رواية دمعات قلب الدمعة الخامسة والسادس عشر بقلم رباب فؤاد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
وقف (طارق) في شرفة غرفته بالفندق في الإسكندرية والتقط نفساً عميقاً من هواء البحر المنعش أمامه قرب منتصف الليل وتأمله قليلاً، ثم أخرج هاتفه الجوال من جيبه وضغط أحد أزراره وإنتظر قليلاً ليسمع من الطرف الآخر صوت (هالة) الهادئ تقول بابتسامة واضحة في صوتها ـ"أهلا بالعريس. كيف حالك وكيف العروس؟"
أبتسم وهو يجيبها قائلاً ـ"بخير والحمد لله. أنت كيف حالك وكيف حال أمي والأولاد؟"
أجابته بنفس الرقة قائلة ـ"نحن بخير والحمد لله. لكن القبيلة بأسرها نيام. حتى أنا كنت في طريقي إلى النوم".
منحها ضحكة خافتة وهو يقول ـ"أسف على إزعاجك إذاً...لقد أردت فقط أن أشكرك وأدعو لك الله أن يحميك ويبارك لك في صحتك وأطفالك...لقد كنت سبباً في سعادتي يا (هالة) ولن أفيك حقك يوماً".
شعرت بغصة من كلماته، لكنها سرعان ما تنحنحت لتجيبه بهدوء ـ"أنت تستحق كل خير يا (طارق)، وكذلك (سمر). حافظ عليها لأن أمثالها قلة في هذا العالم".
سرت قشعريرة باردة في جسده حينما سمع جملتها الأخيرة، فقال لينهي المكالمة ـ"وأمثالك أيضاً يا (هالة). انتبهي لنفسك والأولاد. تصبحين على خير".
لم يكد يسمع ردها حتى أنهى المكالمة وزفر في عمق وظل يطالع البحر للحظات قبل أن يلتفت ليعود إلى الغرفة. ولكنه أجفل بمجرد أن التفت،
إذ وجد (سمر) واقفة على باب الشرفة ساندة كتفها على حافته وعاقدة ذراعيها أمامها وفي عينيها نفس النظرة الباردة المحيرة فقال بدهشة ـ"(سمر)؟ منذ متى وأنت هنا؟"
قالت بنبرة ساخرة ـ"منذ كنت تتسول على باب الحسين".
ثم قالت تقلده "لقد اتصلت كي أدعو لك الله أن يحميك ويبارك لك في صحتك وأطفالك". وعاد صوتها إلى نبرته الغاضبة وهي تقول ـ"تتصل بضرتي وأنا معك في شهر العسل؟"
قالتها والتفتت غاضبة لتدخل إلى غرفتهما، فلحقها (طارق) وأمسك بذراعها يوقفها قائلاً بابتسامة واسعة ـ"سأتغاضى عن سخريتك والإهانة التي تلفظت بها قبل قليل لعلمي أنك تغارين".
حاولت أن تجذب ذراعها من قبضته وهي تقول بضيق ـ"ابتعد عني، فأنا لا أغار عليك".
شدد قبضته على ذراعها وقربها منه وقال وهو يغوص في عينيها بحب ـ"بل تغارين ولهذا ضايقك اتصالي ب(هالة)".
أشاحت بوجهها هرباً من نظرات عينيه فأدار وجهها إليه وداعب شعرها قائلاً بنفس الابتسامة ـ"حبيبتي...أنت وحدك زوجتي. وأنا لم أتصل بهم منذ زواجنا الأسبوع الماضي. فقط أردت الاطمئنان على الأولاد".
مطت شفتيها قائلة ـ"فلماذا لم تتصل مبكراً لتكلم أبناء أخيك؟ لقد اتصلت متأخراً حتى ترد هي عليك".
ضحك منها وقبل جبهتها قائلاً ـ"والله لم أتعمد ذلك...فنحن نخرج كل يوم ونعود متأخراً، واليوم عدنا مبكراً عن كل ليلة، فاتصلت بهم وأنت تغيرين ملابسك".
ثم قرص وجنتها بخفة قائلاً ـ"ثم هل تنكرين أن (هالة) هي السبب في إقناع والدي بزواجنا؟ أنت أقنعتني بالزواج منها لصالح أبناء (حازم) رحمه الله، وهي ساعدتنا بالزواج. أقسم لك أن (هالة) مثل البلسم، وأثق أنك ستحبينها حينما ترينها".
هزت كتفيها كالأطفال وزادت في مط شفتيها كطفلة يحاول والدها إرضاؤها دون جدوى، فقال وهو يقرص وجنتيها مشاكساً ـ"هيا أريني ضحكتك وإلا دغدغتك".
ضحكت لمجرد تخيله وهو يدغدغها كالمعتاد كلما أراد منها شيئاً، ثم رفعت سبابتها محذرة وهي تقول ـ"سأسامحك هذه المرة فقط. لكني لا أعرف ماذا سأفعل في المرة القادمة".
ضحك ثانية وهو يقبل وجنتها في الموقع الذي قرصه قائلاً ـ"توبة يا حبيبتي...لن أضايقك ثانية".
أما (هالة)، فما أن أنهى (طارق) الاتصال حتى تنهدت في عمق واحتضنت هاتفها في هدوء وهي تنظر إلى موضع نوم زوجها على الفراش.
زوجها الصوري الذي يعتبرها أخته، واتصل بها من جوار عروسه ليبلغها مدى امتنانه لها وسعادته بهذه الزيجة...
الزيجة التي ساعدته في إتمامها وهي لا تدري هل ستسعد هي الأخرى أم لا.
كانت مشاعرها مضطربة،
فهي ليست حزينة لزواجه،
ولكنها ليست سعيدة أيضاً.
لقد تزوجته مرغمة، وهو كذلك،
لكن ابتعاده عنها منذ الزواج صدمها،
وزادت صدمتها باعترافه لها بحبه لزميلته.
كانت كلماته في ذلك اليوم لا تزال تدوي في أذنيها وهو يعترف بأن حبيبته اشترطت أن يكون زواجه من أرملة شقيقه صورياً.
مزقها اعترافه في هذا اليوم، ودمر حلمها الوليد في أن يكون هذا الزوج بحنانه وتفهمه عوضاً لها عن زوجها السابق...عن شقيقه.
هزت رأسها في عنف وكأنها تنفض عنه أفكاره ونهرت قلبها على هذه المشاعر التي وجدتها مشاعر ماجنة وفاسقة...
لقد أعلنت لحميها من قبل أنها لن تقبل الزواج بعد (حازم) رحمه الله، بل وتزوجت شقيقه مرغمة لحماية أطفالها. وقد أتتها الفرصة لتفي بما قالت من قبل، فلماذا تضيعها؟
ثم مسحت بقوة دمعة متمردة تسللت من عينيها وهي تتذكر نصيحة أمها بأن تحول (طارق) إلى أخ أو صديق، بدلاً من أن تعلق نفسها بأوهام واهية.
نعم...(طارق) مجرد صديق، ولن يتحول إلى أي خانة أخرى.
************************
الدمعة السادسة عشر
16 -
فتح (طارق) باب المبرد في ضجر بحثاً عن طعام الغذاء، لكنه لم يجد سوى قارورة مياه نصف ممتلئة وبعض الأطباق الصغيرة التي تحوي جبناً وزيتوناً، وزجاجة حليب شارفت على الإنتهاء، فمط شفتيه وأخرج غضبه في باب المبرد الذي دفعه بعنف هز المبرد بقوة. ثم التفت إلى الموقد الذي لم يجد فوقه أي أواني طهي، ففتح باب الفرن عله يحوي طعام الغذاء الذي طهته زوجته المصون. ولكن بحثه باء بالفشل للمرة الثانية فزفر في قوة وهو يهتف بغيظ من بين أسنانه ـ"حسبي الله ونعم الوكيل...أين ذهبت هذه المجنونة دون أن تطبخ طعام الغذاء"؟
قالها وهو يضغط أزرار هاتفه الجوال ليطلب (سمر) للمرة العاشرة منذ عودته من المستشفى ليسمع نفس الرسالة التي زادت من عصبيته "الهاتف الذي طلبته غير متاح حالياً، من فضلك حاول الاتصال في وقت لاحقThe mobile you…"
لم يمنح السيدة الإلكترونية الفرصة لإتمام رسالتها باللغة الإنجليزية لأنه أنهى المكالمة والشرر يتطاير من عينيه، قبل أن يلقي الهاتف بعيداُ ليسقط على أريكة الأنتريه.
