القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية غزاله في صحراء الذئاب الفصل الحادى عشر حتى الفصل العشرون بقلم الكاتبه رحمه سيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 رواية غزاله في صحراء الذئاب الفصل الحادى عشر حتى الفصل العشرون بقلم الكاتبه رحمه سيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية غزاله في صحراء الذئاب الفصل الحادى عشر حتى الفصل العشرون بقلم الكاتبه رحمه سيد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


نظـر له الأخـر بعـدم تصديـق، سيجلـب الفريسـة له ويُقسمها مع غيره .. ! 

ومن قدم له هذه الفرصة من ذهب ؟! .. الأبلـه الذى يُدعي إبن خالتهـا .. 

نظـر له بهدوء ثم قـال بصوت أجش :

_ لا يا عم مليش ف الحرام 

رفـع "الشبح" حاجبه الأيسر وتابع متهكمًا :

_ لا يا راجل، امال ليك ف أية ؟ 

كـيف له أن يُطـبق شريعـة على شخـص حياته كالماء يطفـو فيه .. الحـرام فقط ! 

مصمص شفتيـه وهو يقول بحنق :

_ الحلال .. الحلال بس يا صاحبي 

رمقه الأخر بريبة وهو يسأله :

_ مصاحبنى لية وأنت عارف إن عيشتى كلها حرام ! 

تنهـد وهو يقول بهدوء حذر :

_ المثل بيقولك أعرف صاحبك وعلم عليه

زمجـر فيه غاضبًا :

_ أنت عايز يعنى أنت دلوقتِ ؟

رفـع كتفيه وهو يردف بلامبالاة :

_ ولا حاجة، حبيت أنصحك، وبعدين أفرض البت دى متجوزة أو مخطوبة ، تفتكر لو عرفوا إن حد فبرك صورها كدة هيسكت ؟! 

لم يرد عليه وإنمـا نظر على الجهـاز، وإن كان كلامه صحيح، ولكن السبيل الأصح بالنسبة له هو متعة نفسه فقط !! 

نظر له مرة اخرى وهو يتشدق بــ :

_ مش مهم، مش هيقدروا يعملوا حاجة 

ثقتـه الزائـده بنفسه هي من تقلقـه، يختـار الجـزء الذى يرغبـه فقط في حياتـه، ويُعتـم الجزء الذى يخبره أنه بشـر يتأثر كما يُؤثـر، وبهدوء حذر قال الاخر :

_ أنت حـر، بس أنا برة اللعبة دى 

زم شفتيه متهكمًا :

_ جبــان 

_ مش جبـان بس بخاف ربنا 

قالها وهو يتجـه للخارج بهدوء، ليتابـع هو بحنـق :

_ على الله بس محدش يعرف هاا 

 نظـر له من فوق كتفيـه نظرة غامضة لم تريحـه، ليهتف بجدية :

_ سلام يا .. يا غريب 

سيفسـد كل شيئ وأنتهي الأمـر، إن ناداه بأسمه الحقيقـي فهذا يعـد كتحذير لجدية الموقـف، وسقطـت كل محصناتـه أمام هجوم صديقه الوحيـد، فهو مؤمن لحد كبير بهذه الجملة .. 

" خاف من صديقـك .. ولا تخف من عدوك" 


                           ********


لكل فعل رد فعـل، لكل تهديـد ذعر وخوف ورهبـة .. كلماتـه لم يذهب مفعولها هباءً، وإنمـا عملتها مراحل الرعب مرحلة مرحلة، ولم يغلـب هو في كشفـه، فقد كان يلمع بوضوح في حدقتاها، وأين ذهـبت شجاعتها تلك ؟!

مع أهداب الرياح .. زجتهـا نحو حافة الدمار وتركتهـا وحيـدة بين براثن شخص لا يرى سوى بريق .. الأنتقـام !! 

كست نبراتها الذعر وهي تسأله :

_ أنت عايز مني اية ؟ 

تقـوس فمه بابتسامة ساخرة ارادت اختلاعها من ثغره، ليقول بعبث :

_ هكون عايز منك إية يعنى ؟ 

وكأنه يعيد عليها نفس السؤال لتتخبط في حيرتهـا أكثـر، وبأعين اُرهـقت من كثرة الدموع التى باتت سخونيتها تقليدية عليها أردفـت متوسلة :

_ لو سمحـت .. كفاية أنا تعبـت، أنا بتعاقب على حاجة ماعملتهاش، بشيل ذنب مليش يـد فيه والله حرام ! 

لمَ يلتمـس الصدق في نبراتهـا ؟! .. لمَ يستشعـر حزنهـا وآلامها كالمرأة المعكوسة أمامـه ؟! لمَ يجتاحه شعور بالشفقة نحوها !!

تغاضـي عن كل هذا وهو يتابع ببرود :

_ منا قولت لك قضاء وقـدر 

لم تـرد، نعم الصمت أفضل حل الأن، الصمت هو الذى لن يزيد الوضع سوءً .. ؟

أمرهـا بصوت جـاد :

_ قومي 

قالت متساءلة بتوجـس :

_ هنروح فين ؟ 

جذبهـا من مرفقهـا بقوة وهو يستطرد بنزق :

_ هتعرفي، بطلي أسئلة كتير ! 

تأففت متابعـة :

_ أمال أمشي وراك زى الحمارة كدة !!؟ 

هـز رأسه نافيًا ثم أجابها بسماجـة :

_ تؤ تؤ، امشـي ورايا زى أى زوجة مطيعة

كان لكلماتـه أثر واضـح عليها، ذكرتهـا لما هي فيه .. بوضعهـا، واخيرًا .. بأنها زوجـته ... !! وآه من تلك الحـروف التى قيدتهـا بحبال تخنقها مع الوقـت ! 

 لم تـرد فقـال هو بغموض :

_ هنروح شقتـي، وإياكِ تعملى شوشرة 

وايضًا لم تـرد، وكأنها تعاهدت أن تصمت، يكفيها إهانـات وألم !! 

إستقلا سيارتـه وعينيها تجـوب المكـان، وكأنها تسأله بحيرة " أين أنـا ؟ "

ولكن الإجابـة من " مراد " الذى إستشف حيرتها :

_ مش هتعرفِ أحنا فين، ريحِ نفسك 

بعد فتـرة الاثنـان فيها صامتـان .. نسمـات الهواء المشحونـة تعبر عن حالة التوتـر فقط.. وصلا امام منزله، منطقـة هادئـة بعض الشيئ، ليست بواسعة الثراء وليست بمنطقة للفقـراء .. 

ترجـلت من السيـارة وهي تسير بجـواره، لا تعرف الخـوف أم التوتر يأكلها،!! 

دلـفـا إلي البناية تحت أنظـار حارس العمارة، الذى رحب بمـراد مسرعًا :

_ أهلاً أهلاً مراد باشا 

اومـأ "مراد" بهدوء ثم أكمل سيـره بجوار خلود حتى وصلا أمام المنزل، أخرج المفتاح من جيبه ثم فتح بهدوء، أشـار للداخل قائلاً بسخرية :

_ خشي برجلك اليمين يا عروسة !

لم تعيـره أدني أهتمام وهي تدلـف بهدوء، أنتبهت لغلقـه للباب فقال هو بحـدة جدت عليها الأن :

_ هتقعـدى ف الأوضة دى 

قالها وهو يشير لأحدى الغرف الصغيـرة، وفجأة أقتـرب منها، وقربـه ما أسوءه.. يجعل الدمـاء تفر هربًا منها وقلبها يعلن خضوعـه بين جنباته مرتعدًا .. !

فهتفت هي بقلق :

_ لو سمحـت أبعد كدة 

ظـل ينظـر لحلكتيهـا اللامعـة، تجتاحـه رغبـة في الأقتـراب منها لمجرد ذعرها فقط !! 

وإن كـانت رغبتـه غريبة بعض الشيئ، تنتشـر بداخله أكثر مع كل دقيقة تمر ! 

همس بقـوة غريبة اجتاحته :

_ مش هقرب لك دلوقتِ لإني مليش مزاج ليكِ دلوقتِ 

وبنظـرة تمحصتها من رأسها لأمحص قدميهـا.. ونظـرة جعلتها تلعـن إستسلامها لذاك القـدر وقدومها معه قال متهكمًا :

_ بس وقت ما أحـب .. هاخد حقوقي كـزوج !

إتسعـت حدقتا عينيها من إعترافه الصريح والوقـح !! لا يخجـل .. لا يتردد .. يعلنها صريحـة دون أن يغلفها ببعض الغموض حتى !! .. أصبحت وكأنهـا في حفرة عميقـة تود إبتلاعها دون تردد .. 

لم ترد على تصريحـه وأستطردت بتوجس :

_ طب وآآ وأهلي ؟

سألها دون تردد بجدية :

_ مالهم أهلك 

نظرت له متابعة بحـزن توغل نبرتها :

_ أكيد هيستغربوا غيابي، ومش بعيـد يبلغوا الشرطـة 

قهقه بسخريـة، كل محاولاتها للحماية منه لا تجـدى نفعًا، تحتمي منه بشيئ يخترقه بسهولة ! 

أستغربت هي من ضحكه فسألته بضيق :

_ بتضحك على أية ؟ 

رفـع كتفيـه وهو يقول بلامبالاة :

_ البوليس ميقدرش يعمل لى حاجة 

وقـف أمامهـا تمامًا ليظهر فارق الطـول بينهمـا، ثم همس بما أزهلها للحظات :

_ مينفعش يروحوا يشتكـوا من الشرطة للشرطة !!! 


                           ********


كـانـت كما هي، تنظـر لهم بغيظ لم يشفي بعد، وبنظرات ملؤوها الكره ليحيى، يحيى الذى كاد يفقـد عقله أمام هـول كلماتهـا، يحيى الذى صدمـه الواقع وحتم عليه خسارتهـا فجأةً وابدًا !! 

عينـاه مهددة بأنـدلاع ثورة حارقة ستحرق من أمامها حتمًا، ووالدتها ... 

والدتها التى كانـت تقف مذهولة للحظات، الذئاب تود الإنقضاض على فريستهم التى كانت تحتضنها هي لتحميها !!

واخيـرًا هتف يحيى بغضب جامح :

_ يعنى أية هتبقي ليه ومعاه ! 

رفعت كتفيها ببرود متعمده إحراقه أكثر :

_ يعنى زى ما سمعت يا يحيى

أقتـرب منها يصيح فيها بحدة إعتادتها منه :

_ لأ ماسمعتش ومش هسمع، أنتِ هتبقي ليا أنا بس، سواء برضاكِ أو غصب عنك 

رفعـت حاجبها الأيسر متهكمة :

_ فعلاً ؟

سينفجـر بوجهها من يمنعه عنها حتمًا إن ظلـت هكذا، زجرها بعنف قائلاً :

_ بطلي برودك ده بقا 

زالت قنـاع البرود وظهر إحتقان وجهها وهى تبعد يده بقوة كالوباء وتردف :

_ أوعي تفكر إني حباه هو كمان، لأ خالص أنا كرهاكم أنتم الاتنين، بس المضطر يركب الصعب زى ما بيقولوا، أنا بين ناريـن، إما النار دى او دى، وللأسف أنا هختار ناره هو 

ثم سألته بنبره أشبه للصراخ :

_ عارف لية ؟ 

لم يرد عليها بالطبع .. أين لسانه ليرد عليها من الأساس !! لقد لجمته الصدمة وقيدته من شراسة القطة التى كان يعتقدها ستظل خاضعة مهما حدث !! 

تابعت هي والألم يزحـف لنبرتها رويدًا رويدًا :

_ لإني لسة مشوفتش منه حاجة وحشة، لكن للأسف انت شوفت منك كل الوحش 

هنا هتفت والدتها بعد طول صمت مسرعة :

_ طب يلا نسافر 

عقدت شمس حاجبيها متساءلة ببلاهة :

_ نسافر فين ؟!!! 

قالت مسرعة :

_ نسافر البلد، هناك محدش يعرفنا، ومش هيقدر يوصلنا الباشا ده او غيره 

هـزت رأسها نافية وهي تغمغم بحزن :

_ وبابا !! 

أجابتهـا بهدوء حذر :

_ أبوكِ اساسًا ف السجن ومش بنشوفه غير كل فين وفين، لكن أنتِ دلوقتِ مستقبلك أهم 

هـزت رأسها نافيـة وهتفت بإصرار :

_ لأ مستحيل أسافر وأسيب بابا هنا وهو ممكن يأذيـه 

ثم أبتسمت بسخرية :

_ وأنا اصلاً مستقبلي ضايع خلاص 

ماذا عساها أن تفعل ؟! .. طالما رأت تلك اللمعة اللعينة في عينيها فهي لن تفعـل !

 وهنا نطـق يحيى بجدية :

_ انا اصلاً مستحيل أخليكم تمشوا، إما اسافر معاكم 

قالت شمس بضيق يشوبه السخرية :

_ اهو شوفتي .. قولت لك متعقدة من كل حته ومش هنعرف نهرب من الديابة دى

رفعـت إصبعها مشيرة في وجه يحيى :

_ بس تاكد أنى عمرى ما هكون ليك، وهعافر بكل جهدى لإني مبقاش لغيرك بردو !! .. والبركة فيكم كرهتوني في صنف الرجالة كله 

زمجرت فيها والدتها بغضب :

_ بس يا شمس أسكتِ، لو مش هنسافر يبقي هتتجوزى يحيى 

جحظـت عيناها، وكأنها ما زالت لم تتخيل تصرفـات والدتها التى تدفعها للجنون !!

ثم غمغمت :

_ أنتِ بتسكتينى أنا يا امي، بدل ما تقوليله بنتي مش حته اوضة هتشوفوا مين اللي هياخدها 

صمت والدتها .. والصمت يجعلها تثـور وتثـور، وإن كان الغضب له رائحة لكانوا اشتموا رائحـة الحريق بداخلها ! 

ضربت والدتها كف بـكف وهي تلعن نفسها بضيق :

_ ياريتني كنت قبلت عرضه وبعت له الشقة، ياريتنى سمعت كلامـه 

نهرتها شمس بحنق :

_ وأنا كنت مستحيل أخليكِ تعملى كدة 

تأفف يحيى قبل أن يحذرها بحدة :

_ بلاش تلعبي معايا يا شمس عشان هتندمى 

عقـدت ساعديها وقالت ببرود :

_ انا بحب أنـدم ملكش دعوة 

هز رأسه وقال بتوعد شرس :

_ ماشي يا شمس ماشي بس إفتكرى إني حذرتك 

اومـأت بلامبالاة، لم تكن تعلم نوايا ذاك الشخص الذى سيوديها للجحيم حتمًا.. في حين إنطلق هو للخارج والشياطين تتقافـز أمامه .. 


                             ********


_ يعني أية مخدتيش بالك يا زينة ؟؟؟! 

قالها مالك الذى كان وجهه محتقـن، وعينـاه توحي بكم غضبه اللانهائى، وهو يدب على الحائط أمام الغرفة التى ترقد فيها والدتـه، وزينة لم تكـف عن البكـاء والنحيب، لا تعرف تبكِ حزنًا على والدتها أو حزنًا على السبب الذى جعلها تفعل ذلك في والدتها الحبيبة !! 

وما اغضبه بحق وجعل الدماء تتصاعد في أوردته هو هذيانها وعدم إجابتها على اسئلته .. 

أقتـرب منها يسألها مرة اخرى بصياح :

_ إنطقي قولى أية اللي حصل ؟ 

أجابته من بين شهقاتها بنفس الأجابة التى تثير جنونه :

_ قولتلك معرفش يا مالك معرفش 

جـز على أسنانه بغيظ مكبـوت ثم قال حادًا :

_ يعنى متعرفيش وأية اللي عمل في الڤيلا كدة ؟ 

_ يووه يا مالك أسكت بقا 

قالتها وهي تنظـر للجهه الأخرى بقلق، إن علم مالك سينهـدم كل شيئ فوق رأسها، ولكن الغاية تبرر الوسيلة .. 

ولكن غايتها في المخدرات لا تبرر إيذاؤوها لوالدتهـا هكذا !!؟ 

نظـر لها مالك بتوعد وهمس :

_ بس قسمًا بالله لو عرفت إنك السبب ف اى حاجة يا زينة ما هسكـت وهنسي إنك أختي 

نظـر له بصدمـة .. وتناسـت تمامًا ما كانت تخشـاه وهي تصيح فيه :

_ ماتلومنيش اصلاً وانت السبب 

برقـت عيناه وإحتـدت وهو يسألها بتوجس :

_ انا السبب لية ؟؟ 

لم تـرد فزمجـر فيها عاليًا :

_ انا السبب لية يا زينة انطقي ؟ 

زفـرت قبل أن تجيبه بصوت أعلى منه متناسيه كل شيئ.. كل شيئ سيدمرها هى اولاً :

_ ايوة انت السبب لأنه عايز ينتقم لأخته منك ف بيردهالك فيا انا !! 

سألها مرة اخرى بملامح واجمة :

_ اخته مين ويردهالي ازاى !! 

اجابته متهكمة :

_ اخته الي انت وهمتها بالحب وإنتحـرت بسببك 

هـز رأسه نافيًا بصدمة، غفلت عن عقله تلك التى تقول .. 

" كما تديـن تـدان " 

وكانه القاضي يسأل فقط فسألها بتوجس :

_ عمل فيكِ حاجة يا زينة ؟؟ 

لم ترد .. صمتت ونظرت للأرضية بسكون غريب أثار جميع معانى الخوف في قلبه الجامد ولأول مرة .. 


                            ********  


في السجـن كـان صابر ممدًا على فراشـه، ملامحه اصبحـت واجمة وذابلـة، وقد تكونت الهالات السوداء تحت عينـاه، كان يتنفس بصعوبة شديدة، يضع يده على جسده الذى أصبح هزيل بسبب تضاعف المرض عليه وامامـه احدى الرجـال ينظـر له بهدوء وهو يلتقط أنفاسـه الأخيـرة، حاول صابر الحديث بصعوبة وقال :

_ حمدى 

اجابه المدعو بحمدى مسرعًا :

_ اهدى يا عم صابر عشان ماتتعبش أكتر 

تنـفس بصعوبة وهمس بوهن :

_ انا خلاص شكلي هموت 

أمسك بيده وهز رأسه نافيًا بهدوء :

_ لا متقولش كدة أنت هتبقي كويس 

هـز "صابر" رأسه نافيًا وتابع بصوت جاهد في إخراجه :

_ قول قــ قول لشمس بنتى لو حصل حاجة إنى كاتبلها ورقة هتفهم منها كل حاجة 

اومـأ الأخر وهو يحثه على الحديث :

_ فين .. فين يا عم صابر؟ 

_ في الخزانة اللي فيها هدومـي 

قالها وهو يبتلع ريقه بإزدراء ثم استطرد :

_ قولها تخلى بالها من نفسها، لان الناس دى بتدور على الفلاشة اللي ممكن تلف حبل المشنقة حوالين رقبتهم 

ثم صمت برهه وتابع توصياته :

_ وأوعى يبيعوا البيت عشان لو باعوه آآ 

لم يكمل جملته وظل يلهث بشدة واخر جملة تردد بها صوته :

_ قولها إنى بريئ وماقتلتش حد وهما اللي اتهمونى فيها 

وخرجـت روحه لربها، تاركـة ذاك الجسد الذى اُهلكت بداخله .. بهذه الدنيا الذى ظلمته مرارًا وتكرارًا .. 

مسح حمدى على وجهه وقد ظهرت شبح ابتسامة شيطانية على ثغره وهمس :

_ ربنا يرحمك يا عم صابر .. للأسف كان معاك حق بس مين هيعرف بقاا !! 


                              *********


كـان مالك يسير متجهًا لداخل البنايـة، وعينـاه تشـع غضبًا جمًا، تتقافـز دقاته ليهدء عليها قليلاً ولكنه غاضب .. غاضب وغضبه لن يطفأه إلا شيئً واحدًا، زواجه من تلك الفتاة ليثبت لنفسه أنه يفعل ما اراده .. أنه رياح شديدة غاضبة لا يتحداه اى شخص .. يرغب في اى شيئ يهدء غروره .. وفجأة وجد يحيى يقطع طريقه ببرود فصاح فيه غاضبًا :

_ ابعد من وشي دلوقتِ أحسن لك 

هـز رأسه نافيًا ببرود وقال :

_ لا لا عيب عليك ده انا جاى لك ف خدمة 

سأله مالك بنفاذ صبر :

_ خدمة اية ؟ 

اخـرج يحيى ظرف به صور لشمس من جيبه ثم مد له يده قائلاً بخبث :

_ مش واجب بردو تسأل على اللي هتتجوزها يا برنس 

نظـر له مالك بطرف عينيه ثم اخذ الظرف في لمح البصر يفتحه لتتسـع حدقتا عيناه بصدمة بالغة و..... 


                              *******


يتبع


الفصل الثانـي عشر :


مشكلة خلف الأخرى تتراكـم فوق بعضها وكأنها يتعاونـوا على تلك المسكينـة التى تركـض إليها المصائـب ركضـًا وتستقبلهم هي بصـبر وثبـات لم يهتزوا شعـره ودون خروج حاجـز واحد للأعتـراض .. 

وكان مالك لا يـرى في هذه اللحظات سوى تلك الصـور، تلك الصور التى وضعت غشاوة على عينـاه لن تـزول، تتجسـد أمامـه لتهـد كل جـدار من الأحـترام صنعته شمس يومًا لها أمامـه .. ! 

بينما يحيي يقف والأبتسامة الخبيثة تعلـو ثغـره، أغرقهـم الاثنـان في طـوفان من العذاب .. والندم لن ينتهـي، ليبتعد هو وكأن شيئً لم يكـن !! 

نظر له مالك نظـرة من كثرة المشاعر التى تملؤوها عجز يحيي عن تفسيرهـا، لم يعرف أهي حزن .. كسرة .. غضب أم سعادة والمبررات تكثـر !! 

ثم قـال " مالك " بصوت هادئ أشبه لهدوء ما قبل العاصفة : 

_ جبت الصور دى منين ؟ 

مـط " يحيي " شفتيـه ثم رد عليه بما ليس له علاقة بسؤاله :

_ مصـدوم مش كدة؟ 

صرخ به " مالك " وشرارات غاضبة تتطايـر من عينيه السوداء :

_ بقول جبتهم منين أنطق أحسنلك 

رفع " يحيي" كتفيه ولم يتخلي عن بروده لحظة وأجابه :

_ يهمـك فــي أية؟ المهم إني أنقذتك من التدبيسـة السودة دى بس 

جـز "مالك" على أسنانه كاملة بغيظ وسأله مرة أخـرى :

_ يهمني كتير، جبتهم منين ؟؟ 

تأفف " يحيي " ثم قال بنزق :

_ يووه ! كل اللي على لسانك جبتهم منين جبتهم منين، ده بدل ما تخـش تديها قلمين وتقطع علاقتك بيها ! 

