القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية من انا الفصل الحادي عشر حتى الفصل الخامس عشر بقلم الكاتبه حليمه عدادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية من انا الفصل الحادي عشر حتى الفصل الخامس عشر بقلم الكاتبه حليمه عدادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية من انا الفصل الحادي عشر حتى الفصل الخامس عشر بقلم الكاتبه حليمه عدادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


نظر إليها بذهول، يحاول استيعاب ما قالته اخته، وبعد لحظات قليلة، أدرك أن "تقى" قد تعرضت لمكروه، فانتفض من مكانه وهرع نحو الغرفة التي توجد فيها. 

وكانت والدته تلحقه بقلق شديد، وعندما وصل إلى الغرفة، فتح الباب بعنف و ركض نحو "شهيرة" التي كانت تقف أمام باب الحمام، تنادي باسم "تقى"، اقترب منها وتحدث بقلق شديد قائلاً:


-"تقى" فين حصل لها إيه؟

ردّت بصوت مُتوارٍ فيه القلق قائلةً: 

 -سمعنا حاجة وقعت على الأرض، ولما نادينا عليها ماردتش قلقنا؛ يمكن يكون حصلها حاجة ..


لم يسمع بقية كلماتها، فاندفع نحو الباب وجمع شتات قواه، ليقوم بركله بقوة عدة مرات دون أن يتحرك.

 تنفس بعمق، متجليًا القلق على وجهه، خشية أن تكون قد أصيبت أو تعاني؛ لأنها لا تستطيع التحدث أو الاستغاثة!

 ازداد إحساسه بالرعب مع كل فكرة تخطر على باله، عن احتمال تعرضها لأذى يجعلها عاجزة عن إنقاذ نفسها.

 ابتعد قليلاً وضرب الباب بكل ما أوتي من قوة، حتى سالت الدماء من كتفه جراء الجروح التي أصيب بها، وبعد فترة مشحونة بالقلق والخوف، تمكن أخيرًا من كسره. 

تنفس الصعداء عندما كسر الباب، وعاد إلى الوراء يلهث، مبتعدًا عن المدخل ليتيح لهم حرية التصرف أثناء إخراج "تقى".

 توجه نحو الباب واضعًا يده على كتفه، يكتم نزيفه، لكن صوت والدته أوقفه قائلة:

-"يونس" تعالى شوف البنت مالها؛ دي واقعه على وشها ولسه زي ماهي! البنات مش قادرين يقربوا منها ..


استدار بسرعة لدي سماعه كلمات والدته، وشعر بوخزة مؤلمة في قلبه، ثم انطلق بخطوات متسارعة نحو الحمام، حيث دخل بحالة من القلق الشديد، وقد ارتعدت أوصاله عند رؤيته لجسدها الساكن المنقلب على وجهه!


 أخذ نفسًا عميقًا كأنه يحاول استجماع قواه ليعرف ما حدث، ثم أمسك بذراعها وأدارها نحوه، وقد شهق الفتيات من الفزع عندما رأوا الدماء على جبهتها، حيث كانت قطراتٍ الدم تتساقط على وجهها!

 لم تدم صدمته طويلاً، نهض وارتجف قلبه، ثم قال بتلعثمٍ مفعم بالرّهبة:

-أنا مش عارف حصلها إيه بنات تعالوا شيلوها ودوها على السرير بسرعه ..


أنهى حديثه وابتعد عنها، اقتربت "مريم" و"شهيرة" منها، ثم حملوها بسرعة، حيث كان جسدها النحيل خفيفًا!

 في سرعة البرق، نقلوها إلى السرير ووضعوها عليه برفق، هرعت "مريم" إلى خزانتها، أحضرت زجاجة عطر ووضعت قليلًا منه على أطراف أصابعها، ثم قربته إلى أنف "تقى" في محاولة إفاقتها.


 بينما أشاح "يونس" بصره بعيدًا عنها، إلا أن حواسه كانت معهم. فجأة، صرخت" مريم" فرحًا عندما لمحت" تقى" تحرك أصابعها ورموشها ترفرف.

 فزع "يونس" لدى سماعه صرخة شقيقته، ورفع رأسه سريعًا بقلق؛ أبصر" تقى" تفتح مقلتيها ببطء، ويدها تتحرك لتضعها على جبهتها، عندها أدرك أن رؤيتها للدماء قد يؤدي بها إلى حالة من الانهيار.

 فدنى منها بخطوات مسرعة، ثم قال:

-"مريم" هاتي الدواء والشاش خلينا ننظف الجرح إللي في راسها قبل ما تشوفه ..


استدارت "مريم" نحوه، وقد ارتسمت على وجهها علامات التعجب!، حيث أنها لم تتمكن من فهم مغزى حديثه فسألت قائلة:

-طب ما تشوفه دا جرح عادي؟ استنى تفوق الأول خلينا نطمن عليها وبعدين ننظفه ..


لم يُجِب "مريم"، بل كان تركيزه موجهًا نحو" تقى"، متخوفًا من أن تُصاب بالذعر مرة أخرى عند مشاهدتها لقطرات الدماء. 


لكن والدته كانت عون في تلك اللحظة، حيث أمسكت بيد "تقى" قبل أن تصل إلى رأسها، واحتضنتها برفق، قائلة: 

-اهدي يا حبيبتي مفيش حاجة، إنتي كويسة شكلك ما كلتيش حاجة من فترة؛ علشان كده وقعتي.. "مريم" روحي حضري الأكل وهاتيه بسرعة عشان "تقى" تاكل  ..


غادرت "مريم" الغرفة بسرعة لتنفيذ طلب والدتها، ونزلت ورائها "شهيرة". 

بينما انتظر "يونس" في مكانه، صامتًا دون أن ينطق بكلمة واحدة، حتى انتشلته والدته من شروده  بصوتها قائلة:

_"يونس" حبيبي روح ارتاح، بس لازم تاكل أي حاجة الأول ونبقى نروح لأخوك بالليل؛ علشان نطمن عليه ..


رسم ابتسامة خفيفة على شفتيه وقال:


-حاضر يا ماما خلي بالك منها ممكن تتعب ..

-اطمن ياحبيبي أنا هفضل معاها هنظف لها الجرح وأغيرلها هدومها وأكلها ولما تنام هنزل خليك مطمن ..


أومأ برأسه ثم غادر، تاركًا "زينب" تهتم بحالة "تقى".

 تنفس الصعداء، فقد كانت مجرد فكرة تعرضها للأذى كالثقل على قلبه؛ أصبح يشعر بأنه ملزم بحمايتها، مما يجعله مصممًا على حمايتها مهما كانت التكاليف، حتى وإن كانت على حساب حياته!.


**********                       

سرت البرودة بجسدها تدريجياً لدرجة جعلتها ترتجف، و بلعت ريقها بصعوبة، وكأن أشواكًا قد انغرست في حلقها. 

تجمدت الدماء في أوردتها حين شعرت بيدٍ على كتفها، أغمضت عينيها بشدّة وأخذت نفسًا عميقًا لتواجه قسوة "وليد". 

استدارت ببطء، ممسكةً بيد ابنتها بقوة، حيث كان الجزع يسيطر على قلبها مما قد يحدث. 

وعندما التفتت، رأت خلفها سيدة في مقتبل العمر، بدا عليها التعب وعلامات مرور الزمن! وقبل أن ينطق لسانها، بادرتها السيدة قائلة:

-إسمعيني يا بنتي مش هتقدري تخرجي من هنا "وليد" وصل هو تحت دلوقتي لو نزلتي ممكن يأذيكِ ..


انهمرت دموعها بغزارة وكأنها شلال، وعجزت عن القيام بأي شيء أمام قسوة "وليد". 

لم يعد لديها طاقة؛ فقد فقدت ابنتها، والآن على وشك فقدان الأخرى، شعرت بضيق شديد، وضعت يدها على صدرها، ومن ثم رفعت رأسها داعية بكل انكسار أن يخلصها ربها من ظلم "وليد" وقسوته.

 قُطعت أفكارها عندما قالت تلك السيدة بعبارات مليئة بالشفقة:

-إنتي صعبتي عليا أنا هخرجك من هنا، بس أوعي تجيبي اسمي أو سيرتي لأي حد؛ لأنهم هيقتلوني ..


تألقت ملامحها بالفرح، واندفعت نحو السيدة لتقبل يدها تعبيراً عن شكرها وامتنانها، لكن السيدة سحبت يدها بسرعة وقالت:

-مفيش وقت تعالي معايا بسرعة هننزل للمطبخ هخرجك من هناك ..


دخلت السيدة إلى المطبخ، وهي تتلفت يمينًا وشمالًا بقلق، بينما كانت "منة" خلفها تكاد أن تفقد وعيها من هول الخوف من أن يمسك بها "وليد" وتعود إلى الجحيم!


 فتحت السيدة بابًا خلفيًا بدا كالجدار عند النظر إليه من مسافة، وفور فتحه ظهرت أشجار كثيفة متشابكة، ثم استدارت نحو "منة" وقالت:


-أخرجي من هنا بسرعه، هتلاقي جنينه شجرها كثير إمشي بسرعه لحد ما توصلي للطريق ..


-بشكرك أوي مش هنسى معروفك دا طول ما أنا عايشه ..


أنهت حديثها ثم أمسكت بيد ابنتها بقوة، وانطلقت مسرعة بخطوات سريعة، تخطوا خارج الباب تركض بين الأشجار دون أن تنظر خلفها؛ كل ما تريده هو الهروب والنجاة من جحيم وليد!


 بعد أن ركضت مسافة قصيرة، شعرت بالتعب ووضعت مرفقيها على ركبتيها لتلتقط أنفاسها، كانت تلهث بصعوبة، ثم نظرت إلى طفلتها وقالت:

-لازم نكمل استحملي شوية يا حبيبتي، هنروح لبيت" الهلالي" هو إللي يقدر يحمينا من" وليد" ..


-خلينا نمشي يا ماما أنا مش تعبان، المهم أشوف "حنين" وحشتني أوي ..


تحركوا من الموقع، وهم يدعون أن يمر الأمر بسلام حتى يصلوا إلى وجهتهم دون أذى. لم يمضِ الكثير من الوقت حتى تمكنوا من الخروج من وسط الأشجار، حيث وجدوا الطريق المؤدي إلى المدينة.

 واصلوا السير باتجاه المدينة، حتى كسر صمتهم صوت "إيلول" وهي تقول: 

-ماما إنتي عارفه مكان "حنين" علشان نروح عندها بسرعة؟ ..


حبست" منة " دموعها المتجمدة في جفونها، فهي لا تملك أدنى فكرة عن مكان ابنتها، ولا تدرك إن كانت لا تزال على قيد الحياة بعد الأحداث المؤلمة التي تعرضت لها منذ اختطافهما؟! وبأسىٍ عميق، أخرجت تنهيدة تحمل في طياتها آلامها، وقالت:


-أنا معرفش عنها حاجة خلينا نروح الأول لبيت الهلالي، وهو أكيد هيقدر يلاقيها أو ممكن يعرف عنها حاجة ..


أطلقت تنهدًا عميقًا، ثم نظرت حولها، عندما تأكدت من أن الأخرى قد ابتعدت عن المكان، جلست على إحدى المقاعد لتستريح قليلاً قبل أن تستأنف مسيرتها.

 ولم تمض إلا ثوانٍ قليلة، حتى وقفت أمامهم سيدة تحمل صينية كبيرة مملوءة بالفطائر والمخبوزات، ويبدو أنها بائعة متجولة.

 نظرت" إيلول" إليها بشغف، وقد اشتد جوعها، قبل أن تتحدث، هتفت السيدة قائلة:

-خدي أكل ليكِ و لبنتك باين إنها جعانه، ما تفكريش في الفلوس بس ادعيلي، أنا شايفه حالتكم شكلها إيه أكيد مفيش معاكم فلوس ..

