رواية من أنا البارت 1 بقلم الكاتبه حليمه عدادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
ركضت تحت المطر بكل قوتها. كلما سمعت اقتراب أصواتهم، زادت سرعتها حتى شعرت بانقطاع أنفاسها وتعثرت، وسقطت عدة مرات بسبب الطين. أثناء جريها في ظلام الليل وتحت المطر، شعرت بشيء حاد يخترق قدمها دون أن ترى شيئًا. صاحت بصوت مكتوم ثم وضعت يدها على فمها لكتم صوتها. جلست على الأرض متنهدة بقوة ودموعها تنهمر كالشلالات. لمست قدمها بيدها ثم سحبت ما اخترقها، وضغطت على الجرح بيدها شاعرة بألم شديد. فجأة، سمعت صوتًا يقترب، فحاولت تمالك نفسها ووقفت بصعوبة شديدة، ثم استمرت في المشي رغم الألم الذي كاد يهلكها. لم تعد تحتمل ما يحدث، فقد نزفت قدمها بشدة وفقدت قوتها من الركض، فصارت تتمايل أثناء المشي، وكلما حاولت أن تخطو خطوة سقطت في الطين، ثم تنهض بمجهود وتستمر في السير. ولكن في لحظة ما شعرت بدوار، وتلاشت الرؤية أمامها، وسمعت بعض الأصوات تقترب منها، ومن حسن حظها لمحت ضوءًا قريبًا منها فاتجهت إليه بصعوبة بالغة حتى اقتربت منه ووجدته منزلاً صغيرًا. طرقت الباب بقوة وهي ترتجف. ببطء فتح الباب، وظهر شاب من ورائه مغطى الرأس والوجه، حيث لم يكن مرئيًا منه أي شيء. قبل أن تفهم الموقف، سمعت صوتًا يقترب، فهرعت نحو الداخل وتركت الشاب يقف في مكانه.
عندما سمع صوت أقدام تقترب من المكان، أغلق الباب بسرعة واندفع نحو الداخل. وجدها تقف في أحد زوايا الغرفة، حيث كان جسدها يرتعش من برودة الجو والماء يتقطر من ثيابها. وكانت الدماء تغطي قدمها النحيلة، اقترب من المصباح المتوهج على إحدى القطع الخشبية، ثم أغلق الضوء وجلس يتأمل من خلال النافذة، لكنه لم يرَ شيئًا بسبب الظلام الغامض. بقي ينصت حتى سمع ابتعاد أصواتهم، ثم صاح بصوت مرتفع وقوي، قائلاً:
-أنتِ مين ؟ و مين يلي بعثكّ؟
نظرت له بهلع وهي تعبر عن ألمها بأنين، وهزت رأسها برفض. اندلع غضبه عندما تجاهلت سؤاله، فاقترب منها بغضب وأضاء المكان. وكلما اقترب منها أكثر، انتفض جسدها ذعرًا. وصل أمامها ولامست أنفاسه وجهها، ثم أمسك عنقها بقبضته القوية وضغط عليها بعنف. ذرفت دموعها وارتفع أنينها، وهي تشير له بإصبعها على شفتيها محاولةً أن تُبلغه بأنها لا تستطيع التحدث. بعدما فهم ما تقصده، ترك عنقها وأشاح وجهه بعيدًا عنها. سمع فجأة صوت ارتطام على الأرض، استدار ببطء ووجدها ملقاة على الأرض، وجسدها يرتعش بشدة بفعل برودة الجو القارس. اقترب منها وزفر بحنق من هذه المشكلة. حملها برفق ثم وضعها على سريره وغطاها بعناية. خرج بعد ذلك وأغلق الباب بإحكام. جمع قليلاً من الحطب ليشعل نارًا صغيرة للتدفئة. كان يود معرفة من هي وما الذي أوصلها إلى هذه الحالة. بعد أن جمع ما يكفي من الحطب، عاد إلى منزله. وعند فتح الباب، صُدم.
******
-أرجوك سيبني أنا ما معرفش عنها حاجه..
تفوهت بذلك امرأة ذات قوام نحيل، كان جسدها مغطى بالغبار، وهي ترتجف والدموع تنهمر من عينيها، إذ كانت مقيدة إلى عمود خشبي. اقترب منها رجل بتعبير غاضب، واندفع نحوها كعاصفة، ممسكًا بفكها بقوة وصاح بغضب قائلاً:
-فين الأمانة يلي سابها "عادل"قبل ما يموت؟أنا مش هكرر كلامي مرتين.
أطلقت صرخة تعبر عن وجعها وألمها الذي استحكم في قلبها، بينما كانت تذرف الدموع بقهر على فراق أبنائها، مما أشعل نار الحزن في قلبها:
-أنا معرفش صدقني،عادل ما سبش حاجة ،أنت وديت بناتي فين؟
-بناتك إنسيهم لحد ما تقولي الأمانة فين و إلا مش راح تشوفهم تاني.