وبمهـارة تحـكم "مالك" في غضبه الجـم وهو يردف بجدية :

_ شيئ لا يعنيـك يا أستـاذ 

جحـظت عينـا "يحيي" بصدمة، لا لا لن تذهـب خطته هباءً .. وكيف الأن بعدما أعتقـد أنه أجتـاز أول مرحلة بنجـاح ؟!! 

وكأن هذا "المالك" يملك الحاسة السابعـة أو شيئً كهذا !! 

دارت هذه الكلمات في خلد "يحيي" فابتسم "مالك" نصف أبتسامة صفراء :

_ يلا بقا مع السلامة أنا مش فاضي لك 

واخيرًا خرج " يحيي " من صدمته ليقول مسرعًا :

_ أنت حـر، أنا حبيـت أوعـيك بس للي الناس كلها عرفاه وأنت معمي عنه! 

نظـر له "مالك" بطرف عينيه هادئــــًا وسأل :

_ ناس مين وعارفيـن أية ؟ 

تابع "يحيي" ببراءة مصطنعة :

_ إن لما أبوهـا دخل السجـن وأخد مؤبد، البت دارت على حل شعرها عشان تعرف تصـرف على نفسها هى وأمها 

لا يعـرف لمتي سيكبح غضبه ويرتـدى ذاك القنـاع البـارد، ولكن ما يعرفه جيدًا أنه ليس لأى شخص يستطع البـوح بما يجيش بصـدره وخاصةً هذا الشخص .. 

خـرج صوتـه حادًا صارمًا :

_ مايهمنيش كلام الناس، ومن هنا ورايح محدش هيقـدر يجيب سيـرة حـرم مالك جمـال السُنـارى بكلمة ! 

مـط "يحيى" شفتيـه وقال بلامبالاة اصطنعها رغمًا عنه :

_ تمام براحتك أنا كدة عملت اللي عليا 

اومـأ "مالك" ونظراتـه تقطـر غيظًا مكتومًا لو أنفجـر سيدمر ما أمامه حتمًا وقال :

_ كتر خيرك متشكرين 

همس يحيى بغضب جم :

_ ماشي اما نشوف اخرتها 

بينما ستـدار متجهًا للأعلي بخطوات هادئـة، خطـوات أوهـمت ذاك الثعبـان أن خطته لم تجـدى نفعًا، ولكن بالحقيقة هي حققت أعلي مراتب النجـاح الخبيث !! 


                             ********


للحظـات أعتقـدت أنه يمـزح معهـا، أنه يجعل الضيق يعتريهـا ليشعر بالنشـوة فقط، ولكن .. تلك النظـرات الواثقـة والثبـات القهـرى و.. ماذا ترغـب أكثر لقد قرأتهـا بين سطـور عينـاه، خطط لكل شيئ قبل أن يقتـرب منها حتى، الان فقط تشعر بالغبَاء !!! 

أخرجـها من صدمتهـا صوتـه الخشـن وهو يقـول :

_ أية مالك مصدومة كدة لية ؟ 

همـست فاغرةً شفتيهـا :

_ هآآه !! 

رفـع حاجبـه الأيسر يسألها باستمتاع رهيب يجتاحـه :

_ هي الصدمة كبيرة للدرجة ؟! 

هَزت رأسها وهي تقول متساءلة ببلاهة :

_ أنت فعلاً ظابط ؟ 

تتأكـد .. تتأكد رغم كل الذى تـراه، وكأنها ترغـب في أن ينفـي حالاً ما أستوعبتـه، ولكن ما المانع ليؤكد لها غباءها بقوله البـارد :

_ بُصـي هو مش بالظبـط كدة، لكن تقـدرى تقولى شغال مع الشرطة، ومش لازم تعرفى تفاصيل بقـــا 

أسبلـت أهدابهـا تتساءل مرة أخـرى ببلاهة :

_ طب أزاى !! 

تأفـف بضيق وصاح بنفـاذ صبر :

_ يووه، هي شغلانة بقا كل شوية لية وأزاى ؟

ترقـرت الدمـوع في عينيها السـوداء، لا تعـرف لها سبب معيـن، ولكن من الواضح أنه الألـم بشكل عام مهما أختلفت أشكاله !! غمغم هو بضيق حقيقي :

_ بتعيطى لية دلوقتِ ؟ 

هتفـت بنعومة أكتسبتها من بكاءهـا المفاجئ :

_ طب ومتعرفش بقا إن المتهم برئ حتى تثبت إدانتـه 

اومـأ ولأول مرة يجيبهـا بهدوء، وكأنها أستخدمت السلاح الصحيح هذه المرة :

_ أيوة، ولذلك أنا لسة ماعملتلكيش أى حاجة 

تهتهت هي متهكمة :

_ لا والله !

اجابهـا بتهكم أكبر ولكن شابه بعض التوعـد المخيـف :

_ اه والله، لتكونى مفكرة إن جوازى منك ده كدة عقـاب ؟ 

لم تـرد فتابع وقد قرر العزف على ألحـان قسوتـه المميتة :

_ لأ لأ، ده لسة العقـاب جاى بعدين لو عرفت إن ليكِ يد فــ حاجة 

ملامحـها باهتـة، يكتسحها شيئ من الأستسلام الموجـع لقدرها المؤلم أكثر، وغلفت نبرتها بالقوة وهي تسأله :

_ يعنى أية اللي هيحصل بالنسبة لأهلى ؟

مسـح أرنبـة أنفه بطرف إصبعه ثم قال :

_ ولو إني أشك إنك تفرقي معاهم أوى، لكن هقولك الحل 

نظـرت له بهدوء، ولم تستطـع إخفاء بريق الأمل من جـوف نظراتها، لتجـده يحطمهم بل ويدمي قلبها بألم أبـدى :

_ أنتِ هتقوليلهم إن أنا وأنتِ بنحب بعض، وإننا اتجوزنا بموافقتـك 

هـزت رأسها نافية وهي تستطرد بجزع :

_ مستحيييل 

شيئ متوقـع رفضهـا، ولكن ما هو غير متوقـع إحتقـاره لها لهذه الدرجـة، فتابـع بقسوة إكتسبها من معانـاة الأيـام :

_ خلاص براحتك بس أنا مش مسؤل عن اللي هيحصل لهم ؟ 

سألته بقلق بطـن لم تستطع مداراته :

_ يعنى أية ؟ 

رفـع كتفيه مجيبًا ببساطة :

_ زى ما سمعتى، اللهم بلغت اللهم فاشهد 

يذكـر الله !! ، أيعلم من هو الله بالأسَاس، تصرفه معها يناقـض كلامـه وتصرفاتـه تمامًا، وكأن قسوتـه مسلطة عليها هى فقط !! 

_ ماشي ... موافقة 

همسـة مستسلمة خرجـت منها، جعلتـه يشعر بالنصـر ولكن .. بجوار الشفقة التى لم تـزول، ويبدو أنها لن تزول إلا بعد أن تجعل ينحرف لسبيل لا يرغبـه !!! 


                             ********


وصلـت " زينـة " أمام البناية التي يقطـن بهـا "زيـاد" ثم ترجـلت من سيارتهـا مسرعة، لا تدرى ماذا ولا ما ستفعله .. إدمـان يدفعهـا مرة تلو الأخـرى نحو حافـة الدمـار، وهي تسيـر دون أن تحظـي بتنبيه لخطورة ما تفعـله ابدًا .. 

وصلت أمام منزله، فطرقت الباب مسرعة دون تردد، لتجـده يفتح لها بعد ثوانى وهو يرتـدى شـورت أسـود قصير فقط، وجسـده الأسمـر ظاهر امامهـا والابتسامة المستفـزة تعلو ثغـره والذى هتف بحبـور قائلاً :

_ زينة جاية بيتي مرة واحدة، لا حصلنا الشـرف بصراحة 

تجتاحـها رغبة جامحـه في قتله .. في الإنتقـام منه لما فعله بهـا، ولكن مهلاً .. في الوقـت المناسب ستشبع رغبتها تلك حتمًا !

رسمـت الأبتسامة التى رفضت الظهور بصعوبة وقالت :

_ أزيك يا زياد ؟ 

اومـأ زياد بتعجب :

_ بخير، أزيك أنتِ ؟

هـزت رأسها وهي تشيـر للداخـل ببرود ظاهرى :

_ تمام، طب مش هتقولى أتفضلى ولا اية

يـزداد التعجـب ويتكـور بداخله اكبر مع كل ثانيـة من تبـدل تلك المخلوقة التى لم يقـرأ بين سطـور عينيها سوى الغرور أو الكـره، حتى عينيها يبدو أنها احكمت التحكم فيها جيدًا .. 

أشـار للداخل ولم يستطـع اخفاء الاستغراب :

_ أتفضلى اكيد يا زينة ده أنتِ نورتـي 

لا تهتم مجامـلة أم صدق .. فرصـة له أم فرصة للقضـاء عليه، ولكن ما يهم الان حقًا هو سبب تلك الزيـارة !! 

جلسـا على الأريكـة بهدوء، هدوء يعكس الأمواج المتلاطمـة داخل كلاً منهما، وهى .. لم تخجـل من مظهـره .. لم تتـرد .. لم تطلب منه إرتداء تيشـرت !! 

وكيف ستخجـل إن كانت غشـاوة الأدمـان على عينيهـا تمنع تأثير اى شيئ عليها ! 

أنهكتـه محاول كتم تعجبه فقال بهدوء حذر :

_ ها قوليلي بقا تشربي أية ؟ 

_ قهوة مظبوطـة 

قالتها بصوت قاتم .. هادئ دون النظـر له، فأومـأ هو بدوره وأتجـه للداخل بهدوء، فيمـا تفحصت هي المنزل بعينيها، تبحث عن اى أثـر للمخدرات التى يخبأها ولكن للأسف .. لم تصل عينيها لأى شيئ . 

دقائـق مرت أستنفـذت فيهم كل قواهـا لتحمل الألم الذى بدء يداهمها من جديـد .. 

_ أتفضلي قهوتك 

قالها وهو يتقـدم منها حاملاً الأكـواب بيده، وكأنه يضبط نفسه ليـراها وهو في قمة ضعفها فقط !! 

اومـأت وهي تلتقـط كوب القهوة بين أصابعها المرتجفـة، بدءت تشربها تحت نظراتـه المتفحصة التى اخترقتها، فقال هو متساءلاً :

_ بردو مفهمتش سبب الزيارة 

تركـت الكوب لتقول دون تردد بنبرة حملت الرجـاء في طياتهـا :

_ زيـاد أنا بموت فعليًا، مش عارفة أعيش حياتى طبيعية، مش عارفة أعمل أى حاجة، أربعة وعشرين ساعة بدور على المخدرات بس، المخدرات اللي أنت مش عاوز تديهانـي، أرحمنى بقا 

هتف هو بتشفي :

_ وهو ده اللي أنا عاوزه 

اومـأت وقد اغرورقت عينيها بالدموع :

_ أنتقامك أتنفذ، اديني المخدرات بقا وسيبنى ارجـوك !! 

لم يتأثـر، لم يهتـز .. كان يطالعها بجمود استغربت هى قوتـه، استغربت جبروتـه لهذه الدرجة !! ولكن كيـف لك أن تلـوم  قلب سقط تحت تأثيـر الأنتقـام ممن تسبب بفقدان أعز ما يملك ؟! 

تنهـد قبل أن يقـول بخبث تزحزح لنبرته :

_ انا انتقمت خلاص، بس بردو مفيش حاجة من غير مقابل 

عقـدت مابين حاجبيهـا لتسأله بعدم فهم حقيقي :

_ مش فاهمة !! عايز اية يعنى 

حـك ذقنه بطرف إصبعه يصتنع التفكـير، ثم خـرج صوته جادًا وقاتلاً لها :

_ عايــزك .. في مقابل الهيرويـن !!! 


                             *********


واحيـانًا عندما تـرى المصيبـة تركـض نحو شخصًا ما وأنت بيدك الحـاجز لمتنعها عنه، لا تتردد في إنقـاذه مهما كان الثمـن، واحيانًا اخرى تفكر بالموانـع من إنقاذه، مثل وفاءه لصديقـه !! 

نقـل عنـوان شمس بسرعـة من مذكـرات "غريـب" أو كما يطـلق عليه " الشبح " .. لا يهمه كيف حصل صديقه على ذاك العنـوان .. مؤكد أنه من ذاك الأبله "يحيى" ولكن ما يهمه الان بحق، هو أن ينقـذ تلك المسكينـة من براثـن ذئاب تحركهم مشاعر هوجاء !!

حصـل على نسخـة من الصور التى نفذها "غريب" لتكـن الدليل القاطع لما سيقصـه على شمـس .. 

وصـل أمام العمارة التى وُصفـت في العنوان، ثم أخذ نفسًا عميقــًا قبل أن يتقـدم من حارس العمارة الذى هب واقفـًا يسأله :

_ خير يا حضرت ؟ مين أنت ؟ 

تنحنح " بسام " بهدوء وقال :

_ أنا عايز الأنسة شمس، هي ساكنة في العمارة دى 

غمغم الرجل بتفحص :

_ اممم طب اتفضل 

سأله " بسام " مسرعًا :

_ انهو دور لو سمحـت ؟ 

اجابه باقتضـاب :

_ الأرضي ده 

اومـأ بسام ممتنًا، وغادر مسرعًا باتجـاه منزل شمس، طرق الباب عدة مرات حتى فتحت له شمس منزعجة من طرقه المستمر :

_ أية في أية الدنيا خربت ؟! 

كـان مذبهـل بطلتهـا المشرقـة، عيناها تجذبانك وكأنهما مغناطيس !! 

ولكن مغناطيس قاتـل، بالفعل وكأنها رسمة على ورق دونها فنان محتـرف ! 

حتى الصور التى كانت معهم لم تعطيها حقها الصحيح في وصف جمالهـا، من يراها لا يقـدر سوى أن يحملق بها، وكأنها ربطتـه وأثـرت عليه بمهارة ! 

تنحنحـت وقد زحفت الحمرة لوجنتاها عند تحليقه بها فقالت متلعثمة :

_ آآ انت آآآ أنت عايز مين ؟ 

_ عـايـزك ! 

همسه خارجـت من باطن الجزء الراغـب بداخله، ثارت القشعريرة المعتـادة بجسدهـا الفظ عندما تلحظ نظرات مثل نظراتـه فصرخت بجزع :

_ نعمممم !! 

هـزت رأسه نافيًا وسارع يبرر :

_ لا والله مش قصدى كدة، أنا قصدى يعنى عايزك ف موضوع مهم 

هـدأت ثورتها قليلاً لتسأله باستفهام :

_ موضوع أية ؟

نظـر حوله وهو يقول بجدية :

_ مش هينفع عالباب كدة ! 

عقـدت ساعديها وهي تقول ببرود :

_ أسفة مفيش حد صاحى او موجود عشان اقولك اتفضل، انا يعتبر قاعدة لوحدى 

اومـأ هو متفهمًا، ومن دون قصد منها اعطتـه دفعة ايجابية ليكمل ما جاء إليه .. 

أخـرج الصور من جيب بنطاله ومد يده لها قائلاً بهدوء حذر :

_ دى صور ليكِ 

سألته بتوجس وهي تفتح الظرف :

_ صور ليا أنا، ومعاك انت ازاى !!! 

تنهـد وقال جادًا :

_ أفتحـي الأول الصـور بس 

فتحتهـم بهدوء لتتسـع حدقتـا عينـاها لترى ما لا تتوقعـه ابدًا، هربت الدماء من بين خلايـاها وأحمـر وجهها كحبه الطماطم من الخجـل، حلقـت فوق سمـاء طاغية مؤلمـة، للحظـات فكرت بالركـض من امامه، أصبحـت تشعر انها الان مُـعراه أمامه، وان كانت ترتدى ملابسهـا الان !!! 

فيما قال هو ليدارى حرجهـا :

_ واحد صاحبي هو اللي أشتغل على الصور، بس أنا قولت أجى احذرك لان أكيد في نسخ تانية للصور دى 

ويا لـها من صفعـة مؤلمة من "يحيى" نعم يحيى لقد أتـم تهديـده .. أتم تهديـده وفعل ما يجعل رأسها بالأرض دومًا، هدم كل الجدران التى بنتهـا هى لبنـاء حياتها القادمة .. ! 

غمغمـت بصوت يكاد يسمـع :

_ أزاى .. مين عمل كـدة !! 

أجابها بفتـور مهدئًا اياها من حالة الصدمة المسيطـرة عليها :

_ يحيى، أنا معرفش يقرب لك أية، لكن هو بعت الصور دى لصاحبي ده عشان يفبركها والسبب أنا اجهلـه 

هو يجهـله لكن هي تعلمـه حد التأكيـد، لا بل سبقت لها معرفتـه ولكن لم تبالي !! 

هل يجـوز قتل يحيى الان ؟! مؤكد نعـم، تـود الإطاحة به بقدر الغليـان الذى تشعر به الان، وذاك الشعور المؤلم ... شعور النفـور منها هي.. من شمس بذاتهـا !! 

سألتـه مرة اخرى دون أن تنظر له :

_ طيب متقدرش تجيب لي باقي الصـور دى لو سمحـت ؟ 

هـز رأسه نافيًا بأسـف :

_ للأسف لأ، اولاً عشان هو مايشكش فيا ولو شك انا مش ضامن رد فعله، غير كدة لو جبتلك المطبوعين، اكيد هو شايلهم ف حته على الجهاز وممكن يعمل غيرهم ! 

وكأن القـدر يقدم لها مبرراتـه لدفعها في طريق ذاك الذى يدعى " مالك " والزواج منه، الاثنـان حفرتـان .. لكن هو جوفـه المظلم أفضل من جوف يحيى المضيئ ولكن المهلك !!! 

ولم يعـد امامها خيـار اخر.. الشيئ الوحيد الذى سيحفظها ويضمن لها عدم ايذاء والدها والحفاظ على سمعتها كأنثي هو زواجها من " مالك " ... ! 


                             ******** 


كـانت تجلس بهـدوء على الأريكـة، تستعيد ذكريات ما مر معها منذ دلوف ذاك الدخيل الي حياتها، لم تجد سوى القهر والخوف والقلق فقط !! 

فجـأة وجـدت طرقات سريعة وقوية بعض الشيئ على الباب، نهضت مسرعة تعدل من وضعية حجابها ثم اتجه للباب لتفتح، لتُصق بـ مالك امامها، لم يعطيها فرصة حيث فاجئها بمسكة يده بمعصمها جيدًا وهو يقول بجدية :

_ يلا مفيش وقـت هاتى بطاقتك حالاً 

فغرت فاهها مستنكرة :

_ لية فيه اية ؟ 

زمجر فيها غاضبًا :

_ قولت هاتى بطاقتك 

استـدارت وفي لمح البصر كانت قد جلبت بطاقتها، وكأن الخـوف هو فقط من يحركها ويتحكم بها الان .. 

سألته مرة اخرى بتوجس :

_ فيه اية ارجوك فهمنى ؟ 

تأفف وهو يجيبها بخبث :

_ مفيش وقت المأذون مش هيستنى كتير 

مأذون !! اى مأذون هذا ؟! مؤكد أنه المأذون الذى سيخـط شهادة وفاتها !! 

نعم فهي تعد شهادة وفاتها وليس زواجهـا، واى زواج هذا الذى يبني على جدران مهشمة !!! 

_ مأذون اية ؟ 

سألته وكأنها تسأل لتؤكد لنفسها تلك الأجابة المأسوية التى تدمر خلايـا حرفيًا دون رحمة !!! 

فأجاب وهو يجـز على اسنانه بغيظ :

_ المأذون اللي هيكتب كتابنا يا حبيبتى 

حاولت نزع يدها من قبضته وهي تصيح فيه وكأنها ادركت للتو ما يحدث :

_ انت مجنون، انا مش هتجوز 

وصلا امام باب المنزل فنظر هو في عينيها مباشـرة ليقول حادًا :

_ مابقاش في وقت للرفض دلوقتِ، خشي بهدوء وأتقي شر الحليم إذا غضب 

وها هو تهديـد اخر صريـح .. وكأنما اعتادت على التهديدات فقط منهم !!! 

_ سيبني بقا ارجوك لو سمحت 

همست بها وتكاد تستسلم بيأس، ليقول هو بتصميم وقد لمع في عيناه بريق غريب :

_ ابدًا، من بعد النهاردة اسمك هيبقي جمب اسمى دايمًا ! 

دلفا الي المأذون الذى ينتظرهم، ومروان صديقه واخر كشهـود، جسدها تبلد من كثرة الصدمـات، وشحب وجهها كشحوب الموتي .. 

جلسـا بهدوء وبدء الشيخ بكتابة قسمية بداية تعذيبهـا، الشيئ الذى سيسمح له بالتحكم في مقاليد حياتها شتى !!! 

لم تشعـر سوى بسؤال الشيخ وايماءه بسيطة منها و... 

" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير " 

تدمـر كل شيئ وانتهي الأمـر، انتهي نفورها ورفضها .. انتهت موجـات عدم استسلامها لذاك القدر لتتهشم بصرخـة ارادته ورغبته، لتبدء اندلاع ثورة حارقة، بدايتها كلماته وهو يقول بخبث دفين شابه التوعد :

_ مبروووك يا .. يا مراتـي، يلا بقا أوريكِ اوضة نومنـا !!!!!!!! 


                           ********

غزالة فى صحراء الذئاب 


الفصل الثالث عشر :


ذهـب الجميـع ولم يتبـقي إلا هـو وهـي فقط !! .. وبمجـرد أن أستوعـبت تلك الجملة شُلت جميع اعضاءها عن الحركـة وتسمـرت مكانهـا، بينما أكمـل هو بخبث :

_ أية يا عروستي وقفتـي لية ؟ 

لم تجيـد الـرد ولم يخـرج صوتها من كثرة إرتعادهـا، إندهمـت القوة وسقطـت الحصـون لتظهـر القطة الخائفة امامه فقط !! 

حاولت إخـراج الكلمـات بصعوبة وكأنها تجذبها عنوة :

_ مـ مـمكن تسيبني أمشي ! 

قهقـه بسخريـة واضحـة، تطـلب الفرار بكـل بلاهـة !! سخريـة قد تكـون معتادة في موقـف كهذا، ولكن من ثم اختفت عندما لمعـت عينـيه السوداء ببريق لامع خبيث وقال :

_ أسيبك تمشي فين، هو أنتِ مش عارفة إن النهاردة الدُخلة ولا أية يا شموستى 

شعـرت أنها ستبكِ حتمًا، لن تحتمل أكثر .. فقـدت كل طاقتها ! ولم يعد مجـرد شعور فقد ترقرت الدموع في عينيها الرماديـة وهي تسأله بهدوء حذر :

_ أنت لية بتعمل معايا كدة، حرام عليك ! 