عقب انتهاء حديثها، قدمت لهم بعض قطع الفطائر، و البسمة على ثغرها، شعرت "إيلول" بالسعادة تجاه ذلك، فأمسكت بقطعة منها وتناولتها بشغف وجوع شديد، بينما تناولت "منة" القليل فقط، ثم نظرت إلى السيدة وقالت:

-جزاكي الله خيراً أنا مش عارفه اشكرك إزاي ربنا يجبر بخاطرك ..


فجأة، شعرت بدوار شديد، وزادت ثقل رموشها، مما جعل الرؤية من حولها مشوشة! أصيبت بالذهول من حالتها، وعندما نظرت إلى جانبها، رأت ابنتها تستند برأسها إلى الوراء وتغمض عينيها! حاولت أن تتحدث، لكن لسانها أصبح ثقيلاً، وشعرت بشلل في حركتها! ازدادت حدة الدوار، وبدأت الأرض تدور بها و فقدت وعليها!

***********                    

بعد فترة من الراحة، خرج من الغرفة ليجد "زينب" والفتيات يجلسن ويتبادلن الأحاديث.

 انضم إليهن، حيث بدأوا يسألون عن كيفية البحث عن عائلة" تقى" التي لا تتحدث، أثناء حديثهم، سمعوا طرقات على الباب، فنهضت "مريم" وقالت:

-أنا هفتح دا أكيد بابا ..


أنهت حديثها وتوجهت نحو الباب، وما إن فتحته حتى وجدت والدها أمامها، الذي لم ينطق بأي كلمة، بل اندفع نحو الداخل كالإعصار وهو ينادي باسم ابنه بلهفة قائلة:

-"يونس".." يونس" ابني ألف حمد و شكر ليك يارب إنك رجعته لينا بخير وسلامه ..


قام "يونس" من مجلسه مسرعًا نحو والده، وعانقه بقوة، ورغم كبر السن، يبقى الأب هو السند والداعم الذي نحتاجه في أوقات ضعفنا وفي كل مراحل حياتنا.

 تغمر الدموع عيون "أحمد" وهو يشكر الله ويثني عليه لرؤيته ابنه بخير وعودته سالماً، ثم ابتعد عنه، و تكلم بقلق قائلاً:

-طمني عليك إنت كويس حد عملك حاجة إنت بخير ..

أمسك "يونس" بيد والده، وجلسا معًا على الأريكة القريبة، فأخبره بكل ما جرى دون أن يذكر التعذيب الذي تعرض له، حتى لا يزيد حزنه، استمع "أحمد" إليه بقلق يشوبه الحزن على ما تعرض له ابنه. 

كان يدرك أن حياة فلذة كبده معرضة للخطر في أي لحظة، فقد ظل منذ طفولته يكافح من أجل حمايته، وكلما كبر "يونس"، تزايد خوفه عليه.

-الحمدلله يا حبيبي إنك رجعت بالسلامة من غير ما تتأذي، لكن حياتك لسه في خطر خد بالك  ..


أحدق "يونس" برأسه إلى الأرض، وقد تسلل إليه شعور بالحزن، إذ بات يدرك أن وجوده يشكل خطرًا على عائلته وعلى كل من يقترب منه.

 شعر بالتعب من الهروب والمشاكل، وبدأ يتساءل:

« من أنا؟ ولماذا أعيش بهذه الطريقة؟ وماذا يريدون مني؟»

 حين رأت والدته حزنه، تنهدت بضيق، وتفوهت لتخرجه من شرنقة أحزانه قائلة:

-أنت زعلان ليه يا حبيبي مش هيحصل إلا إللي ربنا كاتبه، بلاش تفكر كثير وقوم بينا خلينا نروح "لحسام"؛ دا هيفرح أوي لما يشوفك ..


أدرك "أحمد" أن زوجته لا تريد أن تثير أحزان ابنه، لذا قرر تغيير الموضوع قائلاً: 

-مستنين إيه يلا بينا نروح عند "حسام" ده هيفرح أوي ..


استعد الجميع للرحيل إلى المستشفى، وفي أثناء حديثهم تذكر يونس" تقى"، فوجه نظره نحو شقيقته قائلاً: 

-مريم إنتي خليكِ هنا؛ "تقى" ممكن تفوق في أي لحظة، و ممكن تخاف لما ما تلاقيش حد جنبها ..


اقتربت "مريم" منه بلطف، ووضعت يدها على كتفه، ثم تحدثت بابتسامة قائلة: 

-اطمن "تقى" في عينيا لحد ما ترجعوا، متخفش عليها هي في أمان معايا ..


-تسلميلي يا مريومتي وأنا راجع هجيبلك معايا حاجة حلوه يا صغنن. ..


ضغطت على أسنانها بغضب ودفعت كتفه بكوعها، قائلة بنبرة مشبعة بالغيظ:

-على فكرة أنا مش عيله صغيرة علشان تجيبلي حاجة حلوه أنا عايزه فلوس مقابل إني أفضل معاها..


اقترب منها وأمسك بأذنها وهتف مازحًا:

-إنسانه مادية! كنت حاسس إنك مش هتقعدي من غير مقابل! ..


-طبعاً أومال عايزني اقعد معاها من غير مقابل؛ الواحد لازم يستغل الفرص إللي زي دي علشان يحوش شوية فلوس ..


-ماشي لما ارجع و نتكلم في حكاية الفلوس دي.


قطع حديثهم صوت والدهم من الخارج وهو ينادي، فهرع "يونس" بسرعة إلى الخارج، ليجد الجميع في السيارة، استقل إلى جانب والده، ثم انطلقوا.


*********                        

في الغرفة التي يتواجد فيها "حسام"، انتابه شعور بالضيق والملل، ساد الهدوء المريب المكان، وكان الهواء مشبعًا برائحة الأدوية، تنهد بحسرة وتعب، فلم يعد قادرًا على تحريك قدمه.


 لم يكن هناك ما يخفف وحدته، حتى قطع سكون الغرفة طرقات على الباب، نظر نحو الباب بترقب ليعرف من الطارق، وعندما فتح، ظهر "يونس" ومعه أفراد عائلته! عند رؤيته، غمر قلب "حسام" شعور بالسعادة، فهتف بفرح قائلاً:


-"يونس"... "يونس" إنت واقف قدامي بجد ولا أنا بحلم ..


اقترب "يونس" منه وساعده على الجلوس، ثم احتضنه بينما كان يشعر بالحزن بسبب ما حل بأخيه، وكل ما يجري بسببه. حاول كبح دموعه ليمنعها من الانهيار ثم ابتعد عن "حسام" ووجه له حديثه متسائلاً:


-"حسام" إنت كويس أنا آسف ماقدرتش احميك كل دا بسببي ..


-"يونس"... اسكت هزعل منك؛ إنت بتقول كدا ليه؟! انسى المهم طمني عليك أنا بحمد ربنا اني شوفتك بخير ..


أجاب "يونس" بعبارة تحمل في طياتها الحزن قائلاً: 


-أنت بالحالة دي بسببي لو ماكنتش معايا مكنش كل دا حصل؟! ..


استشاط "حسام" غضبًا من حديث "يونس"، و تحدث بجدية قائلاً: 

-"يونس" إنت عارف إني بتعصب من الكلام دا، كفاية تلوم نفسك قدر الله وما شاء فعل انسى ..


-"حسام" إهدى خلاص أنا آسف المهم صحتك ..


حاول "حسام" تغيير مجرى الحديث و تفوه بسؤالٍ مازحاً:

-صحيح توته فين؟ أنت لقيت أهلها ؟ هي كويسه نسيت أسالك عنها ليكون حصلها حاجة؟ ..


-هي كويسه الحمدلله لسه ما لقيتش أهلها، لما نرجع البيت هنبقى نتكلم ..


ثم أردف بغيظ قائلا:

-وبعدين إيه توته دي؛ ما تحترم نفسك يابني أحسن ما أقوم اضربك؟ ..


ضحك" حسام" حتى دمعت عينيه، فقد اشتاق إلى شقيقه وممازحته له، ثم أضاف بين ضحكاته:


-بتغيري يا بطة و لا إيه؟!  اعترف أنا كنت حاسس إنكم لبعض !..


-ايه؟ مين دا إللي بيغير أنا اعرفها منين علشان أغير عليها؟! هي هتفضل معانا لحد ما نلاقي أهلها زيها زي "مريم"! ..


مر الوقت بسرعة البرق بالنسبة "لحسام"، الذي لم يتوقف عن المزاح مع شقيقه ووالدته.

 أما "شهيرة"، فقد كان يتجاهلها طوال الوقت، مما تسبب في حزنها وقررت أنها لن تتحدث معه.

 بعد انتهاء الزيارة، خرجوا من عنده وتركوه وحده يفكر في ما إذا كان قد تصرف بشكل صحيح أم أخطأ مع "شهيرة"؟!. 


في الخارج، لم تكن "شهيرة" أقل حزنًا منه، استقلوا السيارة وانطلقوا نحو المنزل، وعند وصولهم، وجدوا "مريم" جالسة مع "تقى" أمام التلفاز يشاهدان أحد البرامج، وما إن أبصر "أحمد" تقى حتى اتسعت عيناه، وهتف بصدمة قائلاً: 

-إنتي!؟


من أنا 

★*******★*************★

البارت ١٢


فتحت عينيها بذهول وقلق، تتفحص المكان حولها، كانت غرفة متهالكة، تستند إلى الجدار، وابنتها بجانبها!

أدركت أنها مختطفة، واسترجعت في ذهنها آخر ما حدث، تلك السيدة التي قدمت لها قطع الحلوى!

 حاولت أن تأخذ نفسًا عميقًا، إلا أن شعورًا عميقًا ومؤلماً كان يتغلغل داخلها بلا رحمة، إحساسًا يصعب وصفه، يمزق كيانها من الداخل، على الرغم من أنها كانت تتظاهر بالصمود أمام الظروف.

 حتى أن ريقها أصبح كقطع الزجاج المكسور، حتى بلعه مؤلمًا، حيث كانت تظن أنها قد عانت بما فيه الكفاية وأنها قد هربت من جحيم "وليد"، لكنها وقعت في فخٍ أشد قسوة، حيث أعادتها الأمور إلى جحيمها من جديد!

 تساءلت في حيرة عما إذا كان "وليد" هو من قام بذلك، أم أنه شخص آخر؟ نظرت أمامها، عيناها تائهتان، وغارقَتان في الفراغ، لم تعد تسمع حتى نداء ابنتها؛ فقدت قوتها ورغبتها في تحمل كل الخطط التي وضعتها من أجل الهروب، فقد تهاوت كل تلك الآمال فوق رأسها وتهدمت أشلاءً.

 رفعت رأسها ببطء، وجالت بنظرها في كل ركن بصمت، لم تعد تفكر في الهروب، لقد استسلمت، وبقيت تنتظر ما سيحدث لاحقًا. 


بعد مرور بضع دقائق، ظلت في نفس وضعها، ساكنة، غارقة في دوامة من الحزن، كان بكاء ابنتها بمثابة يد تُنشلها من بئر أحزانها.

 التفت نحو ابنتها، تحدق بها في حسرة وشعور بالعجز، ثم احتضنتها برفق ومسحت على شعرها بحنان، متجاوزة غصتها، وقالت:

-مش عارفه أقولك إيه يا حبيبتي، أنا حتى مش قادره أصَبّر نفسي ولا استحمل أكتر من كده ..


بينما كانت تتحدث مع ابنتها، سمعت خطوات تقترب من المكان فجأة، تحرك مقبض الباب وفتح ببطء، مما جعلها تتجمد في مكانها، وكأنها تنتظر حكمًا. 

عندما فتح الباب، دخل رجل قوي البنية، وكان الغضب واضحاً على ملامحه، اقترب منها، ودقق النظر في وجهها، ثم تغيرت ملامحه فجأة، وضرب الحائط خلفها بيده، مما جعلها تشعر بالفزع. ثم استدار  ووجه كلمة إلى الشخص الذي خلفه بغضب قائلاً:


-مين الست دي يا غبي؟ أنا قلت لكم هاتو  حد تاني؟ جيبتوا البلوة دي منين رجعوها حالاً للمكان إللي أخدتوها منه ..


