القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية فراشه في جزيره من الذهب الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس بقلم الكاتبه سوما العربي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية فراشه في جزيره من الذهب الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس بقلم الكاتبه سوما العربي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية فراشه في جزيره من الذهب الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس بقلم الكاتبه سوما العربي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

في غرفة ملكية مهيبة وقف من على الفراش الوثير رجل أسمر البشرة طويل الجزع عريض الجِرْم ولف حول جسده ملائه حريرية يولي ظهره للفراش ومن عليه حيث هنالك أنثى يافعة ذات عيون سوداء لامعه تنظر له بإنبهار وتمني.....تتمنى لو كانت نالت إعجابه...


رفع كأسه يرتشف ماتبقى فيه ثم ألقاه بإهمال وقال : -أذهبي.


تلاشت إبتسامتها المتمنية وحل محلها الصدمة لكنها لم تقوى على الأستفتسار بل وثبت مكانها لكن لم تقدر على الحراك، فلم يعجبه تأخرها...


لذا صرخ بصورت عاصف:

- كاكا.


وفي الحال دلف رجل أسود عريض عاري الصدر يخفض رأسه وعيناه أرضا وردد بخضوع:

-أمرك سيدي راموس.


ألتف راموس مرة أخرى ثم قال بفتور:

-خذها من هنا في الحال.


على الفور نفذ "كاكا" أوامر سيده "راموس" وأخلى الغرفة تماماً.


____________________________


-قصدك إيه يا منة بالكلام ده؟


قالها شاب في مقتبل الثلاثينات من عمره بحدة لتجاوبة صديقته التي تواجهه وهي ترفع حاجبها الأيمن وتكتف ذراعيها حول صدرها:

-قصدي إنك رايلت عليها أول ما شوفتها.

-منه خدي بالك من كلامك وماتنسيش إني مديرك، شكلك نسيتي قواعد الشغل.

-أنا أن كان عليا مش ناسية، لكن شكلك أنت إلي نسيت يا مدير، تقدر تقولي إزاي عيلة بنت أمبارح، حديثة التخرج وماكملتش ست شهور على بعض في الشركة هنا وحضرتك تحطها بالأمر في رحلة زي دي؟ إنت مش عارف العملية دي مصروف عليها أد إيه ولا جمالها وسحر عيونها نساك يا فهمي؟


وقف فهمي غاضباً وضرب سطح المكتب بكفه ثم ردد بحزم:

-أنتي تجاوزتي حدودك.. خدي بالك من كلامك وأعرفي أنتي بتقولي إيه، والعيلة بنت أمبارح دي شاطرة وسبق وأثبتت كفاءة ولا تحبي أفكرك بالي حصل في كامب السويس، أنا ماردتش أعيد وأزيد في الموضوع عشان مايبقاش بعد طول سنين ليكي في الشغلانة وتيجي عيلة بنت أمبارح زي ما قولتي بنفسك وتعلم عليكي .


إرتدت منه خطوة للخلف بصدمة وكأن كلامه كالطلقة التي ردت في صدرها قتلتها وبقت تتنفس بلهاث و غيظ ليردد بلا مجال للجدال:

- رنا فكري هتطلع معاكم رحلة جزيرة الدهب ...خلص الكلام..أتفضلي على مكتبك .


إلتفت بسرعة و گمد تتجه نحو الباب تفتحه لتغادر لكنه أوقفها بصوته أمراً:

-منه


إعوجت رقبتها تنظر له دون أن تستدير فقال بما يشبه التهديد:

- ياريت مايحصلش مشاكل..فهماني طبعاً..


صرت على أنيابها بعداوة ثم غادرت سريعاً و بداخلها نار متقدة .


____________________________


في حي شبرا


في أحد البنايات متوسطة المستوى وقفت فتاة معتدلة الطول، بجسد ملفوف، مصرية القوام، وشعر بني طويل تفتح حقيبة سفر كبيرة وتضع فيها ملالسها تغمض عينيها بقلة حيلة وهي تستمع لصوت بكاء والدتها فألتفت لها ليظهر وجهها المستدير وعيونها اللوزية بلون الزيتون الأخضر تبتسم لها تحاول تهدئتها قائلة:

- يا ماما كفاية حرام عليكي صحتك.

-أنا عارفة كان مالك ومال الشغلانة دي بس يا رنا بنتي .. ياما قولت لك ونصحتك أن البن....


قاطعها رنا ضاحكة تكمل عنها:

-البنت مالهاش إلا بيت جوزها ..عارفة ياماما ..بس انا كمان ياما قولت لك إن مش انا البنت دي، أنا عندي طموح وتطلعات لو سمحتي يا ماما ماتقفيش في طريقي.

نظرت لها والدتها بيأس ثم أردفت بقلة حيلة:

-خايفة عليكي يا رنا وأنتي حلوة وصغيرة خسارة

-خسارة ؟! يعني لو كنت مش حلوة وكبيرة كنت هبقى مش خسارة؟ ايه اللي بتقوليه ده يا ست الكل ؟

زمت والدتها شفتيها وقالت:

-مش قصدي .. أنا قصدي إن فيكي الطمع.

ضحكت رنا بزهو وردت عليها:

- هاههه..طب خلي حد يقرب مني كده.. ده انا متمرنة كويس قوي ..بنتك يتفات لها بلاد يا حجا صباح الفل ... أنا هروح أسلم على حورية قبل ما أمشي ...سلام.


إلتفت تغادر بحماس تاركة والدتها خلفها تنظر لها بعدم إرتياح لكنها ما تستطيع إيقافها عن أهدافها ولم يعد بيديها سوى التضرع لله بأن يحميها ويحرسها .


____________________________


في منزل من نفس المستوى 

دقت رنا جرس الباب ففتحت لها سيدة متقدمة في السن تعرج على قدمها وما أن رأتها حتى قالت بحاجب مرفوع:

-أهلاً بخلفة الهنا .


زمت رنا شفتيها بابتسامة عريضة متكلفة و قالت:

-حتى إنتي يا خالتو ؟ أنا عملت إيه بس؟ 

-و كمان مش عارفه.. ده إيه البجاحة دي..هي اختي هتتجلط من شوية.


نظرت رنا أرضاً كانت تعلم أن خالتها غير متقبلة كل ما يحدث فقالت بضحكة مستفزة متبجحة:

-طب إيه مافيش ادخلي..اتفضلي يا رنوش ياحبيبتي.. عايزة أدخل.

-مافيش دخول وأمشي غوري من قدامي

-ليه بس كده ده انا جاية أسلم عليكم قبل ما أمشي يا فوزية .


ضربتها فوزية على يدها وقالت بحدة:

-فوزية في عينك يا قليلة الأدب بس هقول إيه مانتي ناقصة رباية ..

-يا دين النبي...ياخالتو بقا كفاية بستفة فيا أنا ماشية كمان ساعة .


كادت أن تجيب عليها فوزية لولا صوت أحداهن الذي أتى من خلفهم يردد:

- إنتي بردو مسافرة يا رنا؟ مش عارفه بجد أنتي في أي في دماغك ...طول عمرك غاوية تسوحي نفسك.

ألتفت رنا لتبصر جارتهم "رشا" التي تصغرها بعام تقف أمامها تحدثها بضحكة ساخرة فقالت فوزية تثني على رأيها:

- قولي لها يا رشا يا بنتي .. أنا عارفة بس بنتي ولا البت الهبلة بنت أختي دي ما طلعوش زيك ليه؟


تنهدت رنا وقالت  :

-ماعلش بقا يا جماعه.. أصل ربنا وزع الأرزاق ماحدش عجبه رزقه ..وزع العقول كل واحد عجبه عقله وأنا عقلي عاجبني قوي .


ضحكت رشا بسخرية وتقدمت تدفع رنا معها للأمام ثم قالت:

-على رأيك ...تعالي تعالي ..تعالي ندخل للمخبولة التانية ..ماعلش يا طنط فوزية سبيها تدخل المرة دي عليا.

- عشان خاطرك بس يا رشا لكن أنا لو عليا الود ودي أجيب شعرها تحت رجلي يمكن ترتجع عن إلي في دماغها... 


ثم تركتهم وذهبت تكمل متابعة مسلسلها الهندي المفضل  بينما تقدمت رنا و رشا لغرفة حورية.


وفتحت رنا الغرفة بحدة وتبعتها رشا حتى وصلا لفراش صغير عليه جسد متكوم تحت الغطاء يهمس في الهاتف مع أحدهم وصوت ضحكة خفيفة صادرة عنها تردد:

-ههههه يا مجنون حد يعمل كده.

فاقتربت رنا منها ونزعت الغطاء فجأة ليظهر وجه حورية آلتي كانت حقا إسم على مسمى ، وجهها كالدائرة وملامحها صغيرة دقيقة ،عيناها عسلية، شعرها قصير يصل بالكاد لأول كتفها .


ترجلت من على الفراش و وقفت أمامهم معترضة تردد:

- إيه ده في إيه ما براحة .

نظرت لها رنا بضيق و قالت:

- قاعدة أنتي هنا تحبي في التليفون وسايبة أمك تبهدلني برا .


زمت حورية شفتيها ثم رفعت الهاتف على أذنها وقالت بهمس رقيق:

- عصفور حبيبي هقفل معاك دلوقتي وأرجع أكلمك تاني .

صمتت تضحك بخفة ثم قالت:

-ايوة هي رنا .... هههههه باي يا عصفوري .


ثم أغلقت الهاتف وهي تتنهد بهيام بينما قالت رشا بنزق:

- أه ياختي ما ليكي حق .. ناس تاخد محمود الفرفوش الصغير الي بيعشق السفر والروشنة و الخروجات وناس تانية يتقدم لها زيدان الكبير إلي دراعة سابق دماغه ...حظوظ.


نظرت لها حورية و رفعت أصابعها الخمس في وجهها بينما تردد بخوف:

-خمسة و خميسة في عينك ..هتحسدينا يخربيتك... وبعدين في إيه مش أبن عمك وأنتي أولى بيه.

- يعني هو زيدان هو إلي إبن عمي بس؟ ما في غيره.. أنا عارفة بس أيه سر التصميم على زيدان؟


-ما يمكن بيحبك؟

قالتها حورية مفكرة فقالت رشا:

- وهو زيدان ده بيعرف يحب ...شوفي أنا بنت عمه وعايشين مع بعض في بيت واحد أهو إلا عمري في يوم ما شوفته بيتكلم براحة ولا حتى بيضحك ... لأ لأ... أنا رفضته خلاص...طبعاً مش موافقة ... ده أنا و أخواتي وكل بنات عمي بنخاف منه ..حتى واخواتي الولاد و ولاد عمي بردو بيخافوا منه زي أعمامي و أكتر ... قال زيدان قال .. ليه هو العمر بعزقه؟


زمت رنا شفيتها بأسف ثم قالت:

- بصراحة... عندك حق ..حتى البنات في المنطقة كده .. أنا سمعت من ماما إن أمه أتقدمت لكذا واحده وكلهم رفضوا بعد ما أنتي رفضتيه بيقولوا طبعه صعب وكمان ... بصراحه...كبر في السن.


أكملت حورية تردد:

- ومين سمعكوا ده حتى محمود بيخاف منه و بيقول  إن ابوه خايف لايكون عنس زي البنات و ليل نهار وزيدان بيتخانق معاه .


عوجت رشا فمها وقالت ساخرة:

- بس في دي بقا يمكن زيدان معاه حق فيها ... أصل ماتزعليش مني يا حورية أنتي حبيبتي وكل حاجة بس محمود ده لاسع قوي ولحد دلوقتي مش ماسك شغلانة هيفتح بيت إزاي ده بالذمة لأ لأ... أنا شايفة إنه مش عريس كويس خالص.


تطلعت لها حورية بضيق وسألت:

- هو مش ده محمود إلي كنتي لسه من شوية بتحسديني عليه... دلوقتي بقى وحش وزيدان عنده حق مش ده زيدان إلي دراعة سابق دماغه ؟


لم تكد حورية تنهي جملتها حتى أنتبهن ثلاثتهن على صوت صياح غاضب أتي من الخارج فركضن باتجاه الشرفة ليظهر لهم ما يحدث بالشارع .


وشهقت كل منهن بحزع وهن يبصرن رجل عريض المنكبين غليظ الذراع يوليهم ظهره وهو يقبض في يده على تلابيب أحد الشباب و لجواره ثلاثة من أصدقاء الشاب يصرخون فيه بغضب:

- خلاص يا معلم زيدان ماجراش حاجه لكل ده

- ماجراش إزاي.. ده بيعلي صوته وأنا واقف .

-عندي أنا دي يا كبير... سيبه بقا الواد مش حملك..أكبرلنا عيب أحنا في منطقتك وبعدين أنت متفق معانا تسلمنا الشغل أول الشهر وده عريس و فرح متحدد

فهتف زيدان بإنفعال:

- وهو أول الشهر كان جه؟


بعدها ترك الشاب يسقط من بين يديه ثم قال:

- أنا هسيبه يروح وانسى غلطه فيا وفي عمالي عشان خاطر أبوه وعشان أنا بفهم في الأصول بس تعاملي مش هيبقى معاه و أنت إلي هتيجي تستلم العفش مني... آمين ؟

نظر الشاب لرفيقه المتسبب في كل ماحدث بسبب لسانه الفالت ثم تطلع لزيدان بخزي وقال :

- آمين يا معلم زيدان.. عداك العيب... سلام عليكم.


بعدها تحركوا مغادرين ولم يجرؤ أي منهم على التفوه بحرف زيادة .


وتقدم والده يقف بجوراه ويضع يده على كتفه فالتف له زيدان ليظهر وجهه المنحوت كتمثال لرجل مصارع يزيد عليه لحيته الكثيفه و عيونه الثاقبة،ثم ردد بعدم رضا:

- ما كان من الأول..لازمته إيه إلي حصل ده بس؟

-يعني أنت ماشفتوش ياحاج كلمني إزاي ولا انا بفتري.


زم الرجل شفتيه بضيق ثم نظر على الناس وهم يطلعون عليه وعلى نافعله فقال:

-طب تعالى ... تعالى ندخل جوا الناس بتتفرج علينا يالا بينا..


زفر زيدان بضيق و تحرك معه منصاعاً لأمره.


__________________________


في أعلى نقطة بالجزيرة 


خرج راموس من غرفته وهو عاري الصدر يرتدي بنطال من القطن فقط وعلى كتفه وشاح خفيف، تطلع للسماء بأعين لامعة ثم تقدم حتى وصل لجلسته التي صنعت له في البراح أمام باب غرفته وتطل على البحر مباشرة.


أضطجع على مقعده و بقى يتطلع للسماء يلاحظ شكل القمر و هو بدر في تمامه وجلس يطالعه بصمت ... صمت طويل لم يزحزح عينه من عليه تقريباً إلا بعدما أقترب أحدهم وقال بصوت هادئ:

- أنه البدر في تمامه سيدي.


ألتف ونظر بصمت لتلك السيدة السوداء قصيرة الطول ممتلئة القوام وهي تقف أمامه وتنظر له بحنان ثم أقتربت و وقفت على مقربة منه أكثر ثم سألت بشفقة :

- لما طردت الفتاة؟ 


لم يجيب عليها وعاد ينظر أمامه للسماء بعيداً عن البدر فعادت تستفسر:

-ألم تعجبك هي الأخرى؟


أسبل جفناه لثواني وهو يتنهد بحزن ثم قال:

-يبدو إنني قد كتب علي أن أملك كل شيء إلا ما أحب .

صمت لثواني ثم إلتف لها يسأل:

-أتظنين أنها لعنة؟


ردت بلهفة:

- لا؟ لما؟

-لا أعلم ...لا أجد راحتي مع أي فتاة.


وقف من مكانه و وضع يديه في جيوب سرواله و تمشى في المكان ينظر على البحر بينما يردد:

- من كل الحريم التي أملكها من كل شكل ولون ورغم كل الفتيات التي عرضتموها علي من مختلف البلاد لم أجد تلك التي تجذبني حتى بت أجن.


تنهد بتعب ثم قال:

-ربما سأتزوج من أحد أميرات البلاد المجاورة للجزيرة .

-لم تكن هذه وصية والدك الملك والتي كنت أنا شاهدة عليها فقد أوصاك إن تتزوج بفتاة تحبها مثله كي يساعدك الحب على أعباء الحكم .

- وأين هي؟ أتعلمين كم عمري؟ 

-أعلم سيدي راموس.

هز رأسه وأردف:

-و للأن لم أنجذب لأي فتاه حتى بت أشك في أمري.


-أنت من يبعدهم عنك..أستغرب جداً تصرفك.. أين تلك التي ستعجبك وأنت لا تثق في أحد ولا تدع المجال لأن تحاول أحداهن أرضائك، قلت أن ولائك لفتيات جزيرتنا فقط و تلك الفتاة التي طردتها من عندك من اجمل فتيات الجزيرة ولم تبقى بغرفتك ساعة واحدة...لقد طردتها .


ضرب سطح الطاولة أمامه فسقطت الفاكهة و الكؤس بينما يردد بغضب محذراً:

- أنچا ....قلت لكِ لم تعجبني.

إرتدت السيدة "أنچا" للخلف بخوف من عصبيته ثم صمتت لبرهة وحاولت إستكمال حديثها معه مرددة:

-ربما لم يحن الوقت.

-لن أنتظر.. أنا ملك ..يلزمني وريث للعرش ..سأتزوج من أي أميرة..زواج سياسي ينفع الجزيرة اكثر من الحب والإعجاب.


لم تعجب"أنچا" بكلامه و سألت بضيق:

-و وصية الملك.

انفعل عليها وأحتد مزاجه فهتف فيها:

-وأين أجدها تلك؟ أين هي؟


نظرت أنچا للسماء وأبتسمت ثم قالت:

- أتعلم تلك الأسطورة التي تقول أنه....


قاطعها بملل يردد بينما يهز رأسه ساخراً من تفكيرها:

- ملكة جزيرة الذهب تولد ليلة أكتمال البدر في آخر شهر بالصيف... أليس كذلك؟ 


غربت عيناه بضجر بينما يردد:

-لقد مللت مهاتاراتك أنچا ....مر العمر وأنتي تمنيني بتلك الأسطورة والغريب أن والدتي كانت ملكة جزيرة الذهب وهي من مواليد الشتاء و ببداية الشهر .. أنصحك بأن تخلدي للنوم فقد تأخر الوقت .


تحركت أنچا وهمت لتغادر لكنها توقفت مرددة:

- أسخر مني كيفما شئت لكني سأظل مؤمنة بتلك الأسطورة.


أنحنت له تحييه بأحترام تسمعه وهو يردد:

-من الجيد معرفتك بأنها أسطورة يعني خرافات وليست حقيقة .


تنهد بسأم ثم أكمل:

-الأعمال كانت مرهقة الفترة الماضية، سأذهب برحلة صيد في منطقتي المفضلة،بلغيهم ليحضروا كل شيء.


هزت أنچا رأسها بطاعة ثم غادرت وتركته ينظر للفراغ وسرعان ما نظر للبدر و تنهد.


__________________________


دلف زيدان للبيت وهو يخلع قمصيه الممزق بسبب عراكه مع هؤلاء الشباب، طواه بيده ثم بدأ يجفف عرق جسده الغزير به حتى وصل لوجهه و وضع القميص عليه ينشف به وبتلك الأثناء كانت حورية تهبط الدرج بسرعة كبيرة كي تلحق برنا تودعها .


ومن سرعتها تعثرت قدمها اليسرى بدرجة السلم المكسورة لتشهق برعب وهي على وشك السقوط تبعتها شهقة اخرى لكن هذه المرة بصدمة و هي تشعر وكأنها قد أصدمت برصيف خرساني .


صدم زيدان بالبداية و رفع القميص عن وجهه بينما لف يده كرد فعل سريع يحمي تلك التي ستسقط فما حدث أنه قد ضمها له بقوة كبيرة وبعدها تحقق من هويتها وردد :

-حورية.


أتسعت عيناها بمهابة وهي تجد نفسها بأحضان زيدان وهو كذلك صدم فحررها من بين أحضانة بسرعة كمن صعقته الكهرباء فارتدت للخلف وكادت أن تقع مرة أخرى، لكنها أنتبهت على صوته يردد بسطوة:

- مش تاخدي بالك وأنتي نازلة قولنا كذا مره في عتب مكسور.


لم ترفع أنظارها له، لم تريد، تمقته وتمقت شدته أو....تخاف منه؟؟


لا تعلم كل ما تعلمه أنها لا تحبذ النظر له ولا التعامل معاه ويستحسن ألا تستمع لصوته الخشن .


فهتف بضيق:

-أنا بكلمك على فكره...بعد كده وأنتي نازلة تبقي تبصي قدامك.

حاولت إلا تصرخ فيه من طريقته فقط لأجل عصفورها وقالت إنهاءً للموقف:

- حاضر .


ثم غادرت سريعاً وتركته خلفها ينظر عليها بضيق مردداً :

-ماشية بربع عقل ...صحيح ما جمع إلا و وفق .


ثم عاد يستكمل صعود الدرج بأتجاه شقتهم.


_____________________________


وقفت رنا بالشارع أمام أحد السيارات الخاصة تودع أهلها مرددة:

-ماتزعليش بقا يا ماما ..هي دي أن شاء الله آخر سفرية وإن شاء الله هرجع لكم بفلوس كتير قوي .