أعيـن لامعة تشابكت نظراتها، ورجـاء اخترقـه ليحاول هـزه، ولكن .. قابله بسد متيـن قوى وازداد قوة من جروحه وألامه ،فرد عليها ببرود ثلجي :

_ أنتِ مابتزهقيش من السؤال ده، قولت لك أنتِ عجبانى، ثم إنك تحمدى ربنا إني اتجوزتـك اصلاً 

صرخـت فيه بنفاذ صبر :

_ لأ لأ، هحمد ربنا على نقمة ازاى !! 

جـن جنونـه هنا، هي المذنبـة وهي التى تتجبر، تتقمص الدوريـن بمهارة !! ولكن لا .. لن يسمـح لها أن تحلق فوق سماؤوه بكل غرور ! 

وأقتـرب منها حد الخطـورة، الخطورة التى تشعـر بها من اقترابـه، والتى تسبب الفرار للدماء من وجهها الأبيض، وتهديد ضربات قلبها بالتوقف !! 

فغمغمت متلعثمة :

_ أبـعـ أبعـد شوية 

هـز رأسه نافيًا ليتردد صوتها شبه الباكِ :

_ حرام عليك، أنا هتدمر بسببك 

لم يعيرها أدني اهتمام وهو يقترب منها حد الإلتصاق وهمس :

_ هشششش اسكتِ 

_ أنت ظالم .. ظالم وهتندم صدقنى 

قالتها ببكاء ودموع أبت الحبسة في جوفيها 

ليتابع هو بخشونـة وحدة :

_ مش ظالم، أنتِ اللي كدابة وممثلة بارعة 

نظـرت له بهدوء لتقَول بجمود :

_ هتنـدم 

فـرد ببرود مقابل :

_ بحب النـدم جداً يا حبيبتى 

ولم يجد سوى صمت، صمت إكتسبته من وقحاته، وعجزهـا أمامه !! 

فقال هو بخبث :

_ ايوة كدة اسكتِ، شوفتى السكوت حلو ازاى، خلى الكلام لشوية كدة، هعوز اسمع صوتك جداً 

بالرغـم من خوفها وإرتعادها، زحفت الحمرة تلقائيًا لوجنتاها ! 

انفاسـهم اللاهثـة دوى صوتهـا بوضـوح، لفحـت أنفاسـه بشرتهـا البيضـاء، ليرتعـش جسدهـا برعب، لم تهتـز له شعرة لحالتها المرتعدة، لجسدها الذى ينتفـض من قربـه، بل اقترب اكثر حتى حاوطهـا وإلتصقـت هى بالحائـط، تحاول جمـع شتـات انفاسها المبعثـرة بسبب هجومه المفاجئ، وجهها أصفـر من كثرة هروب الدماء من وجهها هلعًا، فتعمـدت الحروف تحديهـا ولم تخرج من بين شفتاها المنتكزتين، ليخرج صوتـه متجبرًا جامدًا : 

_ عايزة تروحى منى فين يا شمس 

نظـرت للأرض، تجز على أسنـانها لتمنـع دموعها من الهطول بصعوبـة، همست بصوت يكاد يسمع : 

_ ارجوك سيبنى امشي، ارجوك يا استاذ مالك 

ما يزيـده رجفة صوتها إلا نشـوة، همـس هادئًا بالرغم من امواجـه المتقلبة بداخله : 

_ لأ، مش هاتمشي غير بمزاجى 

صمت برهه ليتـابع بتهديد مزقها من الداخل بقسوة : 

_ أو لما اخد منك الي انا عايـزه 

دفعته بقبضتها الصغيرة، لم يهتـز للحظة، بل هى من إرتعشـت كالكهرباء التى سارت في جسدهـا، فجأة إحتقـن وجهه كجمرة من النار، وامسكها يهزهـا ويصيح فيها هادرًا : 

_ عملتى معاهم كلهم كدة، اشمعنا انا !!؟ 

لم تجيبـه وإنما كان صمتهـا وسكونـها إجابـة كافية لتثير جنونـه اكثر، اجابة اكدت دون قصد كل ما علم به، وحطمت بريق الأمل المتبقـي، لم يلحظ الدموع الساكنة في لؤلؤتيها، ابتعد عنها مسافة قليلة، وفك أزرار قميصه وهو ينظر لها نظرة دبت جميع معانى الرعـب في اوصالها، لتشعر وكأنها حقًا الان ما هى إلا غزالة في صحراء الذئـاب .. 

    

                            *********


وما بيـن التوتـر والقـلق والحزن .. والغضب، كانت تبحث بين أرجـاء المنزل عن شمس التى أختفـت فجأة !! 

يأست من تواجدهـا فصرخـت بحدة :

_ شمس ! 

تأففت وهي تمسـح على شعرها الأسود بقوة متابعة :

_ هتكون راحت فين بس ياربي ؟ 

ظلت تبحث هنا وهناك وهي تتابع مزمجرة :

_ يووه، إما وريتك لما تجيلي مابقاش انا


وجلست على الأريكـة بهمدان منتظـرة قدومها الذى يبدو انه سيطول ويطول كثيراً ... 

فجأة صدح صوت هاتفها معلنًا عن إتصـال، نهضـت هي بخفة متجهة له، ثم التقطته واجابت بهدوء :

_ الووو السلام عليكم 

_ وعليكم السلام، مدام كريمة زوجة الاستاذ صابر معايا ؟

_ ايوة اتفضل مين حضرتك 

_ احنا من السجن وكنت حابب أبلغك بشيئ اتمنى تتقبليه بهدوء 

_ اتفضل يا حضرت قلقتنى

_ زوج حضرتك توفي أمبارح ! 

سقط الهاتف وصرخة مدوية خرجـت منها يتبعها ركضها لترتدى ملابسها متجهة للسجن ودموعها لم تتوقف عن الهطول ! 


                           ******* 


كـان يجلس على الأريكـة الوتيرة من أسفله، يدب بقدمـه على الأرضيـة بقوة، لا ينظر لوالدته التى تشـع نظراتها غضبًا جمًا، او لوم لتفريطه بشقيقته الوحيدة !! 

لا يهمه، كل ما يهمه أنه لا يبالي لهذه الشقيقة ابدًا !! 

وكأن ذاكرتـه قد ذكرته بما مضي لتعطيه المبرر لما يفعله بشقيقته .. 

فلاش بـاك 

كان يجـلس في أحدى الكافيهات الراقيـة، ملابسـه مهندمـة وملامحه مضطربة بعض الشيئ، يجلس على الكرسي الخشبي وينظر بالساعة كل ثانية ليرى لماذا تأخرت ؟! 

وظهرت امامه بعد دقائق، بهيئتهـا الخليعة التى كان يحاول هو تغييرها، مساحيق تجميلها المبالغ فيها !! وملابسة الضيقـة !؟ 

اشياء حاول التغاضـي عنها، ووضع غشاوة امام عينـه .. الحب ! 

جلست على الكرسي المقابل له بغرورها المعتـاد، ليسارع هو بسؤالها متلهفًا :

_ اتأخرتِ كدة لية يا حبيبتى ؟ 

تأففت قبل أن تجيبـه ببسمه يملؤوها الحب الزائـف :

_ يادوب عرفت أخلع من بابا بصعوبة 

ضيق ما بين حاجبيه وهو يسألهت بضيق يعتريـه :

_ هو انتِ محتاجة صعوبة عشان تشوفِ خطيبك ؟ 

وببراعـة تمثلـت في تكويـن بعض الدمـوع الزائفـة، نظـرت له وزجـت الحزن في نظراتها والذى يقع هو أثيـره، لتقول بصوت متهـدج :

_ انا جاية النهاردة عشان أقولك حاجة مهمة وامشي 

سألها مستفسراً بنفاذ صبر :

_ حاجة أية دى يا صافي ؟ 

وامتثـال لأوامرها افتـرش الألم على قسماتها وهي تخبـره بنبرة متهدجـة وتمثيل تفوقت فيه :

_ أحنا مش هينفع نكمل مع بعض يا مازن

صرخ فيها دون تردد :

_ أنتِ مجنونة !! 

لم تجيبـه وامتثلت الصمت الذى هو السلاح الاقوى لتثير جنونه، فعاد يسألها بحدة وهو يهزها :

_ يعنى أية مش هينفع نكمل مع بعض، انتِ عارفة إن فرحنا بعد 4 أيام ؟! 

هـزت رأسهـا موافقة وهي تقول بصوت أشبه للبكاء :

_ عارفة والله عارفة، بس غصب عنى 

صرخ فيها بجدية حادة :

_ هو أية ده اللي غصب عنك 

رفعـت كتفيها تقول ببرود داخلى :

_ يعنى أنا بأعمل كدة مش بمزاجى، أنا مجبرة 

نظـر لها بتدقيق وقال متساءلاً :

_ مين اللي أجبرك ؟ 

صمتت فصرخ فيها مرة اخرى :

_ ردى عليا مين اللي أجبرك ؟ 

هـزت رأسها نافية لتردف :

_ مش هقدر أصدمك فــ اقرب الناس ليك

ازداد صراخه وإلتفتت الناس له وهو يقول :

_ انطقي ميييين ؟ 

ردت عليه بصراخ مماثـل امتزج بالخبث الذى لم يلحظه :

_ اختك .. اختك خلود 

سألها بسكون غريب :

_ ازاى اختى ؟ 

اجابت مغمغمة بضيق وحزن مصطنع :

_ اختك هددتنـي، لو مابعدتش عنك هتدخل بابا السجن !!! 

سألها دون تعبير :

_ لية أختى تهددك ؟ 

_ لأنها مش بتحبنى وبتكرهنى جداً لسبب أنا مش عرفاه ! 

نهوض يتبعـه خطوات سريعة جدًا باتجـاه الخارج تصحبه مناداتها له، ولكن لم تجد جواباً فارتسمت الابتسامة الخبيثة على ثغرها اللعين وهي تيقـن نتيجة ما فعلته وخططت له !! 


باك 

مسـح على رأسـه بقوة حتى كاد يختلع جذوره، كل قسمه وتوعده لها يتردد بأذنه يوميًا، سينتقم .. سينتقم ممن فرقت بينع وبين حبيبته !! أو سينتقم وفقًا للصورة التى رسمتها تلك الحيه بمهارة .. 

تقدمـت منه والدته وهي تقول بسخط أمومي :

_ لا أنا مش هستنى اكتر من كدة، يلا نبلغ تانى الاربعة وعشرين ساعة مروا خلاص 

هـز رأسه نافيًا وهو يخبرها للمرة التى لا يتذكر عددها :

_ يا أمي هى هترجع لوحدها صدقينى وكدة هيبقي اسمنا قدمنا بلاغ كاذب !! 

زمجـرت فيه غاضبة :

_ أنت مجنون، بنتى مختفية بقالها يوم كامل وعايزنى أقعد زيك كدة !!؟ 

لم يستطـع الرد عليها حيث دوى صوت الهاتف فهرعت إليه مسرعة ترد بلهفة :

_ الووو 

اتاها صوت " خلود " المرهق :

_ ماما أنا خلود 

_ خلود حبيبتى يا بنتى انتِ كويسة ؟ 

_ انا كويسة 

_ انتِ فين يا حبيبة ماما 

_ انا عايزة اقولكم ماتبلغوش بوليس، انا كويسة ومع جوزى 

_ نعمممم، جوزك مين يابنتى انتِ اتجننتى 

_ انا اتجوزت واحد زميلى بحبه يا ماما 

_ أنتِ مجنووونة صح 

_ مع السلامة يا امى 

واغلقـت الهاتـف تحـت أنظـار أخيها المهللة صوب والدته .. ونظرات مراد المنتظرة صوت خلود التى صرخت فيه بجزع :

_ إرتحت كدة ؟ 

اومـأ مجيبًا ببساطة غير لائقة :

_ طبعًا يا خوخـه 

كادت تبكِ وهي تقول بنبرات متشنجة :

_ حرام عليك أنت مش بنى ادم اكيد 

هـز رأسه نافيًا يقول بصوت قاتم :

_ هتعرفى بعدين إني بنى ادم، وبنى ادم جدًا كمان 

لم تفهم مغزى عبارته الغير مباشر، لم تكـن فوضوغ يسمح لها بالسؤال من الأساس، فقد تشوشت الصورة امامها، وترنجت قبل أن تسقط مغشيةً عليها بين يديه الصلبتين التى استقبلتها بسرعة، ظل يتمعن قسماتها بنظرات يصعب تفسيرها، ليمسح على شعرها الناعم وهو يقول بخفوت :

_ أنا أسف يا حبيبتى 


                           ********


ولو كـان الإدمـان شخصًا لقتلته بالطبـع، وعبارتـه يتردد صداها في خلدهـا، ولكن ألمها يحثها على الموافقة السريعة، غير عابئة بما ستجنيه لاحقــًا !! 

نظـرت له تحاول إستيعاب ما تفوه به للتـو وسألته :

_ أنت مجنون !؟ 

ضحك باستخفاف ورد له نفس السؤال :

_ أنتِ اللى مجنونة ؟

نظـرت له باستفهام فتابع بحدة تجلت في نبراته :

_ أيوة تبقي انتِ اللي مجنونة لما تفكرى إنى ممكن أسيب حق أختى 

سألته مرة اخرى والألم يزاد سيطرة عليهت رويدًا رويدًا :

_ طب وأنا مالى ؟ 

مط شفتيـه ليقول بنبرة متشفيـة :

_ للأسف أنتِ أخته، ومش هعرف أنتقم منه غير عن طريقك 

هدرت فيه بغضب تراكم لديها :

_ أختك هى اللى مجنونة لما تنتحر عشان واحد ايً كان هو مين ؟! 

كاد يهـوى بكفه على وجنتاها بغضب، ولكنه تمالك نفسه وهو يزمجرها حادًا :

_ أخرسي، هي أمنت لواحد خسيس واطى فكرت أنه بيحبها 

أمسكـت رأسها بقوة وهي تترجـاه مرة اخرى بألم حقيقي :

_ طب أرجوك أدينى اى حاجة دلوقتِ ونبقي نتكلم بعدين 

هــز رأسه نافيًا يتابع ببرود :

_ تؤ تؤ، أنا عرضت عليكِ عرض والظاهر إنك بترفضيه 

همست مرة اخـرى بنفاذ صبر :

_ انا مش قادرة !

اجابها بهمس مماثل جاف :

_ أقبلى عرضي 

هزت رأسها نافية واستطردت :

_ مقدرش 

اجابها بنفس الرد وهو يرفع كتفيه :

_ وأنا كمان ماقدرش 

ولم تعد ترى امامها سـوى الألم والادمـام يجذابها نحو حافة الدمـار .. ! 

وتنجذب هي بلا إرادة، لتصرخ فيه بحدة :

_ موافقة موافقة هات 

تقـوس فمه بشبح ابتسامة هاتفًا بخبث :

_ كدة تعجبينى يا حلوة !! 


                            ********


واحيانًا كثير يتعجـب الشخص من نفسه حد الاندهـاش عندما يجد نفسه يسير بمسار غير طبيعى نسبةً له، عندما يجد أن الفعل مناسب ولكن رد الفعل ما هو غير مناسب تمامًا !! 

هـب منتصبًا من الفـراش يرتـدى بنطاله وهو ينظر له بحدقتين متسعتيـن، تشعان نظرات غير مصدقة ترجو التكذيب منها، بينما هى تعد في عالم أخـر، عالم تحلق هي فين بحريتها تنعم بهدوء من نوع اخر لم تحظى به منذ دلوفه لحياتها، نظراتها مصوبة نحو اللاشيئ، ووجهها شاحب شحوب الموتى، وكأنه اخذ روحها وليس عذريتها فقط !! 

أقتـرب منها صارخًا فيها بجنون :

_ ازااااى طب ازااااى ؟ 

نظـرت له نظرة لم يستطـع تفسيرها، نظرة مغلفة بالألاف من الأغلفة واولهم التماسك، ليسألها بأكثر توضيح مشيرًا للبقعة الحمراء اعلى الفراش :

_ أزاى كنتِ آآ .. كنتِ عذراء 

لم تـرد عليه وإنما ظلت كما هي على وضعها، وكأنها أقسمت ألا يخرج صوتها امامه ثانيةً إلا في حالة واحدة !! 

_ متلمسنييييش 

صرخـت بها عندمـا أقتـرب منها يحاول أن يديرها لتنظر نحوه، ولكن فوجئ ببرودة جسدها حد الخطورة، فهمس لها مهدئًا :

_ اهدى .. اهدى 

وبصوت مهزوز تابعت دون أن تنظر له :

_ قولتلك سيبنى، قولتلك هتدمرنى 

هـز رأسه وهو يزمجر فيها غاضبًا :

_ طب ازاى و انتِ آآ 

قاطعته بسخرية مريرة :

_ اية .. انا بنت ليل صح 

أفكـار متلاطمة تضاربه، تارة تجعله يشعر بالندم، وتارة لا تصدقها وتمقتها اكثر !!؟ 

فقال لها بقسوة :

_ أيوة، ف ازاى تبقي عذراء ازاااى

ظل يمسح على شعره وهو يردد تلقائيًا :

_ يعنى انا اول واحد ألمسك ازاااااااى ازااااى حد يفهمنى 

بينما هي .. كل ما يتردد بخلدها الان شيئ واحد فقط .. استسلامها المخجل للمساته الحميمية، وبدءت تتذكر ما حدث .. 

ولكن اوقفت افكارها بصعوبة وهي تضغط على رأسها صارخة فيه بهيستريا :

_ طلقنى .. طلقنى كفااااية !!! 


                          **********


يتبــع


غزالة فى صحراء الذئاب 


الفصل الرابــع عشـر : 


وعندمـا تتراكـم عليك المصائـب، وتزداد المشاكل، لتحاصرك من كل الاتجهـات، تصبح أنت كالذى يُسحـب منه الهواء تدريجيًا ... 

سقطـت الكلمة على مسامعه كالسـوط الذى يتفنن في إيلامـه، دائمًا هو المظلوم .. دائمًا هو المغرور .. دائمًا هو في وضع القـوة، ولكن ماذا إن تبدلـت الأدوار ليصبح هو الظالـم ؟! بالطبع لن يستسلم .. 

صاح فيهة بحنق :

_ طلاق !!! 

اومـأت وكأن لسانها يردد ما وصل إليه حالها :

_ أيوة طلاق، طلاق لأنى اكتفيت من القهر، طلاق لأنى اتحرمت من أجمل يوم ف عمرى، طلاق لأنى مابكرهش حد قدك دلوقتِ ابدًا 

أهو ظالـم لهذه الدرجة ؟! ام هي تتفنن في رسم تلك الصورة له ! 

فقال بصراخ مماثل لها :

_ لأااا 

سألته ببلاهة غير مستوعبة رفضه :

_ لأ أية ؟ 

مـط شفتيـه يجيب ببرود حاول زجه في نبراته الغاضبة :

_ لأ مش هطلق، لأن مش معنى كدة إنك مظلومة 

إتسعـت حدقتـا عيناها بصدمة حقيقية، رغبته في أنها عاهـرة أقوى من اى شيئ الان !!! .. لن يصدق مهما حدث، ومهما ترابطت الدلائل امامه سيفككها بكل برود ملقيًا بها في عرض البحر !!! 

خرج صوتها بصعوبة متساءلاً :

_ أنت عايز دليل اية أكتر من كدة ؟ 

رفــع كتفيـه ليقـول بسخرية :

_ أنتِ عايشة ف عصر أبو جهل ولا أية ؟

نظـرت له مستفهمة بعدم فهم :

_ وضح كلامك ياريت 

اومَأ وهو يتابع بغل :

_ يعنى أنتِ مش فاهمة قصدى ؟ 

هـزت رأسها نافية لتجيب ببراءة :

_ لا والله 

للحظة كـان سيصدقها ! سينخـدع في براءتها التى يعتقدها مزيفـة، في بحر عينيها العميق الذى يجذبه يومًا بعد يوم، ليستفيق سريعًا وهو يزمجر فيها :

_ يعنى دلوقتِ بقا في عمليات يا حلوة، ممكن ببساطة تكونِ عملتِ العملية ورجعتى زى ما أنتِ 

هـزت رأسها نافيـة وقد بدءت دموعها بالأنهمـار :

_ لأ حرام عليك ماتظلمنيش للدرجة 

نظـر لهـا من أعلى إلي أمحص قدميها ليقول بحـدة واضحة :

_ لو عملتى المستحيل عمرى ما هصدق عاهـرة زيـك 

أغمـضت عينيها بقوة علها تمنع أذنيهـا من سماع تلك الكلمـة، ولكـن .. جعلتهـا تنـزف من الألـم، من المفتـرض زوجتـه ويشبهها بالعاهـرة !! لا لا يشبهها بل يلقبهـا به وما أسوءه لقـب حروفـه لها عامل في إماتتها ببطـء !!! 

همسـت بحـروف خرجت متمثلة في معانى الألم الحقيقي :

_ أنا عمرى ما كـنت عاهـرة ولا هكـون

ثم صمتت برهه تستجمـع نفسها المبعثرة من هجومه الشنيع :

_ بس أنا واثقـة فـ ربنا، وواثقة أنه هيجبلي حقه، وواثقة إن " لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنـا " 

تقـوس فمه بابتسامة ساخـرة بالرغم من إهتزازه ولو لثوانى داخليًا ثم قال :

_ ماشي يا شيخـة شمس

نظرهـا موجه للأرض لا تقـوى على رفعه، فتواجه سهام عينيه الحادة وظلت تردد :

_ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالميـن 

إتجـه للخـارج وهو يقول بحدة باتت معتادة منه :

_ أنا طالع، أجي ألاقيكِ قومتى ولميتى الدنيا وحضرتى لى أكل زى الناس

وعندمـا لم يجـد منها رد، أردف بقسوة :

_ وأظـن دى حاجة مش جديدة عليكِ، دى شغلتك اصلاً 

ولو كـان للقـلب صوتـــًا لكان خرج صوته من بين ضلوعها صارخًا برجاء :

_ " أرحمنـي معذبي سأتوقف حتمًا من الألم " ... 

وصمتت وهي تحتفظ بدموعها في عينيها التى لم تحتمل اكثر فأخرجت الدموع في صورة شهقات متألمة عميقة من داخلها منذ خروجه واخيرًا من تلك الغرفة اللعينة !!! 


