القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمعات قلب الدمعة العشرين بقلم رباب فؤاد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية دمعات قلب الدمعة العشرين بقلم رباب فؤاد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

رواية دمعات قلب الدمعة العشرين بقلم رباب فؤاد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

وقف(طارق) في شرفة غرفة النوم وأشعل سيجارة نفث دخانها بعيداً في قوة علها تخفف توتره, وقلبه يقرّعه على ما فعله في ابنيّ شقيقه للتو.


كان تأنيب ضميره كلسعات السياط تمزق قلبه و أحاسيسه, فما كان ينبغي أن يثور هكذا على الولدين خاصة وهو يعلم بمدى حبهما له وافتقادهما لوجوده.

واستغرقته أفكاره فلم يسمع طرقات(هالة) الهادئة على باب الغرفة, و فوجيء بها إلى جواره.


فعندما لم يجبها فتحت(هالة) باب الغرفة ودلفت إليها لترى_أول ما رأت_ حقيبته موضوعة إلى جوار الفراش. وعندما بحثت عنه بعينيها في الغرفة لم تجده, كان بالشرفة, ولم ينتبه إلا وهى تربت على كتفه وتسأله في تعاطف ـ"ماذا بك يا(طارق)؟ماذا حدث؟ ولماذا عدت إلى التدخين ثانية؟"


انتفض في فزع للحظة قبل أن يستدير إليها بعينين دامعتين, ويسحب نفساً عميقاً من سيجارته ثم يقذفها بعيداً في الهواء بأصابع مرتجفة ويعود بوجهه ثانية إلى الشارع وينفث الدخان بعيداً في صمت.

ضايقها صمته وأقلقتها دموعه فقالت بلهجة خاصة ـ"(هيثم) و(هاني) يبكيان في الداخل, وأنت هنا تعود للتدخين ولا تبالي بإجابة أسئلتي و..."


قاطعها وهو يرفع كفه الأيمن أمامها صامتاً, وهالها مرأى ارتجافة كفه القوية فأمسكتها برفق وهي تقول بهلع ـ"ما هذا؟ إن كفك ترتجف في شدة."


نظر إلى كفه في ألم ولم يجبها فازدردت لعابها الجاف وسألته في جزع ـ"هل حملت شيئاً ثقيلاً أو..."


قاطعها قائلاً بصوت مختنق ـ"أتدرين ما هي ثروة الجرّاح؟ إنها أصابعه. تخيلي خطورة أن تهتز أصابع الجرّاح أثناء عمله. لقد كدت أفقد مستقبلي اليوم حين اهتز المبضع في يدي, ورغم أن أحداً لم يلحظ ما حدث فقد شعرت بانهيار ثقتي في نفسي دفعة واحدة وطلبت من زميلي إجراء الجراحة بدلاً مني."


اتسعت عيناها في ذعر وهي تستمع إليه وأصابعها تكتم شهقة عنيفة من حلقها قبل أن تقول بحزم ـ"هيا إلى الداخل, إنك ترتجف من البرد."


قال معترضاًـ"أنا لا أرتجف من البرد."


أشارت إليه بالدخول قائلة في ثبات ـ"أياً كان السبب, يجب أن ندخل سوياً إلى الغرفة لأننا لن نناقش ما أنت فيه أمام مدينة نصر بأكملها."


بدا قولها مقنعاً إلى حد كبير فتبعها في هدوء للداخل وجلس على أول مقعد صادفه واضعاً وجهه بين كفيه, فركعت(هالة) على ركبتيها إلى جواره وربتت على كتفه في حنان قائلة ـ"(طارق)! لا تقلق, ستكون بخير غداً إن شاء الله. أؤكد لك أن الأمر لا يعدو كونه إرهاقاً زائداً لعضلات ذراعك وستعود لطبيعتك بعد قليل من الراحة."


رفع وجهه إليها قائلاً في سخرية ـ"راحة؟ ومن أين تأتي الراحة؟ من أبي, أم من(سمر), أم من المستشفى؟"


عقدت حاجبيها قائلة في قلق ـ"ماذا حدث؟ وما سر هذه الحقيبة؟"


ألقى نظرة سريعة على الحقيبة قبل أن يقول بتهكم ـ"الحقيبة؟ إنها نهاية الفصل."