ظل يدور قليلاً في أرجاء الشقة ثم ما لبث أن جلس متحفزاً على مقعد الأنتريه المواجه لباب الشقة في إنتظار عودة زوجته.
وبعد ساعة أخرى من الانتظار_ مرت عليه كالدهر_ سمع صوت المفتاح يدور في الباب، فرفع عينيه في بطء ليرى زوجته تدخل في هدوء ولا يبدو عليها أي انزعاج من التأخير، وابتدرته بقولها ـ"حبيبي...متى عدت"؟
أجابها من بين أسنانه قائلاً ـ"منذ ساعتين...أين كنت؟ لقد طلبتك عند والدتك وأخبرتني أنها لم ترك منذ يومين".
قالت بلامبالاة وكأنها لم تسمعه ـ"عظيم...هل أعددت لنا الغذاء؟ إنني أتضور جوعاً".
إتسعت عيناه وعاد الشرر يتطاير منهما وهو يهتف بها ـ"ماذا؟ أنا الذي أعد الغذاء؟ وأين كنت منذ الظهيرة؟ لماذا لم تعديه مسبقاً مثل باقي الزوجات العاملات"؟
اقتربت وهي تجيبه ببرود أغاظه ـ"ألم نتفق من قبل على تقسيم المهام المنزلية بيننا؟ وما دمت أتيت قبلي فلماذا لم تجهز كيساً من المكرونة وتخرج أي كيس لحم أو دجاج من المجمد"؟
استشاط غضباً وهو يهتف دون وعي ـ"هل تمزحين؟ جراح لم ينم طول الليل بسبب جراحة معقدة وظل في المستشفى حتى الثانية ظهراً دون راحة وعاد إلى منزله يتوق إلى وجبة ساخنة وفراش وثير لكنه لم يجد زوجته ولا أي شيء يؤكل في المنزل، وفي النهاية تسأليني لماذا لم أجهز مكرونة"؟
فتحت فمها لتجيبه لكنه لم يمنحها الفرصة وهو يهتف ثانية ـ"وأين كنت طيلة هذه المدة منذ خروجك من المستشفى؟ ولماذا أغلقت هاتفك الجوال"؟
شعرت بمدى غضبه وحاولت تلطيف الأمر وهي تقترب قائلة بابتسامة مدروسة ـ"لقد انتهى شحن الجوال فجأة، وظننت انك اليوم ستذهب إلى (هالة)، فتأخرت بعد المستشفى".
ضرب كفيه بدهشة قائلاً ـ"سبحان الله. اسم (هالة) أصبح يجري على لسانك دون سخط. راجعي أيام الأسبوع يا دكتورة وسترين أن اليوم عندك أنت".
ثم عاد يسألها وهو يضيق عينيه ـ"لم تجيبي..أين تأخرت"؟
أجابته بتردد ـ"ك..كنت في الجيم".
اقترب منها وقال دون استيعاب ـ"أعيديها على مسامعي ثانية...يبدو أن السمع خانني و..".
قاطعته وهي تقول في سرعة ـ"كنت في الجيم يا (طارق)...صالة الأيروبيكس".
إتسعت عيناه في دهشة حقيقية وهو يتفحص جسمها بعينيه قائلاً ـ"أيروبيكس هكذا فجأة؟ ودون استشارتي"؟
هزت كتفيها قائلة ـ"إنها المرة الأولى اليوم..أردت أن أجرب قبل أن أقرر الإشتراك في هذا النادي الصحي".