                            *********


جـالت نظرات " مراد " على وجه "خلود "  المتـورد، يتفحص صفحاته التى كادت تـذبل بشدة من كثـرة ما مـرت به، نفس قسمـات الوجه التى عشقهـا من قـبل، ربما تختـلف قليلاً لكنها تشبهها بحق، نفس الصفـات المكتنزة، ودون ارادةً منه وجـد نفسه يتذكـر زوجتـه الحبيبة امام صورتها المشابهه .. 

فلاش بـاك .. 

كـان في منـزله ذو أثـاث نظيف ومرموق، نفس المنزل الذى يعيش به الان، ولكن الأخر كانت به أطيـاف سعادة يومًا ما، ولكن الان يملؤوه تيارات مشحونة بالغضب والأنتقـام الكاذب !! 

كان يجول الصالون ذهابًا وإيابًا بجـوار زوجته التى كـانت تجـلس على الأريكة تستند بيديها على ركبتيها والقلق يشع من نظراتها وملامحها الهادئـة، نفذ صبرها فقالت منفعلة بعض الشيئ :

_ مراد أهدى خلينا نفكـر 

نظر لها يسألها مسرعًا بانفعال حقيقي :

_ نفكر ف أية، احنا خلاص هنروح ضحية 

أغمـضت عينيها تحاول تهدأة نفسهـا، تجبر نفسها على السير في السبيل الصحيح، ولكن على غفـوةً منها عاد لسانها يردد نفس اللـوم الذى يُحمله فوق طاقته : 

_ قولت لك يا مراد، قولت لك الناس دى مش سهلة ابداً، قولت لك شغلك مش هيجيب لنا غير الوجـع 

مسـح على شعـره بقوة حتى كاد يختلعه بين يديه وهو يهتف :

_ وانا قولتلك إن ده شغلى، يعنى حياتى وحق بلدر عليّ إنى أخلصها من أمثال الناس دى عشان ماتدمرهاش اكتر 

تنهـدت بقوة تنهيـدة تحمل الكثير وسألته مرة اخرى :

_ طب هما قالوا لك أية بالظبط ؟ 

جلـس بجـوارها وهو يتابع مغمض العينين :

_ قالولى لو مادتهمش الفلاشة يبقي أقرأ الفاتحة على أرواحنـا !! 

إتسعـت حدقتـا عينيها من هذا التصريح الفـج، الذى لم يكن متوقع ابدًا، ولكن لنقل أنه متوقع نسبةً لأناس مثلهم، لكن غير متوقع بالنسبـة لدرع الحماية الوهمى الذى رسمته هي، وهو وظيفة زوجها !!! 

رددت دون وعـي :

_ طب ما تديهم الفلاشـة ونخلص نفسنا يا مراد 

وكأنه قرر مجارتها في ذاك الجنون :

_ كان نفسـي، لكن للأسف فعلاً الفلاشة مابقتش معايا 

صرخت فيه متساءلة بجزع :

_ أمال مع مين يا مراد ؟ 

اجابـها بصراخ مماثل بل أكثر حدة :

_ مع سيادة اللواء يا ليلي، مع سيادة اللواء 

ثم صمت برهه يسترجع ما حدث ليتابع بعمق :

_ يعنى دلوقتِ هيخلصوا علينا على أعتقـاد إنها معايا بالفعل وبكذب عليهم، ولما يعرفوا أنها مع سيادة اللوا هيقتلوه هو كمان !!! 

عادت بظهرهـا للخـلف وهي تردد بحزن :

_ لا إله إلا الله، يااارب أنت العالم بالحال 

عاد هو الأخر ليصبح موازتها ثم وضع يده على بطنها مستطردًا بألم حقيقي :

_ أنا مش خايف على نفـسي، أنا خايف عليكِ أنتِ وأبنـنا اللي جاى 

اومـأت هي بشبـح أبتسامة منكسـرة وهي تهمـس :

_ عارفة يا حبيبي 

بــاك 

وكأنهم يعلمـون تلك النقطـة جيدًا، يعلمون كيفية إختراق حصونه لأحراقه فعليًا، وفعلوهـا لم يكن مجـرد تهديـد، قتلـوها وطفله دون أدني رحمـة، ولكن .. بعد رحلة كاملة بشتي أنواع العــذاب الجسدى والنفسي معًا !!! 

نظـر لخلود المتسطحة أمامه ليهمس بصوت يكاد يسمع :

_ والظاهـر انهم هما كمان كانوا عارفين يا حبيبتي، عشان كدة كسرونى !!! 


                             ********


_ فييييين الصـور ؟  

صـرخ بها غـريب الذى كان يسيـر ذهابًا وإيابًا في ذاك المنـزل بجنـون، بعدما قلب المنزل رأسًا على عقـب، جـن جنونـه من عدم رد " بسام " عليه برد مقنع، ام أنه يتعمد إستفزازه واثاره جنونه فيرد عليه بــ : 

" امممم مش عارف " .. " تفتكر ممكن تكون راحت فين يا شبـح ؟ " .. " يمكن العفريـت أخدهـا وهـرب " !!! 

تتبعهـا ضحكاته المستفـزة، فاقترب منه غريب فجأة يسأله بحدة غير معتادة منه تجاه صديقه الوحيد : 

_ بقول فين الصور يا بسام ؟ 

رفـع كتفيه ليقول بلامبالاة مصطنعة :

_ وأنا أيش عرفنـي ؟ 

صرخ فيه بجنـون :

_ أنت هتستعبط، محدش يعرف موضوع الصور ده غيرك أنت ويحيى، ويحيى عمره ما يعملها ! 

نظـر له بلـوم حقيقي مردفًا :

_ يعنى واثـق فــ يحيى ومش واثق ف صاحب عمرك يا غريب !!؟ 

هـز رأسه نافيًا وقال بنـزق :

_ لأ مش كدة، بس إذا كان يحيى هو اللي مدينى الصور دى، هياخدها من ورايا تانى لية يعنى ؟ 

تنهـد بسـام وهو يتابع بيأس :

_ ايوة أنا اللي أخدتهم يا غريـب 

إتسعـت حدقتـا عينيه، لقد ضاع ما خطط له !؟ .. هُدمـت أحلامه الوردية بفتاته ناصعة البيـاض !! ذهبت هباءً وبسبب من ؟! ذاك الذى يُدعي صديقه !!! 

أقترب منه فجأة يمسكه من تلاليب قميصه :

_ ليييية، بتعمل كدة لية ؟ 

 أبعد يده وهو يجيبـه بجدية :

_ عشان أنقذك من المصيبة اللي كنت هتعملها ف نفسك وف بنت بريئة ملهاش ذنب ف اى حاجة 

زمجـر فيه بغضب عـارم يكاد يحرق من أمامـه من شدتـه :

_ وأنت مااااالك، هو حد كان أشتكى لك ؟

هـز رأسه نافيًا ليصدح صوته حازمًا :

_ لأ بس لما أشوف صديقي وصاحب عمرى الوحيـد وأخويـا بيعمل حاجة غلط من حق الصحوبية دى عليا إني أنصحه ولو ماستجابش للنصيحة أتصرف عشان ألحقـه قبل ما يـقع ! 

ضغـط على يـده لتظهـر مفاصلـه من فرط عصبيتـه، وايضًا نفس تلك الصداقة اللعينة تقف حاجـز بينه وبين رغبته في ضربه وتحطيمه لأشـلاء !!! 

هنـا دخـل يحيى في نفس اللحظـات ليقـول بابتسامة هادئـة :

_ اية يا شبـاب عاملين أية ؟ 

اومـأ بسام بهدوء :

_ تمام يا يحيى 

نظـر لوجههم بتفحص متساءلاً :

_ مالكـم كدة في أية ؟ 

هـز باسم رأسه نافيًا بهدوء مفتعـل :

_ مفيش حاجـة يا يحيى 

قاطعـه غريب بغضبه اللانهائي :

_ لأ في، الصور بعد ما عملتها ما بقتش معايا وراحت لشمـس 

عينـاه فقط كفيلـة بأن توضـح بين سطورها إشعال النيـران الملتهبة بداخله !! 

وفجأة دفع غريب بقـوة وهو يصيح فيه حادًا :

_ أزاى راحت لشمس، أنا سايبهم لك أنت !!

ولم يعد يشعـر سوى بــ غريب يسقط على الكرسي الحديدى من الخلفة والدماء تسيل من رأسه .. 

وصرخـة بسام المفزوعة نحوه : 

_ أنت مجنووووون !!!!! 


                           *********


يكـاد يطيـر فرحًا بموافقتهـا، سيكمـل إنتقامه الأعمي على أكمـل وجه، وبموافقتها هي شخصيًا !!! ، حقًا لقد كان القدر معه بكل معانيـه .. 

بينما هي التى لم تعد تشعر بما حولها بعدما خطفت منه الكيس الصغير الممتلئ بالهيرويـن، تلك المادة البيضاء التى تغيبهـا عن وعيها بالكامـل .. 

وإن كانت وافقت تحت تأثيـره البسيط، فبعدما اخذته سيطـر عليها تمامًا ومد فروعه لتلاليب عقلها الاهـوج لتوافق وتسلمه نفسها بكامل ارادتها !! 

غمـز لها زياد بطرف عينيه وهو يقـول بخبث :

_ مش يلا بقا اخدتِ الهيروين، عايز المقابل بقا يلا ؟ 

نظـرت له بعيون ذابلة متساءلة :

_ النهاردة ؟ 

اومـأ مسرعًا ورد بجدية :

_ أيوة، أحنا اتفقنـا خلاص 

تنهـدت وقد بثت في نظراتها الرجاء وهي تتابع :

_ طب ماينفعش نأجل الموضوع ده شويـة ؟ 

هـز رأسه نافيًا ولمعت عينيه على تلك الغنيمة الشهية وأجابها :

_ لأ مابأجلش حقي خالص 

اومـأت وهي تستطـرد باستسلام :

_ طيب 

إتسعت أبتسامتـه الشيطانية مرددًا بحماس :

_ كدة تعجبيتى يا " زينتـي " 

ثم نهـض بخفـة، ومد يده يسحبها لتقـف وهي معه كالعروس اللعبة يحركها كيفما شاء واينما شاء !!! 

وضع يده يحيط كتفيهـا ونظراته تكاد تُخلع لتأكلها اكلاً !! 

وإتجـه الي غرفة نومـه، جلس على الفراش الخاص به وهى بجواره تعتبر جثه هامدة، ركـز نظراتـه على شفتيهـا المنتكزتـين، وفي اللحظـة التالية كان يلتهم بنهـم، يتذوق شهدهم بمتعة لا نهائيـة، يثبت لها رغبته المميتة فيهـا ويده تتحسس منحيـات جسدهـا بشهوة عمـت عينيه، وإدمـان عمي عينيهـا عن ذاك المسار الذى تسلكه !!! 


                               ********


كـان " مالك " يجلس في الصالـون، على الأريكة الخشبية الصغيـرة، عقله منشغل بالتفكيـر فيها بالرغـم من كل ما يحاول إقنـاع نفسه به، ينظـر على البـاب كل لحظـة علها تخـرج من ذاك القفص الذى حبست نفسها به، أو ربمـا الذى حبسها هو به !! 

يتساءل في نفسه 

" ماذا إن كان كلامهـا صحيـح ؟! " 

يومها سيحـلق في سماء الندم طالبًا عفوها حتى تعفـوا ؟؟! 

بالتاكيـد لا، فهذا " مالك السُنـارى " .. الجبل الشامخ الذى لا يهتز مهما حدث !!! 

 قطـع تفكيـره صوت طرقات على الباب لينهض متساءلاً بحدة وضيق :

_ ميييين !!!؟ 

وفتـح البـاب ليتفاجئ بوالـده أمامه بهيئته الجامدة وبعد هذه المدة الطويلة التى لم يراه فيها .. 

ليهمس دون وعي :

_ اية ده بابا !!!! 

اومـأ والده وهو يردد خلفه بسخرية :

_ ايوة بابا، غريبة اوى دى ؟؟! 

هـز مالك رأسـه نافيًا ليبرر :

_ لا بس انت اول مرة تيجي لي الشقة دى يعنى !! 

أبتسـم والده ابتسامته المعهودة والتى يكرهها مالك لأنها تنـذره بعاصفة قوية مدمرة قادمة .. 

فتابع والده جادًا :

_ أصلى جاى لك فـ حاجة مهمة ومفاجأة هتعجبك اوووى 

سأله مالك بحاجبين معقدوين وصوت مقتضب :

_ حاجة أية ؟ 

ليشيـر والده بيده وهو يقول امراً :

_ تعالي 

لتتسـع حدقتـا عينا مالك من هـول وصدمة ما يرى أمامـه وكأنه اليوم العالمي للصدمـات الطويلة !!!!!


                              ********


غزالة فى صحراء الذئاب 


الفصل الخامس عشر : 


دلـف أحـدى الرجـال الي المنـزل بخطـوات هادئـة، أوقفـه مالك الذى أشـار له بيـده ليتوقف وكأنه تذكـر تلك المسكينة بالداخـل، فقـال له بجدية :

_ أقف هنا، أنت أية اللي جابك ؟ 

سأله والـده بصوته الأجش مستفهمًا :

_ أية يا مالك مش عايزنـا ندخل لية !!؟ 

هـز مالك رأسـه نافيًا وهو يقول ببراءة مصطنعة :

_ لا لسمح الله، أنا بس مش عايزكم تدخلـوا شقة زى دى 

ثم وجه نظـر للرجـل متساءلاً بخشونة :

_ وانت جاى لية عايز أية ؟ 

واخيـرًا نطـق الرجـل ليغمغم متوترًا تحت أنظـار " جمال " :

_ أنا جاى عشان أقولك الحقيقة يا أستاذ مالك 

وزع نظراتـه فيما بينهـم وراح يسأله مرة اخرى بعدم فهم :

_ حقيقة اية انطـق ؟ 

هنـا خـرج صوت " جمال " الصلب وهو يقـول مشيرًا للرجـل :

_ مش هو ده اللي جـه قالك إن انـا اللي أتفقـت مع مراتـك إنها تسيبـك 

أغمـض مالك عينيه وكأنه يحـاول منع وصول تلك الذكـرى البائسـة لعقله مرة أخـرى، وكأنما يحاول إقتنـاص الحـزن  المتبقي في حياتـه !! 

هـز رأسه وهو يقول بصوت متشنج :

_ جايبه لية يا بابا، وعايز أية !!!؟ 

أشـار والده للرجل وأجاب بصوت حاول إخراجه حازم :

_ جاى عشان أعرفك إني مظلـوم، وإن مراتك هي اللي باعتك 

صـرخ فيه مالك بحـدة :

_ بسسس، مش هنفتح ف القديم تانى 

أشـار جمال للرجل وهو يقول آمرًا :

_ لا هتسمعه، مش بمزاجك، أنطق يا حُسنى 

هنا غمغم حسنى بتوتر :

_ الصور والصوت اللي بعتهملك يا استاذ مالك كلهم تركيب، والدك ملهوش يد ف حاجة 

رفـع مالك حاجبه الأيسر ساخرًا :

_ لا والله، المفروض اصدق انا !!

إحـتدت عينـا والده وهو يقـول بقوة :

_ هتصدق غصب عنك، الدليل ادامك 

أيجبـره حقـًا على التصديـق، وإن كان هذا شعور فطرى من الأنسـان، سيجبره هو !!!؟ 

وما يقلق مالك أن هذا الأجبـار ليس من الفراغ، بل بدافع هدف وهدف قوى !! 

رفع مالك كتفيه مرددًا ببرود :

_ اوكيه صدقت 

جـز والده على أسنانه بغيظ وهو يقول :

_ ماشي يا مالك ماشي 

همس مالك باستفزاز :

_ بالسلامة يا والدى، خلى بالك من نفسك 


ثم استـدار ليغادر على عقبيه، تاركًا مالك يفكـر في كلامـه وإصراره الذى لن يدعـه يجلس بسلام !!! 


                          ********


طرقـة خافته من البـاب الذى اُغـلق لتوه كانت كفيلـة بأن تقلق إنغلاق جفني " خلود "  الهادئ وتزعج نومتـها المقلقة، لتنهـض جالسة بهدوء وهي تتساءل في نفسها 

" كم من المدة نامت ؟! والأهم ماذا حدث ؟؟! " 

ولكن الأجابـة مفروغ منها، هو أخبرهـا أنه لن يمسسهـا !! 

نهضـت بهدوء وهي تحك رأسها اثر الألم الذى يداهمها، جملتـه الوحيدة طارت على أفقهـا لهدف لا تعلمه 

" الظاهر أن هما كمان كانوا عارفين عشان كدة كسرونى يا حبيبتي ! " 

تـرى من هي ؟! وكيف حدث !؟ 

ولم تتذكر كل هذا الان من الاساس !؟ .. أيتحداها عقلها ليثبت لها أن امره يهمها ! 

نفضـت تلك الأفكار من رأسها وأتجهت صوب المرحاض، أغتسلت وتوضـأت لتصلي فريضتها .. 

انتهت ثم بدءت صلاتها بخشوع، تدعوا الله أن يترفق بها راعيها، وأن تعذرها والدتها وإن لم تكن تعلم ذاك العذر !!

انتهت بعد دقائـق، ثم نهضت تتنهـد تنهيدة طويلة تحمل الكثير في طياتها، وفجأة اجبرتها عينيها على النظـر على تلك الغرفـة، وفضول الأنسان قاتل لدرجة الجنون !! 

تتذكـر تحذيراته وتتذكـر حديثه عن عدم تخطيها لتلك الغرفة، ولكن .. من يحركها الان فضولها وليس عقلها .. 

دلفـت الي الغرفة بترقب شديد، عيناها تسبق قدمها في كل خطـوة، 

 أقتربت شيئً فشيئ من ذاك الدولاب وفضولها ما هو إلا غشاوة على عينيها، فتحته بهدوء لان لم تجد غيره، الغرفة فارغة !!! مليئة بالأتربة .. يبدو أنها لم يمسها بشر منذ فترة ليست قليلة !؟ 

وجدت الدولاب فارغ عدا درج وحيد، اتكأت برفق لتفتحه، لتجد دفتر متوسط، نفضت الأتربة عنه وهي تتفحصه، ثم فتحته، وكأنها فتحت ما جعل علامة الأستفهام في حياة ذاك الشخص " مراد " 

تزداد تبايـن أكثر !! 

أخذت تقـرأ، ولكن توقفت عن القراءة، لا بل توقفت حواسها كلها للصدمة التى هاجمتها الان !!! 

وفجأة صدح صوتـه صارخًا فيها :

_ أنتِ بتعملى اية هنا !!؟ 

وقفت تطالعه بهيئتهـا المرزية، والصدمة باتت حاجز بين هدوءها وخوفها من مراد، فهمست دون وعي :

_ ازاى !!؟

سألها مقتضبًا :

_ هو أية اللي ازاى !؟ 

رددت بصدمة تشربت ملامحها :

_ أنت اللي قتلت مراتك مش حد تانى !!! 


                              *********


وقفـت " كريمة " أمام جثـمان زوجهـا تبكِ وتنحـب، تصرخ بقوة وتصرخ امام بقايا زوجها الحبيب الذى عاصر معها كل شيئ بمُـره قبل حُلـوه .. لقد أنتهي كل شيئ وانتهت الحياة معه عند تلك النقطـة ! 

وبعض كلماتـه وتوصياته على ابنتهم الوحيدة ترتكـز في رأسهـا كالفجوة في الإبرة دائمًا !!، 

ويبقي السؤال معلق في عقلها وكأنه قاصدًا تعذيبها .. 

" ماذا ستفعل هي وابنتها وحدهم في هذه الدنيـا !!؟ "،

بينمـا على الجـانب الأخـر، كان يقف حمـدى يتحـدث في الهاتف وهو ينظر كل ثانية على " كريمـة " .. فقال :

_ ايوة يا باشا لسة قاعدة اهي 

_ خلي عينك عليها 

_ حاضر امرك

_ الدفتر اللي صابر قالك عليه أخدتوا ولا لا ؟ 

_ آآ بصراحة لأ يا باشا 

_ لا ازاااى يا حمار

_ يا باشا ملقتهوش، دورت فــ المكان اللي قالى عليه قبل ما يتكل لكن مفيش 

_ يعنى اية ؟ 

_ يعنى شكله كان بيكذب عليا 

_ ويكذب عليك لية هو كان شاكك فيك ؟

_ معرفش يا باشا والله 

_ اسمع بقا يا حمدى، الدفتر ده لو راح لبنته كلنا هنروح ف داهية وناخد اعدام، واكيد مش هنسيبك انت برة 

_ عارف والله عارف بس اعمل اية ؟ 

_ معرفش اتصرف 

_ حاضر حاضـر 

_ كلمنى لو في جديد مش هنبهك 

_ أمرك يا باشا طبعا 

_ سلام 

_ مع الف سلامة 

اغلق الهاتـف ووضعه في جيبه مرة اخرى وهو يتنهد مرددًا بتوجس :

_ ربنا يسترهـا !! 


                           *********


جلسـت على السريـر متكـورة في وضع الجنيـن، دموعها تهطـل بصورة مُقلقـة، وجسدهـا المُعرى يرتعش بهيسترية مسيطرة عليها، روحهـا داخليًا تفتت لقطـع متناثـرة .. مهشمة برغبة الادمـان، ويرتكـز العنوان الوحيد فوق كل هذا والسبب الرئيسي " أخاها الوحيد مالك !!! " 

تنطبق عليها لتكن هي الضحية !؟ 

اصبحـت تتشنج وهي تتذكـر إستسلامها القهرى له !

أستيقـظ هو ببرود، يتململ في الفراش بابتسامة احتلت ثغـره .. 

لم تنظـر له قط، وكأن النظـر له يذكرها بكل شيئ فتنهدم كل محاولاتها للهدوء.. 

هتف هو بصوت هادئ يعلم تأثيره عليها :

_ صباح الخير ولا مساء الخير مش عارف 

ضغطـت على أذنيهـا ودموعها تزداد نزول وحرقـة .. 

فقال هو بوقاحة :

_ نمتِ كويس يا حبيبتي ولا لا ؟ 

صرخـت فيه بجـزع :

_ بس اسكت اسكت .. مش عايزة اسمعك 

رفع حاجبه متهكمًا :

_ لية هو انا صوتي وحش للدرجة 

لوت شفتيها مكملة بتقزز واضح :

_ صوتك بيقرفنى، بيحسسنى بقذارتك قبل قذراتى 

ضم حاجبيـه كأنما بدى متأثرًا، ثم تابع بسخرية خبيثة :

_ لية منا كنت حنيـن من شوية !! 

نهضـت مسرعة من حواره فهى لن تحتمل المزيـد، ما يحدث فاق قدراتها كأنثي 

فأمسك هو يدها قبل أن تبتعد وقال بجدية :

_ أعملى حسابك إنى مش هديكِ حاجة بعد كدة إلا بمقابل 

نظـرت له نظرة مغلفة بجميع معانى الكره والاستحقار لتغمغم :

_ إستغلال .. حقير 

هـز رأسه نافيًا وأغمض عينيه دليل على تذكره ثم تشـدق بـ :

_ تؤ تؤ، أصلى عيشت ليلة ولا ألف ليلة وليلة 

نهضـت مسرعة وهي تجـر ازدال خيبتها، وتلعن اليوم الذى ادمنـت فيه !! 

بينما همس هو وهو يتسطح بأريحية على الفراش :

_ ولسة اللي جاى أحلي 

تنهـد وهو يتذكـر أخته الراحـلة، ليقطع تفكيـره صوت إصطـدام قوى بالخارج وصرخـة مدوية تسبب في فزعه 

جعلته ينهض ركضًا للخـارج وحالة من الهلع قد سيطرت عليه !!! 


                          **********


كـانت " شمس "  تتسـطح على ذاك الفـراش الذى باتت تكرهـه، الفـراش الذى شـهد إستسلامهـا المقـزز، وهجومه المفاجئ لتنهـار حصونهـا، وإن كـانت حاولت الفـرار من قبضتـه، ولكنهـا إستسلمت !! 

تضم ركبتيـها الي صدرها وكأنها تحاول إستكـات تلك الدقـات التي تزعجهـا وتشعرها بالقهـر، دموعهـا تود الإنزلاق أسفل لؤلؤتيهـا الرماديتيـن ولكنها تشد لجامهـا لتقـف، ملامحها شاردة وواجمـة كالجثة الهامدة خالية من أى روح !! 

دلــف هو من الباب بهيئتـه الرجولية الجذابـة، عطـره الذى أنعش أنفهـا ولكنه جاء بمفعـول عكسي عليها جعل قسمات وجهها تتشنـج بشدة، ودون ظهـور أى رد فعل صرخ فيه حادًا :

_ قوومي 

إرتعـش جسدهـا برعب حقيقـي، الواقـع يفرض عليها ذاك الخـوف البادى على محياها بوضوح، لم تلتفـت له وهى تحاول إختلاق بعضًا من شجعاتهـا، ولكنها فشلت عندما شعرت بقبضتـه تجذبها من الفراش كالقيـد الحديدى، ولكنه موجع لحد كبير !!

جعلها تقف أمامـه ويداه تقيد ذراعيهـا البيضاويَن الذى كشفتهم تلك المنامة ذات البنطـال الضيق القصير والتيشرت الخالى من الاكمام، ثم زمجـر فيها غاضبًا :

_ أية حابة تعيشِ دور الضحية كتير 

هـزها وهو يصيـح فيها هادرًا :

_ ده جزء من اللي هيحصل فيكِ كل يوم، أنتِ هنا لرغبتـي بس، يمكن عقـد الجواز ده عشان يخرس اى حد ! 

أقتـرب منها أكثر حتي اصبح ملاصق لها تشعر بسخونـه جسده من قربها لهذا الحد، لتجده يهمس بفحيح أفعي :

_ كل يوم لازم أخليكِ أنتِ اللي تستسلمي عشان تكرهي نفسك أكتر 

أبتعـد عنها مسافة قليلة وهو يأمرها بنزق :

_ ثم إنك قاعدة على السرير كدة لية وعاملة مناحة، قومي حضرى لى أكل 

لم تجـيبه قط، كانت محدقـة به كالبلهـاء وهو يلقي قسم جديد يشهد على عذابها الحالي .. والقادم !! 

وقد تبلـد جسدها من هـول كلماته المفجعـة، للأسف .. لقد كان محق !! 

عـاد يقتـرب منها ليلاعبها على أوتارها الحساسة التى بدءت تعتاده، ثم قال بخبث دفين أمام شفتيها :

_ ولا أنتِ قاعدة على السرير مستنياني 

لم ترد فقد ألجمتها الصدمـة، ليضحك هو بسخرية متابعًا :

_ اووه، قولى كدة بقا 

وبلمح البصر كان يدفعهـا على الفـراش وهو فوقها تلفح أنفاسه الهوجاء الخشنة بشرتها الحليبية التي شحبـت بهلع، ثم أقتـرب يقبلها بقسـوة، عنـف، وكأنه يفرغ شحنات الغضب التي تجتاحه كلما تذكـر، لتلين قبلاته مع الثوانى قاصده إستسلامها، ولتنل ما قصدتـه وتستسلم هي أمام لمساته الحميمية الجديدة عليها والتى تثير فيها مشاعر لا تعرف لها معنى !!! 


                               ********


كان والد مالك " جمال " يجلس في احدى الكافيهات المعروفة، على الكرسي الخشبي يضع قدم فوق الاخرى بغرور وكبرياء لا ينتهي من حوله بعض الزهور الخضراء المشعشعة مزينـة بأنوار زهية بشكل رائــع، لتهدئه من بالمكان، ولكن كأنها بالنسبة تزيد من عصبيته فتجعله يدب على الارض بقوة اكبر .. 

نظره موجه نحو الباب ينتظـرها بفارغ الصبـر، هي التي ستنفذ له ما اراده وتحقق ما يسعي له علي الفور .. 

واخيرًا ظهـرت بهيئتها المعتادة، بنطال جينز ضيق وتيشـرت يكاد يغطيها عدا ذراعيها البيضاويين، وجهها لا يخلو من مساحيق التجميل الكثيرة، تنهد وهو يراها تقترب لتجلس على الكرسي المقابل له، فسارع هو بالقول :

_ كل ده تأخيـر ؟ 

هزت رأسها وهي ترد بهدوء حذر :

_ معلش مسافة الطريق 

اومـأ متابعًا بارتياح :

_ ماشي 

سألته مستفهمة بفضول :

_ طلبتنى لية ؟ 

ضحَك هو بسخرية، ثم رفع حاجبيه مجيبًا بتهكم يشوبه الخبث :

_ وحشتينى يا مرات ابنى قولت اشوفك 

جـزت على اسنانها بغيظ وهي تغمغم :

_ جمال بيه، ياريت اعرف عشان معنديش وقت 

اومـأ وهو يهتف بجدية :

_ تمام تمام ندخل في الموضوع يا سمر 

اومـأت " سمر " لتنظر له باهتمام .. 

فاستطـرد هو بقوة فاجئتهـا هي شخصيًا :

_ عايزك تدخلى حياة مالك تانى !!!!! 


                               ********


غزالة فـي صحـراء الذئـاب 


الفصل السادس عشر :


صمتت دقائـق تحاول إستيعاب ما قاله له، لا لا .. دقائق لا تكفي لأستيعاب تلاعبـه بهـا !! .. يضعها امام مالك كطُعـم وقتما شاء ويزيحها بكل برود كهامش وايضًا وقتما شاء !! أى عـدل هذا ؟! ، ولكن لا يهـم، ما يهمهـا ويعمي عينيها عن كل هذا، هي الأموال التى تسحرها ولو قليلة !!!! 

ردد مرة أخرى وكأنها لم تسمعه :

_ عايزك تدخلي حياة مالك تانى 

فسألتـه هي ببلاهـة متوقعـة :

_ لية ؟ 

رفـع حاجبه الأيسر يسألها هو الاخر :

_ لية أية ؟

تنهـدت بنفاذ صبـر :

_ لية عاوزنى أدخل حياته تانى !!؟ 

مـط شفتيه مجيبًا بجدية وحدة غير محببة على قلبها :

_ متهيألي شيئ لا يعنيكِ 

إنفعلـت وهي تردد مقتضبة :

_ لأ يعنيني، ويعنيني جدًا كمان، أنا مش تحت أمرك 

قهقـه بسخرية أغاظتها بحق :

_ مين اللي بيقول كدة !! سمر ؟؟

ضغطـت على فكيها والغيظ يزيد من إحتلاله وسيطرته عليها :

_ مالها سمر يا جمال بيه 

غمـز لها بطـرف عيناها متابعًا بخبث :

_ فلـة .. بس في السرير بس 

صرخـت فيه بحـدة :

_ كفاية تجريح لو سمحت 

وإن لم يكـن له مصلحة معهـا لكان أراهـا " التجريـح " بحق، ولكن .. ليتوارى عنه قليلاً ويقتنص ذلك الوقت فيما أراده .. ! 

اومـأ موافقــًا ثم تابع بصوت هادئ بعض الشيئ :

_ تمام

عادت بظهرها للخلف وهي تسألـه بنبرة يفهم مغزاها جيدًا :

_ ممكن أعرف انا هستفاد أية ؟ 

رد مسرعًا :

_ هتستفادى كتير 

سألته دون تردد :

_ أية بالظبط 

سألها متأففًا بحنق :

_ عايزة كام يا سمـر وتخلصينى ؟ 

لمعـت عينيها بجشـع مألـوف عنها :

_ امممم .. ممكن نقول ٥٠ ألف جنية ؟ 

جحـظت عيناه غير مصدقًا :

_ نعممم، خمسين عفريت لما يركبوكِ 

هـزت رأسها نافية وبدت وكأنها تنهـر طفل صغير علي تسرعه :

_ اية يا جمال بيه، مستخسر ٥٠ بس ف سمورة حبيبتك من كومة الفلوس اللي تحت ايدك ده غير الملايين اللي هتكسبهم  من ورة مالك !! 

سألها بتوجس :

_ أنتِ عرفتِ منين انى هكسب من وراه ؟

رفعت كتفيها مكملة بدهاء يشوبه اللامبالاة :

_ اصل اكيد مابتعملش كدة من الباب للطاق، اكيد ليك مصلحة كبييرة كمان 

اومـأ بنفاذ صبر :

_ ماشي اما نشوف اخرتها معاكِ 

ابتسامة شيطانية احتلت ثغرهـا المنفرج لتقول بحماس :

_ إذا كان كدة موافقـة 

بادلها نفس الابتسامة مرددًا :

_ نتفق بقا ... !!! 


                            ********


ويحـاول تهـدأت نفسه وقلبه الذى ثـار غاضبًا من تكرار تلك الذكرى امامه وكأنها شريط سينيمائي، والأهم من ذاك الأتهـام الشنيع !!! .. أيمكـن لشخص أن يقتـل روحـه ؟! بالتأكيد لا، هى كانت روحه، كانت الهواء الذى يتنفسـه ولكـن .. !! 

نقطـة ومن بداية السطـر، هو كان يعشقها، هذا ما يرتكز بين جنبـات عقله فقط ! 

وكأنه استوعب ما قالته لتوه فصـرخ فيها :

_ لا انا معملتـش كدة 

 قالت بقوة لم تعرف من أين جلبتها :

_ كداب، امال اية الكلام المكتوب ده !! 

هـز رأسه نافيًا بسرعة :

_ انا مقدرش اعمل فيها كدة اصلاً، دى كانت روحـي 

لم تعرف لمـا شعرت بنغـزة مؤلمة في منتصف قلبهـا !!! .. ولما تشعر بالألم من الأساس ؟! هي تكرهه فقط .. 

رفعت الدفتـر في وجهه ملوحه بحنق :

_ أنت اللي كاتب أو ايً كان مين اللي كاتب ده 

أطـرق رأسه وهو يردد بخـزى :

_ انا اللي كاتب الكلام ده 

نظـرت للدفتر بنظرة غير مفهومة وقرأت ما هو مـدون بصوت عالي أخترق اذنيه كسهام حادة :

_ أنا أسف يا حبيبتي، أسف يا ليلاي .. الأسف لن يكفيكِ عمرى، قتلتك .. قتلتك وقتلت روحى وقلبي معك، نعم انا قتلتك حبيبتي ... أسف !! 

نظـرت له لتجـده ينظر على الأرض كالطفل الذى أقترف خطأ شنيع في حق والده، فسألته ناهرة :

 _ قتلتها لييية ؟ 

بدء يستوعـب موقف الضعف الذى انحـدر فيه ليحاول الخروج سريعًا :

_ أنتِ ملكيش دعوة اصلاً 

سألته بدهشـة :

_ ازاى يعنى 

رفع كتفيه مجيبًا ببرود : 

_ زى السكـر ف الشاى 

صرخت فيه بحدة :

_ وانا مش هسكت على فكرة 

نظـر في عينيها مباشـرةً واستطـرد :

_ متقدريش تعملى حاجة 

هـزت رأسها نافية بأصرار نبـع من مبادئها التى تربت عليها منذ الصغر :

_ لأ اقدر، واقدر اعمل كتير 

نظـر في عينيهـا مباشـرة، لتنطلق لغة العيـون وقرأت هي بين سطـور عيناه البنية ما عجـز عن نطقـه :

_ بعمل ليكِ عمل خير، وأنـتِ بتتهمينى بحاجة أنا مش قدها 

_ أنا مش مصدقة إنك تقدر تعمل كدة، بالرغم من كل اللي عملتهولى إلا إن البراءة اللي جواك مش ممكن تطاوعك 

_ صدقينى 

_ عينى بتجبرنى أكذبك !!

_ أسف 

_ مش ليا .. للغلبانة اللي اتقلت !! 

قطـع صوت الهاتـف لغتهم الصامتـة، ليخـرج الهاتف من جيبـه ويتربع الضيق علي ملامح وجهه ما إن يرى اسم المتصل 

ابتعد وخرج مسرعًا وهو يرد :

_ الووو 

_ اية يا برنس عاملين اية 

_ تمام .. خير ؟ 

_ بتعمل اللي وصيتك عليه ولا لا ؟ 

ألقي نظـرة على " خلود " التى كانت تحاول فهم ما يحدث :

_ اكيد 

_ امممم تمام، انا بطمن 

_ كتر خيرك 

_ انا بعرف الاصول بردو، دى أختى الوحيدة 

_ امممم انت هتقولى، ده انا اكتر واحد عارف انت قد اية بتحبهااا 

_ طيب .. يلا سلام أنت بقي 

_ مع الف سلامـة والقلب داعيلك 

اغلـق " مراد " وهو يتنهـد بضيق، ضيق إعتراه منذ مقابلته لأخيها .. 

فلاش باك .. 

كـان " مراد " يقـف في احدى المناطق تحديدًا امام النيـل، ينتعش بالهواء الطلق وهو يتذكـر مقابلته لـ خلود لأول مرة، حتى فاجئته قبضة صغيرة تهـزه ليجد طفل صغير يمد يده بظرف وهو يقول :

_ عمو .. في عمو ادانى الورقة دى وقالى اديهالك 

اومـأ وهو يلتقطها من يده متساءلاً باستغراب :

_ هو فين ده ؟ 

مط شفتيه مجيبًا ببراءة :

_ مشي خلاص 

ابتسم الاخر بحنان :

_ شكرًا يا حبيبي 

استـدار وذهب ليتركه يفتح الظرف بترقب ليجـد ما لا يتوقعـه .. 

 " البنـت اللي أسمها خلود اللي انت قابلتها، مع العصابة وكانت بتكذب عليك "

ظـل ينظـر للورقة عدة مرات، يقرأها مرارًا وتكرارًا، وكأنه لم يصدق .. تلك البراءة والخوف لم يكونوا مزيفين ابدًا !!! 

بــاك ... 

تنهـد بقوة، لا يرغب في تذكر ذاك الأحمق الذى يزج أخته في الجحيم بعصا لا يعرف ما هي، ولكنه .. متأكد من براءتها !!! 


                             ********


نهـض من الفـراش بهـدوء، وهي كالعـادة وكأنها لوحًا من الثلـج .. جسـد بدون روح، إستسلمت له لكنها لم تتجاوب معه !! 

ظـل ينظـر لها عدة مرات .. ويحاول قراءة سطـور عينيها ليفهم ما تفكـر به، ولكنها كانت كاللغز الغامض يصعب فكـه.. 

ولأول مرة وجـد نفسـه يتنحنح بهدوء لم يعرفه معها ابدًا :

_ شمس ... قومي 

لم تنظـر له ولم ترمش حتى، هي ليسـت شمس من الأساس لترد !! هي اصبحت مجرد جزء عاتم ليس له فائدة ابدًا !!! 

نادها مرة أخـرى بحروف كانت مخارجها غريبة وهو يقولها :

_ شمـس 

واخيرًا نظـرت له لينظر للؤلؤتيهـا الرماديتيـن، اللتان تلمعـان دائمًا ببريق لم يستطع فهمه حتى الان ثم هتفت متساءلة بكلمة واحدة :

_ لية !؟ 

صمت لدقيقة ورد كأنه لم يفهم :

_ لية أية ؟ 

بنفس النبرة عادت تسأله :

_ لية بتعمل معايا كدة !!؟ 

ظـل يقتـرب منها ببطئ، وهي تتراجع للخلف أكثر.. عضت على شفتاها مغمضة العينين وهي تلعن لسانها الذى نطق بشيئ سيقربهم !!! 

اصبحت على طرف الفـراش وكأنها قطة مرتعدة تنظر له بعينين مذعورتيـن، دقات قلبها تتقارع كالطبول في الحرب من هذا القـرب .. طل عليها بقامتـه العريضة وهو فوقها، ليطيل النظر في عينيها وهو يهمس :

_ مش عارف .. فيكِ حاجة غريبة شدانى أووى 

بادلته الهمس بتوتر لم تستطع خفيه :

_ يعنى اية ؟؟!! 

رد بنفس الهمس :

_ انا نفسي مش عارف 

سألته والدمـوع ترقرقت في عينيها لتلك الذكرى :

_ ابعد عنى، مش اخدت اللي أنت عايزه ؟

لم يعـرف لما أهتز جبله الشامـخ لتلك الدمـوع !!! ، لما تأثر ولو قليلاً ؟! لما استطاعت دموعها فرض سيطرتها على مقاليد قلبه بمهارة ؟؟! 

_ نفسي ابعد 

همس بها قبل أن يقتـرب كثيرًا .. حتى سمع أنفاسها الغير منتظمـة، ولم تكـن هى وحدها المتأثرة بذاك القرب !! 

ثم قبـل عينيها برقـة وحنان استشفتهمـا فصُعقـت !! .. ثم قبل عينيها الاخرى ... 

ثم ابتعد قليلاً يكمل :

_ نفسي ابعد عنك بس مش قادر 

نظـرت له وبدت وكأنها لم تستوعب فتابع :

_ أنتِ شدانى اووى، زى اللي عاملى سحر مش قادر ولا عارف أسيطر عليه 

مد يـده يتحسس وجهها برقة بالغة لتسير قشعريرة كالكهرباء في جسدهـا .. تحسس وجنتاها وشفتاها الكرزية وهو يستطرد حديثه الذى مازالت لا تستوعبه :

_ أنتِ حلوة اووى اوووى 

واخيرًا استطاعت السيطرة على حروفها واخراجها ولو متقطعة :

_ أبــ أبعـد 

قالتها وهي مغمضة العينين، وكأنها منعت سحر عينيها عنه فاستفاق لنفسه ونهض مسرعًا لتتنفس هي الصعداء، ولم تشعر إلا بصوتـه وهو يقول بخشونة :

_ قومي حضرى لى الأكل بسرعة 

لم تستجيب فصرخ فيها :

_ قولت قوومي 

_ رجـع لطبيعته .. الحقير 

همست بها وهي تنهـض مسرعـة، لتجـده يحدق بهـا نظرت لنفسها لتتذكر انها لم ترتدى سوى قميص قصير يظهر كل معالم جسدهـا !!! ، زحفت الحمرة لوجنتاها وصدمت وتوترت .. كثير من المشاعر ليقول وهو يستدير ليسيطر على نفسه بصعوبة :

_ بس بس انا طالع، خلصي وف ثوانى ألاقي الأكل جاهـز 

ثم خـرج لترتـدى هي ملابسهـا بسرعة مرتبكـة حتى انتهـت فخـرجت متجهه للمطبخ، لتجده يجلس امام التلفاز بهدوء، ظلت تتفحص المطبخ بعينيها ولم تجـد اى شيئ .. زفرت وهي تغمغم :

_ لازم اروح اسأله .. استغفر الله 

خرجت لتسأله، وما إن رأها حتى سألها هو :

_ في اية ؟ 

ابتلعت ريقها بتوجس وسألته :

_ فين الأطباق مفيش حاجة ف المطبخ ؟

اومـأ وهو يشيـر تجاه تلك الغرفـة التى تكرهها :

_ في الاوضة هتلاقي الاطباق فـ كرتونة، وفي اكل في التلاجة 

اومأت بسرعة وهي تكاد تركض تجاه الغرفة، وجلس هو يأنب نفسه على تهاونـه معها، يلعن عدم سيطرته على نفسه.. يكره ذاك الشعـور الذى نبع بداخله ولكنه لن يسمح له بالنمو ابدًا !!! 

جاءت وهي تحمل الأطباق الزجاجية وظل هو ينظر لها بغضب هادر، غضب تجهل سببه ولكنه أربكها حتى سقطت الاطباق من يدها وتهشمـت، فشهقت وهي تردد مسرعة :

_ اسفة .. اسفة هألمهم 

هبطت تجمعهم ولكن إربكاها كان امر تلقائى من مالك الذى كان يتابعها بعينـاه، فجرحـت اصبعها ونزفت الدماء منه فصرخت هى متأوهه :

_ آآه أيدى !! 

نهض مسرعًا ليصبح مقابلاً لها ثم امسـك اصبعها المصاب يتفحصه بهدوء ثم نظر لها ليجدها كالبلهاء لم تستوعب تغيره المفاجئ، فقال لها :

_ مش تاخدى بالك 

نظـرت ليدهـا وليده الممسكة بها بذهول حقيقي، كانت كالطفل البرئ وشفتاها الكرزية مزمومتين، ولم يتمالك نفسه فاقترب منها يفاجئهـا بقبلة هدمت ذهولها ليحل محله الصدمة والقلق من القادم .. قبلة رقيقة هادئـة تحولت لقبلات متتالية تأكل شفتاها ... ! 

واخيرًا استطاعت دفعه قليلاً عنهـا، لينظـر في عينيها مباشرةً ويقول وهو يهمس بأنفاس لاهثـة :

_ أنا أسف !!!!! 

ولم تستوعب أن الجبل الشامح يعتذر !!!! و...... 


                            **********


حديقـة متوسطـة مجاورة لمنزل كبير " قصـر " .. اللون الأخضر يسيطـر على انحاءهـا بمهارة، مزينـة من الجانبين بنور القمـر الزهي الذى ينعكس على اضواءها، وجلسة في الهواء الطلق على كرسيين خشبيين ومنضدة خشبية تتوسطهم، الجو الهادئ لا يخفف شحنة التوتر التى تملئ المكان ابدًا !!! 

رجـلان يرتديـان ملابس مهندمة نظيفـة، احداهما " طـه " والاخـر " معتـز " .. 

نظر طه له وهتف بشيئ من الحنق :

_ انا معرفش أنت لية مخلتنيش أبعت رجالة يجيبوا البت 

هـز رأسه نافيًا واجابه بخبث :

_ يا باشا .. سويها على نار هادية هو انا اللي هرسيك بردو !؟ 

تأفف بضيق قبل أن يأمره :

_ قول قصدك على طول يا معتز 

أقترب قليلاً وهو يتابع :

_ مش أحنا عايزين الفلاشة يا باشا ؟ 

اومـأ " طه " مؤكدًا :

_ ده شيئ مفروغ منه !! 

ابتسـم معتز ليستطرد بتفكير :

_ طب ما البت مش عارفة اصلاً حاجة عن الفلاشة، مش حمدى قالك ف السجن إن الراجل قاله يقول لبنته شمس على مكان الدفتر، معنى كلامه انه كان مخبى على بنته كل حاجة 

حـك طرف ذقنه باصبعه وهتف :

_ طب ما أحنا لو خدنا البـت وساومنا امها ممكن تكون عارفة مكان الفلاشة وتقولنا عليها 

هـز الأخر رأسها نافيًا واكمل :

_ ولو الاتنين ميعرفوش ممكن تروح تبلغ البوليس وهياخدوا حذرهم ومش هنستفاد اى حاجة 

تنهـد قبل ان يعاود سؤاله الحاد :

_ يعنى اية !!؟ 

استطرد " معتز " :

_ يعنى كدة كدة يا باشا أنت مراقب ام البت، وحط مراقبة على البيت كمان، ومسيرنا هنعرف الفلاشة فين بس  من غير تهـور 

تقوس فمه بابتسامة ساخرة وقال :

_ مسيرنا هنعرف اكيد واحنا ببدلة الإعدام 

هـز رأسه نافيًا بسرعة واشار لنفسه بغرور فاضح :

_ لأ لأ بعيد الشر، ثق فيا يا باشا 

اومَأ الاخر وهو يقول بضيق :

_ اما نشوف اخرتها !!! 


                         *********


بعد فتـرة .. وصراع من التفكيـر داخله، امواج متلاطمة تتخبـط بداخله، وهو لا يعرف ما يجـب أن يُفعـل، تائـه بين امواج هو من زج نفسه بهـا، تنهـد والضيق يعتريه بشدة .. هو خائف، خائف بحق من شعور ينبت بداخله فيجعله يحلق في سماء هو لا قوى له فيهـا !!! 

نظـر لها وهي تتقـدم لتضع الطعام على المنضـدة امامه .. 

وهذا الشعـور الذى يسيطر عليه عليه بلا هواده كلما رأهـا يشعر أنه يرغب في إمتلاكهـا، يتمنى أن يسير بشريانها كالدماء بلا منازع !! 

ويـا لها من معاناة عندما يحاول كبت جميع مشاعره .. 

طُـرق الباب برفق فطُرق معه التوجس في قلب كلاهمـا، نهض مالك وهو يشير لها قائلاً :

_ اهدى مفيش حاجة 

اومأت بهمس قلق :

_ طيب 

اتجه للخـارج ثم فتـح البـاب ليُصـدم من تواجدها وفي هذا المنزل !!! 

نعم أنها " سمـر " ترتدى ملابس خليعـة كعادتها وكأنها تحاول إغراءه !! 

وقبل أن يستوعب الصدمة كانت تصيح بابتسامة ماكرة وهي تحتضنه :

_ مااالك.. Miss you so much يا حبيبي !!!!!! 


                           **********


يتبــع


غزالة فى صحراء الذئـاب 


الفصل السابـــع عشـر : 


صـدمة .. كلمة تجسـد معناها أمامه بكل مراحله منذ قدومها بهيئتها تلك .. واحتضانهـا، وظهـورها المفاجئ الذى سيقلب كل الموازيـن في حياته رأسًا على عقب !!! لتزيـد الصدمة ألونًا صادمة عند حضور شمس وهمسها المصعوق :

_ انا خلصـ !!!!! 

والمشهد وهي تحتضنه كان كفيل لمنع الحروف من الخروج من فاههـا ! .. 

نظـرت للأرضية بخجل واخراج .. وداخليًا تحترق فعليًا !! .. والسبب مجهول ؟!

ثم تنحنحت :

_ انا آآ 

قاطعتهـا سمـر التى ابتعـدت عن مالك لتقف تنظر لها من اعلاها الي امحص قدميها نظرة جعلتها تتبعثر داخليًا من كم الاستحقار الذى لمحته !! والاهم سؤالها المفاجئ :

_ مين دى ؟! 

كيف تجيبها وهي اساسًا لم تعتاد تلك الاجابـة " انا زوجته " !!! 

زاح عنها مالك الحرج عندما جذب سمر من ذراعها يسألها بحدة :

_ انتِ اللي اية اللي جابك هنا ؟ 

حاولت ابعاد يده وهي تجيبه بدلع غير محبب :

_ اية يا بيبي منا قولتلك وحشتنى 

صرخ فيها بحدة :

_ اخرسي، الشويتين بتوعك دول بقوا حمضانين اوى 

عقدت حاجبيها بحزن مصطنع :

_ تؤ تؤ اخص عليك يا مالك، ده انا مراتك بردو 

واتـتهم شهقة شمس المفزوعة !!!! وعيناها تسأله ألف سؤال .. زوجته !؟ كـيف !؟ متى ؟! لما تزوجتنى اذًا !!! 

نظـر لسمر مرة اخرى ثم قال وهو يجز على أسنانه بغيظ :

_ قصدك طليقتى ويلا غورى من هنا 

نظـرت لشمس بتحدى وسألت مرة اخرى ببجاحة :

_ طب مييين دى ؟ 

إحتـدت عينا مالك وقبل أن يجيبها كانت تلقي سمومها في روح شمس :

_ اه اكيد دى واحدة من اياهم بتروقلك مزاجك صح 

جـرح أخـر يُضـاف لقائمة جروحها السوداء، اما يكفيها ألامـه لها لتأتى هى وتزيدها ؟! 

نظـرت له بجزع وقالت :

_ لا انا مش كدة ولا عمرى هكون كدة 

أمسكهـا مالك من ذراعها بقوة ألمتها ثم قال أمرًا :

_ سمر لمى الدور وغورى أحسن لك 

نظرت لشمس بغيظ مكبوت وقالت :

_ مش قبل ما اعرف مين الزبالة دى 

كادت شمس تصـرخ بها لتدافـع عن نفسها، إلا أن مالك وكأنه اصر أن يدافع هو عنها هذه المرة فاستطرد بحدة موجهًا حديثه لسمر :

_ دى مش زبالة، الزبالة اللي بيبقوا أمثالك

لم تصـدق أذنيهـا .. كلماتـه رنت عليها كالموسيقي الهادئة التى لم تسمعها من قبل !!!! 

بينما نظـرت له سمر بحدة ثم قالت بتهديد واضح :

_ صدقنى هتندم يا مالك 

اومـأ وهو يرد ببرود ثلجي :

_ سمعت الكلمة دى كتيير، بس هندم فعلاً لو سمحتلك تبقي ف حياتى 

أبعدت يده ثم اتجهت للخارج وهي تغمغم غاضبة من هزيمتها .. ولكن الحالية :

_ مش هستسلم بسهولة كدة يا حبيبي .. باى باى يا ملوكى 

زفـر بضيـق وهو يمسح على شعره الأسود هامسًا :

_ داهية تاخد المعفن 

وما إن نظر لشمس التى لم يسمـع صوتها حتى الان حتى وجدهـا تتقـدم منه هادئـة ومن ثم هتفت :

_ انا عايزة أتطلق يا مالك !!! 


                           *********


ركـض ليجـدهـا مُـلقـاه على الأرض فاقدة الوعي، لم يعرف كيف ركض صوبها ليحملها مسرعًا ودقاته تتعالي بقلق، وضعها على الأريكة في الصالون ثم ظل يدور حول نفسه بحيرة مرددًا :

_ اعمل اييية اعمل اييية 

خبط رأسه بطرف إصبعه متأففًا :

_  صح هفوقها هفوقها 

ركض باتجـاه المطبـخ ثم جلب زجاجة من الميـاة، يجهل سبب خوفـه وقلقـه !!!؟ 

خـوف من فقدانهـا بشكـل عام وينحدر هو في جوف مظلم !!؟ أم خـوف من نوع اخر ؟؟ 

لا لا هو فقط خوف لفقدانها في منزله .. 

هز رأسه وكأنه يقنع نفسه بتلك الاجابة، ثم اقتـرب منها و رش قطـرات من المياة على وجهها الأبيض الذى شحب مؤخرًا .. 

وبدءت هى تستعيـد وعيها تدريجيًا، تحاول فتح جفنيها بتثاقل ولكن كأن عيناها لا ترغب بذاك النور الذى يهدمها !!! 

وما إن رأته حتى حاولت النهوض مفزوعة وهي تسأله :

_ أنت عملت اية ؟ 

عاد لقناعه البارد عندما وجدها بخيـر، فهتف بهدوء مستفز :

_ عملت اية يعنى يا زينتى، ما أنتِ كنتِ ادامى لو عايز اعمل كنتِ حسيتى 

نظـرت له من اعلاه الى اسفل قدميه نظرة ود لو يخلعها من عينيها ... وهمست :

_ هتفضل طول عمرك حقير 

بادلها الهمس ببرود :

_ ومنك نتعلم يا حبيبتى 

حاولـت النهـوض وهي تقول :

_ انا همشي 

ولكن ترنجت مكانها وسقطت مرة اخرى على الأريكـة ليتابع هو بجدية :

_ اهدى انا هطلب الدكتور 

هـزت رأسها نافية وهي تستطرد بألم سيطر على قسمات وجهها بأريحية :

_ لا لا انا كويسة، ماما هتلاحظ غيابي 

وكانه لم يستمع لها نهض واخرج هاتفـه من جيبـه ثم اتصل بالطبيب المعرفة الذى يلجأ له في هذه الحالات الطارئـة :

_ الووو دكتور 

_ ايوة يا استاذ زياد ازيك 

_ بخيـر، حضرتك فاضي تيجي البيت عندى معلش 

_ خير مين تعبان 

_ لا دى آآ يعنى واحدة قريبتى تعبانة شوية قولنا نتطمـن 

_ تمام ان شاء الله نص ساعة وتلاقينى عندك 

_ في انتظارك شكراً 

_ الشكر لله مع السلامة 

_ سلام 

أغلق الهاتف وهو ينظـر لها ليجدها تتنهـد اكثر من مـرة بالثانية !! 

هو يعذرها .. بالرغم مما يفعله بها يعذرها فهى تتخطي كل المراحل التى حاولت شقيقته تخطيها مسبقًا ... !! 

جلسـا النصف ساعة كلاً منهم ينظر للأخر كل دقيقة .. كل منهم تموج افكاره بضعف، زينـة تحاول تخيل صورة شقيقها عندما يعلم .. وهو يصارع الشعوران بداخله، شعور يؤنبه على ظلمه لتلك الفتـاة، وشعـور يزيده نشوة ورغبة في الانتقـام .. مضت النصف ساعة سريعًا وبالفعل سمعوا طرقات على الباب فنهض هو بهدوء يهندم ملابسـه ثم اتجه للباب وفتحه ليرحب بالطبيب الذى يعادل عمر والده :

_ اهلاً يا دكتور هاشم اتفضل 

اومأ الطبيب بابتسامة هادئـة، وجدوا زينـة جالسة بهـدوء لينظر لزياد متساءلاً :

_ خير اية المشكلة ؟ 

تنحنح زياد بجدية :

_ كانت واقفة عادى وفجأة اغمي عليها 

اومأ الطبيب ثم اقترب ليفحصها وبعد دقائق انتهى لينظـر لزياد بابتسامة هادئة :

_ مفيش حاجة تقلق 

سأله زياد مستفهمًا :

_ الاغماء كان بسبب اية يا دكتور ؟ 

هز رأسه ثم نظر لزينة مكملاً :

_ أنا شاكك إن المدام حامل، هنعمل تحاليل ونتأكد !!!!!! 


                            *********


كـانت تجـلس وحيدة على فراشهـا، منذ خروجها من تلك المستشفي وهي تقيم بالمنزل امتثال لأوامر الطبيب، حتى كادت تشعر انها بالسجن حقـــًا .. ! 

وما يجعلهـا داخليًا تحـترق هو تجاهل ولديها لها ؟! .. او حتى السؤال منهم !! 

وكيف تنتظـر منهم الاهتمام وهي من جعلتهم يعتادوا على التجاهل !! 

هى الان تحصد ما جنـته فقط !!!! 

وجـدت " جمال " يدلف الي الغرفـة، تنحنحت بضيق وكأن الهواء انقطع من الغرفـة .. 

 لتجده يقتـرب ليجلس بجوارهـا ويقول بابتسامة باتت تكرهها :

_ ازيك يا ام العيال ؟ عاملة اية ؟ 

اجابته مقتضبة :

_ كويسة .. خير ؟ 

رفـع حاجبه الأيسر متابعًا بتهكم :

_ في واحدة تقابل جوزها حبيبها كدة 

غمغمت بضيق :

_ قول المصلحة اللي جاى عشانها على طول ياريت 

اومـأ مبتسمًا باستفزاز :

_ عندك حق، ندخل مباشـر 

اومـأت لتنظر له باهتمـام لتجده يهتف ببجاحة غير مفاجئة عنه :

_ عايزك تكتبي كل حصتك فـ الشركة بأسمى 

حدقـت به غير مصدقة .. انتهت كل محاولاتها للصبر مع وصل حد جشعـه لأولاده !!! غلي الدم بعروقها وهي تصرخ فيه بجزع :

_ انت مجنون، انت عارف انى كتبته باسم مالك 

رفـع كتفيـه بلامبالاة مجيبًا :

_ عارف، عشان كدة أفضل إنك انتِ اللي تقنعيه، دى مليارات مش لعب عيال 

هـزت راسهـا نافيـة بأصرار :

_ ماتنساش انها كانت شركة والدى، يعنى انا حرة التصرف فيها زيي زيك 

وحلق في سمـاء الغيظ والكـره، ولم يعد يرى امامه سوى شياطين تزين له تلك الأموال، نهض بغضب ليسألها بتحذير :

_ متأكدة من اللي أنتِ بتقوليه ده !!؟ 

اومـأت بتأكيد :

_ طبعًا متأكدة 

هـز رأسه وهو يتجـه للخارج :

_ تمام، ماترجعيش تقولى إنى ما حذرتكيش بقاا !!! 


                           *********


بمجـرد أن دلـف " مراد " الي الغرفـة حتى فاجئتـه بسؤالهـا الغير متوقع تمامًا بالنسبة لهـا، لا بل تدخلها في حياته من الأساس غير متوقـع، انحرافها لطريق مبتعد عنه هو الشيئ الصحيح .. :

_ كنت بتكلم مين عشان كدة خرجت ؟ 

ضيق عينيه مجيبًا باستغراب :

_ وانتِ مالك ؟ 

زفـرت بغضب قبل أن تزمجـر فيه :

_ لا مالي ع فكرة 

سألها ببرود وهو يعقد ساعديه مستمتعًا بذاك النقاش :

_ مالك أزاى بقي ؟ 

نظـرت له بتحدى، وتفوه لسانها بما تجيب به اى زوجه طبيعية تعيش حياتها بكل مراحلها وليس جزءً وجزء :

_ انا مراتك ماتنساش 

عضـت على شفتـاها بنـدم حقيقـي، اعتراها الضيق مع انه حقهـا !! 

ولكن حق لم يعطيها صاحبه مفتاحه !!! 

بينما هو .. لم يعرف يحزن ام يبتسم، يبتسم لما قرأه بين سطور عيناها من .. غيرة نسائية فطرية !!! 

ام يحـزن لأنهـا دلفت وفرضت سيطرتها على قلبه .. او بدءت تمسك مقاليد حكم ذاك القلب الذى يقـرع كلما اقترب منها !! 

همست بارتباك :

_ أنا آآ مــ 

قاطعهـا بسؤاله الجـاد : 

_ من امتى اكتشفتِ انك مراتى 

كادت تجيب بحزن : 

_ لا أنا بس كـنـ آآ 

قاطعها مرة اخـرى بنفاذ صبر :

_ عمرك ما كنتِ ولا هتكونى مراتى فعلاً، دى مجرد ورقة بينا لا راحت ولا جات 

اومـأت وهى تبتلع تلك الغصة المريرة في حلقهـا .. هى من تسبب في فك القيود التى بنتها بينهم، لتأخذ المقابل اذًا !!! 

رفـع اصبعه في وجههـا بتحذيـر :

_ اوعى تدخلى في حياتى مرة تانية 

اومأت وقد ترقرت الدموع في عينيها بلمعة غريبة :

_ أسفة 

أولاهـا ظهـره متجهًا للخـارج بخطوات هادئة دون أن يرد عليهـا، ليجـد الباب يطـرق، اقترب منه ليفتح حتى وجدها تأتى خلفه، نظر له بطرف عينيه وقال أمرًا :

_ ادخلى جوة ماتطلعيش غير لما أقولك 

اومـأت بهمس قلق :

_ حاضر 

دلفت هي فأكمل هو سيـره وفتح الباب، حتى صـدم من ........ 


                          *********


كـانـت شمس تجـلس في الصالـون، من المفتـرض أنها تشاهـد التلفـاز، ولكن يبدو أن التلفاز هو من يشاهدها وانقلبت الأية !!! 

نظراتها هائمة تحدق بلاشيئ، وقفزت لذاكرتها ما حدث وزاد من تعجبها .. 

فلاش بــاك 

_ أنا أسف 

قالهـا بهمس رقيق، ولكنه سقط على اذنيها كالصاعقة الرعدية التى زلزلتها داخليًا، الكثير من المشاعر المختلطة اجتاحها عند تلك اللحظة !!!

لقد تحقق المستحيل، جبلها الشامخ الذى منذ ان عرفته لا يهتز، اليوم اهتز وليست هزة عادية .. بل لها هي !؟ 

وكأنها لم تستوعب فقالت ببلاهة :

_ أية !؟؟؟ 

والأغرب فعليًا تكراره لأسفه :

_ أسف .. أسف 

أغمضـت عينيها تحاول السيطرة على رفرفة اجنحتها ثم استطردت :

_ على اية ولا اية 

تنهـد وكأن شخصية اخرى هي من تسيطر عليه الان واجاب :

_ على كل حاجة، بس صدقينى فعلاً انا مش عارف اية اللي بيحصلى وانا معاكِ 

ونظـر لها نظـرات ادهشتها .. نظرات ممتلئة بالحنـان .. الهدوء .. الأسف .. والاعجاب !!! 

ام انها فسرتها خاطئـة ؟؟! اكيد نعم !،

مد يده يتحسس وجهها مرة اخرى برقة وهو يهمس بالأخيرة :

_ تعبتينى معاكِ يا ... شمـسي 

لا لا من المؤكـد أنها تحلـم، شعرت وكأنه جوف من الحنان فُتحت ابوابه الان فقط !! 

ابتلعت ريقها بتوجس وقالت بما لا يتناسب مع ذلك الموقف :

_ انا خايفة 

ضيق ما بين حاجبيه وسألها :

_ من اية ؟ 

اجابت بلا تردد بطفولة محببة :

_ منك، أنت بتتحـول 

ضحـك بقوة على جملتهـا، للحظات شعر أنها طفلته وليست زوجتـه !!، 

تحمل من البراءة ما يكفي لأعوام، بينما هي سرحـت في ضحكته الجذابـة، كيف لم تلحظ وسامته تلك من قبل !!! 

استفاقت لنفسها على صوته الخبيث :

_ اول مرة ألاحظ انى حلوو كدة 

احمرت وجنتاها بخجل، لقد شرح ما عليه حالها، ولكنها تصنعت عدم الفهم وهي تقول :

_ مش فاهمة !!

اجابها وهو يقتـرب من عينيها الرمادية :

_ ده اللي ظاهر في عينيكِ 

نظـرت للجهه الأخرى لتهرب من اختراق عينيه ثم نهضت مسرعة تقول بتوتر :

_ الاكل اتحـرق 

بــاك 

تسللت الأبتسامة لثغرها بمجرد أن تذكرت ما حدث تلقائيًا.. قطع شرودها صوت طرق الباب الذى باتت تكرهه، لتنهض بهدوء متجه له، فتحت فلم تجد اى شخص نظرت يمينًا ويسارًا ثم اتكأت واخذت الظرف الذى لمحته على طرف الباب تتساءل بتعجب :

_ ده اية ده ! 

اغلقت الباب ثم بدءت تفتحه بهدوء لترى ما به، لتجحظ عينيها بصدمة من هول ما ترى وكأن الصدمة حليفتها فقط !!!! 


                            ********


غزالة فى صحراء الذئاب 


الفصل الثامـن عشر :


دوامـة من الأفكـار عصفـت بها لتجعلها تكاد تشعـر بالدوار، صورة لتلك التى تدعى سمر ومالك في أوضـاع مُخـلة، وتحت بخط اليـد .. 

" قولت أبعتلك ذكريات لينا أكيد اشتقت لها زى ما أنا اشتقت لها، فاكر دى أمتي يا ملوكى ؟ يوم صباحيتنـا، وحشتنى 

حبيبتك سمـورة " 

 الدمـاء تحتـرق داخل أوردتها ؟! ، لا لا ما تشعر به الان اسوء من ذلك، معشوقته تغازل زوجهـا !!!! 

وكأنها استوعبت تلك الكلمة الان بكل ما تحمله من معانى في طياتها، من غيرة فطرية وحقـد لــ " درتهـا " !! 

في نفس اللحظـات وجدت مالك يتقـدم منهـا بهدوء حذر ثم سألها :

_ مين اللي كان هنا ؟ 

لم تعـرف ما الذى دفعها لتخبئ ذاك الظرف خلف ظهرها بحركة مباغتـه، ثم نظرت واجابت متوترة :

_ آآ ده آآ ده الـ الزبال كان بياخد الزبالة 

نظـر لها بنصف عين متساءلاً :

_ متأكدة انه الزبال يا شمس 

اومـأت بسرعة وهي تقول بسخرية مصطنعة :

_ اه اكيد امال هيكون اية يعنى 

أقتـرب منها ببطئ وهى تفـرك يدهـا التى تحمل الظرف اكثر وكأنها تلومهـا على تلك الحركة، بينما شيئ ما بداخلها سعيـد بهذه الحركـة !!!

سألها بصوته الأجش :

_ أنتِ مخبيـة أية ورا ضهرك ؟؟ 

تصاعدت الدمـاء لوجهها بخـوف، شعرت انها تحـلق في سماؤوه هو التى لا رحمة فيهـا الان !! ، وهي من زجت نفسها بها .. 