أعوج فم خالتها فوزية وقالت:

- ياختي ارجعي لنا بعريس.

دبت بقدميها في الأرض تردد:

- ياخالتو بقا ياخالتو .

-بلا خالتو بلا هباب ده انتو خلتوها خل .


صمتت لثواني وهي تبصر حورية حضرت للتو فقالت بتوعد :

- وأنتي يا بت أنتي تقولي لعصفور الجنينه بتاعك إن تأجيل فرح تاني مش هيحصل ولما يجيلي لينا كلام تاني .


نظرت حورية لرنا وقالت:

- عجبك كده هتمشي أنتي وتسبني لوحدي معاهم يتكاتلوا عليا ؟


ضحكت رنا و ودعت والدتها التي وقفت باكية لا تتحدث وحاولت طمئنتها ثم سلمت على خالتها ورنا وغادرت مع السيارة التي أوصلتها للمطار .


_________________________


في ظهر اليوم التالي كانت رنا وسط زملائها من العمل وقد حطت الطائرة بالمطار ثم ذهبوا للشاطئ كي يسيروا بالبحر ليصلوا للجزيرة .


وقف قائد المركب يردد:

- دلوقتي يا شباب احنا على بعد تلات ساعات من جزر الدهب.. هي مجموعة جزر بيحكمها الملك راموس وبيسكن أكبر جزيرة فيهم و الدخول هناك له ترتيبات و تصاريح .. أهل الجزيرة هناك ليهم نظام خاص جداً فياريت كلنا نلتزم بالتعليمات عشان نوصل للمكان إلي فيه مهمتنا لأنهم أكتر من جزيرة زي ما قولت .


ظلت رنا تستمع للتعليمات بإنصات تام وباقي زملائها كذلك لكن بعينهم نظرة خاصة لها وهي تلاحظ ذلك لكن لا تعرف ماذا هناك.


بعد مرور ساعة ونصف تقريباً وقفت المركب على أحد الشواطئ وقال القائد:

-هنقف هنا نريح مكنة المركب ونكمل ...تقدروا تنزلوا تريحوا شوية قبل ما نمشي.


هزوا جميعاً رؤسهم بينما تقدمت أحداهن من رنا وقالت بإبتسامة واسعه ودودة:

-رنا ... بيقولوا الموز هنا في الجزيرة حته من الجنه .. ماتيجي نجرب .


نظرت رنا للجزيرة بريبة ثم قالت بتردد:

-لأ ماعلش ... أصلي...


قاطعتها الفتاه وقالت:

- أخس عليكي بقولك نفسي فيه هو احنا هنيجي الجزيرة هنا كام مرة في العمر يعني ؟

-طب ما تاخدي منه؟

-دي عيلة باردة...قولتلها و قالتلي لأ وحرجتني ..هتيجي معايا ولا هتحرجيني زيها ؟


زمت رنا شفتيها بحرج ثم وقفت و ذهبت معها رغم ترددها .


ظلت الفتاة تسير مع رنا حتى تعمقا داخل الجزيرة بجوار أشجار الموز فقالت الفتاة لرنا:

- الله شوفتي مش قولتلك الموز هنا مختلف .. لأ وفي جوز هند كمان...وااااو .


صمتت لثواني تخرج هاتفها ثم قالت بأنبهار:

- مش معقول ....ده في شبكة هنا... طب أستني أكلم ماما أطمنها وانتي أجمعي الموز .. ماشي.


لم تترك لها فرصه بل بدأت تتصل بوالدتها بالفعل وتتحدث معها تسير خطوة بخطوة بجوار رنا التي أنشغلت بجمع الموز كي تنتهي وتذهب من هنا قبلما تغادر المركب.


لكن لم يمر ثوى دقيقة ...هي فقط دقيقة واحدة ولم تجد أحد بجوراها .


ألتفت حولها برعب تنادي الفتاة التي كانت معها لكنها لم تجدها .


حاولت الخروج من بين الأشجار كي تصل للشاطئ لكنها صدمت بعدم وجود المركب أو أي أحد من أصدقائها.


حاولت التماسك وألا تصرخ بأنهيار الآن وظلت تركض على طول الشاطئ لكنها لم تجد أي أثر لهم .


وقفت تلهث وقد سيطر الرعب على خيالها وجسدها لتنتفض على شئ معدني مصوب بظهرها وصوت جهوري يردد بلهجة حادة:

-من أنتِ؟


الفصل الثاني 


-سوسو سو....سوسو سو

-عصفوري .


قالتها حورية ترد بها على محمود خطيبها الذي وقف خلفها قائلاً:

-أنا جيت .

=خيبة الأمل راكبة جمل.


قالتها فوزية وهي تطالعه بضيق شديد فقال:

- إيه يا حماتي بس في إيه مالك ...ماتروقي أمال...ماتكلمي ماما يا حورية.


تقدمت حورية من والدتها وهمست لها:

-جرى إيه يا ماما ... مش كده ...ده إحنا حتى في الشارع.

-و هو انا مسكتني غير أننا في الشارع.


لكنها ألتفت تناظر محمود وقالت بحدة وحزم:

-أسمع يا أبني أما أقولك...خير في سلامة وسلامة في خير وإنت أديلك سنتين داخل خارج بالخطوبة والدبلتين بتوعك وقولنا ماشي لكن كده كتير بقا وأنت زودتها ... أسمع يا أبن الناس أخرك معايا الشهر ده لو جه يوم تلاتين منه وأنت ماتممتش الجوازة دي يبقى أعذرني.


تقدمت حورية وقالت بغضب:

- كلام إيه ده ياماما ما.....


قاطعها فوزية بحزم وقالت:

-ولا كلمة يابت.... أنا إلي عندي قولته ماذا وإلا.....


قاطعها محمود هذه المرة وقال :

-ماذا وإلا إيه بس يا حماتي...ده حتى الشقة ماجهزتش .

-ماهو من لاكاعتك ... وأنا ماليش فيه .. أنا إلي عندي قولته .


تطلعت لابنتها وقالت:

-قدامي على البيت

-طب والفراخ إلي أتدبحت دي؟

-ماشي ...تجبيها وتيجي ورايا أنتي فاهمه.


ثم غادرت وتركت محمود ينظر عليها بضيق شديد وأقترب من حورية قائلاً:

-هي الست دي بتعمل معايا كده ليه؟

-معذورة يا محمود إحنا بردو طولنا وأنت لا حس ولا خبر..واقف محلك سر وبتتفرج عليا.


تغيرت ملامحه على الفور وإستدار يوليها ظهره مردداً:

- وأنا أعمل إيه بس يعني يا حورية

-ما أخوك زيدان ياما أتحايل عليك تنزل معاه الشغل .

-مابحبش النجارة يا حورية.

-حبها عشاني يا محمود.


تحرك حولها بضيق شديد ..كان كطفل أرعن صغير بالضبط وقال بنزق:

- بقا ده كلام تقوليهولي وأنا إلي جاي مزقطط وفرحان أول ما جالي الخبر.


اقتربت منه تسأل:

-خبر أيه؟

لمعت عيناه ورد:

-قدمت في مسابقة الغنا وبعد بكرة هروح أعمل آخر أختبار.


تهلل وجهها وقالت بفرحه شديدة:

-بجد يا محمود...بس أنت مابتعرفش تغني ..طول عمره صوتك وحش.

-أيش عرفك أنتي.. أنتي هتفهمي أكتر منهم يعني ..هغني راب وبعدين بعرف اغني مابعرفش مش مهم .. إحنا في زمن الهجايس .. وأنا عايز أبقى غني ومشهور والفانز حوليا من كل مكان مش ابقى نجار زي زيدان طب ده كلام بالذمة .


شعر بيد قويه وضعت على كتفه وقد زمت حورية شفتيها بأسف عليه وخوف ممن خلفه لينتفض على صوت رخيم يعرفه جيداً وقد ردد :

-ماله زيدان بقا مش عاجبك في إيه عشان ماسمعتش ؟


تلجلج محمود وأرتبك بحضرة زيدان وردد بإرتباك:

-ولا حاجه ؟

-ولا حاجه أزاي؟ مش عايز تقول.


صمت وتطلع لحورية يسألها:

-خليكي أنتي اشجع منه وقوليلي كان بيقول إيه ؟

أبتلعت رمقها بصعوبة...تتوتر بوجوده ..هي بالفعل تخاف فقالت طالما هو مصمم و كي ينتهي الموقف :

-كان بيقول أن زيدان ده سيد الرجالة و أن مافيش منك أتنين .


نظر لها زيدان نظرة شاملة مطولة ثم قال:

-علمك الكدب؟


فردت بسرعة وغضب ممزوج بالضيق الشديد:

-لأ طبعاً..ده ...ده حتى أنا كمان رأيي كده .


نظر أرضاً وهو يضحك بسخرية ثم رفع عيناه فيها لترتبك و تتوتر بوقفتها و تنسحب ناحية محمود قليلاً تختبئ خلفه من خوفها منه تسأل متى سيغادر فأشاح زيدان نظره عنها وتحدث إلى محمود :

-الست فوزية لسه معدية عليا وبتقول أنها عايزة تيجي النهاردة لابوك.. في إيه ؟


-يادي النهار الي مش فايت ..شوفتي يا أختي أمك.


لم تتحدث حورية ونظرت لمحمود بضيق فقال زيدان:

-في إيه يابني أنا بكلمك.

-بقولك إيه يا زيدان أنا فرحان و ورايا أودشن بعد بكره ومش عايز حاجه تعكنني.


-أودشن؟ ده إيه ده بقا إن شاء الله ؟

فرد محمود ظهره وهو يعدل من ياقة قميصه بينما يردد بفخر:

-اخوك وبكل فخر هيبقى مغني.


تحولت ملامح زيدان للغضب الشديد وسأل:

-أنت بتقول أيه أنت أتجننت .


تغيرت وقفة محمود وإنكمش على نفسه ثم ردد بخوف:

-أيه بس يا كبير مالك .


تجاهله زيدان ونظر لحورية يسألها:

- أنتي موافقاه على الهبل ده ؟

-وفيها إيه هو حد....


قاطعها بغضب يقول:

-فيها أيه؟ ده عادي يعني؟!


ضم أصابع يده في كفه من شدة الغضب و قال:

-واحد دماغه مفوته وخطيبته مطوعاه في الهبل .. أكيد مش هحرق في دمي معاهم ... أنا ماشي أحسن .


قالها وغادر على الفور فتنهدت حورية وبدأت تلتقط أنفاسها مرددة:

-الحمد لله.. أخيراً مشي... أنا بخاف منه قوي يا محمود.

-ومين سمعك... أنا كمان بخاف منه والله أكتر من أبويا.

-بقولك إيه يا محمود ماتجيب شقة في بيت تاني للجواز.. أنا ياخويا مش هقدر أعيش مع أخوك ده في بيت واحد ..ده انا جسمي لسه بيترعش لحد دلوقتي.


-أتنيلي هو أنا عارف أشطب شقتي عشان أجيب لك واحده برا ...يالا زمان الفرارجي خلص ..خدي الفراخ وروحي لأمك احنا مش حمل لسانها .


وعلى ذكر سيرة والدتها انتفضت حورية وتحركت سريعاً فأخذت الدجاج وحاسبت على ثمنه ثم غادرت سريعاً للبيت.


__________________________


ألتفت رنا ببطئ والخوف ينفض جسمها بوضوح وما أن ألتفت حتى شهقت برعب شديد وهي ترى أمامها رجل أسود عريض عاري الصدر يصوب بندقيته ناحيتها ثم تحدث بلغة أجنبية يسألها من هي فقالت بخوف:

-يعني إيه ؟ مش فاهمه..


نظر لها بعينه المرعبة بتدقيق ثم قال بالإنجليزية :

-عربية؟

-أيوة ... الحمدلله...أنت بتتكلم عربي ؟

-قليلاً من أين أنتي ؟

-مصر

-لما الكذب إذاً ..أنتي لستِ عربية.

-ماشاء الله شكلك عارف تاريخنا كويس...طيب ممكن تساعدني أخرج من هنا.


أخرجت هاتفها من جيب سروالها الجينز ثم قالت مكملة:

-أنا كنت مع صحابي في رحلة تبع الشغل وشكلهم مشيوا ونسيوني وبحاول أتصل بيهم بس تقريباً الشبكة واقعة هنا.


نظر لها بتدقيق ثم قال:

-أتبعيني إذاً

نظرت له بشك ثم قالت:

-أتبعك فين؟ لأ أنا مش عارفاك وبصراحة نظراتك مش مريحاني.

ألتفت ينظر لها ثم ردد بلا مبالاة وهو يهز كتفيه:

-جيد إذاً ،ظلي هنا حتى تتحلل حثتك.


ثم هم بالرحيل لتنتفض و تتحرك بلهفة تنادي عليه :

-يا أستاذ..يا أستاذ..أستنى بس مايبقاش خلقك ضيق .


توقف بنزق يسألها:

- ماذا ؟

-هتساعدني إزاي؟

-سأخذك إلى الضفة الأخرى بقاربي فقط أتبعيني لو أرداتي.

بالطبع ذهبت خلفه ...لا حل تملكه الأن فسارت معه حتى دخلا وتوغلا في الغابة .


سارا حتى وصلا عند مكان كله مخيمات كبيرة بدى وكأنه معسكر فسألت بريبة:

-أنت ياحضرت...مش قولت هتساعدني.. إحنا فين؟


إلتف ينظر لها وعلى شفته ابتسامة توحي أنها قد وقعت في الفخ جعلتها ترتجف أكثر وأكثر ثم أنتفضت على صوته الذي صدح بجملة من لغة غريبة لم تعرفها .


شحب وجهها و وقفت مبهوته وهي ترى مجموعة من الرجال عرايا الصدر فقط يلفون قطعه من القماش على جزعهم السفلي وبيد كل واحد منهم عصا خشبية يتكئ عليها رغم قوة بنيانه يصدح منهم صوت واحد في نفس اللحظة بطريقة سحبت الدماء من جسدها وزاد الطين بلة وهي تراهم يلتفون حولها ويطوفون في حلقة مغلقة بطريقة جنونية، بدوا وكأنهم لأول مرة يرون أنسي ثم توقفوا وهم يسحبونها معهم للأمام يرغبون في أخذها لمخيمهم.


فلم تتحمل كل تلك الصدمات بداية من تيهها ثم غدر ذلك الخبيث وختاماً بمايحدث الآن فسقطت أرضا فاقده للوعي بين أيديهم وهم حولها مازالوا يهللون، يتعارك كل منهم مع الآخر على من سيحملها ولم يتوقفوا إلا على صوت أنچا الجهوري التي رددت بحزم:

-توقفوا .. ملكنا في قيلولة ...ستزعجونه هكذا...ماذا هنا وما سر كل تلك الضوضاء.


توقفوا جميعاً فسقطت رنا أرضاً منهم وتقدمت أنچا حتى باتت أمامهم و رأت رنا لتقول بتفهم :

-آه ...فتاة بيضاء...الآن فهمت .


نظروا كلهم أرضاً بخوف ورمقتها أنچا بنفور، فتحدث الرجل الخبيث وهو ينظر أرضاً:

-أسمحي لي سيدتي لكن أنا من جلبتها لهنا و أنا من سأبيعها .


تقدمت أنچا حتى توقفت أمامه وقالت بغضب:

-نحن هنا جميعاً في خدمة الملك راموس ...لسنا بالجزيرة كي تفعل .. أنها عطلة الملك ولا أريد أي مشاكل جانبية تعكر صفوه .


ظهر الأعتراض على وجه الرجل فرغبت أنچا بإنهاء الموقف وقالت :

-حسناً سأضمها لجواري الملك ...كم تريد فيها .


لمعت عينا الرجل بجشع فقد طمع ببيعها لأحد الأشراف بالجزيرة لكنه الآن سيبيعها  للملك راموس نفسه لذا طلب مبلغاً كبيراً... كبيراً جداً و قال :

-مئتي دولار.

-ماذا ؟ 

-أرى أنها تستحق سيدة أنچا وهذا ما أريده لا تنسي لمن أبيعها؟ أنه الملك راموس.


نظرت أنچا للفتاة بضيق شديد ثم قالت:

-حسنا لك ما أردت.


ثم نادت على الحرس وما أن حضروا حتى قالت بإزدراء:

-خذوا تلك البيضاء لمخيم جواري الملك .


ثم أقتربت من الرجل تدفع له المال وهي تراقب تلك الفتاة بينما يحملها الحرس و تحركوا بها ناحية المخيم.


____________________________


في صالة شقة فوزية جلست أمام محمود وأهله مرددة بحسم:

-المدة طالت يا حاج راشد وابنك من ساعة ما شبك من سنتين ومافيش أي حاجة جدت .. أعذرني بس احنا ولايا من غير راجل وكلام الناس كتير.


فرد الحاج راشد بهمة:

- كلام إيه ده يا ست فوزية أنتي على راسنا وحورية بنتنا ومتربية وسط عيالنا .

-كلام حلو يا حاج... بس ما تأخذنيش أهو كلام إبن عم حديت ولو دي نظرتك لينا فأنت مش كل الناس وأحنا مش عايشين لوحدنا.


صمت راشد يقر أنها تتحدث الصواب وتدخل زيدان:

-طلباتك ياست فوزية .

-الفرح وكتب الكتاب يكونوا آخر الشهر.


صمتوا جميعا من طلبها وهتف محمود:

-ده إلي هو إزاي هو أنا ساحر..أجيب منين ده الشقة على الطوب.

-مانت لو كنت بتشتغل زي الحاج راشد و المعلم زيدان كان زمانك مشطب ومخلص، ألا أنت مش غاوي شغل وإلي بتاخده بتفرتكه، وأنا يابني صبرت عليك كتير وطولت بالي على الآخر لكن لاقيتك سارق الود و زودتها قوي .. يابني ده حتى المثل بيقول إن كان حبيبك عسل ماتلحسهوش كله .


حاول زيدان التفاهم معها وقال بمهاودة:

- عداكي العيب يا ست فوزية بس بالعقل كده هو في حد هيعرف يخلص كل الطلبات دي في شهر؟

-معاك حق بس ماعلش اعذرني يا معلم زيدان، أنا لو رخيت له الحبل و زودت المهله هيرجع يسوق فيها، أنا سيبته سنتين بقولك ..خاطرك على عيني يا معلم بس ده آخر كلام عندي .

-طيب ماحنا ممكن نكتب الكتاب عشان نسكت الناس وبعدها نرتب للجواز براحتنا .


أحتدت ملامح فوزية ورفضت رفض قاطع مرددة:

-لاااااا ... كتب الكتاب مع الفرح .. أخوك ده أنا ما استأمنوش على بطه بلدي وبعدين ماتأخذنيش أنا أضمن منين أنه هينجز و يتجوز مش يمكن يكتب الكتاب ويضرب على الجواز والفرح عوافي ويبقى بقا هو إلي مسكني مش أنا إلي مسكاه وأفضل تحت رحمته لا ماعلش مش موافقة وهو شرط زي ما أتفقنا .


في منزل الحاج راشد 


جلسوا جميعاً بالصالون يفكروا بحل فقالت والدة زيدان و محمود:

- وبعدين إيه الحل؟ دي الشقة على الطوب الاحمر.


نظرت لابنها وقالت من بين أسنانها بضيق:

-مانت لو كنت بتسمع كلام ابوك وأخوك وبتشتغل زي الرجالة ماكنش ده بقا حالنا وحالك ...أتصرف بقا .


-أتصرف أزاي يعني .


صمت لثواني ثم زاغت عيناه وردد :

-أاا...أحمم..كده مافيش حل غير أني أخد أنا بقى شقة زيدان و أمري لله.


أنتبهوا كلهم له وتطلعوا له بأعين متسعه مصدومة ومنهم زيدان فتحدث راشد:

-أنت أتجننت يالا ..دي شقته وهو إلي شقي فيها وعارف أنه بيحب الشقة دي وأسسها من الصفر بعرقه .


تهرب محمود من أعينهم خصوصاً عين زيدان وقال:

-ماهو مافيش حل تاني.


وقف زيدان و تركهم يخرج للشرفة المجاورة للصالون يشعل سيجاره و قد تجلت على ملامحه علامات الحزن و الضيق يسمعهم وهم مازالوا يتحدثون حيث قال والدهم موبخاً محمود:

-أنت إيه...مافيش دم بقولك شقته وبعرقه وبيحب الشقه دي وهو إلي مختارها .

- وفيها إيه يا حاج بس ما ياخد هو الدور التالت إلي كان هيبقى ليا ولا يعني عايزين الجوازة تبوظ .

-كلام إيه ده بقولك شقة أخوك وهيتجوز فيها.

-يتجوز مين بس هو في واحدة راضيه بيه ...بيخاوفوا منه ..ما على يدك أتقدمت للي يسوى والي مايسواش وماحدش راضي بيه.


ليغمض زيدان عيناه بحزن دفين يجاهد على مواراته ،قد كان على علم بما يقال عنه أن كل فتيات الحي ترفضنه خوفاً منه حتى كبر بالعمر حتى إبنة عمه رفضته، ووصل به الحال أنه بات يصدق ما يقال عنه فأطفأ سيجاره قبل أن يخرج على والده ثم دلف للصالون من جديد في الوقت الذي وقف فيه راشد وصرخ بغضب:

-أخرص يا قليل الأدب و لو عايز تتجوز أتجوز بشقاك مش بشقى أخوك .


