أخر الاخبار

روايه لا تترك يداي بقلم هند رفاعي حصريه علي مدونه النجم المتوهج للرويات والمعلومات الفصل الاول

روايه لا تترك يداي بقلم هند رفاعي حصريه علي مدونه النجم المتوهج للرويات والمعلومات الفصل الاول 


قالت مريم لخالد فأجابها
"عليه افضل الصلاة والسلام. الاول قولي لي انت في سنة كام؟"
"انا عمري ما دخلت مدارس."
"يا بنتي ما كنت أشوفك بتذاكري وانت تبيعي المناديل."
"ده لزوم الشغل."
+

"ازاي بقى؟"

"لما الناس تشوفني وانا بذاكر اصعب عليهم ويدوني فلوس اكتر."
"آه. قولت لي بقى. طيب ايه حكايتك بقى وايه حكاية الناس اللي كانت بتجري وراك؟"

"أنا مش فاكرة اهلي ولا اعرفهم. واحد هو اللي لاممنا ومسرحنا نشحت ونبيع مناديل. الاول كنت بشحت وبعدين بقيت ابيع مناديل في الشارع."

رفع خالد حاجبه متعجبا.

"مش كنت بتقولي انهم قتلوا اخوك. ازاي مش عارفة اهلك؟"

"أخويا عمر كان عايش معي ويشحت معي. احنا عشر عيال عايشين مع بعض. هم قالوا لي انه اخويا. وكمان هو كان شبهي قوي. علشان كدة اتاكدت انه اخويا."

"وبعدين قتلوه ازاي؟"

"كل كام شهر يجي ناس لعم إسماعيل يدوا له فلوس وياخدوا واحد او اتنين مننا."

"عم إسماعيل مين؟"

"الرجل اللي مسرحنا."

"وهو جايب العيال ده كلها منين؟"

"عيال تايهة او اوقات بياخدهم هو."

أتسعت حدقتي خالد بصدمة.

"يعني بيخطف العيال؟"

"آه."

"وما حاولتيش تبلغي البوليس ليه انت او اي حد تاني معك؟"

"يا بيه هو البوليس فاضي لحد ولا بيعبر حد من اللي زينا."

سألها بعصبية وضيق مما سمع.

"والناس اللي بتيجي تاخد عيال من عم اسماعيل ولا عم زفت ده بيودوهم فين؟"

"محدش فينا يعرف لكن من سنة قرر عم اسماعيل انه يبيعني لهم وعمر رفض."

"عمر مين؟"

"أخويا عمر الله يرحمه."

"كملي حصل ايه لما اخوك رفض؟"

STORY CONTINUES BELOW

* * *

فلاش باك

في ليلة ممطرة من أشد ليالي الشتاء برودة وقسوة. كان عمر وإسماعيل يتجادلان على بيع مريم في ورشة إسماعيل الخاصة بتصليح السيارات. وقف عمر بشجاعة تفوق سنه الصغير وجسمه الهذيل وعارض أسماعيل في قراره

"بص يا عم اسماعيل اختي مش هتروح في اي حتة بعيد عني."

"واشمعنى بقى اختك يعني؟ ما كلكم اخوات هنا وعمرك ما اتكلمت قبل كدة."

ثار فيه الطفل الصغير.

"مريم اختي من دمي."

"وعرفت منين؟ هو حد يعرف لكم اصل من فصل. ما يمكن تكونوا ولاد حرام انتم الاتنين."

استشاط عمر غضبا لسماعه هذه الكلمات. تجمعت الدموع في عينيه وأبت أن تستلم لضعفه أمام هذا الوحش المتنكر في صورة إنسان. تلفت حوله فوجد مفك ملقى على منضدة. فقبض عليه وهم لطعن هذا الخنزير. أدرك إسماعيل نية هذا الطفل المسكين. فبرغم ضعفه وعجزه إلا أنه طفل ذو كرامة لا يقبل الضيم. فمسك يد عمر ولوى ذراعه وراء ظهره واخذ منه المفك بسهولة ودفعه على الارض.

"أيه يا يلا انت هتعمل نفسك رجل علي ولا أيه. ما تنساش نفسك هنا."

رفس اسماعيل عمر في بطنه بعنف. فبكى الطفل والدماء تنزف من فمه.

"ربنا ينتقم منك."

"بكرة هاخلص منكم انتم الاتنين. مش عاوز تسيب اختك تمشي لوحدها. هتروح معها انت كمان."

فلاش باك انتهى

مسحت مريم دموعها وصمتت للحظة. سألها خالد بعدما هدأت.

"يعني باعكم انتم الاتنين؟"

أجابته بصوت متحشرج.

"لا."

"أمال ايه؟"
"تاني يوم الناس جت علشان تاخدني. عم اسماعيل قال لهم انه عاوز يبيع عمر كمان معي. الناس قالوا انهم محتاجين واحد بس فينا المرة ده. أخدونا إحنا الاتنين لمستشفى كبيرة وأخدوا مني ومن عمر حقنة دم وبعدها أخدوا عمر ورجعوني أنا لعم اسماعيل."
+

"وبعدين؟"

"تاني يوم وانا رايحة ابيع المناديل زي كل يوم. شوفت الناس ملمومة حولين مقلب زبالة. مش عارفة ليه قربت اشوف في ايه. مع ان على طول بامشي في حالي. لما قربت سمعت واحد يقول 'حوشوا الكلب ده. يحسن ياكل الجتة'

STORY CONTINUES BELOW

"قلبي اتقبض لما سمعت الكلمة ده. خوفت اقرب اكتر. وبعدين سمعت واحدة ست بتقول 'يا عيني ده عيل صغير. تلاقيه مخطوف'

"مش عارفة ليه رجلي مشيت لوحدها وقربت منهم. بصيت وشوفت دم ناشف كتير قوي على الأرض. وبعدين عيني لمحته. لاقيت عمر مرمي في مقلب الزبالة. بطنه كانت مفتوحة من اولها لأخرها. وفاضية خالص مافيهاش اي حاجة. بصيت على وشه. لاقيت عينيه مكانها فاضي. فضلت اصوت واصوت لغاية لما ما درتش بالدنيا كلها."

علت شهقات بكاء مريم والتفت بعض الركاب تجاههما. حاول خالد تهدئتها.

"أهدي طيب."

بعد دقيقة مر عامل القطار أشترى خالد عبوتان عصير وسندوتشات وأعطى منها لمريم. أخذت العصير والسندوتشات وأكلت وهدأت بعض الشيء. فسألها خالد:

"بعد اللي حصل ده برضه ما روحتيش للبوليس؟"

"لما البوليس جه وشاف ال...."

صمتت مريم لبرهة ثم اكملت.

"اخدوا عم اسماعيل معهم. لكنه قال لهم انه ما يعرفش اي حاجة. هو بيعطف علينا بس اولاد الشوارع وبيدينا اكل واوقات فلوس بس. بيتصدق علينا وهو ما يعرفش اي حاجة عن اللي حصل لعمر. قعد يومين في القسم وطلع تاني."

"وانتم حصل لكم ايه بعد ما البوليس جه؟"

"مفيش جم ناس واخدونا كلنا وحطونا في ملجأ."

"كويس."

"لا مش كويس يا بيه."

"ليه بس؟ وبعدين مش اتفقنا مفيش بيه ولا تيه."

"نار عم اسماعيل ولا جنة الملجأ. المشرفات هناك كانوا مجانين. كل شوية ضرب وتلطيش فينا على الفاضي والمليان. تجويع وضرب وتعذيب وكنا ساكتين قولنا المهم في سقف يضلنا احسن من الشارع."

"امال سيبتي الملجأ ليه؟"

"كان في بنت اسمها سعدية كانت اكبر مني بسنة او اتنين. كانت حلوة وجسمها فاير كانت عاملة زي الفرسة. في يوم المشرفة طلبت مني اكنس جنينة الدار. وانا بكنس سمعت صوت مكتوم. قربت شوية لاقيت غرفة البواب طالع منها اصوات غريبة. فتحت الباب بشويش وبصيت لاقيته مكتف البت سعدية ومقطع لها هدومها ولامؤاخذة يعني....... بيتهجم عليها. كان في جاروف حديد جنب الباب. مسكته بالراحة من غير ما يحس بي خالص وقربت وضربته على دماغه. ومسكت ايد سعدية وخليتها تلبس جلابية البواب وهربنا انا وهي."

"هربتوا كدة عادي؟ مفيش حد وقفكم؟"

"يا بيه."
نظر خالد لها نظرة تحذيرية.