-أوامرك يا بيه هنرجعها ..قومي يلا يا مصيبة ..


لم تصدق "منة" ما سمعته هل يعتزمون إطلاق سراحها؟ هل تم اختطافها عن طريق الخطأ؟! عادت البسمة إلى وجهها واستعادت روحها، فأغمضت عينيها وهي تشكر الله..


 أمسكت بيد "إيلول" وبدأت تتحرك خلف الرجل، ولكن قبل أن تخرج، استوقفها اقترب منها، شعرت بالقلق من نظراته، وقبل أن تتمكن من التحدث، أخرج شريطًا من جيب معطفه ووضعه على عينيها، ثم قال:

-القماشه دي تفضل على عينيكِ لغاية ما تخرجي من هنا، لو حاولتي تشيليها؛ هقتلك ..


أومأت برأسها ثم تحركت خلفه، وهو يرشدها إلى الطريق حتى وصلا إلى السيارة، دفعهما نحو الداخل بلا رحمة؛ مما جعل "إيلول" تتأوه من الألم عندما اصطدمت بباب السيارة، ثم انطلقت بهم، وهم لا يبصرون شيئاً.

***********                    

حدقوا به بدهشة واستفسار حول كيفية معرفته "بتقى"، لكنه لم يلتفت إلى تعبيراتهم المتعجبة، بل عجل نحوها وجلس على الأريكة المقابلة لها، وكانت مظاهر الصدمة واضحة على وجهه، إذ لم يكن بعد يصدق ما يحدث! ثم تحدث قائلاً:

-"حنين" بنتي إنتي هنا بجد؟ كنتوا فين إنتي وأختك و والدتك من بعد ما "عادل" إتوفى؟! أنا مالقتش لكم أثر!.


فتح "يونس" فمه في صدمة مندهشًا كيف يمكن لوالده أن يعرف" تقى"؟ ولدت في ذهنه ألف فكرة، ولكن سرعان ما نزع تلك الأفكار من رأسه، وبدأ يتحدث عندما لاحظ صمت "تقى" قائلاً:


-بابا "تقى" ما بتقدرش تتكلم، ممكن نفهم إنت تعرفها منين؟ وليه بتنده لها بإسم "حنين"؟! ..


انتاب "أحمد" شعور بالصدمة، فتغيرت ملامحه، وحاول استيعاب ما قاله "يونس"! نظر إليها ثم تحدث بتساؤل قائلاً:

-يعني إيه ما بتقدرش تتكلم؟ "حنين" كانت بتتكلم حصلها إيه؟! 


تقدم "يونس" نحوهم وجلس بجانب والده، ثم رد قائلاً: 

-أنا معرفش يا بابا من ساعة ما قابلت "تقى" وهي مش بتتكلم !..


ثم أضاف متسائلاً قائلاً:

 -بابا إنت تعرفها منين؟


استعاد "أحمد" ذكرياته التي مضى عليها زمن طويل، وانفرجت شفتاه بابتسامة وهو يسترجع تلك اللحظات، فهتف قائلاً:

-"حنين" بنت "عادل" صاحبي،  ده كان أكثر من أخويا؛ هو إللي كان بيهربك من مكان لمكان لما كنت صغير، لحد ما مات غدر، من ساعتها عيلته اختفت وما قدرتش أعرف لهم طريق! ..


تذكّر "يونس" فور أن والده ذكر اسمه؛ فقد قضى وقتًا طويلًا معه أثناء ملاحقتهم له، وبعد فترة اختفى ولم يعد لديه أي أخبار عنه!

 لكن ما أثار حيرته هو "تقى"؛ لماذا كانت تهرب، وأين كانت عائلتها؟ كل هذه التساؤلات جالت في ذهنه، ثم نظر إلى شقيقته وقال:

-"مريم" هاتي ورقة وقلم علشان "تقى" تقول لنا فين أهلها ومين إللي كانت بتهرب منه .. 


عجلت "مريم" بتنفيذ طلب شقيقها، في حين ظل الجميع جالسين في صمت، كانت "تقى" تراقبهم بنظرات تائهة وقلقة، وقد غلب الحزن على ملامحها مما جعلها تبدو في حالة من الانكسار.

 شعرت بالحيرة حين وضع أمامها الورقة التي أحضرتها "مريم"، ثم قال:

-"تقي" ما تخافيش من حاجة تمام، اكتبي هنا أهلك فين، وكنتي بتهربي من مين؟


أمسكت بالقلم بيد مرتعشة، وعيونها تتنقل بين "يونس" والورقة، بينما كان وجهها خاليًا من التعبيرات، يحاكي حالة من الضياع!


 شعرت بأن كل شيء قد تلاشى من ذاكرتها، فباتت غير قادرة على استرجاع أيُّ شيء أو إدراك ما يحيط بها! اجتاحت رأسها دوّامة من الدوار، ورغم محاولاتها المستميتة حتى تستجمع أفكارها، لم تُجدِ نفعًا!

 انحنت برأسها نحو الورقة وكتبت بعض الحروف، وهي تردد في ذهنها عبارة "من أنا؟"، ثم وضعت الورقة أمامهم!


تطلع كلاهما إلى الورقة بتركيز، وعند رؤيتهما للكلمتين، تبادلا النظرات بصدمة وهتفوا بصوت موحد: 

-أنا مين ؟!


أغلق "أحمد" عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، ثم أعاد فتحهما وتحدث بهدوء قائلاً:


-"حنين" إسمعيني احنا مش هنأذيكِ، إنتِ مش فاكراني طيب فين والدتك فين أختك؟! .. 


نظرت "تقى" إلى "أحمد"، وتجمعت الدموع في عينيها، بينما بدت ملامح الخوف واضحة على ملامحها، ثم نهضت بسرعة من مكانها ووقفت خلف "يونس"؛  كأنها تبحث عن الحماية، متأملة فيهم برعب.


 وكلما التقت نظرات "أحمد" بها، تمسكت بأريكة "يونس" بقوة! وعندما رأى "يونس" خوفها، ترك الورقة من يده وتوجه إليها قائلاً:

-"تقى" اهدى مفيش حاجة تعالي اقعدي خلاص، مش هسألك خالص، مفيش حد هيقرب منك أنا هنا ..


كأن كلماته قد زرعت الطمأنينة في قلبها، فتوجهت نحو مكانها بينما كانت تلقي نظرة خلسة على "أحمد"، وعندما جلست، انكمشت في مكانها وذهنها مشغول بالأفكار، في تلك الأثناء، كسر "يونس" صمتهم قائلاً:


-"تقى" دا بابا "أحمد" هو عايز يساعدك؛ علشان ترجعي لأهلك وتعيشي معاهم، متخافيش محدش هيأذيك بس قولي ليَّ تعرفي إيه؟


تراخت ملامحها قليلاً، ثم ركزت على الورقة التي بين يديها، حيث بدأت بتدوين بعض الكلمات بيد ترتجف، مع كل كلمة تكتبها، كانت تشعر بتيارات الخوف تتجلى بوضوح، وعندما انتهت، قدمت الورقة له وعينيها تجوب المكان بحذر، أمسك "يونس" الورقة بسرعة، ثم قرأ ما كتبته بصوت مرتفع قائلاً:


-أنا مش فاكره أي حاجة عن حياتي، آخر حاجة فاكراها، إني فتحت عينيا لقيت نفسي في مكان قديم، وجسمي كله دم وشكلي متبهدل كنت مرميه على الأرض قمت من مكاني و قدرت أهرب.


نظر الجميع إلى بعضهم البعض بدهشة، متسائلين هل تخبرهم الحقيقة أم أنها تخفي شيئاً ما؟ وإذا كانت صادقة في حديثها، فهذا يعني أنها تعاني من فقدان الذاكرة، مما سيجعل من المستحيل عليهم معرفة مكان عائلتها!


 زفر "أحمد" زفرة حانية، فقد شعر بالحزن؛ لفشله مجدداً في العثور على عائلة صديقه، نهض من مكانه ثم قال:


-الظاهر إن "حنين" اتعرضت لحادثه وفقدت الذاكرة! والمشكلة إنها ماتقدرش تتكلم! أنا هطلع أرتاح شوية بكرة نبقى نفكر في حل ..


أنهى "أحمد" حديثه ثم دخل إلى غرفته، في حين توجهت "زينب" إلى المطبخ لتحضير وجبة العشاء، نظر "يونس" إلى "تقى" التي كانت تبدوا خائفة، وقال:


-"تقى" خليكي مع البنات متخافيش اعتبريهم إخواتك، هنا مفيش حد هيأذيكي حاولي تتعودي على وجودك معاهم ..


أومأت برأسها وهي تستمع إلى حديثه، محاولًة تنفيذ ما أوصاها به والتكيف مع الوضع وفي تلك الأثناء، شعرت بيد تربت على  كتفها. عندما استدارت، رأت "مريم" بجانبها تنظر إليها بابتسامة، وقالت: 


-بصي يا سكره، إحنا هنا إخواتك ماشي، والبت "شوكي" هتقوم تعملنا كيكه، ونسهر مع بعض نتعرف على بعض أكثر ..


هزت رأسها بالموافقة، ثم قامت من مكانها واتجهت نحو النافذة، حيث وقفت تراقب المارة وضجيج الشوارع، كان على شفتيها ابتسامة تحمل في طياتها حزناً عميقاً، بينما كانت تشاهد العالم من حولها يتحرك بحرية.


 كان البعض برفقة عائلاتهم، وآخرون مع أزواجهم، وكل منهم يسير في طريقه.


 لكنها كانت تفتقر إلى الحقيقة، فلم تكن تعرف أين تتواجد أو من هي، وأين عائلتها؟

 تغلغل الحزن والقهر في قلبها، حيث شاهدت فتاة في نفس عمرها تجلس بين والديها، وتحتضن يديهما وتخطو معهم بفرح.؟

 ولم تستطع السيطرة على دموعها وهي تراقب المشهد، بينما كان الألم يعتصر روحها.

**********                      

بينما كانت تحتضن ابنتها وتدعو بأن تمر الأمور على خير وتصل إلى وجهتها بسلام، شعرت فجأة بتوقف السيارة، ثم سمعت صوت فتح الباب، وتحدث أحدهم قائلاً:

-شيلي الشريط من على عينك وانزلي يلا بسرعه ..


بمجرد انتهاء حديثه، أزلت القماشة عن عينيها وأغمضت عينيها لفترة ثم فتحتهما مجددًا لتعتاد على الضوء، بعدها أمسكت بيد ابنتها ونزلت، وانطلقت السيارة. 

نظرت حولها إلى الشارع، حيث كان الظلام يكتنف المكان، ولم تكن هناك سوى بعض الأضواء القليلة المنبعثة من نوافذ المنازل المحيطة.

 لم يتبقَ في الأجواء سوى صوت صفير الرياح وهي تحرك الأشجار، مما أضفى جواً من الخوف على قلبها، فشعرت برعشة تسري في عروقها.

 قبضت على يد ابنتها وتحركت ببطء، تشعر بالتيه والرعب يسيطران عليها في ظلام الليل الموحش، بدأ عدد المارة يتضاءل ببطء، وكل شخص يسعى للعودة إلى منزله وملاذه. 

جلست على أقرب مقعد، تفكر في ما يجب أن تفعله؛ كانت تعرف موقع منزل الهلالي، إلا أنه بعيد بعض الشيء، ومع ذلك أدركت أن الطريق لن يكون آمناً في هذا الوقت، فكل الأروقة مليئة بالخطر، أخذت نفساً عميقاً، وتنهدت بضيق، ثم نظرت إلى ابنتها وقالت:

-إيلول إحنا مش هنقدر نمشي في الشارع في وقت زي دا إحنا نستخبى هنا والصبح نبقى نروحلهم ..