هـزت رأسها وحاولت إخراج صوتها مليئ ببعض الثقة :

_ مش مخبية اى حاجة 

نظـر لها بعينين ممتلئتين بالثقة الحقيقية وتابـع :

_ كدابة، مخبية حاجة، للأسف عنيكِ فضحاكِ دايمًا 

جهلـت كيفية الكذب عليه، ولأول مرة تبحث بين جنبـات عقلهـا عن كذبة تحاول النجاح فيها، ولكن فشلت !! فصمتت .. 

بينما استطـرد هو بجديـة :

_ شمس، أنا حفظتك خلاص، بطلى كذب وطلعى اللي أنتِ مخبيـاه 

فغرت فاهها بصدمـة، فهي الان وكأنها شفافـة امامـه، يكتشفها بهذه السهولة !!! 

وفي لمـح البصـر كان يختطـف منها الظـرف بابتسامة منتصـرة وهتف :

_ اخدته بردو 

بينما تحول وجهها لألف لون ولون، وكأنه بكل يظهـر التوتـر اكثر واكثـر .. 

فـتح الظـرف أمامها وهو ينظر لها بين كل حين ومين، صُعـق من تواجد تلك الصـور معهـا هي !!! 

أستفاق من صدمتـه سريعًا وقال متساءلاً بذهـول حقيقي :

_ جبتِ الصور دى منين ؟ 

رفعت كتفيها وردت وهي تنظر للأرضية وكأنها تحدثها :

_ معرفش 

صدح صوته صارخًا فيها، وكأنه قد علم بالوسيلة الوحيدة التى تجـدى نفعًا معها :

_ انطقـي جبتِ الصور دى منين ؟؟؟ 

إبتلعت ريقها بازدراء وحاولت النطـق مبررة :

_ أنا فعلاً معرفش هما جم منين 

سألها مسرعًا بصوت حاول اخراجه هادئًا :

_ امال وصلوا ازاى لأيدك الصور دى 

سارعت بالقـول :

_ والله الباب خبط ولاقيتهم ادام الباب، لكن حتى ماشوفتش الشخص اللى جابهم 

اومـأ بريبـة وعاد يسألها وكأن دوره السؤال فقط :

_ خبتيهم لية أول ما جيت ؟ 

هذه المرة لا يمكـنها التبريـر، وعجز لسانها عن النطق وكأنه لن يطاوعها على كذبة غير معترف بها ولكن استطاعت السيطرة عليه بنطقها الكاذب :

_ عشان خوفت تتضايق

جهـر القلب باعتراض، وكأنه يسألها الاعتـراف !!! 

ولكن لما تخفي عن نفسها السبب، غيرة بالفعل، غيرة فطرية من اى مرأة تجاه من يهتم بها أو معجب بها، ليست غيرة بدافـع ... الحب !! 

هذا ما اقنعت نفسها به وهو يحدق بها يحاول أن يستشف ما يدور بخلدها فسألته ببلاهـة :

_ في اية ؟! 

أشـار بأصبعـه في وجهها محذرًا وتشدق بقسوة قائلاً :

_ ماتتدخليش ف حاجة تخصنى، وياريت ماتنسيش أنتِ هنا لية 

ألـم جديد داعب جرحهـا الذى لم يشفـي بعد، لتغلق جفنيهـا امره إياهم بعدم السماح لتلك القطـرات بملامسة وجنتاها، ليزمجـر فيها هو بحدة :

_ مفهوم كلامى 

اومـأت برأسها مسرعـة لينظر لها من اعلاها الى اسفل قدميهـا وهمس بغيظ :

_ غبيـة 

ثم غـادر متجهًا الي غرفتـه تاركًا اياها تلعن اليوم الذى اعتقدت فيه انه سيتغير ولو قليلاً .... !!


                           *********


صُـدم " مراد " من تواجـد " والدة خلود " التى كان يظهـر علي قسمات وجهها الغضب جليًا، وكأن الشياطين فقط تتقافـز امامها الان، وأتي هو ليزيد " الطين بلاً " كما يقولون ليسألها ببلاهة :

_ مين حضرتك ؟ 

اجابت بصوت عالى وحاد :

_ اه ما أنت متعرفنيش، هتعرفنى ازاى وانت ماجتش تطلبها من أهلها زى الناس عشان تشوفنـا 

وصل له مقصدها على الفـور، ولكن مع وصوله انهارت كل مخططاتـه !!! 

كيف أتت لهنـا ومتى ؟! ومن أخبرها ؟! 

مؤكد ذاك الأحمق الذى يدعى اخاهـا، حاولت إستنساخ صورة جيدة عنه لها فقال بتهذيب :

_طيب من فضلك تهدى شوية 

صرخـت فيها بحدة وهي تشير بيدها :

_ أنت مجنون، عايزنى اهدى وبنتى في بيت واحد منعرفش عنه حاجة 

" للأسف أبنك عارف كل حاجـة " 

قالها في قرارة نفسـه بغضب حقيقي، ولكن كتمه وهو يتابـع بهدوء :

_ طب أتفضلى نتكلم جوة بالهداوة 

دلفـت وهي تنادى بصوت عالى :

_ خلود، تعالى هنا يا بنت بطنى يا تربيتى يا محترمة يا حبيبتى 

كانت خلود بالداخل ترتجـف، تخشي تلك المواجهة الأن، لم تكن ولن تكن مستعدة لها ابدًا، هذه المواجهة لن تجـدى سوى خسارة أهلها .. وللأبـد !!! 

خرجـت بخطوات مترددة، تقدم واحدة وتؤخر الاخرى، إن خيروها بين الموت وهذه المقابلة ستختار الموت بلا تردد 

وما إن رأتهـا والدتهـا حتى اقتربت منها مسرعة، ومدت يدها لتصفعها إلا أن يد مراد كانت الاسرع لتمسكها قبل أن تصل لوجه خلود التى اغمضت عينيها بخوف، فغمغم مراد معتذرًا :

_ أنا أسف، بس مبحبش حد يمد أيده على مراتى 

كادت تصـرخ به مرة اخرى إلا انه قاطعتها بصوت هادئ اجبرها على الإنصات له :

_ ارجوكِ اسمعينى، انا عارف أن الموقف وحش وإنك من حقك تتقهرى مش تزعلى بس، وأنك ممكن تعملى كتير، لكن أنا بعتذر لحضرتك مع انى عارف إن الاعتذار مستحيل يفيد، بس عشان خاطر اى ذكرى حلوة لخلود عندك سامحيها وسامحينى 

ينصـب الخيـوط ليتمكـن منها، يطلب السماح ليفعل ما يشاء !!! 

على عكس توقعاته قالت بسخرية :

_ لا والله، والمفروض انى اقولك خلاص يابنى مسمحاكوا تعالى يا بنتى ف حضنى 

هـزت رأسها نافيـة بقوة :

_ لا، انا عمرى ما توقعت اللي حصل ده منها هى، الضربة جاتلى فـ نص قلبي 

كانت خلود تبكِ بصمت، تبكِ على مصيبـة قدمت لها على طبق من ذهب، على عقاب على شيئ هي لم تتخيل حتى ان تفعله !!

نظـرت لوالدتها واخيرًا وياليتها لم تنظـر لتقابل تلك النظـرة القاتلة وحاولت التبرير :

_ ماما صدقينى انا آآ .. 

قاطعتهـا والدتها بعنف وغضب هادر :

_ بس اوعى تنطقي ماما دى تانى، انا مش امك ابدًا 

استـدارت وهي تشيـر لها بصوت آمـر :

_ يلا تعالى ورايـا 

كادت خلود تسير خلفها بالفعل وتتمسك بطوق النجـاة، ولكن نظرة مراد التحذيريـة ذكرتها بكل شيئ لتتجمد قدماها في الأرض، فقال مراد بجدية :

_ انا اسف مرة تانية، مراتى مش هتروح حته بعيد عنى، والقانون يسمحلى بكدة 

اومـأت والدتها بغيظ حقيقي وقالت موجه حديثها لخلود :

_ يعنى مش هتيجى ؟ 

نظـرت خلود للأسفل بأسف حقيقي، لتزمجـر والدتها بما هز كيانها :

_ خليكِ براحتك، خليكِ بس قلبي وربى غضبانين عليكِ ليوم الديـن 

واستدارت لتغادر على عقبيهـا، ثم صدع صوت الباب خلفها، لتنهـار خلود على الفور وهى تشهـق بصوت عالى، لقد انهار كل شيئ وانتهى الأمر، اتم انتقامه !!!! 

ظلت تضربه بقبضتيها على صدرها بقوة صارخة فيه بهيستريـة :

_ انت السبب، انت السبب في حاجة 

امسـك يدهـا بهدوء يقول مهدئًا :

_ اهدى، اهدى ارجوكِ 

تابعت الصراخ بأكثر حدة حتى شعرت أن احبالها الصوتيه ذُبحـت حرفيًا :

_ ماتقوليش اهدى، منك لله مش مسمحاك

احتضنهـا ليهدأها، يحتويهـا، يعتصرها بين ذراعيـه عله يسحب منها تياراتها السالبة، ثم همـس بجوار اذنهـا بما اذهلها :

_ أنا اسف، انا بحبـك 


                           *********


الصدمـة حرفيًا لم تعـد نافعة عما كان يشعـر به " زيـاد " من هول كلمات ذاك الطبيب الذى دمـر أنتقامه لتصبح هى التى انتقمت واذهلته وليس هو، ولم تكن هى افضل حالاً منه ابدًا، فقد كانت حدقتيها متسعتيـن، وفاهها فاغرًا حتى شك بهم الطبيب فقال متساءلاً :

_ في اية يا جماعة مالكم ؟ 

حاول زياد مداراة تلك الصدمة سريعًا بابتسامة الصفراء :

_ مفيش يا دوك، شكرًا لتعبك 

اومـأت الطبيب بهدوء ثم تابع وهو يمد يده له بـ " الروشتـه " :

_ دى ڤيتامينـات عشان لو طلع حمل فعلاً تاخدهـا، وانا اخدت منها عينة هعمل التحاليل وتيجى تستلم النتيجـة النهاردة بليل كدة 

اومـأ زياد، ثم سأله بجدية :

_ مينفعش اعرفهـا من حضرتك ف التليفون ف اسرع وقت 

اجاب مؤكدًا :

_ اكيد، ساعتين بالظبط واتصل اكون اتأكدت وقولتلكم، وألف مبروك مقدمًا 

اومأ زياد وبداخله يغلي :

_ الله يبارك فيك، شكرًا 

_ العفوا 

قالها ذاك الطبيب الذى اشعل الاجواء وهو يلملم ما يخصه، انتهى ثم حمل حقيبته وغادر بهدوء يوصله زياد لباب المنـزل، ذهب الطبيب لترتجـف زينة مكانها خوفًا من رد فعله الصادم .. 

لتجـده يقترب منها بهدوء مخيف :

_ ابن مين ؟ 

هـزت رأسها نافية بتوجس وقالت :

_ معرفش 

سألها مرة اخرى ولكن بصوت اقوى واعلى :

_ بقول ابن مييين، غلطتى مع مين قبلي 

بادلته الصراخ بجرأة لم تعرف من اين أتتهـا :

_ انت كنت اول واحد تلمسنى وانت عارف

هـز رأسه نافيًا بسخرية :

_ الطب ماخلاش لحد حاجة 

جحظـت عيناها بصدمـة قائلة :

_ يعنى اية !!؟ 

لم يجيبهـا وانمـا اقترب منها فجأة يضربها بعنـف، يخـرج كل طاقته السلبية في ضربها، لم يأبه لصراخها ولا استنجادها بأى شخص، لم يكن يرى سوى خداعه امامه، حتى شعر بها جسد لا روح به، تنـزف من شدة ألامهـا وجروحهـا !!!! 

هـز بقلق عارم :

_ زينـة !!! 

ولكن .. لا مجـيب، سكون غريب يتبعه صرخته من اعماقه بخوف حقيقي و.... 


                                *******


_ بس مش كتير كدة اللي هيحصل يا جمال بيه 

قالتهـا " سمـر " التى كانت تجلس هى وجمال في نفس " الكافيـه " الذى شهد مخططاتهم الدنيـئة لتدمير مالك !!!! 

تضع قدم فوق الأخرى لتظهر نصف قدميها البيضـاء، بينما هو يجـلس وقد رُسم الغيظ والغضب على محيـاه .. 

هـز رأسه نافيًا وهو يجيبهـا بزفرة قوية :

_ لا مش كتير، انا ادرى 

نظرت له بنصف عين وكانها تؤكد عليه انه يظل أبنه :

_ بس دى حاجة مش سهلة على مالك يا جمال بيه 

تأفف وهو يصيح فيها بحنق ؛

_ يووه، انتِ هتقرفينى يا سمر

هـزت رأسها متابعـة بهدوء حذر :

_ انا بفكرك انك كدة عملت حاجة كبيرة مش سهلة، يعنى مش مجرد قرصة ودن 

اومـأ وهو يؤكد بخبث :

_ ايوة وهو ده اللي انا عاوزه 

رفعت كتفيها مستطردة بقلة حيلة :

_ ماشي اللي يريحك يا جمال بيه 

اقترب من المنضدة قليلاً وهو يخفض صوته مشيرًا لها بهمس يشبه فحيح الأفعي :

_ اسمعى بقا اللي هقوله كويس 

نظـرت له واومأت بابتسامة :

_ كلى اذان صاغية يا برنس 

وبدء يقـص عليها خطته التاليـة، التى لم يراعى في قوانينهـا أنه يظل من لحمه ودمـه !!!! 

ولكن الجشـع لا دين له !!،..


                            *******


كـان " مالك " في غرفته، تحديدًا على فراشـه المتوسط، يتسطح بأريحيـة وهو يحتضـن تلك الصور بين ذراعيـه، تهاجمه الكثير من الأفكار بلا رحمة .. ! 

وكأن سهم تلك الشيطانة قد اصاب مكانه الصحيح، ليجعله يتردد ولو قليلاً !!! 

كانت ذكرياتهم معًا تعوم في ذاكرته قاصدة الحنين لزوجته القديمـة !!! 

همس بحرارة وهو يتحسس تلك الصور وكأنه يشتكى لها :

_ مش عارف أعمل أية مخنووق 

وكأن الاجابة كانت ذكـرى لوعـد قطعه على نفسـه لتلك الملعونـة .. وعد زاد من موجه الامل للعودة لها .. 

" عمرى ما هبعد عنك ابدًا يا سمر مهما حصل طول ما فيا نفس " 

ولكنه الان ابتعد !!! ، ابتعد وانتهى الامر .. 

ولكن ماذا سيحدث إن عاد لها مرة اخرى ؟! 

لن يحدث شيئ !!!! 

بينما في الخـارج شمس لم يكن حالها افضل منه، تكاد تبكِ وهي تتذكـر كلامه الجارح لها، كيف اعتقدت انه تهاون قليلاً .. من مجرد ضحكة منه سقطت لسابع أرض مرة اخرى !!! 

صدح صوت عالى تعلمه جيدًا بالأعلى، نهضت بترقب تجاه باب المنزل وفتحته بهدوء وسارت على اطراف اصابعها لتتلصص لتسمع ما يُقـال ... 

وبالفعل النداء كان لها، ولكن ...يا ليتها ما سمعت ما قيل .. 

وسقطت مغشية عليها من هول ما اخترق اذنيها بلا رحمة !!!  


                                ******* 

يتبع

غزالة فى صحراء الذئاب 


الفصل التاســع عشـر : 


صوت إصطـدام قـوى في الخـارج ازعج إنفراده بنفسه، فنهـض مسرعًا للخـارج، ألف فكرة وفكرة تداهمه حول " شمس " .. 

وصل ليجد الباب مفتوح، اسرع للخارج ليـراها مُلقـاه على الأرض فاقدة الوعى، سقط قلبه ارضًا لجوارها قبل جسده، وجحظـت عيناه وهو يجلس في مستواهـا يناديهـا بهلع :

_ شمس، شمس فوقى 

لكن لا مجـيب، غابت في عالمها الخاص الذى لم يسلب منها ما تحبه، وضع يده أسفل ركبتيها والاخرى اسفل رقبتهـا ليحملها متجهًا للخارج مرة أخـرى، وضعها على الأريكة وركض للمطبخ ليجلب زجاجة ماء ثم جلس لجوراها مرة اخرى، يصعب عليه تحديد ما يشعر به الان، ولكن يتمثـل في شرارات هلـع و.. خوف !! 

رش عليها قطـرات الماء وكأنه مع كل قطـرة يدعوها أن تسـرع في الاستيقاظ، واخيرًا بدءت تحرك جفنيهـا بتثاقـل، حركتهـا تلك جعلت أنفاسه تنتظم ولو قليلاً، ظل يلمس وجنتـاها بملمس يده الخشنـة ونظراته ترجوها قبل لسانه أن تفتح عيناها :

_ أفتحى عينك، خلى شمسي تظهـر 

وكأنما جفنيهـا أستجابـا النداء، لتشـرق عينيهـا الرماديـة بشمسها المشعشعة معلنـة عن بدء رحلة جديـدة .. قد تكون مفعمة بالعذاب !!! 

وبمجـرد أن رأت وجهه، كانت رسالة لها بأنها قد عادت لهذا العالم، وٱرتكزت تلك الجملة التى قطعت نياط قلبها متفننـة في تسبب الألم الشنيع لها .. 

" أبوكِ مات يا شمس، مات وسابنـا لوحدنا الديابة تنهش فينـا " 

تركهم بالفعل !!! 

تركهم بلا عـودة معلنًا إنهدام حصونه الروحانيـة !!!! 

تركهم الدافع القـوى للصبـر والبريق اللامع للإيمـان !!!! 

نهضـت مسرعة وهي تصرخ بجزع حقيقي :

_ لالالالالالا بابااااااااااا 

صرخة كادت تهـز جدران المنـزل، ممتلئة بالألم الحقيقي، الألم الذى نبع منها بوضوح وكأنها لا طاقة لها لتخبأه بعد الان !!! 

دمـوع .. لا لا شلالات أقل ما يُقال عنها، عصفت بعينيها، لتدميهـا بحزن تعمق منها بحـق، تتبعهـا شهقات متتاليـة وهى تود القيـام ؛

_ لا لا بابا ماسابنيش، لا مش هيسبنى بسهولة أغرق لوحـدى 

كلماتـها نابعة من عقلها قبل قلبها، بالفعل وكأن طوق النجاة ابتعد عنها لتهوى في عرض البحـر .. وحدهـا !!! 

أمسكهـا مالك من ذراعيهـا محاولاً تهدأتهـا وقد قـرع قلبه بفزغ حقيقي على حالتها تلك، حالة جديدة يكتشفها فيه ولكن أضغف واسوء .. 

همس برجـاء حار لأول مرة يجتاح نبرته الرجولية الجامدة :

_ شمس اهدى، حصل أية !!؟ 

تهـدئ !!! 

هى لن تعرف للهدوء معنًا بعد الان، مات من كان يبعث في روحها الهدوء .. 

نظـرت له بعينيها الحمراوتيـن وهي تصرخ فيه بحدة مفرطة :

_ ابعد عنى اوعى ايدك 

لم يستجـيب لكلامها وهو يهز رأسه نافيًا بأصرار :

_ اهدى الاول، مش هسيبك بحالتك دى 

حاولت إفلات يداها من قبضته وهي مستمرة في الصراخ بوجهه بهيسترية :

_ ابعد عنى، ملكش دعوة بياااا انت السبب 

سألها وقد بدء غضبه في الظهور :

_ انا السبب ف اية أنتِ اتجننتِ 

لم تكـف عن محاولة تحرير نفسها من بين يديه، لتنـوح بصوت جمع فيه مقاومتهـا وصراخها :

_ باباااا مااااااااااات، مااااات وسابنى لوحدى 

الان فقط فهم سبب ذاك الأنهيـار، ولكن لم يكن يتخيل أن والدهـا يعنى لها كل هذا !! 

أن كل هذا الــ .. الالم والحب سيتدفقا منها معًا له فقط !! 

ربما لأنه شعور فطـرى لم يشعر به يومًا نحو والده .. 

وهى لم تكـن في وضع يسمح لها بالانتظـار حتى يستوعب ما رمته به فابعدت يدها بقوة لما تعرف من أين اخترقتها لتهرول للأسفل غير عابئة بمناداته ولا ركضه خلفها !!!!! 


                         ********** 


تناقـض ما بين شعوران يشعر بهم " زياد " الان، شعور ينهـره .. أنت من فعلت بها ذلك يا احمق، دمرتها والان قلبك يهرع هلعًا إليها خشيةً فقدانهـا !! 

وشعـور المنتصر المتلذذ بتعذيب معذبته السابقـة، التى فاجئتـه بضربة في منتصف قلبه مميتـة !!! 

احداهما نابـع من القلب، والأخر مؤكد نابع من العقل الشيطانـى ..

ملقـاه امامه لا حول بها ولا قوة، يهـزها .. يضربها برفق .. يـحاول أن يعيدها لوعيها !! ولكن لما الرفق الان، لقد انتهى كل شيئ !

ظل يصرخ بهيسترية مرددًا :

_ زينة قومى، مينفعش يجرالك حاجة دلوقتِ، لسة ماصفيناش حسابنـا 

وبالطبع لن تـرد، نهض مسرعًا ليجلب زجاجـة من المطبخ وبداخله أمل أن تكون فقدت الوعى فقط من الألم !! 

ظـل يرش الماء بكثرة على وجهها وهو يردد دون وعى :

_ فوقي بقا، فوقي أرجوكِ 

لم يكن يعلم تحديدًا لما يرجوها !؟ ليكمل إنتقامه الذى لم يتحقق نصفه حتى، ام .. 

لا لا هو فقط من اجل انتقامه المحتوم 

اومأ وهو يؤكد ذلك لنفسـه، بدءت تتأوه بخفـوت وهي ترمش بعينيها، ليهمس هو بحماس محركًا اياها :

_ ايوة قومى يلا يا زينـة

ومن دون قصـد ضغط على جرح ما سببه هو له عند " ظهرهـا " لتصرخ هى من شدة الألم الحقيقي الذى شعرت به :

_ آآه كفاية ضهرى 

ابعد يده مسرعًا وهو يغمغم بخشونة :

_ مش قصدى 

بدءت تحـاول الجلوس وهى تبكِ، تبكِ من الألام التى تحيط روحها قبل جسدهـا، روحها التى زُهقـت من كثرة التعذيب المقصود منه او الغير مقصود من أهلها !! 