"أسفة يا خالد. الملاجئ ده محدش فيها بيهتم بحد ويتمنوا اننا نمشي ونسيبهم. هم وانزاح من على كتافهم."
+

"ورجعتوا تاني لعم اسماعيل؟"

"مالناش غيره. فضلنا في الشارع لوحدنا كلاب السكك ما سابتناش في حالنا. قولنا نبقى في حمايته احسن ما يبقى ظهرنا عريان."

"طيب ليه هربتي منه تاني الليلة؟"

"الناس اللي أخدوا عمر جم علشان ياخدوني. أنا عرفت انهم هيقتلوني زي عمر. هربت من عم اسماعيل قبل ما يسلمني لهم. لكن هو وصبيانه كانوا بيجروا ورايا وقت ما شوفتك."
4

"طيب وبعدين هتعملي ايه وهتروحي فين كدة؟"

"مش عارفة. أنت شكلك طيب وابن حلال ما تاخدني عندكم في البيت خدامة. انا مش عاوزة فلوس ولا مرتب. وهاشتغل واعمل اي حاجة تطلبوها مني. انا مش طالبة غير متر في متر على البلاط افرش عليه وانام اخر الليل. نفسي في حيطان تلمني وسقف يضلني. عيشة الشارع صعبة قوي. ولو رجعت تاني للشارع هاموت. أنا اموت نفسي ولا اني ارجع تاني للشارع."

"بس أنا ما ينفعش اخدك معي البيت. أنا عايش لوحدي."

"أمال الست الحاجة فين؟ ده أحن واحدة بتديني فلوس. كفاية دعواتها الحلوة ووشها السمح."

ظهر على وجه خالد تعبيرات الحزن وبرقت عينيه بدموع وقال بنبرة حزن.

"الحاجة تعيشي انت."

تغيرت ملامح مريم للحزن وقالت له:

"لا حول ولا قوة إلا بالله. أمتى؟ لسة مش شهر تقريبا شوفتكم وانتم داخلين المستشفى."

"يوم ما شوفتينا كانت تعبت وديتها المستشفى وبعدها بيومين اتوفت."

"البقاء لله. ما تزعلش. ده ست طيبة قوي. وإن شاء الله تكون في الجنة. ربنا يرحمها ويغفر لها ويصبرك."

"الله يخليك."

بعد فترة صمت بسيطة سألته مريم

"أمال انت عايش لوحدك خالص كدة؟"

"أيوة والدي متوفي من سنتين. وماليش أخوات."

"أمال انت مسافر لمين؟"

"مسافر عند عمي. أول لما خلصت امتحانات رفض اني اقعد لوحدي في البيت وطلب مني اروح اقعد عنده فترة الاجازة."

"طيب ينفع تخليني اقعد عند عمك؟"

"مش عارف هيوافق ولا لأ. هي مراته كبرت وما عندهوش بنات يمكن تحتاج حد يساعدها في البيت."

"يا ريت تقول لهم أنا بجد مش عارفة اروح فين ولا اعمل ايه."

"ربنا ييسر الحال."

صمتا الاثنان. تطلع خالد من الشباك للظلام الدامس في الخارج وسرح في حياته التي تغيرت تماما بعد وفاة امه. فهو وحيد تماما في هذه الدنيا مثله مثل مريم ولكنه حمد الله كثيرا على نعمه. فقد كان يشكو الوحدة ولم يدرك أنه يتمتع بنعم كثيرة حرم منها غيره. فهناك مكان له في هذه الحياة. له بيت يعيش فيه بحرية وان كان وحيدا فيه. وهناك دخل من ميراث والده يكفي لإحتياجاته.

تعجب خالد أنه بمقابلة مريم اختلفت نظرته لحياته. فبعدما كان يشكوا حاله هو الان يحمد الله عز وجل عليها كثيرا ويشعر انه أفضل بكثير من كثير من البشر.

بعد فترة التفت خالد لمريم ووجدها نائمة. ورأسها تترنح مع حركة القطار. تردد قليلا ثم أنزل حقيبته الاخرى من على الرف واخرج منها جاكت ثقيل وبنطال جينز. طوى البنطال واقترب من مريم وهو ممسك بالجاكت في يد والبنطال في الاخرى ودون أن يلمسها عدل رأسها ووضع البنطال وراء رأسها. ثم فرد الجاكت ووضعه على جسدها. بعد ذلك اسند رأسه على الشباك واغمض عينيه واستسلم للنوم مترنحا مع رجرجات القطار.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close