ما أن أنهت كلماتها حتى سمعت صوت خطوات تقترب منها، وكانت هناك محادثة مستمرة بين شخصين! شعرت برعشة تسري في جسدها وانتابها رعب شديد، بينما كانت تلتفت بعشوائية بحثًا عن مكان للاختباء، لكن الزمن كان قد فات ووصل شخصان أمامها.

 كان كل منهما يتمايل في مشيه، كانوا في حالة سُكر ولا يشعرون بشيء، اقترب منها احدهم، وقفت في مكانها كأن حركتها قد شلت، وعينيها تحدقان فيه بذعر.

مدّ يده ليمسك بذراع "إيلول"، لكن "منة" كانت أسرع منه، حيث سحبت ابنتها إلى الوراء، ومع كل خطوة تتراجع فيها، كان يقترب منها أكثر، حتى وصلت إلى ركن ضيق!

 قامت "منة" بتوزيع نظراتها على المكان، ووعَت أنها محاصَرة ولا مفرّ لها؛ استجمعت قواها وصاحت بأعلى صوتها:


-ساعدونا في حد سامعني ابعدوا عني أنا مفيش معايا حاجة ..


لم يكترثوا لصرخاتها، واندفع أحدهم نحو ابنتها ممسكًا بها من ثيابها بشدة! لم تحتمل "منة" هذا التصرف؛ فاستلّت حجرًا من الأرض وضربت به رأسه بقوة، مما أدى إلى ارتخاء جسده وتركه لابنتها التي كانت تصرخ بفزع!

 هرعت الطفلة نحو والدتها واحتضنتها بقوة، انشغلت "منة" لتطمئن على ابنتها، متجاهلة الأمر مع الرجل الآخر الذي كان خلفها، ولكن سرعان ما شعرت بشيء حاد يخترق ظهرها، مما جعلها تصرخ وسرعان ما ارتخى جسدها وسقطت على وجهها!

 عندما رأى الرجل سقوطها، ساعد صديقه على الفرار، بينما جلست ابنتها "أيلول" تبكي بجوار والدتها قائلة :

-ماما.. ماما ردي عليا أنا خايفه ماما ..


**********                      

اجتمعوا حول المائدة لتناول وجبة العشاء، لكنهم انغمسوا في صمت ثقيل، حيث كان كلًا منهم غارقًا في أفكاره ومشاغله، بعضهم يحمل الحزن في قلبه، وآخرون يكتفهم الخوف.

 أما "تقى"، فكانت غارقة في شرودها، تتأمل في طبقها بلا اهتمام، غير قادرة على تناول أي لقمة.


 كان التفكير ينهش عقلها، والحزن قد استقر في قلبها، فلم تستطع استحضار أي ذكريات عن ماضيها، ولا تعرف أي طريق تسلكه أو إلى أين تتجه، فهي وحيدة، ومكوثها في منزل "يونس" لن يطول؛ إذ لا تربطها بهم روابط سوى الصداقة التي كانت تجمع والدها بهم، ولا تزال حتى الآن تجهل الكثير عن ذلك.


 إن الشعور بالوحدة قاسٍ للغاية، كأنك محاصر داخل متاهة بلا مخرج، حيث تسيطر عليك الفراغات، ويكاد ذهنك ينفجر من كثرة الأفكار التي تنهشك كمرض. 

كسر سكون المكان صوت "مريم" المرِح، حين لاحظت صمت المكان الرهيب، فقالت:


-ايه ساكتين ليه؟ بسبب السكوت ده حاسه إن مليش نفس للأكل ..

أجابت "زينب" بهدوء، قائلةً:

-حبيبتي نتكلم نقول إيه؟!، كلنا تعبانين عايزين نكمل أكل ونقوم علشان نرتاح ..


تألقت بسمتها على وجهها وهي تسترجع ذكرياتها مع "حسام"، ثم هتفت قائلة:

-"حسام" كان دائماً يعمل جو جميل ومرح، أخويا وحشني أوي ..


تحدث الجميع عن "حسام" وذكرياته معهم، رغم أنه ابتعد عن المنزل لفترة وجيزة، إلا أن مكانه ظل شاغرًا؛ وكأنه قد غاب لأعوام عن موطنه.

 لم تستطع "زينب" أن تخفي دموعها، فقد شعرت بفراغ عميق في قلبها، تعودت على وجود ابنها وصوته الذي كان يشبع الأجواء بالحيوية والمرح، تنهدت بحزن، ثم قالت:

-ربنا يقوموا بالسلامة ويرجع وسطينا، ونفرح بيه قريب إن شاء الله ..


حل الليل سريعاً وانتهى الجميع من تناول وجبتهم، فتوجه كل فرد إلى غرفته بعد إتمام ما كانوا يقومون به. 


في غرفة "شهيرة"، جلست على سريرها غارقة في أفكارها، وقد غلبها الحزن الذي يجتاح قلبها.

 كانت تشعر بالحيرة وعدم اليقين حول ما ينبغي عليها فعله، فقدت والديها، وأصبح "حسام" خارج الصورة أيضاً، مما جعل استمرار وجودها في منزل عمها بلا معنى، وشعرت بأنها بحاجة للعودة إلى حيث كانت!

 مسحت دمعة انهمرت من عينيها وتنهدت بضيق، ثم أغمضت عينيها، لعلها تنال بعض الراحة.


شق سكون الليل صوت أذان الفجر، ليبعث الحياة من جديد ويعلن قدوم يوم جديد مليء بالأمل. 

انطلق كافة أفراد الأسرة لأداء الصلاة؛ فتوجه "أحمد" وابنه إلى المسجد، بينما قامت النساء بأداء الصلاة في المنزل، نظرت "مريم" إلى والدتها وقالت:


-ماما ليه ماصحتيش "تقى" علشان تصلي معانا؟ يمكن ما سمعتش  الأذان! ..


-البنت كانت مرعوبة؛ لما دخلت علشان أصحيها كانت نايمه والتعب باين على وشها، صعبت عليَّ أصحيها سيبتها ترتاح، ومن بكرة إن شاء الله هبقى أصحيها معانا ..


أنهت حديثها، ثم جلست كل واحدة منهن ممسكة بمصحفها، تقرأ ما تيسر من القرآن الكريم. 

"وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا" .


بعد فترة من الزمن، انتهوا، جلست "زينب" تسبح على يدها بينما توجهت "شهيرة" إلى المطبخ لتحضير فنجان من القهوة لتخفيف صداعها، في تلك الأثناء، أخذت "تقى" كوبًا من الماء لترتشف منه.

فجأة كسر سكون المكان صرخت مدوية قوية من شدتها صمت الأذان! و ادخلت الرهبة الى قلوبهم وهتفوا بصوت واحد:

-"تقى"..!؟.

**********                     

بعد انتهاءه من الصلاة، شعر براحةٍ نفسيةٍ عميقةٍ؛ حيث تلاشى كل همٍ كان يثقل صدره، استند بظهره إلى العمود خلفه وبدأ يستغفر، بمرور وقت قصير. فجأة، شعر بيدٍ تربت برفقٍ على كتفه، فرفع رأسه ليجد والده أمامه.

-"يونس" إنت كويس؟ عدى وقت طويل وإنت قاعد مكانك ماتحركتش!

نهض من مكانه مبتسمًا وقال:

-أنا ما خدتش  بالي من الوقت، حسيت براحة نفسيه الحمدلله يلا بينا نروح ..


أنهى حديثه وخرج من المسجد ليجد تجمعًا من الناس يتحدثون بكلمات متداخلة وغير مفهومة، وكان بعضهم يظهر عليه القلق بينما كانوا يتطلعون إلى ذلك التجمع!

 وفجأة، اقترب منهم شاب في سن "يونس"، يركض وهو يلهث، وحين وصل إليهم، جلس على الأرض ليسترد أنفاسه، اقترب "يونس" منه بقلق، وهتف بتساؤل قائلاً:

-في إيه يا "علي" الناس دي متجمعة كدا ليه؟!


-في ست مقتولة في آخر الشارع و ماحدش قادر يقرب منها..


-إيه...؟


من أنا 

★*****************""""""★

البارت 13


أثارت صرخات "شهيرة" القوية الفزع في قلوبهم، فهرعوا مسرعين والقلق يعصرهما صوب المطبخ!

 دخلت "مريم"، تليها "زينب"، لكنهما صدمتا؛ عندما وجدا "شهيرة" تقف على المائدة، والذعر واضح على ملامح وجهها! رفعت "مريم" حاجبيها وهتفت بغضب قائلة: 

-في إيه يا بت منك لله وقعتي قلبي! مالك واقفه كده فوق السفرة إنزلي ؟!..


وجهت "شهيرة" نظرة خائفة نحو جهة معينة، وحركت رأسها برفض وهي تركز بصرها على زاوية ضيقة في المطبخ بلعت ريقها ثم أضافت:

_ "مريم".. فار.. هنا.. أنا شوفته كان بيجري ناحيتي هو هناك ..


تنهدت "زينب" بيأس، ثم خرجت وهي تضرب يديها ببعضها تعبيرًا عن إحباطها من تصرفات الفتيات! بينما لم ترد "مريم" على "شهيرة"، بل نظرت إليها بغضب ثم قالت:

_ تعرفي يا "شهيرة" لو كنت لقيت الفار؛ كنت مسكته وحطيته فوقك، علشان تحرمي تصرخي مرة تانية، إنزلي خلينا نحضر الفطار!


ضحكت "شهيرة" برشاقة، ثم نزلت عن الطاولة، وهي تسير بخطوات خفيفة يملأها الرهبة. التفتت يمينًا وشمالًا، حتى وصلت إلى باب المطبخ، ثم قالت:

_ "مريومه" حبيبتي أنا طالعه أكمل نوم، لما تقتلي الفار هبقى انزل ..


فتحت "مريم" فمها بطريقة مضحكه ثم قالت:

_ أنا مش سفاحه علشان اقتله! مسكين سبيه يمكن بيدور أكل لولاده ..


انفجرت "شهيرة" بالضحك بشكل متواصل، وهي تمسك بطنها نتيجة شدة الضحك، ثم أضافت بين نوبات الضحك: 

_ ماشي يا حنينه سيبيه يمشي، أنا هريح شوية، وتعالي عايزه اتكلم معاكِ في حاجة مهمه ..


_ ماشي أنا جاية لو الموضوع تافه هضربك ؟..


أنهت "شهيرة" حديثها مع "مريم"، ثم اتجهت نحو غرفتها. تذكرت قرارها الذي أخذته، بدأ الحزن يتجلى على معالم وجهها، وشعرت بضيق في صدرها، دخلت غرفتها، وأحضرت حقيبتها، ثم وضعت بداخلها جميع أغراضها، بينما تنهمر الدموع من عينيها، كان قلبها مترددًا بشأن الرحيل، لكن عقلها كان يؤكد لها أن هذا هو القرار الصحيح..


************    

          

شعر بالدهشة مما سمع، واتسعت عينيه بينما كان يتنقل بنظره بين "علي" والجموع المتجمعة…

ثم تجلى الغضب على ملامح وجهه، حين لاحظ أن لا أحد يتحرك يسعفهم، بل اكتفى الجميع بالحديث حول الموضوع دون أن تظهر على وجوههم أية مشاعر إنسانية! توجه بنظره نحو والده وقال: 

_ بابا إنت رَوّحْ، أنا لازم أشوف الست دي، الناس ما بقاش في قلوبهم رحمة، وهتصل بالبوليس.

ثم أضاف متحدثًا إلى والده: 

_ بابا إنت روح علشان ماما ماتقلقش علينا ..


أنهى كلماته وركض بسرعة نحو الوجهة التي أشار إليها "علي"، بينما كان "علي" خلفه يشير له إلى المكان.

 كان الموقع يبعد عدة أمتار عن المسجد، لذا لم يهتم به سكان المنطقة خوفًا من التعرض للمشكلات، حيث كانت السيدة بعيدة عنهم!

 وبعد فترة، وصلوا إلى الأزقة الضيقة، وبدأ "يونس" يبحث بعينيه عنها حتى سمع صوت أنين يأتي من إحدى الزوايا الضيقة!

 هرع نحو مصدر الصوت، وفور وصوله صُدم بالمنظر الذي أمامه، كانت السيدة ملقاة على وجهها، ودماء تسيل من ظهرها وجانبها، طفلة صغيرة وجهها شاحب ودموعها تبلل بشرتها، فيما كان جسدها يرتجف من البرد، كأنها واحدة من ضحايا الموت.

 وعندما رأتهم، انكمشت بخوف. حاول "يونس" الاقتراب من السيدة، لكنه تردد وبدلاً من ذلك، أخرج هاتفه بسرعة وأجرى اتصالًا بالشرطة، ثم انتظر وصولهم بعد ذلك، نظر إلى الطفلة وقال:

_ اهدي مش هعمل فيكي حاجة ماتخافيش هتبقى كويسه ..


تقلصت الطفلة أكثر، وتمسكت بثياب والدتها بخوف، بينما كان "يونس" يلتزم بالصمت حتى لا يثير مخاوفها أكثر وبعد دقائق.

 انطلق صوت صفير سيارات الشرطة والإسعاف، حيث أحاطت الشرطة بالمكان، سارع الأطباء إلى نقل السيدة إلى سيارة الإسعاف برفقة ابنتها، في حين طلبت منه الشرطة مرافقته لإجراء بعض الاستفسارات.


************        

عندما دخل "أحمد" إلى منزله، لاحظ زوجته تقف وقلقٌ واضحٌ على ملامحها، وعندما رأته، أسرعت الخطى نحوه، وهتفت بقلق قائلة:  

_ وقعتوا قلبي يا "أحمد" (الله) يسامحكم على الخضة دي! إتأخرتوا كدا ليه "يونس" فين ..


_ أهدي ما حصلش حاجة، تعالي إقعدي، وأنا هحكيلك معلش إتأخرت غصب عني ..


توجهت معه نحو الأرائك وجلست، وهي تنتظر بفارغ الصبر أن يخبرها بما حدث، استقر في مكانه وبدأ يتحدث قائلاً: 

_ حصلت جريمة قتل في الشارع إللي ورانا ..


شعرت "زينب" بصدمة عميقة، حيث اتسعت عيناها واعتراها شعور قوي بالخوف، ثم نادت بسرعة قائلة: 

_ و"يونس" فين؟! وإيه علاقته بالجريمة؟ ابني كويس مش كدا؟


ردّ "أحمد" مهدئًا إياها قائلًا:

-اهدي يا "زينب" ابنك كويس.


ثم بدأ يسرد لها كل ما جرى منذ مغادرتهم المسجد، فارتاحت ملامح "زينب" إذ أدركت أن ابنها بخير، ثم قالت: 

_ الحمدلله أنا بقيت خايفه عليه أوي ..


_ ربنا يحفظه ويفضل دايما بخير أومال فين الفطار ..


نهضت من مكانها ثم أضافت قائلةً: 

_ الفطار جاهز هخلي البنات يحطوه على السفرة .. 


أنهت جملتها و ولجت إلى المطبخ، حيث وجدت "مريم" "وشهيرة" قد أنهتا إعداد وجبة الفطور، ولم يتبقَ سوى القليل ثم قالت:

_ "مريم" حضري السفرة أبوكِ وصل بسرعة يا حبيبتي ..


_ حاضر يا ماما شوية بس، روحي ارتاحي مش فاضل كتير ..


أنهت "زينب" حديثها وخرجت، بينما نظرت "مريم" إلى "شهيرة" بتعجب، حين رأتها شاردة الذهن وحزينة، وقد ارتسم الألم على ملامح وجهها، اقتربت "مريم" منها، وسألتها باهتمام قائلة:

_ "شوكي" مالك زعلانه ليه؟ هو في  حد زعلك ؟ مش متعودة أشوفك كدا! ..


نظرت إليها "شهيرة" بتعابير تحمل في طياتها الضياع، وكانت الدموع تتلألأ في عينيها، بينما كان الحزن يعتصر قلبها، ثم قالت: 

_ تعبت يا "مريم" أنا خلاص لميت حاجتي وهرجع فرنسا..


شعرت "مريم" بصدمة من وضع شهيرة، ثم أطلقت صيحة تعبر عن تساؤلها، قائلة:

_ "شوكي" إحنا اخوات مش كدا؟ قوليلي مالك أيه اللي وصلك للحالة دي؟! ..


استقرت على أقرب مقعد بجانبها، واندفعت دمعة من عينيها، تنهدت تنهيدة تعكس عمق حزنها، ثم أسردت بلهجة مليئة بالألم: 

_ أنا رجعت علشان اصلح إللي اتكسر زمان؛ لكن "حسام" كرهني خلاص لازم أمشي من هنا ..


اقتربت "مريم" منها ورفعت رأسها الذي كان مائلًا إلى الأسفل، ثم تحدثت إليها بجدية:

_ "شهيرة" " حسام" بيحبك بس هو حالته النفسية وحشه، قومي علشان نفطر وكفاية هبل قبل ما تيجي زوزو.


ابتسمت رغم ألمها، كانت ابتسامتها زائفة كستائر تخفي وراءها أحزان عميقة، ثم حملت الأطباق مع "مريم" ورتبوها على المائدة، ليشرعوا بعد ذلك في تناول وجبة الإفطار بصمت، كعادتهم كل يوم، حتى قطع هذا الصمت "أحمد" قائلاً:

_ "حسام" فضل لوحده في المستشفى، وحالته النفسية مش كويسة؛ هنجيبه البيت يكمل علاجه هنا، يمكن نفسيته تتحسن وهو وسطينا ..


شعرت بالتوتر، حيث تسارعت نبضات قلبها كما لو كانت ضربات طبول الحرب، وأقسمت أن الجميع بات يسمعها من شدة تردد نبضها؛ كانت تعاني من صراع داخلي لم تجد له مخرجاً، مما جعلها تشعر وكأنها محاصرة بين نارين: 

«هل تظل أم أن الرحيل هو الخيار الأفضل؟»

إنها في وجود "حسام" لم تشعر بالراحة، كلما نظرت إلى عينيه ترى فيهما اللوم والعتاب.

 قطع هذا الصراع الذي كانت غارقة فيه، صوت "مريم"، التي قالت:

_ بابا.. أنا و "شوكي" وكمان "تقى" هنروح معاكم علشان "حسام"، أكيد هيفرح لما يشوفنا كلنا ..


تنفست بعمق، ثم هزت رأسها بطريقة تنم عن الرفض و تفوهت قائلة:

_ أنا مش هقدر أروح معاكم معلش تقدري تروحي يا "مريم" ..


مالت "مريم" نحوها وهمست في أذنها قائلةَ: 

_ "شوكي" مش وقته، إنتي هتيجي معانا؛ "حسام" محتاجك جنبه، مش عايزه إعتراض ..


بعد الانتهاء من تناول الإفطار، استعد الجميع للذهاب إلى المستشفى، كانت "شهيرة" مترددة، ولكن "مريم" استطاعت إقناعها. 

فرغم حجم الحزن الذي يشعر به "حسام" نتيجة ما حدث ، فإنه لا يستطيع أن يكرهها. 

استقل "أحمد" و"زينب" السيارة في المقدمة، بينما جلست "شهيرة" و"مريم" مع "تقى" في الخلف، حيث تبادلا الأحاديث.


 كانت "شهيرة" تشعر بالتوتر والضياع، متسائلة عن جدوى هذه المقابلة؟ لأنها كانت تدرك في قرارة نفسها أنه لن يحدث أي تغيير، وأن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه سابقًا. 

هل تستطيع الجروح التي نزفت حتى الجفاف واندثرت أشلاءها في غياب القلوب المحبة أن تندمل؟ وهل يعود قلب المحب ليشفي جروحًا مضى عليها زمن؟

*******   *****        

خرج" يونس" من قسم الشرطة؛ بعد استجوابه بشأن معرفته بمكان الحادث، وعندما انتهى من جميع الإجراءات، اتجه نحو المستشفى التي نقلت إليها تلك السيدة!


 وأثناء سيره، انتابه شعور بأن هناك من يتبعه! فتوقف و إلتفت خلفه، لكنه لم يجد شيئًا.

 أطلق زفيرًا ثم استأنف سيره حتى وصل، إذ إن المستشفى قريبة من مركز الشرطة.


 وفي تلك الأثناء، توقفت سيارة والده، ترجل الجميع من السيارة ونظروا إليه باستغراب؛ لأنه  لم يقم بأخبارهم بقدومه إلى المستشفى! اقترب منهم وحيّاهم، فسأله والده مباشرةً قائلاً: 

_ "يونس" حصل إيه إنت بتعمل هنا إيه؟!


_روحت مع البوليس و حكيت لهم إزاي عرفت مكان الست المجروحه، ولما خرجت من القسم عرفت هناك إنهم جابوها هنا هي وبنتها؛ فجيت علشان أطمن عليهم..


أنهى حديثه ثم لمحت عيناه "تقى" تسير في الخلف، وقد انحنت برأسها كأنها تشعر بالخوف، اقترب من شقيقته وهمس إليها قائلًا: 

_ "مريم" ارجعي عند "تقى" خليكي معاها؛ هي خايفه ماتبعديش عنها ..


رفعت حاجبها ونظرت إليه قائلةً: 

_ حُنين أوي يا خويا .. حاضر راجعه ليها وإنت غض بصرك شوية!.


أنهت كلماتها وعادت إلى "تقى"، حيث أمسكت بيدها كأنها تحاول طمأنتها، ثم دخلوا المستشفى، وسأل "يونس" عن السيدة، وبما أنه لا يعرف اسمها، واجه صعوبة في تحديد غرفتها.


 بعد ذلك، انطلق مع عائلته حيث أصروا على الاطمئنان عليها قبل التوجه إلى غرفة "حسام". 

وصلوا إلى غرفة السيدة فوجدوا ابنتها جالسة بالخارج في مشهد مؤلم للغاية، كانت ملابسها ممزقة ومتسخة، وبدت آثار الزمن واضحة عليها! و جسدها النحيل يرتجف من البرد والخوف، ودموعها تسيل كالسيل الجارف على وجنتيها.

  تائهة .. ضائعة، تنظر إليهم في حالة من الهلع، وكأن الضغط النفسي الذي تعاني منه يكاد يكسر أضلعها وهي منكمشة على نفسها!

 كان منظرها يحزّ في القلب، وكأن خيوط الحزن تجمعت فيها.

 اقترب منها "يونس"، وفي عينيها برقت دموع، بينما كان يتأمل حالها المؤلم.

 وقبل أن يصل إليها؛ لاحظ الهلع في عينيها عندما رأت نصف وجهه المخيف، مما جعله يدرك أنها تشعر بالخوف من مظهره.

 تراجع إلى الوراء، ومن ثم نظر إلى والدته وقال:

_ ماما روحي لها حاولي تطمنيها شوية، حالتها النفسية مش كويسه هي محتاجه حد يطمنها و ...


وقبل أن يكمل "يونس" حديثه، نهضت الفتاة من موضعها، وقد تغيرت ملامح وجهها من الحزن إلى ابتسامة أضأت محياها!

 انطلقت بخطوات سريعة اتجاههم، حيث نظروا إليها بصدمة، ولم يصدقوا أعينهم؟!

 وقبل أن يتمكنوا من استيعاب ما يحدث، اقتربت نحو "تقى"، ممسكةً بيدها بكلتا يديها، وهتفت بصوتٍ ضعيفٍ ولكنه كان يحمل نبرة من السعادة قائلة:

_ حنين.. حنين وحشتيني أوي!!


************                   

في مكان تعمُّهُ رائحة، تُنبئ عن النفوس المليئة بالحقد والشر، اجتمعت أرواح غارقة في الجشع والطمع، مما أفقدها القدرة على الرؤية! أصبحت قلوبهم معتمة، إذ باتوا يركضون كالسيل الجارف بلا هوادة، ساعين وراء إشباع رغباتهم الدنيئة، يسعون للإيذاء بوحشية لكل من يقف في طريقهم، لقد أعمى المال بصيرتهم وجعلهم يتجاهلون القيم الإنسانية.


 جلس "وليد" مشحونًا بالغضب، وكأن نارًا تأكله من داخله؛ لدرجة أنه لو كان الغضب نارًا، لكان رمادًا.

كان هناك رجل بجانبه يبدو عليه الثراء، ذو لحية طويلة وثياب سوداء، وفي عينيه لمعة حادة تدل على الشر والطمع، أخرج الرجل علبة من درج مكتبه ثم نظر إلى "وليد" وقال:

_ مش وقت عصبيتك دي؛ مرات اخوك وبناتها مابقوش نافعين لحاجة دلوقتي، لازم نركز على "يونس" لو بقى بين إيدينا؛ هنبقى أغنياء أوي ..


تجلى على وجهه القلق، وبدت عليه ملامح الخوف مما يخفيه، فتنهد بضيق وهتف قائلاً: 

_ بنت أخويا الكبيرة لازم تموت؛  دي شافتني وأنا بقتله، ولحد دلوقتي مش عارف إيه علاقة يونس (بالأمانة) ..


أطَلق الرجل نظرةً أمامه، وهو يُحرِّك سلاحه بين يديه، ثم قال: 

_ بنت أخوك هنخلص عليها و كدا نبقى خلصنا ، أما "يونس" هو مفتاح (الأمانة) هو إللي هيفتح الطريق ليها ..!


على الرغم من جهود "وليد" المستمرة منذ فترة طويلة للعثور على "يونس"، إلا أنه لا يزال يفتقر إلى بعض المعلومات حول هذه (الأمانة)! وقد تعلقت نظرته بالحيرة وهو يردد قائلاً: 

_ إيه هي (الأمانة)؟!


من انا

الحلقة 14

تجلت مشاعر التعجب بوضوح على ملامحهم، حيث كان بعضهم يتساءلون في أعماقهم عن العلاقة التي تربط "تقى" بهذه الفتاة، وما الذي جعلها تعرفها؟!

 بينما نظرت الأخرى إليها بذهول وثبات، كأنها لا تعرفها على الإطلاق! هل هناك تشابه بينها وبين أحد أقارب الفتاة؟ أم أن هناك شيئًا ما خفيًا يختبئ وراء هذه الشخصية الغامضة؟!

 في وسط ذلك كان "أحمد" يحاول التأكد من شكوكه التي بدأت تتبلور كحقائق، كلما تأمل بوجه الفتاة بوضوح، على الرغم من أن الغبار كان يغطي أجزاءً من وجهها!

 ومع ذلك، استطاع التعرف عليها، واتسعت البسمة على شفتيه، حيث هتف قائلاً:


-"إيلول" بجد مش مصدق! الحمد لله و شكر لله اني لقيتك أنــ....


فجأة، توقف عن الحديث وابتلع الكلمات المتبقية في حلقه، حين أدرك أن السيدة المصابة هي "منة"، زوجة صديقه.

 تنفست بارتياح لأنه وجدها أخيرًا، لكن هذه الراحة لم تدم طويلاً عندما تذكر أنها تعاني من إصابة تصارع الموت! رفع رأسه وجد الجميع يحدقون به باستغراب.


 بينما كانت "زينب" قد أدركت أن هذه هي ابنة صديقه؛ إذ تحدث معها سابقًا عنهم على الرغم من أنها لم تلتقِ بهم من قبل، كما أن الفتاة كانت تتعلق" بتقى" قد أعطتها جوابًا كسر صمتهم، "مريم" قائلة:

-أنا مش بقيت فاهمة حاجة؟ ممكن توضح لينا يا بابا مين البنت دي و تعرفها منين؟!


نظر إليهم "أحمد" بجدية ثم رد قائلاً: 

-ماشي  هتعرفوا حالا.. هو أن الست إللي جوا تبقى  أم "تقى" و دي أختها "إيلول" و لما نطمئن عليها و نرجع للبيت هقول ليكم كل حاجه من الأول.


اختتم حديثه بتلك الكلمات ثم استدار نحو الباب متجهًا إلى غرفة "منة". 

في تلك الأثناء، خرج الطبيب من غرفتها، فاقتربوا منه بلهفة، حاول "يونس" الاقتراب لسؤال الطبيب، لكن كانت تبدو على وجه الطبيب تعابير من التعجب والاشمئزاز!

لم يكترث "يونس" لنظرات الطبيب، فقد اعتاد على مثل هذه النظرات منذ مجيئه إلى شقيقه في الأيام السابقة، أخذ نفسًا عميقًا ثم قال: 

 -طمني يا دكتور هي كويسة حالتها بخير؟

أجاب الطبيب بجدية قائلاً: 


-مفيش حاجه تخوف الجرح كان سطحي بس هي اتعرضت لعنف و قلة الأكل و لأن جسمها ضعيف متحملش النزيف شوية و هتفوق.


بمجرد أن أتمّ الطبيب حديثه، نطق "أحمد" متسائلاً: 


-نقدر ندخل نطمن عليها يا دكتور لما تفوق؟


-خمس دقائق و تقدروا تدخلوا بس بلاش كلام كتير معاها علشان  هي محتاجه راحه.


أومأ "أحمد" برأسه إلى  الطبيب  قبل أن يغادر، ثم جلس على أقرب مقعد منها، نظر إلى "إيلول" بأسى، فقد كان التعب ظاهراً على ملامحها الذابلة، وكأنها وردة فقدت أوراقها.

 لقد كان يدرك جيداً الخطر الذي يحيط بهن، فقد تركهن صديقه أمانة، لكنه خذل الأمانة! ويؤلمه أن يرى بَنَات صديقه في هذه الحالة المزرية؛ حيث فقدت واحدة منهن ذاكرتها وقدرتها على النطق، بينما تعاني الأخرى من قسوة الظروف أما زوجة صديقه، يعلم الله بما كانت تعانيه.

 تنهد بضيق ثم وجه حديثه إلى "إيلول" قائلاً:

-تعالي يا بنتي ماتخافيش، "حنين" مش فكراك دلوقتي علشان هي تعبانه و لما تخف هتبقى فكراك.


تجمعت دموعا في عينيها، ثم رفعت نظرها إتجاه "تقى"، وبدأت تتحدث بصوت حزين يقطع القلب، هاتفة بلهجة مختنقة بنوبة بكاء قائلة:

-"حنين" أنتِ هتخفي و تبقي فكراني صح؟ و هتعرفي ماما و نرجع مع بعض مش هنفترق  تاني حتى عمو الشرير هربنا منه.


كانت كلماتها مؤلمة، وصوتها يمزق القلب، نظرت إليها "تقى" طويلاً ثم إنحنت لتصل إليها، نظرًا لقصر قامتها وصغر حجمها، احتضنتها بقوة، ونتج عن ذلك دموع في عينيها على الرغم من أنها لا تتذكرها جيدًا!


 لكن قلبها يتألم عندما رأت دموعها وحزنها، إذ إن القلب لا ينسى، ويشعر بمشاعر من هم أقرب إليه، بعد فترة وجيزة، قامت بفصل العناق ثم نظرت إليه برقة، مسحت شعرها بحنان، ثم أمسكت يدها ووقفت، وهي تتأملها بابتسامة.

 كل ذلك كان تحت أنظار "يونس" الذي شعر بالسعادة لمَ حدث. وعلى الرغم من أن "تقى" لم تتذكر أختها، إلا أنها شعرت بأن هناك رابط بينهما، وتقبلت فكرة أنها شقيقتها.


 قطع صمتهم صوت الطبيب الذي اقترب منهم قائلاً:

-ممكن تدخلوا تشوفوها دلوقتي هي فاقت و حالتها كويسه.


ألقت "إيلول" نظرة على "تقى" وابتسمت قائلة:  

-ماما هتفرح أوى أوى لما تشوفك أنتِ وحشتينا أوى.


بادلتها "تقى" الابتسامة، وهي تشعر بشوق كبير لرؤية هذه السيدة التي تقول أنها أمها، لطالما تمنت أن تتذكر كل تفاصيل ماضيها! تمنت أن تعود بذاكرتها إلى الأيام الجميلة التي قضتها مع شقيقتها ووالدتها..

 لكن حياتها كانت كأنها رواية مليئة بالأحداث، والآن أصبحت مجرد مقتطفات غامضة تحتوي على ذكريات قليلة!

 دخل "أحمد" ومن خلفه الجميع، ففتحت "منة" عينيها بتعب ونظرت إليهم، بينما كانت الرؤية مشوشة، ثم نطقت بصوت خافت قائلة:


-"إيلول"، بنتي "إيلول".


تخلت "إيلول" عن يد "تقى" وهرعت نحو والدتها، ثم أمسكت بيدها و بدأت تهزها بفرحة، قائلة:  

-ماما انت بقيتي كويسه بصي لقيت "حنين" هي رجعت لنا .


عند سماعها إسم ابنتها، امتلأت عيناها بالدموع، وحاولت النهوض من مكانها، لكنها شعرت بدوار، اقتربت منها "زينب" لتسندها وتساعدها على العودة إلى مكانها. وبعد أن استقرت في مكانها، بدأت تتوزع نظراتها بين الحاضرين، كان أول من وقع نظرها عليه هو "أحمد"، فقالت: 


-استاذ "أحمد" الحمد لله إني لقيتك، كنت بدور عليك فين بنتي فين "حنين"؟


-الحمد لله على سلامتك يا مدام "منة" و أنا كنت بدور عليكِ من زمان و بالصدفه لقيت "حنين" و بعدها عرفت إنك هنا.


أعادت النظر بين الحاضرين بحثًا عن ابنتها، حتى وقع نظرها عليها، لكن دهشة شديدة ارتسمت على وجهها حين لم تتحرك ابنتها في إتجاهها! حيث ظلت ثابتة في مكانها، دون أن تظهر عليها أي تعابير أو تتغير ملامح وجهها!


-"حنين" بنتي مالك واقفه كده مش هتيجي في حضني؟  ليه ساكته كده أنت كويسة؟!


أدرك "أحمد" أن ما ستكتشفه سيسبب لها الألم، خاصة في ظل حالتها المزرية، ومع ذلك، لم يكن أمامه مفر من مواجهتها بالحقيقة. تنفس بعمق قائلاً:


-مدام "منة"، بنتك "حنين" فاقدة الذاكرة مش فاكره حاجة و كمان فقدت النطق بس بتسمع.


وضعت "منة" يدها على فمها و أجهشت في البكاء، يعتريها شعور مختلط بين الصدمة والحزن، كان قلبها مليئًا بالمشاعر المتضاربة!

 بينما شعرت "تقى" بضيق شديد في صدرها ودمعت عيناها، ثم نظرت إلى "يونس" وكأنها تسأله عما يجب عليها فعله، إذ لم تعد تدري ما هو الصواب أو ما تصدقه! لكن "يونس" قطع تفكيرها قائلاً:


-"تقى" دي أمك عارف إنك مش عارفاها بس دي أمك يا "تقى" روحي لها.

 أومأت برأسها بحركة هادئة، ثم بدأت تتحرك ببطء نحو "منة"، وقد تحجرت الدموع في عينيها عندما رأت دموع "منة".

 جلست بجانبها، فنظرت إليها بحب وشوق، ثم فتحت ذراعيها، كأنما كانت تدعو "تقى" للإنهيار في حضنها! عانقتها "تقى" بقوة، وهي تقبّل رأسها وتبكي في آن واحد.

 وبعد معاناة طويلة، اجتمعت بفلذة كبدها، التي تمثّل جزءاً منها، شعرت "تقى" بأمان وسلام داخل أحضان والدتها، التي منحتها الدفء والحنان، رغم أنها لم تتذكر شيئًا من الماضي، لكن قلبها لم ينسَ أبدًا..


 في تلك الأثناء قفزت "إيلول" إلى جانب والدتها من الجهة الأخرى، وضاقت عينيها بتعبير عبوس، وقالت:


-الله الله يا ست منمن أنا مليش حضن زيها و لا إية؟


ابتسمت "منة برقة، ثم احتضنتها بحنان، وكان الفرح يضيء وجهها، بعد ذلك، نظرت إلى "أحمد" وتحدثت قائلة: 


-شكر لك بجد يا استاذ "أحمد" أنتَ رجعت ليا بنتي، و قطعة من روحي.


-الشكر الله يا مدام "منة"، بس "يونس" هو إللي لقى بنتك و هو كمان إللي سماها "تقى"، و كمان هو إللي  جابك هنا.


أطلّت "منة" على "يونس" بنظرة مليئة بالامتنان والشكر، فهو الذي أنقذ ابنتها وأنقذها في ذات الوقت. ثم قالت: 


-مش عارفه إزاي أشكرك يا ابني ربنا يحفظك و يحميك. ممكن تحكي ليا إزاي لقيت بنتي؟!


أخذ "يونس" نفساً عميقاً واسترجع ذكرياته إلى ذلك اليوم، وبدأ بسرد كل ما حدث منذ لقائه بـ "تقى"، وصولاً إلى عملية اختطافهم وكيف تمكنوا من الهرب.

 ثم روى تفاصيل كيفية العثور عليها وذهابها إلى المستشفى. وعندما انتهى من حديثه، قال "احمد":  

- و أنتِ إزاي بَعَدوكِ عن بنتك و كنت فين كل الفترة دي؟ دورت عليكم كتير.


عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم المؤلم الذي بدأت فيه معاناتها، حيث ترك ذلك اليوم جروحًا لا تندمل وندوبًا تؤلم، مهما طال الزمن، تبقى تلك الذكريات محفورة في القلوب والعقول، ولا يمكن للنسيان أن يمحو آثارها!

 أغمضت عينيها، أخذت نفسًا عميقًا، ثم نظرت إليهم وقالت: 


-"عادل" كان صاحبك و ديما بيساعدك من غير ما يقول لينا إللي بيحصل معاه، كل إللي أعرفه إن في ناس عايزين إبنك "يونس" وكان بيحميه لحد ما في يوم.


«فلاش باك»


على مائدة الإفطار، وكما هو الحال في كل عائلة، اجتمعوا في أجواء مليئة بالحب والبهجة، نظر "عادل" إلى زوجته ثم قال:

-"منة" خدي "إيلول" للمدرسة أنا مشغول جداً، لازم أراجع مع "حنين" قبل ما تروح للإمتحان و وهاخدها في طريقي ماشي حبيبتي.

-ماشي مفيش مشكلة خليك أنتَ ساعد "حنين" علشان تنجح إن شاء الله.


وبعد انتهاءهم، استعدوا للرحيل، لكن "منة" شعرت بضيق في صدرها دون أن تعرف السبب، بالإضافة إلى وخزة في قلبها، لكنها تجاهلت الأمر. 

ثم أخذت نفسًا عميقًا وعانقت ابنتها "حنين"، وقالت لها: 

-"حنين" حبيبتي مش عايزاك تخافي ركزي و إن شاء الله كل حاجة هتكون تمام.


-حاضر يا منوش بس ادعلي من دعواتك الحلوة و إن شاء الله انجح.


بابتسامة مشرقة، تحدثت "منة قائلةً:

-بدعي لك يا قلب ماما، ياله يا ماما ياله يا لولو نمشي علشان ما نتأخرش.


خرجت "منة" وهي تضع يدها على صدرها، تحاول تجاهل الألم الذي يعصر قلبها، حتى شعرت بثقل يضغط على صدرها!

 وما إن ابتعدت قليلاً عن المنزل، حتى سمعت أصوات إطارات سيارات مرتفعة، نظرت خلفها بقلق، وانتابها شعور من الذعر حين لمحت ثلاث سيارات تتوقف أمام منزلها، ونزل منها عدد من الرجال المسلحين الذين اقتحموا البيت!

 حاولت أن تصرخ، لكن لسانها عجز عن التعبير، مسكت بيد ابنتها وهرعت نحو المنزل، وكأنها كانت تتسابق مع الرياح. وعندما وصلت أمام الباب، سمعت صراخ ابنتها الذي يتردد في أذنيها كصيحة طائر جريح. 

اندفعت إلى الداخل بقلب يضرب بشدة كما لو كان دقات طبول الحرب، وجف حلقها من الصدمة، حتى وصلت إلى موقع صرخة ابنتها! كانت المجموعة من المسلحين قد تشكّلت في دائرة حولها، ولكن ما رأته جعلها تتجمد في مكانها كالحجر، واتسعت عيونها بينما ذرفت دموعها كالشلال! ارتجفت شفتيها عند رؤية…


في مكان آخر عند "وليد"

 أرجع الرجل رأسه إلى الوراء مستندًا على كرسيه، وشقت الابتسامة شفتيه وهو يتخيل أنه قد فتح تلك الأمانة وأصبح أغنى رجل في بلده! ولكن ما يعيق حلمه هو "يونس"، مفتاح الأمانة والأساس الذي يقوم عليه؟ أخذ نفسًا عميقًا وقال:

-الأمانة هي كنز كبير مدفون في معبد داخل الغابة بس علشان نفتح المعبد دا نحتاج  "ليونس" بس مفيش حد يعرف غيرك اذا خرج الكلام دا من هنا اترحم على نفسك.


ابتلع "وليد" لعابه بخوف من تهديد الرجل، ثم قال: 

-بس في ناس كتير بتدور على "يونس" ده معناه أنهم عارفين هما كمان؟


-مفيش حدى يعرف موضوع الكنز لأن الكل مفكر الأمانة حاجه صغيره و موجودة مع "يونس".


حرك "وليد" عينيه بتوتر، متطلعاً إلى معرفة المزيد، لكنه كان يخشى من رد فعل الرجل! أخذ نفسًا عميقًا ثم أدلى بما في ذهنه:

-معلش آخر سؤال ما زي يقدر "يونس" يفتح فيها إيه لما تشوف حد تاني يقدر يساعدك و تدفع له؟!


أجاب الرجل قائلاً: 

-"يونس" يقدر يفتح؛ لأنه فيه كل الموصفات إللي قال عليها  الساحر و الدم بتاعه بيقدر  يفتح لنا مفيش غيره.


ضيق "وليد" عينيه قليلاً ثم قال متسائلاً:


-هو "يونس" لما يساعدك تفتح الكنز  هتسيبه يمشي عادي؟


صفع الرجل كفيه ببعضهما تعبيراً عن استيائه لغباء "وليد"، ثم انطلق في قهقهة مليئة بالخبث والشر قائلاً:


-انتَ غبي و لا بتستهبل عليَّ، إللي هيساعدني أطلع الكنز  هتكون روحه مفتاح الكنز! يعني هيبقى جثة!  يالا قوم لغاية  ما أرن عليك.


من أنا

البارت 15


سقطت على ركبتيها، عاجزة عن تحمل مشهد الزوج الممدد على الأرض، كأن ظهرا يحمل جبلًا من الأحزان!

 غمرتها الصدمة عندما رأت جثته، وقد غطت الدماء عنقه، وجفّت عيناه في اتساع مرعب. جمد لسانها وثارت دوامة الفوضى في ذهنها، حتى صرخات ابنتها المتكررة لم تلامس وعيها.

 كانت عينها ثابتة على جسد زوجها البارد، الذي يرقد بلا روح، بينما ابنتها "حنين" كأنها غير موجودة في تلك اللحظة المروعة.

زحفت نحو الجثة، وكانت عينيها مصوبتين نحوها، كأنها ستخرج من مكانها! عندما اقتربت، وضعت يديها على وجهه لتغلق عينيه، لكن لحظة ملامستها لوجهه، لم تتمكن من تحمل مشهد الدماء، فاختلطت الرؤية أمامها وشعرت بدوار شديد، مما أدى إلى سقوطها على الأرض فاقدة الوعي. 


«باك»


أنهت سرد ما حدث، بينما كان دمعها يسيل مثل شلال، حتى بللت وجنتيها وجسدها ينتفض من الذكرى المؤلمة التي تجذرت في قلبها وعقلها. 

انهمرت دموع الحاضرين جميعًا وهم يستمعون إليها بحزن عميق، أما "أحمد"، فقد شعر بقهرٍ وحرقة في قلبه، وبدأ يلوم نفسه على موت صديقه نتيجةً للإهمال. 

بكَت "تقى" و"إيلول" في حضن "منة"، وسط أجواء مشحونة بالحزن، جففت "منة" دموعها بأطراف أصابعها، ثم تحدثت بصوت مختنق قائلة:


-بعدها لما رجعت لوعي لقيت نفسي في مصنع! و تعرضت للتعذيب من "وليد"؛ لأنه كان عايز يعرف مكان (الأمانة)!


أدار "أحمد" وجهه نحو الاتجاه الآخر، ومسح دمعة انزلقت من عينيه، ثم أعاد بصره إليها وهتف مستفسراً:

-طيب و "حنين" ماتعرفيش إيه سبب فقد نطقها أو إيه إللي حصل لها؟

أجابت بحزن شديد قائلة:

-"حنين" من ساعتها ماعرفتش  حاجة عنها؛ طلبت كتير من" وليد" يجيبها ليَّ بس ماكنش بيسمع كلامي ، بس قول ليَّ يا "أحمد" إيه هي( الأمانة) دي إللي جوزي مات بسببها.


أخذ "أحمد" نفسًا عميقًا، ثم رد عليها قائلاً: 

-أنتِ تعبانه و اتكلمتي كتير، هقول ليكم كل حاجة، بس مش دلوقت، هنأخذ "حسام" وإنتِ كمان و نكمل علاجكم في البيت.

-تمام يا "أحمد" بيه إللي تشوفه، خد معاك البنات، أنا الدكتور قال مش هقدر أطلع لاني لسه تعبانه.


-تمام بكرة إن شاء الله، آجي اخذك، تعالوا يا بنات، نروح إحنا  وهي هتبقى بخير.


غادر الجميع، بينما بقيت "تقى" خلفهم، تبدو شاردة الذهن وتائهة، كأنها غارقة في دوامة من الأفكار؛ لا تعرف ما هو الصواب أو بالأحرى ما هو الحقيقي مما يُقال! تنهدت بعمق، مُحدثة صوتًا مسموعًا حتى انتبه لها الحاضرون.

 اقتربت منها "مريم"، ووضعت يدها برفق على كتفها، ثم قالت:

-ماتفكريش كتير و تتعبي نفسك كل حاجة هتكون تمام.


أومأت برأسها، ثم تحركت معهم حتى دخلوا غرفة "حسام"، وعندما رآهم، تجلى البهاء على وجهه فرحاً لرؤيتهم، وانتابه شعور بالسعادة، فهتف بمرح قائلاً: 

-الحمد لله أنكم جيتوا، فكرت أنكم نسيتوا إن لكم ابن اسمه "حسام" مصدر سعادة البيت.


بابتسامة مليئة بالسعادة، اقتربت والدته منه وجلست بجانبه، ثم شدت على يده برفق وقالت له بحنان: 

-مفيش حد يقدر ينساك يا نور عيني، بس حصلت كم حاجه و اتأخرنا عليك.

شعر بالقلق، ثم جال بنظره بين الحاضرين، كان يتفقد الحاضرين، هل هناك أحد أصابه مكروه، ثم نطق قائلاً: 

-ماما، بابا حصل إيه الكل بخير مفيش حاجه؟


تحدثت والدته لتطمئنه قائلة:  

-اطمن يا ابني إحنا بس لقينا والدة "تقى" و اختها و هي كمان طلعت بنت صاحب والدك.


-الله.. الله يعني "تقى" طلعت معرفة إزاي عرفتوا كل ده؟!.


جلس والده في الجهة المقابلة، وبدأ يسرد له ما حدث حتى وصولهم إلى المستشفى. وعندما أنهى حديثه، قال: 


-ده كل إللي حصل، واحنا جينا النهارده علشان ترجع معانا البيت وهتكمل علاجك هناك في وسطنا احسن. 


-الحمد لله يا رب إني أخيراً  هطلع من هنا، اتخنقت أوي، عايز ارجع لشغلي، اوعى يكون حد أخذ مكاني في المطعم؟!.


اقترب "يونس" منه، يربت على كتفه، بينما تتلألأ البسمة على شفتيه، وقال: 

-المطعم شغال فيه "يوسف" من فترة، لازم نرجع له من جديد و نكمل شغلنا هو لوحده مش قادر.

تألقت عينا "حسام" بالسعادة والحماسة وهو يستحضر ذكرياته عن تلك الأيام الجميلة التي قضاها مع شقيقه وصديقه "يوسف" في مطعمهم الصغير.

 على الرغم من حجمه المتواضع، إلا أنه كان يقدم أشهى الأطباق؛ مما جذب الزبائن من كل حدب وصوب لتذوق أشهى المأكولات، التي يتألق فيها الطباخ الماهر.

تنهد "حسام" بحزن وهو يتذكر شلل إحدى قدميه، ثم قال:


-تفتكر يا "يونس" هترجع الأيام زي زمان، و نكبر مطعمنا مع بعض زي ما كنا بنحلم، بس أنا دلوقت اتشلت رجلي إزاي هقدر أساعدك كده؟.


-"حسام" قدامك ان شاء الله فترة و هتخف مش تزعل، و هترجع زي القرد تنط من مكان للتاني.


ثم توجه بنظره نحو "شهيرة" ثم أردف قائلاً:


-شد حيلك إحنا عايزين نفرح بيك عن قريب! ست الكل بتفكر تجهز لفرحك أول ما تطلع من هنا.


تنهد "حسام" بعمق، وهو يوجه نظره نحو قدميه، ثم نظر إلى "شهيرة"، قبل أن ينطق بكلمات تحمل في طياتها مشاعر الحزن قائلاً:

-مين دي إللي هتوافق على واحد فقد قلبه و دلوقتي رجله يا "يونس".


قطع "أحمد" حديثهم وهو يتجه نحو الباب قائلاً: 


-أنا هكلم الدكتور علشان يكتب لك على خروج، "يونس" أنت خذ "مريم" و "تقى" و اختها على البيت الاول؛ علشان العربية صغيرة مش هتكفينا كلنا،وبعدين ارجع خدنا، "زينب" انتِ روحي شوفي" منة"، و "شهيرة" هتعد  مع "حسام" تحضر حاجته على بال ما يرجل لينا "يونس"..


انهى "أحمد" حديثه ثم غادر المكان، فتبعته "زينب"، في حين خرج "يونس" مع الفتيات، تاركين "شهيرة" وحيدة مع "حسام"، حيث كانت تشعر بالحرج والخوف مما قد يصدر منه.


 كانت تخشى من كلماته الجارحة، فتنهّدت بضيق وهي تحاول أن تتحدث، تنفست بعمق ثم قالت:


-أنا آسفه يا "حسام" على كل حزن كنت سبب فيه بس عايزه أقولك حاجة.


لم تتبدل ملامح" حسام"، الذي نظر إليها في صمتٍ يتناقض مع الفضول الذي استبد به، بعدما لاحظ توترها وحالتها الحزينة وطريقة حديثها!، وبرغم ذلك، فإنه تجاهل كل ذلك وبدأ يتحدث قائلاً:

-آسفه على اية يا "شهيرة"؟! على كسرة قلبي ولا على حزني؟


مسحت دمعة فرت من عينيها، ثم تنهدت بعمق قبل أن تتحدث بحزن قائلة:

-أنا هربت علشانك أنت و ماما؛ علشان ما تتأذوش! هربت غصب عني يا "حسام"؛ علشان ما يحصلش ليك حاجة وحشة، اتعذبت كتير على بال ما عرفت  أهرب منه وماتجوزوش، لحد ما ماتت ماما و هربت ورجعت هنا.


 أنهت حديثها ثم نظرت إليه، حيث لمعت عينها بالدموع التي تعكس حزناً عميقاً تسرب إلى قلبها، كانت تدرك أنها بحاجة إلى إجابته أو إلى أي كلمة منه؛ لتتمكن من اتخاذ قرار بشأن ما ستفعله. 

نظراتها المؤلمة مزقت قلبه، بينما دموعها كالنار التي تحرق روحه. استجمع نفسه وأخذ نفسًا عميقًا ثم قال:


-أنا تعبت من إللي فات، تعبت من الحزن و العتاب و لوم يا "شهيرة"! مش بقيت متحمل أعيش باقي عمري كده!


مسحت دموعها بأصابعها، وتنهدت بعمق، وقالت بحزن: 

-الحزن أخد مني كتير، و حطمني يا "حسام"،  كفايا أنا تعبت.


تلاشت مظاهر الحزن عن وجهه، وانبثقت الابتسامة من شفتيه، فتحدث قائلاً: 


-العمر بيمر بسرعه يا "شهيرة"؛ أنا مش عايزه يضيع في الحزن، أنا كنت زعلان منك بس عمري ما كرهتك، أنتِ لسه جوه قلبي متربعه!


اتسعت عينيها بسعادة و ذرفت دموعها بشدة، و البسمة على شفتيها، أخذت تزيل دمعها بيدها و هي تنظر له و بنبرة يملأه الحب هتفت قائلة:

-بجد يا "حسام" أنتَ مش كنت بتكرهني، بس كنت مش عايز تشوفني!


-عمري ما قدرت اكرهك يا "شهيرة" قلبي وجعني لما هريبتي  بس بقيت حزين.


قطع حديثهم دخول "زينب" و"أحمد"، نظرت إليهم والدته بابتسامة، عندما لاحظت السعادة بوضوح على وُجوههم. اقترب "أحمد" من "حسام" ثم قال:


-جهز نفسك يا ابني إحنا هنطلع ان شاء الله و هتبقى بخير.


 بينما كان "يونس يقود سيارته في صمت مطبق، انقطع هذا السكون عندما نادت "مريم" من الخلف قائلةً: 


-إيه السكوت ده يا جماعه حقيقه بزهق من صمت.


رد "يونس" مجيباً:

-باقي شوية و نوصل، اهتمي بالبنات كويس لحد ما نجي.


-أنا بتكلم عن الصمت! و أنت كل همك يا أستاذ "يونس" هو إزاي اهتم بصديقاتي.


ابتسم "يونس" لكلمات شقيقته ثم بدأ يتحدث قائلاً: 


-نقول إيه يا مريومة، أنا بقولك عن البنات علشان نكسر الصمت يالا إحنا وصلنا.


أنهى حديثه، ثم توقف عن القيادة واصطف بسيارته على جانب الطريق، وبعدها نظر إلى الخلف وقال:  


-يالا  انزلوا و خلوا بالكم على بعض لغاية  ما نرجع من المستشفى.. ماشي.


ترجلت الفتيات من السيارة، وفي الأثناء، انطلق "يونس" صوب وجهته، و تقدموا البنات نحو البيت، لكنهم لم ينتبهوا لتلك العيون التي كانت تراقبهم بصمت! وترقب الفرصة للانقضاض عليهم كوحش جائع؟.


 بينما كانت "مريم" تفتح الباب، توقفت سيارة فجأة، ونزل منها ثلاثة رجال مسلحين.

 انتبهت "مريم" لهم وشعرت بالذعر، ولكن قبل أن تتمكن من فتح الباب، اقترب الرجال من "تقى" وأمسكوا بها، وسط صراخ شقيقتها. 

حاولت "تقى" الدفاع عن نفسها والفرار، لكنها كانت أضعف منهم، فقاموا برميها داخل السيارة وهي تكافح! انطلقت "مريم" خلفهم تجري، لكن أحدهم أشهر سلاحه نحوها قائلاً:


-ارجعي مكانك و إلا هطلق المسدس في رأسك يا حلوه أنتِ و القطة الصغيرة.


أنهى الرجل حديثه ثم قفز إلى داخل السيارة، و انطلق بسرعة مذهلة و اختفي عن الأنظار!

 هرعت "إيلول" نحو "مريم" التي كانت تقف في مكانها، مشدوهة وغير قادرة على استيعاب ما حدث، حتى أن لسانها عجز عن التعبير! ثم أمسكت "إيلول" بطرف ثياب "مريم" وتحدثت باكية:  


-هما اخدوا اختي تاني، يعني  مش هشوفها تاني!  ردي عليا.


تلاشت الرؤية أمام عيني "مريم"، وشعرت بضيق شديد في صدرها، مع دوار اجتاح رأسها، مما أدى إلى سقوطها مغشيًا عليها. 

**********                          

وصل "يونس" إلى المستشفى وهو يشعر بسعادة لا توصف! لم يكن يدرك ما يجري له؛ لكن وجودها يجعله يشعر بفرح عميق، وكأن روحه قد عادت إليه! أصبح قلبه ينبض بقوة كطبول الحرب، ولكنه ما زال يجهل مشاعره؟


 توقف، و ترجل من السيارة، ثم دخل المستشفى متوجهًا مباشرة إلى غرفة شقيقه، والبسمة تضيء وجهه، ألقى التحية ثم قال:


-انتوا جاهزين يالا بسرعه علشان ما نتأخرش على البنات.


ضيق "حسام" عينيه وتحدث بنبرة تتسم بالمشاكسة قائلاً: 


-مالك بتقولها وأنت عيونك بتطلع قلوب، مش هنتأخر عليهم.


رفع "يونس" حاجبه وتحدث بسخرية قائلاً: 

- أنت بقى بقيت تفهم في لغة العيون أمتى يا أخي.


ابتسم "حسام" بابتسامة خفيفة ثم تحدث مجيباً

-بفهم فيها أوى أوى، أنت نسيت إني حبيت قبلك، و هتجوز قبلك و بفهم في العيون جدًا.


-يالا قوم علشان أساعدك يا أستاذ العيون، نمشي بقى الكرسي جاهز علشان نتحرك.


-أنا جاهز وأنت بلاش استعجال، علشان أنا عارف ليه أنت مستعجل؟ هي مش هتهرب هتلاقيها في البيت عمنا..


أخذ "يونس" نفسًا عميقًا ثم حاول تغيير مسار الحديث، مدركًا أنه إذا استمر في الحديث مع شقيقه، فسوف يبقى هنا دون أن يمتلك إجابات لأي من الأسئلة، حتى إنه لم يتمكن من العثور على إجابة لنفسه حول ما يمر به. 


-بابا ساعدني نحطه على الكرسي علشان نخرج.


اقترب "أحمد" منهم، وحملوا "حسام" بين يديهم، في تلك اللحظة، تسرب شعور بالحزن إلى أعماق قلب "حسام" وكسر روحه. انتابته مشاعر العجز التي أحزنته، فتنهّد حزينًا وأغمض عينيه، محاولًا ابتلاع الغصة العالقة في حلقه. 

وضعوه على الكرسي، وقبل أن يُدفع به إلى الخارج، قطع رنين هاتف "يونس" الصمت، ترك الكرسي بسرعة وأخرج هاتفه، ليجد رقمًا غريبًا يثير قلقه! ضغط على زر المكالمات، لكن قبل أن يتفوه بكلمة، شحب وجهه، واتسعت عينيه، وتحولت ملامحه إلى شكل مخيف حين سمع كلمات الطرف الآخر. 

من دون أن ينطق بكلمة، أبعد الهاتف عن أذنه، وكانت نظراته لا تعكس التفاؤل، كسر صوت "أحمد" صمت اللحظة المليئة بالقلق، قائلاً: 

-مين إللي تصل يا ابني حصل إيه مالك ساكت كده؟!

يتبع 


تعليقات

التنقل السريع
    close