سألته في حيرة ـ"أي فصل؟ وماذا تقصد بذلك؟"


تنهد في عمق قائلاً ـ"نهاية الفصل الأخير من المسرحية المؤلمة التي كنت أعيشها في الفترة الماضية والتي بدأت بتدخل أبي في حياتي مع(سمر) بحجة رغبته في رؤية أبنائي, وبعدها إصراري على إجراء فحوصات شاملة لي ولها, وانتهت المسرحية بانفصالي عن(سمر)."


قفزت واقفة على قدميها هاتفة في استنكارـ"ماذا قلت؟ انفصالكما؟ كيف ولماذا؟"


نهض بدوره مبتعداً وقال بخفوت ـ"لا رغبة لي في الحديث عن هذا الأمر الآن."


اتجهت إليه وتابعت وكأنها لم تسمع ما قاله ـ"وأين ذهب حبكما؟هل نسيت كل ما فعلته(سمر) من أجلك وأجلي ومن أجل أولادي؟ هل نسيت كم عانت وكم ضحت في سبيل حبها؟ كيف تتركها بهذه السهولة؟"


هتف محنقاً ـ"قلت أنني لا أريد الحديث عن هذا الموضوع."


جذبته من ذراعه ليلتفت إليها قائلة بحزم ـ"بل ستتحدث لأن هذا الأمر لا يتعلق بكما وحدكما, بل بي وبأبنائي أيضاً. لقد احترمت صمتك فيما مضى رغم إحساسي بوجود مشاكل في حياتك, وقلت لنفسي إنك حر في الاحتفاظ بأسرار بيتك لنفسك وإنك ستحلها بشكل أو بآخر. لكن أن يصل الأمر للانفصال فهذا ما لن أسكت عليه وأصر على معرفة أسبابه."


رمقها بنظرة حادة فتابعت بلهجة ناعمة ودود ـ"موضوع يدك له علاقة بالأمر, لذا اجلس في هدوء وأخرج كل الضغوط التي انعكست على أعصابك وتوشك أن تفقدك مستقبلك."


قالتها وهي تقوده برفق إلى مقعده ثانية وتُجلسه عليه بهدوء.


أما هو فقد ظل ينظر بألم إلى كفه اليمنى التي ترتجف رغماً عنه والدموع تترقرق في عينيه, وعقله يضخم له الأمر موحياً إليه بأنه سيفقد مستقبله كجرّاح إذا ظل على هذه الحالة.

وشعرت(هالة) بقلبها يتمزق لمرآه هكذا فركعت أمامه ثانية وتناولت كفه المرتجفة بين يديها وهمست بحنان ـ"إنك تزيد الأمر سوءاً هكذا, صدقني ستتحسن يدك قريباً و..."


قاطعها وهو يتأمل عينيها السوداوين قائلاً ـ"لقد طلبت(سمر) الطلاق بنفسها."


اتسعت عينا(هالة) وهي تستمع إليه قبل أن يخرج صوتها مبحوحاً وهي تقول ـ"بسببي؟"


هز رأسه نفياً في صمت قبل أن يتنهد بعمق ويعود بذاكرته إلى خمسة أيام مضت.


كان قد عاد لتوه إلى شقته وقد بلغ معه الإرهاق مبلغه بعد يوم عمل طويل، وأدهشه ألا يجد (سمر) في الردهة تشاهد التلفاز كعادتها.

حتى حينما أدار بصره في أرجاء الشقة لم يجدها حوله، فاتجه إلى غرفتهما وما أن اقترب حتى تناهى إلى مسامعه صوت نحيب مكتوم ففتح الباب في سرعة ليجد زوجته تحتضن وسادتها وتبكي بألم.

راعته دموعها وصوت نحيبها فهرع إليها ورفع وجهها عن الوسادة قائلاً في لهفة ـ"ماذا بك يا حبيبتي؟ لماذا تبكين؟"


رفعت إليه عينيها المتورمتين من شدة البكاء ثم عادت لتدفن وجهها في الوسادة وتجهش بالبكاء لتزيد من قلقه، فسألها بتوتر وهي يمسح ظهرها براحته ـ"هل تتألمين؟ هل تُوفي أحد من أقاربنا؟ أجيبيني يا (سمر) فأنا لا أطيق التوتر".