تقدم مرة اخرى وكاد ينطق إلا انها تزحزحت للخلف هاتفة بخوف لأول مرة يلمع في جوف عينيها :

_ لأ ارجوك كفاية مش قادرة هموت 

نهـض ممسكًا بيداها ليرفعها للأعلى، لن يهتـز شعور الشفقة لها مرة اخرى .. 

او يمكن هذا ما أقنع نفسه به !! 

جلست على الفراش وهي تأن بألم لمس روحه بحق، نظر لها محذرًا وقال :

_ خليكِ هنا هروح اجيب الاسعافات الاوليـة واجى تانى 

اومـأت بطاعة اكتسبتها من الالم، طاعة لم تعرفها يومًا ! .. 

تقدم بعد دقيقة منها حاملاً بيده علبة الأسعافـات الأوليـة، وجلس بجوارها وبدء يداوى جروحـها، تحت نظراتها المتعجبـة، أهو مجنون أم حنـون !!؟ 

الفارق نقطة !!! 

يؤلمهـا بتفنن ليعالجها !؟؟؟ 

وصدح صوت هاتفه معلنًا اتصـال من شخصًا ما، تأفف وهو ينهض متجهًا لهاتفه، ليرى أسم الطبيب يلمـع امامه على شاشة هاتفـه، ولمعت معه شرارات الغضب التى كُتمت للحظـات .. 

بدأ قلبه يدق بصخب، هل مرت الساعتـان بهذه السرعة ؟؟!!!! 

ابتلع ريقه ورد على الهاتف بهدوء حاول إختلاقه :

_ الووو يا دكتور 

_ ايوة يا استاذ زياد

_ التحاليل اتعملت بسرعة كدة ؟ 

_ انا مابستعجلش كدة إلا ف الحالات الطارئة 

_ اية النتيجـة ؟ 

_ أنا أسف، بس طلع شكى غلط، مدام زينة مش حامل، الاغماء كان نتيجة لتعرضها للأرهـاق بس 

ويا ليتـها كـانت حامل بالفعل !! 

سيجد مبررًا لفعلته، ولكن الان ما المبر !!!

سمع صوته المُصـر على صدمته :

_ بس يؤسفنى اقولك حاجة اسوء 

_ حاجة اية ؟ 

_ من التحاليل أكتشفنا إن مدام زينة مدمنة مخدرات !!!!!! 


                           *********


محدقـة به ببلاهـة فطرية في موقف كهذا، يحبها !!! 

هى سمعتها بالفعل لم تكـن تحلم، قلبهـا الذى رفرف بأنتصـار أكد لها !!! 

عينـاه ونظراته الثاقبة أكدت لها !!! 

دقاته التى تشعر بها أسفل يدهـا تدق بصخب لتشعرك أنها على وشك التوقف !! 

كلها دلائـل مؤكدة على ما قاله لتوه، ولكن ماذا عنهـا !!!؟ 

وكأنه استشف ما يدور بخلدها فأراد معرفة تلك الاجابة :

_ مالك ؟! 

انتشلهـا من صدمتها المؤقتـة لتلاحظ الوضع التى هى به، اعتدلت سريعًا في محاولة للأبتعاد عنه، عن أى لمسة منه ! 

وقفت مقابله تقول له بهمس :

_ أنت مجنون 

رفـع حاجبـه الأيسر مجيبًا بمشاكسة :

_ مجنون بيكِ 

عادت لحدتها وهي تهتف مزمجرة :

_ لتكون مفكر أن هصدق كلامك التافه، وأسكت عن اللي أنت اتسببت فيه بينى وبين ماما !!؟ 

هـز رأسه نافيـًا وقال بإتـزان رجولى يليق به :

_ أنا مبعملش كدة عشان أنسيكِ اللي حصل، لأنى مغلطتش لما طالبت بحقي في مراتى 

" مراتى " !!!! 

كلمـة داعبت مشاعرها المحصنـة بسلاح التهديد للأختـراق والتوغل داخل خلاياها !! 

معه حق !!، ولكن فعلت هى معه بالمثل، هذا حق لم تأذن له به !! 

وكأنه تذكرت فاستطردت بجدية شابتها الحدة :

_ لأ، أنا مش مراتك، احنا بينا حتت ورقة لا راحت ولا جات، ماتتدخلش تانى فيا ابدًا

أغمـض عينيه بقوة يهدئ ثورتـه، وصله مغزاها من ترديد نفس كلماته .. 

ارادت ان تسدد له الصاع صاعيـن، ولكن هنا، في منزله وفي مملكتـه.. 

هو فقط من يحكم ويتجبر، لا يرد له اى شخص ما فعله !!! 

نظـر في عينيهـا بقوة وتابع :

_ لأ، أنا اتدخل براحتى، انا هنـا الراجل والحاكم والمتجبر، مش أنتِ 

اى ظلم هذا الذى يتفوه به علنًا ،!! 

نظرت له بقوة مماثلة وقالت :

_ انا مش تحت أمرك، أنت قولت كلمتك " بحبك " ، وانا بقولك .. بكرهك يا مراد 

ثم استـدارت لتغـادر والغضب لم يكف عن ملاحقتهـا، لا تعرف جملتها صادقة ام كاذبة ولكنها تشعر انها انتقمت بها !! ، 

ليهمس هو بابتسامة غريبة :

_ طول عمـرك بتقولى كدة وقت الغضب، يا ليلاي !!!!!! 

هو لم يقصدهـا هي، لم يرها هي !!!

كان قناع الحب واهى امام عينيه، لم يرى " خلود " .. بل كانت ليلى !!!!! 


                            ********


_ جيتِ يا أمـي .. 

هتف بها تامـر " شقيق خلود " وهو يترقب والدتـه التى دلفت لتوهـا الى المنـزل، رؤية ملامح وجهها تتشبـع الغضب .. والألم.. والحسرة والحـزن معًا، 

تبعث بداخل روحه شعور الأنتصـار لتحقيق ما اراد، هو فقط اراد هذا، اهتـزاز صورتها امام اغلى شخص ... ! 

كما اهتزت صورتـه هو امام حبيبته عندما فشل في الدفـاع عن حبهمها كما هُيئ له !!

لتجلس والدتـه بجواره بهمدان مغمغمة :

_ وياريتنى ما جيت 

سارع بالقول مسرعًا :

_ بعيد الشر عنك يا ست الكل، انا حبيتك تروحى عشان تطمنى عليها وتشوفى بنفسك أنها رافضة الرجوع تمامًا 

اومـأت برأسها موافقة وهي تردد بحسرة :

_ حتى انا رفضت تيجى معايا 

نهض وهو يفتعل الغضـب بهدر :

_ ياريتك كنتِ سبتينى أموتهـا بأيدى واغسل عارنـا 

هـزت رأسها نافية بسرعة وهي تقول بحزن شابه العاطفة الأموميـة :

_ لا، هى اختارت طريقها واتجوزته، مش عايشة معاه بالحرام، لكن ده مش هيقلل من غضبي عليها للممـات 

اومـأ بهدوء مصطنع واستطرد :

_ معلش يا أمي، ربنا يعوضك خير 

اومأت متمتمة :

_ ان شاء الله

ثم نهضت متجهه لغرفتهـا وهي تجر جسدها بصعوبة، ولكن فجأة توقفـت وهي تنظـر لـ " تامر " متساءلة :

_ لكن مقولتليش أنت جبت عنوانها منين 

لم يكن هذا السؤال متوقع ابدًا .. 

سؤال داهمـه ليفتت جمعه لنفسه، اعتقد أن الصدمة ستلهيهـا عن هذا السؤال !! 

ولكن فشـل !!! 

حرك لسانه بصعوبة مجيبًا بتوتر :

_ آآ أنا آآ جبته بطريقتى يا أمى 

و....... 


                          ***********


كانت " شمـس " تقـف امامه والدتهـا في صالة منزلهم جامدة، بلا حراك، الصدمـة كثرت ووالدتها تؤكد لها ما سمعته، منهارة حرفيًا !!! 

الصدمة كثرت والتماسك انتهى !! 

اى تماسك هذا، لقد تفتت روحهـا لقطع متناثرة هنا وهناك، ولكن دموعهـا تأبى النزول، تأبى الضعف، بالرغم من تقطع قلبها داخليًا .. يأمرها بالانهيار بالتعبير عن ذاك الالم .. 

ولكن لا من مجـيب، هذا الصمت اكبر من عذاب الانهيـار !!! 

حاول مالك هزها برفق وهو يقول :

_ شمس، شمس ردى عليا عيطى زعقي اصرخى اعملى اي حاجة 

 لا ولن ترد، تمسكـت بالصمت الذى اعتصر قلبها بقبضته، يأمره السكووون !!! 

هنا قالت والدتها من بين شهقاتها :

_ اخرج برة، انت اية اللي جابك هنـا برررررة مش عايزين حد 

كـز على أسنانـه بغيظ حقيقي، لولا حالتهم تلك التى تقيده، لكن رد عليها رد لاذع، ولكن التـزم الهدوء بقوله :

_ لو سمحتى تهدى انا آآ ... 

قاطعهم صوت يعرفونـه جيدًا، ولربما يكرهونه، يقول برفق غير محبب :

_ ماسمعتش، ياريت تنصرف وانا هاعتنى بأهلى بطريقتى !!!!!! 


                            ******** 


غزالة في صحراء الذئاب 


الفصل العشـرون : 


صوتـه كـان كفيـل بأشعـال نيـرات لا تنطفئ بسهولة في صدر مالك، صوته المزعج يجعله يثـور، وتجتاحه رغبة عارمة في خنقه في نفس اللحظة !!! 

إلتفت له يطالعه بعينيها التى أشتعل وميضها في ثوانى ليزمجر فيه بغضب :

_ ملكش دعوة أطلع أنت منها 

نظـر له باستخـفاف قبل أن يشير لكلاهما بحركة تهكميـة :

_ وبالنسبة لانهم مش طايقينك، مفيش دم خالص !!؟ 

لو لم يكن كذلك، لما كان شعر بالغليـان الحقيقي بين أوردتـه، وصل احتماله لأقصي حد، وقد قرر إخراجه ليقابل ذاك الـ يحيى ليحرقه دون رحمة !!! 

اقتـرب منه يهمـس بتهديـد وضح كوضوح الشمس :

_ قسمًا بالله لو ما مشيت من هنا لأخليك عبرة للي يسوى واللي مايسواش 

ولم يكـن مالك السُنـارى إن لم ينفذ وعده حرفيًا، بكل معانيه وألامـه وقوانينـه !!! 

برغم إهتـزاز بسيطة شعر بها امام قسمه الجامد، إلا أنه اخفاها وهو يتابع بحنق :

_ دول أهلى، أمشي واسيبهم لية وازاى، لكن انت مين بالنسبة لهم، انت ولا حاجة ،!!! 

همـس بشيئ قد يمكن أن يكون واقـع !!  

ولكن واقع غير مرحب به في حُكم مالك السُنـارى، وما لم يقبل به لا يسمح له بأختراق اذنيه ثانيًا !!! 

صرخ فيه بحـدة لفتت انتابه الاخريات :

_ انا اقرب لهم، انا جوزهـاااا 

" زوجهـا " !!!!!!!! 

زوجها فعليًا ؟! ، لا اكيد يكذب، يكذب نعم، لا لن تخط صك ملكيتها لأخر لو كان أخر يوم بعمره .. ! 

أقنـع نفسه بهذا الكلام قبل أن ينظر له قائلاً ببرود ظاهرى :

_ كداب، شمس مش متجوزة ومش هتتجوز غيرى 

وإن قتله الان لن يلومه اى شخص بالطـبع، شعور فطـرى برغبة قتله فقط !!!، 

فجأه بلكمـة قوية جعلته يترنـج للخلف والدماء تسيل من فمه، لكمه صرحت بمدى غضبه الذى كان يحاول كتمه، ليهتف يحيى بأنفعال حقيقي :

_ انت مجنون بتمد ايدك عليا !! 

اومـأ برأسه ببرود متابعًا بتأكيد :

_ واموتك كمان لو جبت سيرة مراتى بكلمة على لسانك القذر تانى 

هـز رأسه نافيًا ليهدر فيه :

_ لا انا عايز دليل فعلى عشان أصدق 

رفـع مالك كتفيـه مجيبًا بنـزق إحتله كليًا :

_ انا مش مضطـر اثبت لك، بس لما تجيب البوليس اوعدك إني اوريه قسيمة الجواز 

اذًا الامر لم يكن كذبـة !!! 

صك ملكيته على روحها، قبل .. جسدها !؟

انتهى ما كان قد يظنه يمكن أن يماطل فيه !!! 

هنا صرخـت والدة شمس بحدة مقترنـة بعدم التصديق :

_ بس بقي اخرسوووا 

نظـرت لـ " شمـس " نظرة قاتلة لن تنساها شمس يومًا بالرغم من جمودها إلا أنها استطاعت لمسها داخليًا !! 

ثم سألته سؤال لاذع حارق نسبةً لتلك المسكينة :

_ ده جوزك فعلاً يا شمس ؟! 

كادت تحـرك شفتيها إلا أن قاطعتها والدتها بحركة من يدها بجدية :

_ بس إجابتك دى تعتبر تحديد مصير 

نظـرة من شمـس التى بدت وكأنها عادت لوعيها نحو مالك المنتظر .. ! 

ويحيى المتلهف !! 

ووالدتهـا القاسية في ذاك الوقت !! 

و......... 


                         **********


منـذ حديثهم اللاذع لم تلمح طيفه في المنـزل مرة اخـرى .. 

غادر، غادر ليتخلى بنفسه ليفكر جيدًا !! 

ربما لتحديد شعوره، وربما للهرب منها هى شخصيًا !! 

أما عنها، تجلس في الغرفة التى خصصت لها، خلايـاها ترتعش كل حينٍ ومين عندمـا تتذكر همسته التى تثير رعشتها 

" مراتى " ... 

كلمة سهلة النطـق، ولكن واسعة التأثير !! 

والسؤال الذى يجب الأجابة عليه حتمًا 

" هل هى فعلاً تكرهه ؟! " 

إذا كانت نعم، فماذا عن رجفتها وسط أحضانـه المحتمية !!؟ 

ماذا عن رعشة دقاتها المسلوبة نحوه عندما يقترب منها !؟ 

ماذا عن إفتقادها له في بعض الاحيان !؟ 

و... 

_ بسسسسس 

صرخت بها وهي تضع يدها على رأسها تضغط عليها بقوة علها تهدئ ذاك الصراع بداخلها .. 

ثم نهـضت متجهة للمرحاض لتستخيـر من هو أفضل واوعـي منها .. تستخير ربها في الاستمرار، أو الانفصـال عن مراد !!!! 

دلفت الى المرحاض " كالمغيبة " تتوضئ بهدوء غير مكتسب .. 

انتهت ثم اتجهت للخارج مرة اخرى، وقد جلبت طرحة صغيرة تلف بها خصلاته وبدءت صلاتها بتضرع وخشوع تدعو الله أن يهديها للطريق الصحيح ... 

انتهت ثم نهضت ولملمت " المصلاة " وهى تتنهـد تنهيدة طويلة تحمل الكثير .. 

كادت تتجه لغرفتها مرة اخرى، ألا أن خانتها نظراتها لتزوغ نحـو تلك الغرفة من جديد، الغرفة التى اكتشفت فيها شيئً ما ولربما تكتشف شيئً اخر ؟! 

اومأت وهى تتجه نحو تلك الغرفة بسرعة ثم فتحتها ودلفت مغلقة الباب خلفها، اتجهت الى الدولاب الذى علمت انه سر هذه الغرفة، ولكن لم تجد الدفتر في نفس مكانه .. 

تأففت بضيق وقد تيقنت أن مراد قد خبأه، ظلت تنظر هنا وهناك، جلبت كرسي صغيـر ووقفت لتنظر على ما فوق الدولاب، لتجد ظرفًا صغير .. 

امسكت به بتفحص، ثم بدءت تفتحه بهدوء، لتجد صور شخصية .. 

فتحتها .. وهنا تلقت الصدمة عندما فتحتها !!! 

ليلى .... شبيه خلود حرفيًا !!!!! 

نسخة اخرى منها يعيدها الزمن !!؟؟؟ 


                           *********


نظـر للهاتف بصدمة، لم يكن يتخيل أن الموضوع سيكشف يومًا !! 

ظنه سيظل سببًا يهدد به تلك المسكينة ولكن سرًا ،!! 

تناسي تمامًا " الادمـان " طالبًا منه الاسراع في عمل التحاليل .. 

وكأنه يطلب منه الاسراع لكشف حقيقة انتقامه !!! 

اخيرًا استطاع الرد بصعوبة :

_ آآ دكتور ممكن لو سمحـت ماتقولش لحد 

_ بس ده موضوع مايتسكتش عليه يا زياد

_ منا عارف يا دوك، بس ارجوك خليه سر بين دكتور ومريضه 

_ البنت المفروض تتعالج 

_ ما احنا بنعالجهـا صدقنى 

_ تمام انا هسكت لانى واثق فيك 

_ شكرًا 

_ العفوا، مع السلامة 

_ سلام 

اغلق وهو يتنهد ببعضًا من الارتيـاح، ولكن الشعور الأكثر اجتياحًا هو .. الندم !! 

نعم الندم بالفعـل، النـدم الذى يتوغل خلاياه منذ معرفته أنها لم تكن " حامل " يومًا .. ! 

لم تكـن " عاهرة " كما وصفها !؟ 

لم تكن " كاذبة " ، لم تكن ايً من تلك الاتهامات التى ألصقها به عنوة !! 

نظـر لها ليجدها تنظر له بنفس " الهلع " الذى يحزنه بحق !! 

قال بشيئ من الهدوء :

_ زينة، حاسه بأية دلوقتِ ؟ 

همست بتعجب :

_ الدكتور قالك أية غير حالك كدة !!؟ 

لم يعرف ما الذى دفعـه ليجيبها صريحًا :

_ الدكتور قال إنك ... إنك مش حامل !! 

اخيرًا غمرها السكون والارتياح ... والتوعد له بعد طول عذاب .. 

ليعود لها تهكمها من جديد وهى تقول :

_ الحمدلله مطلعتش عاهرة زى ماقولت 

اغمض عينيه التى تفيضان ندمًا صادقًا .. 

لتنهض هى متحاملة على الامهـا الجسدية التى ازدادت .. 

ليعود لها كبرياءها وهي تتابع جادة :

_ انا ماشية، وماعتقدش إنى ف يوم هارجع لك تانى

ثم نظـرت لعينيه مباشرةً وكلماته تخترق اذنيها بلا هوادة كأنه مازال يلقيها الان واستطردت : 

_ لان لو الادمـان هيموتنى، اهون لى اموت منه احسن 

لم يدرى ما الذى اجتاحه تحديدًا عند تلك الكلمات التى من حقها ان تنطقها .. 

ولكنه .. اهتز عرش جبروته لها !!! 

وفجأة إحتدت عيناه بقسوة ليست جديدة عليه :

_ أنتِ مش هتمشي من هنا 

صرخت فيه دون تردد بدهشة :

_ انت مجنون !!! 

اومـأ ببرود مغلف بالاصرار والجدية :

 _ ايوة مجنون لأنى هتجوزك رسمى !!!! 


                             ********


نظـرت له " عبير " بطرف عينيها، شيئ ما بداخله اخبرها أن هناك شيئ غير مفهوم بالأمـر، حدسها الأموى من اخبرها أن تلح في المعرفة !!! 

نظـرت له بطرف عينيها متساءلة بريبة :

_ طريقتك اية دى يا تامر 

نظر للأرضية بتوتر يبحث عن حجة نافعة الان، ثم غمغم بارتباك :

_ يوه، طريقتى الخاصة بقا يا امى 

سألته مرة اخرى بتصميم :

_ ايوة اية هى دى ؟؟

واخيرًا قد قدم له شيطانه حجة مناسبة ليسرع بالقول :

_ بالتتبع يا امى من موبايلها، واحد زميلى خدمنى ف الحته دى 

اومـأت بشك ثم هتفت :

_ ماشي يا تامر 

ثم نظرت باتجاه غرفتها مرة اخرى وهمست : 

_ مع ان قلبي مش مطمنى بس هثق فيك

دلفت الي غرفتها واغلقت الباب خلفها، لتنفرد بحزنها الذى داهمها منذ ما حدث، حزنًا .. لا بل ألمًا شديدًا على ابنتها الوحيدة التى كانت تعشقها !!! 

بينما تامر في الخارج يتنفس الصعداء، ثم اخرج هاتفه ليجيب على الاتصالات الصامتة التى لم تتوقف بنفاذ صبر  :

_ ايوة، اية يا صافى .. اه كل حاجة اتنفذت زى ما خطتنـا تمامًا !!!!!! 

..... 

_ متقلقيش اتأكدت بس قلبي مش مطاوعنى بردو !!!!! 


                          *********


نظراتها تزوغ مملؤوه بالحيرة، الحيرة الحقيقة على مستقبلها الذى سيتحدد من تلك الكلمة التى ستنطق بها !! 

نظـرت لها والدتها مكملة بحدة :

_ يلا يا شمس انطقي 

صدح صوت " يحيى " متهكمًا كعادته :

_ أكيد ربة الصون والعفاف محتارة تختار بين امها ... وعشيقهـا !! 

فاجئه مالك بلكمه اقوى، يداه تحترقان لضرب ذاك الوغد الذى حذره من قبل، ولم يكن هو الا لينفذ تحذيره !!! 

ثم هتف بصوت اشبه للصراخ :

_ مش قولتلك اخرس بقاا

برقت عينا يحيى باستنكـار حقيقي :

_ انت زيدت عن حدك بقاا 

اقتـرب وكاد يسدد له اللكمة، ولكن هتاف كريمة الحاد بجنون اوقفهم :

_ بس بقااا زهقتونى 

ثم نظـرت لشمس التى لم تتخلى عن سكونها لحظة وقالت :

_ يلا يا شمس مش هنستنى كتير

نظـرات مالك الذى يحتويهـا بها وكأنه يستخدم الوسيلة الصحيحة لجذبها له !! 

ونظرات والدتها القاسية !!!! 

و...يحيى ،، الراغبة !!!! 

كادت تنطق إلا ان قاطعتها والدتها مرة اخرى بصرامة لاذعة :

_ لو اختارتينى انا هتتجوزى يحيى، ولو اختارتى ده، هتنسينى !!!! 

طرق قلبها بخوف حقيقي !!! 

مالك اهون من يحيى مليون مرة !! 

ودون وعى قالت :

_ مالك، هروح مع ..... جوزى !!!!!!!! 


                              ********



الفصل الحادي والعشرون حتى الفصل الحادي والثلاثون من هنا



الفصل الأول من هنا



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه






تعليقات

التنقل السريع
    close