لكن زيدان وضع كفه على كتف والده وردد بنبرة هادئة:

-هدي نفسك ياحاج.... أنا شايف إن مافيهاش حاجه والمليان يكب على الفاضي .


رفض راشد بحدة :

-أيه إلي بتقولوا ده أنت كمان 

-أنا ومحمود واحد يا حاج 

-لأ أنا مش موافق 

-ماعلش بقا يا حاج عديها...خلي الفرح يدخل بيتنا.


ثم نظر لمحمود وقال:

-مبروك عليك يا محمود ... أنا هبقى أطلع أشيل حاجتي من فوق لما أفضى وأنت هات خطيبتك عشان لو عايزه تغير حاجه في الشقه وتفرشها على زوقها وطبعا عفشك كله من عندي .

-شكراً يا زيدان..طول عمرك كبير في كل حاجة.


راقبت أمه ضحكته المتأملة وأستأذنه ليذهب للمواصلة عمله ثم قالت لمحمود:

-تصدق وتؤمن بالله أنت ماعندك دم وأنا ماعرفتش أربيك.

-أنتو عاملين حوار ليه انتي و أبويا...طول عمركم بتحبوا زيدان اكتر مني و مدلعينوا.


جلس راشد بإنهاك على كرسيه بينما يردد ساخراً بخيبة أمل:

-أه أهو حتى عشان كده طلع بايظ وعواطلي ومش بيعمر في شغلانه وعايز يتجوز بس مش مشطب شقته... إحنا فعلاً دلعناه عنك.

-يووووه ...أعملوا لي عزا بقا ...ما صاحب الشأن وافق .


فقالت الأم:

- حتى لو هو وافق كان المفروض انت تستحي وتقوله لأ ده شقاك أنت لكن ده أنت أصلاً إلي طلبت..يا خسارة تعبي .


فقال راشد:

خلاص يا فردوس .. خلاص المفروض نفرح .. عندنا فرح .


وقف محمود وغادر بغضب شديد و ضيق من حديثهم بينما راقبته فردوس حتى خرج من الباب وجلست بحزن لجوار زوجها تردد:

-كان نفسي أفرح بزيدان الأول ومش على أي واحدة...ده احنا وصل بينا الحال إن بقينا نتقدم لأي بت والسلام...اااه يا راشد أاااااه...ياما كان نفسي اجوزوا لواحدة مافيش منها ..كان نفسي حظة يبقى ضارب زي أخوه محمود وياخد واحدة زي حورية كده ولا رنا بنت خالتها ... لكن هقول إيه نصيب .. أنا عارفة بيخافوا منه ليه .. هو صحيح زي ضلفة الباب وصوته عالي بس والنبي طيب.


-أنتي هتقوليلي يا فردوس ..بس هنعمل ايه..أدي الله وأدي حكمته... أدعي له .. أدعي له يا فردوس ربنا يهنيه.

- وأنا بأيدي حاجة غير الدعا يا راشد.


قالتها فردوس بحزن وبداخلها تدعوا وتبتهل من أجل عزيزها .


_______________________________


في مخيم حريم الملك

دلف الغلمان وهم يحملون رنا فأنتهت كل الحريم و وقفن بتأهب يتابعن ما يحدث مستغربين و زاد إستغرابهن وهن يرون أن الوافدة فتاة بيضاء البشرة، شقراء الشعر.


وأمرت أنچا بمقط: 

-ضعوها هنا .


تقدمت سيدة في منتصف الأربعين عريضة الجسد و طويلة وسألت :

- من تكون ؟

-جارية جديدة للملك ..أشتريتها له كهدية، حضريها كي تلتحق بالحفل السامر الليلة، وأتمنى أن تضعي بعض التغييرات فلليلة الأمس أصابت ملكنا بالضجر هااا..


هزت السيدة رأسها بإذعان بينما عادت أنچا تنظر على رنا بنفور ثم نظرت لعدد الفتيات ذوات البشرة البيضاء في المكان و رددت ببغض:

-لقد كثر عدد البيضاوات هنا ..لكن لا بأس سأجد حل لهن.


ثم غادرت على الفور وتركت خلفها رنا وقد بدأت بعض الفتيات بحملها لفراش بدائي صغير .


ومر الكثير من الوقت حتى قربت الشمس على المغيب ورنا لم تستفيق بعد فقالت السيدة الأربعينية:

-لا وقت أمامنا يجب أن تتجهز .


تقدمت منها فتاة كانت سمراء البشرة بعيون مستديرة مليحة الوجه وقالت بمهادنة:

-لكن سيدة "أنكي" أنها لم تستفق بعد...المخلوقة يبدو أنها مجهدة لما لا نتركها الليلة.


رفعت أنكي إحدى حاجبيها وقالت بحسم:

-لا تتدخلي "سوتي" فلا أنا ولا أنتي يمكننا الإعتراض على أوامر السيدة أنچا فهي شقيقة الملك بالرضاعة و صديقته المقربه و أوامرها لا تعصى في مملكة جزر الذهب كلها، وطالما أمرت أنچا بتجهيز تلك الفتاة للملك فيجب أن نفعل وإلا فلن نسلم من غضبها ...أذهبي وخذي معكي بعد الفتيات لتجهيزها حتى لو كانت غافية ....هياااا.


بالفعل بدأت الفتيات بقيادة سوتي بجر رنا للأستحمام ولم يجدوا بد من ألقاء الماء البارد عليها.


-هييييييييييييييي.


كانت شهقة عالية صدرت عن رنا التى وثبت من مكانها إثر سقوط الماء عليها مع جحوظ العينين وبدأت تتلفت حولها بجنون تسأل أين هي؟ 


فأقتربت منها سوتي وقالت بتريس :

-أهدي أهدي عشان أفهمك.


تطلعت لها رنا بلهفة كالغريق وقبضت في ثيابها تردد:

-بتتكلمي عربي صح؟ صح والنبي... قوليلي.. أنا فين.. أنا..أنا ..أنا المركب ..و..شكلهم غدروا بيا والراجل... الراجل ابن الكلب الأسود و...و...وطلع عليا ناس زي الي بياكلوا لحم البني أدمين..و.. عملوا عليا داوارية .. عملوا عليا داوارية و.. أنا فين.. أنا بعمل إيه.. وأنتو.. انتو مين...يالهوي...تعالي خديني ياما .


جلست لجوارها سوتي تحاول تهدئتهة ثم قالت:

-حاولي تهدي .. لأن ده مش كويس عشانك ..شكلك تعبانة شديد .


-أنتي سودانية؟

-أيوة وعشت بمصر فترة كبيرة قبل لأجي هنا؟ دي قصة طويلة 

- أنا فين وبعمل إيه..و المهم هخرج من هنا إزاي عشان أرجع على مصر .


هزت سوتي رأسها بأسف ثم قالت:

-أنسي مصر خلاص... إنتي بقيتي جارية عند الملك راموس وملك يمينه.


رفرفت رنا أهدابها بغباء ورددت بعدم إستيعاب:

-هو أنا ركبت مركب للجزيرة ولا آلة الزمن ...رمسيس مين .. ده التاني ولا التالت أنا شخصياً بحب التاني أكتر عشان بيقولوا أنه أبو كل المصريين الموجودين دلوقتي .

-مش وقت هزار 

-أنتي يا حبيبتي إلي بتهزري وأنا قسماً بالله ما حمل هزار ...ملك مين وجارية إيه.. أنا واحدة مسلمة وحرة هو لسه في أصلا زمن عبيد وجواري.


زمت سوتي شفتيها وقالت: 

- النظام هنا مختلف عن كل بلاد العالم.. الجزيرة هنا فيها كل الخيرات وأقتصادها قوي خصوصاً بعد ما أكتشفوا الدهب إلي بقا زي النفط ونقل أقتصاد الجزر كلها حتى غيرو أسمها وسموها جزر الدهب ..هي في الأصل كانت جزيرة واحده لكن جد الملك راموس بدأ بالحروب والمعاهدات يفرض سيطرته على كل الجزر المحيطة ويعملوا زي مملكة ليها قواعد بدائية غير قابلة للتغير و بيحكمها دلوقتي الملك راموس إلي أنتي بقيتي جارية عنده.


شبت رنا واقفة تردد بغضب و هستيريا 

-بردو هتقولي جارية ... أنتو كلكوا مجانين... أنا مش هسكت على الجنان إلي أنتي بتقوليه ده.

-مش أنا إلي بقول ...ست أنچا هي إلي قالت.


فزاد صراخها و غضبها بينما تردد:

-مين أنچا دي عشان تقدر تعمل كده و تحول واحدة حرة لجارية ... أنتو فاكرين الدنيا سايبة .


تحركت من مكانها وبدأت تهتف بحدة و غضب :

-هي فين إلي أسمها أنچا دي .. أنا مش هسكت على الجنان ده.


ظلت تهتف بحدة و غضب وهي تتحرك بهوجائية لم تتحمل ما قيل لها، فلم تستطع أي من فتيات الحرملك أن يتصدوا لها وأستمرت رنا في صراخها حتى خرجت من مخيم الجواري وأصبحت في منتصف المعكسر تهتف بجنون:

-أنا لازم أمشي من هنا ... أنا مستحيل يحصل فيا كده .. أنا مش هسكت .


وعلى أثر صوتها أجتمع المعسكر كله وخرجت أنچا من خيمتها تسأل بحدة :

-ماذا هناك ..ما هذة الغوغائية...


تطلعت لرنا وقالت بقسوة:

-أنتي أيتها البيضاء.... شغب من البداية...حسابك معي عسير ؟ 

-أنا لازم أمشي من هنا .. مستحيل أقعد هنا لازم أمشي.


لحظتها خرج الملك راموس من خيمته بسبب صوتها العالي مستغرب يسأل ماذا هناك.


ليبصر أمامه فتاة متوسطة الطول ملفوفة القوام شعرها أشقر وكان أشعس يصنع حول وجهها الأبيض المشرئب بالحمرة هالة من البهاء، كانت كمقاتل شرس وقع في الأثر ومازال يقاوم غير قابل للخضوع أو الهزيمة.


بينما رنا مستمرة في الصراخ الغاضب تردد:

-مشوني من هنااااااا.

أقتربت منها أنچا وقالت بحزم:

-خفضي صوتك أيتها البيضاء...عن أي ذهاب تتحدثين لقد أصبحتي جارية للملك راموس أنا أشتريتك له.


أشتغل جنون رنا وصرخت فيها:


-جارية مين و راموس مين يا ولية يامهبوشة أنتي.. أاااه... أنا عارفة الدماغ دي .. أنتو شكلكوا ضاربين حاجة.


ظلت تتحدث وتهذي بجنون بينما راموس يتابعها بتركيز وهو يتقدم من خلفها رويداً رويداً حتى بقا خلفها تماماً.


توقفت فجأة عن الحديث تسأل بترقب:

-الصهد ده جاي منين؟


شعرت بأنفاس ساخنة خلف عنقها تقريباً فالتفت وما أن فعلت حتى صرخت برعب:

-عاااااااااا.


بقى يناظرها بصمت تام وحاجبه مرفوع بإستنفار وهي بدت كمن نست النطق تتطلع له بخوف شديد إلى أن تحدث ببطء مثير يقول لها:

-أنا هو الملك راموس وقد أصبحتي جاريتي من الآن.


أرتفع صوته أكثر يحدث أنچا بينما عينه مازالت مثبتة على رنا بتدقيق وإستفزاز:

-هدية مقبولة أنچا بل ورائعة كذلك .


رفع رأسه وفرد جسده ثم ردد أمراً بشموخ:

- وأريدها الآن بغرفتي .


شهق الجميع بصدمة وكذلك أنچا ...لأول مرة يطلب الملك فتاة بنفسه كانوا دوماً يعرضونهن عليه .


نظرت أنچا للفتاة بضيق وسخط تشعر بالخطر، لكنها هزت رأسها بخضوع وسحبت رنا التي كانت تصرخ وتركل بقدمها في الهواء معترضة تحت أنظار راموس الذي وقف يتابع تمردها بإنتباه حتى أختفت مع الفتيات داخل الخيمة.


_________________________


وقف زيدان في شقته أو التي كانت شقته، يجمع منها أغراضه قبلما يأتي محمود مع خطيبته 


وقف في إحدى الغرف ومعه كرتونة كبيرة يهم بجمع أشياءه فيها ليستمع لصوت من الخارج يردد:

-تعالي يا حور...هاااا ايه يا ستي رأيك في الشقة ..تحفة مش كده .. شوفي عايزة تغيري فيها ايه وأفرشيها على ذوقك .


لم يستمع زيدان لرد من حورية لكن أستمع لصوت محمود يقول:

-ماتردي عليا يا حور... مبوظة كده ليه يابنتي؟ 

-مش عارف ليه يا محمود..الشقة دي بتاعت أخوك وهو إلي مشطبها ...هتستحلها إزاي؟

-وفيها إيه ماهو قاعد من غير جواز ومن ناحية تانية أمك مش رحماني ولا عايزاني افرط فيكي يا حور...طب لعلمك بقا زيدان هو إلي عرض عليا أخد الشقة ...ده أتحايل عليا كمان ...فكي بقا يا حور...هاا..هتفرشي الشقة إزاي بقا.


لحظتها خرج زيدان من الغرفة فتفاجئت حورية بوجوده وأرتبكت في وقفتها فقال محمود ينتهز الفرصة:

-تعالي يا زيدان قولها أنك موافق أخد الشقه أصلها مستحرمة تاخدها.


فنظر زيدان لحورية وأغتصب إبتسامة خفيفة على شفتيه ثم ردد:

-لأ يا حورية خلاص دي بقت شقتك..عايزك تفرشيها على ذوقك وأي فلوس أنا سداد فيها.


تطلعت له حور بتفاجئ فقطع الأمل من تلقي أي جواب منها، بالتأكيد مثلها مثل بقية فتيات الحي تخشاه .


فتنهد بصمت ثم خرج بهدوء لكنه توقف على السلم وهو يسمعها تقول لمحمود:

-طب ما هو طلع طيب أهو يا محمود.


أبتسم بخفة فقد حدث لمرة في حياته ولاحظ أحدهم أنه شخص جيد بخلاف والديه .. أنه لشعور رائع لأول مرة يجربه .


_________________________


وقف راموس بجوار غرفته القريبة من مخيم الجواري يضحك بقوة وهو يستمع لصوت تلك الفتاة الذي خرج من المرحاض بالمخيم تردد:

- أنتو بتعملوا إيه؟


اقتربت منها أنكي تردد:

- لقد طلبك الملك لذا يجب أن تتجهزي .. وسنبدأ بالحموم ...هيا يا فتيات اخلعوا عنها ثيابها .


زادت ضحكات راموس وهو يسمعها تصرخ:

-تخلعوا إيه إنتي وهي وتحموا مين أنتو أتهبلتوا ولا إيه ؟ ده عادي عندكوا يعني؟

-كفي عن الصراخ...يجب ألا تتاخري على ملكنا.

- مللكك أنتي أنا مالي ... أنا ماتكشفش على حد أبداً أنتي عبيطة ولا إيه؟

-لقد سئمت صراخك ... ألم يفهمك أحدهم قواعد وقوانين الحرملك ؟


ضحك الملك وهز رأسه بيأس منها ثم تحرك تجاه غرفته ينتظرها .


وتقدمت منها سوتي تردد:

-رنا ... أسمعي الكلام..ده عادي هنا .

-هو إيه إلي عادي .. أنت شاكة في أمركم أصلا.. أنتو ملتكوا إيه ؟

-كلهم هنا مسلمين بس دي القواعد هنا..لازم يحموكي ويعطروكي قبل ما تدخلي غرفة الملك ده هو اللي طالبك ودي أول مرة تحصل...عارفة يا رنا لو ...


قاطعتها رنا وقالت بهمس :

-مش عايزة أعرف...بصي أنا عايزاكي تساعديني...وقبل ما تعترضي ولا تخافي أنا مش طالبة منك غير تليفون اكلم بيه أي حد ييجي ينجدني .. أبوس أيدك أستجدعي معايا .


زمت سوتي شفتيها بأسف تردد:

-أسمعيني...هنا لافي موبايلات ولا شبكة محمول ولا أنترنت .

-أه هو أنا كنت حاسة ..ركبت آلة الزمن .. احنا في العصر العثماني ولا احنا في القرن الكام.

-لأ أحنا 2023 عادي بس هنا كل وسائل التواصل ممنوعه... مجلس الشيوخ في المملكة مانعها شايفين إنها بتقلل إنتاج الشعب وتأثر على النشئ ... العيشة هنا بدائية جداً...ويالا عشان أتأخرتي على الملك .


سارت رنا معهم تجاه غرفة الملك بصمت تام تشعر بالعجز خصوصاً بعدما أستمعته من سوتي ... لا تعرف كيف ستخرج من هنا.


وقفت عند الباب تلاحظ إنسحاب الفتيات ثم مد أحد الحرس يده وفتح لها غرفة الملك فتقدمت بخوف و رهبة.


وجدته يجلس عاري الصدر يرتدي بنطال من الكتان..كانت هيئته مهيبة ومخيفة في نفس الوقت خصوصاً مع ظلام الليل الذي لا ينيرة سوى بعض كلوبات الإنارة .


و وقف من مكانه يتقدم منها ليزيد طوله هيبة على هيبته ثم أقترب منها بحاجب مرفوع من وقاحتها .


فقد كانت تنظر له برأس مرفوع وقال بصوت غاضب:

-ألم يعلموكي أن تخفضي عيناكي وتنكسي رأسك أرضا وأنتي بحضرة الملك.

أشتعلت عيناها بغضب ...هذا ما كان ينقصها فعلاً.


وصرخت فيه:

-أنا مابوطيش راسي لحد...لا عاش ولا كان إلي يكسر عيني.


أهتزت شفتيه بإستفزاز منها وتقدم يقبض على ذراعها مردداً:

-تأدبي وأنتي بحضرة الملك.. أخفضي عيناكي ورأسك.

-لأ


قالتها بإباء و رفض تام جعلته يصرخ بغضب:

-كاااكاااا .


عادت للخلف خطوتين أثر صوته الجهوري ثم رددت بصوت مرتعش:

- كاكا ايه...عايز فاكهة ولا أنت حكايتك إيه  ؟


لكنها أنتفضت تلتف خلفها على صوت جمهوري وبعدها رأت شخص تقريباً ليس من بني البشر 


تحدثت بصوت باكي :

-أنت كاكا ... ده حتى مش أوانك ...هتعملوا فيا أيه؟

نظر كاكا لراموس وبعدها خفض كتفيه ورأسه يحيه بخضوع مردداً:

-أمر مولاي

-خذها للسجن .


لم يتوانى كاكا وسحب معه رنا التي كانت تصرخ بخوف ورعب.


توقف بها أمام حرفة عميقة محددة بقفص من الحديد والأغلال ثم ألقاها فيها و هي تصرخ فتقدمت أنچا تسأل :

-ماذا حدث

-هذا أمر الملك.


وأخيراً تنفست أنچا الصعداء وقد زال خوفها ترى كاكا وهو يغلق الاقفال عليها ورنا تردد:

-ليه كده حرام عليكم.. طب طلعني وأنا هسمع الكلام.


لكن كاكا لم يعيرها اهتمام كذلك أنچا التي أستدارت تغادر وعلى شفتيها إبتسامة إنتصار.


لكنها تلاشت على الفور وهي تسمع رنا تردد بعويل ودموع:

-ليه كده ..طب فكوني النهاردة بس...ده انا النهاردة عيد ميلادي يا ناس .


تخشبت قدمي أنچا في الأرض ونظرت للسماء الصافية لتصعق وهي ترى أن القمر مازال بدر في كماله .


لتشعر أنها محاطة ومحاصرة بقدمها في الأرض والبدر بالسماء وتلك الفتاة من خلفها .


إستدارت لها ببطء مخيف تنظر عليها وهزت رأسها بجنون ....لااااا ...لن تسمح لذلك بأن يحدث.


لكنها تحركت وتركت رنا في محبسها ..يجب أن تتريث وتعيد ترتيب أوراقها .


في ساعة متأخرة من الليل...مالت رنا برأسها على طرف الحفرة وقد غلبها النعاس ودمعها على خدها.


لتشعر بيد تهزها بغلظة ...فتحت عيناها تصرخ برعب :

-في إيه ؟


لتجد أنچا امامها تردد:

-ششششش ..أخفضي صوتك ...ألم تريدي الهرب ...أنا سأساعدك...هيا.


تهلل وجه رنا وبدأت تتنفس بسرعه تسأل:

-بجد والنبي.... ربنا يخليكي .. أنتي شكلك طيبة وأنا إلي فهمتك غلط .. ربنا يردهولك في عيالك..مانتي لازم تساعديني احنا ولايا زي بعض ربنا مايغلب لك ولية ابدا..

-ششششششششش ...كفي عن الثرثرة ... وآلان اركضي بهذا الإتجاه حتى تصلي للشط ستجدي قارب بأنتظارك والباقية عليكي..هيا ..أذهبي سريعاً ولا تنظري خلفك .


هزت رنا رأسها بجنون وبدأت تركض في الإتجاه المطلوب.


ظلت تركض وتتعسر من شدة التعب.. تلهث بخوف وإرهاق لكنها تحاول الوقوف كي تصل لهدفها .


لكن توقفت في منتصف الغابة على صوت جهوري أمرها بالتوقف .


ألتفت ببطء وخوف لتشهق برعب و هي تجد نفسها في حضرة الملك ......


الفصل الثالث 


بعد منتصف الليل في غرفة الملك راموس

ظل يتقلب على الفراش يميناً و يساراً كأنه يتقلب على جمر متقد .....و هب فجأة يقف على الأرض يشعر بجسده مشتعل ..... يشتعل بلا سببب.


أغلق جفناه بقوة.....تباً لها...صورتها وهي رافعه رأسها وعيناها القوية بعيناه تناظرة بشموخ لا تفارقه .


ضم أصابع يده في قبضة وحدة من شدة الغيظ و الغل كلما تذكرها.


وتحرك حتى وصل لنافذة غرفته يتطلع للفراغ المؤدي للسجن ثم هز رأسه بجنون رافضاً.


مد يده يسحب كأسه ورفعه على فمه يتجرعه دفعه واحده عله يطفئ نار جسده لكن لم يحدث.


عاد يهز رأسه بجنون وتحرك ناحية الفراش يرتمي عليه وهو مُصر على النوم وأن يقتلع تلك الجارية من عقله قلعاً .


مرت ساعة فأخرى وهو مازال على وضعه يفكر هل يقتلها مثلاً ليتخلص من تلك الحالة أم ماذا ؟


ترك الفراش وظل يجوب الغرفة ينظر عبر النافذة من جديد يلاحظ إنبلاج بسيظ للنهار في الأفق من بعد الفجر.


عاد يجوب الغرفة كالممسوس ذهاب وعودة حتى فرغ صبرت و صبتت عزيمته فخرج مندفعاً من غرفته لينتفض الحراس خلفه يحيطون به لكنه أمرهم بحزم:

-أبقوا هنا .

فلم يعد بيدهم شئ ونفذوا الأمر بينما سار هو بإتجاه السجن المؤقت .


لكنه صدم واتسعت عيناه حينما وجده خالي فهتف بحدة :

-يا حراس .


فأجتمع حراسه في الحال وأمرهم بتمشيط المنطقة كلها بحثاً عن الفتاة البيضاء ولم يقف بل تحرك معهم يبحث عنها حتى صدح صوت أحدهم:

-مولاااي ...وجدتها.


ثم صرخ عاليا :

-توقفي عندك....توقفي فوراً.


أتسعت خطوات الملك حتى وصل عند ذلك الحارس ليجدها أمامه توليه ظهرها تنتفض من الرعب و اللهاث من كثرة الركض .


أخذت تستدير ببطئ شديد ...إنها بأسوء كوابيسها على الإطلاق...بل حتى الكابوس أحياناً يكن أكثر منطقية عن ما يجري لها هنا .


إلتفت والرعب يهز خلاياها هزا لتجد نفسها بحضرة الملك ورفعت إصبع السبابة للسماء وأسبلت جفناها تردد بإستسلام:

-أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله.


أنتظرت إختراق الرصاص لجسدها وهي تنتفض مرعوبه لكن لم يحدث ففتحت عيناها تبصر الملك الأسود المخيف مازال واقفاً وحراسه من خلفه ينظر لها بنظره الحاد ثم هتف:

-توثف أقدامها وأيديها بالأصفاد وتحمل على الجزيرة حتى توضع بالسجن هناك....هيا تهيؤا ...سنرحل اليوم .


سكت واقترب منها عدة خطوات مثيرة للرعب والريبة حتى توقف أمامها وتحدث بفحيح:

- هناك سنرى كيف ستستطيعين الهرب مجدداً.


ثم صرخ في الحرس:

-خذوها ... وأريد تحقيق شامل ومفصل لأعرف كيف هربت ومن ساعدها.


إلتف ينظر لها بغضب ثم ردد من بين أنيابه:

-بظرف ساعات أصبح لك موالين في مخيمي ..من ساعدك ها وماذا دفعتي كي يفعل..أخبريني .. هل أغويتي أحد الحراس ؟


أتسعت عيناها بصدمة حينما استوعبت مقصده وتقدمت تزجره بغضب ...تصرخ بغل وهي مكبلة بالأغلال:

-كيف تجرؤ ..من تظن نفسك.

-أنا الملك راموس...سأعرفك بل ألقنك مع الأيام ومن داخل السجن من أنا ..أعدك أن يكون الدرس قاسياً لأقصى حد وقتها .


ثم صرخ في حراسه و قدزاد غضبه وهو يلاحظ تبجحها :

-خذوها من أمامي.. هيا تحركوا.


فتحرك الحراس يجرونها معهم وهو يتابعهم بضيق يهز رأسه بجنون ...تلك المجرمة... لقد كانت تنظر بعيناه ند بند دون أي خوف أو مهابة من فعلتها .


صر على أنيابه بغيظ يتوعدها ...لن يرحمها فقط ليعودا للجزيرة.


________________________


وقف زيدان وسط شقة خاوية تماماً ، ينظر للطوب الأحمر والأرض الغير ممهدة وهو يفكر هل سيبدأ من تحت الصفر مجدداً ؟ 


مقراً أنها يلزمها مبالغ كبيرة كي تصبح صالحة للإستهلاك الآدمي ...وتذكر حينها كم أنفق على شقته الأولى و كيف جلب تلك الأموال ، إنها نتاج جهد سنوات .


تنهد وهو يبتسم بحزن فلم ولمن يجهز شقته وهو للأن لم يجد من ......


عند هذه النقطة أغمض عيناه يقطع الفكرة، من شدة عزة النفس يرفض أن يعترف بالأمر الواقع حتى لو بينه وبين حاله، فخرج من الشقة كلها وأغلق الباب وبدأ يهبط درجات السلم حتى وصل للطابق ثاني محل شقته القديم ليقف بإستغرب وهو يرى الباب مفتوح على مصرعيه فتقدم للداخل يبصر حورية تقف موليه له ظهرها وحولها عمال يعملون باكتر من غرفة .


أقترب منها مستنكر الوضع برمته يردد:

-حورية؟ 


أرتبكت حورية وقد لاحظ زيدان تفزز جسدها ما أن حضر، تنهد بيأس لكن حاول التجاوز ثم سأل:

-بتعملي أيه هنا؟

جاوبت بتلجلج:

-جيت أعمل التغييرات إلي حباها وأختار لون الفرش.

-ماشي حقك، بس إزاي تقفي لوحدك وسط الصنايعية؟ فين محمود؟

-محمود! أنا نفسي مش عارفه وبكلمه بيكنسل عليا والرجالة كان معادهم النهاردة.


زفر بضيق غير راضي عن كل ما يحدث ثم قال:

-ماعلش تلاقيه بردو بيعمل حاجه في ترتيبات الفرح القاعة والذي منه..طيب خلصي بسرعة قولي إلي عايزاه للرجالة وانزلي وأنا هقف معاهم .


هزت رأسها بإذعان ثم قالت:

-ماشي ... أنا عايزة أشيل الحيطة دي عشان تدي وسع .

نظر حيث وصفت... زم شفتيه بعدم رضا ثم قال:

-كده هتفتحي الصالتين على بعض وهتبقى واسعه قوي.

-ده هيبقى حلو قوي خصوصاً لما نوسع البلكونة والشمس تبقى مالية الصالة مع السيراميك الأبيض بصراحه انا بحب كده قوي بيدي راحة نفسية.


هز رأسه بإذعان وهو يتخيل ماوصفت ثم ردد:

-فكرة والله.... عايزة تقولي لهم حاجه تاني ولا خلاص.

-ايوة عايزة أغير لون الجدار الكبير ده .

-تمام .... عايزاه أيه؟

-بفكر في الفيروزي .


نظر للحائط الكبير ثم لبقية الحوائط وقال:

-فاقع قوي ... يعني لو هتسأليني أنا كنت هعمل الأخضر وهيبقى حلو جدا مع باقي الحيطان لأنها بلون سن الفيل.


تطلعت في الحوائط تفكر فيما يقول فأردف مكملاً:

-وعلى فكرة هيبقى لايق أكتر من ألوان الركنة والأرضيات.


تطلع لها وهي مازالت صامته يبدو على ملامحها التردد فشرع بعدم أحقيته بما يفعل ..مستنكر جداً فعلته، تلك الشقة لم تعد له، صمتها نبهه إلى أنه ربما هو هكذا يفرض آراؤه عليها فعاد يقول:

-بس أنتي بردو أعملي إلي أنتي شيفاه... دي شقتك وإلي عايزاه هيتعمل بأذن الله.

-لأ أنا موافقة على الي قولته.


زاد حسابه لنفسه يبدو أنه ضغط عليها بأفكاره ولم تشئ إحراج شقيق زوجها تجنباً للمشاكل .....وبخ نفسه مراراً ....ماكان عليه أن يتدخل.


فأردف مشدداً على كلماته التي أتضح فيها ندمه:

-لأ لأ... أنسي إلي قولته...أعملي إلي أنتي عايزاه دي حاجة مافيهاش زعل وبعدين أنا بردو ذوقي قديم وكلاسيكي شوية وبميل للألوان الدافية ... وأنتي أكيد....


قاطعته مبتسمة:

-بالعكس ده أنا عجبني جدا..كمان أنت فكرتني بالوان الركنة ...أنا كنت نسياها خالص.


لمعت عيناه بفرحة ثم وقف يستمع لباقي طلباتها حتى غادرت وبقى هو مع العمال .


___________________________


وصل الجميع لجزيرة الذهب وسيقت رنا مكبلة للسجن ... كان السجن عندهم غير آدمي على الإطلاق عبارة عن زنازين حفرت بعمق تحت الأرض وحولوها لقلعة حصينة وسوروها بأسلاك شائكة موصله بالكهرباء..لذا أي محاولة للهرب من هذا السجن فهي بمثابة عملية إنتحارية.


ظلت فيه رنا لأيام...أيام من كثرتها بطلت عدها وأستسلمت للإمر الواقع.


بينما الملك راموس قد أنهى المرور على الديوان ومطالعة بعض المشكلات وحلها ...أتكئ على عرشه يفكر فيها .. منذ ذلك اليوم وصورتها لم تفارق خياله وهي عيناها بعيناه تجابهه ترفض الخضوع كالجواري .


أطبق جفناه بغضب من نفسه وتذكره الدائم لها، كيف نسى فعلتها وعدم أحترامها بحضرته علاوة على فعلتها الإبشع و هي الهرب .... الهرب بمملكتهم خيانة.


ضحك ساخراً...ماذا كان يتوقع من فتاة بيضاء يعني.


عاد يتناول قلمه ليكمل مهامة وقد قرر الإنشغال بها عوضاً عن التفكير في نكرة خائنة حقيرة لا تستحق وقت جلالته .


سابة نابية خرجت من بين شفتيه ..سب بها نفسه وهو يجد نفسه على أعتاب السجن.


أنتفض الحارس يحني رأسه بخضوع مردداً:

-مولااي.

-أين سجن تلك الفتاة

-أعذر جهلي مولاي...أي فتاة؟

-الفتاة البيضاء.

-نعم ...من هنا مولاي.


لم يحتاج الحارس الكثير من الوقت ليتعرف عليها ...فلا توجد ألف فتاة مسجونة وكذلك بيضاء.. كانت حالة فريدة .


فتقدم راموس حتى وقف أمام زنزانتها يراها من خلف القضبان تجلس بوهن بينما تنظر له بمقط شديد.


و صرخ فيها الحارس:

-قفي أنتباه وأخفضي رأسك ... أنتي بحضرة الملك.


لكنها لم تفعل وقالت :

-يموت الإنسان مرة واحدة ...أنا سأموت وهامتي عالية .


ثم نظرت لراموس وقالت بعداء وهجوم:

-هيا أقتلني لأخلص مما أنا فيه.

صر على أنيابه غيظاً فهي للأن وبعد كل ما حدث فيها لاتزال على تمردها لم تغيره، رأسها كالصخر وعيونها رصاص قاتل.

فقال الملك بفحيح:

-الموت راحة لن أنعم عليكي بها .

-ومن تظن نفسك لتفعل... أنا سأفعل.

-كيف؟

-سترى .


قالتها بترفع كباقي أسلوبها في الحديث معه ثم أشاحت بعينها بعيداً عنه كأنها تنهي النقاش ...كأنها هي التي تنهي اللقاء وكأن الأمر بيدها.


فجن جنون راموس...لولا الملامة لصرخ من شدة الغيظ والقهرة ... تلك المسجونة تحت رحمة قضبانه هي من تقرر إنهاء اللقاء أو أعطاءه مهلة.


الوضع كارثي حقاً ..لم ولن يقابل مثلها.. فخرج من السجن كله كالعاصفة وذهب لعرشة يجلس عليه و هو يضرب بيده على فخذه بجنون وغيظ بل وقهر...تلك الضئيلة ..قليلة الحيلة مقارنة به وبمُلكه تمكنت من قهره .


____________________________


تقدم زيدان من القهوة في منتصف الشارع حيث يحلس صديقة المقرب ..سحب كرسي لنفسه يجلس عليه ثم قال:

-سلام عليكم

نظر له صديقه شزراً ولم يجيب فقال زيدان:

-جرى إيه يا صالح ماترد السلام ده السلام لله يا صاحبي


وضع صالح مبسم إرجيلته وقال بحدة:

-أنا مابصاحبش عيال مستفزة؟ 

-عيال؟ ومستفزة؟ ماتاخد بالك من كلامك وتظبط بدل ما أظبطك أنا في إيه.

-أنت عايز إيه دلوقت؟ هااا؟ عايز إيه انا عايز أعرف ....ضيعت إلي وراك والي قدامك وقعدت؟ على الله تكون مبسوط.


تنهد زيدان ثم قال:

-ماهو أخويا بردو يا صالح...كنت أعمل ايه يعني.

-هو الأخ ياخد شقى أخوه... أنت عبيط يا زيدان ولا فاهم و واخد بالك بس عامل نفسك عبيط؟ محمود أخد منك كل حاجه.. أنت إلي بتشتغل وفاتح البيت...وهو يتصرمح وياخد إراد من الورشة قال إيه نصيبه زي ما أنت فهمته وطمعته...فلوس الشبكة أنت الي دفعتها..العفش عملتوا عندك حتى الشقة أخدها وأخد فوق البيعة أجمل بنت في المنطقة...معقول مش واخد بالك من كل ده ؟


وقف زيدان ثم قال بيأس:

-واخد بالي يا صالح ..بس عامل نفسي عبيط.


وقفت حورية في أحد المحلات التجارية تتحدث في الهاتف بعصبية مرددة:

-يعني الكلام ده يا محمود؟

-يعني كلها يومين وراجع ماتعمليش مشكله من مافيش.

-مشكلة من مافيش؟! أنا إلي واقفه مع الصنايعية ولا أما أكون أنا الراجل، وبعدين هما اليومين بتوعك دول مابيخلصوش يا محمود ولا بيتجددوا من العدم... أنت أديلك تلات أسابيع غايب وكل ما أكلمك تقول يومين..يومين إزاي ولا منين وأحنا أساساً فرحنا بعد يومين .


-يا ربي على الزن والنكد ....وهو أنا خسرت من شوية ...أطمني ياختي وشك فلة شمعه منورة حياتي وخسرت في المسابقة...كلهم مسافرين اليونان عشان يسجلوا المباشر وانا هرجع على مصر .


رفرفت بأهدابها مصدومه ثم رددت بحسرة:

-أنت بتقول أيه يا محمود... أنت بجد قولت لي أنا كده؟ أنا وشي وحش عليك يا محمود.


ضحكت ساخرة ثم رفعت صوتها مرددة:

-ده على أساس أنك محمد منير و خسرت؟ ماتصحى لنفسك ده أنت صوتك نشاذ...بس يمكن أنا إلي غلطانة .. أيوة ماهو أنا إلي كنت عمالة أشجع وأحفز فيك لحد ما فكرت نفسك محمد فوزي....اتاري أمي عندها حق في كل كلمة بتقولها.

-أنتي بتتريقي عليا يا حور ؟

-اه بتريق عليك ...بقا أنت بتقول عليا نحس و وشي وحش عليك .. أنا يا محمود بعد كل ده

-حقك عليا .. أنا متنكد من ساعة ماعرفت إني سقطت وفشلت... أحلامي كلها إنهارت يا حور...حقك عليا ماتزعليش مني..وياستي أنا خلاص أهو خلصت وراجع على طيارة بكره عشان كتب الكتاب والفرح.


-ماشي يامحمود لما أشوف أخرتها معاك.


ثم أنهت الأتصال وهي تزفر بضيق شديد لتنتبه على صوت صاحب المحل يردد:

-ها ياعروسة ... أعمل الستاير للسقف ولا من بعد السقف بشوية .. الأستاذ محمود كان عايزها من تحت السقف بحبه.


وقفت حورية مترددة تشعر بالضيق لعدم وجود محمود كي يساعدها ولو برأيه.


لتنتبه على صوت الترزي يقف بأحتراك وقال :

-المعلم زيدان... وأنا أقول المحل نور ..أتفضل اتفضل نتبارك بيك.

أبتسم له زيدان بخفةيرد تحيته:

-تسلم يا أسطى خلف .. كلك ذوق


ثم نظر لحورية بحدة وقال:

- إيه يابنتي الي موقفك هنا؟ 


توترت ملامحها فهو حقاً كل يومان يتلقاها وسط العمال والرجال ولم يسعفها الرد فقال بحسم:

-أتفضلي لو سمحتي على البيت وانا ليا كلام تاني مع محمود.

-ايوة بس أنا لسه ماخلصتش و...


قاطعها بحزم هادئ يشدد على حروف كلماته:

-روحي دلوقتي يا حورية وأسمعي الكلام ... وأنا ليا كلام تاني مع محمود على الي بيحصل ده.


تحركت حورية مغادرة.... مستاءة بشدة، يعتقد من يراها أن أستيائها بسبب زيدان وتحكماته لكن على العكس تماماً كانت تعلم أن معه حق، فهو باليوم يقابلها مرات ومرات وهي وسط العمال ومره عند محل تصنيع الستائر ومرة بمحلات الثرايا و الأنتيكات ومرة أخرى في معرض للسجاد.


بالأساس لقد ألتقطت أنفاسها وأنتهزت الفرصه حين تفوه زيدان متطوعاً أن يكمل هو هنا عوضاً عنها وفرت للبيت تريد أن تجلس فقط .. تجلس قليلاً وتتناول بعض اللقيمات .


__________________________


وقفت أنچا محلها تضرب بغل قبضة يدها بالكف الأخرى تفكر فيما ستفعل.


نظرت لها خادمتها ثم قالت:

-مابكِ سيدتي ..منذ مدة و أحوالك ليست على ما يرام؟

تحركت أنچا في غرفتها بغضب وهي تردد مفكرة:

-تلك الفتاة البيضاء تؤرق مضجعي.

-وما شأنك بها سيدتي...إنها مجرد جارية..وهل تُشغل السيدة أنچا شقيقة الملك بجارية.

-ليت الأمر كذلك ... أنتي لا تفقهين شيئاً ولا ترين ما أراه أنا .. تلك الفتاة خطر كبير ويجب أن أتخلص منها.

-نقتلها؟

-لا فليكن القتل آخر حل ....تلك الفتاة يجب أن تغادر الجزيرة نهائيا.


تمشت حتى وقفت عند النافذة تنظر للسماء وأردفت:

-فعلى غير العادة يبدو أن تلك الفتاة حظيت على إعجاب من الملك ..ربما  يتفاقم مع الأيام و هذا ما لن أسمح به.


أستنكرت الخادمة حديث سيدتها وسألت بإستغراب:

-ولما سيدتي... ألم يكن من أمنياتك أن يجد الملك فتاه تعجبه و يتزوجها ليعيش بهناء.


إلتفت أنچا على الفور بحده ورددت بغيظ وغل:

-نعم ...وللأن أتمنى ذلك لكن ليتزوج فتاة من جزيرتنا ...فتاة سوداء مثلنا ...لا من فتاة بيضاء...على جثتي هل تفهمين.


صرخت بجملتها الأخيرة جعلت الخادمة تتفزز في جلستها ثم قالت:

-فهمت سيدتي فهمت... لكن كيف؟ و لما من الأساس وهي مسجونة.


تحركت أنچا في الغرفة مفكره إلى أن توقفت وقالت:

-تلك الفتاة يجب أن تخرج من السجن... وجودها بالسجن يقيد حركتي ..لن استطيع تهريبها من جديد طالما هي هناك...لقد مر الأمر حينما كنا بالغابة ولم يغلق الملك الباب إلا بعد إعتراف حارس الزنزانة أنه هو سبب التقصير ، لكن  من المعروف أن الهروب من سجن الجزيرة مستحيل إلا بمساعدة شخصية مسؤلة وأنا لن أجاذف.


-إذا ما العمل سيدتي.

-يجب إن تخرج ... احتفالات العرش أقتربت ...سأتحدث مع الملك بشأن الإفراج عن بعض المساجين إحتفالاً بتلك المناسبة وبعدها سأجعلها ترحل من حيث آتت وقتها فقط سأتمكن من النوم.


أنهت أنچا حديثها ثم جلست على الأريكة ممدة تقطف حبات العنب وتأكلها بتفكير وتدبر 


________________


جلس راموس على عرشة وحوله القاضي ورئيس الديوان و وزير الدولة يناقشهم في بعض المشروعات اللوجيستية الهامة، إلى أن أقترب منه أحد الحرس ومال على أذنه يخبره بشئ ما جعل الملك يهب من جلسته بسرعة.


فتح له باب السجن فنزل بخطوات سريعة حتى توقف أمام زنزانة رنا يراها وهي جالسة أرضاً هزيلة، وجهها شاحب وشفتيها بيضاء وكأنها من الأموات.


نظر للحراس وسأل:

-ماذا حدث لها؟

-مُضربة عن الطعام مولاي

-ماذا؟؟ منذ متى؟

-منذ ايام سيدي.


صرخ فيهم بحدة:

-كيف يحدث هذا؟ ولمَ لم يخبرني أحد ... أفتح هذا الباب...أفتح.


فُتح الباب ودلف سريعاً يقترب منها يناديها ولحظتهة فقط أكتشف أنه لا يعرف إسمها.


أخذ يقلبها بين يديه وهي تتحرك بلا أي مقاومة أو روح مع يده لحظتها فقط تذكر تهديدها له، أسبل جفناه بغباء لم يتخيل وقتها ماذا كانت تقصد بكلماتها...أعتقد أنه تهديد أجوف من فتاة متمردة تمثل التماسك، لتصعقه بما صنعت وأنها إن قالت ستفعل.


صرخ عالياً:

-كيف تتركوها هكذا؟ كيف؟


مال عليها كي يحملها وتقدم الحرس ليفعلوا عوضاً عن ملكهم فصرخ فيهم:

-أبتعدوا .


حملها بين يديه سريعاً وتحرك بيهة يخرج من السجن و هتف وسط القصر:

-أستدعوا الطبيب لغرفتي ..حالاً...هيااا.


________________________


زينت الأنوار منزل حورية التي جلست في غرفتها ومعها خبيرة المكياج تضع لها اللمسات الأخيرة مرددة:

-ماترفيش بجفنك ياعروسة عايوة أظبط الرموش.

-حاضر .


جاوبتها حورية بتوتر وهي تتصل بالهاتف بينما تقدمت منها صديقتها ريم (بطلة رواية جوري و ثلاث نجوم) وربطتت على كتفها مرددة:

-اهدي يا حورية مش كده.

-أهدى إزاي..كل حاجه زفت..كل حاجه غلط...هو في عريس يرجع من برا يوم فرحه على كتب الكتاب على طول ؟

-ماعلش يا حورية أهو إلي حصل وبعدين مش قالك في المطار خلاص؟

-أيوة....ربنا يستر .


-خلصي عشان العربية إلي هتوصلك القاعة تحت ... ربنا يتمم لك على خير يا حبيبتي.


نظرت لها حورية ثم غمزت عابثة:

-عقبالك .


فتراجعت ريم للخلف وزاغت عينها يميناً و يساراً تتهرب من أعين صديقتها خصوصاً وقد صدحت ضحكات حورية فتحركت ريم مغادرة:

-أنتي هتتسلي عليا وتطلعي كبتك فيا ... أنا سيبالك الأوضة كلها .

-خد هقولك...ماتبقيش قماصة.

-لأ ياستي .. أنا هسبقك على القاعة...عيلة زبالة أساساً وإلي يقولك على سره يبقى هو إلي فضح نفسه.


ثم غادرت ريم على الفور وتركت حورية تضحك .


في القاعة.


وصل كل الأهل و الأقارب وتزين زيدان بحلة سوداء فصلت جسده العريض و وقف بمهابة لجوار والده يهمس له بقلق:

-المأذون وصل يا حاج والناس في القاعة جهزوا ترابيزة كتب الكتاب...محمود قدامه أد أيه... شكلنا وحش.


-مش عارف يابني.. كلمه تاني كده.


بتلك اللحظة وصلت فوزية تردد بحسرة:

-العروسة وصلت في العربية على باب القاعة ...محمود فين كل ده مش قولتو عند الحلاق.


نظر راشد لابنه الذي زم شفتيه بقلة حيلة ماذا سيخبرها؟ ماذا لو علمت أنه مازال بالمطار أساساً.


فيما أكملت فوزية:

-المفروض العروسة تدخل القاعة بالزفة مع عريسها ... الناس هتاكل وشي.

نظر راشد لزيدان وهتف بأعصاب منفلتة:

-كلمة تاني أستعجله.


وقالت فوزية:

-أنا هطلع عند البت .


لم يجد زيدان شبكة إتصال فخرج هو و والده مع فوزية التي فتحت باب السيارة لحورية كي يدخل لها هواء أكثر 


واتصل زيدان بمحمود وحين فتح الهاتف حدثه بضيق:

-أنت فين يابني.


صمت محمود قليلاً ثم قال:

-بقولك إيه يا زيدان.. أجل الفرح.


جن جنون زيدان وصرخ:

-أجل إيه يالا أنت عبيط .. المعازيم مالية القاعة والمأذون مستني.


صدمت فوزية و حورية مما يسمعون وصرخت فوزية:

-هو بيقول إيه ده....أديهولي.


فلم يجد زيدان بد إلا بفتح مكبر الصوت لأنه يريد أن يتفاهم معه هو الآخر فما يقوله كارثة .


فتحدثت حورية وهي ترتعش من الصدمة:

-محمود... أنا بالفستان يا محمود وعلى باب القاعة.. أنت أكيد عامل فيا مقلب عبيط من مقالبك صح؟

-لأ يا حورية... بصراحة كده أنا كنت خلاص راجع عشان سقط في الاختبار وبعد ما كنت وصلت اتصلوا بيا بلغوني إن في واحد من إلي أتصعدوا وكانوا هيسافروا اعتذر وأن ممكن أسافر مكانه ... يعني فرصة العمر وجت لي بمعجزة.


ثقل تنفس فوزية وكذلك حورية التي قالت:

-فرصة العمر ومعجزة؟ طب وأنا؟ 

-يووووه..فيها ايه يعني يا حورية...ماتقولوا للناس أي حاجة...الفرح ممكن يتأجل لكن الفرصة لأ.


حاولت حورية أن تتماسك وقالت:

-يا أنا يا الفرصة دي يا محمود.

-حورية... أنا على باب طيارة اليونان أصلاً وهقفل خلاص موبايلي عشان ممنوع زي ما أنتي عارفة أنا بس قولت المفروض أعرفكم الأول عشان تشوفوا هتعملوا إيه وتتصرفوا ازاي...سلام بقا عشان مافيش وقت.


ثم أغلق الهاتف في وجهها وهي متخشبة جاحظة العين والبقية ينظرون لها وكأن على رأسهم الطير....و


الفصل الرابع 


مساء الخير بعتذر لحضراتكم عن التأخير بس انا مريضة شوية بزيادة، الفصل ده أتكتب بتعب وربنا وحده العالم ضغط على نفسي إزاي عشان أكتبه... عشان كده أتمنى أشوف تفاعلكم عليه وكمان شيروا الرواية لأصحابكم إلي بتحب روايات السفر عبر الزمن وشكراً


★★★★★


الكل وقف بصمت، وكأن أجسادهم إستحالت تماثيل من الشمع أو ربما الحجر.


وحدها فوزية من كانت تهتز مرتعشة، تحرك أنظارها عليهم بجنون، وبدأت تردد بريبة:

-على باب الطيارة؟ وراجع تاني اليونان؟


تحركت بين باب السيارة التي تجلس فيها أبنتها بفستان زفافها الأبيض وبين زيدان والحاج راشد تردد بإتهام:

-يعني مش في البلد أصلاً! ومفهمني إنه عند الحلاق؟!


تحركت عنهم خطوات وبدأت تهزي بجنون :

-لأ وأنا أسأل هو فين عشان تجهيزات الشقة...اصله مشغول في حاجات تانية ..طب فين عشان يجيب الستاير مع البت تقولي أصله راح يشتري النجف ...طب فين النجف هجبه أنا ياماما أصل عصفور راح يشتري لي حاجات..طب فرش الشقة ياعالم.. أصله بيجيب بدلة الفرح ... ولما جه الفرح فين العريس ياهوو..راح للحلاق.. أصله أتأخر والطريق واقف ..كنتوا بتضحكوا عليا.. ضحكتوا عليا كلكوا.


حاول زيدان تهدئتها من تلك الحالة التي تلبستها مردداً:

-أهدي يا حاجة فوزيه..كل إلي حصل ده غصب عننا والله.. كنا عايزين الدنيا تمشي.

تراخى شداد للخلف يفكر بتلك المصيبة فيما هتفت فوزية :

-تمشوا الدنيا...تمشوها فين ولا إزاي؟ هو في حد يقبل بكده..عريس ومتحدد فرحه يسافر..ده إلي شغله برا ومسافر بيرجع قبلها بشهر مش العكس.. مين يرضا بكده.


تحول إتجاه أنظارها على الفور ناحية ابنتها واقتربت منها تردد :

-وأنتي... أنتي كنتي عارفة؟ كنتي عارفة ومدارية ليه؟ كده تستغفلي أمك.

أخذت حورية تهز رأسها بقلة حيلة ودموعها منهمرة لا تتوقف:

-ماكنتش أعرف أنه هيعمل كده..ماكنتش أعرف.


تقدمت فوزية منها تهجم عليها بغل:

-ماكنتيش تعرفي ايييه..ده واطي..باعك وفضحك..


صرخت حورية بفزع وهي تجد أمها على وشك صفعها وأنكمشت على نفسها لكن تقدم زيدان سريعاً و أخد حورية بين أحضانه، ضمها له بقوة يحميها بينما يردد:

-صلي على النبي يا ست فوزية مش كده..دي بنتك بردو....هي ذنبها إيه؟


بتلك اللحظة خرجت فرودس من الداخل ترى حورية التي من المفترض أنها عروس محمود بأحضان زيدان يضمها له فقالت :

-يا خبر إسود و مقندل! إيه إلي بيحصل هنا ده يا راشد؟ و إزاي زيدان يكلبش في مرات أخوه كده .


رفع راشد أنظاره يرى الموقف، فوزية تتقدم تحاول الحصول على حورية لتحاسبها على ما حدث، لكن زيدان يأخذها بأحضانه يخبئها عنها ويحاول تهدئة غضبها.


نظر راشد لزوجته بأعين لامعة ثم تقدم يقول:

-بس أنت وهي خلاص خلصنا.

-خلصنا؟! أه ماهو احنا خلصنا فعلاً..اتفضحنا وإلي كان كان .. و أنا هضربك ليه يا حورية..مانا غلطانة زيك.. أنا إلي وافقت على واحد عواطلي عايش عالة على أخوه ودماغة سارحه منه ... أنا إلي الحق عليا.. الحق عليا إني طواعتك...كان لازم اكسر لك ضلع عشان تتعدلي...لكن بعد أييييه بعد أيييييه ما اتفضحنا وإلي كان كان.


-مافيش فضيحه ولا حاجه إن شاء الله.

-طبعاً مانت ولا على قلبك شر...هو راجل ..لكن أنا بنتي إلي لبست الفستان وصلت القاعة من غير عريسها والمعازيم جم و المأذون..أودي وشي فين من النااااس..يا مرارك يا فوزية يا مراااارك.


خرجت والدة رنا تسأل بقلق:

-جرى إيه يا جماعه.. إيه يا حاج راشد ؟ إيه يا فوزية الناس جوا بدأت تزهق وهتمشي.. فين كتب الكتاب ؟


تحدثت فوزية بعويل:

-كتب الكتاب؟ تعالي أندبي على حظ أختك أندبي..مافيش ياختي...مافيش... أختك وبنتها أتفضحوا.


تقدمت فردوس تسأل بجهل تام وخوف:

-هو أنا في حد هيفهمني في ايه ولا لأ ؟


بادرت فوزية بعويل:

-اقولك أنا ياختي ولا تخلي في نفسك حاجة...ماهو أصل الخبر مش هيبات ... إبنك سافر ياختي...أنا وبنتي اتفضحنا وإلي فضحنا إلي يتخفي إسمه وسيرته إبنك.

شقت فرودس بصدمة وهمت لتسأل كيف ومتى؟


لكن..........هتف الحاج راشد بصوت حاسم:

-بس خلاااص خلصنا..


إلتف ينظر على زيدان يراه وهو يساعد حورية كي تجلس في السيارة من جديد ويناولها الماء وهتف من جديد:

-زيدان.

إلتف له على الفور:

-نعم يا حاج.

-كلم المأذون قوله يدخل على القاعة يالا.


جعد زيدان مابين حاجبيه وأستكملت فوزية عويلها:

-أنتو عايزين تقلبوها جرسة بقاااا.

وسألت فرودس:

-ازاي بس يا....

على صوت راشد :

-بس أنتي وهي وإلي عنده كلمة يبلعها في بطنه... الحته كلها جوا عايزين تفرجوهم علينا .


ترك زيدان حورية وتقدم من والده يسأل:

-أيوة بس إزاي يا حاج؟ معاك مثلاً توكيل من محمود؟

نظر الجميع لراشد الذي قال:

-لأ.


بهت وجههم من جديد فأردف مكملاً:

-زيدان هو العريس.

-أيه؟؟

بينما صدحت زغرودة فرودس على الفور رغماً عنها فهتف زيدان:

-أستني ياما.

لكن راشد لم يبالي له وإلتف لفرودس يردد بينما يلملم عباءته ثم أمرها:

-سيبك منه...زغرطي يا وليه.

فصدح صوت فرودس تزغرد بأقصى طبقة صوت و وقد أحمر وجهها من فرط الفرحة والصدمة معاً.


نظر لها راشد بابتسامة جانبية يحاول مداراتها و تحرك يأخذ زيدان وفوزية بأحد الأركان يتهامسون.


فقال زيدان بهمس:

-كلام إيه ده يابا...دي تعتبر مرات أخويا..عيب ماتصغرناش.

-لو ماعملتش كده هنبقى صغرنا بحق وحقيقي... اخوك غدر بالبت ده كان بيفرش ورايح جاي..فضيحة حورية مش هتيجي حاجة جنب فضيحتنا واحنا راس مالنا وسر صنعتنا في تجارتنا..والبت دي ذنيها إيه ؟ أخلص يا زيدان ماتفرجش المخاليق علينا.


نظر زيدان لفوزية كأنه ينتظر رفضها لكنها لم تفعل وظلت صامته وكأنها قد اعطتت إيجاز بصمتها هذا.


فتحدث راشد يقول:

-يالا يا زيدان....عروستك مستنية.


نظر زيدان على وحورية و ردد متعجباً:

-عروستي؟!! حورية؟!!


وقف لثوانِ متيبساً ينظر عليها فقط وهي تجلس بالسيارة المغلقة عليها لا تعلم بما جرى وتغير.


ولم يحركه سوى أصوات الكل من حولة تحفظه لأن يتقدم ويتمم الزيجة بما فيهم والدة حورية خالتها.


فوجد قدمه تسوقه بالفعل و ولج معهم للداخل يعقد قرانه على...... حورية... أيعقل ؟!


__________________________


في جزيرة الذهب

تقدم بها وهو يحملها بين ذراعيه، فاقدة للوعي، شاحبة، تعتبر جثة هامدة، يتدلى ذراعيها في الهواء مرتخية تماماً.


والكل يقف على الصفين يفسح للملك طريقه، يرونه وهو يحمل تلك البيضاء ومن بينهم السيدة أنچا التي تقدمت من أحد الحراس تسأل:

-ماذا يجري؟

-الفتاة البيضاء التي كانت بالسجن سيدتي؟

-مابها؟

-ماتت.


تهلل وجه أنچا وسألت:

-حقاً

أهتز صوت الحارس ورد:

-أعتقد ذلك سيدتي، فهي قد أضربطت عن الطعام منذ أيام متواصلة.


سعدت أنچا وشعرت وكأن أحدهم أزاح صخره من فوق صدرها....فأشارت للخادم أن ينصرف و وقفت مكانها تأخذ أخيراً أنفاس واسعه بإرتياح شديد.


تغمض عينيها بإستمتاع رهيب كأنها تسمع سيمفونية لبيتهوڤن وهي تستمع لصوت الملك يصرخ في الخدم بكمَد:

-إستدعوا الطبيب....في الحااال.


همهمت بانسجام و نظرت للسماء تردد:

-الشمس اليوم كانت شديدة...همممم...ربما تحتاج إنچا لحمام بارد وبعض التدليك.


ثم تحركت تجاه غرفتها وهي هانئة البال.


في غرفة الملك.


جلس لجوارها بعدما مددها على فراشه الملكي، والتقاط كفها بين يديه يحاول تدليكه، يزداد جنونه وهو يستشعر برودة أطرافها وتراخيها.


فهز رأسه بجزع عليها و وجد نفسه يردد بلا وعي منه:

-لا تروحي...لا تروحي.


نظر لشحوب لونها وبياض شفتيها وهزى بجنون:

-لم أكن أعلم إنك هكذا...لم أكن أعلم أنك قد تفعليها... مجنونه.. بالتأكيد... بالتأكيد..لما؟ لما!


لحظتها دلف الطبيب ينحني بحضرة الملك مردداً:

-أمر مولاي.

وقف راموس عن الفراش سريعاً وقال:

-أفحصها... تبدو على مشارف الموت...هيا أسرع.


أقترب الطبيب خطوات حتى أصبح مقابلها ينظر عليها بإستغراب نوعاً ما، مستغرب لونها وسطهم.


لكنه أنتبه منتفضاً على صوت مولاه:

-تأكد أن تظل على قيد الحياة.


قالها الملك بتحذير.. كان يطلب منه أن يفعل كل مابوسعه لكن طريقته خطيرة كأنه يساومه على حياته مقابل حياتها.


فهز الطبيب رأسه بقلق ثم بدأ يباشر عمله و راموس يتابعه بقلق وجزع.


_____________________________


في أحد قاعات الأفراح 


أهالي الحي مجتمعين مع أقارب العروس(حورية)و أقارب العريس الذي كان محمود وبقدرة قادر أصبح زيدان شقيقه الأكبر.


الكل ينظر حوله مستعجب، يتهامسون بينهم و فوزية تنظر لهم بتوتر لكنها وكما أخبرت شقيقتها (قضا أخف من قضا)


وجلس زيدان مهموم...لا يعرف ماذا يفعل، ينكس رأسه أرضاً، ينتظر بحزن شديد ردة فعل حورية.


جعد مابين حاجبيها حين مال أبيه على أذنه يقول:

-يالا يا أبني عشان تدخل بعروستك..الزفة على الباب.


تردد كثيراً وكأنه لا يلمك الجرئة لأن يفعل، نظر للجمع المتواجد من أهالي الحي المستغربين كيف تم عقد القران بزيدان عوضاً عن أخيه ولما تم قبل زفة العروسين وليس بعدها كما هي العادة.


لكنهم صمتوا... فبلأساس كل شيء بهذا الزفاف مخالف، وما بات الكل متأكد منه هو إن هنالك قصه بالقصة.


سحب زيدان نفس عميق يستعد، لا مجال للتراجع.


تقدم للخارج يرفع رأسه بوقار يحاول لأن يبدو ثابتاً.


لكن كل محتولاته ذهبت سدى وهو يرى حورية مع خالتها داخل السيارة تمسح دموعها...تطلع له من خلف النافذة بدموع رافضة الواقع ومايحدث...منكمشة على نفسها وخالتها تحاول تهدئتها وإقناعها...ثواني و تفاجأ بها تمسح دموعها وتأخذ نفس عميق ثم فتحت باب سيارتها.


فتشجع وأقترب منها يساعدها كي تفعل، وقد قابلت كل مساعداته بتعاون وتقبل ..ربما لأنهم أمام الناس وكاميرات الفيديو تسجل....لكنه تقبل... كان راضي.


نظر لها وجدها تنظر له هي الأخرى وذهل.... إنها تبتسم له بإمتنان..كانت تشكره بلا حديث.


رفرف بأهدابه مستغرباً يحاول أن يدرك، لكن زاد عليه الأمر بصوت صديقه الخلوق.. الخلوق جداً وقد تقدم من الخلف يهلل:

-أيه ده.... زيدان عريس!


صفق بكلتا كفيه معاً وأكمل:

-الصلى على الصلى.


عريس؟!  جعد زيدان مابين حاجبيه وهو يستوعب الفكرة فقط... هل هو عريس؟! واليوم عرسه؟!!


لم تتوانى له الفرصة فقد قفز عليه صالح يقبله بحماس مردداً من بين قبلاته:

-مبروك.. مبروك يا صاحبي.. مبروك مبروك مبروك.

نفضه زيدان عنه يردد:

-بس يخرب عقلك بهدلتني.


فردد صالح بجنون:

-حقك عليا...حقك عليا... أعذرني يا صاحبي أصلي أتمخولت... فجأة كده بتتجوز... يانهار أبيض يا جدعان...ده انا هدغدغ الدنيا ....رقصني ياولااا.


ثم بدأ صالح في وصلة رقص لم تنتهي... كان يرقص بحماس شديد لدرجة أن زيدان ردد وقد صعب عليه حاله:

-هو أنا كان مقطوع فيا الأمل للدرجة دي.


و رغماً عن حورية ضحكت...على حديث زيدان وعلى رقص صالح كذلك.


ولم يكتف صالح برقصه المجنون بل عزم على فك تشنج العروس خصيصاً...لم يكن صالح أبله أو من عالم آخر، بل كانت لديه خلفية بما حدث وكيف تغير القدر....الذي يعد تغير لذيذ...إعجازي بالنسبة له، ولم يترك حورية إلا بعدما تقدمت في الزفة تتمايل نوعاً ما مع وسط خالتها وأقاربها......


بينما وقفت فرودس تهلل وتصفق من الفرحة وراشد يتابعها بحاجب مرفوع فقالت بنزق:

-جرى إيه يا راجل مالك باصصلي كده.

-لا بس انا ملاحظ إن خشونة الركبة راحت ومابقتش بتنقح عليكي زي ما صدعتينا كل يوم.

-لا والنبي... عدوك..دي قايمة عليا طول النهار

-أمال إيه إلي أنا شايفة ده؟ ده أنتي ولا المهرة إلي بترمح.


-من الفرحة يا راشد من الفرحة..باين ابواب السما كانت مفتوحة ولا إيه؟ الدعوة أستجابت بالظبط.


-دعوة إيه وفرحة إيه...سبيني في الهم إلي أنا فيه.


وقفت فرودس تردد :

-عندك حق... هسيبك أنا في همك وأروح ارقص مع أبني.. خليك قاعد.


أتسعت عينا راشد وهو يجدها تحركت وغادرت بالفعل يردد:

-شوف الولية...راحة ترقص.. ولما إلي برا يرجع هنعمل ايه؟ 


نظر عليها وجدها ترقص مع زيدان الذي قد تفكك تيبس جسده قليلا في محاولة منه للتماسك أمام الحضور.


وهنا سأل راشد نفسه:

-طب هقول إيه للناس إلي عارفه إن حورية بقالها سنتين مخطوبة لمحمود...وكروت الفرح إلي مكتوب فيها إسم محمود...يا فضيحتك السودة يا راشد.


رفع رأسه ليرى عزيزه وأخيراً أبتسم بفرحه وقد تناغم مع الجو وقد جذبت فرودس يد العروس وبدأ ثلاثتهم يتمايلون سويا.

فوقف راشد ينظر على الحضور ثم ينظر على إبنه ثم ردد بعزم:

-ملعون أبو الناس وكلامهم.


ثم تحرك ناحية إبنه وتدخل في الرقص مع إبنه وزوجته وفردوس وما أن رأه زيدان حتى تهلل وجهه ففتح له راشد أحضانه يضمه له بفرحة غامرة .... أول فرحته يتزوج اليوم...تلك هي الحقيقة الوحيدة التي سيعترف ويفكر فيها اليوم وليتأجل أي تفكير لما بعد أو يذهب حتى للحجيم... أنه اليوم الذي عاش طوال حياته يتمناه ويحلم به.


حتى زيدان حاول أن يعيش اللحظة بعدما أنتقل شعور والده إليه .


_________________________


تمددت أنچا على معدتها عارية تخفي معالم جزعها النصفي بشرشف أبيض تغمض عينيها وتهمهم بتلذذ أثر التدليك الذي تصنعه لها تلك الفتاة.


لكنها إجبرت على فتح عينيها مع صوت خدمتها التي دلفت تردد بجزع:

-سيدتي.. سيدتي..مصيبة سيدتي.


نظرت لها أنچا بنفور وسألت:

-ماذا حدث؟

-الفتاة البيضاء سيدتي.

-مابها.. ألم نخلص منها.

هزت الخادمة رأسها وقالت بأسف:

-لا سيدتي.. يبدو أنها مازالت حيه.

أنتفضت أنچا من مكانها بصدمة وغضب تلف الشرشف حولها ثم تحركت صارخة في خدمتها.


-تعال ساعديني لأتجهز في الحال.


تحركت للداخل تفكر كيف ستتصرف حيال ما أستجد

_______________________


في غرفة الملك


كان يقف من بعيد يتطلع بتوتر تحكم في مواراته لكن سمة شئ داخله كان يرتجف وكم كان بارعاً في إخفاء تلك الرجفة ... نظرة البرود في عيناه لا تتزحزح.


لكنه....رفرف بأهدابه بإستشراق ما أن وجدها تستجيب للسائل المسقي لها من معلقة الطبيب.


وبدأ يقترب من الفراش يسأل:

-هل إستجابت؟


رفع الطبيب رأسه يتنهد براحة ثم قال:

-نعم مولاي..لكن...


تقدم الملك وقد بانت عليه اللهفة هذه المرة حين سأل:

-لكن ماذا؟

-يجب أن تظل تحت الملاحظة مولاي...أقترح أن تذهب لغرفتي.

-ماذااا


صدح بها صوت الملك وقد كان صوته جهوري غاضب، مما جعل الطبيب ينظر له بإستغراب فأي حالة مستعصية بالجزيرة تظل بغرفة الطبيب وطاقمه.


فتحدث على الفور:

-ما الخطب مولاي..هذا فقط كي نراعيها أنا وطاقم التمريض مثل البقية ممن يمرضون بالجزيرة.


نظر الملك على رنا ثم رفع هامته وردد :

-لاا...ستتلقى علاجها هنا.

-هنا؟ بغرفة جلالتك؟!


نظر له الملك وردد ساخراً:

-هذا إن سمحت لي ياحضرة الطبيب.

فأستدرك الطبيب حاله على الفور وقال:

-العفو منك ..العفو منك مولاي لم أقصد.


رمقه الملك بإذدراء ثم ولاه ظهره واتجه ناحية الشرفة ينظر في الفراغ ... 


ثم ردد ببرود:

-يمكنك أن تنصرف الأن.


فالتفت الطبيب مغادراً على الفور و ما أن تأكد من مغادرته حتى إستدار وذهب ناحية رنا يقف بجوارها يفكر  بأن يتلمس يدها.


لم يتردد كثيراً فقد مد أنامله يتحسسها وكأنه يختبر شئ ما داخله.


وما أن فعل حتى أغمض عيناه يهمهم متلذذاً وجلس لجوارها يسرح بأنامله على خصلات شعرها يسأل بصوت خفيض:

-من أنتي؟ وما أسمك؟ ومن أين ظهرتي لي؟ من أين ؟ أاااااه.


أهه عاليه صدحت منه وهو ينطق باخر كلماته وينظر إليها .


نظر لهيئتها المذرية وملابسها المتسخة من السجن ثم نادى أحد الحراس الذي أتى في الحال.

-أمر مولاي.

-أمر السيدة أنكي بتجهيز حمام دافئ مريح ل...


صمت ينظر إليها يتذكر أنه لا يعرف إسمها حتى الآن وقد قرر تسميتها فأكمل.


-ميرورا.

-ماذا؟


قالها الحارس بإرتباك ما أن أستمع للأسم فخرج الملك عن هدوءه وصرخ فيه:

-ماذا؟ ماذا؟ أكلما تحدثت إلي أحدكم اليوم سألتموني ماذا؟ نفذ الأمر وأذهب حالاً من أمامي.


أنتفض الحارس ورد منتفضاً:

-أمر مولاي.


ثم ذهب لأنكي التي حضرت في الحال تستأذن في الدخول.


سمح له الملك فدلفت تنحني له بينما تردد:

-أمرني الحارس بتحضير حمام ممتاز للسيدة ميرورا؟


نظر الملك مبتسماً لرنا ثم قال:

-نعم...

نظرت أنكي للفتاة البيضاء لتدرك أنها المعنية بالحديث وهنا أدركت مكانة تلك الفتاة وزاد الأمر حين قال الملك:

-هي لن تتمكن من الذهاب معكم لمسافة طويلة، لذا يمكنك إستخدام حمامي.

-ماذا.


أسبل الملك جفناه وقال بنفاذ صبر فأسرعت أنكي مصححة:

-معذرة مولاي...حسناً سأنفذ الأمر ...حسنا.


تحركت تنادي الفتيات ودخلن بهدوء ونجحن في حمل رنا لكن توقفت أنكي على نداء الملك تقول:

-أمر مولاي.

أبتسم الملك بمكر و تسلية ثم قال:

-حينما تستفق أثر الحمام أخبريها بما سأقوله لكي الأن بالضبط .


أتسعت عينا انكي بصدمة مما تسمعه ثم غادر راموس لعمله وهو يضحك بتسلية.


___________________________


بالقاهرة


أنتهى العرس وذهب كل لمنزله.


كذلك دلف الحاج راشد لشقته في الطابق الأول تاركين زيدان يصعد للطابق الثاني مع من اصبحت عروسه...حورية...من يصدق!


فتح الباب و ترك لها المجال زوقياً فدلفت بفستان زفافها وهو بعدها يغلق الباب.


وما أن فعل حتى أنتفضت...الفزع يملؤها...من يصدق حقاً لقد أغلق للتو باب واحد عليها هي وزيدان.


الفكرة وحدها تحتاج مجهود للإستيعاب.


بينما زيدان خلفها يغمض عيناه بأسى ما أن لاحظ انتفاض جسدها يسأل نفسه بتيه( ودي هتصرف معاها إزاي؟ أستغفر الله العظيم يارب.. ربنا يسامحك يا محمود)


تنهد بتعب ثم تقدم يردد:

-حورية أنا عايز أقولك.


قاطعته بصوت منخفض تقول هي:

-ماتقولش حاجة... أنا إلي عايزه أقولك كتر خيرك ..لولاك كان زمان سيرتي على كل لسان.


كان هو من قاطعها هذه المرة يردد برفض:


-قطع لسان أي حد يجيب في سيرتك.


اهتزت أثر صوته...رد فعل طبيعي ومتوقع لكنه لاحظ ونادها بحزن:

-حورية...


رفعت عيناها فيه فسأل بشك:

إنتي بتخافي مني؟


لم تجد مفر فجاوبت بالحقيقة حيث هزت رأسها أيجاباً.


وقتها نكس زيدان رأسه بإستسلام و أمل مقطوع وصله ثم قال بصوت منهزم:

-أتفضلي يا حورية على أوضتك.. وانا هنام في الأوضة التانية .


نظرت له ثم قالت:

-مش هينفع

-ليه؟


مررت عيناها على طوله وعرضه ثم قالت مجدداً:

-مش هينفع


هز رأسه يبتسم بخفة ثم قال:

-لا ماتشليش هم... أتفضلي أنتي على أوضة النوم الكبيرة نامي اليوم كان طويل وبكره بقى نشوف هنعمل ايه؟


لم تجادله بالفعل هي متعبه جدا وتحركت تنفذ مقترحه .


صباح يوم جديد


أستيقظ زيدان يتقلب بألم على سرير الأطفال الصغير بدى علي كعملاق ينام على فراش عقلة الأصبع.


خرج من الغرفة يتأوه بألم...يبدو أن حورية كانت محقة .


وما أن فتح باب غرفته حتى وجدها تطوي سجادة الصلاة مرتديه إسدال مع حجاب،نظرت له بتوتر لا تعلم ماذا تقول أو تتصرف.


وهو كذلك مثلها أو أكثر...لكنها حاولت أن تكسر ذلك الحرج فقالت:

-ثواني وهحضرلك الفطار.


رد بغشم:

-لا ما تتعبيش نفسك.. أنا متعود أفطر مع الحاج والحاجة.

-نعم؟


سألت مصدومة حزينه...ظنته قد يحاول تقريبها منه وأنه هو من سيبادر بإذابة الجليد فقد أصبحا زوج زوجه شاءا ذلك أم لا كما أخبرتها خالتها لكنه لم يفعل .


و ذهب بالفعل تجاه الباب فتحه وغادر وتركها خلفة تدرك ما يحدث.... ببساطة زيدان يخبرها أن لا سبيل للوصل ...هي غير مقبولة يطلب منها التحفظ في كل معاملاتهم فقد كان مجبر مثلها..


تفكيرها كان خاطئ حين أستمعت لنصيحة خالتها.


فذهبت لغرفتها تبدا ملابسها بصمت تام وقد علمت حدودها.


بينما هو أغلق الباب خلفه وهبط الدرج حتى وصل لعند أمه...لم يرد إحراجها...فضل ترك مسافة لها كي تعتاد عليه إما أن تتفضل وتتقبله أو....


صمت يتنهد بحزن... أو تقبله بهدوء دون أن جرح له ولكرامته فقد شبع.


دق على باب شقة والدته التي فتحت وما أن رأته حتى سألت بهلع:

-يالهوي... زيدان..في حاجه يابني.

-في إيه يا أمي....جاي أفطر معاكي زي كل يوم 


همهمت فردوس تردد:

-أاااه...لا ماعندناش..شطبنا 

-شطبتواو...كلام إيه ده ؟

-زي ما سمعت ياحبيبي... كفاية عليا كده .. أنت خلاص بقا عندك بيت و ست..روح تفطرك . كفاية عليا كده .. يالا يا واد...يخيبك..بقا حد يسيب عروسه  زي القمر كده يوم صباحيتها ...روح روح.


ثم أغلقت الباب بوجهه كي لا تدع له أي مجال للحديث أو التفاوض.


و وقف راشد مشدوه....يشعر بالحرج وهو سيعود لحورية كالأرنب الذي حظرته والدته من الثعلب وهو ذهب معانداً ثم عاد باكياً.


فتح باب الشقه وما أن فعل حتى اتسعت حدقتي عيناه مما رأى.....


★★★★


إقتباس من رواية جوري وثلاث نجوم


وقف و هو على شفا خطوة واحدة من الجنون يود جذب خصلات شعره من شدة الغيظ لكن هيبته تمنعه و صرخ في الطبيب مردداً:

_ بابا مين حضرتك أنا مش ابوها و لا أعرفها أنا بس خبطها بالعربية و هي إلي غلطانه كمان على فكرة، لكن شهامة مني هتكفل بعلاجها غير كده مش مسؤليتي .


نظر الطبيب للفتاة الرقيقة و التي تتشبث بثياب ذلك الضابط فرد عليه بغضب :

_ بس هي بتقول إنك باباها .


جن جنون رضوان و هدر عالياً و هو يزيح يدها عن بذلته العسكرية :

_ بابا مين دي شكلها أنسة مش اقل من 19 و لا 20 سنة ، خلفتها أمتى دي و أنا عندي عشر سنين مثلاً ؟ و أنا لو أبوها هنكر ليه ؟


نظر الطبيب لتلك الجميلة الممدة على فراش المشفى وسألها :

_ قوليلي يا حبيبتي هو باباكي و لا جوزك ؟


فرد رضوان صارخاً بجنون :

_ أنا و لا باباها و لا جوزها و لا حتى أعرفها و مش عايز اتعصب عليكوا أكتر من كده بدل ما اقفل لكم المخروبة دي .


انزعج الطبيب بشدة و ردد بحسم : 

_ أنت بتهددني ؟ فاكر النجوم الي على كتفك دي هتحميك ؟ البنت دي أي أن كانت حالتها بتقول إنك باباها فهي مسؤليتك .


نظر له رضوان بجنون لا يعرف كيف يتصرف خصوصاً مع تلك الشقراء التي تنظر له ببراءه و إحتياج و ذلك الطبيب المعتوه .


✨✨✨✨✨💥💥🔥🔥🔥✨✨✨✨


الفصل الخامس 


فتح زيدان الباب وهو لا يعلم بماذا سيعلل سبب عودته، لكنه نسى كل شيء تماماً ما أن ولج للداخل و تفاجئ بها تقف بمنامة محددة الجوانب ملفوفة على قوامها بامتياز ساحق.


حورية التي يراها الآن مختلفة تماماً عن حورية التي كانت تمر أمامه في الشارع أو يراها أحياناً مع أخيه.


كان كمن لا يملك من أمره شيء، لا يسعه سوى أن يحملق فيها ولسانه  يردد جملة واحدة:

-بسم الله ما شاء الله..بسم الله ما شاء الله.


لقد أكتشف أنها صهباء....رباااااه.


كانت حوريه تمتلك شعر قصير أحمر مموج، وحين تكشف شعرها تصبح كقرص الشمس مضيئة متوهجه خصوصاً وأن كتلة شعرها كلها تقريباً تحاوط وجهها.


كان يهز رأسه ببطء...يشعر أن ما يراه كثير عليه.


يسأل لما لا تأخذها به أي شفقة أو رحمة..فلتراعي حالته ...فهو رجل يعتبر متقدم في العمر ويبدو أن النساء قد عزفته تماماً وبقدرة قادر يجد في شقته فتاة صهباء طمعت في الجمال كله والبهاء كله فاقتنصته لنفسها...


وهو يا روحي.... الصدمة أكبر من إستيعابه، لا يعرف كيف يتصرف الأن، خبرته مع النساء صفر.


و وقف ملتصق بالأرض لا يقدر على التحرك ولا يمكنه ولا يسعه زحزحة مقلتاه عنها، جمالها يسبب الشلل، أو يشفي المشلول ..كلاهما سواء.


إنما هي من أتخذت ردت الفعل بعدما تفاجئت بعودته، في البداية وقفت لثواني متيبسة موضعها لكن خجلها منه كان قوي لدرجة نبهت عقلها وصنع در فعل سريع، فهرولت تجاه غرفة النوم تغلق الباب خلفها وتقف مستندة عليه تشعر بالتخبط ...


بينما هو ظل على وقفته، وأخذ الأمر أكثر من دقيقة كاملة حتى أستطاع التحرك أخيراً وذهب لأول كرسي قابله جلس عليه يفكر....كل الأفكار التي توادرت لعقله كانت مريبة .


يسأل سؤال وجودي بحت:

- وأنا هعيش معاها في نفس الشقة؟


ضرب على فخذية كمن عجز عن إيجاد حل أو مخرج لمصيبة عويصة سيقع فيها و ردد :

-يانهار أسود يا زيدان... هتعمل ايه ؟


أنتبه سريعاً على صوت جرس الباب، زم شفتيه ورفع يده يمسح بها على وجهه، يتوقع هوية الزائر بالطبع.


ولم يجد بد من أن يقف ليفتح وما أن فعل حتى تحققت كل ظنونه ..... إنها السيدة فوزية جاءت وشقيقتها بزيارة أبنتهم.


و نظرا بإبتسامة يشوبها القلق لزيدان، بالطبع الأوضاع ليست طبيعية، بالأساس كل ما صار ليس بطبيعي .


وحاولت فوزية قطع التوتر فرددت بلطف:

-صباح الخير يا عريس.


ناظرها زيدان بإرتباك... عريس؟! مازال لتلك الكلمة صدى غريب في إذنه، ربما لأنه غير مستصيغ كل ماحدث ولا إلى أين تطور الوضع ولا يعلم ما ينبغي عليه فعله ولا كيف ستسير الأمور.


لكنه أبتسم لها وقال :

-صباح النور...اتفضلوا.


دلفت فوزية وأختها ثم سألت فوزية:

-أمال فين حورية؟

-في أوضتها.


أتسعت إبتسامة فوزية وقد إرتاحت قليلاً... دلفت لغرفتها مع جرس الباب يعني أنها كانت ترتدي مالا يصح أن يراها به أحد ودلفت لتبدل ملابسها.


زاد إرتباك زيدان طردياَ مع إتساع بسمة فوزية، تقريباً فهم عليها ، كانت إبتسامتها مريبة.


فتلجلج في رده وهو يقول:

-أتفضلوا ادخلوا لها انتو مش أغراب.

-تسلم وتعيش ياحبيبي.


قالتها فوزية وتحركت للداخل مع شقيقتها التي كانت في عالم آخر تفكر في همها الكبير.


وخرج زيدان للشرفة يدخن سيجارة بتوتر يحاول جاهداً أن يهدئ أعصابه ليفكر.


أما في غرفة النوم.


دلفت فوزية و شقيقتها "جنات" تنظر لحورية وقد إرتدت عباءة منزلية باللون الأبيض... كانت في غاية الذوق وزادها روعتها المنحنى الذي إلتفت عليه، فقد كانت حورية تمتلك جمال فريد جدا.


تقدمت منها وحاولت التماسك تسأل :

- صباحية مباركه ياحبيبتي.


ناظرتها حورية بصمت تام، تلك الجمله تقال في موافق محددة غير تلك التي عايشتها.


لكنها آثرت التحفظ فزمت شفتيها وقالت:

-الله يبارك فيكي يا ماما.


تطلعت لها فوزية بحيرة لا تعرف هل تهدأ أم تستمر في حلقات القلق التي صاحبتها منذ مساء أمس.


لم تستطع الصمت، إن لم تسألها هي فمن سيسأل، حاولت التحدث:

-يعني إنتي بخير يا حورية؟

-الحمد لله ياماما.

تنهدت فوزية...رد حورية محايد غير شافي فسألت:

-الحمد لله على كل حال بس... يعني أنتو يابنتي عرفتوا تاخدوا على بعض؟


رفعت حورية عيناها لها وقالت بسأم:

-ناخد على بعض؟! مش مصدقه سؤالك بجد.

اقتربت جنات وجلست لجوراها تقول:

-يابنتي ماتريحينا.


رد حورية بصوت حاد وصل لمسامع زيدان الذي وقف في الشرفة القريبة من الغرفة:

-اريحكوا إزاي؟ أنا مش مصدقاكوا بجد؟ مستنيني أقول إيه أصلا؟


جاوبت جنات بإرتباك وحرج:

-إإحنا عارفين إن الحاجات دي خصوصيات وحرمات بس إحنا عايزين نطمن عليكي لو من بعيد لبعيد.


فهتفت حورية بنفس الحدة:

-خالتو... إنتي بتتكلمي في ايه بجد... عايزين إيه يحصل مثلاً ؟ أنا مش عارفه المفروض عليا أعمل إيه ؟ أقف ولا أقعد... أنام جوا ولا برا، ألبس لبس البيت العادي ولا البس مقفل عشان في حد معايا في البيت.... أنا مش عارفه.


صرخت بجملتها الأخيرة فقالت فوزية :

-كلام إيه إلي بتقوليه ده يا بنتي...الحد إلي بتتكلمي عنه ده بقا جوزك على سنة الله ورسوله وقدام الناس كلها.

-هو الجواز عقد ومأذون و شهود وبس...حتى لو قولت أه..حتى لو.


أغضمت عيناها وأخذت تهز رأسها بأسى وعقبت:

-ماحدش فاهمني.. أو فاهمين بس عايزين تعملوا مش فاهمين وإنه عادي.


صمتت كل منهن..حورية تشعر بالضياع وكذلك فوزية ومعهم جنات التي كان همها همان خصوصاً وأن رنا منذ سافرت لم تستطع الاطمئنان عليها و هاتفها مغلق دوماً تسأل هل لا يوجد شبكة إتصال في مكان عملها أم لا...لكن قلب الأم يخبرها أن الأمور ليست على ما يرام.

في الشرفة.


أسبل زيدان عيناه بأسف على حالها وحاله أيضاً، هو أيضاً يسأل نفسه ماذا يفعل وكيف سيتعاملا معاً، وضعهما مربك حقيقي.


سحق سيجاره في سور الشرفة ثم دلف للصالة وجلس بصمت تام متعب .


_________________________


جلست أنچا منكبة على أوراق مالية تخص الحرملك تتابعها بنفسها تسأل إحدى المسؤولات عن أحد البنود وفيما أنفقت.


وبينما هي كذلك دلفت خادمتها مهروله لعندها ثم وقفت بريبة.


تطلعت لها أنچا ومن نظرة واحدة فطنت أن هناك أخبار بحوزتها فأشارت لها أن تقترب لعندها.


بالفعل اقتربت الخادمة ومالت على أذنها توسوس لها بما علمت وكلما تحدثت أستعرت النيران في عينا أنچا بغل تام وهمست:

-هل وصلت الأمور لهنا؟؟ حمام غرفة الملك الخاص؟؟!


لم تكف الخادمة ومالت على أذنها تكمل فتحدثت أنچا من بين أنيابها:

-ماذا؟!! سماها ماذا؟!! 


طبقت جفناها بغضب تحاول استدعاء بعض الهدوء، التصرف مع تلك الدخيلة يحتاج لحنكة و تروي و من أهل لكل ذلك أكثر من السيدة أنچا؟


سحبت نفس عميق ثم اشارات لخادمتها أن تنصرف وبدأت هي تفكر بهدوء تام.


في غرفة الملك راموس


رفرفت رنا برموشها تجاهد كي تفتح عيناها، حاولت أن تفعل بسبب تسلط الضوء عليهما.


أنت بوهن:

- أه.


انتبهت أنكي عليها وتقدمت لعندها سريعاً تردد:

- وأخيراً أستيقظتي...


فتحت رنا عيناها لترى بوضوح، تطلعت لسقف العرفة المطلي بالذهب الخالص ومظاهر الثراء التي شملت الغرفة ثم حادت بعينها تنظر لتلك السيدة السوداء.


هنا أيقنت أنها لم تخرج من الكابوس الذي ظنت أنها تعيشه وستفوق منه حتماً ما أن ينتهي نومها.


أغمضت عيناها بأنيهار تام وأخذت تهز رأسها يميناً ويساراً مرددة:

-لأ... لأ.. ماهو لازم يكون كابوس وهيخلص وأنا هفوق منه .. أنا مش هعيش كده.


تقدمت منها السيدة أنكي وسألت:

-ماذا تقولين...لم أفهم عليكي؟


فتحت رنا عيناها تنظر لأنكي... أي كلام سيقال..هي تشعر بالعجز تام... شعور قبيح لا يوصف.


بدأت رنا تتلفت وتنظر حولها بريبة للغرفة اللتي غلب عليها اللون الذهبي، وكيف خرجت من الزنزانة المظلمة المميتة فسألت:

-أين أنا؟ وما الذي حدث؟ 

-لقد تم نقلك وإخراجك من السجن بعدما فقدتي وعيك و كانت حالتك خطرة تماماً.

- وأين أنا؟


ردت أنكي وكأنها تحسدها على حظها السعيد:

-بغرفة الملك شخصياً.

-ماذا؟ كيف؟

-هو من حملك لهنا و أمر بذلك.


علت أنفاسها حتى تهدجت وبدأت تنظر حولها إلى أن أتى الدور عليها فنظرت على نفسها لتصرخ برعب:

- ملابسي! ماهذه الملابس.. كيف تبدلت ومن بدلها.


أبتسمت أنكي وقالت ببراءة مزيفة:

-الملك... شخصياً أيضاً.


انتفضت رنا من السرير قد جائتها العافية رغم الهزال، فاجعة الخبر نفضتها وهتفت بجنون.

-نعم يا حلاوة؟؟ أنتي أتجننتي...نهار أبوكو أسود.

-رجاءاً تحدثي بلغتي أنا لا أفهم العربية.

-أن شالله عنك مافهمتي ده أنا هسود عيشت إلي جابك ....يا جزيرة مهبوشة يا شوية مجانين.


كل هذا و الملك يقف بأحد الغرف الملحقة بجناحه يكتم ضحكته على رد فعلها الذي فاق توقعاته و أنصت بإنتظار المزيد ممتن لكونه يفهم العربية فلولا ذلك لما استمتع بفهم ما تقول أثناء نوبات جنونها اللذيذ.


فيما تقدمت أنكي منها وقالت في محاولة منها لتهدئتها:

-حاولي أن تهدئي لا تنسي أنك جارية عنده.


نفضت رنا يد تلك السيدة من عليها و صرخت بغيظ:

-أنا فتاة حرة...ولدت حرة وسأموت حرة.. لست جارية لأحد... لما لا تفهموووون؟

-أتعجب كثيراً من أفعالك ... فتاة غيرك لو كانت بمكانك لكانت أسعد بني آدم على وجه البسيطة، الملك راموس بنفسه مهتم بكِ كثيراً، أتفعلين هذا بدلا من أن تفرحي و تفكري بذكاء كيف تستغلي الفرصة؟ كل فتيات الجزيرة وأميراتها حتى أميرات الدول الأخرى تتمنى ولو لمحة إهتمام من ملكنا راموس وأنتي تفعلين ذالك يا ميرورا؟؟


جحظت عينا رنا ونظرت لها بريبة تسأل:

-ومن ميرورا أيضا؟

-أنتي..


جاوبت أنكي ببساطه فهتفت رنا بجنون:

-أهلاً... هل جننتي؟ حسناً ..سأتغاضى عن ذلك .. ربما لم تحفظي أسمي بعد ولكن للتذكير.. أنا أدعى رنا...رنا...ردديها خلفي لأختبر الأمر...ها..هيا..ر-ن-ا ..هيا قولي كي لا تنسي 


لمعت عينا راموس و مازال على وقفته وهو يتعرف على إسمها لأول مرة وبدأت شفتاه تتحرك دون إرادته يردد حروف أسمها كما طلبت من أنكي، فعل وكأنه يتذوق حلواه المفضلة حين همس (ر..ن..ا- ر..ن..ا-رنا)


سحب نفس عميق يبتسم لكنها إستحالت لضحكة مفاجئة حين سمع ما قالته أنكي:

-لا أنا لم أخطئ أو أنسى..بل هذا هو أسمك الجديد ..لقد سماكي به مولانا الملك راموس.


فجن جنونها وصرخت بوهن:

-أنتو عايزين تجننوني مش كده ... حرام عليكم.


تقدمت أنكي تقول ببعض الشفقة:

- أنا لا أعرف العربية ولم أفهم ما تقولين لكن على ما يبدو إنك تعانين مما يحدث... إن أردتي النصيحة، كوني مؤدبة...ومطيعة.. تقربي من الملك وأستغلي إنجذابه لك فهو نادر الحدوث.


تمسكت رنا بكفتي يد أنكي وقالت بتوسل:

-إن كنتي تشعرين بي كما تدعين فأرجوكي ساعديني على الهرب من هنا، سأموت إن عيشت هنا ليوم آخر في هذا الجحيم، وأعدك..أقسم أنني لن أخبر أحد أنك قد ساعدتيني .. لن أذكر أسمك أن فشلت ... لكن...أتوسل أليكي وأنا التي لم تتوسل لأحد قط...ساعديني..يبدو إنك سيده جيدة و ستتفهمي وضعي وحالتي.... ساعديني أرجوكي وإلا سأموت هنا حتى أني سأدفن غريبة في بلاد غير بلادي.


لأول مرة تشفق أنكي على أحدهم لكنها تراجعت للخلف ولحظتها خرج الملك من خلف الستار يردد بحدة:

-أمازلتي تريدين الهرب؟ ألم تتعظي مما جرى؟ أم أن التمرد خصلة تجرى في عروقك مجرى الدم ؟


نظرت له بكره وغيظ .. تشعر أنه سجانها وقاتلها فرددت :

-وسأظل أحاول الهرب مادام بي رمش يرف.

أهتزت شفتيه من شدة القهر الذي تذيقه إياه بكل مرة.


هز رأسه يأمر أنكي بترفع أن تغادر ففعلت و بدأ يقترب من سريره يردد:

-من تظنين نفسك؟ 

زم شفتيه يتصنع التفكير وأردف:

- أنتي مجرد جارية، أنصحك بأن تكوني مطيعه، وأعملي جاهدة على إسعادي، على الأقل لتحللي قيمة المال الذي دفع فيكي.


كان يريد قهرها كما تفعل به دوماً، تغضنت زوايا فمه بإبتسامة جانبية فعلى ما يبدو أنه قد نجح فقد تشنجت كل ملامحها وأظلمت عيناها وقالت:

- مال مين يالا  ..ده أنا أشتريك أنت وبلدك.


أخذتها الحمية جداً و بتلك الحالة ما كانت ستعبر عنها أي لغة غير لغتها الأم ، وعبرت عن غضبها لكن ربما تعبيرها قد اتسع وتمد لا بل ترحرح منها كثيراً...تشتريه هو وبلده؟! ربما نسيت أنها أمام ملك جزيرة الذهب وهي حقاً لا تملك أي شيء..


إن الشقة التي تسكنها و والدتها ليست مثلها وإنما هي إيجار قديم، هي لا تملك بالإساس سوى مرتب حديثي التخرج الذي يعد على الأصابع.


كل هذا لم يهمه أو يفكر فيه بل تقدم أكثر يسألها:

-ماذا قولتي؟ (يالا) ؟ أتقصديني أنا بها.


صرخ صوته في آخر جمله لدرجة أنها أنتفضت مرددة:

- هو...هو أنت بتفهم عربي؟


كتف ذراعيه حول صدره ثم جاوب بسخرية:

-شويه شوية يا هببتي.

صرخ بغضب ينادي:

-كاااكاااا


أبتلعت رمقها بصعوبة بالغة، خصوصاً وهي تراه يقترب أكثر وعيناه لا تبشر بالخير فوقفت تردد بأهتزاز:

-ما..ماعلش.. أنت معصب نفسك ليه .. أنا ماكنتش اعرف أنك بتفهم عربي وبعدين أنت هتاخد على كلامي ... ده انا بس كانت أخدتني الجلالة مش أكتر... بالله عليك بلاش كاكا.


نظر لها بحاجب مرفوع، يستمع برؤية خوفها وتراجعا، يبدو أنها بحالات، أحياناً شرسة متمردة وأحياناً هرة وديعة.


دلف كاكا بحجمه المبالغ فيه ومنظره الذي يخيف وحده ينحني للملك ثم قال:

-أمر مولاي.

كانت تنظر له بترقب وخوف تنتظر أمره هو الأخر فقال:

-أستدعي الطبيب.

تحرك كاكا ينفذ المطلوب فحاولت التحدث:

-طيب بما إنك طلعت بتفهم عربي، شكلك راجل محترم وهتفهمني، أنا لازم أمشي.. أنا ماليش عيش هنا، عارف ليه؟ هقولك ليه.


تقدمت تشرح له وهو مسمتمع كثيراً يسمعها تقول:

-أنتو باين عليكوا ناس محترمه... أنا لأ... أنا مش وش ذلك... أنا عايزة أروح.


زم شفتيه بضيق ثم حاول التغاضي عما تقوله وتحدث بحلم:

-مازالتي مريضة عودي للفراش حتى يأتي الطبيب ميرورا.


هنا لم تستطع التحمل، هو ببساطة قد ذكرها فهتفت برفض تام وتمرد:

-مين ميرورا دي كمان... أنتو فاكرين نفسكوا مين عشان تجردوني من حريتي ومن إسمي.. مين اللي عطالك الحق ده.


نظر لها بجانب عيناه،ما عاد يتحمل ثم صرخ عالياً من جديد:

-كاااكاااا.

وقفت مكانها بخوف فدلف كاكا منحني:

-أمر مولاي...أستدعيت الطبيب وهو في طريقه لهنا.


ألتف راموس يوليها ظهره فقد ملئت صدره كره وغضب فقال بحده:

-خذها من هنا.


تهلل وجهها وصفقت بكلتا يديها تردد:

-بجد والنبي ؟

نظر لها راموس بجانب عينه وكان فيها من الغضب ما يكفي ثم أمر كاكا:

-خذها من أمامي..لا أريد لمح طرفها أو رؤيتها ..تودع في الحرملك للخدمة هل فهمت.

-أمرك سيدي.


ثم تقدم يسحب معه رنا وراموس يبعد أنظاره عنها ويرفع رأسه بشموخ بينما هي تسير عنوة مع كاكا معترضة .

______________________


في اليونان 


جلس محمود بعد جلست تصوير محترفة، يتمدد براحة على أحد الأرائك ثم فتح هاتفه كي تحدث مع حورية ينوي الإطمئنان عليها ليعرف كيف مررت اليوم وهدأت والدتها..كان يعلم أن حورية ستفعل هو دوماً يصفها بالقوة لذا كان متأكد أنها ستتصدى للقصة كلها وستستطيع تأجيل العرس.


لا يعلم لما لا يفهمه أحد.. أنها فرصة العمر وقد واتته اخيراً، الفرح يمكن تأجيله لكن الفرصة التي ستغير حياته كليا و تجعله شاب مشهور ثري لم تتكرر أو تنتظره، الحياة فرصة إما أن تقتنصها أو تظل طوال عمرك تندم،. هو قد فعل وأقتنص الفرصه .


فتح هاتفه كي يتصل بها ولكن فاجئته كثيرة الرسائل المرسلة له على الهاتف كذلك هناك منشورات كثيرة تم ذكره بها.


فتح ليرى وهنا كانت الصدمة.........


______________________


في شقة زيدان


كانت فوزية قد غادرت هي وشقيقتها وبقى زيدان بالصالة وحورية بالغرفة تغلق الباب عليها.


لقد مر كل هذا الوقت وهو يفكر إلى أن تشجع اخيراً و وقف يدق عليها الباب.


دقة فأخرى و مع الثالثة فتحت الباب لتظهر بعبائتها البيضاء وحجابها.


همس بضعف داخله:

-يا أللهي...إن ملامحها عن قرب مهلكة.


أبتلع رمقه وضبط حاله ثم قال:

-مش هتاكلي... إنتي من إمبارح ما أكلتيش.


نظرت أرضاً ثم قالت:

-أيوة... وأنت كمان ما أكلتش...ثواني وهسخن الأكل.


تحركت كي تخرج من الغرفة لكنه كان يسد الباب ، رفعت عيناها له ففهم وحمحم بحرج ثم تحرك يفسح لها الطريق .


لكنه نادها وقال:

-حورية.

إلتفت له تسأل:

-أيه؟ متعود تتغدى مع مامتك؟ 

ضحك بخفة ثم قال:

-لأ أقصد .... إن..بيتهيئلي إننا محتاجين نتكلم مع بعض شوية.

نظرت أرضاً ثم قالت:

-عندك حق.


سحب نفس عميق ثم قال:


تعالي اقعدي الأول.


تقدمت لتجلس بهدوء على الأريكة.


نظر خلفها ثم قال:

-حلوة الكنبة مع لون الحيطة 


نظرت لهم ثم أبتسمت ورفعت عيناها له تقول:

-أنت إلي مختارهم.


لمعت عيناه و أتسعت إبتسامته يردد:

- سبحان الله.


سحب نفس عالي من جديد ثم تحدث بتروي تام :

- بصي يا حورية.. لا أنا ولا أنتي محتاجين نشرح لبعض الجوازة دي حصلت إزاي.. بس.. دلوقتي إحنا متجوزين..ولسه إمبارح أكيد مش هينفع يحصل أي أنفصال صح؟

-صح.

-تمام...كده إحنا أتفقنا في نقطة... النقطة التانية ... وجودنا هنا في البيت... أنا زي ما شوفتي كده نزلت أفطر تحت أمي قالتلي شطبنا وتقريباً طردتني.


ضحكت حورية فأبتسم أيضاً ثم أكمل:

- والشقة الي فوق مش جاهزة فلو تسمحيلي أفضل هنا هكون شاكر ليكي جداً.


تطلعت له مستغربة، كأنها ترى زيدان لأول مرة ثم همست:

- أنت إلي بتقول كده..دي شقتك أصلا ولا ناسي.

-لا يا بنت الناس... الشقة دي بالعفش والأجهزة وكل حاجة بتاعتك وأنا مجرد ضيف..خلينا نعدي الأيام ونشوف إيه إلي هيحصل إيه رأيك ؟


صمتت بتخبط فأردف:

- أوضة النوم بتاعتك وأنا في أوضة الأطفال.. أنا طول النهار في الشغل ومش برجع غير بالليل ويعتبر ماليش طلبات وباكل كل الأصناف يعني اعملي إلي على مزاجك .


صمتت ترفع عيناها له ..هنالك حديث طويل وكثير داخلها له لكنها ابدا لم تستطع التعبير هي فقط أكتفت بإماءة من رأسها مع ابتسامة شرحت صدره فتنهد براحه ثم قال:

-طيب ممكن نتغدى بقا؟


-حاضر .


ثم وثقت وذهبت للمطبخ وما أن غادرت حتى صدح صوت هاتفه بإتصال من رقم غريب .. ففتح المكالمة ليأتيه صوت أخيه يردد بثورة:

-صباح الخير يا أخويا يا كبير يا محترم... ولا أقول صباحية مباركة للعريس؟؟؟!!


الفصل السادس 


تفاجئ زيدان بصوت شقيقه الحاد ومكالمته له في هذا الوقت، لوهلة شعر بالخزي و العار وأنه هو المخطئ.


لذا حاول احتواء غضبة وقال بصوت مهتز :

-أزيك يا محمود؟

ضحك محمود ساخراً ثم رد بإستهزاء:

-أزيك يا محمود؟ هه مازييش حد يا حبيب أخوك..زي ما أنت شايف متخزوق والي مخزوقني اخويا شقيقي... أخويا الكبير العاقل.


أستمع له زيدان بحلم يحاول إمتصاص غضبه يضع نفسه بمكان محمود يرى أن ربما لديه بعض الحق فقال بعد نفس عميق:

-أهدى يا محمود و أسمعني الأول.


لكن محمود لم يسمع أو يهدأ وإنما صرخ بغضب:

-أهدى.. أنت إلي بتقولي أهدى؟! أهدى إزاي وأنا أخويا أخد مني مراتي .. أنت أخدت مراتي أنت فاهم... ماكنتش اعرف أنك بالخسه والندالة دي.


أقتتطع زيدان حديث محمود وتدخل بعدما أستفزته إتهامات محمود:

-خد بالك من كلامك يا محمود ..مش زيدان إلي يتقاله كده 

-ههه مش زيدان إلي يتقاله كده ؟!  أطلع من دول يالا... ماخلاص كل شيء انكشف وبان.. عاملي فيها الكبير العاقل إلي بيحب الكل وقلبه على الكل و أول ماجت لك الفرصه خطفت خطيبتي مني... تلاقيها حليت في عينك بس نأبك على شونه ...حورية عمرها ما تشوف غير عصفور ... أنا عصفورها هي إلي مسمياني... والي ماتعرفوش أن حورية بتخاف منك أساساً ياما قالت لي كده دي وصلت أنها طلبت مني نسيب البيت والحارة كلها بسببك عشان تهرب من وشك ومن التعامل معاك..مش عايزه حتى تشوفك صدفة.. أنت فاهم..وخليك عارف يا زيدان..طالت الأيام ولا قصرت أنا راجع وهرجع حقي وساعتها مش هسمي على حد وهتشوف.


ثم أغلق الهاتف في وجه زيدان الذي ظل على جلسته مصدوم من كلمات شقيقه.


_____________________________


كانت صراخاتها المعترضه تملأ الحرملك بكل مكان، وكاكا يجرها يتقدم بها للأمام غير مبالي لها.


بينما وقفت كل فتيات ونساء الحرملك يتابعون مايحدث وهن يتهامسن عليها بسخريه.


كذلك كانت حالة خادمة أنچا التي مالت على أذن مولاتها تهمس بتشفي:

-أرأيتي مولاتي، لم يكن هناك أي داعي لكل هذا القلق، لقد لفذها مولانا الملك ،مل من صراخها وتمردها وحسها العالي ولم يشفع لها حسنها ولا بياض بشرتها، وها هي أصبحت مثلها مثل بقية فتيات الحرملك.


كانت أنچا تستمع لها وعينها لم تفارق رنا المتمردة، هزت رأسها بسخط وقالت:

-هذا رأي السذج فقط، فالحقيقة مختلفة كلياً، إنه شعلة البداية فقط.


هزت الخادمة رأسها بحيرة وقالت:

-عفواً مولاتي لكني على ما يبدو بت لا افهمك في الفترة الأخيرة، كل حديثك يصعب علي فهمه، لا أفهم ما قصدك بأنها شعلة البداية فقط ، لا أفهم.


ألتفت لها أنچا تقول:

-لو كنتي تفهمين لما ظللتي خادمة، لكنتي أصبحتي أنچا جديدة.


عادت تنظر حيث ألقى كاكا برنا في أحد زوايا الحرملك وهي تكورت حول نفسها بضعف تبكي وأكملت أنجا حديثها:

- ما يحدث ماهو إلا إنتقام المحبين، مولانا يعنفها على عدم إنبهارها به أو إهتمامها له،والصيبة أنه على مايبدو لا تتصنع أو تمثل هي بالفعل تائهة تشعر بالضياع وتريد الهرب، لو لم تكن مهمة لتركها وشأنها ولم يهتم بمعاقبتها الأمر أكبر من حدود مخيلتك يا مسكينة، وتلك الفتاة خطيرة... خطيرة للدرجة التي تجعل العنف والشدة معها هما أغبى تصرف..التصرف معها يلزمه هدوء وتروي، يلزمه حكمه وحنكة.


أنهت أنچا حديثها وعينها مازالت مسلطة على رنا تفكر كيف ومن أين ستبدأ معها بينما خادمتها في الخلفية تحرق بؤبؤ عينيها من شدة شعورها بالغباء وعدم الفهم.


أما عند رنا فكانت تبكي كما لم تفعل من قبل.


إحساس الضياع والنهاية المأساويه يكتنفها حتى كادت تختنق.


هي بالفعل كادت تختنق من شدة الأختناق وضيق الصدر، أكثر الأمور رعباً هو أنك تواجه المجهول.


لا تعلم حتى ماذا ينتظرك كي تستعد له ولو نفسياً.


وبينما هي على تلك الحالة من الشعور بالبؤس و الضياع تقدمت منها سوتي تجلس لجوارها وتربط على كتفها مردده بتعاطف واضح:

- أمازلتي على تلك الحالة؟ أعتقدت أن مايحدث معك سيغير من تفكيرك ونظرتك للأمور .


لم تهتم رنا لكلامها واستمرت في البكاء، زمت سوتي شفيتها من غباء تلك الفتاة وأكملت:

- البكاء لن يفيدك يا فتاة، الأفضل هو أن تحاولي إيجاد مخرج لما أنتي عليه .


لكن رنا لم تهتم أيضاً وظلت على بكائها فتنهدت سوتي و وقفت لتغادر قائلة:

-حسناً، أبقي هنا وأبكي حتى تموتي لكن أرجوكي أبقي بصمت فصوتك يزعجنا ويؤرق نومنا .


همت سوتي أن تغادر لكن يد رنا منعتها فقد رفعت رأسها تنظر لسوتي التي أبتسمت تقول:

-جيد إذاً، لقد فوقتي اخيراً، عليكي الأعتراف إن البكاء لن يجلب لكي سوى المزيد من العقاب.


أستمعت لها رنا بصمت ثم سألت:

-كيف وأنا أشعر أني بكابوس لا ينتهي ولا يمكنني الإستيقاظ منه... لقد غدر بي زميلاتي .. إنها قصه طويله ربما لن تتفهميها.

-لما؟ كلنا قد جُلبنا بتلك الطريقة أو طرق مشابهه، كنا أحرار مثلك وقادتنا الأقدار لهنا.


تنهدت رنا وقالت بأسى:

-لكن انتن لستم مثلي أبداً

ضحكت سوتي ساخرة وقالت:

-في هذه معكِ حق، فاي منا لم يهتم لها الملك شخصياً أو يلتفت لها حتى وزير، عكسك تماماً بدايتك كانت عاليه جداً...من رأيي أستغلي الأمر لصالحك


نظرت لها رنا بتخبط وهي تمسح دموعها ثم قالت:

-ماذا تقصدين؟


قطع حديثهم صوت أنكي التي تقدمت تقول:

-هيا ميرورا ..الطبيب بأنتظارك.

-لست ميرورا .. أنا أسمي رنا...رنا

-هل ستعودي للتمرد من جديد..تعقلي.. أنه أمر مولانا ولا يستطيع أي من كان مخالفة أمره..نصيحة لكي كوني مطيعه فهذا هو الأفضل لك.


-أنا لا أقبل بأن يتحكم أحد في مصيري.. أنا حره هل تسلبون الأنسان أبسط حقوقهم.. على الأقل أتركوا لي أسمي الذي سمتني به أمي.

-أنه أمر الملك...غبية ربما لا تعرفين معنى ومكانة هذا الإسم...هيا تحركي..هياااا.


نظرت رنا لسوتي التي غمزت لها بأن تسير مع أنكي وتنفذ مايقال لها على الأقل الآن.


لم تجد رنا حل أمامها سوى أن تفعل فالرفض لم يجلب لها سوى التعب، هي بالفعل بحاجه للذهاب إلى الطبيب.


خرجت مع أنكي خطوات وهي للتو بدأت تنتبه على معالم الحرملك وتصميم غرفه وحجراته، أنها مصنوعة من الحجر والذهب ، الفخامة والمهابة هي عنوانها الأساسي والفرش من حرير ، الفتيات يلبسن أيضاً من الحرير زي موحد باللون الأخضر لا تعرف لما اللون هذا تحديداً، نظرت على ثيابها لترى أنها ترتدي مثلهن.


تأففت بغيظ كظمته بنجاح على الأقل حالياً وأنتقلت لغرفة الطبيب الذي وقف لها بأحترام استرعى أنتبه أنكي وقال:

-اهلاً ميرورا..تفضلي من هنا.


لاحظت رنا تيبس وجه أنكي وانفعالها مع تصرف الطبيب، يبدو أن هنالك أمور لا تعرفها ولا تريد حتى أن تعرفها.


تقدمت بصمت تام دون الأعتراض على الأسم الذي ناداها به تخضع للفحص بصمت تام.


تنظر حولها بأستغراب، فغرفة الطبيب مغايرة لكل غرف القصر أو التي دلفت لها على الأقل.


غرفة الطبيب كانت مجهزة بكافة الأجهزة الطبيه الحديثه وكذلك جهاز لوحي حديث ، تسأل كيف يعمل ولا توجد هنا أي شبكة إتصال كما قالت سوتي.


ربما عليها دراسة المكان أن كانت تريد الهرب، هنا تردد في أذنها حديث سوتي، ربما عليها الهدوء قليلاً والتوقف عن البكاء والصراخ الذي لن يفيدها وربما لن يجلب لها سوى الأنتباه وغضب كل من حولها وربما السجن كما حدث وهي الآن حالتها الصحية ليست بأفضل حال مطلقاً ، تحتاج للعناية والدواء.


هنا توصلت للقرار وأن الصمت والهدوء هما عنوان الأيام القادمة لها هنا بتلك المدينة إلى أن يأذن الله بالحل .

________________________


مر الوقت على زيدان وهو على جلسته وقد عاد الهم لرأسه من جديد.


إستفاق منه بعد فترة على صوت رسالة من صديقة صالح ففتحها ليجده يقول"صباحية مباركه ياحبيب أخوووووك''


سحب نفس عميق و وقف من مكانه ثم تذكر أنها قد تأخرت داخل المطبخ فقرر أن يذهب ليرى لما.


لكنه توقف بتردد، لا يعلم هل يذهب لعندها أما يتركها وراحتها.


هز رأسه بإرتباك، الأفكار تقذفه يميناً ويساراً، فكرة تطلب منه أن يدلف لعندها وأن يتعامل طبيعي، ولما لا يجعلها تعتاده وفكرة أخرى تذكره بوضعهما و بصلة شقيقه بها.


غلبته أفكاره و قرر أن يذهب لعندها فتقدم حتى وصل للمطبخ يناديها  :

-حورية.


أنتفتضت لحظتها فسقط الكأس من يدها وتهشم متناثراً لشظايا على الأرض.


أتسعت عيناه مما حدث وهي أسرعت تميل على الأرض كي تلملم الشظايا و تنظفها فهرول يلحقها قائلاً:

-أستني هتعوري نفسك.

همست بقلق:

-ماعلش أنا أسفه ما أخدتش بالي.

تطلع لها ثم عاد يلملم هو الشظايا بينما يردد بحزن:

-كل ده عشان ناديت عليكي؟!


صمتت ولم تجد، لحظتها تردد في عقله كلمات محمود التي بصقها في أذنه منذ قليل فسألها :

-حورية..... أنتي بتخافي مني؟؟


توقفت عن لم شظايا الزجاج وتطلعت له بفم مخروس لا تعلم بما تجيبه.


أسبل جفناه بأسى ثم سأل:

-ليه يا بنت الناس هو أنا عمري جيت ناحيتك أنتي أو أي حد 

-لأ بس..

-بس إيه قولي....


وقفت عن الأرض تحاول رص الكلمات بجوار بعضها كي تعطي أي جمله مفيدة، لكن محاولتها الواضحة تلك زادت من حزنه على نفسه فأشار لها مردداً:

-خلاص يا حورية...ماتحاوليش تذوقي الكلام، واضح إن المشكلة من عندي، يمكن ربنا مش حاطت في وشي القبول.

-لأ ماتقولش كده أنا بس..


قاطعها وهو يرفع كف يده أمامها فتوقفت ثم قال:

-خلاص يا حورية... أنا مش زعلان..كل واحد بياخد نصيبه...يالا عشان تاكلي.


ثم ألتف وحمل صينيه الطعام التي جهزتها وخرج بها وهي تبعته بتردد.


وضع الصينيه على طاولة السفره ثم قال:

-يالا تعالي كلي.

-حاضر...بس..ماتزعلش مني أنا ماكنتش أقصد و.


لم يترك لها الفرصة، لقد أكتفى حقاً وكل ما يحدث كثير عليه فقال:

-لأ مازعلتش ..عادي .. كلي يالا.


حاول أن يأكل أمامها رغم فقدان شهيته بعد ما حدث، لكن هيبته منعته وقبلها كرامته، أبى أن يظهر بمظهر الضعيف فهل سيصبح غير مقبول وضعيف الآثنان معاً كثير عليه.


فزيدان كان يعلم بما يقال عنه وعن رفض الفتيات له، ربما رأي حورية كان بمثابة الضغط على دمل كبير وقد آلمه كثيراً.

ومع معرفته بكل ما يحدث مسبقاً لم يفكر يوم في محاولة تغيير تلك الفكرة المأخوذة عنه يردد على مسامع صديقه جملة واحدة ''تسلم العين إلي تخوف'' كان يقولها بصوت رجولي مهيب غليظ يفتخر فيه بالهالة المصنوعة حوله حتى لو طفشت منه الفتيات.


لن يلهث خلفهن ولن يفقد الشيء الوحيد الذي تبقى له وهو هيبته، وإلا سيصبح غير مرغوب ضعيف في نفس الوقت والإثنان مع بعض في رجل كارثه.


لذا حاول التظاهر بالامبالاة و القوى وهو في قرارة نفسه يعلم أن رأي حورية فيه كان له أثر قوي.


ترك الطعام وشرد مفكراً في تلك الكارثة الجديدة....لما رأي حورية على وجه الخصوص كان له الأثر الأبلغ فيه.


ولاحظت حورية شروده و توقفه عن الطعام بصوت واهن واضح فيه تأنب ضميرها:

-زيدان.


تتطلع لها منتبهاً يسأل هل هذه هي أول مره تناديه بأسمه أم ماذا؟ ولما أنتبهت لها كل حواسه بتلك الطريقة.


عض بواطن فمه من الداخل يلجمها بينما عيناه تطلع لها تسأل نفس السؤال من جديد لما رأي حورية بالذات ؟


ولما تأخر رده ومع تطلعه لها بعيناه الثاقبة و شروده في وجهها عادت تناديه من جديد:

-زيدان...مش بتاكل ليه؟


رمش بعيناه مستدركاً ثم حاول لملمت شتات عقله فوقف عن كرسيه وقال:

-مش عارف ممكن من قلة النوم... أنا هدخل أنام أحسن.


وقفت هي الأخري تردد:

-أنت زعلت مني مش كده...على فكرة أنا ماكنتش اقصد إلي فهمته بس أنت كده ليك... يعني ليك طله وهيبه فأنا بحس..


-بتحسي ايه؟ قولي.


صمتت وعجزت عن الوصف فقال:

-على فكرة أنا مش وحش ولا باكل بني أدمين ومش عارف ليه الصورة دي متاخدة عني.. أنتي شوفتيني مره اذيت حد

-لأ.

-أمال في ايه بقا؟


صمت وعيناه ترغمه على النظر لمنحنياتها الرائعه وجمالها النادر، رغماً عنه مجبور..للجمال سطوة غير عادية وهكذا خلق الله آدم يحب جمال الآنثى ويرضخ له، وحورية كانت ذات جمال رباني وحسن نوراني يذهبا عقل أي أنسي.


ولا يعلم لما أراد أن يختبر شئ ما لحظتها فقال:

-على فكرة... محمود كلمني.


كان ينظر لها بترقب وتدقيق، حريص على ملاحظة صدى الخبر عليها، ولا يعلم لما شقت صدره بعض السعادة حين تجهم وجهها وقالت:

-والله...تمام.


رفع إحدى حاجبيه باستغراب من ردها وزاد وهو يراها تلتف لتجمع أطباق الطعام على الصينيه تستعد لأن تدخلها المطبخ فسأل:

-مش هتسأليني قال إيه؟ أو كان عايز أيه؟ وإلي حصل وصله ولا لأ ورد فعله إيه؟


نظرت له ببرود حقيقي ثم قالت:

- لأ...دي حاجة ماتخصنيش.

-إزاي؟


وضعت الصينيه من جديد على سطح الطاولة ثم قالت:

-هو إيه إلي أزاي؟ ده واحد سابني بفستان الفرح قدام القاعه ومافكرش فيا ولا في فضيحتي ... تفتكر هيهمني عرف ولا لأ؟


ثم اخذت الصينيه من جديد ودلفت بها على المطبخ.


المريب في الموضوع وما أثار خوف زيدان هو ملاحظته لتلك الراحة التي أكتنفته بعدما أستمع لردها، لقد ضبط نفسه متلبساً وهو يسحب نفس عميق مرتاح.


صدم قليلاً و ولج لغرفة الأطفال سريعاً يلقي بنفسه على الفراش يحاول النوم كي يتهرب من مواجهة نفسه.


لكن عبثاً فقد أستغرق في النوم وعلى شفتيه إبتسامة سعيده.


___________________________


جلس على عرشة يتصنع القراءة في بعض الأوراق الخاصة بشؤن الديوان يمثل الإنشغال وعدم الإهتمام بحديث الطبيب الذي أخذ يردد:

-صحتها ليست بالجيدة لكن مع الأدوية ونظام غذائي جيد ربما ستصبح بخير ، لكن هي قوتها الجسمانية ليست بالجيدة من الأساس سيدي 


زم راموس شفتيه يتصنع الترفع وقال:

-همم.. جيد..قدم لها المطلوب... يمكنك أن تغادر الآن 


انحنى الطبيب ثم قال:

-أمرك سيدي.


ثم تحرك يترك المكان ودلفت من بعده أنچا تنحني باحترام:

-مولاي


أبتسم لها مردداً:

-تعالي أنچا.


تقدمت لعنده فقال:

-الملكة ديولا على وشك الوصول للمملكة أرجو أن تشرفي على مراسم إستقبالاها.

ابتسمت أنچا ثم قالت:

-رائع جداً مولاي ، مر وقت لم تأتي فيه الملكة لعندنا، أظن أنه توقيت مناسب .

-نعم أنچا لقد سعدت كثيراً بذلك الخبر، أشتقت لها كثيراً... أريد منكم تحضير حفل كبير ورائع فأنتي تعرفين ديولا تهوى الموسيقى والرقص.

- أعلم مولاي.


صمتت قليلاً تتطلع على ملامح وجهه بتدقيق ثم قالت بخبث:

-لقد أرهق مولاي اليوم كثيراً وتأخر الوقت، أرى أن يسمح لي مولاي بتحضير ليله رائعه تنسيه تعب اليوم.


صمت راموس وعينه لم ترتفع من على الأوراق لكنه أغمض عيناه بقوه كأنه يكافح إحساس قوي هاجمه ثم سحب نفس عميق ، رفع وجهه ينظر لأنچا وقال بصوت بدى وكأنه يتحدى ذلك الإحساس حين قال:

-موافق.


أتسعت عينا أنچا بتفاجئ لكنها حنت رأسها وقالت :

-أمر مولاي.


ثم تحركت مغادرة على الفور بينما راموس يتنهد بتعب وحاول بعدها التركيز فيما بين يديه.


في الحرملك

جلست سوتي بجوار رنا تعطيها الدواء الذي تناولته رنا بهدوء وأخذت بعده الماء فقالت سوتي:

- عارفه يا رنا.. أنتي جميله جداً.

نظرت لها رنا مبتسمه ثم قالت:

-شكراً وأنتي كمان.


زمت سوتي شفيتها بإمتنان لتلك المجاملة ثم قالت:

-ليس بمقدار جمالك وليس لكونك بيضاء البشرة الأمر يفوق ذلك، جمالك بالفعل رائع يا رنا، خسارة أن يضيع في الخدمة بغرف الحرملك...لا أعلم لما تستغلي الفرص، الملك راموس بجلال قدره مهتم لأجلك.


زجرتها رنا بعينها وقالت:

- وأنتي بتتكلمي معايا كلميني مصري.


شهقت سوتي بخوف وقالت:

-رنا... خدي بالك و بلاش تاني تقولي أنك مصريه لو عايزه تعيشي هنا من غير بهدلة.

-نعم؟ شكلك جرى لمخك حاجة ماقولش ليه؟

-اسمعي نصيحتي أنا خايفه عليكي خلي أيامك هنا تعدي على خير.

-ده على أساس اني هفضل هنا.. أسمعي يا سوتي أنا يا هنجح في إني أهرب من هنا أو هموت وأنا بهرب بردو...ريحي نفسك.


نظرت سوتي أرضاً وقالت:

- وليه كل البهدله دي لما ممكن تهربي بيخت فخم عليه حراسة ليكي.


انتبهت لها رنا تسأ بلهفة:

-إزاي.. أيدي على كتفك.

-مش على كتفي أنا...على كتف الملك راموس.. سبيه يقرب منك ويطمن لك ساعتها كل حاجه هتتغير والمهمة المستحيلة هتبقى سهله وممكنه.

-لكن ده عايز يحولني لجارية.. يعني عبدة ويغير أسمي و...


قاطعتها سوتي تردد:

-وعندك ده هيمنع أنك جارية... جدودك المصريين ماسبوش موقف ماقالوش عنه مثل وفي مثل عندكم بيقول ''لما تبقى الريح عاليه طاطي لها'' ومثل تاني بيقول '' لو ليك حاجه عند الكلب قوله يا سيدي'' ومثل تالت بيقول" اتمسكن لحد ما تتمكن'' أمال لو ماكنتيش مصرية هو أنا إلي هقولك.

صمتت رنا مفكرة في حديث سوتي فالتمرد والعناد لم يجلب لها سوى السجن والمرض.


وبعد فترة وقفت فقالت سوتي:

-رايحه فين؟

-هقابل الملك.


____________________________


في القاهرة.. مساءً


خرج زيدان من غرفته يتمطأ بتعب يشعر أن كل عظام ظهره ممزقه ينظر على الشقه بأستغراب يسأل أين هو؟

أخذ الأمر منه أكثر من ثانية حتى أستوعب الوضع الجديد، لا يعلم لما تسلل له ذلك الشعور بالألفه و الراحله هو يرى أنوار الشقة كلها مطفئة هادئة لا ينيرها إلا الضوء الصادر عن التلفاز وأمامه على الأريكة آلتي أختار كل تفاصيلها بنفسه تجلس فتاة في قمة الحسن والروعة يجد نفسه كلما نظر لها يردد بهمس" بسم الله ماشاء الله ''


تتسلل تلك الهمسة بإحساس خبيث لأذن تلك الحورية ثم لصدرها ومنها لشفتيها تجعلها تبتسم رغماً عنها وتداري إبتسامتها تتصنع أنها لم تسمع ما قال وتسأل نفسها أكلما رآها سيردد نفس الجمله؟ لكنه شعور رائع على الإطلاق هي تقر بذلك.


بما أنها تصنعت عدم السمع ستتصنع عدم ملاحظتها له فتقدم منها يقول:

-أنتي صاحية ؟


رفعت أنظارها له ثم قالت

-أيوة، مش جايلي نوم

-عشان مغيرة مكانك بس.


تقدم يجلس لجوراها على نفس الأريكة يسأل:

-هممك بتتفرجي على إيه؟

-بحب سعاد حسني قوي.

- ومين مايحبش سعاد حسني.


إلتفت تنظر له مبتسمه، على ما يبدو أنه رائع،عصفور كان يخسر منها كلما رأها تشاهد فيلم عربي وقديم أيضاً على عكس زيدان الذي جلس يشاركها الرأي و الإهتمامات فقالت:

-حلوة مش كده؟

- أيوة، مافيش حد زيها، جمالها فريد، زيك كده.


أتسعت عيناها منبهره من حديثه فاكمل مسحور من قربها:

-أنتي حلوة قوي يا حورية.......

يتبع 


تعليقات

التنقل السريع
    close