تغيرت ملامح وجهه واحتدّت عيناه، ثم صفعها مما جعل صرخة مدوية تنبثق منها، هزت أرجاء المكان. اقترب منها حتى لامست أنفاسه وجهها، وهتف قائلاً:
-لو فضلتي تنكري صدقني هتندمي أنا مش راح أرحم بناتك خليكي متأكدة.
أنهى حديثه وخرج من المكان غاضبًا، دون أن يظهر عليه أي تأثر أو يرف له جفن، بينما كانت هي تصرخ وتبكي في آنٍ واحد، وقلبها يحترق على فلذات كبدها. أمالت رأسها ولم تتمالك نفسها فبكت بحزن عميق، فقد عاشت منذ وفاة زوجها معاناة تشبه مرارة الصبار، وما يؤلم قلبها أكثر هو قلقها الدائم على بناتها، فهي لا تعرف كيف تسير أمورهن وما يتعرضن له. فجأة، انسلّ صوت من خلفها.
-أنا هخرجك من هنا يا "منة"، أنا مش راح هسكت على الظلم دا.
رفعت رأسها ببطء لتكتشف من يشاركها المكان، وما إن رفعت رأسها ورأت المتحدث، حتى شعرت بصدمة.
-نورهان؟!
**********
شعر بالصدمة عندما لم يجدها في مكانها، فكان السرير فارغًا وهي غير موجودة. زاد من حيرته أنها غيرت مكانها والباب مغلق. نظر في أرجاء الغرفة ثم توجه إلى المطبخ الصغير، ليجدها متكورة في إحدى الزوايا. كلما اقترب منها، كان شحوبها يزداد. نظر إلى قدمها التي تنزف بغزارة، ثم هتف قائلاً:
-ما تخافي، أنا مش هأذيكِ قومي معيا المكان بارد.
خرجت خلفه وهي تشعر بالخوف، ثم جلست في زاوية بعيدة عنه. أشار لها بيده لتقترب من الطعام، بينما ابتعد هو قليلاً. تقدمت نحو الطعام وبدأت تأكل بشغف. استمرت في تناول الطعام بلا انقطاع، وكأنها لم تتناول شيئًا منذ زمن طويل. وعندما لاحظ اقتراب الطعام من النفاد، توجه إلى المطبخ ليحضر لها المزيد. بعد فترة قصيرة، عاد إليها ووضع الطعام أمامها. انتفضت عند شعورها بذلك. جلس القرفصاء أمامها، ثم نهض وعاد إلى المطبخ. قبل أن يدخل، سمع همهمتها وكأنها تود قول شيئاً. استدار نحوها ليجدها واقفة عند الباب، ترغب في فتحه. تقدم نحوها وهتف قائلاً:
-هتروحي فين في الوقت دا؟خليكي هنا لحد الصبح بعد كدا روحي منين ما تحبي ما تخافي.
أنهى كلماته ثم توجه نحو خزانة صغيرة، حيث استخرج منها ثيابًا قطنية بعدما لاحظ ملابسها المبللة وبرودة الجو. وضعها أمامها وقال:
-أنا هنام في المطبخ خذي راحتك و غيري هدومك دي.
على الرغم من مخاوفها، إلا أنها شعرت بصدق كلماته. وقد أخذ هو غطاءه، وذهب إلى المطبخ حيث أغلق الباب بالمفتاح. ثم جلس على إحدى المقاعد، وأزال القناع عن وجهه، وبدأ يلمس وجهه. مرر يده ببطء على نصف وجهه المخيف، واستند برأسه إلى الوراء، بينما أغمض عينيه متألمًا، حيث اجتاح قلبه شعورٌ عميق من الألم في كل مرة يلامس فيها وجهه ويستعيد ذكريات يجهد نفسه لنسيانها. حاول النوم، ولكن لم يتمكن؛ هرب النوم من جفونه. تململ في مكانه بقلق، وراوده شعور بعدم الارتياح، كانت البرودة تتسلل إليه من النافذة مع تزايد صوت الأمطار واشتداد الرياح. أزاح الغطاء عن قدمه ونهض ليعد فنجانًا من القهوة. وفجأة، سمع صراخها، مما جعله ينتفض من مكانه بفزع. ثم وضع قناعه بسرعة، وفتح الباب ليجدها أمامه، تبكي بانهيار. أشار لها للدخول إلى المطبخ ،فركضت نحو الداخل وهي تبكي. ثم توجه نحو الباب، حيث سمع طرقات قوية تكاد تكسر الباب.
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق