم بابتسامة ساخرة:

– طب استر نفسك الأول، وتعالى


تنهد فريد، وارتدى بدلة رمادية مع قميص أسود، أزراره مفتوحة قليلاً، ثم جلس بجواره، فسأله أيهم بهدوء:

– هتعمل إيه بعد اللي حصل امبارح؟


لم يجب فريد، بل ظل صامتًا، وعقله لا يفكر إلا في شيء واحد... "جيانا" كيف أصبحت؟ ومن كان معها؟


التقط هاتفه، وخرج إلى الشرفة، تاركًا أيهم غارقًا في حيرته


في الشرفة...

كان فريد يتحدث مع رونزي التي اعتذرت منه قائلة :

– آسفة إني مشيت امبارح فجأة، بس جيانا كانت تعبانة، وكان لازم أكون جنبها


– ولا يهمك.

تنحنح ثم سأل، محاولًا إخفاء قلقه:

– أخبارها إيه دلوقتي؟


تنهدت رونزي وقالت :

– الدكتور طارق كشف عليها وقال إنها مرهقة جدًا من الشغل، ومش بتاخد بالها من صحتها حتى النهارده، أول ما صحيت، راحت الشغل !!!


سأل فريد سريعًا، بنبرة حاول أن يجعلها عادية:

– طارق ده....خطيبها؟


ضحكت رونزي وقالت:

– لأ طبعًا، ده ابن خالتها وبعدين، خطوبة إيه؟ جيانا والارتباط مايتحطوش في جملة واحدة دي بتكره الجواز في العموم كره العمى !!!!


تنهد بارتياح دون أن يُظهر ذلك، لتكمل هي:

– على فكرة، مامتك كلمتني وطلبت مني أجي القصر عشان أساعدها في تجهيزات الخطوبة


رد فريد بهدوء حازم:

– هبعتلك السواق حالًا... بس مش هكون موجود، عندي شغل مهم


أغلق الهاتف، وخرج من القصر، يتحدث مع أحد رجاله:

– هبعتلك اسم حالًا، كل المعلومات تكون عندي خلال ساعتين !!!!!!!


أرسل الاسم برسالة، ثم توجه إلى الشركة برفقة أيهم وعقله لا يزال معها، يتساءل في صمت ماذا تُخبئ له الأيام القادمة؟

..........

توقفت سيارة سوداء أمام مبنى شاهق الارتفاع، تميز بواجهته الزجاجية اللامعة التي تعكس ضوء الشمس بقوة.


ترجلت منها ثلاث فتيات بخطى متحمسة... تيا، رغد، ومي.

ثلاثة أصدقاء جمعتهم سنوات الدراسة، وها هم اليوم يقفون على أعتاب أولى خطواتهم في الحياة العملية.


قالت رغد بتوتر وهي تنظر للمبنى الكبير بقلق:

– تفتكروا هنتقبل؟


نظرت لها تيا بثقة وقالت بابتسامة هادئة:

– قولي إن شاء الله وبعدين ليه ما نتقبلش؟ إحنا من الأوائل، وجايبين امتياز، ومعانا كورسات ولغات اتفائلي بالخير


ابتسمت رغد لكلمات صديقتها، ليأتي صوت مي بغيظ مصطنع وهي تشد حقيبتها على كتفها:

– يا ستي المفروض أنا اللي أقلق، مش إنتوا أنا كل سنة يا جيد يا جيد جدًا، ومعنديش غير الإنجليزي مش زيكم ما شاء الله، كلكم شهادات ولغات... أنا أصلاً مش عارفة إيه اللي جابني معاكم


ضحكت رغد، ورفعت يدها في وجه مي بخفة دم قائلة :

– الله أكبر الله أكبر، أنتي بتحسدينا يا بت وبعدين ما تخافيش، إن شاء الله هتتقبلي.


تمتمت تيا بهدوئها المعتاد :

– يلا بينا ندخل بدل ما نتأخر.


دخل الثلاثة إلى المبنى بخطى متحمسة، وبعد سؤال بسيط في الاستقبال، وجهتهم الموظفة إلى الطابق العاشر، حيث مكتب الأستاذ شهاب، رئيس قسم المحاسبة، الذي سيتولى مقابلتهم.


انتظروا دورهم في صمت متوتر، ثم دخلت كل واحدة منهن على حدة للمقابلة، التي استمرت دقائق معدودة.


في النهاية، ابتسم الأستاذ شهاب وقال بهدوء:

– هنراجع الطلبات وهنرد عليكم في أقرب وقت


غادروا مكتبه بخطى أخف قليلًا من لحظة دخولهم، ربما لارتياح أو ربما لأمل داخلي بأنهم قد نالوا إعجابه !!!


نظرت تيا لزميلتيها وقالت:

– يلا بينا نرجع الجامعة، نلحق باقي المحاضرات كفاية أول اتنين ضاعوا مننا


أومأت لها رغد موافقة ثم قالت :

– فعلًا، يلا بسرعة قبل ما نتأخر أكتر


تحركوا في اتجاه البوابة من جديد، ضاحكات ومتحمسات، دون أن تنتبه أي منهن لتلك السيارة الرمادية التي بدأت تتبعهن بهدوء...!!!!


لكن من بداخلها.....كان يُراقب باهتمام......؟!!!!

........

ترجل من سيارته الفاخرة، يضع نظارته السوداء على عينيه كمن يحاول أن يُخفي خلفها اضطرابًا داخليًا لا يليق بمظهره الواثق.


دخل مبنى الجريدة المعروف، يتجه نحو مكتب الاستقبال بخطوات ثابتة، رغم أن قلبه يرتجف تحت وطأة اللقاء المنتظر.

– مكتب الآنسة جيانا النويري فين؟

سأل بصوت منخفض لكنه حاد، كأنه يُخفي عاصفة بداخله.


أشار له الموظف للطابق الخامس، فصعد كمن يسير إلى حتفه طواعية، كل خطوة تقربه من ماضٍ دفنه بيده... وظل يؤلمه حتى اللحظة.


وقف أمام الباب، يرفع يده ليطرقه... صوتها من الداخل يجمده للحظة، نفس الصوت الذي طالما أسر قلبه.


– اتفضل...


فتح الباب بخفة، وعيناه تقعان عليها...

كانت هناك، كما تركها، ولكن أجمل.....وأقوى كما عهدها دومًا


عيناها غارقتان في الأوراق، وجهها يكسوه تركيز قاتل، وكل تفاصيلها تبعث الحنين الموجع في صدره.

كم اشتاقها... كم خانته نفسه ليقف هنا، فقط ليراها.


رفعت رأسها بهدوء لتكمل جملتها:

– أُفنــ...


تجمدت الكلمة على شفتيها، وعيناها تتسعان بذهول.

هو... أمامها.


مرت السنوات، ظنت أنها دفنته في طي النسيان، لكنه الآن يقف أمامها بكل وقاحة، وكأن شيئًا لم يكن... كأن قلبها لم يُكسر يومًا.


نهضت من مكانها، تقف بثبات امرأة علمتها الحياة ألا تنكسر مرتين.

نظرت له بثبات وقالت ببرود قاتل:

– الباب اللي دخلت منه... تخرج منه، وما أشوفش وشك تاني يا بن الزيني.


لم يسمعها، أو لعله لم يرد أن يسمع، عيناه تجوب ملامحها، يقرأ وجعها الذي كان سببه، ويشتاقه في ذات الوقت.

اقترب منها كأن عقله غاب، جاذبًا إياها بين ذراعيه، يحتضنها بكل الشوق المكبوت، كأنه يحاول أن يمحو غياب السنين بلحظة.


تسمرت مكانها، الصدمة تغمرها، ثم دفعت صدره بعنف، وصاحت بقرف:

– إنت إزاي تتجرأ تعمل كده يا... حيوان؟!


رفعت يدها لتصفعه، لكن يده أوقفتها في منتصف الطريق، وصوته يأتي ببرود:

– شكلك نسيتي إن مفيش حد بيرفع إيده على فريد الزيني.


نظرت له باحتقار، تدفع يده بقوة ثم قالت:

– عندك حق... محدش بيلمس الزبالة بإيده!


اشتعَل الغضب في عينيه، لكنه لم يرد.

قالت هي بسخرية لاذعة:

– أول مرة أشوف البجاحة بعيني... كنت بسمع عنها بس.


تنهد، يحاول كتم غضبه، وقال بصوت مُحبط:

– عمري ما تخيلت إننا بعد السنين دي ممكن نقف قدام بعض بالشكل ده.... لسه زي ما انتي


نظرت له من أعلى لأسفل باستخفاف وقالت:

– وانت برضو لسه زي ما إنت... خاين، كذاب، وبتلعب ع البنات. وصدقني، مش هخلي رونزي تكمل معاك. لازم تعرف حقيقتك.


توقفت، كأن الذكريات تنهش عقلها قبل لسانها.

ليته يعلم كم تألمت... وكم قاومت نفسها كي لا تضعف أمامه الآن.


هو أيضًا... نادم، محطم، يلعن قلبه الذي ساقه إليها، رغم كل العواقب.


وقفت عند باب المكتب، فتحته بهدوء وقالت بصوت مجروح، لكنه صارم:

– اطلع بره.


وقف ينظر لها، بعينين مكسورتين خلف قناع السخرية، ثم قال:

– سبع سنين بسأل نفسي... ألوم مين؟ ألوم نفسي، ولا ألومك؟


ردت بسخرية باهتة:

– شكلك عايش في فيلم... محسسني إنك في يوم حبتني.


لا يحبها.... هو لم يتوقف عن حبها لحظة، لكنه كان غبيًا بما يكفي ليخسرها.


ردت عليه جيانا بنبرة تنزف مرارة:

– ع العموم، هجاوبك على سؤالك... لوم نفسك أنا لا خُنت، ولا خذلت، ولا رجعت في كلمة، انا كنت دايمًا على قد وعدي


نظر لها بصمت وألم، ثم قالت بحسم:

– برا... مش عايزة أشوف وشك هنا تاني.


خرج دون رد، وخلفه أبوابٌ أُغلقت، ليس فقط باب المكتب... بل باب الأمل.


جلست هي على الأريكة، تحدق في الفراغ،

تتساءل بصوتٍ مكسور:

ليه دلوقتي... بعد كل ده؟

ليه بترجع وجع كنت خلاص دفنته؟


أغمضت عينيها والدمع يحبس نفسه في محجره...

كيف يستطيع الإنسان ان يزيف مشاعره بهذا الشكل....؟!

..........

بعد قليل، انفتح الباب فجأة دون طرق، لتدخل منه هند بعصبية وغل واضح !!!!

رفعت جيانا رأسها سريعًا، وقالت بحدة:

– انتي ازاي تدخلي كده من غير ما تخبطي؟!


صرخت عليها هند بغضب:

– انتي ازاي تخليهم يشيلوا المقال بتاعي؟! بأي حق تعملي كده؟!


ردّت جيانا بنفس الحدة: –

خليتهم يشيلوه... عشان إحنا مش بنطبل لأي حد يدفع يا ست هانم !!!!!


ضاق وجه هند، وقالت بانفعال:

– قصدِك إيه؟!


ابتسمت جيانا بسخرية، وقالت:

– قصدي انتي فاهماه كويس... بس يا ترى حامد صفوان بيدفع كام علشان ترضي عنه كده، وتكتبيله مقال طويل عريض ولا. كأنه ملاك نازل من السما؟!


شهقت هند من الغضب، ورفعت يدها لتصفعها وهي تصرخ بغضب وغل:

– اخرسي!!!


لكن جيانا أمسكت يدها وصرخت عليها بغضب :

– اقسم بالله لو القلم ده نزل، كنت دفعتك تمنه غالي....وغالي اوي كمان 


في تلك اللحظة، جاء صوت مرتفع من الخارج، ولو يكن سوى مدحت الذي قد وصل، ومعه عدد من الموظفين المذعورين أمام المكتب، وصرخ بغضب:

– العرض خلص، كل واحد يرجع على مكتبه فورًا !!!!


اندفع إلى الداخل، ليجد جيانا ممسكة بيد هند المرفوعة، والعينان تتحدثان بلغة الغضب والتحدي فقال بحدة:

– إيه اللي بيحصل هنا؟!


بادرت هند سريعًا، محاولة تبرير موقفها:

– جيانا خليتهم يشيلوا المقال بتاعي، ولما جيت أعاتبها... قالتلي إن هي حرة وتعمل اللي يعجبها !!!!


نظرت جيانا لها باشمئزاز، ثم قالت بهدوء:

– محصلش الكلام ده يا فندم، أنا ماقلتش كده.


أومأ مدحت برأسه وهو يرد بهدوء:

– مصدقك يا جيانا.


احمر وجه هند من شدة الغضب، وقالت بغل:

– يعني أنا كدابة؟! ولا عشان هي قريبة حضرتك؟! بتدافع عنها وبتسيبها تعمل اللي هي عاوزاه؟!


هتف مدحت بصوت مرتفع غاضب:

– هند، الزمي حدودك... ومتخلينيش اتخذ في حقك معاكي إجراء يزعلك، أنا ساكت على بلاوي كتير وبقول يمكن تتعدلي بس مفيش فايدة، جيانا استأذنتني قبل ما تشيل المقال، وأنا وافقت لأنها معاها حق، مينفعش ننتقد الراجل امبارح... ونطلعه النهاردة ملاك، ابسط حاجة الناس هتقولها قبضنا بفلوسه عشان ننضف سمعته عندنا !!!


تحول وجه هند إلى كتلة من الحقد، نظرت إلى جيانا وكأنها ستفترسها، لكن مدحت قطع الصمت قائلاً بصرامة :

– اتفضلي على مكتبك... وخلي بالك، ده آخر تحذير بعد كده الجريدة هتستغنى عنك... مفهوم؟


أومأت هند برأسها ببطء، وعيناها معلقتان بـجيانا بنظرةٍ مليئة بالكراهية، ثم غادرت بخطى متوترة، ولحقها مدحت، مغلقًا الباب خلفه


تركا جيانا وحدها، تمسح على جبهتها من شدة الصداع... وكأن رأسها سينفجر !!!!


تنهدت بضيق، ثم التقطت حقيبتها وغادرت الجريدة، نادمة على قدومها هذا اليوم... لو كانت فقط بقيت في منزلها، لوفرت على نفسها هذا اليوم الكئيب بكل ما فيه !!!!!


لكن... وما إن وصلت أمام البناية، وقبل أن ترفع يدها لتفتح باب السيارة...


حتى وقعت عيناها على شيء جعل قلبها يتوقف، وعيناها اتسعتا من الصدمة....وقفت مكانها عاجزة عن الحركة !!!!!


أخيها رامي يقف مع شابين، أحدهما يعطيه لفافة تبغ، والآخر يتناولها ويمررها إليه بعد أن استنشق منها الدخان وأخرجه من أنفه، وكأنه معتاد تمامًا على هذا الفعل...!!!!


تجمدت في مكانها لثوانٍ، غير مصدقة لما ترى، انطلقت نحوه بغضب يكاد يحرق الاخضر واليابس !!!!


ما إن وقعت عيناه عليها حتى ألقى السيجار أرضًا بارتباك، وتوتر الشابان وانصرفا سريعًا دون أن ينبسا بكلمة !!!!


أمسكته جيانا من معصمه بقوة، وسحبته نحو المصعد دون أن تمنحه فرصة للكلام، ثم إلى الشقة، ودفعت باب غرفته بعنف، أغلقته خلفها وهي تقول بغضب وصدمة :

– بتـدخن؟! من امتى؟! ومين اللي لعب في دماغك وقالك تعمل كده؟!


زفر رامي بضيق، يلعن حظه العاثر لأنها رأته، وأدرك أن الأمر لن يمر ببساطة… خاصة إن عرف والده.


لم يجب، فقط ظل صامتًا، مما أشعل الغضب أكثر في عينيها وهي تجز على أسنانها وتقول بحدة:

– انـطـق يا زفت !!!!!


رد عليها ببرود ظاهر يخفي به توتره:

– من شهرين كده... وبعدين، يعني، مفيش داعي للعصبية دي كلها، أنا معملتش حاجة غلط! كل صحابي بيدخنوا.


هزت رأسها ببطء وهي تقول:

– تمام... تمام أوي خلاص، إحنا نسيب بابا يقول رأيه في الحاجة اللي مش غلط دي.....ولا ايه ؟؟؟


نظر لها بخوف.....خوف حقيقي من عواقب ما فعله !!


ابتسمت هي بسخرية، وقالت بحزم:

– خوفت؟ ليه؟ مش انت بتقول إنك مش بتعمل حاجة غلط؟


تنهدت ثم تابعت بحدة :

السجاير غلط يا رامي، غلط هتدفع تمنه من صحتك، ووقتك، ومستقبلك… السجاير النهارده، وبكرا حاجات تانية...

وانت اللي بتحلم تبقى ظابط… ازاي تدمر نفسك وانت لسه حتى ما بدأتش الطريق؟


لوح بيده بانزعاج، وقال بحدة:

– أنا مش عيل صغير قدامك، وانتي مالك بيا اصلا؟ حياتي وأنا حر فيها، ومش علشان في كام سنة فرق بينا تعملي عليا كبيرة وتزعقيلي!!!!!


كانت كلماته كافية لتخرجها عن شعورها، فرفعت يدها وصفعته بقوة على صدغه !!!!!


أدار رامي وجهه نحوها، يشتعل غضبًا، وصاح بحدة:

– بأي حق تضربيني؟!! بتديني نصايح؟!! روحي بصي على نفسك الأول، أنا بشرب سجاير، آه، بس مش مقضي حياتي شغل في شغل زيك، الناس مش بيتهامسوا عليا ويقولوا عانس ومسترجلة !!!!!


تجمّدت مكانها، تنظر إليه بصدمة... لم تصدق ما سمعته منه.

لكنها لم تصرخ، لم تبكي، فقط قالت بصوت خافت:

– عندك حق... انت مبقتش صغير !!!!!


ثم استدارت وغادرت الغرفة... بل غادرت المنزل بأكمله، لا تدري إلى أين تذهب

كلمات رامي كانت كالرصاص في صدرها !!!!!!

.........

حل المساء سريعًا

عادت رونزي لمنزلها، بعدما أنهت بعض التجهيزات برفقة والدة فريد، بينما جيانا لم تعد حتى الآن !!!!

كانت تيا في غرفتها لا تدري ما الذي ينتظرها صباحًا،

أما رامي فبقي حبيس غرفته، يلوم نفسه مرارًا على كلماته القاسية… فقد تجاوز كل الحدود، ويدرك الآن أن عتابها كان خوفًا، لا تحكمًا !!!!!

...........

في قصر الزيني...


جلس الجميع في بهو القصر يتبادلون النظرات…

ما سبب هذا الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه صلاح الزيني؟

وما هو الأمر الهام الذي دفعه لاستدعائهم جميعًا؟


لحظات... ودخل صلاح الزيني بخطواتٍ واثقة،

نظر إليهم جميعًا، ثم قال بصوته الهاديء والصارم في الوقت ذاته :

– طبعًا كلكم مستغربين ليه طلبت منكم تتجمعوا هنا انهارده


تنهد قليلاً، ثم تابع بنبرة حاسمة:

– أنا قررت....قررت إن أيهم و هايدي يتجوزوا !!!!!!!!!!

..........

#الفصل_الخامس

#رواية_ليتني_لم_أحبك

#الكاتبة_شهد_الشورى

سكون ثقيل خيم على المكان.....

العيون متسعة، والأنفاس محبوسة، والدهشة تعلو الوجوه.

انفجر الصمت فجأة بصوت أيهم العالي وهو يقول، وقد علا صوته بالغضب:

– نـعــــم؟!


رد عليه صلاح الزيني بصرامة لا تقبل النقاش:

– اللي سمعته يا بن جمال.


أشار أيهم بحدة إلى هايدي، والغضب يكاد ينفجر من عينيه: – أتجوز مين دي؟! على آخر الزمن؟! أتجوز هايدي اللي كل يوم مع واحد شكل؟!


قبل أن يكمل، كان فادي قد اندفع نحوه ولكمه بقوة في وجهه وهو يصرخ:

– أخرس يا كلب!


تراجع أيهم خطوة من أثر الضربة، لكنه سرعان ما استعاد توازنه ورد اللكمة بأشدّ منها !!!!!


تدخل فريد بسرعة وهو يحاول الفصل بينهما، بينما هايدي ما زالت في صدمتها لا تنطق…..


صرخ صلاح بصوتٍ جهوري:

– احترم نفسك إنت وهو، واعملوا حساب للكبار اللي قاعدين


ثم وجه كلامه لأيهم، ونبرته ازدادت حدة :

– لو هايدي زي ما بتقول، فأنت زيها، ما أنت كل يوم في حضن واحدة شكل، متتكلمش كأنك ملاك يا بن جمال


كان فريد يقف مصدومًا…...

أيهم؟ يتزوج هايدي؟

إنه من أكثر الأشخاص الذين يبغضونها منذ الطفولة...

بل والأدهى من ذلك، أنه كان أحد أولئك الذين أسلمته هايدي جسدها ذات يوم !!!!!


قال أيهم من بين أسنانه، والغضب يخنقه :

– وأنا مش عاوزها وده آخر كلام !!!


رد عليه صلاح بجفاء:

– أنا قولت كلمة، وهتتنفذ، خطوبتكم مع خطوبة فريد وفرحكم سوا والا… هيحصل اللي مش هيعجبك أبدًا


رد عليه أيهم بعنف:

– على جثتي ده يحصل !!!!!!


حاول جمال ان يهديء الأمور قائلاً :

– طب راجع نفسك يا بابا… واضح إن الاتنين مش عايزين بعض والجواز لازم يبقى بالاتفاق، مش بالإجبار


صلاح بعناد وجمود:

– لو فريد مكنش هيتجوز، كنت جوزتها ليه لكن دلوقتي ما فيش غير أيهم


زفر ايهم بقوة، الغضب يسيطر عليه تمامًا….

ركل تحفة من الزجاج كانت على الطاولة، فتهشمت بصوتٍ مزعج، ثم اندفع خارج القصر


تبِعه فريد بسرعة، والدهشة تملأ ملامحه، غير قادر على استيعاب ما حدث…

لكنه لم يتمكن من اللحاق به.

توقف يلهث من فرط الانفعال، ثم جلس في الحديقة محاولًا استيعاب الصدمة التي اجتاحت كيانه.

........

في الملهى الليلي، جلس أيهم على البار، يحتسي كأسًا تلو الآخر، كأن الخمر وحدها قادرة على إخماد ذلك اللهيب المشتعل بداخله. كلمات جده ما زالت تتردد في عقله، تصرخ في أعماقه وتفتك بثباته "هتتجوز هايدي."

عبارة وحيدة كفيلة بأن تخلخل اتزانه، وتدفعه نحو الهاوية.


"هايدي؟! وهو؟!"

هو لا يطيق حتى رؤيتها، فكيف تكون زوجته؟!

كيف تُفرض عليه فتاة طالما احتقرها، واعتبرها رمزًا للانحلال؟

كيف يُجبر على امرأة كانت يومًا إحدى مغامرات ابن عمه العابرة؟


أدار رأسه ببطء، يتفحص الوجوه حوله… عيناه أشبه بعينَي صياد يبحث عن فريسة يسكن بها عاصفة غضبه… فريسة تُنسيه قبح ما حدث الليلة


اقتربت منه فتاة، أو هكذا تُسمى… جسدها بالكاد مُغطى، وكأنها لفته بشريط ستان لا يستر سوى ما يُفترض قانونًا ستره، مالت برأسها عليه، وهمست بإغراء:

– منور يا أيهم باشا…


ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، ونظر لها من أعلى إلى أسفل، ثم قال بثقة:

– أيهم باشا ينور أي حتة يدخلها.


ضحكت ضحكة مفتعلة، ومدت يدها تتحسس صدره المكشوف:

– طب إيه يا باشا… هتسيبني أرجع لوحدي؟


وقف فجأة دون أن يرد، سحبها من يدها وكأنها حقيبة يحملها، وتوجها معًا إلى الخارج.

انتظر لدقائق حتى جاء الحارس بسيارته من الجراج، ثم ركبا معًا، وانطلق بها نحو شقته الخاصة…


تلك الشقة التي اشتراها خصيصًا ليجلب إليها بنات الليل…

ليمارس فيها الفعل الذي تهتز له السماوات  (الزنا) !!!

...........

في صباح اليوم التالي.....

بمنزل أكمل النويري، كانت الأجواء هادئة، رغم أن شيئًا خفيًا يثقل الأركان. عادت جيانا الليلة الماضية متحججة بأنها كانت تزور زميلتها في المستشفى، إلا أن رامي يعلم جيدًا أنه هو السبب الحقيقي في خروجها بتلك الحالة. وكلما حاول التحدث معها أو الاعتذار، كانت تصده بصمت بارد، وتمضي دون أن تتيح له حتى فرصة لتبرير نفسه.


بعد أن انتهى الجميع من تناول الإفطار معًا، تنحنح أكمل قليلاً وقال بابتسامة هادئة:

– أنا ومامتكم هنسافر النهاردة الساعة اتنين، هنقعد تلات أيام في الشرقية.


رفعت تيا حاجبيها وسألته باستغراب: 

– ليه يا بابا؟ فيه إيه في الشرقية؟


ضحك أكمل وقال: 

– الموضوع جه فجأة كده… ابن عمي عنده فرح ابنه بعد يومين، وعزمني وأصر إني أحضر. بس للأسف انتوا مش هتقدروا تحضروا، جيانا عندها شغل، وتيا جامعتها، ورامي مدرسته.


أكمل بجدية وهو ينظر إليهم: 

– إحنا هنسافر وهنرجع على طول… خلوا بالكوا من نفسكم، أنا سايب رجالة في البيت.


رامي بمرحه المعتاد:

– متخافش يا حاج… في عنيا !!


رمقه أكمل بنظرة حادة وقال: 

– أنا أقصد على إخواتك مش عليك.


انفجرت روزي بالضحك: 

– في منتصف الجبهة يا رامي


ضحكت جيانا بهدوء ثم قالت:

– أنا كنت أخدت أجازة يومين من امبارح… سافروا انتوا، وأنا هاخد بالي منهم، وأهو ماما تغير جو شوية.


ابتسم لها أكمل، لكنه بدا عازمًا على الحديث معها حين يعود، فقد لاحظ تغيّرًا واضحًا في حالتها، وصمتها الغريب.


نظر إليها وقال بجدية:

– الحراس هيكونوا في مكانهم، لو احتاجتوا حاجة قولوا لهم فورًا.


ثم وجه كلامه إلى رونزي:

– الكلام ليكي إنتي كمان… خلي بالك من نفسك، ومن إخواتك، ومتتأخريش بره ولو احتاجتي حاجة، الحراس موجودين.


ابتسمت رونزي بسعادة، وشعرت بدفء غريب يملأ قلبها. هذا الرجل وتلك المرأة يعاملانها وكأنها ابنتهما الحقيقية… كم تمنت أن تشعر بهذا الشعور من قبل.


وجهت رونزي حديثها لجيانا قائلة :

– بما إنك أجازة النهاردة… إيه رأيك تيجي معايا المول نختار فستان الخطوبة سوا؟


ابتلعت جيانا غصة حارقة، لكنها قاومت، وابتسمت لها وقالت: – طبعًا يا حبيبتي، أكيد.


رددت تيا بابتسامة:

– خدوني معاكم أنا كمان، معنديش محاضرات، ولسه الشركة اللي هتدرب فيها مردتش عليا، ففاضية خالص


ضحكت روزي وقالت:

– تمام اوي كده يبقى يوم بناتي خاص بينا


قالت جيانا بهدوء وهي تحاول التماسك:

– تمام… ننزل سوا هما يسافروا، واحنا نطلع ع المول


ردد رامي يحاول فتح حوار مع شقيقته:

– طب هتاخديني معاكم… صح؟


ردت عليها والدته حنان ضاحكة:

– بنات خارجين، هتخرج تعمل إيه معاهم يا رامي؟!


ضحكت تيا ثم قالت:

– ماتقلقش… هبقى اخدك معايا عيد ميلاد مي، بعد حوالي أربع أيام عزمتنا كلنا


ابتسم أكمل وقال:

– أنا هروح المكتب أخلص شوية شغل على ما تجهزي الشنط يا حبيبتي


أومأت له حنان بابتسامة هادئة، فغادر المنزل هو و رامي الذي توجه إلى مدرسته، وذهبت حنان لتحضر أغراض السفر.


أما الفتيات، فقد بدأن يخططن بحماس ليوم مليء بالضحك، والتسوق، بينما جيانا تشهر بالقهر.....وتأمل في القليل من النسيان !!!!

...........

بمحافظة القاهرة، في منزل ديما محمد الزيني....

دخلت ديما إلى غرفة والدتها بخطوات مترددة، تحمل في قلبها قلقًا وارتباكًا بسبب ما تنوي التحدث فيه. رفعت زينب عينيها إليها، لاحظت التردد في ملامح ابنتها، فابتسمت لها بحنان وقالت بلطف:

– مالك يا حبيبتي؟ قولي اللي عاوزه تقوليه 


ترددت ديما للحظات ثم قالت، وهي تنتقي كلماتها بحذر:

– ماما... أنا مبقتش صغيرة، وكبرت خلاص، ومن حقي أعرف إجابة السؤال اللي كل مرة أسألهلك بتهربي منه بحجة إني لسه صغيرة.


ارتبكت زينب وقالت بتوتر ملحوظ :

– سؤال إيه؟


نظرت لها ديما مباشرة وقالت بجدية:

– ليه احنا عايشين بعيد؟ ليه بابا ما بيسألش عليا؟ ولا حتى أخويا؟ ليه عيلتي مبتحبنيش؟!


حاولت زينب تدارك الأمر، فابتسمت ابتسامة متوترة وقالت محاولة الكذب:

– مين قالك كده؟ هو بيسأل عليكي... كلمني من كام يوم وسألني لو محتاجة حاجة


ضحكت ديما بسخرية، وهزت رأسها وهي ترد:

– كان ممكن أصدق الكلام ده زمان… وأنا صغيرة، إنما دلوقتي لأ… أنا كبرت يا ماما، ومن حقي أعرف الحقيقة. ليه أنا بعيدة عنهم بالشكل ده؟


تنهدت زينب بحزن، ثم ردّت:

– محتاجاهم ليه؟ أنا معاكي، صدقيني يا بنتي... البُعد عنهم راحة، وإجابات الأسئلة دي هتوجعك… فبلاش تعرفيها.


دمعت عينا ديما، وقالت بصوت مرتجف:

– نفسي أعرف ليه سابني محرومة من حنيته؟ من العز اللي ابنه ومراته عايشين فيه؟ وإحنا مرميين كده؟ أنا ساعات من كتر التفكير دماغي بتروح لحتت تانية...


أجابتها زينب وهي تقاوم دموعها:

– وأنا قصرت معاكي في حاجة؟ اللي بقدر عليه بجيبه ليكي… احنا مش محتاجينهم، والله الغني عن أي قرش منهم.


هزت ديما رأسها بحزن وقالت:

– يا ماما، أنا مش بتكلم عن الفلوس… أنا بتكلم عن الوجع... عن الرفض اللي بحس بيه كل يوم.


عقدت زينب حاجبيها، وقالت بنبرة قاطعة:

– قصر الكلام… الموضوع ده ميتفتحش تاني يا ديما.


وغادرت الغرفة دون أن تترك لابنتها فرصة للرد. كانت تتهرب من ماضٍ تحاول نسيانه، لكنها تعلم جيدًا أن وقته سيعود مهما طال الهروب.


وما إن أغلقت الباب خلفها، حتى أجهشت بالبكاء وقالت بين شهقاتها:

– منك لله يا دولت… إنتي السبب في كل حاجة، عيلة الزيني ما جاش من وراهم غير وجع القلب...


أما ديما، فظلت واقفة بمكانها، تحترق من الداخل… لكن بعينيها ظهر بريق جديد !!!!

لقد نوت على فعل شيء ما… وعزمت أن تنفذه في أقرب وقت !!!!!!!

..........

في شركة حامد صفوان.....

جلس حامد صفوان خلف مكتبه الفخم، يتأمل أوراقًا مبعثرة أمامه، بينما كان مساعده حسين واقفًا ينتظر تعليماته.


حامد بخبث وهو يحدق في الأوراق :

ـ خليك وراها وراقبها، ونفذ اللي قولتلك عليه بالليل ولو رفضت، يبقى تنفذ اللي اتفقنا عليه بكره


حسين بخضوع وهو يهز رأسه:

ـ تحت أمرك يا حامد باشا... بس ممكن سؤال؟


حامد بتأفف:

ـ أنجز !!


سأله حسين بتردد:

ـ اشمعنا عاوزها هي تعمل كده؟ ما ممكن أي حد غيرها ينفذ وتدفع أقل من الفلوس دي بكتير


ضحك حامد بسخرية، ونظر له نظرة احتقار قبل أن يقول :

ـ يا غبي... البت دي مفيش غيرها بيهاجمنا ومخلي العيون تفتح علينا لما فجأة كلامها يتغير وتبدأ تشكر فينا، يبقى أكيد اكتشفت إن إحنا ناس ماشين في السليم... خصوصًا إن البت دي ملهاش في الشمال....فاهم !!!


حسين باقتناع :

ـ فاهم يا باشا


ثم تنحنح قليلًا وكأنه تذكّ شيئًا فقال :

ـ صحيح يا باشا، في واحدة ست سألت عنك امبارح


رفع حامد حاجبه باستغراب وسأله هو الآخر:

ـ ست مين؟


رد عليه حسين بتذكر :

ـ قالت اسمها نعمة !!!!


تجمدت ملامح حامد، واتسعت عيناه بصدمة وقال :

ـ نـعـمــة؟!


سأله حسين بفضول :

ـ انت تعرفها يا باشا؟


نهض حامد من مكانه بسرعة، والغضب يتسلل لصوته وهو يقول بحدة :

ـ وإنت مال أهلك؟ روح شوف شغلك، واعمل اللي قلتلك عليه ولو الست دي جات هنا تاني... مشيها على طول


أومأ له حسين سريعًا وغادر، تاركًا حامد واقفًا أمام الواجهة الزجاجية المطلة على الشارع. أغمض عينيه وهو يتنهد، وصوت ضحكات قديمة يرن في أذنه !!!!


مرر يده على وجهه كمن يحاول محو ذكرى قديمة، ثم عاد إلى مكتبه ليباشر عمله، لكنه لم يستطع طرد اسم "نعمة" من رأسه...

الاسم الذي يحمل بين طياته قصة لا تنسى وجراح لا تلتئم !!

.........

في قصر الزيني

كان محمد جالسًا في قاعة استقبال القصر، أمام والده صلاح الزيني، الذي كان يصرخ فيه بغضب شديد، وقد فقد صبره تمامًا :

ـ بنتك عنوانها فين يا محمد؟


رد عليه محمد بتوتر :

ـ مش عارف... آخر مرة زينب بعتتهولي واديته لحضرتك.


صرخ عليه صلاح منفعلًا :

ـ ده إيه البرود اللي انت فيه ده؟! الظاهر إن عيشتك مع دولت هانم بهتت عليك ببرودها وجمود قلبها، يعني إيه أروح البيت ألاقيهم سايبينه من كام سنة؟! أومال الفلوس اللي كانت بتتبعت كل شهر بتروح لمين؟!


رد عليه محمد وهو يحاول التبرير :

ـ كنت بخلي دولت تبعتها


صلاح بغضب واندهاش :

ـ دولت؟! دولت اللي مش طايقة لا زينب ولا بنتك؟! واللي زمان خيرتك بينها وبين زينب؟! هتهتم وتبعتلهم فلوس؟! دي أكيد كانت عارفة إنهم سابوا البيت وسكتت !!!


رد عليه محمد بتنهيدة ضيق :

ـ بابا لو سمحت... وبعدين أنا كنت مفكر إن حضرتك اللي بتتابعهم


صرخ عليه صلاح بانفعال أشد :

ـ مفكر؟! ده عذر أقبح من ذنب! دي بنتك يا محمد، افهم بقى! خليك راجل مرة واحدة، واقف قصاد مراتك، مش هتفضل هي اللي ممشياك طول عمرك


محمد بضيق :

ـ بابا... من فضلك


صلاح وهو يشير له بغضب :

ـ غور من وشي... ده إنت تسد النفس... جتك البلا


دفعه بيده بغضب، وغادر المجلس متوجهًا إلى غرفته، أغلق الباب خلفه بعنف، ثم جلس على طرف السرير يلوم نفسه أكثر مما يلوم ابنه !!!!


مد يده للهاتف واتصل بأحد رجاله، وصوته يحمل نبرة أمر لا نقاش فيه :

ـ عايز البنت دي تكون عندي... ديما محمد الزيني دوروا عليها في كل مكان... ما تسبوش حتة إلا لما تفتشوا فيها 


أنهى المكالمة، ثم تنهد بحزن يشعر بالندم ينهش قلبه !!!

........

مر الوقت سريعًا، وبعد أن أوصلت جيانا ورونزي وتيا كلًا من أكمل وحنان إلى السيارة التي ستقلهما إلى محافظة الشرقية، توجهت الفتيات الثلاث مباشرة إلى أحد المولات الكبرى لشراء فستان الخطوبة الخاص برونزي 


داخل متجر أزياء راقٍ...

وقفت الفتيات أمام أحد الفساتين المعروضة، وكان ملفتًا للأنظار بجمال تصميمه ورقّة لونه، حتى أن الثلاثة أبدين إعجابهن به في نفس اللحظة.


رددت تيا بابتسامة إعجاب :

ـ الفستان ده جميل جدًا، ولونه هيليق عليكي اوي يا رونزي.


رونزي وهي تحدق به بإعجاب :

ـ فعلًا حلو جدًا… وعجبني أوي


رددت جيانا بابتسامة وهي تبتلع غصة مريرة بحلقها :

ـ هيبقى تحفة عليكي


رونزي بحماس :

ـ خلاص… هاخده


ثم التفتت إلى جيانا بابتسامة ماكرة وقالت :

ـ جيجي، ممكن أطلب منك طلب… بس توعديني توافقي عليه؟


رددت جيانا بتساؤل حذر :

ـ طلب إيه؟


رونزي بحماس واضح:

ـ الفستان الأحمر ده هيجنن عليكي… ممكن تحضري بيه خطوبتي؟ وبالمرة، أنا ناوية النهارده أغير اللوك بتاعك كله


جيانا بسرعة ونفي :

ـ إنسي! وبعدين أنا مرتاحة في لبسي كده


رددت تيا بهدوء محاولة إقناعها :

ـ جيجي، غيري شوية… مش لازم تغيري كل حاجة، في لبس كاجوال بس رقيق وبناتي برده


أيدت رونزي كلام تيا، وبدأتا في الإلحاح عليها بشكل لطيف، حتى ضحكت جيانا باستسلام :

ـ خلاص موافقة… بس بلاش حاجات تكون أوڤر


صفقت رونزي وتيا بفرح وضربتا كفيهما ببعض بحماس، وانطلقت الفتيات في جولة تسوق ممتعة، اشترين العديد من القطع والملابس، ثم دخلن إلى أحد صالونات التجميل الراقية


وبعد بعض الوقت، خرجت جيانا من غرفة تبديل الملابس، مرتدية الزي الذي اختارته رونزي لها، وقد بدت مختلفة كليًا عن المعتاد !!!!


رونزي وهي تطلق صفيرًا بإعجاب :

ـ وااااو.... يا لهوي على القمر ده 


تيا وهي تصفق بحماس هي الأخرى :

ـ جيجي مش معقول… شكلك يجنن


وقفت جيانا أمام المرآة، تتمعن في شكلها الجديد، كانت مختلفة... ولكن جميلة ابتسمت، وهي تحاول أن تقنع نفسها أن لا بأس من بعض التغيير... ولو ليوم واحد فقط !!!!


بإعجاب شديد، قالت رونزي وهي تنظر لجيانا:

ـ يخرب عقلك… مخبية الجمال ده كله فين؟!


جيانا بإحراج وخجل واضح:

ـ أحم… بلاش مبالغة يعني، وبعدين اتأخرنا خلينا نروح، هدخل أغير الفستان.


رونزي بسرعة وهي تمسك يدها:

ـ والله أبدًا هتروحي كده بالجمال ده


ضحكت تيا، ثم قالت بهدوء وبابتسامة دافئة:

ـ وهتبقي أحلى وأحلى لو لبستي الحجاب


ابتسمت جيانا في صمت…

لم تُعلق، لكنها شعرت بوخزة في قلبها، لا ترفض الفكرة، بل تتردد… تصلي وتحاول جاهدة أن تكون أقرب إلى الله، لكنها لا تشعر أنها جاهزة بعد لتلك الخطوة الكبيرة تمتمت في سرها:

ـ يا رب، اهديني لما تحب وترضى


خرجت الفتيات من صالون التجميل، وعادوا إلى المنزل. وما إن دخلن، حتى توقفت جيانا وتيا فجأة، واتسعت أعينهما بشدة مما رأوه أمامهما...!!!!!!

.

.

.

وفي الأسفل، كانت سيارة فريد قد توقفت أمام الفيلا،

فريد لم يحتمل تجاهل رونزي لمكالماته الكثيرة، وقرر أن يأتي لرؤيتها، مستغلًا خروجه مع ابن عمه من العمل.....فقط ليرى جيانا !!!!!


أيهم بتأفف وضيق:

ـ أنجز يا عم خلينا نغور في أي داهية، أنا أصلًا مش طايقك، ولا طايق نفسي.


رد عليه فريد بضيق :

ـ اهدى على نفسك 


أيهم وهو ينظر له باستغراب :

ـ والله ما أنا فاهمك، ما دام إنت هتموت عليها كده ونفسك تشوفها… مكمل في أم الجوازة دي ليه؟! سيب رونزي.....واتجوزها !!!


نظر له فريد بسخرية، وكأن الأمر بسيط وكأنه لم يشهد على ما حدث بالماضي......هل هي ستقبل به من الأساس !!!!


تنهد بعمق ثم قال وهو يفتح باب السيارة:

ـ بلاش رغي كتير… يلا بينا


حرك أيهم رأسه بضيق، ونزلا معًا، صعدا درجات السلم حتى وصلا إلى باب الشقة، ليجداه مفتوحًا !!!!!!


تبادلا نظرة حذرة، ثم دخلا ببطء…

وما إن تخطوا عتبة الباب، حتى اتسعت أعين فريد من شدة الصدمة !!!!!!!

__________


البارت خلص 🩷

رأيكم يا حلووووين

القادم أقوى.....💪🏻🩷✨

تفاااعل حلو❤



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



تعليقات

التنقل السريع
    close