عقد ذراعيه أمام صدره وهو يسألها بتهكم ـ"وهل راقك النادي الصحي"؟
لمعت عيناها وهي تجيبه في حماس قائلة ـ"إلى ابعد مدى...المدربة نشيطة للغاية والأجهزة الرياضية حديثة والجا..."
قاطعها قائلاً ببرود ـ"وماذا عن طفلك"؟
أجفلت للحظة وتراجعت برأسها إلى الخلف قبل أن تسأله بصوت مبحوح ـ"أي طفل"؟
أجابها بنفس البرود وهو يقترب من وجهها حتى التحمت أنفاسهماـ"طفلنا...ألم يحن وقته بعد"؟
ارتبكت من سؤاله ونظراته وهي تقول ـ"كل شيء بأوان. فلماذا العجلة"؟
تأملها قليلاً قبل أن يقول بغيظ ـ"عجلة؟ بعد ستة أشهر زواج وتسمينها عجلة؟ ثم أنى للطفل أن يأتي وأمه تمارس الأيروبيكس في النادي الصحي؟ بل قولي أنى له أن يأتي وأمه لا تهتم بأبيه"؟
إتسعت عيناها وهمت بالدفاع عن نفسها لكنه لم يمنحها الفرصة وهو يهتف بها ـ"طلبت مني المساعدة في شؤون المنزل ووافقت، أهملت المطبخ وصرنا نأكل من المطاعم كالعزاب وصمتت، تراكمت ملابسي المتسخة وغسلتها بنفسي ولم أعترض...كل هذا وأنت ماذا تفعلين؟ بالله عليك أخبريني ما الذي تفعلينه في هذا البيت سوى النوم ومشاهدة التلفاز...حتى لا أراك تفتحين مرجعاً لرسالة الماجستير. أخبريني بشيء واحد يبرر انشغالك عن بيتك وزوجك أو يبرر ذهابك إلى الجيم بدلاً من الاهتمام بي".
اختنق صوتها بالعبرات وهي تقول بصوت أجش ـ"أنا...".
قاطعها بنفس الغضب قائلاً ـ"أنت ماذا؟ ماذا ينقصك عن (هالة)؟ تعمل مثلك، بل وأكثر منك في المدرسة ومع الأولاد، ورغم ذلك فبيتها مرتب طوال الوقت، ولم تتأخر يوماً عن موعد الغذاء، ولم أبحث عن ملابسي يوماً أو أطلب منها كي قميص أو خياطة زر...كل شيء مرتب وكأنني شغلها الشاغل. حتى مع أولادها...لا ينقصهم شيء وكأنهم كل عالمها. أما زوجتي التي حاربت من أجلها فتهملني، بل ولا تأبه حتى بإنجاب طفل لي يشغل فراغها".
لم تستطع تحمل كلماته الجارحة أكثر من ذلك فهتفت به بألم ـ"كفى..كفى. كل شيء (هالة) (هالة). لماذا لا تقدر مشاعري؟ لماذا تصر على أن تشعرني بالعجز مقارنة بها؟ قلت لك ألف مرة أنا غيرها، ولا تقارنني بها. وما ينطبق عليها لا ينطبق علي، وأنت وافقت على ذلك منذ البداية. فلماذا التجريح"؟
وبأصابع مرتجفة مسحت دمعة خانتها وسالت على وجهها الملتهب من الغضب وإستدارت بعيداً عنه وهي تقول ـ"من فضلك يا (طارق)...اتركني وحدي الآن كيلا نجرح بعضنا أكثر من ذلك".
لم ير دموعها، لذا لم يشعر بأي تعاطف نحوها وهو يتجه نحو غرفتهما في صمت ليلتقط سترته الصوفية وسلسلة مفاتيحه في سرعة ويتجه إلى باب الشقة قائلاً ـ"هذا أفضل".
وصفق الباب خلفه في عنف تاركاً إياها غارقة في دموع لم ترده أن يراها.
************************************
الفصل السابع عشر والثامن عشر من هنا
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