رفعت عينيها ثانية وإلتقطت مظروفاً كبيراً من جوارها ناولته إليه دون أن تنطق وعيناها تتبعان ملامحه لمعرفة ردة فعله.


أما هو فتناول منها المظروف وعقله لا يزال متوقفاً من الإرهاق الذي يشعر به وفتحه بعد أن جلس على طرف الفراش ليجد به مجموعة من صور الأشعة السينية والموجات فوق الصوتية ونتائج التحاليل.


حينها بدأ يدرك أنها ولا شك نتيجة تحاليله وأشعاته هو و(سمر)، وبدأت دقات قلبه في التسارع وهو يحاول التكهن بما تحمله النتائج ويربطه ببكاء زوجته الشديد.


بدأ بأشعته وتحاليله أولاً وإلتهمت عيناه أسطر التقارير في سرعة إلى أن تأكد من أنه سليم تماماً ولا يوجد ما يمنعه من الإنجاب.


لحظتها فقط سمح لأنفاسه الحبيسة بالخروج من رئتيه في صورة تنهيدة قوية أعقبها بقوله ـ"الحمد لله".


ثم ما لبث أن إنتبه إلى النتائج الأخرى...لابد وأنها تحمل سبب بكاء (سمر).


تزايدت دقات قلبه ثانية وهو يفحص أوراقها وأشعاتها وعيناه تتسعان أكثر وأكثر، ثم ما لبث أن شعر بقبضة باردة تعتصر قلبه وهو يقرأ النتيجة النهائية لتقرير أشعة الموجات فوق الصوتية، فأغلق عينيه في ألم وإلتقط نفساً عميقاً يهدئ به توتره الذي فاق كل حد قبل أن يلمس كف (سمر) قائلاً بصوت حاول أن يبثه قدراً من الهدوء ـ"حبيبتي هذه ليست النهاية...الطب يتقدم كل يوم وكل ساعة...ومع الإجتهاد في الدعاء سيرزقنا الله بالذرية الصالحة و..".


قاطعته من بين دموعها قائلة بلهجة جافة ـ"أي طب وأي دعاء؟؟؟ألم تقرأ التقارير بعناية؟ أنا عقيم يا دكتور...عقيم ولا يمكنني الإنجاب".


هتف بها مستنكراً ـ"أستغفر الله العظيم...هل سنكفر مع أول إبتلاء؟"


إستغفرت ربها بصوت خفيض في حين تابع هو بهدوء وثبات ـ" يا (سمر) لا تقنطوا من رحمة الله..لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالدعاء ووعدنا بالإستجابة..ولا يوجد ما هو مستحيل على قدرة الله. ومن يدري..فقد تسيقظين يوماً لتجدين طفلي بين أحشائك".


عادت إلى دموعها ثانية وهي تقول بإنهيار ـ"أعد قراءة التقارير يا (طارق). الأمر واضح. أنا لا أستطيع الإنجاب لأن رحمي لا يستطيع التمدد مع نمو الجنين. ألا تدرك معنى ذلك؟ معناها أنه لا يمكنني الإنجاب حتى بواسطة التلقيح الصناعي. لقد إنتهى الأمر".


إقترب منها ووضع رأسها على صدره وإحتواها قائلاً بحنانه المعهود ـ"لن أفقد الأمل..وحتى إذا لم ننجب أطفالاً فوجودك معي يكفيني. أستطيع الحياة معك دون أطفال. ألم تقولي أن لدي ثلاثة بالفعل...سأكتفي بهم ونستمر في حياتنا وكأن شيئاً لم يكن و...".


قاطعته وهي تبتعد عن صدره في حدة قائلة بعنف ـ"طلقني".


اتسعت عيناه وهو ينظر إليها وكأنه يراها لأول مرة، ثم حاول أن يقربها إليه ثانية ليمتص إنفعالها لكنها دفعته في صدره بقوة قائلة بشراسة لم يرها من قبل ـ"ألم تسمعني؟ قلت لك طلقني".


تنهد بقوة وإستعاذ بالله من الشيطان في داخله قبل أن يقول بهدوء ـ"وحدي الله يا (سمر)...ما الداعي للحديث عن الطلاق الآن؟ قلت لك إنني راض بقضاء الله ولن أفقد أملي فيه، وإنني لا أريد أطفالاً وإنما أريدك أنت..فلماذا الحديث عن الطلاق؟"


سألته في حدة ـ"أتستطيع مواجهة والدك بذلك؟ أتستطيع أن تقول له بكل صراحة زوجتي عقيمة يا أبي وأنا لا أريد الإنجاب".


قال في ضيق ـ"وما دخل أبي بالأمر؟"


أجابته بنفس الحدة وقد إرتفعت نبرة صوتها الباكي قائلة ـ"أتنكر أن السبب الحقيقي في موافقته على زواجنا كان رغبته في رؤية أبنائك؟ أتنكر أنه لمح إلى تأخر حملي أكثر من مرة؟ قل لي كيف ستمنحه ما يريد من أحفاد..هل تتبنى أطفالاً أم تتزوج الثالثة لتنجب لك وبذلك ترضي جميع الأطراف. تتزوج (هالة) لتربي أبناء شقيقك الراحل وتحمي إرثهم، ثم تتزوجني لأنك تحبني، ثم تتزوج الثالثة لتنجب لك ولي العهد المنتظر".


كان يسمع كلماتها القاسية بضيق، ولكن كلماتها الساخرة الأخيرة أخرجته عن هدوؤه فهتف بها من بين أسنانه ـ"(سمر).. لقد تغاضيت عن الكثير من حديثك لعلمي بحالتك النفسية الآن، ولولاها لكان لي تصرفاً آخر. لقد إنتهت المناقشة ولا رجعة في ذلك، ولن أسمح لك بالحديث عن الطلاق ثانية."


تأملته للحظات وأدركت كيف يجاهد للحفاظ على هدوء اعصابه في وجه كلماتها الجارحة، وحمدت ربها سراً أنه يجيد كبت إنفعاله وإلا لكان صفعها في قوة على إهانتها له.

ولدهشتها فقد أشار إليها بسبابته قائلاً بلهجة شبه آمرة ـ"هيا اغسلي وجهك وغيري ملابسك..سنخرج للعشاء".


إتسعت عيناها وهي تتأمل ملامحه المرهقة قائلة بدهشة ـ"ماذا؟"


لاح شبح إبتسامة على طرف شفته وهو يقول بإرهاق ـ"ماذا ماذا؟ إني أتضور جوعاً وأنت لم تجهزي العشاء فما الحل؟؟ هيا سنتناول العشاء في الخارج".


ترددت وهي تتأمل أصابعها كفيها الرقيقة في حرج قائلة ـ"لا داعي للخروج...سنطلب خدمة التوصيل و...".


اقترب منها باسماً وتناول كفيها في رقة قائلاً ـ"كلا..العشاء في المطعم مقصود كيلا تطاردك الأفكار السوداوية وكي تضطرين إلى الحفاظ على مظهرك ولا تبكين".


ابتسمت رغماً عنها واحتضنت أصابعه بين أصابعها قبل أن تبتعد لتستعد كما طلب منها.

حينها تنهد في عمق وإعتقد أن المشكلة إنتهت على خير.

ولكنها كانت أبعد ما تكون عن الخير...


ففي الصباح التالي حينما إستيقظ (طارق) مبكراً كي يستعد للذهاب إلى عمله جلست في الفراش وإبتدرته بسؤالها ـ"لماذا ستذهب إلى المستشفى الآن؟ مواعيدك اليوم بعد الظهيرة".


أجابها بتلقائية وهو يصفف شعره في المرآه ـ"لقد أرسلوا إلي في الفجر كي أحضر عمليات الدكتور (سلطان) بدلاً منه لأن زوجته تل..".


قطع عبارته فجأة وهو ينظر إلى إنعكاس صورتها في المرآه وقد حمل وجهها تعبيراً غريباً فإلتفت إليها سريعاً كي يعتذر لكنها كانت أسرع وهي تقول بألم ـ"هل علمت المستشفى بهذه السرعة؟"


وضع كفيه على رأسه قائلاً بصبر نافذ ـ"لا حول ولا قوة إلا بالله..أصبحنا وأصبح الملك لله...مالذي علمته المستشفى يا (سمر)؟ ومالحياتنا الشخصية بها؟"


اغرورقت عيناها بدموع سريعة وهي تقول ـ"ما تفسيرك إذاً لهذا الإستدعاء؟ لماذا لم يستدعوا أي جراح آخر؟ لا يوجد تفسير سوى أنهم يعلمون أن زوجتك لن تلد يوماً ولهذا فأنت متاح في أي وقت".


زفر في ضيق وخلل شعره بأصابعه قائلاً ـ"يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم...(سمر) يا حبيبتي..ما أدراك أنهم لم يطلبوا غيري؟ ثم كيف تعلم المستشفى بتقاريرنا الصحية التي أجريناها في مستشفى آخر؟ إستعيذي بالله من شيطانك وهيا لتذهبي معي إلى العمل".


اعتدلت على طرف الفراش وهي تقول ـ"أفضل ألا أذهب اليوم...حالتي النفسية ليست...".


جذبها من كفيها ليوقفها على الأرض قائلاً برقة وكأنه يتعامل مع طفلة كبيرة ـ"الحل الأمثل لحالتك النفسية هو الخروج من البيت..أتنكرين أنك كنت أفضل بالأمس بعد عودتنا؟ هيا إستعدي فلن أنتظر طويلاً".


وأطاعته ثانية وظن أن الأمور في تحسن.


لكنه فوجئ بعد إنتهاء عمله في المستشفى بأنها غادرت منذ الصباح وبأن هاتفها الجوال مغلق.

عاد منهكاً إلى المنزل فلم يجدها، ولم يجد بالطبع ما يأكله.

حاول الإتصال بجوالها ثانية دون جدوى، ثم ما لبث أن أرشده عقله إلى الإتصال بمنزل والدتها التي قالت له بهدوء إن زوجته بحاجة إلى إراحة أعصابها وإلى البقاء وحدها بعيداً عنه لفترة.

لم يحاول الجدال معها لعلمه بأن (سمر) لن تغير رأيها بسهولة وأنها بحاجة إلى وجود أمها إلى جوارها في حالتها تلك.

وإتخذ قراره حينها بالذهاب إلى (هالة)...فمؤكد أنها ستهتم به وسيجد عندها الطعام الساخن والملابس النظيفة و...


قطع عليه تفكيره صوت هاتفه الجوال برسالة من المستشفى تطلبه بشكل طارئ فزفر في ضيق قائلاً ـ"أستغفر الله العظيم...ألا يوجد جراح غيري في هذا المستشفى؟"


قالها وإلتقط سلسلة مفاتيحه وغادر الشقة متجهاً إلى عمله ثانية، والذي إستغرقه حتى الصباح التالي. وحينما أنتهى كان الإرهاق قد بلغ معه حداً يجعله لا يكاد يرى أمامه، فلم يهتم حتى بسؤال زملائه ما إذا حضرت (سمر) إلى عملها أم لا.


غير أنه حينما فتح باب شقته ودلف إليها تبخرت من عقله كل أحلام النوم.

فقد كان شكلها يبدو مختلفاً...

ليس مختلفاً بشكل كبير، ولكنه مختلف بالنسبة لمن عاش فيها طيلة سبعة أشهر أو يزيد، ويتمتع بقوة ملاحظة خارقة


فقد لفت إنتباهه تحرك أحد مقاعد الأنتريه الوثير عن موضعه أمام غرفة النوم، مما يعني أنه كان يعوق خروج شيء من من بابها.

أسرع عند هذه النقطة إلى غرفة نومه وفتح بابها بقوة ليجد خزانة الملابس التي تحوي ثياب زوجته فارغة ومفتوحة على مصراعيها...

إلتفت برأسه إلى حيث المرآة ليلحظ إختفاء عطور زوجته ومستحضرات تجميلها...

وكأنما كان يحتاج إلى براهين أقوى على رحيلها فهرع إلى الحمام وفتحه ليكتشف إختفاء باقي متعلقاتها من شامبو وملطف و و و


حينها أسند ظهره إلى الجدار ورفع كفيه إلى وجهه للحظات قبل أن يخلل شعره بأصابعه ويتجه إلى الهاتف ويطلب رقم والدة زوجته.

وعلى غير هدوؤه المعتاد فوجئ بنفسه يهتف بوالدتها بعصبية ـ"أريد التحدث إلى (سمر) من فضلك".


أجابته والدتها بنفس الهدوء الذي يميزها قائلة ـ"(طارق) يا بُني..لا داعي للإنفعال..فالأمر لا يستحق". 

سألها في حنق ـ"إذا كان الأمر لا يستحق فما تفسير إختفاء كل متعلقات (سمر) من شقتها؟"


أجابته بثقة ـ"لقد أخبرتك من قبل أنها بحاجة إلى البقاء بعيداً لفترة، ومن الطبيعي أن تأخذ ملابسها لأنها لن تذهب إلى العمل بنفس الملابس كل يوم".


لم يبد عليه الإقتناع بما قالت، لكنه تنهد في عمق قائلاً ـ"سأتظاهر بالإقتناع بمبرراتك..ولكن من فضلك صليني ب(سمر)".


قالت بصدق ـ"أقسم لك يا بُني أنها في المستشفى...ستعود في المساء...هاتفها حينها وتفاهما سوياً".


هز رأسه بإستسلام ثم ما لبث أن عاد صوته إلى هدوؤه وهو يقول ـ"حسناً إذاً. سأهاتفها حينما أستيقظ".


قالها ثم أنهى المكالمة بود، فآخر ما يريده الآن هو أن يفقد دعم أهلها لموقفه وإصراره على بقائهما معاً.

وفي تكاسل نهض ليأخذ حماماً سريعاً، قبل أن يستلقي على فراشه ويستغرق في نوم عميق.


لم يدر كم مضى من الوقت وهو نائم، لكنه حينما إستيقظ كان الظلام يحيطه من كل جانب والجوع يقرص معدته...تذكر حينها أنه لم يتناول شيئاً منذ مساء اليوم السابق فنهض إلى المطبخ وأعد لنفسه طعاماً سريعاً تناوله بدافع من الجوع فحسب.

وبعد أن قضى ما فاته من صلوات إرتدى ملابسه وخرج إلى منزل أهل (سمر).


كان يتوقع ترحيبها به، لكنها على العكس إستقبلته ببرود وكأنه المسؤول عما بها...

والأدهى أنها لم تستمع إليه وهو يؤكد لها إستعداده وإصراره على مواصلة الحياة معها كأن شيئاً لم يكن...

وفي النهاية فاجأته بطلب الطلاق ثانية.


حينها نهض من مقعده بهدوء يتناقض وغليان مشاعره الداخلي وتنهد في عمق قائلاً ـ"سأتظاهر بأنني لم أسمع شيئاً، وسأنتظر عودتك في بيتنا".


قالها وخرج دون أن يضيف حرفاً، بعدما شعر بضيق يطبق على أنفاسه.


تجول بسيارته قليلاً في شوارع القاهرة المزدحمة قبل أن يجد نفسه بالقرب من النيل في منطقة هادئة.

فنزل من سيارته وإكتفى بالجلوس وهو يدخن ساهماً أمام صفحة النيل وهواء الليل المنعش يداعب شعره ويدغدغ أعصابه المتوترة حتى ما بعد منتصف الليل.

حينها شعر برجفة خفيفة تسري في أوصاله فخرج من شروده ووضع كفيه في جيبي سترته متحركاً إلى حيث سيارته، وأدارها متجهاً إلى شقته.


كان يتمنى الذهاب إلى (هالة) حتى يشعر ببعض الراحة، ولكنه كان يشفق عليها من الدخول في دوامة مشاكله مع (سمر)، لأنها ستلحظ توتره وضيق أعصابه ولن تهدأ حتى يُخرج ما بداخله.

لذا وجه السيارة إلى شقته الخاصة وهرب من ضيقه إلى النوم، عسى أن يرتاح عقله قليلاً.


حينما إستيقظ في الصباح التالي كان يشعر ببعض النشاط، ولكنه لم يستطع تجاهل الشعور بثقل يجثم على أنفاسه فإستهل يومه بتدخين سيجارة علها تزيح ذلك الشعور.


كان يدرك بحكم دراسته أن التدخين لن يفيده وإنما سيضره بشكل قاتل، ورغم ذلك كان يلهي نفسه بالتدخين حتى أجهز على نصف العلبة قبل أن يغسل وجهه.


وعلى عكس ما كان يمني نفسه، لم يزده التدخين إلا ضيقاً فوق ضيق، فنهض يأخذ حماماً منعشاً قبل أن يتصل بالمستشفى ويطلب إجازة عارضة لهذا اليوم بعد مجهود عمليات اليومين الماضيين.


قضى يومه يقلب في قنوات التلفاز، وبين الحين والآخر ينظر في شاشة هاتفه الجوال ليتأكد من تغطية الشبكة، ثم يرفع سماعة الهاتف الأرضي ليتأكد من وجود حرارة...ورغم ذلك لم يأته أي إتصال.

حتى كانت السابعة مساء.


تزامنت دقات ساعة الحائط مع رنة جرس الباب حتى أنه لم ينتبه إليه في البداية

ثم مالبث أن إنتبه مع الرنة الثانية وقام ليفتح الباب...


ولدهشته فقد كانت (سمر) أمامه هي وأمها وزوجها وأبنائه...ووالده.

ألجمته الدهشة للحظات قبل أن يهمس لزوجته ـ"لماذا تدقين الباب ومعك مفتاح؟"


لم تجبه وتهربت من نظراته فأشار إلى ضيوفه بالدخول وهو يقبل ظاهر كف والده بإحترام قائلاً ـ"مرحباً بك يا والدي".


وحينما جلس الجميع في صالة الإستقبال الأنيقة توقع أن يكون الهدف من الزيارة إعادة زوجته إلى بيتها فقال لها بإبتسامة واسعة ـ"لقد فعلت الصواب بعودتك إلى بيتك وبيت زوجك يا (سمر). هو أولى بك".


ولكن ما نطقه زوج والدتها في اللحظة التالية جعل الإبتسامة تتجمد على شفتيه و..


خرج من ذكرياته على صوت (هالة) الحنون وهي تسأله بإهتمام ـ"ماذا حدث يا (طارق)"؟


منحها نظرة خاوية وتنهد قائلاً بخفوت ـ"لقد أظهرت التحاليل والأشعات التي أجرتها(سمر) أنها لا تستطيع الإنجاب بأي شكل من الأشكال, ويبدو أنها كانت تعلم بذلك مسبقاً أو أنها أجرت هذه التحاليل من قبل دون أن تخبرني لأنها وافقت مُجبرة على إجرائها معي. وحين تأكدت من استحالة حملها طلبت الطلاق."


سألته بصوت مختنق وعيناها لا تفارقان وجهه ـ"وماذا فعلت؟"


هز كتفيه قائلاً ـ"رفضت بالطبع. إنها زوجتي وأحبها فلماذا تطلب الانفصال؟"


ازدردت(هالة) لعابها في صعوبة وهي تجيبه قائلة ـ"لأنها تحبك, وحين أيقنت أنها عاجزة عن تحقيق حلمك في أن يكون لك ابناً من صلبك شعرت بأنها تظلمك بالبقاء معها."


هز رأسه نفياً وهو يقول بإصرار ـ" من تحب لا تفعل ما فعلته(سمر)."


قالت بهدوء ـ"إحساسها بالنقص جعلها..."


قاطعها قائلاً بحنق ـ"جعلها ماذا؟ جعلها تترك البيت وتجمع أهلها وأبي لإقناعي بتطليقها؟ جعلها تحرجني أمام كل العاملين بالمستشفى بطلبها الطلاق علانية؟"


اتسعت عيناها في دهشة وقالت باستنكار ـ"أفعلت كل هذا؟ لماذا؟"


هز كتفيه في حيرة قبل أن يقول ـ"لقد كنت مصراً على أن نواصل حياتنا سوياً بشكل عادي, وأن الطب يتقدم كل يوم وأنها قد تستيقظ في أحد الأيام لتجد نفسها حاملاً, وكنت أكثر إصرارا على أنني أستطيع الحياة معها دون أطفال على الإطلاق, إلا أن اهانتنها لي وجرحها لكرامتي أفقدني اتزاني وجعلني أطلقها في غمرة انفعالي أمام الجميع."


شهقت باستنكار قائلة ـ"أتعني أن كل هذا حدث بالمستشفى؟"


أومأ برأسه إيجاباً في صمت ثم ما لبث أن قال ـ"فوجئت بها تأتي إلى شقتنا بصحبة أهلها ووالدي، والذين اجتمعوا لإقناعي بتطليقها, وفوجئت بأبي_ على غير توقع_ يطلب مني أن أطلقها ما دامت تريد ذلك. شعرت بأن شيئاً عزيزاً يؤخذ مني غصباً والمطلوب أن أعطيه عن طيب خاطر, لذا رفضت وبشدة أن أترك زوجتي وأصريت على أنني مازلت أحبها وأن موضوع الإنجاب لا يشكل فارقاً كبيراً بالنسبة لي. ويبدو أن والدي لم يكن يعرف بأمر الإنجاب هذا, إذ إزدادت حدة لهجته فجأة وهو يحاول إقناعي بالطلاق. المهم هو أنني رفضت طلبهم جميعاً وقلت إنها ستظل زوجتي وإنه ما من قوة في الأرض ستجعلني أتركها أو أضحي بها."


وتوقف عن الحكي للحظات أشعل فيها سيجارة بيده اليسرى تاركاً يمناه راقدة بين كفي(هالة), وقال بعد أن نفث الدخان بعيداً عن وجهها ـ"بعد انصرافهم ظل أبي معي يحاول إقناعي بتركها ما دامت غير قادرة على الإنجاب, وأثارني موقفه. شعرت لحظتها بأن الغرض الرئيسي لزواجي منها هو الإنجاب وليس لأننا متحابان. وسألته حينها هل كان رأيه سيظل كما هو لو أن ابنه هو العاجز عن الإنجاب؟ لكنه لم يجبني. وبعد انصرافه أحسست بالدماء تزداد غلياناً في رأسي وعدت إلى التدخين بشراهة."


وتوقف عن الحديث للحظة أخذ فيها نفساً عميقاً من السيجارة أتى على نصفها وتابع بعد أن نفثه في هواء الغرفةـ"لم يغمض لي جفن بقية الليل, وصباح اليوم فوجئت بيدي ترتجف فخرجت من غرفة العمليات محطماً نفسياً. خرجت لأجدها واقفة أمامي عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتنظر لي في تحفز. سألتها في هدوء عن سبب وقوفها هكذا فأجابتني ببرود قائلة’طلقني‘. حاولت إثنائها قائلاً أننا سنواصل الحديث في بيتنا فعلا صوتها وطالبتني بتطليقها فوراً واتهمتني بأنني عديم الكرامة لأنني أريد الحياة معها غصباً, فلم أتمالك نفسي وطلقتها".


قالها وعاد لأخذ نفس آخر من السيجارة قبل أن تلتقطها(هالة) من بين أصابعه وتطفئها في منفضة مجاورة وتنهض قائلة في ذهول ـ"أكاد لا أصدق ما تقول, إنك تتحدث عن(سمر) أخرى غير التي طالما تحدثت عنها في حب. لكن تفسيري الوحيد لما فعلت هو أنها أرادت أن تبتعد عنك برغبتها قبل أن تهجرها أنت. ولا تنس أنها كانت تشعر بانعدام الأمان من قبل, وعاد إليها هذا الشعور عندما اكتشفت مشكلتها تلك. قد يكون رد فعلها مبالغاً فيه ولكنني واثقة من أنها مازالت تحبك وأنها ستهدأ بمرور الوقت. وقريباً جداً ستعودا إلى منزلكما سوياً."


هز رأسه نفياً وقال بشك ـ"أستبعد ذلك."


وبداخله كان يشعر بأن قلبه لم يعد عاشقاً كسابق عهده.


***********************************


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من هنا


🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS