القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حين يزهر القلب الحلقه الثانيه بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 رواية حين يزهر القلب الحلقه الثانيه بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية حين يزهر القلب الحلقه الثانيه بقلم الكاتبه نسرين بلعجيلي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


الحلقة الثانية: صباح باريس

جلس كريم قبالتها، والجو في الكافيه بدأ يزدحم أكتر. أصوات فناجين القهوة تتخبط، والجرسونات يتحركون بخفة بين الطاولات.

لكن وسط الضوضاء، ليلى كانت حاسة إن المكان كله اتسكت… كأن وجوده قدامها عامل مساحة هدوء تخصّهم بس.


– "تحبي باريس؟" سألها كريم وهو يحرّك الملعقة في فنجانه.


ليلى ابتسمت:

– "المدينة جميلة… بس فيها رهبة. كل شارع بيحكي حكاية، وكل بناية تحسها شايلة تاريخ مش مفهوم."


– "صح. يمكن عشان كده اخترت أعيش هنا. باريس بتخليك تعيد اكتشاف نفسك."


سكتت لحظة، ثم قالت:

– "أنا مش غريبة عن السفر، لكن باريس مختلفة… محتاجة حد يعرفك إزاي تتعامل معاها."


– "طيب… خليني أكون دليلك."


ضحكت بخفة، محاولة تخفي ارتباكها:

– "أنا جاية هنا للشغل، مش سياحة."


– "وأنا ما قلتش حاجة عن سياحة. أتكلم عن إنك تشوفي المدينة بعين مختلفة… بعيد عن ضغط الشغل."


بين رشفة قهوة وأخرى، بدأت الحكايات تتفتح.

ليلى حكت عن شغلها، عن الموديلات اللي جابتها، عن مسؤولية إنها تحل مكان بنت المدير في آخر لحظة.

حكت كمان عن أمها المريضة اللي سابتها في بلدها، وعن إحساسها بالذنب وهي بعيدة.


كريم كان بيسمع بانتباه، مش بيقاطع، بس أحيانًا عينيه تقول كل حاجة.

قال:

– "إنتي ست قوية… واضح إنك شلتي كتير على كتفك."


ارتبكت ليلى:

– "أنا بعمل اللي لازم أعمله… مش شايفة نفسي قوية."


– "القوة مش في إنك ما تتأثريش… القوة إنك توقفي على رجلك رغم التعب."


سكتت ليلى، وكلماته خلّت قلبها يخبط أسرع.


بعد وقت طويل، قامت ليلى:

– "لازم أرجع الأوتيل… عندي مواعيد مع دار الأزياء."


وقف كريم معها، دفع الحساب ببساطة، وخرجوا سوا من الكافيه.

في الشارع، ضوء الشمس كان بينعكس على زجاج المحلات. لحظة صمت غريبة وقفت بينهم، كأن في حاجة عايزة تتقال بس مش دلوقتي.


قال كريم:

– "ممكن أشوفك تاني قبل ما تسافري؟"


ليلى ترددت، ثم قالت بابتسامة خفيفة:

– "لو باريس سمحت."


ومشت بخطوات بطيئة، حسّت عينيه لسه وراها… كأنها شايلة معاها جزء من وجوده.


ليلى صحيت من النوم على صوت عصافير صغيرة وقفت فوق الشرفة، مع ضوء ذهبي خفيف يتسلل من بين الستائر.

فتحت عينيها ببطء، أخذت نفسًا عميقًا، وحسّت إن اليوم مختلف، كأنه يوم ميلاد جديد.


افتكرت مواعيدها المهمة مع دار الأزياء: هي جاية هنا مش كسائحة، لكن كسفيرة ثقة. مديرة الشركة اعتمدت عليها لتحل مكان ابنتها اللي تعبت فجأة. ده يوم مهم جدًا… لكن اللي مميز إن قلبها بيقول لها: مش بس شغل، ده بداية حياة جديدة.


نهضت من السرير، قدماها لمستا السجادة الناعمة على الأرضية الخشبية المصقولة. التفتت حولها لتستوعب مكانها: أوتيل Hôtel Pullman Tour Eiffel. غرفة فاخرة بإطلالة مباشرة على برج إيفل، منظر يقطع النفس. أضواء البرج كانت ما زالت تتلألأ مع بقايا الليل، وكأنها نجوم سقطت على الأرض.


دخلت الحمام، فتحت الدوش، وتركت المياه الدافئة تنساب على جسدها. حسّت كأنها بتغسل مش بس تعب السفر، لكن كمان وجع السنين اللي فاتت.

غسلت شعرها الطويل، نشّفته برفق، ثم صففته ببطء. وقفت قدام المرآة، لمست بشرتها اللي بقت أفتح وأصفى بعد العناية، حاجباها متناسقان، ومكياجها بسيط لكنه راقٍ.


خرجت إلى الشرفة. الهواء الباريسي كان عليلًا، يلاعب خصلات شعرها، والشمس الصباحية بتعانق برج إيفل اللي واقف شامخ قدامها.

مدّت يديها للسماء وأغمضت عينيها، وهمست:


"الحمد لله… أنا عايشة طاقة حلوة، طاقة وفرة. أوتيل ما كنت أحلم إني أحجزه. أنا هنا… وبشوف قدامي أجمل مشهد في العالم. الحمد لله على النعم اللي في حياتي: الصحة، القدرة، الفرص… وعلى إنك يا رب ما سبتنيش."


كانت لحظة تأمل صافية. قلبها بقى مليان دفء ورضا، وكأنها لأول مرة تحس إنها بالفعل "تستحق" تكون في مكان زي ده.


ابتسمت ليلى لنفسها وقالت بهمس:


"أنا لازم أتعلم أقول لنفسي: أنا أستحق. الاستحقاق مش غرور… ده إيمان إن ربنا خلقني أستاهل الخير والسعادة. لما أمتن على اللي عندي وأحلم أكتر… الأبواب هتتفتح قدامي."


لكن وسط صفاء اللحظة، خطر ببالها كريم.

ابتسمت بخفة، ثم هزّت رأسها:

– "بس لأ… ما ينفعش يكون حب. إحنا لسه متعرفناش كويس."


رجعت الفكرة تاني تهمس لها:

– "طب ليه لأ؟"


جلست على الكرسي في الشرفة، تفكر. هو مدير تنفيذي، رجل منصب ونجاح. وهي موظفة بسيطة، جاية في مهمة محدودة. فرق مستويات… فرق حياة.


وقفت من جديد قدام المرآة، نظرت لعينيها بثبات، وقالت بحزم:


"أنا أستحق الحب. أستحق الراحة. أستحق كل حاجة حلوة في الحياة. مش مهم مين هو، المهم إني مؤمنة إني أستحق."


اختارت فستانًا أنيقًا بسيطًا، لا مبالغ فيه ولا عادي جدًا. ارتدت حذاءً بكعب عالٍ، ورشّت لمسة من عطرها المفضل. أمسكت حقيبتها ووقفت عند الباب.

قبل أن تغادر، التفتت لبرج إيفل مرة أخيرة، ابتسمت، وقالت لنفسها:


"أنا داخلة يومي بطاقة جديدة… وأياً كان اللي هيحصل، أنا واثقة إن ربنا كاتب لي الخير."


خرجت من الغرفة، خطواتها ثابتة، قلبها ممتلئ بالأمل.


---


أما عند كريم


في شقته الباريسية الهادئة، جلس كريم على الكرسي الجلدي أمام الشرفة المفتوحة. دخان قهوته الصباحية كان يتصاعد في الهواء البارد، لكن فكره بعيد تمامًا عن الكوب.


منذ أن لمحها في الطائرة، لم تفارق ذهنه.

إيه اللي شدني فيها بالشكل ده؟

هو نفسه مش لاقي إجابة واضحة. بقاله سنين طويلة ما اهتمش بأي امرأة… حتى لما يقابل وجوه جميلة في مؤتمرات أو حفلات، كان يشوفهم زي صور عابرة، ألوان من غير روح.


لكن ليلى… كانت مختلفة.


عيونها أول ما شافها حسّ بيها زي "مفتاح" فتح جوه قلبه باب كان مقفول من زمان. مش عيون جميلة وبس، لكن عيون صريحة، فيها شجن وتجارب، ومع ذلك فيها لمعة طفلة صغيرة لسه عندها فضول للحياة.


ابتسم لنفسه وهو يتذكر ضحكتها الخفيفة في الكافيه.

هي مش عارفة قد إيه ضحكتها كسرت حاجز جوايا.


كان شايفها "طفلة في جسد امرأة كاملة الأنوثة".

براءتها طالعة من صدقها… وأنوثتها واضحة في كل حركة، من طريقة مسكها لفنجان القهوة، لابتسامة خجلها، لنعومة صوتها.


اللي عجبه فيها مش إنها حاولت تبهره… بالعكس، هي ما حاولتش تثبت أي شيء.

كانت بتتكلم ببساطة عن شغلها، عن حياتها، كأنها واثقة إن قيمتها مش محتاجة زينة.


يمكن ده السبب إني ارتحتلها…

لأنه طول عمره كان يقابل ناس لابسين أقنعة: نساء يحاولوا يلفتوا النظر بمظاهر أو كلمات فارغة. لكن ليلى… كانت حقيقية.


أسند رأسه على ظهر الكرسي، وزفر تنهيدة عميقة.

فيها حاجة مش قادرة أوصفها… حاجة بتسحبني ليها من غير ما أقاوم.


جلس كريم يتأمل فنجان القهوة اللي برد من غير ما يلمسه، وحاجباه معقودان في تفكير طويل.

هو إيه اللي بيحصلي؟ أنا مش من النوع اللي يفتن بسرعة…


أخذ نفسًا عميقًا، وهز رأسه كأنه بيحاول يطرد الفكرة:

يمكن لأني قابلتها في ظرف استثنائي… الطيارة، التعب، الزحمة. يمكن عشان أنا بقى لي فترة طويلة وحيد… دماغي بتلعب بيا.


حاول يقنع نفسه إن اللي حسه مش أكتر من وهم.

– "مجرد امرأة عابرة… بكرة هتختفي من حياتي زي غيرها."


لكن قلبه ما سكتش. صور ابتسامتها رجعت قدامه، نبرة صوتها لما حكت عن أمها المريضة، لمعة عينيها وهي بتبص للشارع من شباك الكافيه.

كل التفاصيل الصغيرة دي حفرت جوه دماغه.


غريبة… ليه حسّيتها مألوفة؟ ليه حسّيت إن بيني وبينها خيط أمان؟


وقف من مكانه، راح للشرفة المطلة على شوارع باريس، بص للناس وهي ماشية، وحاول يقنع نفسه:

– "أنا راجل ناضج… مش هسمح لمجرد صدفة تهزّني."


لكن في أعماقه، كان عارف… إن اللي شافه في عيون ليلى مش صدفة عابرة، حتى لو حاول يهرب من الاعتراف بيه.


هو إيه اللي بيحصل لليلى وكريم؟

هل طبيعي إن قلبين يتقابلوا بالصدفة… ويتهزّوا بالشكل ده؟

هل ممكن انجذاب يتولد من نظرة، من ابتسامة، من كلمة عابرة؟


الناس تقول إن الحب محتاج وقت… محتاج حكايات طويلة وتفاصيل عميقة.

لكن أحيانًا، في لحظة واحدة، تلاقي روحك بتتعرف على روح تانية كأنها عايشاها من قبل.

مش محتاجين شهور ولا سنين… محتاجين صدق اللحظة.


يمكن اللي بينهم مش حب بعد… لكنه انجذاب ناضج، مش طيش شباب ولا اندفاع مؤقت.

ده شعور مختلف، فيه حنان ودفء، وفيه رهبة كمان.

كريم، بعد خمسين سنة من الوحدة والتجارب، وليلى بعد أربعين سنة من التعب والخذلان… الاتنين حسّوا إن في باب اتفتح.


فهل دي صدفة؟ ولا رسالة من القدر إن القلوب مهما كبرت أو تعبت… تقدر تزهر من جديد؟



الحلقه الثالثه من هنا



بداية الرواية من هنا



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



تعليقات

التنقل السريع
    close